مسؤولية الشباب الاجتماعية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، والقائمين بالقسط من الناس أما بعد:
إن عنصر الشباب هو العنصر الأهم في الحياة، فهو عنصر الفعالية والعمل، وعنصر الانطلاق وعنصر الأمل، والعنصر الذي تبنى عليه الأمة مستقبلها، هو العنصر المناط به أن يحقق للأمة مجدها ويعيد لها حضورها الحضاري.
لا يختلف اثنان في أنّ الشباب هم الركيزة الأولى لتشييد أواصر الحضارات البشرية ولا يراود أي إنسان ريب في فضل الشباب في الاتقاء والتقدم الحضاري الذي أحرزه العالم اليوم.
فإذا رأينا أُمّة قد بدأت عليها مسحة العطاء والابتكار فذلك يرجع في المقام الأوّل إلى الجهود والأعمال الدائبة التي بذلتها تلك الفئة، وحينما نشاهد أُمّة تتلاعب بها غيرها من الأُمم وتعتبرها لقمة سائغة في ثغرها فمَرَدُّ ذلك في المقام الأوّل أيضاً إلى التقاعس واللامبالاة من لدن هذه الفئة، فمصير الأُمم تحت كتف الشباب.
إنّنا لا يمكننا أن نتحقق من أمر مستقبل البشرية على الأرض إلّا إذا اتجهنا بأنظارنا إلى هؤلاء الذين سيتحملون عبء تشكيل هذا المستقبل وصناعته.. فالشباب الذي تحمل في الماضي عبء كلّ كفاح خاضته البشرية.. هو وحده الذي يتحمل في الحاضر وسيتحمل في المستقبل هذا العبء الكبير.
لذلك فالشباب في أشد الحاجة اليوم إلى توضيح مقومات تأمين حياته الحالية والمستقبلية على أساس من تجارب الماضي وخبراته فهو يتطلع إلى تثبيت ضمانات الحرية والعدالة حتى يستطيع أن يؤدي دوره بكفاءة في كافة مجالات النشاط الإنساني، وحتى يظهر مِنْ بين جموعه العاملة.. القائد الكفء.. والرائد الواعي.. والموجه الذي يفهم عن حقّ كلّ متطلبات واحتياجات المستقبل.
ويحتاج عالمنا اليوم إلى كلّ جهد منطلق وكلّ حماس ثائر وكلّ قدوة خلّاقة يبذلها الشباب في كلّ ميدان حتى يتحقق التقدم المادي والمعنوي الذي يتتطلع إليه الإنسانية في كلّ مرفق من مرافق حياته وفي كلّ ناحية من نواحيها.
ولهذا فإنّ مهمة إعداد الشباب ورعايته والأخذ بيده إلى طريق تَفَهُم القيم الإنسانية في جوّ يسوده الود والاحترام المتبادل والتفاهم المثمر هي مسؤولية الدول والقائمين عليها.
ولذلك تولي الدولة اهتماماً كبيراً برعاية الشباب ووضعت لرعايته الخطط الطموحة، وجندت لها الإمكانات اللازمة، إيماناً منها بأنّ الشباب هم رجال الغد القادرون على البناء والعطاء الحاملون راية العلم والتقدُّم لإعلاء أوطانهم ورفعتها، وعلى أكتافهم يرتفع البناء ويتم الإنماء ويعم الرخاء فالشباب هم رأس مال أي أُمّة عرفت طريقها إلى النموّ، وبقدر استثمار تلك الثروة البشرية بقدر ما تنجح جهود التنمية التي يتوقف نجاحها على وعي الشباب وإدراكهم لمسؤولياتهم.
ولن تنجح خطط الصناعة التي تهتم بها الدول الإسلامية الآن إلّا بسواعد الشباب الذي يجب أن يُعدوا إعداداً نفسياً واجتماعياً وصحياً وعقلياً لمواجهة تحديات الصناعة والتكنولوجيا الحديثة وتطور الميكنة.
لقد أصبحت القوى المحركة للشعوب المتحررة والراغبة في التحرر على حد سواء في كافة أنحاء الأرض الآن مؤمنة إيماناً تاماً بأنّ تحرر الإنسانية من ريقة الفقر والمرض والجهل في داخل بلادها لا يتخذ سوى طريق واحد هو التحرر أوّلاً من ربقة الاستعمار وسيطرته وتحكمه، وذلك التحرر إنّما يتحقق عن طريق القوى المحركة والمنفذة لكلّ آمال وأماني ومطامع الشعوب.
القوى المنتجة العاملة في كلّ ميدان من الميادين النظرية والعملية، وهي التي يُطلق عليها اسم واحد نظراً لما تتصف به في أرجاء الأرض وبين مختلف شعوب العالم من صفات موحدة هذا الاسم هو الشباب، فهو قلب الشعوب النابض وأمل الأُمم في السلام والتعاون وفي التحرر والحرية والنموّ والرقي. إنّ مدنية العصر الحديث قد أوجدت مِن أسباب التقارب والاتصال بين الشباب في مختلف الدول وفي كلّ ميدان من ميادين النشاط والعمل ما كان سبباً في إيجاد علاقات دائمة ومتجددة بين الشباب أفراداً وجماعات، بل ومنظمات وجمعيات، متغلبة بفضل الوسائل الحديثة على كلّ العقبات التي كانت تحول دون اتصالهم في الماضي من حدود وعوائق مصطنعة.
لهذا كان لابدّ من العمل الجاد لتغيير عقلية الواضعين لهذا القيود والمسببين لهذه العثرات، وهم أنفسهم من الشباب أو مروا بمرحلة الشباب حتى تستطيع القوى العاملة أن تحقق السلام والمحبة وأن تقضي على الأثرة والأنانية والاستغلال والسيطرة والتعاظم وأن تحيي الأمل في النفوس وأن توطد علاقات الود والحب التي يجب أن تسمو إليها الصلاة الإنسانية المهذبة، وأن تعلّم الشباب في كافة أنحاء الأرض أن يتعاونوا على الخير للجميع، وألا يعيشوا ليأخذوا فحسب وإنّما ليأخذوا ويعطوا في نفس الوقت لكي تعيش الدنيا كلّها في ودٍ وتعاطفٍ وإخاءٍ وانسجامٍ وسلامٍ.
إنّ الدول المختلفة صغيرها وكبيرها تعطي لشبابها ما عندها.. ليجيء اليوم الذي يعطي فيه الشباب لأُمّته وللإنسانية كلّ ما عنده من طاقات العمل والفكر والفداء، ويوم يتحقق هذا البذل من ناحية الشباب عن وعي وصدق وفهم للأمور والأوضاع في داخل البلاد وفي خارجها.. فإنّنا لابد وأن نجني ثمرة طيبة.. نعم إنّ الشباب وحده هو القادر على تحقيق هذه الأماني كلّها إذا أُعطيت له الفرصة المناسبة لينتقل من مرحلة النظريات إلى مرحلة التنفيذ والعمل.
إنّ للشباب مكانة عظيمة في المجتمع الإسلامي؛ فشباب اليوم هم رجال المستقبل الذين سيحملون مسؤولية الإسلام كاملة، فهم المعلق عليهم الآمال والمنتظر منهم مثل ما ينتظر الزارع من زرعه، وهم أمل الحاضر والمستقبل، وهم المرجو منهم النهوض بحياة الشعوب الإسلامية، والابتعاد بها عن مواطن الزلل، وذلك حين يصبحون أكفاء قادرين على تحمل المسؤوليةإن هذا العنصر هو معقد الرجاء ومحط الآمال.
إنك إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة ومصيرها فانظر في شبابها، فإن رأيت شباباً صلب الإرادة، قوي العزيمة، مخلصاً لدينه، متقناً لعمله، ومحباً أمته يعمل فيحسن العمل، ويبني ولا يهدم، يمنح قوته وعرقه وجهده خدمة لمجتمعه وأمته وكل بني الإنسان، حريصاً على الإفادة من كل خير، ناشراً لكل فضيلة، مدافعاً عن كل حق، فاعلم أن الأمة بخير ومنعة ومستقبلها مشرق، وحضورها فعال في كل مكان.
وإن كان الأمر بخلاف ذلك فاعلم أن الأمة في ضلالاً وسقوط وانحدار.
معنى كلمة (شباب):
في البدء يستحسن أن ننظر في معنى كلمة ودلالة شباب.
يقول علماء اللغة في تعريفهم لهذه الكلمة: أنها ترجع إلى أصل واحد وهو الشين والباء الذي يدل على نماء الشيء وقوته في حرارة تعتريه، وقد اشتق من هذا كلمة الشباب الذي هو الفتاء والحداثة، وهو خلاف الشيب.
ومن خلال التعريف نجد الشباب يتميز: بالنمو، والقوة، والاندفاع، والفتوة والحداثة. والحق أن هذه المعاني هي أصل في طبيعة الشباب بشكل عام.
مرحلة الشباب وأهميتها:
ينتقل الإنسان من طور إلى طور تختلف فيها قوى الإنسان، وقدراته، ومداركه وعلومه، وتجاربه، وعواطفه.
ومهما يختلف الناس في تحديد سن الشباب، فإن عهده يبدأ بثورة هائلة في جميع مقومات الطبيعة البشرية، فتهب عناصر: الجسم، والعقل، والعاطفة من نومها الطويل لتقوم بوثبة سريعة في كل الاتجاهات، فينو الجسم، وينبت الشعر، ويزداد الاندفاع وتتحرك الغريزة الجنسية، ويرافق ذلك النمو الجسدي نمواً وتطوراً في النواحي النفسية والعقلية والروحية التي تماثل في قوتها ونموها، النمو الجسدية للشباب.
أهمية مرحلة الشباب:
إن مرحلة الشباب هي ربيع عمر الإنسان الزاهر، فالصغير في الطفولة يتطلع بشغف إلى بلوغ مرحلة الشباب، ويرمقها بإجلال وإكبار، وأنها الهدف والغاية، وأنها الأمل المشرق في مستقبله، والشاب يحس بذاته في هذه المرحلة، وينتشي بها، ويشعر أنه اكتمل في النضج، وصار له كيان في الحياة، واحتل مركزه في مجتمعه، أما الكهل والشيخ فينظران إلى مرحلة الشباب نظرة محبة وشوق، وأنها ماض وضيء، وتراث مفقود، يُتحسر عليه بألم وندم على ما فات فيه، يناغمه ويدغدغه، ويتغنى فيه، ويردد ما قاله الشاعر الكهل:
ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب
وتعد فترة الشباب أميز وأخطر أطوار حياة الإنسان، حيث يبنى على هذه المرحلة بقية المراحل الأخرى، بحيث تتطبع المراحل التالية - في الغالب - بطبيعة مرحلة الشباب من حيث التوجه والتفكير، اللذان يحددان نمط سلوك الإنسان وطبيعة تعامله مع محيطه، لذا نجد أن معظم أصحاب العقائد والأفكار يركزون على الشباب؛ لكونهم المحاضن التي ستحضن الأفكار، وتجعلها حية في أشخاصهم، ولمراحل متقدمة في حياتهم.
فالشباب إذن هدف حركات التغيير لتجعل منه وسيلتها، ومادتها، ومحل أفكارها، وإطار حركتها، ومنجم تضحياتها، فالشباب يستهويهم كل جديد، ويراودهم كل أمل في التغيير، وقدرته على التضحية في سبيل ما يؤمن به تصل إلى صورة المغامرة وحد التهور؛ لأنه بذلك يثبت ذاته، ويرضي تطلعاته، ويحقق طموحه؛ وإن أي خطأ في التعامل مع الشباب، أو في التقدير الدقيق لنفسيته و ظروفه، وأي تجاهل لمعاناته سوف يخرجه إلى ساحة أعداء دينه ومجتمعه الذين يغرونه بمصطلحات تجد هوى في نفسه كـ: الرفض، والثورة، والتمرد، والعنف.. الخ.. إلى درجة قد تصل به إلى رفض كل شيء دون تمييز، وإلى الثورة العمياء على كل شيء، الأمر الذي يعني الخراب والفساد لذاته ومجتمعه.
ومن خلال استحضار التاريخ نجد أن معظم دعوات الخير والإصلاح، ومكافحة الظلم والفساد قامت على أيدي الشباب، فكانوا في الصف الأول مع النبي والرسول، مع المصلح والداعية، مع المفكر والمربي، لأنهم أرق أفئدة، وألين قلوباً، وأصفى عقولاً، وهم حملة المشاعل المضيئة، القائمون على تجديد صور الحياة، وإقامة عمد المجتمع، وتغيير سير التاريخ، لذلك أوصى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فكان يرعاهم رعاية خاصة، ويقربهم منه، ويجالسهم ويستمع إلى آرائهم وأقوالهم.
يقول جندب بن عبد الله - رضي الله عنه -: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حَزَاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازدانا به إيماناً).
وقال مالك بن الحويرث - رضي الله عنه -: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شبيبة متقاربون فأقمنا عنده).
وقد كانوا الشريحة الكبيرة التي آمنت به صلى الله عليه وسلم حيث قال فيهم: " آمن بي الشباب، وكفر بي الشيوخ ".
فهم أهم شرائح المجتمع؛ لأنهم وإن شاركوا في الحاضر إلا أنهم بناة المستقبل، بل إن بناء الأمة ونجاح خططها قائم - بعد فضل الله تعالى - على سواعد الشباب القوية، وأذهانهم الفتية.
ومن الأدلة على قوة مجتمع ما أن يكون مجتمعاً شاباً أي: تكون نسبة الشباب فيه كبيرة؛ لأنهم وقود أي تنمية حقيقية للمجتمع، فالمجتمع الذي تكون شريحة الشباب فيه قليلة يعد مجتمعاً متجهاً نحو الهاوية، فحياة المجتمعات تساوي حياة الإنسان، فهي تمر بنفس المراحل، فتشيخ وتهرم لتضمحل وتموت في النهاية، وكلما كان الشباب في المجتمع ذات نسبة مرتفعة دل ذلك على حياتها وبقائها.
والشباب يتسم بأعلى درجات النشاط والحيوية، وذلك من خصائصها المتفردة، غير أن الشباب عادة لا يدرك أن الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه ليس نتاج نشاطه حسب، وإنما هو نتاج لأنشطة قامت بها أجيال سابقة، وبدلاً من أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون يريد أن يبدأ بداية قوية وجديدة.
وقد تكون هذه الظاهرة هي المسؤولة عن الصراعات والتناقضات بين الأساليب التقليدية للحياة، والأساليب الجديدة التي يسعى الشباب إلى توكيدها.
• • •
تعريف المسئولية
وبعد أن تجاذب الحضور الحديث، ثار غموض عن مفهوم المسئولية ورسى القرار أخيرا بهم إلى تعريف موحد للمسئولية بأنها «عدم التهرب من المهام المناطة بالفرد». وتتوالى الآراء مرة أخرى بشأن المسئولية وأنواعها، فهناك، بحسب ما قيل، ما يفرض فرضا ويترتب عليه ثواب وعقاب، ومنها ما لا يفرض علينا، بحسب قول الشاب محمد مطر وأحد الحضور. ويعود هاني الشيخ ليقطع النزاع الودي، وتنتقل دفة الحوار نحو نقاط أخرى. وقال: «المسئولية التي تهم الجميع أسمى أنواع المسئولية، ومطلوب أن يخرج الإنسان من دائرة الاهتمام بنفسه إلى الاهتمام بالمجتمع وما يدور فيه من قضايا».
أركان المسئولية
انتقل النقاش بعد ذلك إلى معالجة أركان المسئولية. وقال الشيخ: «من المهم أن يكون لدينا هدف محدد نرنو نحو تحقيقه، فهدف التفوق، مثلا، الذي يضعه الطالب نصب عينيه يجعله ينجز المسئولية الملقاة على عاتقه على أتم وجه». ويدخل محمد سواد في الحديث ليوضح الجانب الذي سيدور حوله النقاش مشيرا إلى أن «للمسئول واجبات وكذلك له حقوق تترتب على أدائه للمسئولية فالمدرس، مثلا، له واجبات تجاه الطلبة وفي الوقت نفسه له حقوق على الطلبة».
وفي هذا السياق قال صادق الشيخ: «المسئولية ناشئة أساسا من الواجبات، فلا يمكن أن تلقى المسئولية على المدرس دون وجود طلبة يقوم بأداء الواجب تجاههم».
ولعل تضارب الآراء وكثرة المشاركات نتج عنها تشتت الأفكار، إذ أشار أحدهم إلى أن «المسئول الذي يقبل تحمل المسئولية ولم يجبره أحد على ذلك فليس له حقوق أبدا...».
وفي خضم النقاش، ألوى الحضور رقابهم مستمعين وعلامات القناعة تلوح عليهم عندما تحدث محمد مطر «المسئولية لا تأتي من فراغ، وكل فرد يؤدي وينجز ما يسند له من مسئوليات نظرا لوجود الرقيب».
للمسئولية أهداف
وبدا هاني الشيخ بسؤال وصفه بـ «الاستفزازي» الغرض منه دفع الشباب للتحدث عندما سأل: «هل تستطيع تحمل مسئولية نفسك وكيف؟».
وقالت فاطمة سيادي: «الإنسان له القدرة على تحمل بعض المسئوليات لكنه يعجز أو يضيع بين بعض المسئوليات». وفي الجانب ذاته يشير محمد مطر إلى أن «الإنسان لابد أن يتحمل المسئولية، فلا يوجد من يقول أنا لست كفؤا لهذه المسئولية أو تلك، فهو مفطور مثلا على حب الذات، وبالتالي لابد أن يتحمل مسئولية نفسه، ولكن لا ننسى أن لكل قاعدة شواذ».
واسترسل الشيخ في طرحه وسواد يمده بالعون طارحا سؤالا آخر وقال: «ما هي معوقات تحمل المسئولية؟». ورد صادق الشيخ بقوله: «المسئولية أساسا تنبع من جانبين ، الرادع الذاتي والموضوعي، وأي خلل في هذين الجانبين يعوق تحقيقها. الرادع الذاتي ينبع من الفرد نفسه، وإن انتفى الرادع ضاعت المسئولية، والرادع الموضوعي نابع من القوانين والبيئة الخارجية، وفي حال وجود التعسف فلن يكون للمسئولية وجود».
ويساند محمد حسن صادق في حديث الشيخ مشيرا إلى أن الاستبداد السياسي هو «عامل أساسي من العوامل التي تعيق المسئولية... و للمسئولية درجات، تنمو من الداخل وتتجسد في الواقع أو المحيط الخارجي على صورة أفعال...».
وفي ختام الحلقة النقاشية، أقترح سواد أن يُطْرَح موضوع معين ويتم التحاور من خلاله في مسئوليات الشباب تجاهه. ومن دون تأخير، طرح صادق الشيخ موضوع التجنيس العشوائي، واتفق الجميع على وضعه موضع النقاش، وأبدى الشباب حماسا لم تعهده الجلسة واقترح بعضهم عدم التعاون مع المجنسين ومقاطعتهم، وآخرون اختلفوا بشأن جدية المسيرات.
وقال محمد مطر: «المسيرة التي شارك فيها 100 شخص لن يكون لها وقع، لكن تلك التي يشارك فيها الآلاف ستكون مؤثرة من دون أدنى شك». ونوه سواد بالتجمع الذي نظمته الجمعيات السياسية الست ضد التجنيس، وأنه «يعتبر أحد ضروب المسئولية، فعلى رغم الاختلافات الآيديولوجية بين الجمعيات إلا أنها توحدت نحو هدف أسمى وهو الوطن»
صور من مرحلة شباب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
الصورة الأولى:
كان عضواً فاعلاً عاملاً غير بطال ولا متكاسل فكان يرعى الأغنام لأهل مكة مقابل قراريط حيث قال: (ما بعث اللهنبيًّا إلا رعى الغنم) فقال أصحابه: وأنت؟ قال: (نعم، كنتُ أرعاها على قراريط لأهل مكة) [البخاري].
كما عمل بالتجارة لصالح أم المؤمنين خديجة بنت خويلد لما عرفت فيه أنه الصادق الأمين ومن ثم كانت زوجته وأم أولاده.
الصورة الثانية:
كان عضوا فاعلاً في مجتمعه يشاركهم في أعمالهم الجماعية ويقدم لهم يد المساعدة، فعندما كانت قريش تجدد بناء الكعبة، كان محمد صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة للكعبةوعليه إزاره، فقال له العباس عمه: اجعل إزارك على رقبتك يقيك الحجارة، ففعل، فخرإلى الأرض، وجعل ينظر بعينيه إلىالسماء، ويقول: إزاري. إزاري، فشد عليه، فمارؤى بعد ذلك عريانًا.
الصورة الثالثة:
ساهم في حل الإشكالات التي كانت تقع بين بني قومه، ومن ذلك أنه لما بنت قريش الكعبة وقع الخلاف فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه، وكاد يتحول النزاع إلى قتال تسال فيه الدماء، إلا أنهم ارتضوا أنيُحكِّموا أول داخل عليهم فكان الداخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فهتفوا: هذا الأمينقد رضيناه حَكَما، وعرضوا عليه الأمر وطلبوا منه أن يحكم بينهم، فخلع الرسول صلى الله عليه وسلم رداءه ووضع الحجر عليه، ثمأمر رؤساء القبائل فرفعوا الثوب حتى أوصلوا الحجر إلى مكانه من الكعبة، عندئذ حمله الرسول صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ووضعه مكانه.
الصورة الرابعة:
حضوره الفاعل وتفاعله مع الأحداث التي تهم مجتمعه، ومن ذلك حلف الفضول، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شهدت مع عمومتي حلف المطيبين، فما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه"[ أخرجه ابن حبان: (10/ 216) برقم: ( 4373) وقال شعيب: (إسناده صحيح) والبخاري: الأدب المفرد: برقم: (567) والحاكم: المستدرك: (2/ 219 - 220) والبيهقي: الكبرى: ( 6/ 366) ].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما شهدت من حلف قريش إلا حلف المطيبين، وما أحب أن لي حمر النعم وإني كنت نقضته" قال: والمطيبون: هاشم وأمية وزهرة ومخزوم. [أخرجه ابن حبان: (10/ 216) برقم: ( 4374) وقال شعيب: ( إسناده صحيح) والبيهقي: الكبرى: ( 6/ 366) وقال: (لا أدري هذا التفسير أي قوله: والمطيبون...إلخ من قول أبي هريرة أو من دونه) ].
قال البيهقي رحمه الله:( قال القتيبي فيما بلغني عنه: وكان سبب الحلف أن قريشاً كانت تتظالم بالحرم، فقام عبد الله بن جدعان، والزبير بن عبد المطلب، فدعوهم إلى التحالف على التناصر، والأخذ للمظلوم من الظالم، فأجابهما بنو هاشم، وبعض القبائل من قريش) [السنن الكبرى:(6/ 367 )].
• • •
الإسلام والشباب وتحملهم للمسؤولية الاجتماعية:
لابد من الانتباه لأمر وهو أن كل مجتمع له حاجاته الاجتماعية والتي تختلف من عصر لعصر ومكان دون مكان، إن عصر الإسلام الأول وخصوصاً العصر النبوي نجده مجتمعاً ناشئاً على قيم جديدة، ومبادئ غير مألوفة، فهو مجتمع أخذ من السابق النافع وبنى عليه:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " واستأصل كل ضار فاسد وعلى رأس ذلك الشرك وملحقاته.
إننا نجد أن حاجات هذا المجتمع الأساسية تنحصر في أمور:
• الدفاع عن هذه القيم.
• ونشر هذه المبادئ وتبليغها للخلق.
• وتعليم العلم وتفقيه الخلق.
• وفض النزاع الذي قد ينشأ بين الخلق.
إذاً شباب تلك المرحلة دوره الأساس كان قائماً على الدفاع عن هذه القيم فكان يتموضع في خنادق الجهاد في سبيل الله، كما كان ناشراً لهذا الدين فكانت هذه الشريحة على رأس الدعاة إلى الله تعالى، كما كان مشاركاً في فض النزاع بين أفراد المجتمع فكان منهم القضاة، كما كان لهم دور في تعليم الناس وتفقيههم وإمامتهم، وكل أولئك نجده فيما يلي من أمثلة لا تقتضي الحصر إنما إبراز دور الشباب في تحمل مسؤولياتهم ومشاركتهم الفاعلة في خدمة مجتمعهم، والمثال أبلغ من كل مقال، فأقول:
إن المطالع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد مدى حرصه على هذه الشريحة من المجتمع، ورعايته لها سواء بقوله أو بفعله كما نجد أنه قد أعطاها دوراً في بناء المجتمع وحل مشاكله وقضاياه فمن ذلك:
قوله صلى الله عليه وسلم: " سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عدل، وشاب نشأ في عبادة الله.. الحديث "[البخاري].
إن كون الشاب عابداً لله مستسلماً لأوامره ونواهيه في ذلك نلمح مقصداً اجتماعياً ضمن مقاصد أخرى فنحن نعلم أن ديننا هو دين فاعل مؤثر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يحقق مصالح ويدرأ مفاسد، فاجتماع قوة الشباب مع التدين الصحيح يثمر ثمرات في المجتمع متعددة في كل مجال من مجالات حياة المجتمع.
وقال أيضاً " اغتنم خمساً قبل خمسٍ: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك " [الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي].
نبينا صلى الله عليه وسلم يُحمل الشباب مسؤولية تجاه هذه الفترة العمرية بأن لا تضيع سدا بل لا بد لهم من أن يعتنوا ويهتموا بهذه الفترة وما ذاك إلا لدورهم الفاعل تجاه أمتهم ومجتمعهم، وانظر إلى المفردات التي سيقت في الحديث (الصحة، الغنى، الفراغ، الحياة) ثم اربطها في الشباب، تجد كل أولئك له علاقة بهذه الفترة المؤثرة، الدافعة للمجتمع تجاه العلو والرفعة، ثم تلمس لما قدم الشباب على كل أولئك؟!!
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا تزولُ قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه؛ حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم "[سنن الترمذي ].
( أي قوته في وسط عمره (فيما أبلاه) أي ضيعه وفيه تخصيص بعد تعميم وإشارة إلى المسامحة في طرفيه من حال صغره وكبره )[المباركفوري: تحفة الأحوذي:(7/ 85)].
وما كان السؤال إلا لأهمية هذه المرحلة وخطورتها والتي يجب استثمارها، وعدم تضييعها، فلو وقع هذا الحديث في قلب شاب مؤمن وأدرك أنه مسؤول من ربه عن هذه الفترة الزمنية من عمره ماذا تراه يفعل؟!! أتراه يقف مهملاً لحاله أولاً ولمجتمعه ثانياً أم نراه حريصاً مجداً تجاه نفسه وأمته يدرك أن له دور في بناء أمته.
قوله صلى الله عليه وسلم:" أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم أرق أفئدة، ألا وإن الله بعثني بالحنيفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ ".
فشريحة الشباب كانت الحصن المانع للدعوة وكانت الحاضن لهذا الخير الذي انتشر بعد ذلك بجهود هذه الصفوة المباركة حين تحملت مسؤولية بلاغ هذا الدين ونشره في آفاق الأرض.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مهلا عن الله مهلاً، فإنه لولا شباب خشع، وبهائم رتع، وشيوخ ركع، وأطفال رضع؛ لصب عليكم العذاب صباً "[ البيهقي ].
فالشباب الخشع لهم دور في صيانة الأمة عن وقوع العذاب بها، وهذه مسؤولية عظيمة ألقيت على عاتق هذه الشريحة الطيبة. وهذا يتطلب منهم أن يصلحوا شأنهم ويتجهوا لربهم ليحموا غيرهم من عذاب الله ونقمته.
وعن عبد الله رضي الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شباب لا نقدر على شيء فقال: " يا معشر الشباب! عليكم بالباءة فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " [النسائي ].
فحمل النبي صلى الله عليه وسلم الشباب مسؤولية تجاه المجتمع بعدم نشر الفساد الخُلقي فيه من خلال بحثهم عن الحلال الطيب وهو الزواج للقادر أو الصوم للعاجز.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك فمر بنا شاب نشيط يسوق غنيمة له فقلنا: لو كان شباب هذا ونشاطه في سبيل الله كان خيراً له منها، فانتهى قولنا حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" ما قلتم؟" قلنا: كذا وكذا قال: " أما أنه إن كان يسعى على والديه أو أحدهما فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على عيال يكفيهم فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه فهو في سبيل الله عز وجل " [ البيهقي ].
فالجامع هنا هو بذل الخير للغير، وعليه نقول أن بذل الشاب جهده في إيصال كل منفعة قررها الإسلام فهو في سبيل الله، ينال بها الدرجة والثواب.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (كان شباب من الأنصار يستمعون القرآن ثم يتنحون في ناحية المدينة يحسب أهلوهم أنهم في المسجد، ويحسب أهل المسجد أنهم في أهليهم فيصلون من الليل، حتى إذا تقارب الصبح احتطب بعضهم واستقى بعضهم من الماء العذب ثم يقبلون حتى يضعوا حزمهم وقربهم على أبواب حجر النبي صلى الله عليه وسلم فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بئر معونه فاستشهدوا كلهم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من قتلهم خمس عشرة ليلة ) [البيهقي الكبرى ].
إن هؤلاء الشباب الشهداء مثال رائع لكل شاب مسلم، فهم عباد، وهم عمال ينفعون غيرهم، وهم دعاة فقهاء، وإلا لما كان اختارهم نبينا صلى الله عليه وسلم لأشرف مهمة وهي الدعوة إلى الله تعالى.
والشباب هم المدافعون عن الإسلام وأهله نلمح ذلك في الحديث الذي رواه البيهقي بسنده قال: كان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج وكان له أربعة بنون شباب يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا. الحديث.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أتى مكان كذا وكذا أو فعل كذا وكذا، فله كذا وكذا " فسارع إليه الشبان، وثبت الشيوخ تحت الرايات، فلما فتح الله لهم جاء الشباب يطلبون ما جعل لهم، فقال الأشياخ: لا تذهبوا به دوننا فإنما كنا ردءا لكم. الحديث [النسائي].
والشباب كانوا هم حملة الدعوة والبلاغ إلى الله تعالى كان منهم معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي وصف بأنه كان شاباً حليماً سمحاً، من أفضل شباب قومه. [البيهقي: السنن الكبرى:6/ 48].
وعن مالك أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال:" ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم " وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها " وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم " [البخاري].
وكان عنصر الشباب المسؤول حاضراً في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ففي حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن، فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة، كبائت فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه؛ حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما؛ حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. [البخاري].
وهذا زيد بن ثابت يقوم بمهمة من أجل المهمات وأخطرها ألا وهي جمع القرآن فعن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه وكان ممن يكتب الوحي قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر قلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر هو والله خير فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب، عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه - فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن - قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع، والأكتاف، والعسب، وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [التوبة: 128] إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. [البخاري].
وهذا عبد الله بن عكيم رضي الله عنه ينقل لنا شيئاً سمعه وهو شاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قرئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام شاب:" أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب، ولا عصب " [النسائي].
وتحمل الشباب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مسؤولية فصل النزاع بين الناس فكان منهم القضاة، عن علي رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله تبعثني، وأنا شاب أقضي بينهم، ولا أدري مالقضاء؟ قال فضرب بيده في صدري. ثم قال:" اللهم اهد قلبه وثبتن لسانه " قال فما شككت بعد في قضاء بين اثنين. [ابن ماجه].
وهذا شاب فقيه فطن، دفعته مسؤولية الحرص على المسلمين إلى إيجاد حلاً ملائم لمعضلة لم يفطن لها البعض، فكان في توجيهه نجاة بعض المسلمين، فعن علي رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلاً من الأنصار، قال: فلما خرجوا قال: وجد عليهم في شيء، فقال: قال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني، قال: قالوا: بلى؟ قال: فقال: اجمعوا حطباً ثم دعا بنار فأضرمها فيه، ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها قال: فهم القوم أن يدخلوها، قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار، فلا تعجلوا؛ حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلم فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوا، قال: فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال لهم:" لو دخلتموها ما خرجتم منها أبداً إنما الطاعة في المعروف ".
وقد وجه صلى الله عليه وسلم الشباب إلى رعاية المسنين وإكرامهم فقال صلى الله عليه وسلم:" ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه ". [الترمذي].
نماذج من الشباب المسؤول الذي نصبوا إليه:
الثابت على الحق: ويمثله شباب أو فتية أهل الكهف: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ [الكهف:13 - 15].
فيتولاهم ربهم - جل جلاله - بالرعاية: ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ ﴾ [الكهف:17] ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ﴾ [الكهف:18] قال ابن عباس: (لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض).
وألقى عليهم المهابة حماية وصيانة: ﴿ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ﴾ [الكهف:18].
شباب مستسلم لأمر الله كحال إسماعيل - عليه الصلاة والسلام - حين قال لأبيه إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لما قال له كما قص القرآن: ﴿ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ﴾ [الصافات:102]. ورؤيا الأنبياء حق فقال إسماعيل - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الصافات:102].
شباب يتحمل مسؤولية نشر الوعي الصحيح بدين الأمة ويدفع ويمنع ويرفع كل معتقد باطل وفكر منحرف، ويمثل ذلك إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - الذي حطم تماثيل الشرك فجعلها ﴿ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 58 - 63].
قال ابن عباس قال: (ما بعث الله نبيًا إلا شابًا، ولا أوتي العلم عالم إلا وهو شاب، وتلا هذه الآية: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]).
نماذج من الشباب المسؤول:
إن هذا الدين قد قام - بعد توفيق الله وتسديده - على سواعد شباب وفتيان، ما عرفوا حياة اللهو واللعب والبطالة، أمثال علي وجعفر وأسامة ومصعب وابن عباس وابن عمر وابن رواحة - رضي الله عنهم - ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءامَنُواْ بِرَبّهِمْ وَزِدْنَـٰهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف:13].
عن عروة قال: أسلم الزبير ابن ثمان سنين، ونُفخت نفخة من الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخذ بأعلى مكة، فخرج الزبير وهو غلام ابن اثنتي عشرة سنة بيده السيف، فمن رآه عجب وقال: الغلام معه السيف، حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما لك يا زبير، فأخبره وقال: أتيت أضرب بسيفي من أخذك، فدعا له ولسيفه ".
يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: لقد شهدت بدراً وما في وجهي شعرة واحدة أمسحها بيدي.
وهذا عبد الله بن رواحة كان في الثلاثين من عمره، يقبل على المعركة بقلب مؤمن ويقين صادق بموعود الله، يقطع علائقه بالدنيا ليكون من أبناء الآخرة، ويشدّد على نفسه لما حدثته بحديثها فيقول:
أقسمت يا نفس لتنزلنّه
طائعة أو لتُكرَهِنَّه
قد أجلب الناس وشدّوا الرّنّه
ما لي أراك تكرهين الجنّه
فطالما قد كنت مطمئنّه
هل أنت إلا نطفة في شنّه
|
ثم يقول:
يا نفس إلا تقتَلي تموتي
هذا حمام الموت قد صلِيتِ
وما تمنيتِ فقد أعطيتِ
إن تفعلي فعلَها هدِيتِ
|
ويعني بذلك صاحبيه اللذين سبقاه بالشهادة، وهما زيد بن حارثة وجعفر الطيار.
وهذا أسامة بن زيد يقود الجيوش ولم يبلغ السابعة عشر من عمره.
وهذا معاذ بن جبل قد شهد العقبة شاباً أمرد، كما شهد بدراً وله عشرون سنة أو إحدى وعشرون. [الذهبي: السير:1/ 444].
وأتى قوم زيد بن ثابت رضي الله عنه به ِإلى النبي صلى الله عليه وسلم مفاخرين بما حصل صاحبهم، فقالوا: هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال:" يا زيد، تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمن يهودي على كتابي " قال زيد: فتعلمت كتابهم ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إليه، وأجيب عنه إذا كتب.
وشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنين من شباب الصحابة بالعلم فقال:" وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت " [الترمذي].
وهذا ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم نسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجباً لك يا ابن عباس! أترى الناس يحتاجون إليك وفيهم من أصحاب النبي من ترى؟ فترك ذلك وأقبلت على المسألة، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه، فتسفي الريح علي التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله، ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن أتيك فأسألك، قال: فبقي الرجل حتى رآني وقد اجتمع الناس علي، فقال: هذا الفتى أعقل مني.
وعن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تك الأخرى ترى ما أصنع؟ فقال:" ويحك أَوَ هبلت؟ أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس ".
وعن سعد بن أبي وقاص قال: رأيت أخي عمير قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: مالك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده، فبكى فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة.
وهذا محمد بن القاسم الثقفي يفتح بلاد الهند والسند ولم يبلغ العشرين. وينتشر الإسلام فيها حتى يومنا هذا.
وبقية بن نافع شاب في الخامسة والعشرين من عمره يفتح إفريقيا، ويجوب المغرب حتى وقف على المحيط موحّدًا مصلّيًا، وهو يقول:( والله، لو أعلم أن وراء هذا الماء أرضًا لخضته بفرسي هذا رافعًا لا إله إلا الله).
ذكر الآجري - رحمه الله -: (في كتاب فضائل عمر بن عبد العزيز) أن عمر لما دفن سليمان بن عبد الملك خطب الناس ونزل ثم ذهب يتبوأ مقيلاً، فأتاه ابنه عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين من لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال: ادن مني أي بني، فدنا منه والتزمه، وقبل بين عينيه، وقال: الحمد الله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني، فخرج ولم يقيل.
جمع عمر بن عبد العزيز قراء أهل الشام وفيهم أبو زكريا الخزاعي فقال: إني جمعتكم لأمر قد أهمني، هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي (يعني بذلك عطايا لأهل بيته قد أعطيت لهم من أبناء عمه من الخلفاء قبله).
يقول رحمه الله: قد أهمتني هذه المظالم التي في أيدي أهل بيتي، ما ترون فيها؟ قالوا: ما نرى وزرها إلا على من غصبها، قال: فقال لعبد الملك ابنه: ما ترى أي بني؟ قال: ما أرى من قدر على أن يردها فلم يردها والذي اغتصبها إلا سواء.
فقال: صدقت أي بني، ثم قال: الحمد الله الذي جعل لي وزيراً من أهلي، عبد الملك ابني.
هذا الشبل الفقيه العابد العامل مات وعمره تسعة عشر عاماً، مات شاباً وقد حمل بين جنبيه كل ذلك الورع والزهد والفقه قال ابن رجب - رحمه الله -: ( لقد كان رحمه الله مع حداثة سنه مجتهداً في العبادة، ومع قدرته على الدنيا وتمكنه منها راغباً عنها مؤثراً للزهادة، فعسى الله أن يجعل في سماع أخباره لأحد من أبناء جنسه أسوة، لعل أحداً كريماً من أبناء الدنيا تأخذه بذلك حمية على نفسه ونخوة، وأيضاً ففي ذكر مثل أخبار هذا السيد الجليل مع سنه، توبيخ لمن جاوز سنه وهو بطّال، ولمن كان بعيداً عن أسباب الدنيا وهو إليها ميال).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق