المقدمة:
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من سار على دربهم إلى يوم الدين، وبعد:
فقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان، وفضله على المخلوقات جميعاً، وسخر له ما في السموات وما في الأرض , وأرسل له الرسل، وأنزل له الكتب، ولم يتركه في هذا الوجود بلا منهج يسير عليه، بل وضح له المنهج وأمره أن يسير عليه، مبيناً له أن الحياة الحقيقية هي باتباع ذلك المنهج، وأن الإعراض عنه سبب للشقاء والبلاء في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى.وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى.قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا.قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ ]طه: 123–126[ .
ومن هذا المنطلق أوجب الله على الناس أن يصلحوا الخلل والفساد الذي يطرأ على الحياة، فقد أصلح الله الدنيا بإصلاح الأرض التي يعيش عليها الإنسان، قال تعالى:﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ ]الأعراف: ٥٦[، فإذا حصل فساد من قبل البعض، وجب على الناس أن يتصدوا له، ويعيدوا ما فسد إلى أصله وهو الصلاح.
أسباب اختيار الموضوع:
1- حاجة الأمة الإسلامية إلى الإصلاح الاجتماعي وخاصة في هذا العصر، الذي أفسد فيه الإعلام الغريب عن أمتنا حياتها، وسبب لها الشقاء.
2- الوقوف على أهم القواعد والأصول والأسس التي توصلنا إلى الإصلاح الاجتماعي .
3- بيان الوسائل التي يجب إتباعها للوصول إلى الإصلاح الاجتماعي.
4- إهتمام القرآن الكريم والسنة النبوية بالإصلاح بشكل عام، وبالإصلاح الإجتماعي بشكل خاص.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق ما يلي:
1- فهم معنى الإصلاح بشكل عام، والإصلاح الإجتماعي بشكل خاص.
2- معرفة أصول الإصلاح الإجتماعي وقواعده كما جاءت في نصوص الوحي.
3- إبراز الميادين والجوانب التي تحتاج إلى الإصلاح الإجتماعي.
4- توضيح الأسس التطبيقية التي قامت عليها عملية الإصلاح الإجتماعي في عصور الإسلام الزاهرة، وتوظيفها في عملية الإصلاح في الوقت الحاضر، لتكون قدوة للمصلحين المعاصرين.
5- بيان العلاج اللازم الذي يحقق الإصلاح الإجتماعي، ويزيل الكثير من مشاكل المسلمين.
أدبيات الدراسة :
هناك جهود علمية قام بها بعض العلماء في دراسة الإصلاح الاجتماعي، ولكنها اقتصرت على جوانب معينة، وهذه الدراسات هي:
1- فصول من تاريخ حركة الإصلاح الاجتماعي في مصر، لحلمي أحمد شلبي، ركزت هذه الدراسة على جانب واحد ومجتمع واحد، وهو الجانب الاقتصادي في مصر، حيث وضحت طريقة الأخذ بيد الطبقات الفقيرة، التي تعاني من نتائج جشع كبار الملاك المصريين.
2- بحوث مؤتمر الإصلاح الاجتماعي، لمؤتمر الإصلاح الاجتماعي في مصر، وهو عبارة عن مؤتمر استمرّ ثلاثة أيام، خصص يوماً للحديث عن الريف المصري، ويوماً للحديث عن الشخصيات القومية، ويوماً للحديث عن الأسرة.
3- الإصلاح الاجتماعي في عهد الملك عبد العزيز، لعبد الفتاح حسن أبو علية، تضمن دراسة تاريخية شاملة لأحوال المجتمع السعودي، من حيث عوامل الوحدة والتفكك، ومشكلات البدو والحضر في مجتمعات الحجاز ونجد والإحساء.
4- الإصلاح الاجتماعي في تفسير التحرير والتنوير، رسالة ماجستير (غير منشورة) قدمت في جامعة آل البيت، تتحدث عن جهود ابن عاشور في الإصلاح الاجتماعي، من خلال تفسيره التحرير والتنوير وخاصة في المجتمع التونسي .
أما دراستي فسوف تركز على الإصلاح الاجتماعي في ضوء الكتاب والسنة، بعيداً عن تخصيص ذلك في مجتمعات معينة، أو أزمان معينة، كما سأتناول فيها الفئات الأكثر حاجة للإصلاح، والعلاج اللازم لإصلاح بعض الظواهر الاجتماعية من وجهة نظر الإسلام.
خطة البحث: يشتمل هذا البحث على مقدمة وستة مطالب وخاتمة:
المطلب الأول: مفهوم الإصلاح الاجتماعي.
المطلب الثاني: مكانة الإصلاح الاجتماعي.
المطلب الثالث: أهمية الإصلاح الاجتماعي.
المطلب الرابع: أصول الإصلاح الاجتماعي.
المطلب الخامس: الفئات الإجتماعية الأكثر حاجة للإصلاح الاجتماعي.
المطلب السادس: علاج الفساد الاجتماعي في بعض الجرائم والانحرافات.
الخاتمة: بينت فيها أهم نتائج البحث.
المطلب الأول: مفهوم الإصلاح الاجتماعي :
1- تعريف الإصلاح لغة واصطلاحاً:
الإصلاح لغة:
"من صَلُحَ : الصلاح : ضد الفساد, ورجل صالح في نفسه من قوم صلحاء، ومصلح في أعماله
وأموره , وقد أصلحه الله , واصلح الشيء بعد فساده : أقامه(1)
و(الإصلاح) ضد الإفساد. و(المصلحة) واحدةُ (المصالح) و(الاستصلاح) ضد الاستفساد(2)
.
والصلاح والفساد مختصان في أكثر الاستعمال بالأفعال قال تعالى: :﴿وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحًا وَآخرَ سَيِّئًا﴾ ]التوبة:102[، وقال تعالى: ﴿إليه يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ ]فاطر:10[(3) .
والإصلاح والفساد مفردتان متلازمتان لا ينفكان عن بعضهما، حيث يصعب فهم وتعريف إحداهما دون فهم وتعريف الأخرى، فمن الناحية اللغوية يصعب الاستدلال على معنى الفساد دون اعتباره حالة تتناقى مع مبدأ الصلاح والإصلاح .(4)
مما سبق يتضح أن الصلاح ضد الفساد، وبأن صلاح الفرد يعني أن يصدر عنه كل فعل حسن، وكذلك إزالة أعمال العداوة والبغضاء بين الناس .
الإصلاح اصطلاحاً: على الرغم من كثرة التعريفات المعاصرة للإصلاح سأقتصر على تعريفين فقط: أولهما: الإصلاح هو الرجوع إلى الإسلام، ويصحب ذلك منهج كامل متكامل يشمل الأفراد والمجتمعات، يصلح العقيدة والفكر والثقافة، ويصلح السلوك والعبادة، فهو إصلاح اجتماعي واقتصادي وسياسي، وهو إصلاح دعوي تربوي تنظيمي شامل متكامل(5).
التعريف الثاني للإصلاح: " هو تصويب ما أعوج في ممارسة أمور الدين والدنيا عند المسلمين، والعودة بها إلى الأصل الذي لم يلحقه زوائد ومحدثات".(6)
والمتأمل في هذين التعريفين يرى أنهما يركزان على العودة إلى الأصل، وهو صفاء الدين حيث خلق الله الإنسان على الفطرة، حيث يجب على الإنسان أن يتعلم من القرآن والسنة، وينشأ في بيئة سليمة، نقية من الأمراض الاجتماعية والانحرافات والتقليد الأعمى، حيث يبقى على المنهج الذي أراده الله تعالى له .
تعريف الإصلاح الاجتماعي لغة واصطلاحاً:
"الجماعة في اللغة من الجمع : والجمع تأليف المتفرق و ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض, يقال : جمعته فاجتمع " .(7)
والجماعة عدد من الناس يجمعهم غرض واحد , ( جمع) المتفرق- جمعاً : ضم بعضه إلى بعض , (وأجمع) القوم: إتفقوا , و(استجمع) القوم: تجمعوا من كل صوب ."(8)
ويتضح من المعنى اللغوي أن الاجتماع يعني اجتماع الناس وعدم تفرقهم، وجمع الأشياء بعضها إلى بعض ، وكذلك الأمر الذي يحتاج إلى أن يجتمع الناس لأجله وذلك لخطورته.
تعريف الإصلاح الاجتماعي اصطلاحاً:
الإصلاح الاجتماعي: أصل شرعي من أصول الإسلام ، يقوم على قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويقتضي ذلك أن يكون في المجتمع أناس يقومون على إصلاح أموره في شؤون الدنيا والدين، بحيث تكفل قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التقدم الدائم والمستمر للمجتمع الإنساني , مع تغير الظروف والبيئات، وتجدد المصالح والعادات، فيكون القصد من ذلك تحقيق الإصلاح الديني والخلقي والاجتماعي.(9)
ويرى البعض أن الإصلاح الاجتماعي يتركز على إصلاح الأسرة، فإصلاح الأسرة هو أساس الإصلاح الذي يهتدي به المصلح؛ ليشيع الإصلاح في كل جانب.(10)
ويتضح مما سبق أن الإصلاح الاجتماعي يقوم على إصلاح شؤون الحياة للإفراد والمجتمعات، بما يحقق لهم خير الدنيا والآخرة، فينعم الناس جميعاً بالأمن والأمان، في ظل تحقيق المسلمين لمقاصد الشريعة بإصلاح أحوالهم الدينية والدنيوية.
المطلب الثاني : مكانة الإصلاح الاجتماعي :
للإصلاح الاجتماعي مكانته بين أنواع الإصلاح الأخرى, كالإصلاح السياسي والاقتصادي والتعليمي والسلوكي والفكري ، حيث يهتم الإصلاح الاجتماعي بإصلاح أحوال المجتمع وإنحرافات الناس ، وشيوع الجرائم بين أفراد المجتمع ، ,والعلاج المناسب لذلك كله، وقد يختلف معي بعض الناس فيقدمون الإصلاح السياسي أو الاقتصادي على الإصلاح الاجتماعي ، وأنا أرى أن الإصلاح الاجتماعي يأتي على رأس الأولويات، ويشكل حجر الزاوية في عملية الإصلاح, فالسياسي يخرج من المجتمع الصالح ،والاقتصادي يخرج من المجتمع الصالح ، والمعلم الذي يصلح أحوال التعليم ويصوب الأفكار يخرج من المجتمع ، فإذا فسد الذوق الاجتماعي، وصار الإنسان لا يبالي بارتكاب الجرائم والانحرافات فما فائدة ذلك ، وفي هذا يصف الرسولrحال المجتمع بحال ركاب السفينة ، حيث يكون بعضهم في أعلاها، وبعضهم الأخر في أدناها ، فالذين في أدناها لا يأخذون حاجتهم من الماء إلا بالمرور من عند من كان في أعلاها ، ثم أرادوا أن يخرقوها حتى لا يمروا على من فوقهم , فماذا يقول الحديث : روى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي eقال : " مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا"(11) .
ويتضح من هذا النص الشريف أن المجتمع إذا أهمل الإصلاح, وترك الناس يعملون المعاصي والمحرمات والفواحش هلك الناس جميعاً ، وإن تصدى لهؤلاء أهل الإصلاح فمنعوهم من ذلك نجى المجتمع كله ، وتتضح مكانة الاصلاح أيضاً من حديث رسول اللهe الذي أخرجه أبو داود -بإسناد صحيح- قال : حدثنا محمد بن العلاء، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله e : "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ".قَالُوا: "بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ" قَالَ:" إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ "(12).
فقد جعل النبيe هذه المكانة للإصلاح الاجتماعي حتى لا يتفرق صف المسلمين ، قبل صلاة النافلة، وصيام النافلة ، والصدقة النافلة ، فلو ذهب مسلم للإصلاح بين اثنين متخاصمين، لكان أعظم أجراً من رجل قام تلك الليلة؛ لإن الأول أصلح في المجتمع ، والثاني أصلح نفسه فقط .
ولا يفوتني أن أوكد أن أنواع الاصلاح مرتبطة ببعضها إرتباطاً وثيقاً ، لا ينفك أحدهما عن الآخر ، لكن الإصلاح الاجتماعي هو الأساس والأصل الرئيس في ذلك كله ، قد يكون عندك سياسي صالح في مجتمع فاسد فهل يستطيع إن يعمل الكثير وحده، ولا أدل على ذلك من حالة النجاشي tإذ كان مسلماً في مجتمع كافر فاسد , فلم يستطع أن يظهر إسلامه خوفاً من قومه !؟ وقد يكون عندك اقتصادي صالح فماذا يعمل إذا كان المجتمع فاسداً ، هل يستطيع هؤلاء إن يمنعوا شخصاً فاسداً يحب الأذى ويقوم بتكسير الزجاج في الشوارع ، ويؤذي المارة والسيارات كما نشاهد هذا في واقعنا ، هل يستطيع السياسي الصالح أن يضع حارساً أو شرطياً على كل فاسد يمنعه من الانحراف ، إن ذلك لا يتحقق إلا بالإصلاح الاجتماعي ، وغرس العقيدة الصحيحة في النفوس .
والإصلاح الاجتماعي منهج حياة لا
يستغني عنه أي مجتمع ، فينبغى أن تكون الأرض صالحة قال تعالى : )وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا( [الأعراف: 56]، والولد صالحاً فعن
أبي هريرةt أن رسول اللهe قال : " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَان اِنْقَطَعَ عَمَله إِلَّا مِنْ ثَلَاثَة إِلَّا
مِنْ صَدَقَة جَارِيَة أَوْ عِلْم يُنْتَفَع بِهِ أَوْ وَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ
"(13)، والزوجة
صالحة ، فعن
عبدالله بن عمرو أن رسول اللهe قال :
"الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَة "
(14)،
كما
ويرد في النص الشريف الحديث عن المال الصالح ، فقد روى أحمد قال حدثنا
عبد الرحمن، حدثنا موسى بن علي، عن أبيه قال : سمعت عمرو بن العاص يقول : بعث إليّ
رسول اللهe فقال : "خُذْ عَلَيْكَ ثِيَابَكَ وَسِلَاحَكَ ، ثُمَّ ائْتِنِي " .
فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ ، فَصَعَّدَ فِيَّ النَّظَرَ ثُمَّ طَأْطَأَهُ ،
فَقَالَ : " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ عَلَى جَيْشٍ فَيُسَلِّمَكَ
اللَّهُ وَيُغْنِمَكَ ، وَأَزْغَبُ لَكَ مِنَ الْمَالِ زَغْبَةً صَالِحَةً "
. قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا أَسْلَمْتُ مِنْ أَجْلِ الْمَالِ ،
وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ ، وَأَنْ أَكُونَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ : يَا عَمْرُو ، نِعِمَّا
بِالْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ " (15).
وأريد أن أوضح هنا بأن المصلح لا ييأس من إصلاح أحد من الناس، مهما بلغ فساده وانحرافه، فعندما نتأمل قول الله تعالى لموسى وهارون-عليهما السلام-حينما أرسلهما إلى فرعون قال تعالى:)اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى([طه: 43-44]، مع أن فرعون كان من أفسد الخلق قبل خلق موسى وهارون بزمن طويل ، حيث كان يقتل الصغير عند ولادته ، وأدعى الإلوهية والربوبية معاً ، وعندما أحضر السحرة ليضاد موسى u كانت المعجزة العظيمة بسجود السحرة جميعاً , وإسلامهم، رغم أن الساحر من أفسد الناس في الأرض , لكنهم آمنوا عندما شاهدو الحق، وهذا واضح من قوله تعالى على لسان موسى : )فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ([يونس: 81] .
ثم هل وجود السياسي الصالح ؟ والاقتصادي الصالح يمنع الجريمة ؟ وهل تحسين ظروف الحياة يمنع الجرائم ؟ إن كثيراً من الجرائم يرتكبها الأثرياء وصدق الله العظيم في قوله تعالى: )كَلا إِنَّ الإنسان لَيَطْغَى، أَن رآه استغنى([العلق: 6-7] . فالإنسان الغني الفاسد اجتماعياً هو الذي يرتكب جرائم المخدرات ، وجرائم الفواحش بشراء الشهوات , وغيرها من جرائم السكر، وجرائم السرقة، والرشوة ، بينما الإنسان الصالح الذي نشأ في بيئة صالحة لا يفعل شيئاً من ذلك ، ولهذا ركز r جهده في مكة على الإصلاح , وكان معظمه إصلاحاً فردياً لمجتمع فاسد اجتماعياً , كان يأتي الفواحش ، ويأكل الميتة ، ويقطع الأرحام ، ويسئ الجوار ... الخ , فأخرج من ذلك المجتمع قادة الدنيا وسادة العالم، حيث أوصلوا الخير إلى الناس كافة في مدة ليست بالطويلة نسبياً ، واستطاعوا أن ينتصروا على جيوش الفرس والروم في وقت قياسي ، وأن يمضوا بالإسلام، وأن يخرج من بينهم السياسي الصالح اجتماعياً كأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين , مع أن بعضهم عاش في الجاهلية زمناً, إلا أن النبي rأصلح أحوال ذلك المجتمع، وجعل أهله خير أمة أخرجت للناس . .
المطلب الثالث : أهمية الإصلاح الاجتماعي :
تظهر أهمية الإصلاح الإجتماعي في
توفير السلام , والأمن , والطمأنينة , والعدل
والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد, ووجود الرحمة والبر والتلاحم والأخوة والتسامح
الأجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد . (16)
و نستطيع أن نلخص أهمية الإصلاح الاجتماعي فيما يأتي :
1- الإصلاح سبب لدفع البلاء والهلاك والضنك عن المجتمعات لقوله تعالى:﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هود: 117].يقول سيد قطب : "وهذه الإشارة تكشف عن سنة من سنن الله في الأمم. فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله، في صورة من صوره، فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية , لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير، فأما الأمم التي يَظلِم فيها الظالمون , ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر , ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تَحقُّ عليها، إما بهلاك الاستئصال. وإما بهلاك الانحلال.. والاختلال! .
فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحدَه، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب .. وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحدَه، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره .. إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله , واستحقاق النكال والضياع.. " (17) .
إذاً قد يهلك الله المجتمع وفيه صالحون كثر ، لكنهم لا يصلحون الآخرين بل يكتفون بإصلاح أنفسهم ، ونستدل أيضاً على هلاك المجتمع إذا كثر الفساد من حديث الرسول r، فعن زينب بنت أم سلمة، عن أم حبيبة ، عن زينب بنت جحش رضي الله عنهن أنها قالت : "استيقظ النبي r مِن النومِ مُحمرا وجهُهُ يقُولُ لا إِله إِلا اللهُ ويلٌ لِلعربِ مِن شر قد اقترب فُتِح اليوم مِن ردمِ يأجُوج ومأجُوج مِثلُ هذِهِ وعقد سُفيانُ تِسعِين أو مِائةً قِيل أنهلِكُ وفِينا الصالِحُون قال نعم إِذا كثُر الخبث" (18) .
فارتفاع منسوب الخبث والفجور يدمر المجتمع , ولهذا قال تعالى : ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ ]الانفال:33[ فوجود النبي r في المجتمع، وهو صاحب المقام الأول في القيام بالإصلاح يحمي المجتمع , وكذلك الاستغفار والاعتراف بالذنب والرجوع عنه أيضاً سبب للنجاة .
والإنسان قد يصدر منه الذنب بل الذنوب
الكثيرة , لكن المهم أن لا يصر على ذلك وفي حديث أبي هريرة t ، عن النبيr
فيما يحكي عن ربهU قال : "أذنب عبدٌ ذنباً، فقال : اللهم اغفر لي ذنبي ،
فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رَبّـاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب
، ثم عاد فأذنب ، فقال : أي رب اغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنباً
فعلم أن له رَبّـاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، ثم عاد فأذنب ، فقال : أي رب اغفر
لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رَبّـاً يغفر الذنب
ويأخذ بالذنب ، اعمل ما شئت فقد غفرت لك " (19) , وهذا كله يؤكد أن المشكلة ليست في ارتكاب
الذنب , وإنما في الإصرار عليه، وعدم الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والإنابة، قال
تعالى : ﴿وَالَّذِينَ إِذَا
فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ
يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾
]آل عمران:135[ .
وهذا يؤكد لنا أن دعوة الإصلاح الاجتماعي يجب أن تتأصل في نفوس أفراد المجتمع، حتى يحافظوا على وجودهم وأوطانهم ,ويحموا أنفسهم وأموالهم وأعراضهم من الهلاك .
2-إرادة الإصلاح سبب لعون الله تعالى للعبد :ويظهر هذا جلياً في أكثر من نص شرعي، قال تعالى على لسان شعيب : ﴿وما أُريدُ أن أُخَالِفَكُم إلى ما أنهاكُم عنه إن أُريدُ إلا الإصلاحَ مااستطعتُ وماتوفيقي إلا باللهِ﴾]هود:88 [, فقد بين عليه الصلاة والسلام أنه لم يرد مخالفتهم لمجرد الانتقاد لهم , وإنما أراد مخالفتهم لمقصد عظيم وهدف سامي وهو إرادة إصلاحهم , مع إرجاع الفضل في ذلك إلى الله تعالى في قوله: ﴿وما توفيقي الا بالله﴾ فسمى إرادة الإصلاح توفيقاً لا يتم إلا بإرادة الله تعالى .
ومثل هذا واضح أيضاً في قوله تعالى:﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بينهما﴾]النساء:35[ , فالإنسان إذا أراد الإصلاح وفقه الله لذلك, وهذا من أعظم الفوائد المستفادة من ذلك .
3-الإصلاح سبب للحصول على الأجر العظيم والثواب الجزيل من الله تعالى :قال تعالى: ﴿ لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾]النساء:114[, والآية في حديثها عن الصدقة في مطلع النص، تشير إلى أهمية إصلاح أحوال الناس اقتصادياً, بينما ذكرها للمعروف والإصلاح بين الناس إشارة إلى الإصلاح الاجتماعي، ومن فعل هذه الأمور أو بعضها إبتغاء مرضاة الله فسوف يؤتيه الله أجراً عظيماً .
ولا يخفى على المتبصر أن الشارع الحكيم أراد من إرسال الرسل , وإنزال الكتب إلى الأمم جميعاً إصلاح المجتمعات , قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ ]فاطر:24[ وقال تعالى :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ ]الإسراء: 15 [, فالأمم التي تخالف أمر الله وتصر على الفساد بعد ذلك، تستحق الهلاك بارتكابها للذنوب قال تعالى : ﴿الَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين ﴾]الأنعام:6[, فقد أهلك الله قوم شعيب؛ لإنهم بخسوا الناس أشياءهم، ولم يزنوا بما أراد الله , فكان هذا فساداً اجتماعياً استحقوا عليه الهلاك , وقوم لوط ارتكبوا الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد، فأهلكهم الله بذلك الذنب وغيره من الذنوب , وكذلك قوم عاد وثمود وفرعون وغيرهم ممن أكثروا الفساد في البلاد , فصب عليهم ربك العذاب صباً , وأهلكهم بذنوبهم فخسروا الدنيا والأخرة .
المطلب الرابع: أصول الإصلاح الاجتماعي:
يقوم الإصلاح الاجتماعي على أصول وقواعد يجب الأخذ بها حتى تتم عملية الإصلاح، وقد قسم ابن عاشور أصول الإصلاح الاجتماعي إلى قسمين هما:
أصول إصلاح الأفراد، وأصول إصلاح المجتمع (20).
1- الإصلاح الاجتماعي على مستوى الأفراد:
يقوم إصلاح الفرد على إصلاح عقله الذي هو الأساس لإصلاح جميع خصاله، وبعدها يأتي إصلاح أعماله، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾[فصلت:30[. وعن سفيان بن عبدالله الثقفي قال: قلت يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: "قل آمنت بالله فاستقم" وفي رواية أُحمد "ثم استقم" (21).
يرى الطاهر ابن عاشور أن رسول الله r جمع في قوله "آمنتُ بالله" معاني صلاح الاعتقاد وفي قوله "استقم" معاني صلاح العمل، وبناء عليه فإن أصول إصلاح الأفراد عند ابن عاشور تقوم على إصلاحين، إصلاح الاعتقاد وإصلاح العمل (22).
ومن المعلوم أنه من صلحت عقائده وأفكاره، صلحت أعماله وأقواله، وإلا جاء مفلساً كما جاء في حديث أبي هريرة، أن رسول الله r قال: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ” قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: “إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" (23).وقد بين ابن عاشور أن هذه الأصول كانت متحققة في دعوة سيدنا شعيب لقومه، قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ #وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [هود:84-85 [.
فقد أمرهم عليه السلام بثلاثة أمور:
- إصلاح الاعتقاد، وهو من إصلاح العقول والفكر.
- إصلاح الأعمال والتصرفات في العالم بأن لا يفسدوا في الأرض.
- ووسط بينهما الثاني وهو شيء من صلاح العمل خص بالنهي؛ لإن إقدامهم عليه كان فاشياً فيهم حتى نسوا ما فيه من قبح وفساد، وهذا هو الكف عن نقص المكيال والميزان، فابتدأ بالأمر بالتوحيد؛ لإنه أصل الصلاح، ثم أعقبه بالنهي عن مظلمة كانت متفشية فيهم وهي خيانة المكيال والميزان وهي مفسدة عظيمة؛ لإنها تجمع خصلتي السرقة والغدر، ونهاهم عن الإفساد في الأرض وعن نقص المكيال والميزان (24).
ومن هنا يجدر بكل صالح في عقيدته، أن تصدر عنه الأعمال الصالحة، القلبية والبدنية، فإصلاح الأعمال القلبية وهي الانفعالات النفسية وما يترتب عليها من آثار حميدة أو ذميمة، فيكون بإصلاح الضمائر والأخلاق، والنهي عن الكبر والحسد وغيرها، فقد روى ابن مسعود t، عن النبيrقال: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ " (25).
وإصلاح الأعمال البدنية وهي التي تقترفها الجوارح، فيكون إصلاحها بالوقوف عند حدود الشريعة فيها، فعن عبدالله بن مسعودt :أن النبي r قال:"سبابُ المسلمِ فسوقٌ وقتالهُ كفرٌ" (26).
هذا وقد أمرنا الله تعالى بإصلاح جميع الأعمال في قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[التوبة:105[، وأرشدنا سبحانه وتعالى إلى أهمية العمل وقيمته في قوله الكريم:﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[فصلت:33[ .
ويشمل إصلاح العمل، إصلاح العبادات الشرعية قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج:77 [يقول الشيخ محمد رشيد رضا: " وأما أعمال العبادات فإنما شرعت لتربية هذا الروح الأمرى في الروح الخلقي، ولذلك شرط فيها النية والأخلاص، ومتى تربى سهل على صاحبه القيام بسائر التكاليف الأدبية والمدنية، التي يصل بها إلى المدينة الفاضلة، وتحقيق أمنية الحكماء" (27).
ولا يخفى ما للعبادة من أثر في إصلاح الفرد، كيف لا وهو واضح في قوله تعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت:45 [.
فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وللصيام أثره في الوصول إلى التقوى قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة:183 [. وغير ذلك من الآثار العظيمة الموجودة في العبادات.
كما ينبغي أن نبين أثر العمل في إصلاح الأخلاق
الإسلامية عند الأفراد، فقد أثنى الله تعالى على خلق النبي rبقوله:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾[القلم:4 [، وقدم الأخلاق على العبادات في قوله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا
وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا# وَالَّذِينَ
يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾
[الفرقان:
63-64 [، فمعاملة الناس والتواضع لهم أولاً، ثم قيام
الليل والعبادة ثانياً؛ لأن المجتمع ينتفع من الخلق الحسن، بينما العبادة لصاحبها
فقط، لذا جاءت النصوص التي تحث على ذلك، قال تعالى:﴿ خُذِ
الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:199 [، وقوله تعالى : ﴿وَلا
تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا
الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت:34[، وبين عليه الصلاة والسلام أهمية الأخلاق في
حديث عبدالله بن عمرو قال: لم يكن رسول الله r
فاحشاً ولا متفحشاً وإنه كان يقول: " إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً "(28).
2- الإصلاح الاجتماعي على مستوى المجتمع:
يشمل الإصلاح الاجتماعي على مستوى المجتمع الإصلاح السياسي والاقتصادي والسلوكي.
والإصلاح السياسي من مقاصد القرآن؛ لأن الإسلام دين هداية وسيادة وسياسة وحكم، فما جاء به القرآن من إصلاح البشر في جميع شؤونهم، يتوقف على السيادة وإقامة الحق، والحكم بالعدل، وحماية الدين والدولة(29).
إن
صلاح المجتمع يكون بطاعة الله ورسوله، وعدم التنازع والتفرق، لإن ذلك يؤدي إلى
الفشل الذريع، والضعف الذي لا تقوم للأمة به قائمة، قال تعالى:
﴿ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[الأنفال:46 [، وقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم
بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ
فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ﴾[آل عمران:103[ .
ومن المعلوم أن الرسول rقد وضع قواعد لإصلاح المجتمع، منها بناء المسجد، وللمساجد دورها العظيم في الإصلاح الاجتماعي، ثم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وهو ما جاء في الآية السابقة﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ﴾ ، وكذلك ما ورد من أحاديث تمتن هذه الروابط الاجتماعية، منها حديث أنس tعن النبي r قال: " لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " (30) . وحديث النعمان بن بشير قال: قال رسول اللهr : " ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوًا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى" (31).
إن المتأمل في سورة الحجرات المكونة من (18) آية، يرى في ورود النص الشريف ﴿يا أيها الذين آمنوا ﴾ خمس مرات أوامر كثيرة جداً في الإصلاح الاجتماعي،وورد النص الشريف: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾[الحجرات: 13 [.
إن القرآن الكريم قد أقام الروابط بين
المسلمين بتحقيق ثقة الناس بعضهم ببعض، من خلال تحريم دم المسلم وماله وعرضه، وغير
ذلك من التوجيهات التي وردت في قوله تعالى: ﴿قُلْ
تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ
شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ
إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ #وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ
نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ
ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَذَكَّرُونَ# وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ
تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ]الأنعام151-153[، فقد انقسمت الأحكام في الآيات السابقة إلى
ثلاثة أقسام: الأولى: أحكام بها إصلاح الحالة الاجتماعية العامة بين الناس
والمفتتحة بقوله: ﴿ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ
شَيْئًا﴾،
والثاني: أحكام بها حفظ نظام تعامل الناس بعضهم مع بعض والمفتتحة بقوله:
﴿ وَلاَ
تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ ﴾، والثالث:
أحكام جامعة للهدى وهو أتباع طريق الإسلام، والتحرز من الخروج عنه إلى سبيل الضلال
والمفتتحة بقوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي
مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ .
كما يرى المتأمل في قوله تعالى: ﴿ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ ]البقرة:177[ .أن هذه الآية قد جمعت الفضائل كلها، والتي ينشئ عنها صلاح أفراد المجتمع جميعاً في العقيدة وصالحات الأعمال.
وجاءت الأحاديث الشريفة التي بينت كيف يتحقق الإصلاح الاجتماعي، منها حديث أبي هريرة tقال: قال رسول الله r: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ "(32)، وحديثهt أيضاً قال: قال النبيr " لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ "(33).
هذا وقد عد محمد رشيد رضا الإصلاح الاجتماعي من مقاصد القرآن الكريم، وهو يقوم على أصول أدبية أربعة هي:
- وحدة الأمة: قال تعالى مخاطباً أمة الإسلام: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾]الأنبياء:92[ .
- الوحدة الإنسانية بالمساواة بين أجناس البشر وشعوبهم وقبائلهم وشاهده قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾]الحجرات:13[، وقد بلغ النبي r ذلك للأمة في حجة الوداع.
- وحدة الدين بإتباع رسول واحد جاء بأصول الدين الفطري الذي جاء به غيره من الرسل، وأكمل تشريعه بما يوافق جميع البشر ودليله قول الله تعالى : ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ ]الأعراف:158[ .
- وحدة الأخوة الروحية والمساواة بين المؤمنين بهذا الدين في أخوته الروحية، وعباداته، وفي الاجتماع الاجتماعي، منها الصلاة ومناسك الحج، فملوك المسلمين وأمرائهم وكبار علمائهم، يختلطون بالعوام والفقراء في صفوف الصلاة والطواف بالكعبة والوقوف بعرفات وسائر مواطن الحج، ولا يرضى غير المسلمين بمثل هذه المساواة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ ]الحجرات:10[، وقوله:﴿ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ ]التوبة:11[ (34) .
المطلب الخامس : الفئات الاجتماعية الأكثر حاجة للإصلاح الاجتماعي :
للإصلاح الاجتماعي آثاره, ففيه معالجة للانقسام الذي قد يحصل بين أفراد المجتمع، وفيه تخليص للمجتمع من الآمه، فهو الذي يغير أحوال الناس جميعاً, ويصلح جميع نواحي حياتهم .
إن منهج الإسلام يقوم على إصلاح الأنفس بالعقائد الصحيحة التي تدفع الأوهام والخرافات,والأعمال الصالحة التي تردع الإنسان عن المنكرات والمحرمات وأصناف الفواحش,كما أن الأحكام التي تقوم على العدل بين الناس في حقوقهم ومعاملاتهم تحقق الإصلاح الاجتماعي,وكل ما مضى مقدم على الرقي في كل مناحي الحياة (35).
سأتناول في هذا المطلب أكثر الفئات حاجة للإصلاح ، واعتقد أن اليتامى والأسرة والفئات المتخاصمة في المجتمع هي الأولى بالأهتمام:
1-اليتامى:إن اليتامى صنف من الضعفاء الذين يحتاجون إلى رعاية شؤونهم ؛لأنهم فقدوا أرحم الناس بهم ,فقدوا المعيل والراعي والمدبر لشؤونهم ,فقدوا من كان يحرص عليهم ,فلا بد من وجود من يعوضهم عن ذلك حتى يصلوا إلى الرشد والكمال؛ لإن اليتيم عندما يفقد من يرعاه يكون عرضة للإهمال من جهة، ولمطامع الظلمة من جهة أخرى ,من أجل ذلك حث الإسلام المجتمع الإسلامي المحيط بهم, على العناية بهم وتعويضهم عما فقدوه ,بأن يبالغ في إكرامهم ,وفي القيام بكفالتهم وإدارة شؤونهم وعدم قهرهم قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ﴾ ]الضحى:9 [، وقال تعالى : ﴿أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ# فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ ]الماعون:1-2 [ .
لقد حذر الإسلام الظالمين من الاعتداء على الأيتام ,وهذا واضح من النصوص الماضية، ويتضح أكثر من وعيد الله لمن يأكل مال اليتيم، بإنه يأكل ناراً وسيصلى سعيراً في قوله تعالى﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾]النساء:10 [ويذم الله القساة الذين لا يرحمون اليتيم فلا يكرمونه، ولا يتدبرون شوؤنه بقوله تعالى : ﴿ كَلاَّ بَل لّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴾ ]الفجر:17 [ .
وقد ورد لفظ الإصلاح لأحوال اليتامى وشؤونهم بشكل صريح في كتاب الله، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ ]البقرة:220[ .
وقد تضمنت هذه الآية بيان نقطة مهمة ,وهي أن المطلوب بالنسبة إلى أموال اليتامى إنما هوالمحافظة عليها, فإذا تهيات وسيلة أخرى هي أنفع لهم وأصلح , فإصلاح لهم خير، وإن كان هذا الإصلاح يستدعي خلط أموالهم بأموالكم فهو خير أيضاً, فتنمية أموال اليتامى مما حث عليه الإسلام شريطة أن يكون ذلك في الأمور المشروعة.
وفي قوله تعالى"ولو شاء الله لأعنتكم " أي :ولو شاء الله لحملكم مشقة تكليف أكثر مما كلفكم بالنسبة إلى اليتامى وأموالهم ,كأن يجعل مثلاً نفقتهم عليكم لا في أموالهم، وكأن يكفلكم تثمير أموالهم على أن لهم الربح إذا حصل، دون أن يتحملوا الخسارة إذا حصلت، أو دون أن يكون لكم أجر على ذلك, ولكن الله تعالى لم يشأ أن يحملنا هذه المشقة في تكاليفه الشرعية ,وإنما نهانا فقط عن ظلمهم وأكل أموالهم بالباطل(36) .
والأحكام التي
دلت عليها هذه الآية أكدها الله تعالى بقوله: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ
الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ ]الأنعام: 152[, وقد حذر الإسلام من تزوج اليتيمة رغماً عنها أو بلا موافقتها, أو
بعدم إعطائها كامل حقوقها, والعدل والقسط معها في قضية المهر فقال : ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانْكِحُوا
مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ
أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ
أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا﴾ ]النساء:3[وعندما سأل المسلون رسول الله ماذا ينفقون ,نزل القران
يذكر أصنافاً ومنها اليتيم، قال تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ
مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ
وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا
تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ ]البقرة:215[ . ولو طبق المسلمون ما وصى به الله تجاه الأيتام، لعاش هؤلاء في
أحسن حال، بل أحسن من أحوال كافة أفراد المجتمع من غير الأيتام, وهذا ما حث عليه
رسول الله r، فعن سهل بن
سعد tعن النبيr " أَنَا
وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى،
وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا " (37) .
وهذا ينطبق على كل يتيم سواء أكان من الأقارب أم لا، وفي حديث ابن ماجة قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عجلان، عن سعيد ابن أبي سعيد, عن أبي هريرةt، قال: قال رسول الله r "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ" (38) .
قال المحقق : في الزوائد : المعنى أحرج عن هذا الإثم . بمعنى أن يضيع حقهما, وأحذر من ذلك تحذيراً بليغاً. وأزجر عنه زجراً أكيداً. قاله النووي . وإسناده صحيح, رجاله ثقات.
من ذلك كله تتضح لنا أهمية الإصلاح لأحوال اليتيم، والعناية به وبأمواله ومصالحه، حتى يبلغ أشده ,وبأن من فعل ذلك كان جاراً للرسول r في الجنة، ومن ظلم اليتيم وأكل ماله، استحق عذاب الله في الدنيا والآخرة .
2- إصلاح الأسرة:
أهتم الإسلام بإصلاح الأسرة, وبالعلاقات بين الزوجين، وبين الأرحام في محضن الأسرة ؛ لإن الأسرة هي المكون الرئيس للمجتمع , ولتحقيق ذلك أوصى الإسلام بالنساء خيراً وأمر باكرامهن والإحسان إليهن, ورتب للزوجين حقوقاً وواجبات على بعضهما البعض, وحقوق للأرحام بين أفراد الأسرة وجاءت النصوص الشرعية العديدة التي نصت على إصلاح أحوال الأسر، بدءاً من العلاقات الزوجية ومن هذا قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ ]النساء: 35[, فهذا نص صريح في وجوب تدخل أطراف الصلح من جهة الزوجين؛ لكي يتداركوا الخلل ويصلحوا بين الزوجين حتى لا تتدمر الأسرة ويتضرر الأبناء,ولهذا يرد النص الأخر إلذي ينص صراحة على الإصلاح بينهما في قوله تعالى: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ ]النساء:128[, حيث وصف الله سبحانه وتعالى الصلح هنا بأنه خير , وبأن المصلحين ينبغي إن يتدخلوا لإصلاح الشؤون الأسرية ,وحفظ العلاقات الزوجية ,والروابط الأسرية ,ثم يأتي نص آخر يتحدث عن أهمية الإصلاح في حالة التعدد ,وبأنه لايجوز تحت أي ذريعة أن يظلم الزوج إحدى زوجاته بالميل عنها وهجرها مدة طويلة ,وبأن عليه أن يصلح؛ لأن الصلح ضرورة في هذه الحالة قال تعالى: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ ]النساء: 129[ ، وهذه النصوص جميعها تؤكد أهمية بقاء الأسرة متماسكة, إذ بصلاح الأسرة صلاح المجتمع بأكمله؛لإن المجتمع يتكون من أسر صغيرة تكون مجتمعاً كبيراً.
ومن أجل صلاح الأسرة أوصى الإسلام بالنساء خيراً, وأمر بإكرامهن وعدم ظلمهن، كما أمر بالصبر عليهن وعدم كرههن، فعن أبي هريرةt قال : قال رسول اللهr " لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَ آخَرَ " (39)، وفي هذا الحديث تنبيه إلى مسح الأخطاء، وتذكر الايجابيات للعفو عن الزلات والسلبيات ,فكل إنسان فيه خير وشر، وعلى العاقل أن يدفع بالتي هي أحسن حتى تستمر العلاقات الزوجية، والوئام والمودة في البيت.
كما بين الإسلام أن خيار الناس وأكملهم إيماناً هم الطيبون في بيوتهم، ومع زوجاتهم، روى الترمذي قال:حدثنا أحمد بن منيع البغدادي، حدثنا إسماعيل بن علية ,حدثنا خالد الحذاء ,عن أبي قلابة، عن عائشة قالت :قال رسول r:" إنَّ مِنْ أَكْمَل ِالمُؤْمِنينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ"(40)والذين يسيئون المعاشرة للزوجات عصاة لله, يخالفون أمره سبحانه وتعالى ويكونون في عداد الظلمة , والبعد عن الحق ,والذي يمعن النظر في النصوص الشرعية، يجد أن هدم البيوت والأسر من أعظم مقاصد الشيطان العدو اللدود لأبن أدم، فعن جابر t قال :قال رسول r : "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ ، فَأَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً أَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا ، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ ، يَقُولُ : كَذَا وَكَذَا ، فَيَقُولُ : مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ، ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ ، فَيَقُولُ : مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ ، فَيَقُولُ : نِعْمَ أَنْتَ أَنْتَ ، فَيُدْنِيهِ مِنْهُ" (41) .
كما جعل النبي r من يفسد رابطة الأسرة ، ويدمر العلاقة القائمة
على المودة بين الرجل والمرأة من أسوء الناس، فقد روى أبو داود قال :حدثنا الحسن
بن علي، حدثنا زيد بن الحباب، ثنا عمار بن زريق، عن عبد الله بن عيسى، عن عكرمة،
عن يحيى بن يعمر، عن أبي هريرة t قال, قال رسول الله r: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً
عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ" (42) , ومعنى خبب : أفسد العلاقة
الزوجية القائمة على السكن والمودة والرحمة.
3-الإصلاح بين المتخاصمين :
من حقوق المسلمين على بعضهم البعض، اجتناب كل ما يؤذيهم أو يغري بينهم العداوة والبغضاء, أو يمزق وحدتهم ويفرق جماعتهم , وفي مثل هذا المعنى ورد قول الله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ ]الأنفال:1[, وإصلاح ذات البين يكون بالتسامح والعفو وإزالة أسباب الخصام , وزرع المودة والرحمة والتحابب والتآلف بين المسلمين.
والله تبارك وتعالى ينادي الذين أمنوا بصفة الأيمان, ويبين لهم أن عليهم أن يصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين حقاً وصدقاً, وإذا ما أشتد أمر الخصام بين المسلمين أن يسعوا في الإصلاح بين المتخاصمين , سواء أكان هذا الخصام بين أفراد أو فئات من المجتمع، حتى يصلوا إلى حل الخلاف والإشكال بين المسلمين .
وقد يصل الخلاف إلى حد التقاتل بين طائفتين من المؤمنين , وفي هذا يجب على كل المؤمنين وأهل الحق أن يصلحوا بينهما , ضمن المنهج الذي رسمه القران كما جاء في كتاب الله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ ]الحجرات: 9[ .
والمتأمل في هذا النص الكريم يرى أن الله لم ينزع لفظ الايمان عن هؤلاء وهؤلاء؛ لأن هذا القتال لا يكون عن استباحة لدماء المسلمين, وإنما يكون عن اجتهاد خاطئ, كما ويرى المتأمل أن الله قد أمرهم بالإصلاح ثلاث مرات في هذه الآية والتي تليها, كما وأمرهم أن يقسطوا, وأمرهم أيضاً بمقاتلة الطائفة الباغية التي ترفض الرجوع إلى الحق، وقد جعل الله الإصلاح من التقوى فقال:﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾]الحجرات:10[, ومن هذا كله نلحظ مبلغ إهتمام هذا الدين العظيم بوحدة الأمة الاسلامية , وحرصه الشديد على أن لا يدب الخلاف بينهم، وأن لا يتمزق صفهم بأي شي؛ لأن من شأن ذلك أن يضعف قوتهم , ويطمع بهم عدوهم, ويمكنهم من رقابهم .
ولأجل ذلك حرم
الأسلام كل ما يؤهن أمر المسلمين , وكل ما يسبب الفرقة والشحناء والبغضاء والخلاف
بينهم، كالسخرية واللمز والغيبة والنميمة والظنون الباطلة والتنابز بالألقاب ,
وجعل صاحب الوجهين من شر الناس يوم القيامة؛ لما يقوم به من تفريق صف المسلمين ,
فعن أبي هريرة t قال:قال النبيr:" تَجِدُ مِنْ شَرِّ
النَّاسِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ
وَهَؤُلَاءِ بِوَجْه"(43), والنميمة شيطانية بحتة؛ لإنها تسعر الفتن , وتشعل النيران بين الناس،
وتؤدي إلى إقامة الحروب , ونشر العداوات والشرور في المجتمع, ولهذا روى حذيفة قال:
سمعت رسول الله r يقول : "لا
يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ "(44),وفي رواية قتات, والذي يمشي بالنميمة ناقل لأخبار السوء،
وعلى الناس أن يرفضوا كلامه، ويفوتوا عليه
فرصة تقطيع الأواصر ونشر الفتن .
ومن أجل بقاء العلاقة طيبة بين المسلمين, أجاز الأسلام للمسلم أن يستعمل الكذب لتحقيق الإصلاح بين المتخاصمين, فعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت من المهاجرين الأول، اللآتي بايعن النبي r أخبرته أنها سمعت رسول الله rيقول " لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا "(45) , وكل ذلك لأن الهجر للمسلم لا يجوز فوق ثلاث , فعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله rقال:" لَا يَحِلُّ لمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ"(46).
المطلب السادس : علاج الفساد الاجتماعي في بعض الجرائم والانحرافات :
لا يخفى على المتبصر أن المجتمع يعاني من مظاهر انحراف عديدة، تدل على فساد اجتماعي خطير، منها كثرة الطلاق بين المتزوجين، وكثرة العنوسة والعزوف عن الزواج بين الذكور والإناث، وكثرة جرائم السرقة، وشيوع ظاهرة القتل للنفس وللآخرين، وانتشار المخدرات والخمور...إلخ .
كل هذا وغيره يزداد يوماً بعد يوم، وقد تحدثت الأرقام الرسمية عن (24000) جريمة سرقة لعام 2011م في الأردن، كما سجلت (4000) جريمة مخدرات، و(129) جريمة قتل، و(15707) حالة طلاق، وعزوف عن الزواج يزداد يوماً بعد يوم، حيث بلغ عدد الفتيات التي لم يسبق لهن أن تزوجن، وزادت أعمارهن عن ثلاثين عاماً أكثر من (120) ألف عانس، هذا علاوة على ما يشاهد في واقعنا من مظاهر العنف المجتمعي، والمشاجرات بين ابناء الحي الواحد، وأحياناً بين الأقارب والأرحام، وأحياناً بين طلبة العلم في المدارس والجامعات... وغير ذلك من مفاسد اجتماعية، تحتاج إلى علاج وإصلاح اجتماعي .
وعلاج هذه الظواهر يكون بإرشاد المسلم إلى مناهج الخير والسعادة، والبحث عن روح الإسلام وحقيقته، وكذلك بيان الحكمة التي من أجلها أرسل الله تعالى بهذا الدين رسولهr .
إن الدعوة إلى الإصلاح لا تتحقق إلا بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن لقوله تعالى : ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ ]النحل : 125[، فكل من يقوم بمهمة الرسولr في إرشاد الناس، عليه أن يتحلى بالأساليب الثلاثة الواردة في الآية الكريمة، والتي تعد من الآداب الإسلامية المهمة .
فإذا أراد الداعي أن ينفر الناس من شرب الخمر، وهي ظاهرة تتكاثر في المجتمع في هذه الأيام، فعليه أن يذكرهم كيف أوما التشريع الحكيم إلى التعليل بالتحريم بالنسبة للخمر بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ #إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ ]المائدة :90- 91[ ، وإذا أراد أن يبعدهم عن ارتكاب جرائم القتل وما شابهها، فعليه أن يظهر ما ذكره الله تعالى من علة الحكم في إيقاع القصاص، بأن فيه حياة للناس قال تعالى : ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ]البقرة: 179[ .
والإنسان مفطور على الخير، ولكنه يحتاج إلى تذكير دائم، لهذا جاء في القرآن الحديث عن الأمم الماضية؛ لإجل الاتعاظ بأحوالهم لكي نتجنب أسباب الهلاك، بتأمل قصصهم، وأخذ العبرة منها قال تعالى : ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ #وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ ]هود : 100-101[ .
وإصلاح النفوس يكون بتزكيتها، أما إصلاح نظام الحياة فيكون بالتشريع، ولا يمكن للنفوس أن تتزكى إلا إذا ابتعدت عن القدوة السيئة، وعن تقليد أهل السوء، قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ# إلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ ]هود : 96-97 [. وقال تعالى : ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا﴾ ]الأحزاب : 67[ .
إن جميع الفساد الذي يظهر في أي مكان، ما هوإلا جرّاء اكتساب الناس الذنوب والمعاصي، ولو أنهم استقاموا لكانوا وحياتهم في صلاح ونجاح قال تعالى : ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ ]الروم:41[، فالله تعالى خلق العالم على نظام يلائم صالح الناس وصلاحهم، فعندما اقترفوا الذنوب اختل النظام، وقد بين القرآن في الآية الكريمة أن فساد البر والبحر، إنما هو بما اكتسبته أيدي الناس من الذنوب والمعاصي .
إن معالجة المشاجرات بين الناس والطلاب تكون بوسائل من أهمها، مقابلة السيئة بالحسنة لما لها من آثار عظيمة في تحقيق الإصلاح بين الناس قال تعالى : ﴿وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾]فصلت : 34[، ولأن هذا الخلق يحتاج إلى قوة إرادة ، وعزم، وتمرس على الصبر قال تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾]فصلت : 35[، كما وتعالج هذه الظواهر بالابتعاد عن حمية الجاهلية، والتخلق بالسكينة والمراد بها الثبات والأناة والتمهل قال تعالى : ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ ]الفتح : 26[ .
كما لا يخفى على المتبصر، دور الإصلاح السياسي وأثره في السير بالأمة نحو الإصلاح الاجتماعي، فسياسة الأمة وتحقيق العدل تنطلق من قوله تعالى في وصية موسى لأخيه هارون : ﴿ وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ ]الأعراف : 142[، إن الإصلاح الاجتماعي لا يتحقق إلا بإقامة العدل في الحكم بين الناس قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ ]النساء : 135[ .
وقد قرن الله تعالى الميزان مع رفع السماء تنويهاً بشأن العدل، حيث نسبه إلى العالم العلوي، وهو عالم الحق والفضائل قال تعالى:﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ# أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ# وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ ]الرحمن : 7-9[ .
وقد عد خير الدين التونسي: أن من أصول الشريعة، وجوب المشورة التي أمر الله بها رسوله المعصومr، مع استغنائه عنها بالوحي الإلهي، وبما أودع الله فيه من الكمالات، ولحكمة أخرى وهي أن تصير المشورة سنة واجبة على الحكام بعده (47) .
قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾]الشورى:38[ فقد وضع الله تعالى الشورى في هذه الآية بين ركنين عظيمين من أركان الإسلام، وهما الصلاة والزكاة، كما حذر الله تعالى من الاختلاف لما يقود من ضعف وتمزق، ففي قوله: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ ]آل عمران : 105[، بيان لأهمية الأخوة والابتعاد عن الفوضى، لذا كان من المفاسد الاجتماعية التمرد على أولي الأمر وعدم طاعتهم، إذ يؤدي ذلك إلى مخاطر جسيمة على المجتمع، لذا أمر الله تعالى بطاعتهم وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله r قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ ]النساء:59[ .
كما جاءت الأدلة الكثيرة من القرآن والسنة، تتحدث عن المال وأهميته في إصلاح الأحوال الاجتماعية، فقد جعل الله تعالى الزكاة ثالث أركان الإسلام، وجمع بينها وبين الصلاة في آيات كثيرة من القرآن الكريم قال تعالى : ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ ] البقرة:43[
وجاءت الأحاديث التي تبين دور المال في حل الكثير من المشاكل الاجتماعية فعن أبي سعيد الخدريt قال: قال رسول الله r "إن هذا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ ما أَعْطَى منه الْمِسْكِينَ وَالْيَتِيمَ وابن السَّبِيلِ" (48)، فذكر هذه الأصناف، وأن للمال أثر في حل مشاكل هؤلاء المساكين .
كما نهى الإسلام عن التبذير، وحث على مساعدة ذوي القربى وغيرهم في قوله تعالى : ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا #إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ ]الإسراء :26-27[، ونهى عن إضاعة المال بغير حق، وفي هذا يروى المغيرة بن شعبة عن الرسولr يقول "إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا : قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ"(49) .
كما حث الإسلام على إطعام المساكين، وندد بمن لا يفعل ذلك في قوله تعالى ﴿إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ #وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾]الحاقة:33-34[ .
ومن الإصلاح الاجتماعي عدم إيتاء السفهاء الأموال؛ لأنهم يجهلون مالها من منافع، قال تعالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾ ]النساء:5[، وكم نرى في زماننا من السفهاء، الذين يقودون السيارات الفارهة برعونة وطيش وخفة! .
كما أن المال وسيلة لمواساة المحتاجين والفقراء بالزكاة أو الصدقة، ووسيلة لدفع المسلمين إلى التعاون والتشارك، والابتعاد عن الربا المدمر للمجتمع، والذي يوغر الصدور على الناس الذين يفعلونه؛ لذا توعدهم الله بالمحق في قوله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ ]البقرة:276[، وجاء بدلاً منه الحث على التداين وتفريج كربات الناس في حديث أبي هريرةt قال:قال رسول اللهr " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَة، ومَنْ يَسَّرَ عَلى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ"(50)، ولا يخفى ما للمال من أثر في التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع،بمساعدة طلبة العلم، ومساعدة الراغبين في الزواج، وسد عوز المحتاجين، وتحقيق الأخوة الإسلامية والمحبة، حيث جبلت النفوس على حب من أحسن إليها .
كما يساهم إصلاح السلوك الإنساني في الإصلاح الاجتماعي، فعندما يغير الإنسان سلوكه، تتغير أحوال المجتمع، ويستطيع الإنسان أن يتغير من الأسوء إلى الأحسن، والعكس، كيف لا وقد ذكر ربنا هذا الأمر في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ﴾ ]الرعد:11[ .
لقد غير
الصحابة رضوان الله عليهم ما كانوا عليه في الجاهلية، إلى الإيمان والعمل الصالح
الذي أمرهم الله به، ويصف جعفر بن أبي طالب t أمام النجاشي حال المجتمع الذي بعث فيه رسول اللهr فيقول: "أيها الملك ، كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على
ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه
فدعانا لله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما
كنا نعبد" (51) .
والتقليد سبب من أسباب الانحراف الفكري؛ لإنه تعصب
وضلال، والتقليد يعني
" قبول قول الغير من غير أن يطالبه
بحجة أو بينة " (52)، وقد ذكر ربنا أن الأمم السابقة كلها قلدت
أبائها على الضلال والكفر قال تعالى : ﴿َبلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا
عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ #وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ
إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا
عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ#قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ
آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ﴾ ]الزخرف:22-24[ .
ومن إصلاح السلوك احترام النفس الإنسانية، فلقد أفرط العرب في القتل، وكانت الحروب تقوم بينهم لأتفه الأسباب، وينشأ عنها طلب الثأرات بقتل الكثير من الناس بدم أبيه أو أخيه أو ولده، فنظم الإسلام أحكام القصاص في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾]البقرة:178[ .
قال ابن عاشور: " أعيد الخطاب بيأيها الذين آمنوا؛ لأن هذا صنف من التشريع لأحكام ذات بال في صلاح المجتمع الإسلامي واستتباب نظامه وأمنه ... تلك أحكام متتابعة من إصلاح أحوال الأفراد وأحوال المجتمع، وابتدئ بأحكام القصاص؛ لأن أعظم شيء من اختلالُ الأحوال اختلالُ حفظ نفوس الأمة" (53) .
كما جاء في تحريم قتل الإنسان نفسه قوله تعالى : ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ ]النساء: 29[ ، وكذلك تحريم قتل الابناء : ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ﴾ ]الأنعام:151[ .
وقد نهى الإسلام عن الاقتتال بين المسلمين؛ لما فيه من فساد اجتماعي، وذكر أن قتال المسلمين قد يوصل الإنسان إلى الكفر، فقد روى ابن عمر t أنه سمع النبي r يقول : " لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ" (54)، وجاءت الرواية عن ابن عباسt قال: قال النبيr " لا تَرْتدوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ" ، وقد بالغ الحديث الشريف في التحذير من مقاتلة المسلم لأخيه ، فسمى هذا العمل كفراً، وقد يكون المراد من قوله r "كفاراً" أن من اعتاد الهجوم على كبائر المعاصي، يخشى عليه أن لا يختم له بخاتمة الإسلام بل يكون من الكافرين. كما حذر رسول اللهr من قتل المسلم لأخيه أو التقاتل معه كما جاء في رواية أبي بكرةt قال: سمعت رسول الله r يقول : "إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول فى النار قال: فقلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه قد أراد قتل صاحبه" (55) . فأين الكثير من المسلمين الآن في ضوء الواقع والقتل الكثير، من هذا الهدي النبوي! .
كما ينبغي أن يتغير السلوك بعدم التفاخر على الناس، والحسد لهم ، والكبر والبغض وغير ذلك . إذ لهذا أثر في الانحراف المجتمعي .
إن إصلاح أحوال المجتمع في مجال التفكك الأسري ، وكثرة الطلاق، والعزوف عن الزواج يحتاج إلى تكافل اجتماعي، وتقديم المساعدات من قبل القادرين على ذلك، وقيام المصلحين بواجبهم تجاه هذه الظواهر، وكذلك نشر الوعي الاجتماعي الذي يحد من الآثار السلبية لهذه الظواهر وحث الناس على عدم المغالاة في المهور وغير ذلك.
فمحمد عبده يرى أن الإصلاح الاجتماعي، يعالج الانقسام الذي حدث في المجتمع بسبب وجود الطبقية بين الأغنياء والفقراء، ولهذا كان متعاطفاً مع الفقراء، ومعادياً لأسلوب حياة الأغنياء ولنظام الطبقات المتوارث، وكان يسعى لتجاوز هذا الواقع الاجتماعي (56).
أما ابن عاشور
فيعتبر الإصلاح هو الغرض الأسمى للإسلام ، لإنه يقوم على إصلاح البشر من جميع
نواحي حياتهم ، وبإصلاح البشر يستقيم صلاح نظام
العالم .(57)
الخاتمة :
توصلت هذه الدراسة إلى النتائج الآتية :
1- الإصلاح الاجتماعي أصل شرعي من أصول الإسلام، دعا إليه القرآن الكريم والسنة المشرفة، وهو عملية تجديد تتصل بالحياة، بحيث تحمي المجتمع من شيوع المفاسد والمنكرات والانحراف، وبالتالي يتحقق إصلاح البشر من جميع النواحي، وبصلاح الإنسان يصلح العالم .
2- لا ينفك الإصلاح الاجتماعي عن باقي أنواع الإصلاح، كالإصلاح السياسي، والاقتصادي ، والتعليمي، والفكري، والسلوكي، لكنه الأهم بين هذه الأنواع، وهو بمثابة حجر الزاوية، وهذا ما جاء في تركيز المصلحين على هذا النوع من الإصلاح .
3- الحاجة للإصلاح الاجتماعي تزداد كلما كثر الانحراف في المجتمع؛ لإن كثرة المعاصي سبب للهلاك والدمار، ووجود المصلحين سبب للأمان كما نصت على ذلك النصوص الشرعية .
4- إن صلاح الفرد يكون بإصلاح عقيدته التي هي سبب في إصلاح عمله ثم عبادته، ثم خلقه وسلوكه، وبصلاحه يصلح المجتمع، ويتحقق الإصلاح المجتمعي الذي يقوم على الإصلاح السياسي والاقتصادي والسلوكي .
5- إن العادات والتقاليد المنافية للعقيدة لا تحقق الإصلاح ويجب التصدي لها .
6- إن أهم الفئات التي تحتاج إلى إصلاح اجتماعي، هي فئة اليتامى، والأسرة، والمتخاصمين .
الهوامش :
1- ابن منظور , محمد بن مكرم ,(ت711هـ)، لسان العرب , دار صادر , بيروت , مادة (صلح) , 2 / 516 .
2- الرازي , محمد بن أبي بكر بن عبد القادر , مختار الصحاح , عنى بترتيبه محمود خاطر , دار المعارف ,القاهرة، ص 367 .
3- الأصفهاني، الحسين بن محمد المعروف بالراغب ، مفردات ألفاظ القرآن الكريم، تحقيق صفوان عدنان ، دار القلم ، دمشق ، ط 3، 2002م، ص489 .
4- الزبيدي ، باسم –الإصلاح جذوره ومعانيه وأوجه استخدامه ، مؤسسة الناشر للدعاية والإعلام ، ط1،2005م، ص11 .
5- محمود ، علي عبد الحليم ، فهم أصول الإسلام في رسالة التعاليم ، دار التوزيع والنشر الإسلامية ، القاهرة ،ط1، 1994م،ص15 .
6- بلقزيز، عبدالله – الخطاب الإصلاحي في المغرب ، دار المنتخب ، بيروت ، ط1، 1997م،ص15.
7- الزبيدي ، محمد مرتضى الحسيني، تاج العروس من جواهر القاموس ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1،2007م،ج3،ص321،320.
8- إبراهيم أنيس وآخرون , المعجم الوسيط , مادة جمع , 1/134-135 .
9- انظر: محمود جمال الدين محمد ، أصول المجتمع الإسلامي ، دار الكتاب المصري ط1،1992م، ص193 .
10- انظر : مجموعة من العلماء –بحوث مؤتمر الإصلاح الاجتماعي ، ص93.
11- البخاري : محمد بن إسماعيل (ت256هـ)– صحيح البخاري ، ترقيم وترتيب محمد فؤاد عبد الباقي ، دار ابن الهيثم، القاهرة ، ط1، 2004م، كتاب الشركة ، باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه ، ص286، حديث (2493) .
12- أبو داود، سليمان بن الأشعث ت(275هـ) ، سنن أبي داود ، دار الجيل ،بيروت ،1992م ، كتاب الأدب ، باب في إصلاح ذات البين،ج4،ص282،حديث (4919).
13- النيسابوري ، مسلم بن الحجاج ت(261هـ) صحيح مسلم ، دار ابن الهيثم – القاهرة ، 2001 م ، كتاب الوصية ، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته ، ص420، حديث (1631) .
14- المرجع السابق / كتاب الرضاع ، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة ، ص366، حديث (1467).
15- أحمد بن
حنبل ، مسند أحمد ،حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة
الرسالة ، بيروت ،ط2، 2008م، ج29،ص298 حديث (17763) ، وإسناده حسن؛ فيه موسى بن
علي بن رباح وهو صدوق .
وعبد الرحمن هو ابن مهدي .
16- انظر : محمود بن محمد سفر ، الإصلاح رهان حضاري ، دار النفائس ، بيروت، ط1، 2005م، ص26 .
17- قطب ، سيد ، في ظلال القرآن ، دار الشروق ، بيروت ، ط17 ، 1992م،ج4،ص1933 .
18- البخاري ، صحيح البخاري ، مرجع سابق ، كتاب الفتن ، باب قول النبيr ويل للعرب من شر قد اقترب ، ص822، حديث(7059) .
19- مسلم ، صحيح مسلم ، مرجع سابق ، كتاب التوبة ، باب قبول التوبة من الذنوب، وإن تكررت الذنوب والتوبة ، ص697حديث(2758) .
20- انظر : محمد الطاهر ابن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ، دار النفائس، الأردن،ط1،2001م،ص79.
21- مسلم، صحيح مسلم، مرجع سابق، كتاب الإيمان،باب جامع أوصاف الإسلام، ص24، حديث(38)، ومسند أحمد، مرجع سابق، ج24،ص141،حديث(15416)، قال المحقق: إسناده صحيح .
22- انظر : أصول النظام الاجتماعي في الإسلام،مرجع سابق، ص79.
23- مسلم، صحيح مسلم،كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ص659، حديث(2581) .
24- انظر: محمد الطاهر ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، دار سحنون للنشر والتوزيع، تونس،مجلد6،جزء12، ص136-137.
25- مسلم، صحيح مسلم، مرجع سابق، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، ص33، حديث(91) .
26- البخاري، صحيح البخاري،مرجع سابق، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، ص16،حديث(48) .
27- انظر : محمد رشيد رضا، تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار، دار المعرفة، بيروت،ط2، ج3، ص258.
28- البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، ص713،حديث (6035) .
29- انظر : محمد رشيد رضا، تفسيرالمنار،مرجع سابق، ج6، ص176-177.
30- البخاري،صحيح البخاري،كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ص12، حديث(13)، ومسلم ، صحيح مسلم،كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، ص25،حديث(45) .
31- المرجع السابق، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، ص711، حديث(6011) .
32- المرجع السابق، كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان،ص758،حديث(6475) .
33- البخاري، صحيح البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب النهبى بغير إذن صاحبه ، ص283،حديث(2475) ، ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب نقصان الإيمان بالمعاصي، ونفيه عن المتلبس بالمعصية، ص27،حديث(57) .
34- انظر: تفسير المنار، مرجع سابق، ج11،ص255-257.
35- انظر، محمد رشيد رضا ، مجلة المنار، مصر ، القاهرة ، ،ج30،ص458.
36- انظر: الميداني ، عبد الرحمن حسن حبنكة ، الأخلاق الإسلامية وأسسها ، دار القلم ، دمشق ، ط1، 1979م، ج2، ص49 .
37- البخاري ، صحيح البخاري ، مرجع سابق ، كتاب الأدب ، باب فضل من يعول يتيماً ، ص710 حديث (6005) .
38- ابن ماجة ،
محمد بن يزيد (ت275هـ) سنن ابن ماجة ، حققه محمد فؤاد
عبد الباقي ، المكتبة العلمية ، بيروت ،
ج2، ص1213 ، حديث (3678).
39- مسلم ، صحيح مسلم ، مرجع سابق ، كتاب الرضاع ، باب الوصية بالنساء ، ص367، حديث(1469) .
40- الترمذي، محمد بن عيسى (ت279هـ) تحقيق إبراهيم عطوة عوض ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ج5،ص9، حديث (2612) . وقال الترمذي : هذا حديث صحيح .
41- مسلم ، صحيح مسلم ، كتاب صفة القيامة والجنة والنار ، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قريناً ، ص715،حديث (2813) .
42- أبو داود ، سنن أبي داود ، مرجع سابق، كتاب الطلاق، باب فيمن خبب امرأة على زوجها ، ج2، ص260، حديث (2175) .
43- البخاري ، صحيح البخاري ، مرجع سابق / كتاب الأدب ، باب ما قيل في ذي الوجهين ، ص715 حديث (6058) .
44- مسلم ، صحيح مسلم ، مرجع سابق ، كتاب الإيمان ، باب بيان غلظ تحريم النميمة ، ص36، حديث (105) .
45- صحيح البخاري ، كتاب الصلح ، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس، ص313، حديث (2692) ، وصحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب تحريم الكذب ، وبيان المباح منه، ص663، حديث (2605) .
46- صحيح مسلم ، كتاب البر والصلة والآداب ، باب تحريم الهجر فوق ثلاث ، بلا عذر شرعي ، ص655،حديث (2560) .
47- انظر: خير الدين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، المؤسسة الوطنية للترجمة والتحقيق والدراسات ، تونس، 1990م، ص134.
48- البخاري، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب الصدقة على اليتامى، ص168، حديث(1465) .
49- المرجع السابق ، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى (لا يسألون الناس الحافاً) وكم الغنى، ص169، حديث(1477) .
50- مسلم، صحيح مسلم ،كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، ص684، حديث(2699) .
51- ابن هشام، عبد الملك بن هشام المعافري، السيرة النبوية المعروفة بسيرة ابن هشام، تحقيق د. أحمد حجازي السقا، دار التراث العربي للطباعة والنشر 1399هـ،ص206.
52- انظر : ابن القيم ، رسالة التقليد، تحقيق وتعليق محمد عفيفي، الناشر المكتب الإسلامي، بيروت، مكتبة أسامه، الرياض،ط2، 1405هـ-1985م،ص22.
53- التحرير والتنوير، مرجع سابق،مجلد 2، جزء2، ص134.
54- البخاري، صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب قول النبيr " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"،ص824،حديث(7077)، و(7079). والترمذي، الجامع الصحيح، مرجع سابق، كتاب الفتن، باب ماجاء لا ترجعوا بعدي كفاراً، ج4، ص486 حديث(2193) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح .
55- مسلم، صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما، ص729، حديث(2888) .
56- محمد عبده، الأعمال الكاملة، دار الشروق، لبنان، ط1، 1993م، ص136-137.
57- انظر: أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ، مرجع سابق، ص169.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق