بسم الله الرحمن الرحيم
المحرومون
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره.
ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات إعمالنا، من بهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عبيه وعلى آله وأصحابه ومن أهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وموضوع هذه الليلة بعنوان المحرومون
أيها الأحبة:
وأعتذر أيضا للأخوات:
فلا نجزع من كلمةِ محروم، بالرغمِ من قساوتِها فالكثيرُ منا يشعرُ بالحرمان.
وينالُ الإنسانَ من الحرمان بقدرِ بعدهِ عن طاعةِ الله.
وسأوجهُ خطابي إلى المحرومين، وسأناديَ المحرومين كثيرا، فلا نجزع فقد يكونُ المحرومُ أنا.
وقد تكونُ أنت وقد يكونُ فلاناً أو فلانة، وقد نكونُ جميعاً.
فالحرمانُ يتفاوتُ من شخصٍ لأخرَ، ويختلفُ باختلافِ الأحوالِ والأشخاص.
فقد تُحرمُ الراحةَ والسعادة.
وقد تُحرمُ لذةَ السجودِ والركوع.
وقد تُحرمُ قراءة القرآنِ وتدبرِ آياته.
وقد تُحرمُ كثرةَ الذكرِ والاستغفار.
وقد تحرمُ لذةَ الخشوعِ والبكاءِ من خشيةِ الله.
وقد تُحرمُ بر الوالدينِ والأنسُ بهما.
وقد تُحرمُ لذة الأخوةَ في الله.
وقد تُحرمُ السعادةَ الزوجيةَ.
وقد تُحرمُ أكل الحلالِ ولذتهِ.
وقد تُحرمُ التوبةَ والندمَ على ما فات.
وقد تُحرمُ حسنَ الخاتمةَ.
فيا أخي الحبيب، ويا أختي الغالية قد نحرمُ هذه الأمورَ كلَها، وقد نحرمَ الكثيرَ منها، وقد نحرمُ القليل منها، والسعيدُ من جمعها ووفقَ إليها وقليلٌ ما هم.
فإن كنتَ منهم فأذكر نعمةَ اللهِ عليك، وأشكره، واعلم أن من تمامِ شكرَه النصحَ للمسلمين فلا تحُرم نفسكَ اجر التبليغ فالدالُ على الخيرِ كفاعلِه.
إذا فقد يصيبَك من الحرمان ولو القليل، فأحتمل خطابي وأحتمل مناداتي لك بـيا أيها المحروم، فإنما قصدتُ بها الشفقةَ والرحمةَ والحب والنصحِ.
وأعوذ بالله أن أكونَ من الشامتين فأنا أولُ المحرومين.
أسأل الله عز وجل أن يحيينا حياة طيبة، وأن يتوب علينا توبة صادقة.
كثيرٌ ممن ظاهرهم الصلاح محرومين، فهم لم يذوقوا حلاوةَ الإيمان، ولا حقيقةِ الهداية والاستقامة.
فليست الاستقامةَ أشكالاً ومظاهرَ، بل هيَ أعمالٌ وسرائرَ، وأنتم أيضاً يا أصحاب المناصب وأهل المال والتجارة ويا كل مهندس وطبيب وكاتب أقول لكم جميعا :
أحسنتم يوم سهرتم وعملتم ونجحتم ولاشك أنكم جميعا من صناع الحياة، ومن أصحاب الأيادي البيضاء، لكن ما هو رصيدكم من السعادة والراحة وانشراح الصدر ؟
ما حقيقة الصلة بينكم وبين الله ؟
ما هو نصيبكم من حلاوةَ الإيمان، ولذةَ السجودِ والمناجاةِ، ولذةَ الدمعةِ من خشيةِ الله عزا وجلَ ؟
إذاً فقد يكونُ لكم نصيبٌ من الحرمان، فأسمعوا يا رعاكُم اللهُ هذه الكلمات.
وإذ كان هذا هو واقع بعض الصالحين والجادين العاملين فكيف بحال الغافلين اللاهين ؟
فمن الناسِ من كسب الدنيا والآخرةِ نسأل اللهَ أن نكونَ منهم.
ومنهم من كسبَ الدنيا وضيعَ الآخرةِ.
ومنهم من ضيعَ الدنيا والآخرةِ. وهؤلاء همُ المحرومينَ حقا.
يحدثني أحدهم:
أنه لم يركع لله ركعة، ولم يشعر بلذة الصيام يوما من الأيام وأنه لا يعرف عن رمضان سوى السهر والمعاكسات والنوم بالنهار.
ويهمس لي آخر :
عن أحواله وأحوال أصحابه وجلساتهم في الليل وما يدور فيها من الفساد والضياع.
وقال آخر :
أنه يجلس الساعات بل الليالي ينتقل من قناة إلى قناة لقضاء الفراغ وقتل الوقت كما يقول، ويقول عن نفسه أن الحق أنه يبحث عن الشهوة وتلبية رغبات النفس الأمارة، فإذا انتهيت شعرت بندم وهم وضيق لا يعلمه إلا الله، ولا أدري إلى متى سأظل على هذه الحال من قتل العمر وتضييع الأيام.
يقول أضعت نفسي ورجولتي وإيماني ووظيفتي وباختصار إنني أعيش بدوامة التعاسة والشقاء وإن كنت في الظاهر بسعادة وهنا… إلى آخر ما قال.
قلت في نفسي صدق الله يوم أن قال: ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ).
ويصارحني آخر ودمعته تسيل على خده فيقول:
إنكم مسؤولون عنا أمام الله، أدركوا الشباب مخدرات، أفلام، معاكسات، سهر وغناء ولواط وزنى، ثم يجهش في البكاء – هذه حاله والله العظيم – ثم يجهش في البكاء ويضع وجهه بين يديه وهو يقول:
فكرت بالانتحار عددا من المرات.
وكتب إلى أحدهم رسالة طويلة قال في مقدمتها:
قضية الشباب قضية كبيرة ومهملة وللأسف، مهملة من الجميع إلا ما شاء الله، فلا أدري من أين ابدأ في مشاكلهم المعاصرة.
هل ابدأ بتضييعهم لأوقاتهم وأموالهم أو لأنفسهم أو لأمتهم، ثم عدد بعض أسرار الشباب إلى أن قال:
هذا فيض من غيض مما يدور في أوساط الشباب من الفساد والإفساد فضلا عن حلق اللحى وسماع الغناء وإسبال الثياب وتبادل الأشرطة والأفلام المدمرة وشرب الدخان ولعب الورق وتبادل أرقام الهواتف وسباب ولعان وغيبة ونميمة وكذب، ناهيك عن ترك الصلاة.
وإني بمقامي هذا –الكلام لا يزال له- بعد إذ نجاني الله من شبكة أعداء الإسلام التي ينصبونها لأبناء هذه الأمة - وليس الخبر كالمعاينة- أقول هذا واقع الشباب فأذهبوا وشاهدوا العجائب. إلى آخر رسالته.
وحدثتني بعض الأخوات :
فتبين لي العجب من الضياع والحرمان الذي تعيشه بعض بنات المسلمين وللأسف.
تقول لي إحداهن وقد كانت غافلة عابثة بالهاتف:
أنا أعيش محنة كبيرة شديدة لا يعلمها إلا الله، فأنام وأصحو وأنا أبكي، قلبي يكاد يتقطع، أحس أن الدنيا ضيقة، أبكي في كل وقت وأخاف أن يكون ذلك الإحساس بضيق الدنيا قنوطا أو يئسا من رحمة الله وأنا لا أريد ذلك، فأنا أريد أن أحقق صدق توبتي بالصبر والثقة بالله والتوكل عليه والاستعانة به والثقة بأنه سينجيني من تلك المعصية، ويغفر لي ويعوضني خيرا.
وحتى لحظة كتابتي هذه الكلمات أبكي من شدة ما أجد من ألم وتعب وضيق، لأن كل شيء يذكرني بالماضي، ولا أجد الراحة والاطمئنان إلا في الصلاة والدعاء وتلاوة القرآن، وهذه من الصعوبات التي تواجهني في هذه الفترة، وأسأله تعالى أن يغفر ذنوبي فقد فرطت في جنب الله وتهاونت في المعصية… إلى أن قالت:
كنت أقول في نفسي أمعقول أن يوجد من يتوب ويرجع إلى الله بسبب محاضرة واحدة أو شريط واحد أو موقف بسيط، فالحمد لله، وأساله أن لا يزيغ قلبي بعد إذ هداني.
وقد هداها الله بسبب حضورها لمحاضرة لإحدى الأخوات في كليّتها. .. إلى آخر قصتها من رسالة بعنوان دموع ساخنة من فتاة عائدة.
فأهدي هذا الموضوع (المحرومون) أهديه إلى :
المحرومين من نعمةِ الإيمان، الفاقدينَ حلاوتَه وأنسَه وطعمَه.
أهديه إلى المحرومين من لذةِ الدمعةِ والبكاءِ خشيةً وخوفاً من الله.
أهديه إلى المحرومين من لذةِ السجودِ ومناجاةِ علامِ الغيوب.
أهديهِ إلى المحرومين من لذةِ قراءةِ القرآن وتدبرِ معانيه وتذوق معانيه.
أهديهِ إلى المحرومين من لذةِ الأخوةِ والحبِ في الله.
أهديهِ إلى المحرومين من بركةِ الرزقِ وأكلِ اللقمةِ الحلال.
أهديه إلى المحرومين من بركةِ العمرِ وضياعهِ في الشهوات واللذات.
أهديه إلى المحرومين من انشراحِ الصدرِ وطمأنينته وسعادته.
أهديه إلى المحرومين من بر الوالدين والأنسِ بهما.
وجماعِ ذلك كلِه أقول:
أهدي هذا الموضوع إلى المحرومين من الاستقامةِ والطاعة والالتزام.
إلى أولئك الذينَ أصابتهم الوساوس والشكوك، واستبد بهم الأسى والشقاء، واجتاحهم القلق والظلام، ونزلت بهم الهموم والغموم.
إلى الذين حُرموا زاد الإيمان ونور الإسلام.
إلى البائسينَ ولو عاشوا بالرغدِ والنعيم الذين حُرموا نعمة الإيمان، لقد فقدتم كل شيء وإن وجدتم المال والجاه.
إلى الذين حُرموا لذة الاطمئنان وبرد الراحة، لقد فقدتم كل شيء وإن ملكتم الدنيا بأسرها.
إلى الذين حُرموا السعادة والأنسَ، وأضاعوا الطريقَ.
إلى أولئكَ جميعاً أقول اسألوا التائبين يومَ ذاقوا طعم الإيمان، يوم اعترفوا بالحقيقة.
واللهِ ثم والله ما رأيت تائباً إلا وقالها، ولا نادما إلا وأعلنها صرخاتُ متوجعٍ وزفرات مذنب وآهات نادم اختصروها بكلماتٍ قالوا:
( نشعرُ بالسعادةِ لحظات، وقت الشهوة فقط وعند الوقوع بالمعصيةِ واللذة، وبعدها قلقٌ وحيرةٌ وفزعٌ واضطرابٌ وضياع وظلام شكوكٌ وظنون، وبكاء وشكوى، عقد وأمراض نفسية).
وصدق الله عز وجل يوم أن قال :
( فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ).
إذا فهو في أمان من الضلال والشقاء، متى ؟ بالهداية، بالاستقامة، باتباع هدي الله.
والشقاء ثمرة الضلال ولو كان صاحبه غارقا في متاع الدنيا بأسرها، فما من متاع حرام إلا وله غصة تعقبه وضيق يتبعه، لذلك قال الله عز وجل بعد هذه الآية مباشرة:
(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ).
قال ابن كثير ( أي في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرجا لضلاله وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلقي وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة) انتهى كلامه رحمه الله.
فإلى المحرومين لماذا أعرضتم عن ذكر الله ؟
لماذا حرمتم أنفسكم سماع المواعظ ومجالس الذكر ؟
تُدعون فلا تأتون، وتُنصحون فلا تسمعون، تغفلون أو تتغافلون، بل ربما تسخرون وتهزئون.
ولكن أسمعوا النتيجة، أسمع للنتيجة المرة، اسمعي للنهاية التي لا بد منها:
قال الحق عز وجل:
( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) هذا في الدنيا.
أما في الآخرة (ونحشره يوم القيامة أعمى، قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى ).
فنسيتها، أعرضت عنها، أغفلتها، تناسيتها، إذا فالجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان:
( وكذلك اليوم تنسى ).
( فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ).
( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا، إنا نسيناكم ).
( نسوا الله فنسيهم، إن المنافقين هم الفاسقون ).
أيها المحرومون:
لماذا نسيتم لقاء ربكم؟
لماذا هذا الإعراض العجيب؟
إنكم حرمتم أنفسكم فحُرمتم السعادة والراحة والاستقرار النفسي.
لماذا نسيتم وتناسيتم ما قدمت أيديكم ؟
لماذا غفلتم، ولماذا غفلنا عن المعاصي والذنوب ؟
أسمع لقول لحق عز وجل:
( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ).
ونسي ما قدمت يداه، أين النفس اللّوامة ؟ أين استشعار الذنب ؟ أين فطرة الخير ؟
أين القلب اللين الرقيق؟ أين الدمعة الحارة ؟
أسمعوا وعوا :
( إنا أنذرناكم عذابا قريبا، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ويقول الكافر يا ليتني كنت تراب ).
يقسم بعض التائبين أنه ما ركع لله ركعة وما سجد لله سجدة، فأي حرمان بعد هذا الحرمان ؟
أي حرمان بعد هذا الحرمان ؟
عفوك اللهم عنا….خيرُ شيء نتمنى
ربي إنا قد جهلنا…… في الذي قد كان منا
وخطينا وخطلنا….…ولهونا وأسأنا
إن يكو ربي خطأنا …ما أسأنا بك ظنا
فأنلنا الختم بالحسنى….وإنعاما ومنا
أيها المحرمون:
لا رحت للقلب ولا استقرار إلا في رحاب الله، إلا في الهداية، إلا في الاستقامة والالتزام بأوامر الله.
يتصور بعض المحرومين والمحرومات أن الراحة والسعادة في المال والمنصب والسفر إلى الخارج.
ذكرت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 21/4/1415هـ نقلا عن مذكرات زوجة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قالت :
( أنها حاولت الانتحار أكثر من مرة، وقادة السيارة إلى الهاوية تطلب الموت، وحاولت أن تختنق لتخلص من همومها وغمومها )
ويذكر التاريخ لنا :
( أن علي أبن المأمون العباسي أبن الخليفة كان يسكن قصرا فخما وعنده الدنيا مبذولة ميسرة، فأطل ذات يوم من شرفت القصر فراء عاملا يكدح طيلة النهار، فإذا أضحى النهار توضأ وصلى ركعتين على شاطئ دجلة، فإذا اقترب الغروب ذهب إلى أهله.
فدعاه يوما من الأيام فسأله فأخبره أن له زوجة وأختين وأما يكدح لهن، وأنه لا قوت له ولا دخل إلا ما يتكسبه من السوق، وأنه يصوم كل يوم ويفطر مع الغروب على ما يحصل.
قال ابن الخليفة:
فهل تشكو من شيء ؟ قال العامل لا والحمد لله رب العالمين.
فترك ابن الخليفة القصر، وترك الإمرة وهام على وجهه ووجد ميتا بعد سنوات عديدة وكان يعمل في الخشب جهة خرسان)
فيا سبحان الله، من الإمارة إلى النجارة لأنه وجد السعادة في عمله هذا، ولم يجدها في القصر.
المحرومون من الصلاة :
إن من المحرومين من قال الله عنهم:
( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ).
فأي حرمان بعد إضاعة الصلاة، أقسم لي شاب أنه لم يسجد لله سجدة إلا مجاملة أو حياء.
فأقول أيها المحروم :
إنه الكفر والضلال،( إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر.)1
( إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )2
مسكين أنت أيها المحروم يوم أن قطعت الصلة بينك وبين الله، إنها مفتاح الكنز الذي يفيض سعادة وطمأنينة، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود، إنها زاد الطريق ومدد الروح وجلاء القلوب.
إن ركعتين بوضوء وخشوع وخضوع كفيلتان أن تنهي كل هذا الهم والغم والكدر والإحباط.
إن من أسباب سعادة المؤمنين ما أخبر الله عنه بقوله:
( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ).
وقوله ( أمّن هو قانت آنا الليل ساجدا وقائما، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ).
من أجمل لحظات الدنيا وأسعدها يوما أن يسجد العبد لمولاه، يدعوه ويناديه، يخافه ويخشاه، قيام وسجود، بكاء وخشوع فيتنور القلب وينشرح الصدر وتشرق الوجوه.
قال عز وجل ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ).
أما المحروم فظلام في القلب، وسواد في الوجه، وقلق في النفس. هذا في الدنيا.
وفي الآخرة يقول الله عنهم ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ).
حُرموا من السجود في الآخرة لأنهم كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا فيتشاغلون ويتكبرون ويسخرون.
أي فلاح وأي رجاء وأي عيش لمن انقطعت صلته بالله؟
أو قطع ما بينه وبين وليه ومولاه الذي لا غناء له عنه طرفة عين؟
فلا تعلم نفس ما في هذا الانقطاع من أنواع الآلام وأنواع العذاب.
مسكين أيها المحروم، كيف تريد التوفيق والفلاح ؟ والسعادة والنجاح ؟ وأنت لا تصلي وقد قطعت الصلة ما بينك وبين الله.
اسمع إلى قول الله عز وجل ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ).
اسمع لقول الحق عز وجل (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ).
سجود المحراب، واستغفار الأسحار ودموع لمناجاة سيماء يحتكرها المؤمنون.
ولأن توهم المحروم أن جناته في الدينار والنساء والقصر المنيف، فإن جنة المؤمن في محرابه.
إن من المحرومين من إذا ذكر بالصلاة سخر واستهزأ.
وفي هؤلاء يقول الحق عز وجل ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون).
ويقول عز وجل (إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون وإذا مروا بهمم يتغامزون).
أي في الدنيا، ولكن السعيد من يضحك في النهاية.
ولذلك قال الله ( فاليوم الذين أمنوا من الكفار يضحكون ).
إن المتهاون في الصلاة حُرم خيرا كثيرا، فقد قال (صلى الله علية وآله وسلم):
(من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهان ولا نور ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي أبن خلف)3
أيها المحروم:
حرمت نفسك أجمل لحظات الدنيا وهي لحظات السجود وتمريغ الجبين للرب المعبود.
حرمت نفسك أعظم اللذات، لذة المناجاة، ولذة التذلل والخضوع.
إنك تملك أغلا شيئا في هذا الوجود، تملك كنزا من كنوز الدنيا:
الصلوات الخمس.
الثلث الأخير من الليل.
ساعات الاستجابة.
أسأل المصلين الصادقين ماذا وجدوا ؟
أسألهم ولا تتردد سيجيبوك بنفوس مطمئنة، بنفوس راضية، بنفوس ذاقت حلاوة الدنيا وأجمل ما فيها.
سيقولون ( أكثر الناس هموما وغموما وكدرا المتهاونون المضيعون للصلاة ).
ولكن أبشر أيها الأخ الحبيب فإن الله عز وجل يقول :
( إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا).
المحرومون من التوبة:
التائب أعتق نفسه من أسر الهوى، وأطلق قلبه من سجن المعصية.
التائب يجد للطاعة حلاوة وللعبادة راحة، وللأيمان طعما، وللإقبال لذة.
التائب يجد في قلبه حرقة، وفي وجهه أسى، وفي دمعه أسرار.
التائب منكسر القلب، غزير الدمعة، رقيق المشاعر.
التائب صادق العبارة فهو بين خوف وأمن، وقلق وسكينة.
اليوم ميلادي الجديد وما مضى…موت بليت به بليل داجِ
أنا قد سريت إلى الهداية عارجا……….يا حسن ذا الإسراء والمعراج
أيها المحروم:
أيها المحروم تب إلى الله، تب إلى الله ذق طعمَ التوبةَ، ذق حلاوةَ الدمعةَ، اعتصرَ القلبَ وتألم لتسيلَ دمعةُ على الخد تطفئُ نيران المعاصي والذنوب.
أخلوا بنفسكَ وأعترفِ بذنبك وأدعُ ربك وقل:
( اللهم أنت ربي لا إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، اعوذ بك من شر ما صنعت، أبو لك بنعمتك علي وأبو بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
أبكي على خطيئتكَ،وجرب لذةَ المناجاة، أعترف بالذل والعبودية لله.
تب إلى الله بصدق، ناجي ربك وقل: ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فأغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ).
جرب مثل هذه الكلمات، جربها كما كان (صلى الله علية وآله وسلم) يرددها.
أيها المحروم:
( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (صلى الله علية وآله وسلم) رسولا )4
أسمع إلى ملكِ الملوك وهو يناديكَ أنت.
أسمع إلى جبارِ الأرضِ والسماواتِ وهو يخاطبك أنتَ، وأنت من أنت؟
أسمع للغفورِ الودود الرحيم الرحمن وهو يقول:
( قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسِهم لا تقنطوا من رحمةِ الله، إن اللهَ يغفرُ الذنوب جميعاً إنه هو الغفورُ الرحيم ).
ويقولُ سبحانه في الحديثِ القدسي:
( يا عبادي إنكم تذنبونَ في الليلِ والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعا، فاستغفروني أغفر لكم ).5
يقولُ الله في الحديثِ القدسي الآخر:
( يا ابنَ أدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرتُ لك على ما كانَ ولا أبالي، يا أبن أدم لو بلغت ذنوبَك عنانَ السماء، ثم استغفرتني غفرتُ لك على ما كان ولا أبالي، يا أبن أدم لو أتيتني بقرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئاً لقيتكَ بقراب الأرضِ مغفرةً )6
إذا فيا أيها المحروم:
ما هو عذركَ وأنت تسمعُ هذه الندائات ممن من ربِ الأرضِ والسماوات.
إن أسعد لحظات الدنيا يومَ أن تقفَ خاضعاً ذليلاً خائفاً باكيا مستغفرا باكيا، فكلماتُ التائبينَ صادقةُ، ودموعُهم حارةُ، وهممهم قوية.
ذاقواُ حلاوةَ الإيمانِ بعد مرارةِ الحرمان.
ووجدوا برد اليقينِ بعد نارِ الحيرةَ.
وعاشوا حياةِ الأمنِ بعد مسيرةِ القلقِ والاضطراب.
فلماذا تحرمُ نفسكَ هذا الخير وهذه اللذة والسعادة ؟
فإن أذنبتَ فتب، وإن أسأت فأستغفر، وإن أخطأت فأصلح فالرحمةُ واسعةٌ والبابُ مفتوح.
قال أبن القيم في الفوائد :
( ويحك لا تحقر نفسك، فالتائب حبيب، والمنكسر صحيح، إقرارك بالإفلاس عين الغناء، تنكيس رأسك بالندم هو الرفعة، اعترافك بالخطاء نفس الإصابة ) انتهى كلامه رحمه الله.
إذا العبودية لله عزة ورفعة ولغيره ذل ومهانة.
أيها الحبيب، أيتها الغالية:
إنا لنفرح بتوبتك، ونسر لرجوعك إلى الله، وليس لنا من الأمر شيء.
عين تسر إذا رأتك وأختها…..تبكي لطول تباعد وفراقِ
فاحفظ لواحدة دوام سرورها….وعد التي أبكيتها بتلاقي
عدنا بالرجوع إلى الله، عدنا بتوبة صادقة ونحن معك بكل ما تريد، نسر ونفرح نمدك بأموالنا وأيدينا ودعائنا وليس لنا من الأمر شيء، إنما هو لنفسك.
ومن المحرومين من حُرم لذة قراءة القرآن:
وتدبر آياته والبكاء من خشية الله، عن عطاء قال :
دخلت أنا وعبيد ابن عميرعلى عائشة رضي الله عنها فقال عبيد لها حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم)، فبكت وقالت:
(قام ليلة من الليالي فقال يا عائشة ذريني أتعبد لربي قالت قلت،والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك، قالت قام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره، فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، وجاء بلال يأذن لصلاة الفجر، فلما راءه يبكي قال:
( يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر )
فقال (صلى الله علية وآله وسلم) (أفلا أكون عبدا شكورا ، لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرائها ولم يتفكر فيها)
ثم تلا (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ….خر سورة آل عمران).7
إذا فمن المحرومين من لم يقرأ القرآن، وربما قرأه في رمضان بدون تدبر أو خشوع.
أسال نفسك أيها المحب كم آية تقرأ في اليوم ؟ بل كم مرة تقرأ في الأسبوع؟
كم مرة دمعة عيناك وأنت تقرا القرآن ؟
إن من الناس من لم تدمع عينه مرة واحدة، مرة واحدة عند سماع أو قراءة آيات القرآن، وربما دمعت مرارا ومدرارا عند سماع كلمات الغناء في الحب والغرام والهجر والجرام. والعياذ بالله.
مساكين الذين ظنوا الحياة كأسا ونغمة ووترا.
مساكين الذين جعلوا وقتهم لهوا ولعبا وغرورا.
مساكين الذين حسبوا السعادة أكلا وشربا ولذة.
ليل المحرومين غناء وبكاء، وليل الصالحين بكاء ودعاء.
ليل المحرومين مجون وخنوع، وليل الصالحين ذكر ودموع.
أيها المحروم:
أيها المحروم من لذة البكاء أعلم أنه متى أقحطت العين من البكاء من خشية الله فأعلم أن قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي. والعياذ بالله.
فقل أيها المحروم:
قل لنفسك و أسفاه، و حسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب محروم ما شم رائحة القرآن، دخل الدنيا وخرج وما ذاق أطيب ما فيها.
بل عاش فيها عيش البهائم، وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزا وكسلا، وموته غبنا وكمدا.
ألم تسمع أيها المحروم ؟
ألم تسمعي أيتها المحرومة لقول النبي (صلى الله علية وآله وسلم) :
( والقرآن حجة لك أو عليك ). فأيهما تختار وأيهما تختارين ؟ لك أم عليك.
قال أحد الصالحين:
أحسست بغم لا يعلمه إلا الله، وبهم مقيم فأخذت المصحف وبقيت أتلو فزال عني – والله – فجأة هذا الغم، وأبدلني الله سرورا وحبورا مكان ذلك الكدر.
يا أيها الأخ الحبيب، يا أيتها المسلمة:
إن هذا لقرآن رحمة وهو هدى ونور وشفاء لما في الصدور كما وصفه الله سبحانه وتعالى، فأسمع أيها المحروم من قراءة القرآن إن قراءة القرآن بتدبر وتمعن من أعظم أسباب السعادة، ومن اعظم أسباب انشراح الصدر في الدنيا والآخرة.
ومن المحرومين من حُرم لذة الأخّوة في الله:
حُرم الرفقة الصالحة التي تذكره الخير وتعينه عليه، إن الجليس الصالح لا تسمع منه إلا كلاما طيبا، أو دعاء صالحا أو دفاعا عن عرضك.
فيا أيها المحروم من لأخّوة في الله إنك بأمس الحاجة إلى دعوة صالحة إلى كلمة طيبة.
إنك بأمس الحاجة إلى من تبث له أشجانك.
إنك بأمس الحاجة إلى صادق أمين وناصح مخلص.
إنك بأمس الحاجة إلى أخ يتصف بالرجولة والشهامة.
أتُراك تجد هذه الصفات بصديق الجلسات والضحكات والرحلات والمنكرات. ؟
أيها المحب أعد النظر في صداقاتك، استعرض أصدقائك واحد بعد الآخر، أسال نفسك ما نوع الرابط بينكما؟ أهي المصالح الدنيوية ؟ أم هي الشهوات الشيطانية ؟ أم هي الأخّوة الإسلامية ؟
كلُ اخّوة لغير الله هباء، وفي النهاية هم وعداء.
لاشك مر بك قول الحق عز وجل: ( الإخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ).
أيها المحروم من لذة الأخّوة في الله، راجع صداقاتك قبل أن تقول يوم القيامة:
(يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا).
راجع أحبابك وخلانك، فإنك ستحشر معهم يوم القيامة فقد قال حبيبك (صلى الله علية وآله وسلم):
( المرء مع من أحب ).
فمن أي الفريقين أحبابك ؟
قرينك في الدنيا وفي الحشر بعدها……فأنت قرين لي بكل مكان
فإن كنت في دار الشقاء فإنني………...وأنت جميعا في شقاء وهوان
أيها المحروم:
كم كسبت من صفات ذميمة ؟ وكم خسرت من صفات حميدة ؟ بسبب أصحابك.
تقول لي لماذا ؟ أقول لك لأن الطبع سرّاق، وقل لي من تصاحب أقول لك من أنت.
والنبي (صلى الله علية وآله وسلم) يقول ( الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).
أُبل الرجال إذا أردت إخائهم……وتوسمن أمورهم وتفقد
فإذا وجدت أخ الأمانة والتقى….فبه اليدين قرين عين فأشدد
إن للأخّوة في الله حلاوة عجيبة ولذة غريبة، لا يشعر بها إلا من وجدها.
وفي الصحيح أن النبي (صلى الله علية وآله وسلم) قال:
(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، وذكر منها وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ).
وفي الأثر المشهور:
(لولا ثلاث ما أحببت البقاء في الدنيا ومنها مجالسة أخوة ينتقون أطايب الكلام كما ينتقون أطايب التمر ).
فكم من محروم حُرم الأخّوة في الله ؟
ومن الناس من حرُم أكل الحلال:
ومن ثم حٌرم إجابة الدعاء، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قالَ قال رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم):
( أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إن بما تعملون عليم، وقال : يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنا يستجاب لذلك).
كم من الناس حُرموا لذة الأكلة الحلال، وحُرموا بركة المال، وحُرموا صلاح العيال بسبب أكل الحرام من ربا وغشي وخداع وسرقة وحلف كاذب.
مسكين أنت أيها المحروم فربما أنك تركع وتسجد وترفع يديك بالدعاء فأنا يستجاب لك.
أيها الأخوة، أخشى أن نكون من المحرومين ونحن لا نشعر، فنحن نرفع أيدينا بالدعاء، ونلح على الله فيه، وربما سالت الدمعات على الخدين.
أنظر لحال المصلين ودعاء القنوت في رمضان، فربما لا نراء أثرا لدعائنا وبكائنا:
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).
( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ).
لنراقب أموالنا، ولنحرص على أكلنا وشربنا ولبسنا، وربما دُخلنا من إهمالنا في أعمالنا ووظائفنا.
فيا أيها المحروم:
إن لأكل الحلال أثرا عجيبا على القلب وراحته وسعادته.
إن لأكل الحلال أثرا كبيرا على صلاح الأولاد وبرهم بإبائهم.
بل إن لأكل الحلال أثرا كبيرا على سعة الرزق ونماء المال.
فكم من المحرومين بسبب المعاصي والذنوب ؟
ففي المسند من حديث ثوبان قالَ قال رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم):
( إن الرجل ليحُرم الرزق بالذنب يصيبه )8
فكم من المحرومين بسبب المعاصي والذنوب ؟
أنتبه أيها المحب، فليس كثرة المال عند بعض الناس دليلا على بركته، بل قد يكون شقاء على صاحبه، وكم سمعنا عن من ملك المال والقصور يعيش في تعاسة وهموم، وقد قال (صلى الله علية وآله وسلم) :
( إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا وهو مقيم على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا قول الله عز وجل: فلما نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون)9
وأسمع لأبن القيم رحمه الله وهو يقول عن أثر الذنوب والمعاصي:
( ومن عقوبتها – أي المعاصي والذنوب – أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم وبركة العمل، وبركة الطاعة وبالجملة تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقل بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق، قال تعالى: ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض. وقال تعالى :وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه. وإن العبد ليحُرم الرزق بالذنب يصيبه) انتهى كلامه رحمه الله.
ومن الناس من حُرم كثرة ذكر الله:
تهليلا وتسبيحا وتحميدا وتكبيرا فلسانه يابسا من ذكر الله، رطب ببذيء برديء الكلام والسباب واللعان - والعياذ بالله – وإذ أردت أن تعرف شدة الحرمان والخسارة للغافل عن كر الله فأسمع لهذه الآيات، وأسمع لهذه الأحاديث والربح العظيم فيها:
عن أي هريرة رضي الله عنه قال ( أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم) فقالوا: ذهب أهل الدثور (أي أهل المال الكثير) بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال ، يحجون ويعتمرون ويتصدقون)
فقال (صلى الله علية وآله وسلم) ( ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا بلى يا رسول الله.)
قال ( تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين).
قال أبو صالح الراوي عن أي هريرة لما سأل عن كيفية ذكرهن قال:
يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثين.10
وزاد مسلم في روايته ( فرجع فقراء الهاجرين إلى رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم) فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال (صلى الله علية وآله وسلم): ذلك فضل الله يأتيه من يشاء).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم) قال:
( من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثين، وحمد الله ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر).11
وعن سعد أبن أبي وقاص رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم) فقال:
( أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة فسأله سائل من جلساءه كيف يكسب ألف حسنة ؟ فقال (صلى الله علية وآله وسلم) يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة).12
والأحاديث في مثل هذه الفضائل كثيرة جدا ومستفيضة.
أسألك بالله أليس محروما من ترك مثل هذه الأذكار ؟
فمن منا لا يرغبُ أن تُغفرَ خطاياهُ وإن كانت مثل زبدِ البحر؟
ومن منا لا يرغبُ أن يكسبَ آلف حسنةٍ أو يحط عنه ألفُ خطيئةٍ؟
ولكن بعض الناسِ لم يسمع بهذه الأحاديثِ قط فضلا على أن يحرص على فضلها ؟
أليسَ هذا من الحرمان ؟
إنها كلماتٌ قصيرة في أوقاتٍ يسيرة مقابل فضائل كثيرة وهي سلاحٌ للمؤمنِ تحفظُه من شياطينِ الإنسِ والجان، وهيَ اطمئنان للقلب وانشراحٌ للصدرِ كما قال عز وجل :
( ألا بذكرِ اللهِ تطمئنُ القلوب ).
والله عز وجل يقول ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجر عظيما).
ولكن سبق المفردون، وتأخر وخسر المحرومون. المفردون هم الذاكرون الله كثيرا والذاكرات كما أخبر بذلك (صلى الله علية وآله وسلم) عند مسلم في صحيح.
فيا أيها المحرومُ من ذكرِ الله، أحرص على تلك الأذكار، لعلها أن تمحُ عنك السيئات، وإياكَ إياك وبذاءة اللسان، والسبَ وللعان فتزيدَ الطين بلة.
ومن الناس من حُرم السعادة الزوجية:
حُرم السعادةَ الزوجيةَ والعيشةَ الهنيئةَ، فهوَ لا يجدُ السكن النفسي، يعيشَ في قلقٍ واضطرابٍ، وشجارٍ وخصام، كم شكا هؤلاء لنا ؟ كم شكوا حياتِهم مع أزواجِهم وفي بيوتِهم ؟
يعيشُ بدونا مودةٍ ولا رحمةٍ، بدون لذة ولا متعةٍ، وبينَه وبين زوجِه وحشةً فلما كلُ ذلك ؟
قال بعضُ السلف - اسمع يا رعاك الله - قال بعضُ السلف :
( إني لأعصِ الله فأرى ذلكَ في خلقي دابتي وزوجتي).
أيها الزوجان:
ربما تحُرم السعادة الزوجية والراحة النفسيةَ بسبب الذنوبِ والمعاصي منكما أو من أحدكما.
انظرا إلى البيت وما فيه من وسائل فساد تغضب رب العباد.
انظرا إلى حرصكما على الفرائض والطاعات والاهتمام بها والصلاة في أوقاتها.
قفا مع بعضكما وستجدان أن السبب معصية الله لا شك.
قال الله تعالى : (وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير).
إنه ما من مشكلةٍ تقعُ بين زوجين إلا بمعصية أو ذنبٍ، فكم في البيوتِ من المحرومين بسبب معصيةِ ربِ العالمين ؟ وأقف هنا فقد سبق الحديث عن هذا الموضوع بدرسين بعنوان (السحر الحلال).
ومن الناس من حُرم بر الوالدين:
من المحرومين من حُرم برَ الوالدين والأنسُ بهما، والجلوسُ معهما وقضاء حوائجِهما، حُرم المسكينُ من فضلِ عبادةٍ قرنت بتوحيدِ الله عز وجل.
فقد ثنى بهما فقال: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وبالوالدين إحسانا ).
ويدل هذا على فضلهما وعظم القيام بهما، وأسمع يا من حُرمت برهما قال (صلى الله علية وآله وسلم):
( الوالدُ أوسطُ أبوابُ الجنةَ، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه)13
ويروى عن عبد اللهِ أبنُ المبارك أنه بكى لما ماتت أمهُ فقيل له فقال:
( إني لأعلمُ أن الموتَ حق، ولكن كان لي بابانِ للجنةِ مفتوحان فأغلقَ أحدُهما).
والنبيُ (صلى الله علية وآله وسلم) يقول :
( رغمَ أنفُ، ثم رغمَ أنفُ، ثم رغمَ أنفُ من أدركَ أبويه عند الكبرِ أحدُهما أوكلاهما فلم يدخل الجنة ).14
وقال (صلى الله علية وآله وسلم) (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)15
ومن برهما ميتين الدعاء لهما وزيارة صديقهما وإنفاذ وعدهما.
إن قصص العقوق التي نسمعها لينفطر لها الفؤاد أسى، وتذوب لها النفس حسرة.
أيها المحروم برهما إن العقوق من الكبائر، بل لا يدخل الجنة عاق، ويحُرم التوفيق في الدنيا، وربما عُجلت له العقوبة، وربما ابتلي بأولاده فالجزاء من جنس العمل.
أبو هريرةَ كان لا يخرج ولا يدخل حتى يسلم على أمة وكان يحملها وينزلها فقد كانت كبيرة مكفوفة.
وابنُ الحنفيةَ يغسلُ رأسَ أمهُ ويمشُطُها ويقبلُها ويخدمُها.
وكان علي أبنُ الحسين من أبرِ الناسِ بأمه، فكان لا يأكلُ معها فسأل فقال:
( أخاف أن تسبقَ عينُها إلى شيءٍ من الطعامِ وأنا لا أعلم به فأكلُه فأكونُ قد عققتُها).
وطلبت أم مسعرٍ من ابنها ماءً في ليلةً، فجاء به إليها فوجدها نائمةً.
فوقف على رأسِها حتى الصباح.
وسألَ عمرُ أبنُ ذرٍ عن برِ ولده به فقال:
ما مشى معيَ نهاراً قط إلا كان خلفي، ولا ليلاً قط إلا كان أمامي، ولا رقى على سطح ٍ أنا تحَته.
فنستغفرَ اللهَ حالِنا مع آبائِنا، ونعوذ بالله من الحرمان.
إليك أيها السامع هذه العناوين السريعة:
أنقلها لك من رسالة صغيرة بعنوان (أبناء يعذبون أبناءهم قصص واقعيه).
أبن يتهرب من المستشفى حتى لا يتسلم والده.
آخر يتخلص من أمه فيرميها بجوار القمامة.
آخر يأتي بأبيه الذي بلغ الثمانين إلى دار النقاهة ويقول خذوا أبي عندكم وإذا أردتم شيئا اصلوا علي.
وآخر يبخل على أمه بمائة ريال ثمنا لخاتم أعجبها، بل أخذ الخاتم ورماه على طاولة البائع.
وابنة تطرد والدة من منزلها.
وأخرى غضبت لأنها علمت أن والدتها ستعيش معها.
هذه عناوين لقصص واقعية، وتفاصيلها تدمي القلوب وتقرح الأكباد. فإن لله وإنا إليه راجعون.
نعوذ بالله من حال هؤلاء. محرومون ومعذبون في الدنيا والآخرة.
اللهم اغفر لنا ولوادينا وأجزهم عنا خير الجزاء.
اللهم أعنا على برهما، اللهم ارفع درجتَهم وأسكنَهم الفردوس الأعلى برحمتك يا أرحم الراحمين.
ومن الناس من حُرم حسن الخاتمة:
نسأل الله حسنها، عجيبٌ حالك أيها المحروم، إنك تعلمُ أن الموتَ حقٌ، وأنه نهايةُ الجميعِ، مع ذلك تصرُ على حالِكَ وأنت تسمعُ هذه الكلماتُ مراراً وتكرارا.
أيها الأخُ، أيتها الأخت، ليسَ العيبُ أن نخطأ، ولكن العيبَ الاستمرار على الخطأ.
أيهما تريدُ أن تموتَ على خيرٍ أو على شر؟
أقولُ هذا لأننا نرى ونسمعُ نهايةُ بعضِ المحرومين، نسأل الله حسن الخاتمة.
قال أبنُ القيم في الجواب الكافي :
( ثم أمرُ أخوفُ من ذلك وأدهى وأمر، وهوَ أن يخونَه قلبَه ولسانَه عند الاحتضارِ، والانتقال إلى الله تعالى فربما تعذرُ عليه النطق بالشهادةِ كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرين مما أصابهم ذلك.. إلى قوله وسبحان الله، كم شاهد الناس من هذا عبرا، والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم ).
ثم ذكر رحمه الله اليوم صورا لبعضهم منها :
قيل لبعضهم قل لا إله إلا الله فأخذ يهذي بالغناء.
وقيل لآخر قل لا إله إلا الله فقال كلما أردت أن أقولها فلساني يمسك عنها.
ونحن اليوم نشاهد ونسمع ونقرأ صورا كثيرة لسوء الخاتمة منها:
أن رجلا ذهب إلى أحد البلاد المعروفة بالفساد، وهناك في شقته شرب الخمر أعزكم الله، قارورة ثم الثانية ثم الثالثة، هكذا حتى شعر بالغثيان، فذهب إلى دورة المياه ليتقيأ.
أتدري أيها المحب ماذا حدث له؟
مات في دورة المياه، ورأسه في المرحاض أعزكم الله.
ومنها أن شابا كان لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، وكان لا يصلي أضاع طريق الهداية، وعندما نزلت به سكرات الموت قيل له قل لا إله إلا الله، يا لها من لحظات حرجة، كربات وشدائد وأهوال.
أتدرون ماذا قال: أخذ يردد أنه كافر بها. نسأل الله حسن الخاتمة.
ومنها أن شابا حصل له حادث على إحدى الطرق السريعة.
فتوقف بعض المارة لإسعافه فوجدوه يحتضر والموسيقى الغربية تنبعث بقوة من مسجل السيارة.
فأطفئوه وقالوا له قل لا إله إلا الله، فأخذ يسب الدين ويقول لا أريد أن أصلي، لا أريد أن أصوم ومات على ذلك والعياذ بالله.
يقول أحد العاملين في مراقبة الطرق السريعة، فجأة سمعنا صوت ارتطام قوي.
فإذا سيارة مرتطمة بسيارة أخرى، حادث لا يكاد يوصف، شخصان في السيارة في حالة خطيرة.
أخرجناهما ووضعناهما ممددين، وأسرعنا لإخراج صاحب السيارة الأخرى فوجدناه قد فارق الحياة.
عدنا للشخصين فإذا هم في حالة الاحتضار، هب زميلي يلقنهما الشهادة، لكنا اللسنتهما ارتفعت بالغناء، أرهبني الموقف، وكان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت.
أخذ يعيد عليهما الشهادتان وهما مستمران في الغناء، لا فائدة.
ثم بدأ صوت الغناء يخفت شيئا فشيئا، سكت الأول وتبعه الثاني. فقدوا الحياة لا حراك.
يقول لم أرى في حياتي موقفا كهذا، حملناهما في السيارة وقال زميلي إن الإنسان يختم له إما بخير أو بشر بحسب ظاهره وباطنه.
قال فخفت من الموت، وأتعضت من الحادثه، وصليت ذلك اليوم صلاة خاشعة.
قال وبعد مدة حصل حادث عجيب.
شخص يسير بسيارته سيرا عاديا، وتعطلت سيارته في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة.
ترجل عن سيارته لإصلاح العطل في أحد العجلات.
جاءت سيارة مسرعة فارتطمت بسيارته من الخلف، سقط مصابا إصابات بالغة فحملناه معنا في السيارة.
أتصلنا في المستشفى لاستقباله، شاب متدين في مقتبل العمر يبدو ذلك من مظهره.
عندما حملناه سمعناه يهمهم فلم نميز ما يقول، ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا سمعنا صوتا مميزا.
إنه يقرأ القرآن وبصوت ندي، سبحان الله، لا تقول هذا مصاب.
الدم قد غطى ثيابه وتكسرت عظامه، بل هو على ما يبدو على مشارف الموت.
أستمر يقرأ بصوت جميل، يرتل القرآن، فجأة سكت.
التفت إلى الخلف فإذا به رافعا إصبع السبابة يتشهد ثم انحنى رأسه.
قفزت إلى الخلف، لمست يده، قلبه أنفاسه لاشيء، فارق الحياة.
نظرت إليه طويلا، سقطت دمعة من عيني، أخبرت زميلي أنه قد مات.
أنطلق زميلي في البكاء، أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف.
أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثرا.
وصلنا إلى المستشفى، وأخبرنا كل من قابلنا عن قصته.
الكثير تأثروا، ذرفت دموعهم، أحدهم بعد أن سمع قصته ذهب وقبل جبينه.
الجميع أصروا على الجلوس حتى يصلى عليه.
أتصل أحد الموظفين بمنزل المتوفى، كان المتحدث أخوه الذي قال عنه:
أنه يذهب كل أثنين لزيارة جدته التي في القرية، كان يتفقد الأرامل واليتامى والمساكين.
كانت تلك القرية تعرفه، فهو يحضر لهم الكتب والأشرطة، وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين، حتى حلوى الأطفال كان لا ينساها.
وكان يرد على من يثنيه عن السفر، ويذكر له طول لطريق، كان يرد عليه بقوله إنني أستفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته، وسماع الأشرطة النافعة، وإنني أحتسب إلى الله كل خطوة أخطوها.
يقول ذلك العامل في مراقبة الطريق:
كني أعيش مرحلة متلاطمة الأمواج تتقاذفني الحيرة في كل اتجاه بكثرة فراغي وقلة معارفي، وكنت بعيدا عن الله، فلما صلينا على الشاب، ودفناه واستقبل أول أيام الآخرة، استقبلت أول أيام الدنيا، تبت إلى الله عسى أن يعفو الله عما سلف، وأن يثبتني على طاعته، وأن يختم لي بخير. انتهت القصة بتصرف من رسالة لطيفة بعنوان الزمن القادم.
قلت صدق ابن القيم لرحمه الله بقوله ( وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبرا، -أي من سوء الخاتمة- والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم).
أقولُ كيف يوفقُ لحسنِ الخاتمةِ من حُرم نفسَه الاستقامةَ والطاعةَ لله، فقلبُه بعيدٌ عن الله غافلٌ عنه، عبدٌ لشهوتِه وهواه، اللهم اجعل خير أعمالِنا خواتيمها، وتب علينا إن أنت التواب الرحيم.
وهذا موقف آخر، قال أبو عبد الله:
لا أعرف كيف أروي قصتي التي عشتها قبل فترة والتي غيرت مجرى حياتي كلها، والحقيقة أنني لم أقرر الكشف عنها إلا من خلال إحساسي بالمسؤولية اتجاه الله عز وجل، ولتحذير بعض الشباب الذي يعصي ربه، وبعض الفتيات الآتي يسعين وراء وهم زائف أسمه الحب، يقول:
كنا ثلاثة من الأصدقاء يجمع بيننا الطيش والعبث، كلا بل أربعة فقد كان الشيطان رابعنا، فكنا نذهب لاصطياد الفتيات الساذجات بالكلام المعسول ونستدرجهن إلى المزارع البعيدة، وهناك يفاجئنا بأننا قد تحولنا إلى ذئاب لا ترحم، لا نرحم توسلاتهن بعد أن ماتت قلوبنا ومات فيها الإحساس.
هكذا كانت أيامنا وليالينا في المزارع وفي المخيمات والسيارات وعلى الشاطئ.
إلى أن جاء اليوم الذي لن أنساه، ذهبنا كالمعتاد للمزرعة، كان كل شيء جاهز الفريسة لكل واحد منا، الشراب الملعون، شيء واحد نسيناه الطعام.
وبعد قليل ذهب أحدنا لشراء طعام العشاء بسيارته، كانت الساعة السادسة تقريبا عندما أنطلق.
ومرت الساعات دون أن يعود، وفي العاشرة شعرت بالقلق عليه.
فانطلقت بسيارتي أبحث عنه، وفي الطريق شاهدت بعض اللسنة النار تندلع على جانب الطريق، وعندما وصلت فوجئت بأنها سيارة صديقي، والنار تلتهمها وهي مقلوبة على حد جانبيها.
يقول أسرعت كالمجنون أحاول إخراجه من السيارة المشتعلة، وذهلت عندما وجدت نصف جسده قد تفحم تماما، لكنه كان ما يزال على قيد الحياة.
فنقلته إلى الأرض وبعدد دقيقة فتح عينيه وأخذ يهذي النار النار.
فقررت أن أحمله بسيارتي وأسرع إلى المستشفى.
لكنه قال لي بصوت باكي لا فائدة لن اصل، فخنقتني الدموع وأنا أرى صديقي يموت أمامي.
وفوجئت به يصرخ ماذا أقول له؟ ماذا أقول له؟
نظرت إليه بدهشة وسألته من هو ؟
قال بصوت كأنه قادم من بئر عميق، الله.
أحسست بالرعب يجتاح جسدي ومشاعري وفجأة أطلق صديقي صرخة مدوية ليلفظ أنفاسه الأخيرة.
ومضت الأيام لكنا صورة صديقي الراحل وهو يصرخ والنار تلتهمه: ماذا أقول له؟ ماذا أقول له ؟
وجدت نفسي أتسأل وأنا ماذا سأقول له ؟
وليتساءل كل محروم ماذا سيقول لله ؟
يقول ففاضت عيناي واعترتني رعشة غريبة، وفي نفس اللحظة سمعت المؤذن لصلاة الفجر ينادي:
الله أكبر، الله أكبر حيا على الصلاة.
أحسست أنه نداء خاص بي يدعوني لأسدل الستار على فترة مظلمة من حياتي، يدعوني إلى طريق النور والهداية، فاغتسلت وتوضأت وطهرت جسدي من الرذيلة التي غرقت فيها لسنوات.
أديت الصلاة ومن يومها لم يفوتني فرض واحد. انتهت من رسالة لطيفة بعنوان (للشباب فقط).
ولعلَ الكثيرين من المحرومين يتساءلونَ أين الطريقَ وما هو العلاج ؟
وأقولُ العلاجُ ما قالهُ النبي (صلى الله علية وآله وسلم) لسفيانُ أبنُ عبد الله حينما قال يا رسولَ الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنُه أحداً غيرَك؟
فقال له الرسولُ (صلى الله علية وآله وسلم) ( قل آمنتُ بالله ثم أستقم ).
فيا أيها المحروم ويا أيتها المحرومة:
لنقل كما قال (صلى الله علية وآله وسلم) آمنا بالله ثم لنستقم على طاعة الله ونؤديَ طلب الله عز وجل منا.
لزوم الصراط المستقيم من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة.
يظن بعض السامعين لهذا الكلام أن الاستقامةَ نفلٌ فمن أرادها كان مستقيماً ومن لم ير فلا بأس عليه.
وهذا مفهومُ خاطئ، فإن كلَ مسلمٍ مطالبُ بالاستقامةِ، قال تعالى:
( فأستقم كما أمرت ومن تاب معك ).
وثمرات الاستقامةِ ثمرا ت عظيمةٌ تدفع صاحبَها إليها إلى الالتزام بشرع الله ومجاهدة النفس.
يقول الحق عز وجل ( إن الذين قالوا ربُنا اللهُ ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن أوليائكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون، نزلا من غفور رحيم ).
ويقول عز وجل ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه، ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ).
كم من المحرومين المعذبين ؟ كم من المعذبات المحرومات ؟
من شبابنا ورجالنا وإخواننا وأخواتنا نسأل الله لهم الهداية.
لقد كان العرب في جوف الصحراء يعيشون في شظف حتى استقاموا على الطريقة ففتحت لهم الأرض التي يغدقون فيها الماء، وتتدفق فيها الأرزاق.
ثم حادوا عن الطريقة فسلبت منهم خيراتها استلابا.
والله يقول (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ).
وكلُ ما سبق أيها الحبيبُ من صورِ الحرمان إنما هو بسبب البعدُ عن الاستقامةِ، وينال الإنسان من الحرمان بقدر بعده عن طاعة الله.
أخي الحبيب، أيتها الأخت الغالية، قف مع نفسِك لحظاتٍ بعيداً عن الدنيا بذهبها ومناصبِها وقصورِها اجلس مع نفسكَ بعيداً عن الأصحابِ والأولاد.
أخلو بنفسك وأسألها لماذا أعيشُ ؟ وماذا أريد ؟ وما هيَ النهاية ؟
من أين أتيت ؟ وإلى أين سأذهب ؟
ولكن إياك أن تكون كذلك البائس المحروم، الشاعر النصراني الذي يقول:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمضيت
وسأبقى سائرا إن شئت هذا أم أبيت
كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟
لست أدري لست أدري.
إلى أخر تلك الطلاسم والأسئلة التي يثيرها في قصيدته ( حيرة وتردد).
ذهولا يشعر به المحرومون من نعمة الإيمان، أما نحن المسلمون المؤمنون فلا تقلقنا هذه الأسئلة ولله الحمد والمنة، فإننا نجد في ديننا الإجابة المفصلة عليه.
إننا نجد في قرءأننا وفي أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام الكلام الشافي الصادق عنها.
إن قرءأننا علمنا أننا نعيش لغاية وهدف:
( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون). فهل أنت تعيش لهدف أيها الأخ الحبيب ؟
وعلمنا أن كل شيء في حياتنا إنما هو لله:
( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له) فهل كل شيء في حياتك لله ؟
فلا تعملُ إلا ما يرضي الله، ولا نتكلمُ إلا بما يرضي الله، فلا نرضي إلا الله ولو سخطَ الناسُ كلُهم.
فنحن نردد كل لحظه : لا إله إلا الله.
ونعلم أن من عاش عليها صادقا مخلصا عاش عزيزا سعيدا.
وأن من مات عليها صادقا مخلصا مات شهيدا في جنة عرضها السماوات والأرض.
إذا فاسمع وأعلم أيها المحروم:
إن من يعيش لهدف ومبدأ يتحرك ويعمل ويركع ويسجد ويذهب ويجيء ويحرص على وقته، ولا يجعل دقيقة للفراغ، فإن الفراغ قاتل والعطالة قاتلة، وأكثر الناس هموما وغموما العاطلون الفارغون، إنك يوم تفرغ يدخل عليك الهم والغم والوساوس والهواجس، وتصبح ميدانا لألاعيب الشياطين.
أيها الأخ ويا أيتها الأخت:
أجعلِ الهم هما واحدا هم الآخرةِ، هم لقاء الله عز وجل، هم الوقوفِ بين يديه:
( يومئذٍ تعرضونَ لا تخفى منكم خافية ).
أجعل عملَك خالصاً لوجه الله، احرص على رضاء الله، لا تنتظرَ شكراً من أحد.
أيها الأخ ويا أيتها الأخت:
ماذا قدمتَ لنفسك، ومذا قدمتي لنفسكي ؟ والله يقول:
( وقدموا لأنفسكم واتقوا الله وأعلما أنكم ملاقوه )
إن من ركبَ ظهرَ التفريطَ والتواني نزلَ به في دار العسرةِ والندامةِ.
إذاً فأولُ العلاجٌ التفكير الجاد بطريق الاستقامة والالتزام، فكن صاحبَ هدفٍ، وكن صاحبَ مبدأ لتشعر بقيمة الحياة، وأجعل همكَ دائماً رضاء الله وحده لا رضاء غيره، وطاعةَ الله لا طاعةَ غيره.
ومن العلاج وأسباب الاستقامة:
إرادة الله الهداية للعبد قال تعالى: ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ).
وبعض الجهال والجاهلات يقولون: ماذا أفعل إذا لم يرد الله هدايتي؟
وأقول هذه شبهة نفسية ومدخل شيطاني لدى كثير من المحرومين، ولإجابة على هذا نقول:
لا بد من فعل الأسباب فأطلب الهداية، واسعي لفعل أسبابها وجاهد النفس، وسترى إن شاء الله النتائج، وهكذا كل أمر تريده لا بد معه من فعل الأسباب.
أتراك أيها المحروم إذا طلبت النجاح في الامتحان تدرس وتقرأ وتحفظ وتسهر، لو قلنا لك مثلا لا تدر ولا تقرأ ولا تسهر وإن كان الله أراد نجاحك فستنجح، أتوافق على هذا ؟ أتوافقين على هذا ؟
بالطبع لا، إذا لا بد من فعل الأسباب من ترك جلساء السوء، وترك وسائل الفساد والحرص على مجالس الصالحين وكثرة الذكر، والإلحاح بالدعاء بأن يفتح الله على قلبك، وأن يثبتك على طريق الحق.
إن رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم) كان يكثر في سجوده من قول:
(اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، فكيف بي وبك وبمن شابهنا من ضعاف الإيمان.
أدعو الله بصدق وبإلحاح أن يرزقك طريق الإستقامة.
وها أنت تدعو في اليوم أكثر من سبعة عشر مرة، إن كنت ممن يحافظ على الصلوات المفروضة تقول (اهدنا الصراط المستقيم )، ولكن مع الأسف بدون حضور قلب وبدون تدبر للمعنى.
فأصدق مع الله بطلب الهداية، وجاهد النفس فإن الله عز وجل يقول:
( واللذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
إذا فقبل مرحلةِ الهدايةَ لا بدَ من مرحلةِ المجاهدةِ وحبس النفس عن شهواتها، تذكر حلاوةِ الصلة بينك وبين الله يهن عليك مر المجاهدةِ، اعلم إن شرابَ الهوى حلو ولكنه يورث الشرق.
فاطلب الهداية من الله بصدق، واحرص على فعل أسبابها لعلك أن تشعر بالسعادة والراحة في الدنيا والآخرة.
وأسباب الهداية كثيرة لعلي ألخصها لك بالنقاط التالية، واحرص على فعلها:
- كن صاحب هدف وعش لمبدأ واعلم لماذا خُلقت.
- اعلم أن إرادة الله فوق كل شيء، لكنها في علم الغيب، فما عليك إلا أن تحرص على الخير وفعل الأسباب للوصول إليه، مع التنبه لحيل النفس ومداخل الشيطان.
- الإلحاح الشديد في الدعاء وكثرة ذكر الله.
- الحرص على مصاحبة الصالحين ونبذ أهل الفسق والفجور، فإنهم لا يهدئون حتى تكون مثلهم.
- مجاهدة النفس ومحاسبتها وهل أنت مستعد للموت أم لا.
- أتبع السيئة الحسنة تمحوها، وكل ما وقعت بذنب أو معصية أكثر من فعل الخيرات، تصدق وأطعم المساكين، صلي ركعتين، أحسن إلى الوالدين، أحرص على كل خير، فإن الله عز وجل يقول:
( إن الحسنات يذهبن السيئات ). والرسول (صلى الله علية وآله وسلم) يقول:
( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ).
- تب كل ما وقعتَ في ذنب أو معصية، وإياك، إياك من المللَ من التوبةِ ولو تبت من الذنبِ الواحدِ آلف مرةٍ، وأحذر من ضعف النفس وحيل الشيطان، فربما يحدُثك الشيطان أنك منافقٌ أو مخادعٌ لله بكثرةِ توباتك، والمهم أن تكون صادقا في التوبة والندم والإقلاع، وكلما رجعت للذنبِ بضعفٍ النفس أرجع للتوبة. قال الإمام النووي ( باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت التوبة).
وأنصحك بقراءة كتاب التوبة في صحيح مسلم لترى الأحاديث في عظم رحمة الله وفرحته بتوبة عبده، وهو غني عني وعنك وعن العالمين جميعا.
لكن إياك إياكَ والاغترار بسعة رحمة الله مع الإصرار على المعاصي، واعلم أن الله شديد العقاب كما أنه غفور رحيم.
والخلاصة أكثر من الاستغفار والتوبة، واعلم أن خير البشر حبيبنا وقدوتنا (صلى الله علية وآله وسلم) صح عنه أنه كان يستغفر الله في اليوم سبعين مرة، وفي رواية مائة مرة.
فكيف بي وبك أيها الحبيب على كثرة ذنوبنا وضعف نفوسنا.
فيا أيها الحب، يا أيها الأخوة، أيتها الأخوات:
لنكثر من التوبة مهما تكرر الذنب ففي الحديث المتفق عليه من حديث أبو هريرة أن الله عز وجل قال لذلك الرجل الذي تكرر منه الذنب فكرر التوبةَ فقال الُله له:
( علم عبدي أن له ربُ يغفر الذنبَ ويأخذَ به، غفرتُ لعبدي، غفرتُ لعبدي، غفرتُ لعبدي فليفعل ما شاء). وعن عقبة ابن عامر أن رجلا أتى النبي (صلى الله علية وآله وسلم) فقال :
( يا رسول الله إن أحدنا يذنب قال الرسول (صلى الله علية وآله وسلم) يكتب عليه، قال الرجلُ ثم يستغفر منه ويتوب قال يغفرُ له ويتابُ عليه، قال فيعودُ فيذنب، قال الرسولُ يكتب عليه، قال الرجل ثم يستغفر منه ويتوب، قال يغفرُ له ويتابُ عليه، قال فيعودُ فيذنب قال (صلى الله علية وآله وسلم) يكتبُ عليه ولا يملُ اللهُ حتى تملوا ). 16
فيا أخي الكريم:
إياك وإهمال التوبة مهما كانت معاصيك والمهم أن تكون جادا في التوبة صادقاً فيها.
أغلق أبواب الشيطان، وسد المنافذ، وافعل الأسباب وستجد أثر ذلك على قلبك.
حفظك الله ورعاك من كل سوء وأعانك ووفقك للتوبة النصوح.
أيها الأخ الحبيب، ويا أيتها الأخت الغالية:
لستي بعيدة ، وإنك قريب جدا، إن السعادةَ بالاستقامة وأنت قريب منها، المهم أن يكون عندك العزم والهم الصادق، قال ابن القيم في الفوائد ( أخرج بالعزمِ من هذا الفناءُ الضيق المحشو بالآفاتِ إلى ذلك الفناءَ الرحبِ الذي فيه ما لا عين رأت فهناك لا يتعذر مطلوب ولا يفقد محبوب ) انتهى كلامه.
فيا أيها المحب، أرجعِ إلى فطرتِك وإلى الخير في نفسك وستجد أنك قريب من الهداية والهدايةُ قريبةُ منك.
فإذا استقام على الهداية ركبنا…..يخضّر فوق هضابنا الإقدام
وترف أغصان السعادة فوقنا…..وتزول من اصقاعنا الأسقام
إن الدنيا بأموالِها ومناصبها وقصورها لا تستاهل قطرة دمع منك، حتى ولا هما أو زفرة من زفراتك.
فالرسول (صلى الله علية وآله وسلم) يقول ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيه إلا ذكر الله وما ولاه وعالما ومتعلما) 17.
والله عز وجل يقول (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ).
فيا أيها المحب:
إن نفسكَ غاليةً، وربما اليومَ أو غدٍ أو بعد غد قالوا مات فلان والموتٌ حق، ولكن شتانَ بين من مات على صلاحٍ وهدايةٍ وبين من مات على فسق وغواية، فإياك والغفلة وطول الأمل والاغترارَ بالصحة.
فكم من صحيح مات من غير علة……وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
ربما تضحك، وتسعد وتنام مسرورا، وقد لا تصبح:
يا راقد الليل مسرورا بأوله…….إن الحوادث قد يطرقنا أسحارا
فيا أيها الأخ، ويا أيتها الأخت: بادرا إلى الفضائل وسارعا إلى الصفات الحميدة والأفعال الجميلة، وكل ذلك بالأيمان الصادق بالله عز وجل.
.نسأل الله عز وجل أن يتوب علينا جميعا، وأن يغفر لنا جميعا، وأن يجعلنا من الصادقين الصالحين المصلحين.
اللهم تب علينا توبة صادقة نصوحا.
اللهم اغفر لنا وارحمنا برحمتك يا ارحم الراحمين
سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك.
أشهد أن لا إله إلا أنت.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
…………………………………………………………………
تم بحمد الله وفضله (اللهم اجعل هذا العمل خاصا لوجهك الكريم )
………………………………………………………………..
1//الترمذي والنسائي وأحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
2/ صحيح مسلم
3/ أحمد والدارمي والطبراني.
4/مسلم
5/ مسلم
6/ الترمذي
7/ ابن حبان وصححه االألباني.
8/ أحمد النسائي أبن ماجة أبن حبان والحاكم وصححه.
9/ احمد الطبري وابن ابي الدنيا، وقال الإلباني اسناده جيد.
10/نتفق عليه
12/مسلم
13/ الترمذي حسن صحيح
14/مسلم
15/متفق عليه
16/ الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري، ووفقه الذهبي، وأخرجه الطبراني.
17/الترمذي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق