واحـــــــة هداية |
بسم الله الرحمن الرحيمإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. واشهد أن محمدا عبده ورسوله تسليما كثيرا. ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ). أما بعد فأيها الأخوة المؤمنون، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. أيها الأحبة، هذا الموضوع موضوع يهم الجميع رجالا ونساء شبابا وكهولا وشيبا. هذا الموضوع أيها الأحبة الذي يحمل هذا السؤال: ما الهم الذي تحمله ؟ ما سبب هذا الموضوع أيها الأخوة ؟ سبب هذا الموضوع، هناك سببان رئيسان : السبب الأول ما رأيته من هذه الصحوة المباركة: التي تعد بمئات الآلاف بل بالملايين، فعندما تذهب إلى مسجد من المساجد تجده مليئا بالمصلين وبالمتعلمين، بالراكعين وبالساجدين، عندما نلتقي في مناسبة كُثر، في المحاضرات ودروس العلم نجد أولئك الذين يقبلون على هذه المحاضرات وعلى هذه الدروس وهم بعشرات الآلاف، عندما نذهب لبلد من البلدان سواء داخل هذه البلاد أو خارجها ماذا نجد؟ نجد كما قلت مئات الألوف، لا أعني أننا لا بد أن نلقاهم ولكننا نسمع عنهم رجالا ونساء. عندما رأيت هذا العدد لهائل ورأيت هذه الملايين كما قلت، ورأيت هذه اليقظة المباركة، ونظرت إلى الأعمال التي تؤدى، ونظرت إلى النتائج التي نرجو، فإذا هي لا تتناسب أبدا مع هذا العدد الهائل الذي أشرت إليه. هذه الملايين التي تمثل هذه الصحوة المباركة من الرجال والنساء، نتائج أعمالها لا تمثل هذا الواقع التي تعيشه الصحوة فتساءلت ما السر في ذلك ؟ لماذا لا نرى أعمالا تتناسب مع هذه الطاقات ومع هذه المواهب ومع هذه الأعداد. فجلست أتأمل وأفكر في هذه القضية. السبب الثاني ما رأيته من أعداء الله: من حرص ومن دأب ومن نشاط ومن عمل ضد الإسلام، هذا العمل الدؤوب الذي نسمع آثاره وأخباره في كل يوم. أسألكم أيها الأحبة، هل استمعتم في يوم من الأيام ومنذ عدة سنين إلى نشرة من نشرات الأخبار ولم تسمعوا في هذه النشرة خبرا أو أكثر من خبر من آثار أعداء الله ومن مؤامرتهم على الأمة الإسلامية ؟ لا أظننا منذ سنوات نستمع إلى نشرة من نشرات الأخبار من أي إذاعة كانت إلا ونجد خبرا رئيسا أو أكثر من خبر يدل ويمثل ما عليه أعداء الله جل وعلا وما يقوم به أعداء الله. أقول أيها الأخوة، الذي يرى ويستمع إلى جهود أعداء الله يتعجب، وهم على الباطل، وهم على الكفر يرى والله عجبا، يرى جهودا متواصلة، ويرى أيضا ثمارا لهذه الجهود، ولا أذهب بكم بعيدا، إننا نرى جهود أعداء الله جل وعلا في بلادنا بلاد التوحيد. خروج النساء إلى الأسواق كاسيات عاريات أثر من جهود عظيمة عملها أعداء الله. ما يسمى بالبث المباشر هذه البلية التي بلينا بها أخيرا أو ما سمى بالدُش، أتعلمون منذ كم بدء؟ منذ عام ألف وأربعمائة هجرية أي منذ قرابة خمسة عشر عاما وأعداء الله على قدم وساق نشاطهم من أجل الوصول إلى النتيجة التي وصلوا إليها بعد سنوات. وأذكر أن أحد وزراء الإعلام وهو زير الإعلام السابق ذكر في محاضرة ألقاها في كلية الشرعية في حدود عام 1400/1401هـ أنه بعد سبع أو ثمان سنوات سيأتي ما يسمى بالبث المباشر، وإذا نحن فعلا نراه بعد عشر سنوات. بنوك الربا وانتشارها ثمرة عملية – أيها الأحبة- لنشاط أعداء الله ولدأبهم ولحرصهم. هذان السببان جعلني أتسأل هذا السؤال وهو موجه إلى كل واحد منكم، موجه إلى الرجال وإلى النساء، موجه إلى الكهول وإلى الشباب وإلى الصغار: ما الهم الذي تحمله ؟؟ لماذا ؟ لأن الذي يهتم لشيء لا بد أن يُرى أثر هذا الهم. ولأني أريد أن أشرح لكم الموضوع وأن ابسطه تبسيطا، لنأخذ مثلا عمليا. جلست أتأمل وأقول يا تُرى لو قمت بتوزيع استمارة على الأخوة الموجودين أمامي الآن وقلت لكل واحد منهم خذ القلم والورقة وأجب على هذا السؤال: ما الهم الذي تحمله ؟؟ وأنا أقصد بهذا السؤال أن تضع جميع همومك مرتبة حسب الأولويات لأنه لا يمكن لأي واحد منا إلا أنه يحمل عدة هموم، وأنا هنا لا أعني الهم الذي يصطلح عليه العامة عندما يقولون: فلانا مهموم أي مريض أو نحو ذلك. لا، بل أقصد الهم الذي يهمك ويشغل بالك وتجري وتسرع وتتحرك في نطاق هذا الهم. تُرى لو أن كل واحد منكم كتب ما يهمه، كتبها مرتبة، وأريد من كتابته أن يكون صادقا مع الله جل وعلا، فمن السهل جدا أن تأتي ورقة كل واحد منكم وفيها: أنني أحمل هم الإسلام. لكنني لا أريد هذا الجواب بهذه الطريقة. أريد أن تتأمل، ولا مانع أن تأخذ الورقة معك إلى بيتك ولتنفرد بنفسك في غرفة ليس عندك أحد، وتتقي الله جل وعلا وتنظر فعلا: ما الذي يهمك ؟ ما الهم الذي يشغلُك ؟ ثم تكتب لي اهتماماتك، فهل أجد أن الذي يهمك، وأن الهم رقم واحد هو: همُ الإسلام ! همُ هذه الأمة! همُ هذا الدين ! هم هذه العقيدة ؟؟ أو أنني سأفاجئ بأن الهموم تشعبت واختلفت. وكما قلت لكم أريد الإجابة بصراحة وبصدق، لا يهمني أسم من كتبها وإنما يهمني أن اصل إلى نتيجة عملية. إنني أتوقع أنني سأجد عددا كبيرا يكتب لي أن همه هم الإسلام، وأسأل الله أن تكونوا منهم. سيكتب لي أن همه هم هذه الدعوة، لا أشك في ذلك. ولكنني على قناعة أنني سأجد عددا كبيرا أيضا منهم من يكتب لي: أن همي هو هم الوظيفة. وآخر يكتب أن همي الحقيقي هو هم السعي في طلب الرزق. وثالث يقول لي إن همي الذي يسيطر على كياني هو هم الزواج. ورابع يقول لي إن همي الذي يسيطر علي هو هم الأولاد وتأمين مستقبلهم ومعيشتهم. وخامس يقول لي إن همي أن أبني بيتا. وهكذا نجد الهموم قد تفرعت. لا أشك أن هم الإسلام سيأتي، ولكن قد يأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة. هكذا إذا كنا صادقين في الإجابة – أيها الأخوة -. ما الهم الذي يشغلُك ؟ هذا سؤال – أيها الأحبة – هو القضية التي نناقشها هذه الليلة، ولذلك أذكر لكم في بداية حديثي قول المصطفى في الحديث الذي رواه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت نبيكم يقول : ( من جعل الهموم هما واحدا، هم أخرته، كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبالي الله في أي أوديتها هلك ) صححه الألباني هذه حقيقة أيها الأخوة، وهذه قضية يجب أن نقف معها وأن نكون صرحاء. هذا هو السؤال هذا اليوم : ما الهم الذي تحمله ؟ قف مع نفسك وقفة مصارحة لأنني فعلا لن أطلب منك إجابة، ولن أقدم لك ورقة، ولكني أوجه لك سؤال ستسأل عنه يوم القيامة يوم تلقى الله جل وعلا. ما الهم الذي يشغلُك أيها الأخ الكريم ؟ هل هو هم هذه الأمة المستباحة ؟ هل هو هم هذه الأمة المضطهدة ؟ هل هو هم هذا الدين الذي توجه له أعداء الله عن قوس واحدة ؟ هل هو هم هذه العقيدة التي تهاجم الآن في بلاد التوحيد ؟ الرافضة أصبح لهم مكانة في بلاد التوحيد، الصوفية أصبح لهم مكانة في بلاد التوحيد، اليهود والنصارى وأعداء الله، غيرهم وغيرهم يسعون بجد واجتهاد لهدم عقيدة التوحيد في بلاد التوحيد. (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون). (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). هذه هي الحقيقة يا أخي الكريم. فتعال معي نتساءل سؤال حقيقيا إيمانيا قبل فوات الأوان ما الهم الذي تحمله ؟ هل أنت تحمل هم الوظيفة كما يفعل كثير من الناس ؟ هل أنت تحمل هم طلب الرزق في الحياة، وتجعل هم الإسلام درجة ثانية وثالثة ؟ هل أنت تحمل هم أولادك ، وتقول من لأولادي من بعدي؟ لا من أجل الدين ولكن من أجل الدنيا، هناك من يسعى جادا وحريصا يواصل ليله ونهاره من أجل أولاده، من أجل دنياهم لا من أجل دينهم. هنا تأتي القضية التي تحتاج إلى سؤال ومصارحة ما الهم الذي تحمله ؟ يا أخي الكريم، انظر في النتيجة التي تصل إليها. فإن توصلت إلى أنك تحمل هم الإسلام، وتحمل هم هذه الدعوة، وتحمل هم هذه الأمة فهنيئا لك. أقول لك والله هنيئا لك وهنيئا لك. لأنه كما استمعنا في الحديث: ( من جعل الهموم هما واحدا، هم أخرته، كفاه الله هم دنياه). إذا كنت تحمل هم الدعوة، وتحمل هم الإسلام، وتحمل هم هذا الدين فهنيئا لك لأن الله سيكفيك بقية الهموم. وإن كنت توصلت إلى أن الهم الذي يسيطر عليك، وأن الأمر الذي تسعى إليه في حياتك هو هم وظيفة أم هم طلب رزق أم أي هم من هموم الدنيا. فأقول لك البدار البدارَ قبل أن يصدق عليك حديث المصطفى : (ومن تشعبت به الهموم في أحوال) من وظيفة وزواج وطلب رزق وبناء بيت. (ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبالي الله في أي أوديتها هلك ). أخي الكريم تسألني وتقول لي : كيف أعرف أني أحمل هم الإسلام ؟ وأنا أسألك مرة أخرى عن أي شيء تفكر ؟ أسألك بالله عندما تضع رأسك على الوسادة ما هو الذي يسيطر على تفكيرك ؟ عندما تستيقظ من النوم ما الذي يشغل بالك ؟ عندما تسير في السيارة والأفكار تدور في خاطرك، ما هي هذه الأفكار ؟ بل أقول وأنت تصلي ما الذي يشغلك ؟ هل هي الصلاة وما فيها من آيات؟ أسألك هذا اليوم وقد استمعت إلى هذه الآيات العظيمة من سورة المائدة ، هل أنت معها متأملا متفكرا ؟ أم أنك لا تدرك إلا ركوعها وسجودها ولم تعقل منها شيء ؟ لماذا ؟ لأن الدنيا قد شغلت بالك، لأن هموما أخرى من هموم الدنيا قد أرقتك. يا أخي الكريم إذا كنت عندما تضع رأسك على الوسادة تفكر في حال هذه الأمة. إذا كنت يا أخي الكريم عندما تستيقظ تفكر في واقع هذه الأمة. يا أخي الكريم عندما تسير في الطريق لا تفكر إلا في أحوال المسلمين . عندما تجلس مع إخوانك حديثكم عن الإسلام وعن أحوال المسلمين. عندما تتحدث مع أولادك تتحدث عن تربيتهم وإعدادهم لأجيال قادمة ليقفوا أمام أعداء الله جل وعلا. إذا كنت كذلك فأنت فعلا تحمل هم الإسلام. قالت زينب (رضي الله عنه) للرسول : ( يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثُر الخبث). ولا أزكيكم على الله – لا أشك في طيبة كل واحد منكم، ولكن الطيبة وحدها لا تكفي. الصلاح وحده لا يكفي، انظر ما الذي يحدثك الآن؟ ما الذي يشغل بالك الآن ؟ الناس يختلفون في هذه القضية: هناك الكثيرون يسيطر على كيانهم أمور الدنيا كما ذكرت من طلب رزق، ومن وظيفة أو أولاد أو منصب أو دراسة أو طلب شهادة أو طلب جاه أو طلب سمعة. الناس شتى (كل يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها). فيا أخي الكريم هذا هو السؤال. ويكفينا لو أنهيت المحاضرة على حد هذا السؤال لكفانا لقاء هذا اليوم لأهمية هذا الموضوع. وهنا قلت لك أخي الكريم أنت أحد رجلين وأسأل الله أن تكون الأول، أن تكون ممن يحمل هم هذا الدين حقيقة وصدقا وواقعا. أو – وأعيذك بالله من ذلك- أن الهم الذي تحمله هو هم أي هدف من أهداف الدنيا أو غاية من غايات الدنيا. بعد ذلك يأتي سؤال لا بد منه وهو: هل يعنى هذا أن لا نحمل هم وظيفة ؟ ولا نحمل هم طلب الرزق ؟ ولا نحمل هم الزواج ؟ أخشى أن يتعجل متعجل من الحماس ومن الخير وقد يكون الآن يعد العدة للزواج بعد رمضان فيقول مادام هذا يصادم الهم الأول إذا أنا لن أتزوج. ويأتي أخر فيقول أنا اليوم أدرس والحمد لله وأريد الشهادة، إذا هذا يتصادم مع حمل هم الإسلام، إذا لا أريد الشهادة وينسحب من جامعته ومن دراسته. وثالث أخشى أن يقدم استقالته من وظيفته. فالسؤال الذي لا بد منه هل يعني هذا أنه لا يجوز لنا أن نحمل هم هذه الهموم ؟ وأقول لا، ليست هذه هي القضية. قلت لكم ما الهم الذي تحمله ؟ أي ما الهم رقم واحد ؟ ومعنى ذلك أن هناك عدة هموم. ليست المشكلة – أخي الكريم – أن تحمل هم الزواج، أو أن تحمل هم بناء البيت أو أن تحمل هم طلب الرزق، أو أن تحمل هم طلب الوظيفة. كل هذا يكون مشروعا في حالة واحدة فقط، إذا كان همك الأول هو هم هذا الدين، وهم هذه الأمة، وهم هذه العقيدة فكل الهموم التي تأتي بعد ذلك لا حرج عليك ولا تأثيم عليك – أخي الكريم -، لماذا ؟ لأنه ثبت علميا – انتبهوا لهذه القضية- ثبت علميا وثبت من حيث الواقع ومن حيث التجارب أن الهم رقم واحد يسيطر على بقية الهموم. فإن كنت تحمل الهم رقم واحد هو هم هذا الدين فإنه سيسيطر ويوجه هم الوظيفة وهم الزواج وهم طلب الرزق وهم بناء البيت إلى غير ذلك. أما إن كان الهم رقم واحد من هموم الدنيا فإنه سيؤثر على هم الدين حتى لو كنت تحمل هم هذا الدين ولكن جاء بالمرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة. والأمثلة توضح هذه الحقيقة: لنأخذ المثال عن رجلين، رجل يحمل هم هذا الدين ومع ذلك يحمل هم الوظيفة، يحمل هم طلب الرزق، يحمل هم الزواج، يحمل هم بناء البيت فكيف تكون النتيجة ؟ إذا كان يحمل هم هذا الدين فهو قطعا سيبحث عن الوظيفة التي تخدم دينه، ولو عرض عليه مثلا وظيفة مدرس وخّير بين مدرستان: إحداهما قريبة من البيت ومريحة وسيعطى من الحصص قليلا ولكن ليس فيها مجال للدعوة إلى الله جل وعلا. والأخرى بعيدة وتحتاج منه مشقة وقد يكون نصابه أكثر، ولكنه يجد أنها مجالا خصبا لتربية الأولاد، لتربية الأبناء، أو لتربية البنات إن كانت مدرّسة، وتحتاج منه إلى جهد وجهاد. إن الذي يحمل هم هذا الدين سيختار المدرسة الثانية. عند قضية الزواج مثلا، فالذي يحمل هم هذا الدين سيبحث عن الفتاة الملتزمة، الفتاة الصالحة، ولو جاءته أمه وقالت يا بني إني وجدت لك فتاة جميلة ومن عائلة كريمة ووضعها المادي مناسب ولكنها لم تلتزم بعد، سيقول: لا يا أمي لأن المصطفى يقول : (فأضفر بذات الدين تربت يداك). وتعرض عليه الثانية والثالثة والرابعة ولا يقبل إلا بذات الدين، حتى لو قالت له أمه في يوم من الأيام يا بني إني وجدت لك فتاة ملتزمة صالحة، ولكن قد لا تكون ذات نصيب كبير من الجمال، سيقول: ليس الجمال مشكلة يا أمي فالذي يهمني هو هذا الدين فسيتزوجها. أما الأخر الذي لا يحمل هم الدين فيريد في المرأة إما جمالا أو مالا أو حسبا أو نسبا، كما قال المصطفى : (تنكح المرأة لأربع، لمالها ولجمالها، ولحسبها ، ولدينها فأضفر بذات الدين تربت يداك ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. انظروا للذين تشعبت بهم الهموم حول هذا المثال. نحن عرفنا أن الذي يحمل هم هذا الدين لن يتزوج إلا امرأة صالحة حتى ولو نقصت الأمور الأخرى، حتى ولو كانت قليلة المال، حتى ولو كان جمالها ليس بذاك الجمال لكن يهمه منه أمر الدين. أما الأخر فلننظر: هناك من الشباب من يبحث عن الجمال فقط، فتأتيه أمه أو يأتيه أبوه أو إخوانه فيقولون وجدنا لك فتاة ثرية وذات دين وحسب ولكن جمالها قليل، أي ليست قبيحة ولكنها ليست جميلة جدا، فيقول لا أريدها. ثم يعرض عليه ويعرض عليه حتى يأتي يوم من الأيام فيقال له: وجدنا لك فتاة جميلة جدا، ولكنها فتاة مغرورة، ولكنها فتاة قليلة الدين غير ملتزمة فيقول هذه التي أريد وتلتزم إن شاء الله فيما بعد. هذا أن كان يعنيه أمر الالتزام. ارأيتم الفرق بين الاثـنين؟ وثالث يبحث عن امرأة موظفة فيعرض عليه من النساء من فيها من الجمال وفيها من الحسب وفيها من الدين لكنها ليست موظفة فيقول لا أريدها. حتى إذا وجدوا له امرأة موظفة كما يريد حتى لو كانت قليلة الالتزام بالدين فيقبل بها. لماذا لأن هدفه الأول ، ولأن همه الأول من هموم الدنيا ولم يكن هم هذا الدين. حتى في قضية شراء البيت فالذي لا يهمه أمر دينه فتجده يركز على الأرض وعلى موقعها وعلى مساحتها وهل هي على شارعين أو على ثالثة أو على واحد ثم يشتريها. أما الذي يهمه أمر هذا الدين فيسأل عن الجار، ويسأل عن الحارة، ويسأل عن الموقع، فإذا وجدها مناسبة اشتراها. إذا أيها الأخوة، وصلنا إلى حقيقة معينة أنه ليست القضية وليست المشكلة أن تحمل هم الوظيفة ولا أن تحمل هم الزواج، بل يجب أن تحمل هم الزواج لأن الرسول يقول : (يا معشر الشباب من استطاع منكم البائة فليتزوج). ولكن القضية ما هو الهم الذي يسيرك ؟ ما هو الهم الذي يسيطر على كيانك ؟ ما هو الهم الذي يؤرقك ليلا ونهار ؟ هذا هو السؤال وهذا هو الجواب. ففتش عن نفسك، وتأمل في حالك وبادر قبل فوات الأوان. هنا يأتي سؤال آخر. تأتي هموم أخرى طارئة تسيطر على همنا كمن يصاب بمصيبة مثلا، أو يصاب بمرض، أو يكون عليه من الديون ما يثقله فيقول لي يا أخي الكريم: الذي يؤرقني الآن هو هم هذا الدين، فهل أنا على طريق خاطئ ؟ أقول له يا أخي الكريم إن الهموم الطارئة لا تتعارض مع الهم الأول، فمن الطبيعي جدا إذا أصيب الإنسان بمصيبة أن يبقى زمنا يسيرا تشغله هذه المصيبة. فالذي عليه دين اثقل كاهله لا شك أن الدين سيؤرقه حتى يقضي هذا الدين، ولكنه مرة أخرى يعود خيرا مما كان. هذه قضايا أيها الأحباب تبين لنا بصفاء وبجلاء هذه الحقيقة : ما الهم الذي تحمله ؟ وهنا مرة أخرى أعود إلى قضية أشرت إليها، ولكن قبل ذلك أذكر حديثا للمصطفى يقول فيه: (من أراد أن يعلم ما له عند الله، فلينظر ما لله عنده). تريد أن تعرف موقعك عند الله، وأن تعرف مكانك في الآخرة، أنظر ما لله عندك. أنظر ما لهذا الدين في قلبك، اجر الحسابات. هل الذي في قلبك هو حب هذا الدين والعمل لهذا الدين والغيرة على هذا الدين. أو أنك فعلا تحب هذا الدين ولكن الذي في قلبك للدنيا أكثر بهمومها وشعابها. (من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده). هذه قضية لا بد أن نقف معها أيها الأحبة، هنا السؤال الجوهري في هذه المحاضرة: ماذا يعني أن يكون همي الأول هذا الدين ؟ وكيف يكون ذلك؟ أقول لك أن هذا يعني: أولا أن تفكر دائما وأبدا في دينك وفي أمتك وفي الواقع الذي تعيشه الأمة الآن. ثانيا العمل الدؤوب الجاد، انظر يا أخي الكريم كم مضى من عمرك ،ماذا قدمت للإسلام. انظر كم عمرك الآن ثلاثين سنة ، أو خمس وعشرين سنة، أو أربعين سنة، أو خمسين سنة ، أو ستين سنة ؟ اجلس مع نفسك جلسة مصارحة واسأل ماذا قدمت للإسلام ؟ ماذا قدمت لدينك؟ أنظر إلى هذه النعم التي أعطاك الله جل وعلا وهذه المواهب كيف استخدمتها ؟ هل استخدمتها لأمور الدنيا، أو استخدمها لأمور دينك ؟ إذا العمل الجاد الدؤوب ، ومحاسبة النفس .هل أنت تحاسب نفسك ؟ تريدون أن أوجه لكم سؤال آخر فأقول: كم مرة جلست مع نفسك لمدة ساعتين أو ثلاث وليس لك هم ولا غرض ولا مأرب ولا حاجة إلا أن تحاسب نفسك على ماذا قدمت لدينك ؟ سؤال صريح أيها الأخوة، لنكن صرحاء مع أنفسنا، ولله أن الوقت أن نحاسب أنفسنا الآن خير لنا من أن نحاسبها أو تُحاسب يوم القيامة. يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر على الله جل وعلا). هل جلست لمدة ساعة واحدة في المسجد، أو في بيتك وغفلت عن أولادك ؟ هل جلسَت هذه الأخت جلست صدق مع نفسها وصارحت نفسها، وصارحت نفسك: ماذا قدمت للإسلام في ما مضى من عمرك ؟ الذي أخشاه، بل الذي أتوقعه أن الكثير منا لم يجلس مع نفسه، ويمر عليه الشهران والثلاثة والسنة ولم يجلس جلست صدق ومصارحة . أيها الأخوة، الخلوة الشرعية مع النفس ومحاسبة النفس لا بد منها، فهل نحن نفعل ذلك؟ إذا كنت تفعل ذلك فأقول لك نعم إنك تحمل هم الإسلام. أما إذا كانت أمور الدنيا تتوالى عليك ولم تجلس يوما واحدا مع نفسك جلست صدق ومصارحة ومحاسبة فتدارك نفسك. أن تحمل هم الإسلام يعني الإبداع، أين الإبداع ؟ لماذا نرى أن الإبداع وكأنه حكر على الكافرين ؟، وكأنه حكر على أعداء الله ؟ أين ما أبدع المسلمون ؟ أسألك أنت ماذا أبدعت ؟ ماذا أبدعت من مشاريع ؟ ماذا أبدعت من عمل ؟ لا أريد أن أكثر الأمثلة ولكن أضرب لكم مثلا واحدا: طفل عمره في حدود عشر سنوات: وقف عند ماكينة البيع الذاتي للمرطبات وهي كما تعلمون منتشرة في الأسواق. نظر إليها وقال إنني أتمنى ؟؟؟؟؟ ماذا يتمنى هذا الطفل ؟ أيتمنى أن هذه الماكينة له ليكسب من وراءها الأموال . أيتمنى أن هذه الماكينة وفيها مما لذ وطاب من المرطبات له ليشرب على راحته وكما ينبغي لا، قال إنني أتمنى أن توجد ماكينة مثلها نضع فيها الأشرطة: فندخل فيها عدة ريالات فيخرج لي شريط للشيخ عبد العزيز ابن باز (رحمه الله). ثم اضغط زرا آخر فيخرج لي شريط للشيخ محمد ابن عثيمين (رحمه الله). واضغط زرا رابعا فيخرج لي شريط للشيخ سفر الحوالي، وزرا خامسا للشيخ سلمان العودة، وسادسا وسابعا. هذا طفل، ارأيتم التفكير، هذا يحمل هم الإسلام لأن عنده الإبداع، لأن عنده تفكير، لأن عند إنتاج حتى ولو كان مثلا يسيرا. أنت ماذا أبدعت ؟ أنت ماذا فكرت؟ أنت ماذا قدمت ؟ ماذا يعني أن يكون همك رقم واحد هو هم الإسلام؟ هي الانطلاقة المؤصلة على هدي المصطفى الملتزمة بالكتاب والسنة، لماذا ؟ لأن الذين يسيرون إلى الله كُثر، ولكن كثيرا منهم على الخطئ وبعضهم على الانحراف. يقول المصطفى عندما نزل قوله تعالى : (هل أتاك حديث الغاشية). قال نعم أتاني حديث الغاشية، نعم أيها الأخوة. (عاملة ناصبة، تصلى نارا حامية). فيا أخي الكريم الانطلاقة المؤصلة أن تنظر في عملك ؟ وهل وقفت مرة واحدة أيها الداعية، ويا طالب العلم مع نفسك وتأملت في طريقتك ومسيرتك إلى الله هل هي على هدي المصطفى ؟ هل هي على منهج أهل السنة والجماعة ؟ هل لك منطلق وأصل في سلف هذه الأمة أو لا؟ وأخيرا مما أشير إليه هنا أيها الأحباب، أين المشاريع التي نقدمها ؟ لا ننكر ولا نغفل حق العاملين، وأنه يوجد في بلادنا مشاريع خيرة. ولكن صدقوني المشاريع التي توجد في بلادنا في بلاد التوحيد، في بلاد الحرمين من مشاريع إسلامية لا تتناسب أبدا مع مكانة هذه البلاد، ومع أهل هذه البلاد. تريدون مثلا ، خذوا مثلا واحدا فقط: كم يوجد في هذه البلاد من جريدة إسلامية ؟ لا شيء . كم يوجد في هذه البلاد من مجلة إسلامية ؟ واحدة، ولكن كم توزع ؟ من أضعف المجلات توزيعا. أيتناسب مع بلاد الحرمين أن لا يوجد فيها جريدة يومية إسلامية، وفيها عدد من الصحف والجرائد، التي لا تمثل الإسلام بل إنها تنشر ما يهدم الإسلام. أيليق ببلاد الحرمين ، وبأهل الحرمين ، وبالمنتسبين لبلاد التوحيد أن لا يوجدوا مجلة إسلامية توزع مئات الآلاف . كم يتألم قلبي وأنا أرى هذه المجلات الوافدة توزع أسبوعيا بين سبعين إلى ثمانين إلى تسعين إلى مائة ألف نسخة. ومجلة إسلامية أسبوعية في بلادنا قد لا توزع إلا بضعة آلاف. أين المشاريع الإسلامية ؟ أليس عيبا أن يحدث هذا ؟ أليس عيبا أن يحدث هذا ؟ أليس عيبا والله أن يقع هذا في بلادنا ؟ أليس من الخلل والخطئ والخطل أن لا يوجد في بلادنا من هذه المشاريع التي أشرت إليها ؟ نعم توجد بعض المشاريع ، ولكن لا تتناسب أبدا والله . وما رأيكم لو أن تاجرا يملك مئات الملايين ، ثم جاء الناس يتحدثون أن هذا الرجل بخيل لا ينفق في سبيل الله ولا يتبنى المشاريع الإسلامية. ثم جاء رجل وقال لقد جنيتم على هذا الرجل ، ولقد كذبتم في حقه، ولقد ظلمتموه، والله لقد رأيته مرة تبرع بعشرة ريالات. وقام آخر وقال لقد رأيته يوما تبرع بمائة ريال. سبحان الله يملك مئات الملايين ويتبرع بعشرة ريالات وبمائة ريال. هذا دليل والله على بخله. جزاك الله خيرا فقد أفدتنا. كذلك في بلاد الحرمين، في بلاد التوحيد لا نجد مثل هذه المشاريع العملاقة التي تخدم الإسلام في الجوانب الإعلامية. بينما ننظر في الجانب الآخر كم يدخل في بلادنا من الصحف والمجلات ؟ أقول لكم إنه يدخل شهريا ما يزيد عن عشرة آلاف نسخة من المجلات والصحف أكثرها لا تمثل الإسلام، بل إنها والله حرب على الإسلام والمسلمين. هذه حقائق، فأين الهم الذي نحمله ؟ إذا كان همك الإسلام يا أخي الكريم، إذا كان همك هذا الدين فأتقي الله، أين الاستمرار ؟ لماذا بدأ الفتور يدب في أوصالنا ؟ منذ ثلاث سنوات، ومنذ سنتين كن نجد الكثير من الدروس فيها العشرات بل المئات بل الآلاف، ولكن بدأنا نسمع التكاسل والتواكل والتراخي والفتور . هل رأيتم تاجرا يفتر ؟ ذُكر لي عن بعض التجار الذين يقادون الآن بالعربات، أعمارهم فوق الثمانين ومع ذلك يعملون أكثر من عشر ساعات يوميا من أجل دنياهم. أبدا، قل أن نجد تاجرا يقول أنا بلغت الستين سأتوقف عن طلب الدنيا، ما رأينا هذا إلا نادرا والنادر لا حكم له. ولكن في سبيل الله ، في الدعوة إلى الله ، في العمل ، سنة وسنتين وثلاث ثم يبدأ الفتور . هل هذا فعلا يحمل هم الإسلام ؟ كيف يكون الذي يحمل هم الدنيا أفضل منا وأقوى منا ؟ وهنا أختم هذه النقطة وأنتقل للنقطة قبل الأخيرة، وهي نقطة مهمة جدا : مثل حي: لماذا لأن ضرب المثل أكثر الله منه في القرآن لقوة تأثيره، فسأضرب لكم مثلا واحدا ممن يحمل هم الإسلام. لن أضرب لكم مثلا بمن سلف وكلنا يعلم أن المصطفى منذ بعثه الله إلى أن لقي الله يحمل هم هذا الدين. هذه قضية بديهية في أذهاننا جميعا، لن أتكلم عن الصحابة ، وعن عمر رضي الله عنه الذي يحمل هم هذا الدين حتى أنه وهو في صلاته يجهز الجيوش، حتى أنه وهو يخطب الخطبة قلبه وتفكيره مع الجيش الذي ذهب يغزو حتى قال: (يا سارية الجبل، يا سارية الجبل). وهو يخطب على المنبر في مسجد المصطفى فسمعه المجاهدون كرامة من الله وهم في جهادهم، وقد كانوا في مأزق شديد، وكانوا في ضنك ، وأحاط بهم الأعداء، ولا يعلمون أين يذهبون، فإذا هم يسمعون صوت عمر يا سارية الجبل يا سارية الجبل. سبحان الله- الله أكبر، مع أنه في منبر المصطفى كرامة من الله جل وعلا، لماذا ؟ لأنه يحمل هم هذا الدين . لن أحدثكم عن هؤلاء فأنتم تعرفونهم أولا. وأخشى من الشيطان وهو متحفز دائما أن يقول لكم هؤلاء ذهبوا، ظروفهم تختلف عن ظروفنا، أزمانهم تختلف عن أزماننا. سأحدثكم عن رجل واحد (كان) يعيش بيننا أضرب به مثلا من أجل شحذ الهمم والعزائم، وأريد أن أقول عندما أحدثكم عن هذا العلم وعن هذا القدوة، فسأتحدث عن جانب واحد فقط وهو جانب حمله لهم الإسلام حتى يكون لنا عبرة وقدوة، ألا وهو: سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (رحمه الله). أيها الأخوة، لو تحدثت وتحدثت لما وفيته حقه، ولكني سأقتصر على الجزء الذي أشرت إليه والذي يتعلق بحمله لهم الإسلام، وسأذكر لكم حقائق ووقائع تؤكد هذه الحقيقة وتبينها لعله يكون دافعا لنا، خذوا هذه الحقائق، خذوا هذه الدرر: منذ عرفت الشيخ منذ أكثر من عشرين سنة لا أعرف أنه أخذ إجازة: لا شهر في السنة ولا يوم أبدا، وكنت أتحدث في هذا الكلام في عدة مجالس أنني منذ عرفته في بداية التسعينات، أي التقيت معه لا أعرف أنه أخذ إجازة يوما واحد. واذكر لكم حقيقة تبين هذا الأمر حيث ذهبت في عام 1391هـ إلى المدينة من أجل لقاء مع سماحته وكان معي أحد المشايخ. ذهبنا بتوصية من أحد مشايخنا في الرياض بارك الله في الجميع وفيكم، فجئنا إلى الشيخ بعد أن وصلنا المدينة ليلة الجمعة كهذه الليلة. ثم بعد صلاة الفجر في المسجد النبوي خرجنا ننتظر خروج الشيخ، فلما خرج قلنا يا سماحة الشيخ نحن جئنا من الرياض ومعنا لك رسالة ونريد أن نلتقي معك. فقال لنا يا أبنائي هذا اليوم يوم الجمعة وهو مخصص للأولاد ، فلعلكم تأتون غدا إلى الجامعة الإسلامية (عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية). فقال له صاحبي يا فضيلة الشيخ نحن مسافرون وورائنا أعمال ودراسة، (وقد كنا طلاب في كلية الشريعة وقته) ، فلعلك تستقبلنا هذا اليوم. فقال إذا ائتوني ضحى في بيتي وسأحاول أن أقضي حاجتكم. فقلت لأخي الشيخ الذي معي لا يليق أن نذهب إلى الشيخ هذا اليوم وقد خصصه لأولاده ، فهو اليوم جالس مع أولاده ومع زوجاته وهو يوم جمعة. فلو انتظرنا إلى الغد ونحن على خير، نصلي في المسجد النبوي والحمد لله والصلاة فيه بألف صلاة لعلنا ننتظر إلى الغد. قال لا نذهب استثمارا للوقت. ذهبنا وكنت أقدم رجلا وأخر أخرى وأتصور أن الشيخ سيكون بين أولاده وننتزعه من بينهم، فلما وصلنا إلى بيته، طرقنا الباب وكان مفتوحا. وكنت أنا الطارق حيث كان صاحبي ورفيقي كفيف البصر لا كفيف البصيرة، بل أنار الله بصيرته بكتاب الله جل وعلا. كنت أطرق الباب فجاءنا رجل أعرابي من أهل المدينة وقال تطرقون بيت من ؟ فخشيت أنني أخطأت، فقلت أليس هذا بيت الشيخ عبد العزيز ابن باز، فقال وهل بيت الشيخ عبد العزيز ابن باز يطرق ؟ أدخلوا ودخل أمامنا. فدخلنا فإذا الشيخ في مجلسه وإذا المجلس مكتظ بالناس. سبحان الله، سبحان الله. قدمنا للشيخ الكتاب فقال إذا تتغذون معنا، فقلنا خيرا إن شاء الله. فلما صلينا قال لي صاحبي مرة أخرى لنذهب إلى الشيخ. فقلت له يا أخي الكريم أخذنا عليه الضحى ولا نريد أن نأخذ عليه وقت الغذاء وعلى الأقل يتغداء مع أولاده. قال سنذهب واختلفنا والخلاف شر. ولذلك تأخرنا على الشيخ وذهبنا في النهاية، فدخلنا المجلس ولم يشعر الشيخ بنا، وجلسنا وإذا المجلس مليء بالناس. فإذا الشيخ يقول هل حظر فلان وفلان (يسمينا بأسمائنا)؟ قالوا نعم، قال أعطونا الغذاء. إذا يا أحبتي الكرام هذا اليوم الذي قال لنا سماحة الشيخ أنه مخصص لأولاده، هكذا قضاه. قبل رمضان كنت جالسا مع أحد الملازمين للشيخ فتحدثنا في هذه القضايا فإذا هو يقول لي إنني سمعت بأذني سماحة الشيخ يقول منذ أيام لأحد المشايخ: منذ ثمان وخمسين سنة لم أخذ إجازة يوم واحد. هذا يحمل هم ماذا ؟ هم الدنيا ؟!! والله أنني منذ عرفت الشيخ وجلست معه ما سمعته يوما يتكلم بأمر من أمور الدنيا: التي تتعلق بالبيع والشراء والتجارة أبدا، أبدا إلا إذا كانت في صالح المسلمين، أما أن يتكلم عن أسعار الأراضي، أو السيارات، أو البيوت، أو الوظائف لا يعرف فيها شيء. أقول لكم منذ عشرين سنة لم أسمعه يوما واحدا يتكلم إلا في ما يخص أمور المسلمين، ويرضي ربه جل وعلا من ذكر وتسبيحا وقراءة قرآن وكلمات طيبة وحل مشاكل المسلمين. هذا يحمل هم ماذا أيها الأخوة ؟ سماحة الشيخ عبد العزيز (رحمه الله) وعمره فوق الثمانين سنة: وكان لا ينام إلا بحدود أربع إلى خمس ساعات فقط.، والباقي عشرين ساعة كلها في ذكر الله وطاعته وعبادته وقضاء حوائج المسلمين، قال لنا أكثر من مرة أنه مستحق للتقاعد منذ سبعة عشر عاما بكامل الراتب ، ولكن والله ما بقيت إلا من أجل أن أخدم المسلمين. نعم أيها الأخوة هذه حقائق. حقائق أيها المسلمون. قلت لكم هذا الرجل (كان) يعيش بيننا هذا همه ومع ذلك هل هو يفتر في عبادته؟ الذي أعرفه عن سماحة الشيخ أنه (لم يكن) يترك ورده من القرآن يوميا أبدا وخذوا هذه القصص: يقول أحد كتّاب الشيخ، ذهبت أنا وإياه إلى مكة وجلست أقرأ عليه المعاملات بعد العشاء إلى حدود الساعة الحادية عشر ليلا. فقال سماحة الشيخ بأدبه وتواضعه يبدو أننا تعبنا، الشيخ ما تعب ولكن الذي تعب هو الموظف، فالشيخ بأدبه ما أراد أن يقول للموظف هل تعبت، فقال يبدو أننا تعبنا. يقول الموظف فقلت له نعم يا شيخ. قال إذا ننام، يقول فوضعت المعاملات وقام الشيخ يصلي. يقول قمت فصليت ما كتب الله لي ثم نمت. فاستيقظت بعد الثانية عشرة فإذا الشيخ يصلي، ثم استيقظت قبل الفجر فإذا الشيخ يصلي. ويقول أحد إخوانه الذين جاءوا معه من الطائف إلى الرياض عن طريق البر، ولم صرنا في منتصف الليل بعد الساعة الثانية ليلا تقريبا قال الشيخ لمرافقيه: يبدو أننا تعبنا وسهرنا، قفوا لننام في الطريق. يقول فوقفنا فما لمست أقدامنا الأرض إلا ونمنا والجيد منا من استطاع أن يصلي ركعة أو ثلاث ركعات، وشرع الشيخ في الصلاة، فلما استيقظنا قبل صلاة الفجر فإذا الشيخ يصلي. يحدثني أحد الملازمين للشيخ قبل أسبوعين فيقول ما ترك الشيخ كلمة بعد صلاة العصر إذا صلى في أي مسجد إلا وألقى كلمة حتى يوم الجمعة، ما تركها أبدا. ندوة الجامع الكبير، إذا كان الشيخ في الرياض لا يترك حضور ندوة الجامع الكبير أبدا إلا لعارض صحي. إذا يا أخوان، هذه حقائق ممن يحمل هم الإسلام . وأختم الحديث عن حياته بقصة حدثني فيها أحد الموظفين بدار الإفتاء منذ عدة سنوات فيقول: جاءت رسالة من الفلبين لسماحة الشيخ: فإذا فيه امرأة تقول أن زوجي مسلم أخذوه النصارى فألقوه في بئر، فأصبح أطفالي يتامى، وأصبحت أرملة وليس لي أحد بعد الله جل وعلا. وسألت من يمكن أن اكتب له في الأرض ؟ قالوا لا يوجد إلا الشيخ عبد العزيز أبن باز، فآمل أن تساعدني. كتب عليها الشيخ للجهات المسؤولة في دار الإفتاء لمساعدتها، فجاءته إجابة أن يا سماحة الشيخ لا يوجد بند من البنود عندنا لمساعدة امرأة وضع زوجها في البئر، فالبنود المالية محددة، فيقول الشيخ لكاتبه، أكتب مع التحية لأمين الصندوق أن أخصم من راتبي عشرة لآلاف ريال وأرسله إلى هذه المرأة. معذرة فالحديث عنه لا يمل، بقول لي أحد الزملاء في الجامعة: وقد ذهب في دورة إلى دولة أفريقية، يقول جاءتنا عجوزا في وسط أفريقيا ثم سألتنا عبر المترجم من أين أنتم؟ قالوا لها إنهم من السعودية، فقالت بلغوا سلامي الشيخ عبد العزيز ابن باز. عجوز في وسط أفريقيا، كيف عرفت الشيخ عبد العزيز أبن باز ؟ لأنه يحمل همها. هذه حقائق يا أحبابي الكرام، هذه نماذج واقعية، هذا قضايا. كيف أحدثكم أيها الأحباب، ماذا أقول لكم: أولئك آبائي فجئني بمثلهم……إذا جمعتنا يا جليس المجامع. أتـني بهؤلاء، هذه النماذج الحية. وبعد ذلك أقول أيها الأخوة الكرام عودوا إلى السؤال: مالهم الذي تحمله ؟ حاسب نفسك يا أخي الكريم. حاسبي نفسك يا أختي الكريمة. واحملوا هم هذا الدين، وبادروا قبل فوات الأوان، وقبل أن تتمنوا أن الذي كان ما كان. أيها الأخوة الكرام، أيها الأخوات الكريمات: القافلة تسير، دين الله منتصر لا نشك في ذلك أبدا أيها الأخوة. أعداء الله رمونا عن قوس واحدة ، اجتمع الكفر، اجتمع اليهود والنصارى والوثنيون والملحدون على شيء واحد الآن هو حرب الإسلام. إذا كانوا كذلك أيها الأخوة: أيليق بنا والحقيقة تلك أن نحمل هما غير هم الإسلام؟ كيف تحمل يا أخي الكريم هما غير هم الإسلام وبلاد المسلمين كما ترى ؟ كيف تحمل يا أخي الكريم هما غير هم الدين والقدس تحت الاحتلال اليهودي؟ وإخواننا هناك يسامون سوء العذاب. كيف تحمل يا أخي الكريم هما غير هم الإسلام وإخواننا الدعاة وشباب الإسلام سجناء في السجون يعذبون ويبتلون ويؤذون بما تعلمون وتسمعون. أيليق بنا يا أحبتي الكرام أن تهتم بأمور الدنيا، أن نهتم في أمور الوظيفة وأمور المعاش وأمور الرزق ودين الله جل وعلا تنتهك حرماته ؟ أيليق بنا يا أحبتي الكرام وأعداء الله جل وعلا لا أقول من اليهود والنصارى فقط بل من أذنابهم ممن يتكلمون بلغتنا ومن بني جلدتنا يخدمون الأعداء ليل نهار، ويحاربون دين الله جل وعلا. لقد اطلعت هذا اليوم على جزء مما يعمله هؤلاء في بلاد التوحيد، على جزء مما يتآمر به العلمانيون، ما يتآمر به المنافقون على عقيدتنا وعلى بلادنا. في بلاد التوحيد الرافضة ، العلمانيون، المنافقون، الصوفية كلهم الآن يعملون ليل نهار لشيء واحد ضد هذا الدين . أيليق بنا أن يسيطر علينا هم غير هم هذا الدين ؟ أتق الله يا أخي الكريم. أختي الكريمة كيف تهتمين بالتوافه ، كيف تهتمين بما يجب أن تترفعي عنه ، وأخواتك المسلمات تنتهك أعراضهن ، ويبتلين في دينهن، أيليق هذا يا أخواتي الكريمات ؟ عباد الله أخوتي الكرام. الله اللهَ، عودة صادقة إلى الله جل وعلا، حاسبوا أنفسكم فلا يزال معنا فسحة، ولا ندري متى نلقى الله، علينا أن نجدد إيماننا علينا أن ننظر مرة أخرى إلى واقعنا حتى لا يحل بنا غضب الله جل وعلا. وجهت هذا السؤال لبعض طلبتي فجاءتني الإجابة من بعضهم اقرأ عليكم جزء من رسالة وصلتني من أحد الأخوة جزاه الله خيرا يقول فيها إجابة على السؤال: وبعد أن طرحت هذا السؤال فإن اهتماماتي تنحصر في ما يلي: أحمل هم العالم الذي حجب علمه عن الأمة حتى لا يضيء لها طريق النجاة. أحمل هم العالم الذي جعل علمه وسيلة لغير نصر هذا الدين. أحمل هم الداعية المودع في السجن ،أو المفصول عن وظيفته لا ذنب اقترفَه إلا أنه يدع إلى دين الله جل وعلا. أحمل هم رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين يتعرضون للأذى من كثير من الناس، ويتعرضون للأقاويل والوشايات. أحمل هم بنت الإسلام التي يريد العلمانيون إخراجها من خدرها والزج بها في معترك العمل مع الرجال خلافا لما تقتضيه فطرتها الإسلامية. أحمل هم أخي المسلم في فلسطين الذي يعيش في خيمة بالية لا تظله من شمس ولا تحميه من مطر من عدة سنوات. أحمل هم خمسمائة مليون دولار معظمها من أموال المسلمين ترصد كميزانية سنوية لمشروع تنصير أبناء المسلمين. أحمل هم معاناة كل مسلم في كشمير وبورما والفلبين وأسيا الوسطى وكل بلد إسلامي. أحمل هم كل مسلمة انتهك الصليبيون عرضها في البوسنة وفي أريتيريا وفي كل بلاد. وأخيرا وليس آخرا أحمل هم مليار ومائة وخمسين مليون مسلم يمثلون خمس العالم ولكنهم غثاء كغثاء السيل لا وزن لهم ولا قيمة لهم في معادلات الإستراتيجية الدولية. يا أخي الكريم هذه هي همومي باختصار كما شئت أن تعرف، فجزاك الله خير. وأقول له جزاك الله خير. إذا أيها الأخوة لتكون اهتماماتنا عالية ولنحذر أن يصدق علينا قول الباري جل وعل كما في هذه الآية: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية). نعوذ بالله أن تهمنا أنفسنا عن دين الله جل وعلا، ولذلك أحدثكم واكرر مرة أخرى ما بدأت به من أحاديث المصطفى : عن عبدالله أبن مسعود رضي الله عنه قال سمعت نبيكم يقول: (من جعل الهموم هما واحدا هم آخرته كفاه الله هموم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا، لم يبالي الله في أي أوديتها هلك). ويقول : (من أصبح منكم معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا). وقال : (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة). فيا أحبتي الكرام بادروا بالأعمال سبعا، البدار البدارَ لإصلاح أوضاعنا. وليكن همكم لا أقول من هذه الليلة ، إنني واثق أن همكم قبل هذه الليلة هو هم هذا الدين هو هم هذا الإسلام، هو هم هذه العقيدة، هو هم هذه الأمة. ليكن همك يا أخي الكريم تربية الأجيال. ليكن همك يا أخي الكريم إعداد الأمة إعدادا لملاقاة أعداء الله . قد هيئوك لأمر لو فطنت له……. فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل وإذا كانت النفوس كبارا….تعبت في مرادها الأجسام وأحذر أن تكون: من يهن يسهل الهوان عليه….ما لجرح بميتٍ إيلام أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله على نبينا محمد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اللهم اجعل هذا العمل خالصا لوجهك الكريم لا تحرمنا من دعوة صالحة في ظهر الغيب من خلال اقتراحاتك وتوجيهاتك يمكن أن تساهم في هذا العمل الجليل. تواصل: أخوكم البوراق / anaheho@maktoob.com |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق