الأربعاء، 1 سبتمبر 2021

أثر الإيمان بالله تعالى في تحقيق الأمن النفسي

 

أثر الإيمان بالله تعالى في تحقيق الأمن النفسي


أولاً: أثر الإيمان بالله تعالى في تحقيق الأمن النفسي:

إن للإيمان بالله تعالى دوراً هام في تحقيق الأمن النفسي للإنسان كل بحسب درجة إيمانه، فكل ما زاد الإيمان زادة الطمأنينة الحاصلة للإنسان وزاد انتفاعه بهذا الإيمان، وآثار الإيمان بالله في تحقيق الأمن النفسي كثيرة متنوعة متجددة من أبرزها:

تحقيق الأمن والهداية للإنسان فتحصنه وتحميه من مزالق خطيرة ومنغصات متعددة يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].

 

فقد حكم الله تعالى للمؤمنين بالأمن التام والهداية، خاصة أن هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ﴾ فلأمن أحق ما يكون مرتبطاً بالمسلمين.

 

الإيمان بالله تعالى يورث الإنسان الحياة الطيبة المطمئنة خالية من المنغصات النفسية والاضطرابات الروحية، فروح الإنسان هادئة طيبة تعيش منسجمة مع ذاتها ومع محيطها، تحيطها السكينة والأمن، محصنة من عوادي النفس الإمارة بالسوء، يقول تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97].

 

يقول ابن كثير رحمه الله: ( هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا -وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة نبيه من ذكر أو أنثى من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله - بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة.

 

والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت ). تفسير القرآن العظيم: (4/ 601).

 

وقال ابن عاشور: ( والطيب: ما يطيب ويحسن. وضد الطيب: الخبيث والسيء. وهذا وعد بخيرات الدنيا. وأعظمها الرضى بما قسم لهم وحسن أملهم بالعاقبة والصحة والعافية وعزة الإسلام في نفوسهم. وهذا مقام دقيق تتفاوت فيه الأحوال على تفاوت سرائر النفوس، ويعطي الله فيه عباده المؤمنين على مراتب هممهم وآمالهم. ومن راقب نفسه رأى شواهد هذا ). التحرير والتنوير:(13/ 220).

 

إن الإيمان بالله تعالى وحده يزكي النفس ويطهرها من أدران الشرك ومتعلقاته، تلك الأدران التي تمرض الروح وتوهن النفس وتجعلها عرضة لكل أنواع الاضطرابات النفسية، ذلك أن إصلاح اعتقاد النفس البشرية بجعلها معبدة لله وحده هو (أهم ما ابتدأ به الإسلام، وأكثر ما تعرض له؛ وذلك لأن إصلاح الفكرة هو مبدأ كل إصلاح؛ ولأنه لا يرجى صلاح لقوم تلطخت عقولهم بالعقائد الضالة، وخسئت نفوسهم بآثار تلك العقائد المثيرة، خوفا من لا شيء، وطمعا في غير شيء. وإذا صلح الاعتقاد أمكن صلاح الباقي؛ لأن المرء إنسان بروحه لا بجسمه ). ابن عاشور: التحرير والتنوير:(3/ 51).

 

الإيمان بالله يورث النفس الهداية للخير عند حلول المصائب التي تطيش بعقل وروح الإنسان فلربما أهلكته ودفعته إلى أفعال كارثية عليه أو على غيره، فالأيمان بالله يورث هداية للنفس تخرجه من مصيبته وتهديه للتعاطي الإيجابي مع هذه المصيبة فتزيده خيرا على خير، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.

 

قال ابن كثير: ( أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعَوَّضه عما فاته من الدنيا هُدى في قلبه، ويقينا صادقًا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرًا منه) تفسير القرآن العظيم: (8/ 137).

 

وفي الحديث المتفق عليه: "عجبًا للمؤمن، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له، إن أصابته ضَرَّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سَرَّاء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن".

 

الإيمان بالله جالب لفتح أبواب الخير من البركات السماوية والأرضية، الروحية والجسدية، قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].

 

وفي هذا دلالة على أن الله يجازي عباده الصالحين المؤمنين به بطيب العيش ظاهراً وباطناً، حساً ومعناً، جسداً وروحاً.

 

الإيمان بالله تعالى يدخل الإنسان المؤمن في حمى الله تعالى، ومن كان تحت رعاية الله وحفظه ما كان ليضيع، وهذا الشعور يورث الإنسان السكينة والأنس، ويشعره بالأمن والطمأنينة وراحة البال وطيب العيش من جميع العوادي الحسية، بل والمعنوية والروحية أيضاً، قال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾.

 

قال ابن كثير:( يخبر تعالى أنه يدفع عن عباده الذين توكلوا عليه وأنابوا إليه شر الأشرار وكيد الفجار، ويحفظهم ويكلؤهم وينصرهم، كما قال تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر:36] وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3] ). تفسير القرآن العظيم:(5/ 433).

 

وقال ابن سعدي:( هذا إخبار ووعد وبشارة من الله، للذين آمنوا، أن الله يدافع عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم كل شر -بسبب إيمانهم- من شر الكفار، وشر وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره، ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غاية التخفيف. كل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقل ومستكثر) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان:( 539).

 

الإيمان بالله وحده يصلح البال والقلب والعقل والنفس قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾.

 

( والبال: يطلق على القلب، أي العقل، وما يخطر للمرء من التفكير وهو أكثر إطلاقه ولعله حقيقة فيه ).

وإصلاح البال يجمع إصلاح الأمور كلها؛ لأن تصرفات الإنسان تأتي على حسب رأيه، فالتوحيد أصل صلاح بال المؤمن، ومنه تنبعث القوى المقاومة للأخطاء والأوهام التي تلبس بها أهل الشرك.

 

فالإيمان بالله يقيم قلوب وعقول ونفوس المؤمنين، فلا يفكرون إلا صالحاً، ولا يتدبرون إلا ناجحاً.

 

كل ذلك بسبب أصيل قويم وهو إيمانهم بالله وحده واتباعهم للحق الذي نزل ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾. انظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير:(26/ 62-64).

 

ثانياً: أثر الإيمان بالملائكة في تحقيق الأمن النفسي:

الإيمان بالملائكة يورث الإنسان الاستقامة على أمر الله حين يعلم بأن هناك من يدون ويسجل كل تصرفاته وأعماله، فيحرص على سلامة سجله مما يشن ويدين فيثمر ذلك تصحيح العمل والأوبة إلى الله تعالى، مما يورث الأمن والسكينة النفسية للإنسان، قال تعالى: ﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17، 18].

 

الإيمان بالملائكة وأنها تحفظه وتحرسه من أمر الله، تورث الإنسان الطمأنينة بأن هناك من يراعه ويحميه ويحفظه من كل سوء وأذى، قال تعالى:﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾.

 

قال ابن كثير:( للعبد ملائكة يتعاقبون عليه، حَرَس بالليل وحَرَس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين وعن الشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحداً من ورائه وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل بدلا حافظان وكاتبان) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم:(4/ 437).

 

وقال كعب الأحبار:( لو تجلَّى لابن آدم كل سهل وحزن، لرأى كل شيء من ذلك شياطين لولا أن الله وكَّل بكم ملائكة عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم، إذا لتُخُطّفتم ). تفسير القرآن العظيم:(4/ 437).

 

وقال أبو أمامة: ( ما من آدمي إلا ومعه ملك يَذُود عنه، حتى يسلمه للذي قدر له ). ابن كثير: تفسير القرآن العظيم:(4/ 437).

 

وقال أبو مِجْلَز: جاء رجل من مُرَاد إلى علي رضي الله عنه وهو يصلي، فقال: احترس، فإن ناسًا من مراد يريدون قتلك. فقال: (إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدّر، فإذا جاء القَدَرُ خَليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حَصِينة ). ابن كثير: تفسير القرآن العظيم:(4/ 437).

 

الإيمان بالملائكة وأنها تقف بالمرصاد لوساوس الشيطان بتحريك بواعث الخير في النفس، تورث الإنسان الأمن النفسي الروحي من جهة أن الإنسان غير متروك لوساوس الشيطان المزين للشهوات والسيئات فقط، بل هناك أيضاً ملك طاهر زكي يأمر النفس بفعل الخير والبعد عن الشر، ففي الحديث:" ما منكم من أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة ".

 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأمّا لمة الشيطان، فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأمّا لمة الملك، فإيعاد بالخير، وتصديق بالحق، فمن وجد من ذلك شيئاً فليعلم أنّه من الله، وليحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: ﴿ الشَّيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مَّغفرةً منه وفضلاً والله واسع عليمٌ ﴾ [البقرة: 268] ".

 

بل نجد أن هناك ملاكاً يصارع الشيطان ويبادره في توجيه المرء إلى فعل الخير والصواب، فعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا أوى الإنسان إلى فراشه، ابتدره ملك وشيطان، فيقول الملك: اختم بخير، ويقول الشيطان: اختم بشرّ، فإذا ذكر الله تعالى حتى يغلبه - يعني النوم - طرد الملك الشيطان، وبات يكلؤه فإذا استيقظ، ابتدره ملك وشيطان، فيقول الملك: افتح بخير، ويقول الشيطان: افتح بشر، فإن قال: الحمد لله الذي أحيا نفسي بعدما أماتها، ولم يمتها في منامها، الحمد لله الذي يمسك التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، الحمد لله الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده الحمد لله يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، طرد الملك الشيطان وظل يكلؤه ".

 

الإيمان بالملائكة يوجب محبتهم وهي محبة متبادلة بين الملائكة والمؤمنين تورث القبول في الأرض، مما يستجلب السكينة والأمن الروحي للمسلم حيني علم بأن الله وأفضل خلقه يحبونه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحبّ فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثمّ يوضع له القبول في الأرض ".

 

الإيمان بالملائكة وأنهم يصلون على المؤمنين بالدعاء لهم، والاستغفار لهم يورث النفس الهدوء والطمأنينة والسكينة والمبادرة إلى فعل الخيرات الجالبة لدعاء الملائكة الأبرار المستجاب عند الله، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب:43].

 

قال ابن كثير:( الصلاة من الملائكة، فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار كقوله: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ﴾ الآية. [غافر: 7-9]) تفسير القرآن العظيم:(6/ 436).

 

الإيمان بالملائكة وأنهم يقاتلون مع المؤمنين ويثبتونهم في حروبهم، يورث الأمن والثبات لدى المؤمن عند حلول المصائب والنكبات، قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾.

 

كما ثبت في الصحاح: أن جبريل جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الخندق وقد وضع سلاحه واغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، أخرج إليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فأين؟ " فأشار إلى بني قريظة.

 

ثالثاً: أثر الإيمان بالكتب في تحقيق الأمن النفسي:

إن الإيمان بالكتب السماوية تمنح النفس الشعور بالأمن والسكينة من جهة أن الله تعالى لم يترك الخلق يتخبطون في البحث عن السبل القويمة التي تجلب لهم المصالح وتدفع عنهم المفاسد، فأنزل كتبه التي تضم أحكامه وشرائعه، قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48].

 

الإيمان بالقرآن الكريم يورث الأمن التام من جهة أنه كتاب هداية أنزله الله للبشر، ونور ينير لهم الطريق.

قال تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [ طه:123-124].

 

قال ابن عباس – رضي الله عنهما- في تفسير الآيتين: ( تضمن الله لمن قرأ القرآن، واتبع ما فيه أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة )[1].

 

وقال تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16].

 

قال ابن كثير رحمه الله: ( أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله على نبيه الكريم، فقال:  ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ﴾ أي: طرق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة ﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ أي: ينجيهم من المهالك، ويوضح لهم أبين المسالك فيصرف عنهم المحذور، ويحصل لهم أنجب الأمور، وينفي عنهم الضلالة، ويرشدهم إلى أقوم حالة.)[2].

 

الإيمان بالقرآن الكريم يورث الأمن التام من جهة أنه كتاب معصوم من الخطأ قوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران:103].

 

قال ابن بطال: ( لا عصمة لأحد إلا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو في إجماع العلماء على معنى في أحدهما )[3].

 

وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله "[4] الحديث.

( أي: بالتمسك به، والعمل بمقتضاه )[5].

 

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم، وإن هذا القرآن هو حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عصمة من تمسك به، ونجاة من تبعه، لا يعوج فيقوم، و لا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق عن كثرة الرد "[6].

 

الإيمان بالقرآن الكريم يورث الأمن التام من جهة أنه كتاب يقود إلى الجنة فعن جابر - رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القرآن مُشَفَّعٌ، وماحِلٌ مُصَدَّقٌ، من جعلهُ إمامهُ قادهُ إلى الجنة، ومن جعله خلفَ ظهرهِ ساقهُ إلى النار"[7].

 

لأنه (القانون الذي تستند إليه السنة والإجماع والقياس، فمن لم يجعله إمامه فقد بنى على غير أساس، فانهار به في نار جهنم )[8].

 

الإيمان بالقرآن الكريم يورث الأمن التام من جهة أن القرآن كلية الشريعة وعمدة الملة، وأنه لا طريق إلى الله سواه، به النجاة والسلامة، وبتركه الخسران والضلال والانحراف.

قال الشاطبي رحمه الله:( إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه، وهذا كله لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه؛ لأنه معلوم من دين الأمة، وإذا كان كذلك؛ لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها، واللحاق بأهلها، أن يتخذه سميره وأنيسه، وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي؛ نظرًا وعملًا، لا اقتصارًا على أحدهما؛ فيوشك أن يفوز بالبغية، وأن يظفر بالطلبة، ويجد نفسه من السابقين في الرعيل الأول، فإن كان قادرًا على ذلك، ولا يقدر عليه إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب، وإلا؛ فكلام الأئمة السابقين، والسلف المتقدمين آخذ بيده في هذا المقصد الشريف، والمرتبة المنيفة )[9].

 

الإيمان بالقرآن الكريم يورث الأمن التام من جهة أن للقرآن قدرة على شفاء أمراض القلوب بشقيها:( الشبهات، والشهوات) لما فيه من البينات، والأدلة القطعية التي تزيل كل مرض وآفة.

قال ابن القيم رحمه الله: ( جماع أمراض القلب هي: أمراض الشبهات والشهوات.

 

والقرآن شفاء للنوعين، ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل، فتزول أمراض الشبه المفسدة للعلم والتصور، والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه،وليس تحت أديم السماء كتاب متضمن للبراهين، والآيات على المطالب العالية: من التوحيد، وإثبات الصفات، وإثبات المعاد، والنبوات، ورد النحل الباطلة والآراء الفاسدة مثل القرآن، فإنه كفيل بذلك كله متضمن له على أتم الوجوه وأحسنها وأقربها إلى العقول، وأفصحها بيانا فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك، ولكن ذلك موقوف على فهمه، ومعرفة المراد منه، فمن رزقه الله تعالى ذلك أبصر الحق، والباطل عياناً بقلبه، كما يرى الليل والنهار، وعلم أن ما عداه من كتب الناس وآرائهم ومعقولاتهم: بين علوم لا ثقة بها، وإنما هي آراء وتقليد، وبين ظنون كاذبة لا تغني عن الحق شيئاً، وبين أمور صحيحة لا منفعة للقلب فيها، وبين علوم صحيحة قد وعروا الطريق إلى تحصيلها، وأطالوا الكلام في إثباتها مع قلة نفعها فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل، وأحسن ما عند المتكلمين وغيرهم، فهو في القرآن أصح تقريراً، وأحسن تفسيراً، فليس عندهم إلا التكلف، والتطويل، والتعقيد )[10].

 

رابعاً: أثر الإيمان بالرسل في تحقيق الأمن النفسي:

الإيمان بالرسل يورث الأمن التام والسكينة من جهة عصمة الأنبياء والرسل فقد (اجتمع كل من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم على أنه معصومٌ، فيما يبلغه عن الله، فلا يستقر في خبره خطأ، كما لا يكون فيه كذب، فإن وجود هذا وهذا في خبره يناقض مقصود الرسالة، ويناقض الدليل الدال على أنه رسول )[11].

 

قال الشاطبي رحمه الله:( فاعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مؤيد بالعصمة، معضود بالمعجزة الدالة على صدق ما قال وصحة ما بيّن، وأنت ترى الاجتهاد الصادر منه معصومًا بلا خلاف؛ إما بأنه لا يخطئ ألبتة، وإما بأنه لا يقر على خطأ إن فرض )[12].

 

وقال دراز رحمه الله:( التنزيه وعصمة الأنبياء من المقطوع في عمومه بالأدلة القطعية والنقلية، فكل ما ورد مخالفًا لذلك من جزئيات الأدلة يعلم أنه ليس بمخصص، فيجري فيه أحد الأمرين المذكورين: إما التأويل، أو الإهمال )[13].

 

كما أن (الإيمان مبناه على: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يخبر به عن الله معصوم في خبره، وعلى أنه جاء بهذا الكتاب، وعلى أنه أراد من الأمة أن يثبتوا حقائقه ويفهموه ويتدبروه، ولا ينفوا حقائق ما أخبر به ويقروا بلفظه، فلا يمكن وجود الأيمان بالرسول إلا بهذه الأصول الثلاثة )[14].

 

الإيمان بالرسل يورث الأمن التام والسكينة من جهة أن خضوع الإنسان لتعاليم الأنبياء وتشريعاتهم تحقق السعادة والأمن التام للإنسان في الدارين.

 

قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].

 

وقال تعالى: ﴿ طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [ طه:1-2].

( أي: ليس المقصود بالوحي، وإنزال القرآن عليك، وشرع الشريعة، لتشقى بذلك، ويكون في الشريعة تكليف يشق على المكلفين، وتعجز عنه قوى العاملين.

 

وإنما الوحي والقرآن والشرع، شرعه الرحيم الرحمن، وجعله موصلا للسعادة والفلاح والفوز، وسهله غاية التسهيل، ويسر كل طرقه وأبوابه، وجعله غذاء للقلوب والأرواح، وراحة للأبدان، فتلقته الفطر السليمة والعقول المستقيمة بالقبول والإذعان، لعلمها بما احتوى عليه من الخير في الدنيا والآخرة) السعدي: تيسير الكريم:(501)..

 

وفي بيان وظيفة الرسل والأنبياء قال -صلى الله عليه وسلم-:" أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة، ويباعدكم من النار، إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار، ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه "[15].

 

الإيمان بالرسل يورث الأمن التام والسكينة من جهة أن الرسل إنما جاؤوا بشرائع مقصودها حفظ:( الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال) وحفظ هذا الضروريات يورث الاستقرار النفسي التام، ويمنح النفس السكينة والأمن.

 

يقول العز بن عبد السلام رحمه الله: (معظم مقاصد القرآن: الأمر باكتساب المصالح وأسبابها، والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها )[16].

 

ويقول أيضاً رحمه الله: (الشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفاسد، أو تجاب مصالح، فإذا سمعت الله يقول: ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ فتأمل وصيته بعد ندائه، فلا تجد إلا خيراً يحثك عليه،أو شراً يزجرك عنه، أو جمعاً بين الحث والزجر، وقد أبان في كتابه ما في بعض الأحكام من المفاسد؛ حثاً على اجتناب المفاسد، وما في بعض الأحكام من المصالح حثاً على إتيان المصالح )[17].

 

يقول الشاطبي رحمه الله: (إذا ثبت أن الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية، وذلك على وجه لا يختل لها به نظام، لا بحسب الكل ولا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات، أو الحاجيات، أو التحسينيات.... فلا بد أن يكون وضعها على ذلك الوجه أبدياً وكلياً، وعاماً في جميع أنواع التكاليف والمكلفين، وجميع الأحوال، وكذلك وجدنا الأمر فيها والحمد لله )[18].

 

الإيمان بالرسل يورث الأمن التام والسكينة من جهة أن الرسل إنما جاؤوا بالفرقان الذي يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وهذا التفريق يحقق السعادة والاستقرار والأمن.

 

يقول ابن تيمية -رحمه الله -: ( جماع الفرقان بين الحق والباطل، والهدى والضلال والرشاد والغي، وطريق السعادة والنجاة، وطريق الشقاوة والهلاك أن يجعل ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب اتباعه، وبه يحصل الفرقان، والهدى، والعلم والإيمان، فيصدق بأنه حق وصدق.

 

.. والنافع منه ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وقد يكون علم من غير الرسول لكن في أمور دنيوية مثل: الطب، والحساب، والفلاحة، والتجارة.

.. ومن سوى الرسول: إما أن يكون في علمه بها نقص أو فساد )[19].

 

فما قاله الرسول (فهو حق، وما أخبر به فهو صدق، وهو الإمام المحكم الذي إذا تنازع الناس في شيء، وجب ردّ نزاعهم إليه، فما يوافق أقواله، وأفعاله فهو الحق، وما يخالفها، فهو مردود على قائله وفاعله، كائنا من كان ) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم:(6/ 119). قال تعالى:﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء:59] [20].

 

الإيمان بالرسل يورث الأمن التام والصحة النفسية للإنسان من جهة أن الرسول المعصوم قد دل على الطريق القويم، فمن سلكه واستقام عليه نال الخير عاجلاً وآجلاً، فعن العرباض بن سارية- رضي الله عنه- يقول: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ قال:" قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هلك، من يعش منكم فيسرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد " [21].

 

وقولهم:( فما تعهد إلينا) (يعنون وصيةً جامعةً كافيةً، فإنهم لمَّا فهموا أنه مودَّعٌ استوصوهُ وصيَّة ينفعهم بها التمسُّك بعده، ويكون فيها كفاية لمن تمسَّك بها، وسعادة له في الدنيا والآخرة )[22].

 

وقوله صلى الله عليه وسلم " لا يزيغ ": من الإزاغة بمعنى الإمالة عن الحق، يقال زَاغَ عن الطَّريق يَزيغُ إذا عَدَل عنه[23].

 

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " خَلَّفْتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله، وسنتي، ولن يفترقا؛ حتى يردا عليَّ الحوض "[24].

 

قال الزرقاني:( فإنهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما، ولا هدي إلا منهما، والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما واعتصم بحبلهما، وهما العرفان الواضح، والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما، والمبطل إذا حلاهما، فوجوب الرجوع إليهما معلوم من الدين ضرورة، لكن القرآن يحصل العلم القطعي يقيناً، وفي السنة تفصيل معروف )[25].

 

خامساً: أثر الإيمان باليوم الآخر في تحقيق الأمن النفسي:

الإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للإنسان من جهة حصول الطمأنينة للمستقيم على شرع الله بالحياة الأبدة الطيبة في جنة عرضها السموات والأرض بعد عبور هذه الدنيا المليئة بالمنغصات والمكدرات قال تعالى:﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:32].

 

قال الطبري: ( كذلك يجزي الله المتقين الذين تَقْبِض أرواحَهم ملائكةُ الله، وهم طيبون بتطييب الله إياهم بنظافة الإيمان، وطهر الإسلام في حال حياتهم وحال مماتهم) جامع البيان في تأويل القرآن:(17/ 198).

 

وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [فصلت:30-31].

 

قال ابن سعدي: ( يخبر تعالى عن أوليائه، وفي ضمن ذلك، تنشيطهم، والحث على الاقتداء بهم، فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ أي: اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم، علمًا وعملا فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

 

﴿ تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ﴾ الكرام، أي: يتكرر نزولهم عليهم، مبشرين لهم عند الاحتضار. ﴿ أَلا تَخَافُوا ﴾ على ما يستقبل من أمركم، ﴿ وَلا تَحْزَنُوا ﴾ على ما مضى، فنفوا عنهم المكروه الماضي والمستقبل، ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ فإنها قد وجبت لكم وثبتت، وكان وعد الله مفعولا ويقولون لهم أيضا - مثبتين لهم، ومبشرين: ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ﴾ يحثونهم في الدنيا على الخير، ويزينونه لهم، ويرهبونهم عن الشر، ويقبحونه في قلوبهم، ويدعون الله لهم، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف، وخصوصًا عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، وعلى الصراط، وفي الجنة يهنئونهم بكرامة ربهم، ويدخلون عليهم من كل باب ﴿ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ ويقولون لهم أيضا: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا ﴾ أي: في الجنة ﴿ مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ﴾ قد أعد وهيئ. ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ أي: تطلبون من كل ما تتعلق به إرادتكم وتطلبونه من أنواع اللذات والمشتهيات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) تيسير الكريم الرحمن (748).

 

الإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للإنسان من جهة أنه اليوم الحق الذي يقتص للمظلوم من الظالم، ويعود الحق إلى أصحابه، وهذا اليوم الذي يقام فيه ميزان العدل ويظهر كمال عدل الله سبحانه: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾ [الأنبياء:47].

 

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاء رجل فقعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم. فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك في كفة، وعقابك إياهم في الكفة الأخرى، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل " فتنحى الرجل وجعل يهتف ويبكي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" أما تقرأ قول الله تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء:47] " فقال الرجل: يا رسول الله! ما أجد لي ولهؤلاء شيئاً خيراً من مفارقتهم، أشهدك أنهم كلهم أحرار..) رواه أحمد والترمذي وهو حديث صحيح.

 

الإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للإنسان من جهة أنه اليوم الذي يضحك فيه المؤمنون من الكافرين الظالمين، فهو يوم تشفى فيه صدور ونفوس المظلومون من الظالمين، وهو يوم الفرح الأكبر: ﴿ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾.

 

قال ابن عاشور:( أن استهزاءهم بالمؤمنين في الدنيا كان سبب في جزاءهم بما هو من نوعه في الآخرة إذ جعل الله الذين آمنوا يضحكون من المشركين فكان جزاء وفاقا.

 

وتقديم "اليوم" على ﴿ يَضْحَكُونَ ﴾ للاهتمام به لأنه يوم الجزاء العظيم الأبدي) التحرير والتنوير:(30/ 190).

 

الإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للمسلم من جهة حصول الأمن والوقاية من شرور وويلات يوم القيامة قال تعالى: ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ [الإنسان:11].

 

قال القرطبي: ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ ﴾ أي دفع عنهم ﴿ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ ﴾ أي بأسه وشدته وعذابه ﴿ ولقاهم ﴾ أي أتاهم وأعطاهم حين لقوه أي رأوه ﴿ نَضْرَةً ﴾ أي حسنا ﴿ وَسُرُوراً ﴾ أي حبورا. قال الحسن ومجاهد:﴿ نَضْرَةً ﴾ في وجوههم ﴿ وَسُرُوراً ﴾ في قلوبهم) الجامع لأحكام القرآن:(19/ 136).

 

وقال ابن كثير: ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ ﴾ أي: آمنهم مما خافوا منه ﴿ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً ﴾ أي: في وجوههم ﴿ وَسُرُورًا ﴾ أي: في قلوبهم. قاله الحسن البصري، وقتادة، وأبو العالية، والربيع بن أنس. وهذه كقوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ [ عبس: 38 -39] وذلك أن القلب إذا سُرَّ استنار الوجه ). تفسير القرآن العظيم:(8/ 289).

 

الإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للمسلم من جهة أن فيه تسلية للمؤمن الذي فاته شيء من نعيم الدنيا وملذاتها، بما سيناله من نعيم الآخرة قال تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ﴾  [الكهف:30-31].

 

الإيمان باليوم الآخر يورث الأمن التام والصحة النفسية للمسلم من جهة مراقبته ومحاسبته لنفسه من أن تحيد عن الاستقامة، فهذا الخوف من الانحراف والضلال وعدم الوقوع في المعاصي التي تمرض النفوس وتهلكها، يثمر استقامة ونوراً وطمأنينة وأمنا واستقرار للنفس.

 

كما أنه يورث الأمن والآمان للآخرين من جهة أنه يمنع من ممارسة الظلم والبغي والإفساد في الأرض، فهو رادع عن كل أولئك، لينعم الجميع بحياة طيبة مطمئنة آمنة مستقرة.

 

سادساً: أثر الإيمان بالقضاء والقدر في تحقيق الأمن النفسي:

الإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة أن المرء إذا أيقن بأن كل شيء حادث إنما هو بقضاء الله وقدره، وأسلم نفسه لهذا اليقين، فإنه لا يحزن ولا يصيبه القلق والاضطراب عند حصول مكروه، أو فاته إدراك مرغوب ومحبوب، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن:11].

 

وقال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد:22].

 

وعن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: كنت خلفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال:" يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف " رواه الترمذي: برقم:( 2516) وقال:( حديث حسن صحيح)

 

قال ابن رجب:( إن ما يصيب العبد في دنياه مما يضره أو ينفعه، فكله مقدر عليه، ولا يصيب العبد إلا ما كتب له من ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً.. واعلم أن مدار جميع هذه الوصية على هذا الأصل، وما ذكر قبله وبعده، فهو متفرع عليه، وراجع إليه، فإن العبد إذا علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له من خير وشر، ونفع وضر، وأن اجتهاد الخلق كلهم على خلاف المقدور غير مفيد البتة، علم حينئذ أن الله وحده هو الضار النافع، المعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه- عز وجل - وإفراده بالطاعة، وحفظ حدوده) جامع العلوم والحكم:(193).

 

الإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة تخفيف المصائب والفتن التي تقع عليه لعلمه بأن ذلك من عند الله سبحانه، وأن ذلك يتضمن حكماً وفوائد تعود عليه بالخير عاجلاً أو آجلاً، كما جاء في الحديث: " عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له"[26].

 

قال ابن عثيمين رحمه الله:( لأن المؤمن يؤمن بأن كل شيء بقضاء الله، فيكون دائما في سرور، ودائما في انشراح، لأنه يعلم إن ما أصابه فانه من الله: إن كان ضراء صبر وانتظر الفرج من الله ولجأ إلى الله تعالى في كشف هذه الضراء، وإن كان سراء شكر وحمد الله وعلم إن ذلك لم يكن بحوله ولا قوته لكن بفضل من الله ورحمة). شرح رياض الصالحين:(1/ 477).

 

فالله سبحانه (لا يخلق شراً محضاً، بل كل ما يخلقه ففيه حكمة هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس، وهو شر جزئي إضافي، فأما شر كلي، أو شر مطلق، فالرب منزه عنه، وهذا هو الشر الذي ليس إليه.

 

وأما الشر الجزئي الإضافي فهو خير باعتبار حكمته، ولهذا لا يضاف الشر إليه مفرداً قط، بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات كقوله ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 101] وإما أن يضاف إلى السبب كقوله ﴿ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ﴾ [الفلق:2] وإما أن يحذف فاعله كقول الجن ﴿ وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾ [الجن:10] ). ابن تيمية: الحسنة والسيئة:( 44-45) وانظر ابن القيم: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل:( 169).

 

الإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة حمايته من كثير من الأمراض النفسية المعنوية ومن ذلك:

تحرير الإنسان من الخضوع لسلطان الكهان والعرافين والدجالين ذلك لاعتقاده بأن الكون وما فيه إنما هو بقضاء الله وقدره يسير، وذلك الأمر غيب لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى.

 

الكبر والتعالي على الخلق: فالقضاء والقدر يظهر عجز الإنسان في معرفة ما ينتظره في مستقبل أيامه، كما يظهر عجزه وافتقاره إلى الله سبحانه.

 

الحسد والضغينة: فالعبد إذا علم أن الله هو مقسم الأرزاق، قنع بما لديه وكف أذاه على من أنعم الله عليه بالرزق.

 

الخوف: فالإيمان يثمر استقراراً لدى الإنسان فهو يعلم بأن الله مدبر هذا الكون بما فيه وأنه وحده القادر على جلب النفع له، ومنع الضر عنه، منحه ذلك شعوراً بالأمن على رزقه وحياته ومعاشه في هذه الدنيا.

 

عدم اليأس من روح الله، فلا تتسرب إلى نفسه مشاعر الاضطراب وفقدان الأمل حتى ولو كان ظاهر الأمر الذي أصابه فيه شر، قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾.

 

قال ابن القيم: ( في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والمحبوب قد يأتي بالمكروه لم يأمن أن توافيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة؛ لعدم علمه بالعواقب، فإن الله يعلم منها مالا يعلمه العبد وأوجب له ذلك أموراً: منها أنه لا أنفع له من امتثال الأمر وإن شق عليه في الابتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح وإن كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع، وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهى وإن هويته نفسه ومالت إليه، وإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب..

 

ومن أسرار هذه الآية: إنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور، والرضا بما يختاره له ويقضيه له؛ لما يرجو فيه من حسن العاقبة.

 

ومنها أنه لا يقترح على ربه ولا يختار عليه، ولا يسأله ما ليس له به علم، فلعل مضرته وهلاكه فيه، وهو لا يعلم فلا يختار على ربه شيئاً، بل يسأله حسن الاختيار له، وأن يرضيه بما يختاره فلا أنفع له من ذلك.

 

ومنها انه إذا فوض إلى ربه ورضى بما يختاره له أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر، وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه بما يختاره هو لنفسه) الفوائد:(35-37).

 

الإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة (أنه يعلم أنه ما وصل إليه من الخير على أيّ صفة كان وبيد من اتفق فهو منه عز وجل، فيحصل له بذلك من الحبور والسرور ما لا يقدر قدره، لما له سبحانه من العصمة التي تضيق أذهان العباد عن تصوّرها، وتقصر عقولهم عن إدراك أدنى منازلها... وما أحسن ما قاله الحربي: من لم يؤمن بالقدر لم يتهنّ بعيشه ") الشوكاني: قطر الولي على حديث الولي (396).

 

الإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة أنه يفضي إلى الاستقامة على منهجٍ سواءٍ في السّراء والضرّاء، لا تبطره النعمة، ولا تيئسه المصيبة، فهو يعلم أن كل ما أصابه من نعم وحسنات فمن الله لا بذكائه وحسن تدبيره، وإذا أصابه الضراء والبلاء علم أن هذا بتقدير الله ابتلاءً منه، فلا يجزع ولا ييأس، بل يحتسب ويصبر، فيسكب هذا الإيمان في قلب المؤمن الرضا والطمأنينة. انظر: عمر الأشقر: القضاء والقدر (ص 109-110).

 

الإيمان بالقضاء والقدر يورث المسلم الصحة النفسية والاستقرار الروحي من جهة أن المؤمن بالقدر دائماً على حذر من أن يأتيه ما يضله، كما يخشى أن يختم له بخاتمة سيئة، وهذا لا يدفعه إلى التكاسل والخمول، بل يدفعه إلى المجاهدة الدائبة للاستقامة، والإكثار من الصالحات، ومجانبة المعاصي والموبقات، كما يبقى قلب العبد معلقاً بخالقه، يدعوه ويرجوه ويستعينه، ويسأله الثبات على الحقّ كما يسأله الرشد والسداد. انظر: عمر الأشقر: القضاء والقدر (ص 109-110).



[1] رواه الطبري في تفسيره:( 16/ 225 ).

[2] تفسير القرآن العظيم:(3/ 68).

[3] شرح صحيح البخاري:(10/ 328).

[4] صحيح مسلم:(483) برقم:( 1218).

[5] ابن حجر: الفتح:(5/ 361).

[6] رواه: الحاكم: المستدرك:(1/ 741) برقم:( 2040) وقال:( صحيح الإسناد ) وابن نصر: قيام الليل: برقم:(70) واللفظ له، قال الألباني:( هذا إسناد لا بأس به في المتابعات، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير الهجري و اسمه إبراهيم بن مسلم و هو لين الحديث ) السلسلة الصحيحة:(2/ 159) برقم:( 660 )

[7] رواه ابن حبان:(1/ 331) برقم:( 124) وأخرجه البزار: برقم:(122) قال الهيثمي:( رجاله ثقات ) مجمع الزوائد:(1/ 171)، قال ابن سلام:( فجعله يَمْحَلُ بصاحبه إذا لم يتبع ما فيه، والماحل: الساعي ) غريب الحديث:(4/ 174).

[8] المناوي: فيض القدير:(4/ 699).

[9] الموافقات:(4/ 144).

[10] إغاثة اللهفان:(1/ 44 ).

[11] ابن تيمية: درء التعارض:(3/ 39).

[12] الموافقات:(4/ 470) وانظر: الزركشي: البحر المحيط:(4/ 506) الآمدي: الإحكام:(1/ 170) ابن النجار: شرح الكوكب المنير:(2/ 169).

[13] تعليقه في الحاشية على الموافقات للشاطبي:(4/ 11).

[14] ابن القيم: الصواعق:(3/ 1162).

[15] رواه البغوي: شرح السنة:(14/ 303) برقم:( 4111)، والبيهقي: شعب الإيمان:(7/ 299) برقم:( 10376).

[16] قواعد الأحكام: ( 1/ 8).

[17] المصدر نفسه: ( 2/ 73).

[18] الموافقات: ( 2/ 37).

[19] الفتاوى:(13/ 135-136).

[20] ابن القيم: إعلام الموقعين:(1/ 49).

[21] سبق تخريجه: (..... ).

[22] ابن رجب: جامع العلوم والحكم:(2/ 116).

[23] انظر: ابن الأثير: النهاية: (2/ 125).

[24] رواه الدارقطني: (4/ 245) برقم:( 149)، وابن عبد البر التمهيد:(24/ 331).

[25] شرح الموطأ: (4/ 307-308).

[26] رواه مسلم: كتاب: الزهد والرقائق، برقم:(2999 ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق