الأحد، 5 سبتمبر 2021

المناهج الدراسية في الدول العربية بين الرتابة والحداثة و الكم والكيف و كيف نطور التعليم في الوطن العربي

 

المناهج الدراسية في الدول العربية بين الرتابة والحداثة و الكم والكيف و كيف نطور التعليم في الوطن العربي

لا يخفى على أي عاقل مدى الانحدار والبؤس الذي وصل له حال التعليم العربي ولا فرق في هذا بين مشرق ومغرب فتجد جميل الدول العربية على مختلف ثقافاتها وتعدادها السكاني وأوضاعها الاقتصادية قابعة خلف سائر الأمم في ركب الحضارة. حال التعليم العربي يحتاج للتغيير فوراُ وقد بحت الأصوات المنادية بتطوير منظومة التعليم ككل وكنا ومازلنا ننادي بتطوير التعليم العربي.

الملاحظ أن مناهج التعليم في
منطقتنا العربية تتميز بعدة مميزات وخصائص تجعلها مختلفة جذريا عن باقي مناهج التعليم في
دول العالم الآخر ولعل من أهم
 هذه
المميزات هو ما يلي:

أولا : تعتمد 90 من مناهج التدريس في
عالمنا العربي على الجانب النظري البحت الخالي من أي تطبيقات عملية.

ثانيا : الكثافة والحشو الغير
عاديين، ففي مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية مثلا تنقسم المادة إلى عدد
كبير جدا من التفريعات والتشعبات وهذا بحد ذاته يشكل عبئاً إضافياً كبيراً على الطالب
أثناء التحصيل والمذاكرة.

ثالثا : اعتماد تلك المناهج على

الكتاب المدرسي بصورة أساسية وعدم وجود وسائل أخرى حديثة للتعليم مثل القاعات
الصوتية الخاصة بتعليم اللغات أو مختبرات الحاسب الآلي والعلوم التطبيقية أو
الصالات المخصصة لممارسة الأنشطة الرياضية، وإن وجدت فهي إما معامل قديمة خالية من
المواد والأجهزة أو معامل لا تلبي الحد الأدنى من الغرض الذي وضعت لأجله.

نظرة نقدية وتصحيحية لمناهج
التعليم في عالمنا العربي

الملاحظ أن أغلب مناهج وكتب العلوم
الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء تقوم بالتركيز على تاريخ العلوم في معظم
فصولها وكيف تطورت الاكتشافات وكيف وصل العالم الفلاني إلى نتائجه وكيف أثبت
نظرياته في إهمال واضح للمادة العلمية الحديثة لذاتها.

فعلى سبيل المثال، نعلم أن اكتشاف

الذرة مر بمراحل عديدة وانه قد تم وضع نماذج كثيرة للذرة في الماضي القريب وأن
عشرات بل مئات العلماء ساهموا في وضع تلك النماذج وطوروها حتى وصلنا إلى النموذج
الأخير والتصور الحقيقي لماهية الذرة وطبيعتها.

السؤال الذي يطرح نفسه.. ما الداعي
لحشو رؤوس الطلاب بتلك المقدمات التاريخية المملة والمفصلة عن تاريخ تطور
الاكتشافات الخاصة بالذرة ؟ والتي يكلف الطالب بحفظها واسترجاعها أثناء أداء
الامتحانات .. لماذا لا يبدأ الكتاب بشرح الذرة من حيث انتهت الأبحاث العلمية
الحديثة بشكل مباشر وبدون مقدمات تاريخية ثقافية يستطيع الطالب الإطلاع عليها متى
شاء بوسائل أخرى خارج إطار المدرسة؟ لماذا لا نركز على المخرج النهائي للعلوم
ونبني عليه، وقس على ذلك مواد الفيزياء والأحياء التي أصبحت في فصول كثيرة منها
مواد تدرس تاريخ العلوم أكثر من العلوم نفسها.

ثم إذا انتقلنا سريعاً بنظرة فاحصة
وشاملة للمواد الدينية (التربية الإسلامية والقرآن الكريم) في معظم الدول العربية
على اختلاف في بعض التفاصيل والتفريعات الخاصة بتلك المادة ولنأخذ النموذج الخليجي
على سبيل المثال، حيث يقوم الطالب غالباً بدراسة المواد التالية تحت مسمى (التربية
الإسلامية)

أولا : القرآن الكريم وعلومه
ويشتمل على : الحفظ والتفسير والتجويد.

ثانيا : التربية الإسلامية وتشتمل
على : السيرة النبوية والحديث الشريف وأحكام الفقه ثم العقيدة والإيمان.

يقوم الطالب بحفظ كثير من سور
القرآن خلال سنوات دراسته الابتدائية والإعدادية والثانوية المقررة عليه في المنهج
ثم سرعان ما ينساها ويطويها الزمن بعد أن يجتاز بها الامتحانات ويحصل على شهادة
النجاح والانتقال إلى مرحلة أعلى، أي أن المخرج التعليمي التراكمي لهذه المادة هو
(صفر).

يقوم الطالب أيضا بدراسة مادة
(التجويد) بالتوازي ويتعرف على جميع أحكام التجويد وتفرعاته وأساسياته ومسمياتها
ويحفظها عن ظهر قلب، لكنه يعجز تماما عن تطبيقها عمليا، لأن هذه حقيقة وجوهر هذه
المادة هو أنها تطبيق عملي بحت تكتسب بالتلقين والاستماع وليس بالتشريح ومعرفة أدق
التفاصيل الأدبية والكتابية لها، ويكون المخرج التعليمي التراكمي لهذه المادة أيضاً (صفر).

ثم تأتي مادة (الحديث الشريف)
والتي تعتمد أيضا على حفظ بعض الأحاديث عن ظهر قلب وتشمل عملية الحفظ أيضا السند
والراوي، أي أن الطالب يكلف بسرد الحديث كاملا مع سنده، وهذه عملية مجهده للغاية
يضيع في ثناياها مقصد الحديث وجوهره وتجعل الطالب يركز على النص والسند وحفظ بعض
المفردات الصعبة ثم يكون مصيرها النسيان بعد أداء الامتحانات، ويكون مخرج هذه
المادة التراكمي أيضا (صفر).

بعدها يكلف الطالب بدراسة بعض
أحكام الفقه الإسلامي صغيرها وكبيرها بدءاً بأحكام الزواج والطلاق وانتهاءً بأحكام
البيع والشراء بكامل تفاصيلها وجزئياتها وكأنه يتم إعداد الطلاب ليصبحوا قضاه
شرعيين فتكون النتيجة حمل وعبء ثقيل على كاهل الطالب يحاول معه غالبا استخدام
وسيلة الحفظ المجرّدة للتعامل مع كل هذه الأحكام والتشريعات الفقهية لكي يجتاز
الامتحان بنجاح.

ثم إذا ما تحدثنا عن مادة اللغة العربية
بقواعدها وأدبها ونصوصها وبلاغتها ونحوها وصرفها وعروضها وقافيتها فإننا ندخل في
عالم آخر من التيه والتشعب الذي يصب على رؤوس الطلبة فتكون وسيلتهم الوحيدة في
التعامل معه هي الحفظ ويكون المخرج النهائي التراكمي لها كسابقاتها (صفر).

نلاحظ مما تم سرده أعلاه أن أغلب
تلك المناهج تهتم بالكم وليس بالكيف ومن وجهة نظري الشخصية أرى أنه يجب إعادة طرح
تلك المواد بطريقة أخرى تضمن الحفاظ على جوهرها وتخفف عن الطالب بعض العبء الملقى
على عاتقه في مسألة دراستها ويكون مخرجها النهائي إيجابياً ومطبقاً بشكل عملي بعد أن
ينهي الطالب دراسته، وسأقوم هنا بوضع بعض المقترحات التي قد تساهم بشكل أو بآخر في
تحسين عملية إعداد ووضع المناهج الدراسية في دولنا العربية.

 

أولاً : يتم إنشاء روضات أطفال تشبه
إلى حد كبير (الكتاتيب) في المساجد تكون تحت إشراف وزارة التربية والتعليم أو
وزارة الأوقاف والشؤون الدينية يلتحق بها الطالب ابتداءً من سن الرابعة وحتى سن
السابعة أي لمدة ثلاث سنوات تكون بمثابة التمهيد المبكر ويكون التدريس فيها عملياً بحتاً بأسلوب التلقين ويدرس فيها المواد التالية:

-      
الحروف
الأبجدية ويكون ذلك بالتلقين مع الاستعانة بسبورة أو جهاز بروجكتر لعرض الحروف
وأشكالها أمام الطلاب مع مبادئ القراءة والكتابة الميسرة على مدى ثلاث سنوات كاملة.

-      
يحفظ
الطالب خلال مدة دراسته في (الروضة الكتّابية) ثلاث أجزاء من القرآن الكريم فقط عن
طريق التلقين والاستماع بمعدل جزء واحد كل سنة ويكون هذا الحفظ بأحكام التجويد في
تطبيق عملي دائم لا يقوم بتشريح أو تسمية أو حفظ أي من قواعده.

-      
يتعلم
الطالب بعض الأحكام الشرعية كالوضوء والصلاة والصيام بشكل عملي إضافةً إلى بعض
الآداب والأخلاق الإسلامية الحميدة.

 
يتعلم
الطالب الأرقام العربية (
1234) وليس الأرقام الهندية إضافة إلى مبادئ الحساب من جمع وطرح
فقط.

يتوقع من الطالب بعد إكمال مرحلة
(الروضة الكتّابية) أن يكون مؤهل بشكل عملي لدخول المدرسة الأساسية والتي ينبغي أن
تكون مناهجها قد أعدت إعداداً يتوافق وينسجم مع ما تم دراسته في الروضة الكتّابية
بعيدا عن الحشو والتفريع ويركز بشكل كبير على التطبيق العملي في جميع المواد المقررة.

فمثلاً .. يتم اختصار المواد
الدينية في كتاب واحد يسمى (ثقافة إسلامية) يشمل تعليم الأخلاق والشعائر والأحكام
في آن واحد معا مراعيا التركيز على الأساسيات التي تناسب عمر الطالب ويبتعد عن
الأحكام التخصصية المعقدة كالزواج والطلاق وأركان وسنن الحج، وغيره من الأحكام
التي تخص الكبار، يتم أيضا دمج مادة السيرة النبوية في مادة التاريخ كونها جزء
أصيل منه.

يتم اختصار مواد اللغة العربية
أيضا في كتاب واحد فقط يشمل النحو والأدب والقراءة بطريقة علمية يتم فيها ربط ودمج
كل تلك التفريعات ببعضها البعض في قالب يعتمد على التطبيق العملي للغة وليس
تشريحها وحفظ مسمياتها، وتستبدل العبارة التقليدية الشهيرة "أعرب الجملة
التالية" بعبارة "تحدث أو انطق الجملة التالية بشكل سليم.

يتم تعليم مادة اللغة الانجليزية
داخل المختبر الصوتي بشكل عملي حديث يضمن للطالب إتقانها في وقت يسير بعيدا عن الكتب
النصية المملة ويفضل أن تتعاقد الدولة مع مدرسين أجانب للقيام بهذه المهمة في إطار
التبادل الثقافي.


التربية البدنية

تعتبر هذه المادة الحساسة جزءاً أصيلاً وأساسياً في نظام التعليم الحديث في الدول المتقدمة منطلقها الأساسي (العقل السليم
في الجسم السليم) ولكن للأسف ما زالت هذه المادة قرينة بملعب الكرة فقط ، فحصة
الرياضة معناها كرة القدم وفقط، والواجب أن تتنوع الأنشطة الرياضية ويتم اكتشاف
المواهب في كل لعبة، والاهتمام بالرياضة يستدعي توفير أدواتها من ملاعب وصالات
وملابس خاصة يعيش معها الطالب جو المرح والمنافسة ويقوم خلالها بتصفية عقلة وتنظيف
أفكاره المتراكمة أثناء الدراسة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق