إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ
تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا
وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ
اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا
* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أمـا بعـد :.
فإن المرأة مُخاطَبَةٌ – غالباً – بما يُخاطَب به الرجل في الكتاب والسّنة ،
وإن ورد الخطاب بلفظ التّذكير .
قال ابن القيم : قد استقر في عرف الشارع أن الأحكام المذكورة بصيغة المذكَّرين
إذا أطلقت ولم تقتـرن بالمؤنث فإنـها تتناول الرجال والنساء ؛ لأنه يُغلّب
المذكَّر عند الاجتماع ، كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة:183] اهـ.
ولما كان الأمر كذلك فإنه يجب على المرأة – عموماً – ما يجب على الرجل ، إلا
فيما اختصّ به الرجل .
فالمرأة مُخاطبةٌ بالإيمان بالله وملائكته وكُتُبه ورسله واليوم الآخر والقدر
خيره وشرِّه
وهي مُخاطبةٌ بأركان الإسلام ( الشهادتين ، والصلاة والصيام والزكاة والحج )
إلا أنه خُفِّفَ عنها في الصلاة فتسقط عنها حال الحيض والنفاس ، وخُفِّفَ عنها
في الصيام فتُفطر حال العذر وتقضي ، وخُفِّفَ عنها في الحج فلا تُطالَب بأداء
الحج - ولو كانت مستطيعة - ما لم يكن هناك مَحرَم يَحفظها ويَرعى شؤونـها .
وخُفِّفَ عنها في الجهاد ، فقد استأذنت عائشةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في
الجهاد ، فقال : جهادكن الحج . رواه البخاري .
والمرأة إذا آمنت بالله وأطاعت ربّـها كان لها الجزاء الأخروي ، فقد ذُكِرَتْ
مع الرجل في مواطن بيان الجزاء في الآخرة .
قال تبارك وتعالى : ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ
أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ
يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) [النساء:124]
وقال جل جلاله :
( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ
مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) [النحل:97] .
وقال عز وجل : ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ
حِسَابٍ ) [غافر:40].
ومِنْ هنا كان على المرأة المسلمة واجبات ، وعليها حقوق .
فمن واجبات المرأة :
أن تؤذّي الصلاة في وقتها ، إلا أنه خُفِّف عنها في حضور الجماعة ، فلا تجب
عليها ، بل إن صلاتـها في بيتها أفضل .
ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لغير عذر ، فإن مَن تَرَكَ صلاةً واحدة من غير
عذر فقد برئت منه الذمة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تشرك بالله شيئا وإن
قطعت وحرقت ، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا ، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه
الذمة ، ولا تشرب الخمر فإنـها مفتاح كل شَـرّ . رواه ابن ماجه ، وحسّنه
الألباني .
وأداء الصلاة على أول وقتها مِن أفضل الأعمال وأحبِّها إلى الله .
فقد سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحبُّ إلى الله ؟ قال :
الصلاة على وقتها . رواه البخاري ومسلم .
وبعض النساء تؤخِّر الصلاة حتى يخرج وقتها ، وإذا كان هذا بغير عذرٍ شرعي
فإنـها تُـردّ على صاحبها ، لقوله سبحانه وتعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء:103].
وبعض النساء تؤخّر الاغتسال بعد الطُّهر يوم أو يومين وأحياناً ثلاثة ، فتجلس
هذه الأيام لا تُصلي وهي قد طهُرت ، فما عذرها أمام الله ؟
والواجب عليها المبادرة إلى الاغتسال بعد الطهر ثم تصلي الصلاة التي عليها ،
ولو كان الأمر في شيء يتعلّق بالمرأة كَحَقٍّ من حقوقها لما رَضِيَتْ بتأخيره
أو نقصه أو بخسه فهي لا ترضى أن يُخصم عليها شيء من راتبها إذا كانت مُعلّمة ،
ولا يُنقص شيء مِنْ درجاتها إن كانت طالبة ، ولا يُقصّر في شيء من حقوقها إن
كانت زوجة ، بينما هي تٌقصِّر في حقّ ربِّها ، وفي فريضة من أعظم الفرائض ، بل
هي أعظم الفرائض بعد الشهادتين .
ومما يجب على المرأة المبادرة بقضاء رمضان إن كانت أفطرت منه شيئاً ، ولا
تؤخّره إلى رمضان القادم .
وتجب عليها الزكاة في مالِها إن كان لها مال وبلغ النصاب وحال عليه الحول .
ومتى ما وَجَدتْ المال والمَحرَم وأمن السبيل وجب عليها المبادرة إلى الحج .
ومما يجب على المرأة – وتغفل عنه كثير من النساء – الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، ويتأكّد هذا الأمر بين بنات جنسها .
فقد كانت نساء الصحابة يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر بين بنات جنسهن ، بل
وحتى في حق الرجال .
رأت عائشة على امرأة بُرْداً فيه تصليب ، فقالت : اطرحيه اطرحيه ، فإن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى نحو هذا قضبه . رواه الإمام أحمد . ومعنى قَضَبَه : أي قطعه
.
وما أكثر الملابس التي فيها صُلبان ، وواجب المسلمة أن تأمر بإزالته ، وتُبيّن
هدي النبي صلى الله عليه وسلم تجاه هذا الأمر ، كما فَعَلَتْ عائشة رضي الله عنها .
فتُبيّن الحكمة إن عُلِمَتْ ، وتوضّح الدليل إذا وُجِدَ .
ومن ذلك أنه قيل لعائشة رضي الله عنها : إن امرأة تلبس النعل ، فقالت : لعن
رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء . رواه أبو داود وهو حديث صحيح .
ودخلت مولاة لعائشة عليها فقالت لها : يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت
الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت لها عائشة رضي الله عنها : لا آجرك الله . لا
آجرك الله تدافعين الرجال ! ألا كبّرتِ ومررتِ . رواه البيهقي والشافعي .
وأنكرت قَشْرَ الوجه ، فقالت : يا معشر النساء إياكن وقشر الوجه . رواه أحمد .
ولما دَخَلَتْ نسوةٌ من أهـــل الشام على عائشة رضي الله عنها قالت : لعلكـن
مـن
الكُورة - أي البلدة - التي تدخل نساؤها الحمام ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيما
امرأة وضعت ثيابـها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستـرها فيما بينها وبين الله عز وجل .
رواه الحاكم ، وهو حديث صحيح .
فدلّ هذا على حُرمة وضع الثياب في غير بيت الزوج ، كَمَنْ تضع ثيابـها عند "
الكوافيرة " وفي المَشاغِل ومن ثم تبدو العورات ، وتُهتك الأستار التي بين
المرأة وبين الله عز وجل .
ومثله المسابح والأندية الرياضية والمراكز الاجتماعية ونحوها .
ويلحق به التّهتّك في قصور الأفراح ، فتأتي المرأة وما ظهر منها أقل مما سُتِر
، فيظهر الصدر والظهر وأحياناً أجزاء من البطن وأما ظهور الساقين وأحياناً
الفخذين فحدّث ولا حرج ، فانتشر بين النساء ما يُسمّى بـ " العاري " ، وهذا فيه
أكثر من محذور شرعي : أولاً : أن هذا هو اللباس الكاسي العاري .
ثانياً : أن هذا من وضع الثياب في غير البيت .
ولا شك في تحريم هذا النوع من اللباس ولو كان بين النساء .
إن عورة الرجل مع الرجل ما بين السُّرة إلى الركبة ، ومع ذلك لو خرج رجل يُريد
الصلاة وليس عليه إلا سروالاً يستـر ما بين السرة والركبة ، لعُدّ هذا من
السَّفَه وقلـةِ
العقل .
وهنا أودُّ التنبيه على أمر قد يقول به بعض الناس ، وشبهةٌ قد تُثار بين حين
وآخر ، وهو قول بعضهم : إن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل .
فهذا قول على الله بغير علم ، فليس عليه أثارةٌ من علم ، ولا رائحةٌ من دليلٍ
ولو كان ضعيفاً ، يعني ليس هناك حديث سواء صحيح أو ضعيف يقول : إن عورة المرأة
مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل .
فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : المرأة عورة . فإنه لا يُستثنى من هذا الدليل
الصحيح إلا بدليل صحيح ، ومن استثنى بغير دليل فقد تحكّم برأيه ، وخالف
السُّنّة .
ثم إن الله لما ذَكَرَ الزينة وما يظهر منها للمحارم قَرَنَ المحارم مع النساء
، فدلّ على أن ما يجوز أن تُظهره المرأة للمرأة ما يظهر عادة أمام النساء
والمحارم ، وهي مواضع الزينة
والوضوء ، وما عداها فهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : المرأة عورة . رواه الترمذي
وغيره
ومما يدلّ على ذلك أيضا أن عورة الأَمَـة على النصف من عورة الحُرّة ، ويُوضّحه
قوله صلى الله عليه وسلم : إذا زوج أحدكم خادمه – عبده أو أجيره – فلا ينظـر إلى ما دون السرة
وفوق الركبة . رواه أبو داود وغيره ، وهو صحيح .
فهل إذا قيل إن عورة الحُرّة مع الحُرّة كعورة الرجل مع الرجل ، هل يعني هذا أن
تُظهر الأَمَـة جميع عورتها أمام النساء ؟ أو تستـر السوءة المغلّظة فقط ؟
هذا لا يقول به عاقل .
والإماء هنّ اللواتي كُنّ يُظهرن شيئاً من أجسادهن ، فهل هانت بنات الرجال ،
وكرائم الحرائر حتى يتشبّهن بالإماء ؟
إن عمرَ رضي الله عنه كان يَضرِب الإماء إذا تَشبّهنَ بالحرائر ، واليوم كم مِن الحرائر
مَنْ تحتاج دِرّة عمر لتشبُّهها بالإماء ؟!
قال البيهقي : والصحيح أنها لا تبدي لسيدها بعدما زوّجها ، ولا الحرة لذوي
محارمها إلا ما يظهر منها في حال المهنة . اهـ
وهكذا كان لباس نساء الصحابة في البيوت ،كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية
ومما يجب على المرأة غضّ بصرها وحفظ فرجها ، والبعد عن أسباب الوقوع في الفاحشة
والرذيلة .
فالمرأة المسلمة مخاطَبةٌ بذلك ، من أجل ذلك قال الحق سبحانه : (وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )
وقد ختم الله الآية بالخطاب للمؤمنين عامة ، فقال : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ
جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
والتّبرج من أسباب الطرد من رحمة الله والبعد عن الجنة ، لقوله صلى الله عليه
وسلم : خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية ، إذا اتقين الله ، وشر
نسائكم المتبرِّجات المتخيِّلات ، وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل
الغراب الأعصم . رواه البيهقي ، وهو صحيح .
والأعصم الذي في يديه بياض ، أو في إحدى يديه .
فدلّ هذا على أن غضّ البصر سبب لحفظ الفرج ، والبعد عن أسباب الافتتان بالرجال
، فإن المرأة خُلِقَتْ من الرجل ، وجُعِلَتْ نِهـمتها فيه ، كما قال ابن عباس .
ولذا يجب على المرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب .
وهذا مما تساهل فيه كثير من النساء ، خاصة أمام أبناء العم والخال ونحوهم ، ولا
يجوز للمرأة أن تكشف إلا لمحارمها ، وهم الزوج ومَنْ يحـرم عليها الزواج بـهم .
وهم الذين ذَكَرَهم الله في قوله : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ
آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ
أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ
نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ
أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا
عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا
يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
فهؤلاء يجوز للمرأة أن تكشف لهم ، أما من عداهم فلا يجوز أن تكشف لهم .
ومما تساهلت فيه كثير من النساء لبس البرقع أو النقاب الواسع ، والذي يَفتِن
أكثر مما يَستر ، والمقصود من الحجاب الستر والبعـد عن الريبة ، فإن المرأة إذا
احتجبت وتستّرت لم يكن فيها مطمع لأصحاب النفوس المريضة .
بخلاف ما إذا أظهرت عينيها فإنـها تُنادي على نفسها ، ولو كانت حَسَنَة
النـيَّـة .
فتبتعد المسلمة المصونة العفيفة عما يجلب لها الشر ، وما يُوقعها في مهاوي
الردّى .
وقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم دخول قريب الزوج على زوجة قريبِــه بالموت ،
فقال : إياكـم والدخولَ على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله
أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت . رواه البخاري ومسلم .
والحمو هو قريب الزوج ، لأنه يَدخل بيت قريبه من غير نكير .
هذا إذا كان قريب الزوج ، فكيف بغيره ؟
ويجب على المرأة طاعة والديها وطاعة زوجها في غير معصية الله .
كما يجب على المرأة أن لا تَرضى بأن تُساوَم على دينها ، فتتعلّم وتعمل في حدود
عمل المرأة ، لا أن تتعلّم لتعمل ثم تتمرّد على خالقها وتنبذ دينها وراء ظهرها
.
وقد اجتمع سفير الدولة العثمانية في بـلاد الإنجليز مع كبراء الدولة ، فقال أحد
الكبراء للسفير : لماذا تُصرّون أن تبقى المرأة المسلمة في الشرق الإسلامي
متخلِّفة معزولة عن الرجال محجوبة عن النور ؟! فردّ السفير العثماني – بذكاء
وسرعة بديهة - : لأن نسائنا المسلمات في الشرق لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن
! فخجل الرجل وسكت وبُهِت الذي كفر .
قال جول سيمون : يجب أن تبقى المرأة امرأة ، فإنـها بـهذه الصفة تستطيع أن تجد
سعادتـها ، وأن تـهبها لسواها .
ومعنى أن تبقى المرأة امرأة ، أن تبقى كما خلقها الله ، ولأجل المهمة التي
وُجِدت من أجلها .
ويعني أن لا تتدرج المرأة في أعمال الرجل ، فإنـها بذلك تفقد أنوثتها ورقّتها
التي هي
زينة لها .
وخلاصة القول في مسألة عمل المرأة – العمل الذي يُخرجها عن أنوثتها إلى مخالطة
الرجال ، والقيام بأعمالهم – ما قاله الفيلسوف الألماني شوبنهور : اتركوا
للمرأة حُريّتها المطلقة كاملة بدون رقيب ، ثم قابلوني بعد عام ! لِتَـرَوا
النّتيجة ، ولا تنسوا أنكم سَتَرْثُون معي للفضيلة والعِفّة والأدب ، وإذا ما
متّ فقولوا : أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة
إن اللطيف الخبير ركّب المرأة في صورة لا تصلح إلا لها ، وركّب الرجل في صورة
لا تصلح إلا له ، بل ذلك مُشاهدٌ في كلِّ ذكرٍ وأُنثى .
فإذا كان هناك من الرجال من يتكسّر في مِشيته ويخضع في قوله عُدّ هذا خلاف
الفطرة التي فطر اللهُ الناس عليها ، وعُدّ من التخنّث الذي يأباه كرام الرجال
.
وفي المقابل إذا كان هناك امرأة تتطبّع بطباع الرجال ، وقد اخشوشنت عُد هذا
خلاف الفطرة ، وعُدّ من التّرجل الذي لُعِنَتْ فاعلته .
وقد أُجريَ استفتاء في إنجلترا عن المرأة العاملة فكان من نتائجه :
أن الفتاة الهادئة هي الأكثر أنوثة ، لأنها تُوحي بالضعف ، والضعف هو الأنوثة !
أن الأنوثة لا يتمتّع بها إلا المرأة التي تقعد في بيتها .
وما ذلك إلا لأن المرأة الغربية تمرّدت على خالقها وصادَمَتْ فطرتها وسَبَحَتْ
عكس
التيار ، فَجَنَتْ يداها ما غَرَسَته لها المدنية والحضارة .
وكم هي صيحات النساء الغربيات بل وعقلاء الرجال عنهم يُنادون بحياة شرقية
للمرأة الغربية ( يعني مثل حياة المرأة المسلمة ) ، والمرأة المسلمة تُنادي أو
يُنادى لها أن تتطور وتتحضّر لتُصبِحَ مثل المرأة الغربية .
عجيب أن يُراد لنا أن نبدأ من حيث بدأ الآخرون ، ونسلك الطرق المظلمة التي
سلكوا ، ونشرب من الماء الآسن الذي منه شربوا ، وصدق المصطفى المعصوم ، والصادق
المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر
وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لسلكتموه . قالوا : يا رسول الله اليهود
والنصارى ؟ قال : فمن ؟ رواه البخاري ومسلم .
وتخصيص جحر الضب – والله أعلم – لأنه أشد الجحور التواء وانحداراً ، مع ما فيه
من الهوامّ وذوات السّموم .
فلا مانع أن تتعلّم المرأة وتعمل في محيط النساء ، وليس من شرط التعليم أن تعمل
المرأة ، بل إذا تعلّمت علّمتْ أولادها ، وربما علّمت أسرَتها ، فكم من الأمهات
لا يُحسنّ الصلاة ، ولا قراءة الفاتحة وبناتهن في المدارس والجامعات !
فَلِمَ تتعلّم الفتاة ؟
هل تتعلّم لتُكثر من حجج الله عليها ، كما قالت عائشة رضي الله عنها .
يعني أن تُقيم الحجة على نفسها أمام الله ثم لا تعمل بما عَلِمَتْ ، بل تتعلّم
وتُفني عمرها وتؤخّر زواجها لتحصل على الشهادة التي تؤهّلها إلى الوظيفة فحسب .
وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تزولا قدما عبدٍ حتى يُسأل عن
علمه ماذا عَمِلَ به ؟
وهذه الفترة – أعني فترة الشباب – هي المرحلة الذهبية من عمُرِ الإنسان ، ولذا
فإنه يُسأل يوم القيامة عن عمره فيمَ أفناه ، وعن شبابه فيمَ أبلاه . كما أخبر
بذلك مَنْ لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم .
وإن كانت مرحلة الشباب داخلة في العمر ، إلا أنها لما كانت مرحلة القوّة
والاكتساب كان السؤال عنها خاصة .
فيجب على المسلمة أن تلتزم بشرع ربها وخالقها وباريها وفاطرها ، فهو سبحانـه
الذي خَلَقَ الخلق ، وهو سبحانه أعلم بما يُصلح أحوالهم .
قال عز وجل : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)
[الملك:14].
والله سبحانه هو الذي شَرَعَ هذه الشريعة ، وأمر بالتمسك بها ، فلا صَلاح
للأمّة إلا بالتّمسك بها ، والعمل بمقتضاها .
ومما يجب على المسلمة أن تبتعد عن مواطن الريبة ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم
أخبر أن أبغض الأماكن إلى الله الأسواق ، وأن المرأة إذا خَرَجَتْ استشرفها
الشيطان ، وأن بيتها خيرٌ لها ، فيكون خروجها للسوق ونحوه بقدر حاجتها ، ويكون
بوجـود مَحـرَم لها ، لا أن تكون خرّاجـة ولاّجة تطوف الأسواق ، وتتعرّف على كل
جديد كل يوم ، بل ربما كل صبح ومساء .
ثم إذا خرجت المرأة مِن بيتها فإنها لا تخرج متطيبة ولا متجمّلة ، إذ المقصود
من الحجاب الستـر والحشمة والبعد عن الريبة ، لا لَفْْتَ الأنظار إليها سواء
بشكل العباءة أو عطوراتها الفوّاحة ، والأمر في غاية الخطورة ، وهو من الإثم
بمكان ، لقوله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة استعطرت مرّتْ على قومٍ ليجدوا
رِيحها فهي زانية . رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح
ولذا لما لَقِيَتْ امرأةٌ أبا هريرة فوجد منها ريح الطيب ينفح ، ولذيلها إعصار
– يعني غبار - قال : يا أمة الجبار جئت من المسجد ؟
قالت : نعم .
قال : وله تَطَيّبْتِ ؟
قالت : نعم .
قال : إني سمعت حِبِّي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : لا تُقْبَلُ صلاةٌ
لامرأةٍ تطيبت للمسجـد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة ؛ فاذهبي فاغتسلي .
رواه لإمام أحمد وغيره ، وهـو حديث صحيح .
وقد أُمِرتْ المرأة أن تخرج إلى المسجد غير متعطّرة ولا متجملة .
كما في قوله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء
الآخرة . رواه مسلم .
وقالتْ زينب امرأةُ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه وعنها : قال لنا رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم: إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تَمَسَّ طيبا . رواه مسلم .
ويجب على المسلمة أن لا تخضع بالقول للبائع ولا لمن تُكلِّمَه سواء كان ذلك
بالهاتف
أو مباشرة .
وقد أدّب الله أمهات المؤمنين ، فقال : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ
كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ
فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا
مَعْرُوفًا)[الأحزاب:32]
وهُـنّ القدوة والأسوة لنساء الأمّة . ولهذا قال بعض العلماء : إن المرأة إذا
تكلّمت فإنها تجعل إصبعها في فمها إذا كلّمت الرجال الأجانب ؛ لأنه أبعد عن
الخضوعِ في القول .
لأن المرأة إذا خضعت بالقول ظَنّ من في قلبه مرض أنها إنما خضعت لإعجابها به
وهنا يتدخّل الشيطان ليوقع بينهما ، وهذا ما يُريده الشيطان ؛ أن يجعل بني آدم
معه في النار ، وقد أقسَم على هذا .
واليوم لا يُقال : تضع المرأة أصبعها في فمه ، بل يُقال لها : لا تخضع بالقول ،
ولا تتكسّر في كلامها ولا في مشيتها .
ويجب على المسلمة إذا كانت أُمّـاً أن تُربي أولادها على هدي الشريعة لتنتفع
بهم أولاً ، وتنتفع بهم الأمة ثانياً ، فإن صلاح الأولاد مطلب ضروري ، إذ أن
صلاحَ الأولاد فيه خيـرٌ كثير ونفع عظيم ، فالولد الصالح يكون بارّاً بوالديه
حال حياتهما وبعد وفاتهما ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : إذا مات الإنسان
انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد
صالح يدعو له . رواه مسلم .
فتـربية الأولاد الذكور والإناث إنما تكون على معالي الأمور والتّرفّع بهم عن
سفاسفها ، فإن الله تعالى يُحبّ معالي الأمور ويكره سفاسفها ، كما صحّ بذلك
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
التـربية الإيمانية على حبِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا على حُبِّ
المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات ، واللاعبين ، ونسيان نجوم الأمة من
أعلام الصحابة وأئمة الهدى ، واتّخاذ سَقَطَ الناس قدوة وأسوة لأبنائنا وبناتنا
.
فعندما تموتُ امرأةٌ غربيةٌ كافرة ، أويموتُ مُغَنٍّ مسلم لم يُقدّم لأمّته سوى
طربٍ وزمر تضِجّ الصحف بل عامة وسائل الإعلام ، ويموت في عام واحد عدد من علماء
الإسـلام فما يُذكر كثيرٌ منهم بل ربما لم يُعرف بعضهم .
مُدرِّسة في إحدى مدارس رياض الأطفال تسأل طفلين :
فسألت الأول : ما هي أمنيتك ؟ فيقول أن أكون صحابياً !
وتسأل الثاني نفس السؤال ، فيقول : أن أكون لاعباً !
ولا شك أن تلك الإجابات لم تأتِ مِن فراغ ، ولم عبثاً ، ولم تكن من صنع أفكار
أولئك الأطفال .
إنها أمانة أُنيطت بالأم ، ومسؤولية حُمّلت إياها ، وسوف تُسأل عنها يوم
القيامة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي
مسئولة عنهم . رواه البخاري ومسلم .
فلتُعِدّ للسؤال جواباً ، وأن يكون الجواب صواباً . والله المستعان |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق