هل سبق أن اجتمعت، أو عشت، أو عملت، أو تحادثت، مع شخص ما وكان مختلف عنك؟
ما هو سبب اعتقادك بان هذا الشخص مختلف عنك ؟ هل رد بشكل مختلف ؟ هل تصرف بطريقة حيرتك ؟ هل كان عصبي ؟ هل كان مرح مبتسم ؟
كلها
أسئلة شغلت عقول الناس وحاولوا إيجاد إجابات لها، ومن عصور سحيقة في
القدم. ولكن ومُنذ البدايات الأولى للحضارة الإنسانية، وفي العصور الوسطى
من الحضارة اليونانية، والفلاسفة والعلماء يحاولون تصنيف البشر وفق صيغة
ما، ومعرفة لماذا يختلف الناس فيما بينهم. حيث لاحظ هؤلاء أن الناس كانوا
مختلفين جدا، ويظهر أن لهم دوافع وحوافز مختلفة وراء سلوكهم. كما كانوا
الناس يتفاوتون في درجات الصحة النفسية بين السواء والاضطراب. وقد كان
يعتقد سابقا بان الاضطرابات النفسية هي نتيجة قوى شيطانية، وأن مسئولية
علاجها تقع على رجال الدين، وليس الأطباء أو العلماء أو المعالجين. ولكنهم
وبعد مخاض فكري طويل توصلوا إلى نتيجة، وهي تصنيف الناس وتمييزهم وفق أربعة
أصناف أو نماذج. هذه الافتراضات هي جزء من التاريخ الطبيعي للوجود
الإنساني، والذي يتصل أيضا مع أصل الحياة وتطورها.
فقد اعتقد هؤلاء
الفلاسفة بان الشخصية الإنسانية تتشكل من عناصر تقليدية أربعة، وهذه
العناصر على علاقة بصحة الجسم والنفس. والأصل الأول لهذه العناصر ما ذكر في
موضعنا السابق(الشخصية الإنسانية والعناصر الأربعة)هي: النار والماء
والتراب والهواء. ولكن الأمر لم يتوقف عند تلك النظرة للواقع الإنساني.
وإنما تطورت من تفسير السلوك وفق عناصر توجد في الطبيعة الخارجية إلى
تفسيره وفقا لسوائل تتواجد داخل جسم الإنسان. وهذا تطور مهم وجديد في نظرة
الإنسان لوجوده في هذا الكون، وانتقال التحليل العلمي من أن هناك مؤثرات
خارجية تؤثر في سلوك الإنسان وتحدد مساراته(والتي هي: الطبيعة والآلهة).
إلى وجود متغيرات جديدة داخل جسم الإنسان هي التي لها الأثر الأكبر في
سلوكه. وفي ضوء تلك السوائل تشكلت نظرية الطب النفسي لاحقا، والمعروفة
بالمزاجات الأربعة. كما يمكننا تتبع هذه الأفكار من خلال العودة إلى تقاليد
وحضارات بلاد ما بين النهرين والحضارة الفرعونية في مصر قبل أكثر من 5000
سنة مضت. علما بأن هذه العناصر ترتبط بالخصائص الجسمية والنفسية للشخصية.
وبذلك فهي تُكون النموذج لتصنيف أنواع الشخصيات الإنسانية. والمزاجات
الأربعة، المعروفة أيضا باسم الأخلاط الأربعة، يمكن القول إنها أقدم جميع
نظم تنميط الشخصية، كما أنها وجهة نظر رائعة، وهناك الكثير من أصداء هذه
الأفكار القديمة وجدت ولا تزال موجودة في علم النفس الحديث. وأن بعض من هذا
التفكير لا يزال على قيد الحياة إلى هذا اليوم في الأفكار التقليدية
الشرقية والطب. ولكن المزاجات أربعة أو الأخلاط الأربعة تعود وبشكل موثوق
إلى الطب والفلسفة اليونانية القديمة، ولا سيما في أعمال أبقراط
Hippocrates. كما أن هذه النظرية يمكن أن ترى كجزء من الحركة اكبر للثقافية
اليونانية.
أبقراطHippocrates (460-370 قبل الميلاد) أو (450-380) هو
الذي رأى أن صحة الجسم وتعرضه للمرض يرتبط بالأمزجة الأربعة، والتي هي
سوائل الجسم. فإلى جانب الدم الذي يعتبر ينبوع الحياة، هناك بعض الإفرازات
لها علاقة بتوازن الجسم بين الصحة والمرض. فالدمويSanguine والصفراوي
Choleric والبلغميPhlegmatic والسوداوي Melancholy، وهي نماذج للشخصيات
الإنسانية تنتج نتيجة لطغيان إحدى هذه الإفرازات داخل الجسم. فالدم ومصدره
الكبد، والصفراء ومصدرها الطحال، والبلغم مصدره الرئتين، والسوداء التي
مصدرها المرارة. وهذه تقابل العناصر الأربعة لدى إمبيدوكليس Empedocles،
والتي هي: هواء، النار، الماء، التراب. وتقابل الصفات، والتي هي: حار ورطب،
حار وجاف، بارد ورطب، بارد وجاف. وتقابل الفصول: الربيع، الصيف، الشتاء،
الخريف. وتقابل الحيوانات: الأسد، الرجل، النسر، الثور، أو في الوقت الحديث
وحسب هذه الفكرة تقابل الحيوانات: القندس، والدولفين، والثعلب، والبومة.
أبقراط
استند في ممارسته الطبية على الملاحظات والدراسة العملية لجسم الإنسان.
كما انه أشار إلى إن الإنسان يتألف من جسم وروح. وفي تفسيره للأمراض تبنى
منطق عقلاني ورفض وجهات النظر السائدة في ذلك الوقت والتي تشير إلى أن
المرض هو نتيجة لأسباب كامنة في عالم ما وراء الطبيعة مثل: امتلاك الإنسان
للأرواح الشريرة، أو نتيجة لاستياء الآلهة وغضبها من الإنسان، أو بسبب
خرافات أخرى كانت سائدة في تلك المجتمعات والتي لا يزال بعضها موجودا في
عقول بعض الناس. وإنما هذه الأمراض هي نتيجة لعوامل بيئية، والتي سببها عدم
التوازن في نسب السوائل الجسمانية( مثلا: اضطراب في مزاج الدم والذي هو
خليط سيئ)، والتي كانت في طبيعتها متعادلة النسب. لذا كان على الطبيب إعادة
التوازن لمكونات الجسم من هذه السوائل، لكي يتمكن الشخص من أن يكون خاليا
من الأمراض. والتي هي ناتجة عن تناول الأطعمة المفرطة والخاطئة. حيث أن ذلك
يؤدي إلى تجمع بقايا غير جيدة في الجسم. مما يؤدي إلى انبعاث أبخرة تصعد
إلى الدماغ وتؤدي بالإنسان للإصابة بالعديد من الأمراض. وبذلك فهو أول من
عمل على فصل علم الطب عن الدين ومعتقداته. وبذلك يعزى له الفضل في إرساء
الطب كعلم. كما انه معروف عند الأطباء بقسم أبقراط والذي أنشأه أبقراط ولا
زال إلى اليوم. ويعرف أبقراط بـ(أبو الطب)، وهو أيضا أول من أشار إلى أن
الأفكار والمشاعر مصدرها الدماغ وليس القلب كما كان يعتقد الكثيرون في ذلك
الوقت. كما لاحظ نتائج إصابات الرأس بشكل صحيح، وخلص إلى أن الجانب الأيمن
من الدماغ يسيطر على الجانب الأيسر من الجسم والعكس بالعكس. وقال إنه يتفق
مع Alcmaeon أن الدماغ هو مصدر قدراتنا الفكرية، وأضاف أنه يتسبب أيضا في
كثير من مشاكلنا العاطفية، مما يجعلنا سعداء أو تعساء، نعيش في حزن أو في
سلام مع أنفسنا.
ولكن المهم هنا هو انه أول من أشار إلى أن الأمراض
أسبابها طبيعية وليس الخرافات(السحر والشعوذة) أو الإلهية. هذه السوائل
الأربعة سميت بعد ذلك بالأمزجة(أو المزاجات) أو الأخلاط الأربعة(وهي من
الكلمة اللاتينية(humor) والتي معناها (سائلاً).
كذلك أشار إلى أن
الاضطرابات النفسية يمكن علاجها مثل أي مرض آخر، كما انه صاغ نظريات حول
المزاج والتحفيز، ووصف اضطرابات السلوك، وشخص أسباب المشكلات النفسية.
وبذلك يعتبر من علماء النفس.
ومع ذلك، فان أفكار أبقراط ورفاقه لم
تتوقف عند هذا الحد، بل كانت فكرته أن الاضطرابات النفسية يمكن أن تكون
ناجمة عن أمراض في الدماغ أو صدمات الرأس. وأيضا، كانت لديهم فكرة من أن
الأمراض النفسية يمكن أن تتأثر بواسطة الوراثة. ومن المثير للاهتمام للغاية
معرفة مدى قرب أبقراط من الحقيقة. وكما أشار أبقراط إلى أهمية المساهمات
الاجتماعية لعلم النفس المرضي، والآثار السلبية للإجهاد داخل الأسرة. إن
هذه نظرية تعتبر واحدة من أقدم الطرق لوصف شخصية الإنسانية.
كما انه دعا
إلى استخدام الأساليب الطبيعية. وشملت الراحة الكلية، والطعام الصحي،
وممارسة الرياضة، وأتباع نظام غذائي سليم، وممارسة الرياضة والهواء النقي،
والتدليك، والحمامات، والموسيقى، والزيارات الأصدقاء. كل هذا كان بهدف
استعادة الجسم لحالته المتناغمة.
هذه النظرية قد أشارت كما قلنا إلى أن
جسم الإنسان تملئه أربع مواد أو سوائل أساسية، ودعاها بـ(المزاجات)، والتي
هي في حالة توازن عندما يكون الشخص بصحة جيدة. وتنتج بعض الأمراض
والإعاقات عندما يكون هناك فائض أو عجز في إحدى هذه السوائل الأربعة. لذا
فان نظرته العلاجية استندت على "القوة للطبيعة الشافية"، وطبقاً لهذا
المذهب، أن الجسم يحتوي ذاتيا على القوة التي تعمل على إعادة التوازن له.
والمزاجات الأربعة تشفي نفسها بنفسها. وكان أبقراط يعتبر أبو الطب السريري.
فقد صنف الأمراض، كمزمن حاد، والأمراض المستوطنة والوبائية، وادخل العديد
من المصطلحات إلى علم الطب، مثل: تفاقم، معاودة، أزمة، النوبة، نقاهة...
وغيرها الكثير من المصطلحات.
أبقراط في كتابه عن طبيعة الرجل(Nature of
Man) ( في حوالي سنة 400 قبل الميلاد) أرجع التصرفات البشرية، مثل: سريعة
الغضب إلى النوع لـ(Choleric (الصفراوي). والبرودة ولا مبالاة ورابطة الجأش
إلى النوع لـ( Phlegmaticبلغمي). والتفاؤل والبهجة إلى النوع لـ(Sanguine
دموي). وأخيراً، الاكتئاب والحزن إلى النوع لـ(Melancholic السوداوي). وهي
نتيجة إلى اختلال التوازن في مزيج عدد من سوائل الجسم (الدم والبلغم
والصفراء والمرارة) على الرغم من أن محاولة ربط سلوك وتصرفات الإنسان (أي
مزاجه) مع سوائل الجسم هو أمر غير قابل للتصديق، وبأنها تتميز بالطرافة في
وصفها لسمات الشخصية. إلا إنها لا تزال تستخدم إلى اليوم وهناك الكثير من
النظريات والدراسات التي تصف تلك السمات ولكن وفق وجهات نظر حديثة ومتطورة.
ووصف أبقراط الطابع الأساسي لأنواع الشخصيات بشكل دقيق، والأوصاف لهذه
الأنواع من الشخصيات صمدت أمام اختبار الزمن.
يقول العلماء يمكن
التعرف على حوالي (50%) من الاختلافات في شخصية الإنسان وإرجاعها إلى عوامل
وراثية. ومع ذلك، فان بناء أي شخصية يختلف تماما في صفتين: السمة والمزاج.
ولكن ما هو الفرق بينهما ؟ الفرق هو أن الصفات(السمات) تأتي من تجارب
الشخص مثل العادات، التفضيلات، القيم والأعراف، وفي التعبير عن الحب
والكراهية في المجتمع الخاص، أو ما كان يعتبر خطرا، وما كان يعتبر مضحكا، و
الكثير من الجوانب الثقافية الأخرى. في حين المزاج هو توازن الشخصية،
ويستند هذا إلى الاتجاهات البيولوجية التي ورثناها من والدينا. هذا هو
نتيجة لتصرفنا الخاص والشخصي من خلال التفكير والشعور وفق طريقة معينة
والتي ظهرت في وقت مبكر من طفولتنا.
أن وجهات نظر Hippocrates حول
القاعدة الحيوية للشخصية رددت في الكثير من النظريات المُعاصرة التي تربط
تأثر الدماغ بالمواد الكيمياوية الموجودة داخل جسم الإنسان والتي تؤدي إلى
المزاج والسلوك. بالإضافة إلى ذلك، تظهر الأبحاث الأخيرة إلى ارتباط هذه
الأمزجة الأربعة الأساسية مع المواد الكيميائية، مثل الدوبامينdopamine
(للنوع الدموي) ، هرمون الاستروجين estrogen (للنوع البلغمي)، هرمون
تستوستيرون testosterone (للنوع صفراوي) والسيروتونين serotonin (للنوع
السوداوي).
فالنوع الدموي(sanguine) يتميز بالعفوية والتفاؤل والحماس،
والطاقة العالية، والمرونة العقلية، ويسعى للغير مألوف، والاندفاع والفضول
بشكل مكثف، وهؤلاء الأشخاص إبداعيين. وترتبط هذه الصفات مع جينات محددة في
نظام هرمون الدوبامين. كما أن هؤلاء الناس لديهم في كثير من الأحيان وجوه
معبرة جدا ويستخدمون كلمات مملوءة بالحب مثل: "مغامرة"، "الطاقة"،
"الجديد"، "المتعة"، "النشاط"، "السفر"، وما شابه ذلك. ويمكن التعبير عن
فضولهم في حبهم للقراءة وأنواع مختلفة من المعرفة. فهم يمتلكون كميات كبيرة
من الطاقة، ولذلك قد لا يبدو عليهم الهدوء والعفوية أو التلقائية. هم على
استعداد لتحمل المخاطر من أجل السعي وراء مصالحهم العديدة. وهؤلاء الناس
يشعرون بالملل إذا لم يتم استيعابهم من خلال أشياء مثيرة للفضول.أنهم
يتوقون للمغامرة والجدة، وهؤلاء يتكيفون بسهولة، وعموما يمكن أن يلعبوا
أدوارا كثيرة. فهم لديهم حيوية مرتفعة وتفاءل. أنهم يفضلون العيش في المدن
الكبيرة حيث يمكن أن يرضوا شغفهم بشكل أسهل بكثير.
هؤلاء الناس قليلي
التسامح، وضجرين. ويشغلون وظائف روتينية، تجاربهم متكررة، صحبتهم مملة
ومزعجة ومتهيجين. أنهم تجنبون الروتين والرتابة في جميع التكاليف. وفي
الواقع أنهم يحبون العزلة، وذلك لأنهم يحصلون على تنشيط من خلال هذه
التغييرات الصغيرة في البرنامج الحياتي اليومي. هؤلاء مندفعين، وغالبا لا
يستطيعون السيطرة على شهواتهم، وربما الوصول إلى الصراع. هذا النوع هو أكثر
من أي نوع آخر من المزاجات عرضة لإدمان الكحول والتدخين والمخدرات والقمار
والجنس المحفوف بالمخاطر. وعفويتهم في الدقيقة الأخيرة تعكس خططهم ولحظات
من الاكتشاف الفكري لديهم.
وعادة هم أكثر إبداعا من الأنواع الأخرى،
سواء كان ذلك في الشعر والموسيقى والمسرح والفن والأعمال أو الطبخ. وللأسف،
بل هي أيضا الأكثر عرضة للخلل في التوازن الكيميائي، والإدمان واضطرابات
المزاج. ويتميز هذا النوع بان لديهم فضول ومجموعة واسعة من المصالح.
ومتعطشون للمعرفة، والبعض منهم موسوعات متحركة، بينما البعض الآخر يقوم
بزيارات لكل بلدان المعروفة في العالم تقريبا.
نشاط الدوبامين لديهم
يعزز الدافع والهدف المتوقع من السلوك، فضلا عن الحماس والتركيز والإصرار،
والحافز والدافع لتحقيقه. ومع ذلك، غالبا يكونون مشغولون جدا مع مصالحهم
العديدة لذا يلجئون للمماطلة في استكمال مهامهم. هؤلاء الناس لديهم حكم
ذاتي للغاية وغير تقليدي. يثقون بدوافعهم ويقومون بالمخاطر، شعارهم(لا توجد
مغامرة، لا يوجد كسب). يندفعون نحو الموضوعات التي يبدو فشلها مؤكد وربحها
كبير في اغلب الأحيان. وهم متفائلون متطرفون، ويجعلون طريقهم للبحث عن
البهجة، ويبحثون عن الطريق الذي يجعلهم سعداء. هؤلاء يبحثون عن الإحساس
بالمتعة التي تستمد من الإثارة والتجارب المثيرة، أنها مشروب حياتهم.
أما النوع البلغمي(phlegmatic) يعرف أساسا لدى الناس من خلال مهاراتهم
الاجتماعية مثل: قدرتهم على التعبير عن أنفسهم، وقراءة تعبيرات الوجه للشخص
الآخر، ولغة الجسد. كما أنهم قادرون وبشكل جيد في توصيل الحقائق، ورؤية
"الصورة الكبيرة" ، فهم مراعين ومتعاطفين، ومتواضعين، ومعبرين عاطفيا.
وترتبط بعض الصفات الشخصية هذه مع هرمون الاستروجين والتي موجود في الرجال،
والنساء على حد سواء. بدنيا يمكنك التعرف عليهم عن طريق الجلد فهو على نحو
سلس الملمس، شفاه ممتلئة، وجوه مستديرة وأنوف صغيرة. الكلمات المفضلة
لديهم هي "العاطفة" ، "عاطفي" ، "حساس" و "حلو".
هؤلاء الناس رائعون في
جمع الحقائق وتصنيفها إلى فئات، ولديهم القدرة على الوصول إلى العلاقة بين
العديد من البيانات التي يجمعونها ولديهم مهارة في اكتشاف العلاقة بين
عناصر المتناقضة على ما يبدو. وأساسا، لديهم القدرة على قراءة ما بين
السطور. هؤلاء رجالا ونساء لا يعملون بشكل جيد جدا في استظهار الحقائق
المنفصلة الغير مترابطة، فهم يشعرون بالملل والانزعاج.
هناك علاقة بين
نصفي الدماغ من خلال الملايين من الألياف العصبية، والاستروجين هو الذي
يبني المزيد من الاتصالات العصبية بين المناطق النائية في كل نصف من الكرة
المخية. هذا يساعد في على قدرة "رؤية الصورة الأكبر".
هؤلاء الناس هم
خيالين. يحبون التفكير المجرد عن الأشياء التي يمكن تصورها فقط. على سبيل
المثال، هم سيحاولون قراءة لغة جسمك وسيخبرونك ما كنت تعتقد في ابتسامتك
منذُ نصف ساعة. أنهم يريدون معرفة أعمق بمشاعر الآخرين ويسعون لبناء علاقات
حميمة مع الجميع الذين حولهم في حياتهم. لديهم رغبة في الانسجام والتعاون
مع الأفراد. وهذا هو السبب في أنهم يعملون على الحفاظ على الروابط العائلية
والصداقات. وعندما يكون هناك صراع، فإنها تسعى إلى الاتفاق، وتلبية
احتياجات جميع المعنيين.
هؤلاء يتميزون بالرأفة والتعاطف جدا. أنها
محاولة لفهم ما يفكر أو يشعر به الآخرين، ومن ثم الاستجابة لهم وفق ذلك،
وبما يسمح لهم من أجل التواصل مع هؤلاء الأشخاص. أن سمات هذا النوع مقبولة
من قبل باقي الناس. يمكن وصف هؤلاء الأشخاص بأنهم، متعاونين، متعاطفين
محبين للخير، واثقين دافئين، يحبون التعبير عن مشاعرهم، يسعون لمساهمة في
المجتمع. يسعون لمحاربة الأمراض ومساعدة الأيتام والفقراء، كما أنهم يرغبون
بمعرفة النفس وهو أمر لا بد منه في نظرهم.
والجانب السلبي لدى هؤلاء،
يمكن أن يكون هؤلاء أشخاص مترددين، غير قادرين على التركيز على التفاصيل
المهمة، بينما يتجهون إلى الصورة الأكبر. الثرثرة يمكن أن تكون مزعجة لهم،
لأنها وسيلة للاتصال، فإنها قد تظهرهم محتاجين، ومطالبين بالاطمئنان
المستمر. أنهم قد يتصورون الانتقادات إهانة لهم، لذا يكتئبون لعدد من
الأيام والأسابيع والشهور، وبذلك فهم معرضون جداً للاكتئاب.
كذلك النوع
الصفراوي(choleric) مقترن بالتستوستيرون testosterone، الذي هو أيضا موجودة
لدى الرجال والنساء. هؤلاء الناس مباشرين، مركزين، صعبين، تحليليين،
منطقيين واستراتيجيين. لديهم قدرا كبيرا من الشجاعة ويرغبون في المنافسة.
غالبا ما يكون شكل فكيهم مربعا، وعظام الوجه بارزة وجباه عالية. يستخدمون
كلمات مثل "الفكر"، "الطموح" و"التحدي".
على الرغم من أن هذه السمات
تتمثل في أعضاء من كلا الجنسين، ولكن الأشخاص الأكثر ضمن هذا النوع هم من
الرجال. وهم نوعية خاصة من الناس، الصفراويون يتميزون بقدرتهم على تنظيم
الأمور. هذا هو السبب في أنهم يتمتعون عادة بقدرات في الرياضيات وغيرها من
"العلوم الدقيقة" ، ولديهم صعوبة في الواقع في محاولة فهم لماذا لا يمكن
للمناهج التي يستخدمونها من أجل حل مشكلة رياضية يتم استخدامها عند حل
القضايا في الجوانب أو العلاقات الأخرى. كما أن هرمون تستوستيرون يسهم أيضا
في مهاراتهم المكانية. ويمكن أن ينعكس هذا في القدرة الموسيقية، وفي
الرياضيات، والرياضية، ولا سيما التي تتطلب المهارات المكانية، مثل كرة
القدم.
كما ذكرنا سابقاً، هؤلاء الناس هم جيدون في علم الهندسة
والرياضيات، والتي غالبا ما يؤثر في خياراتهم المهنية. هم ينحون إلى
التركيز على الهدف حينما يعملون. كما أن تركيزهم عميق وضيق. فحينما يكونون
مشغولين بشيء فأنهم غير قادرين على ملاحظة الأشياء الأخرى التي تجري حولهم.
النساء قليلات جدا ضمن هذا النمط، ولكن الغريب أنهن اجتماعيات أكثر.
وببساطة جدا لديهن طرق مختلفة جدا في التعامل مع القضايا. ومن أخطاء النساء
في هذا النمط هو محاولة خنق شركائهم بالحب ومطاردتهم حتى النهاية.
هؤلاء
هم الملوك والملكات في معرفة الأشياء. وارتفاع نشاط هرمون تستوستيرون لدى
هؤلاء الرجال والنساء يجعلهم واضحين. وعموما، لا يسعون إلى أن يكونوا
مهذبين ومحترمين أو أصدقاء، أنهم يفعلون الأشياء وفقا لما هو مناسب لهم،
والأهم من ذلك، أن يتماشى مع أهدافهم. من جانبهم فان هدر الكلمات وتكرارها
رغم وضحها يبدو لا طائل منه لديهم. وإجبارهم على فعل ذلك هو وسيلة مؤكدة
وناجحة لإزعاجهم.
ويتميزون بالبراغماتية. أنها تعتبر نموذجا لهم لاتخاذ
قراراتهم بسرعة والعمل على الفور عكس الآخرين، ليس لديهم مشكلة عندما تعرض
عليهم خيارات متعددة. قواهم في غاية الشكيمة، يتصرفون وفقا لشعارهم:
"الكلام رخيص". هذا يعني أنهم يفضلون بدلا من ذلك إثبات أنفسهم من خلال
العمل، ووضع الحديث جانبا. تستمع بالكاد إلى الصفراوي وهو يتحدث، وعلى نحو
ما كان يخطط للقيام به. أنهم يميلون في الواقع إلى نسيان كل ذلك الحديث
لأنهم مغادرين المكان في أقرب وقت. هذا النوع من السلوك هو مزعج للغاية
ومحرج لصاحب النمط لصفراوي. وقد يعتقد انه ممل جدا وليس له أي نصيب، ولكن
الحقيقة هي انه غالبا ما يكون الشخص الذي هو أكثر متعة.
أنهم ببساطة
ميالين بشكل طبيعي لوضع أهداف ثم الوصول إليها. والإيمان والمنطق، وتحقيق
المنطق، والصفراوي رجال ونساء متشككون وعديمي الثقة، وأنهم بحاجة لتقصي
الحقائق من تلقاء أنفسهم، ثم تحليلها من قبلهم. وهذا النوع لدية مهارات
كبيرة في حل المشكلات. ولذا فإنهم يعملون بجريئة وثقة بالنفس. وكلاهما
الثقة والجرأة تنشأ من نشاط هرمون تستوستيرون المرتفعة. ليست لديهم مشكلة
مع تحمل ساعات طويلة من العزلة والعمل والراحة إلا إذا كان ذلك يحقق لهم
هدفهم، كما أنهم مستقلين للغاية، وليس لديهم الكثير من الاحترام للشهادات
والأوراق الأخرى. مسلحين بالحكم الذاتي والاستقلال، وهم ذو قدرة تنافسية
عالية، ويمكن أن يكونوا عدوانيين، وهذه علامة أخرى على نشاط هرمون
التستوستيرون.
وعلى الرغم من حقيقة أن لديهم معايير عالية وعمل طويل
وشاق، إلا أنهم نادرا ما يشعرون بالارتياح مع الوقت والجهد الذي قضوه في
مشاريعهم. والكثير منهم يعيشون مع قلق دائم من الفشل. بمجرد أن تخيب
أنفسهم، فإنهم يلومون أنفسهم بلا هوادة. ومع ذلك، فإنهم لا يتخلون عن
محاولاتهم لتحقيق النجاح ومواصلة السعي لتحقيق الأهداف. أنهم يحبون المعرفة
والبحث عن شركاء أذكياء. لكنهم يتجنبون التجمعات بصفة عامة ما لم يكن همهم
المحادثة، والتي بالطبع يجب أن تكون ذات صلة بطريقة أو بأخرى بتحقيق
أهدافهم.
ويتميز نوع صفراوي السمات في السيطرة على مشاعرهم، لأنهم
معجبون بالسيطرة على المشاعر. بل أنهم يسعون لكي تكوين منطقية، وتحليلية،
ومختصة، وعادلة، ومقنعة. وهؤلاء الناس عادة ما يظهرون برودة، فهم لا
يبتسمون كثيرا ويتجنبون التواصل بالعيون. على الرغم من جهودهم التي ترمي
إلى ضبط النفس، لأنهم قد "يفقدانه" في بعض الأحيان بسبب الغضب الانفجار.
وأخيرا
فالشخصية من النوع السوداوي(Melancholics) تميل إلى أن تكون هادئة، لديها
ولاء لعائلاتهم وأصدقائهم، ومنظمة ودقيقة للغاية. أنهم حذرين والتقليديين.
ورثت هذه من الجينات في نظام السيروتونينserotonin لدى الرجال والنساء.
الكلمات المفضلة لديهم هي "الأسرة" و "الموالين" ، "الاحترام" و "الرعاية" ،
"القيم" و "الأخلاقية".
الاحترام والقضايا الأخلاقية ذات أهمية خاصة
لهم. وأنهم يحبون أتباع التقاليد والأعراف، واحترم السلطة، وأتباع القواعد،
وتشعر بالراحة في أتباع التسلسل الهرمي، حيث يتم تنفيذ هذه الهيكلية،
وأتباع القواعد والنظام. ومن المهم بالنسبة لهم أن يشعروا بأنهم جزءاً من
المجتمع الأكبر ويرون في ولائهم له واجباًُ. وترتبط سماتهم الحزينة مع
السيروتونين، الذي يكبتون الميول العدوانية. هذا ما يفسر لماذا الناس
السوداويون يتمتعون بالهدوء والثقة بالنفس، وشدة التعلق بعائلاتهم والمجتمع
والولاء لهم. فهم منظمون جداً وليس لديهم القدرة على التنبؤ. أنهم يتمتعون
بوضع خطط ويحتفظون بالجداول. أنهم يحبون الروتين، الذي يجدونه استرخاء.
وهذا لا ينبغي أن يشكل مفاجأة لان أي حركة متكررة تزيد من مستويات
السيروتونين لذا فهو مريح في طبيعته، ولكن لا أحد يتمتع به أكثر من الكئيب.
هؤلاء يتميزون بالانتباه للتفاصيل، فهي تذكرهم بالتواريخ الخاصة والمناسبات، وتفاصيل
عن
جيرانهم وزملائهم. لا ينظرون إلى العلاقات الأسرية والاجتماعية كشيء تحد
من حريتهم ومرونتهم، وهذا يمكن أن يكون مع الدموي والصفراوي. في الواقع،
هذه هي لهم شبكات الأمان، ونوع من السقوط اللين في المكان ولكن في نطاق
اكبر. وهو أيضا ما يضيف معنى لحياتهم. وأن علاقاتهم بالمجتمع والأسرة هي من
هذا القبيل تشكل جزءا هاما من حياتهم، فهم بالتأكيد لا يمكن أن يروا
أنفسهم دون ذلك. وعندما يشعروا بأنهم بعيدين عنهم، فأن حياتهم ستكون مدمرة،
لأنهم قد يموتوا بالمعنى الحرفي. لهذا السبب فان الكئيب ليس من المرجح أن
يكون شخص يستطيع الزواج من أجنبية أو يغادر إلى بلد آخر للحصول على الإقامة
الدائمة.
هم منظمون حتى في خطابتهم، ويعبرون عن أنفسهم بدقة، وبشكل
مضبوط، وتوفير كافة المعلومات ذات الصلة. إذا كنت مقاطعا لهم أو تطلب منهم
سؤال فإنهم يعتقدون أنك لا تهتم بما يتحدثون عنه. على عكس الدموي، أنهم
يكرهون الانحرافات والإحباط. إذا كنت تريد أن تصنع لا تتحدث عن أفكارك
الكبيرة، بدلا من إعطائهم معلومات دقيقة، والتمسك بالتفاصيل. ويعربون عن
حاجتهم إلى النظام حتى في نكاتهم. أنهم لا يحبون الدعابة أو النكتة لديهم
هراء دون حل، ونكاتهم تعكس النظام، والقدرة على التنبؤ والانغلاق.
الناس
من شخصية السوداوية ليست منظمة فقط، بل هي أيضا دقيقة. فهي عملية المنحى.
ويحبون أن يسعوا إلى تحقيق أهدافهم بطريقة واضحة ودقيقة. قبل أن تبدأ
المهمة المحددة، فإنهم بحاجة إلى تنظيم أنفسهم وكسر المهمة إلى خطوات يمكن
التحكم فيها. هؤلاء ليسوا من النوع الذي يعمل تحت الضغط., لتكون مريحة،
فإنها تحتاج إلى أن تكون في موقف واضح، حيث معرفة التفاصيل التي أثبتت
جدواها سابقاً.
يتسمون بالثبات والصبر. لا يصل عليهم الملل بسهولة،
ويتفوقون في المهام التي تتطلب الاهتمام والتكرار. ومن المثير للاهتمام، أن
الإجراءات المتكررة تؤدي إلى رفع مستويات السيروتونين أكثر. هذا هو السبب
في أن بعض الناس تقوم بتكرار العمل نفسه مرارا وتكرارا عندما تكون قلقة،
مثل القيام بالفحص لمعرفة ما إذا كان تم إغلاق الباب جيدا أو إذا ما كانت
الإضاءة قد تم إطفاءها، وإعادة تدقيق حقيبتهم قبل السفر. لسوء الحظ الكئيب
السوداوي هو الأكثر عرضة لاضطراب الوسواس القهري، حيث يمارس الشخص طقوس لا
معنى لها، مثل عسل اليدين أو التنظيف المفرط أو العد من أجل منع بعض
الكوارث بتصوره. قد يكون البعض منهم يعانون بطريقة أقل وضوحا، ولكن الأصعب
على الأرجح عندما يقوم بجترار ذلك مرارا وتكرارا عن نفس الفكر أو إعادة
النظر في ذلك مئات، إن لم يكن آلاف المرات كل يوم. كما ينعكس أيضا الانتظام
في أذواقهم، من حب التصاميم الهندسية التي هي بسيطة، ومنظمة، ويمكن التنبؤ
بها، والمتكررة والمتناظرة. ولكن في الواقع أن معظم الناس هم مزيج من عدة
أنواع من السمات التي تجعلها أكثر مرونة بكثير.
هؤلاء الناس هم المديرين
والمسئولين الممتازين، لأنهم يتبعون القواعد، والتمسك بالحقائق، فهم
موثوقون ويسعون للحفاظ على الروابط الاجتماعية. وهم رائعون في إدارة الناس،
إن كان في العمل أو في المنزل. واحدة من أقوى الاحتياجات الخاصة لديهم هي
الحاجة للانتماء. هذا هو السبب في أنهم يريدون أن يكونون موثوقين ومحترمين.
هم فخورون بانجازاتهم، ويحصلون على الجوائز والميداليات والشهادات، وصورهم
مع أشخاص من ذوي النفوذ. عموما، أنهم يريدون أن يفعلوا الأشياء بطريقة
مقبولة.
وعلى الجانب السلبي، فإن الناس ذوي الشخصية السوداوية منغلقين،
متحجري الفكري وعنيدين. كما أنهم يميلون إلى التشاؤم، والتي قد تتحول إلى
الاستسلام، والاعتقاد بأن الأشياء لن تتغير للأفضل. معربين عن تفوقهم
الأخلاقي. قد يميلون الى التقشف، كما يمكن أن يتركز اهتمامهم على الماضي،
كما قد يكون لديهم صعوبة في وقف ما يقومون به.
ولكن رغم ذلك فأن معظم
الناس هم مزيج فريد من هذه الأنواع الأربعة من السمات المختلفة، حيث أن كل
الصفات موجودة إلى حد ما. ومع ذلك، فإن بعض هذه الصفات هي السائدة. ويظهر
في الغالب نوع من المزاج الرئيسي الخاص لدى كل شخص وبذلك تتلون شخصيته بذلك
النوع وتسمى به.
كما أن أفلاطون Plato(428-347 قبل الميلاد) في عمله،
الجمهورية. وصف المجتمع المثالي الذي فيه كل مواطن لدية دور تكاملي في بقاء
النظام الاجتماعي. وبالرغم من انه لم يهتم بالمزاج، إلا أن الأدوار
الاجتماعية التي عرفها يمكن أن تكون ذات صلة بالمزاجات.
فالعقلانيين(Rationals) هم العلماء والمفكرين والمحققين والمنطقين. أما
المثالين(Idealists) فهم الفلاسفة وكانوا هم الحدسيين وذوي الإحساس والذين
يعتنون بأخلاق المجتمع. أما الحراس أو الأوصياء(Guardians) فهم المشرعين
والذين يقومون بالعناية بالمجتمع وذلك بسبب عمليتهم وحسهم العام. وأخيرا
الصناع(Artisans) وكانوا هم الفاعلين والعمليين.
ولكن وجهة النظر هذه
في الشخصية الإنسانية لم تتوقف عند أفكار أبقراط أو أفلاطون فقط، فقد طور
جالينوس(129-210 أو 199)Galen أفكار أبقراط وحاول ابتكار تصنيف نوعي شامل
عن المزاج وذلك في بحث له عن المزاجات. والذي افترض فيه أن الأسباب
الفلسجية للسلوك مختلفة بين البشر. وبأن جسم الإنسان يعمل ككائن حي موحد.
ويجب أن يعامل في الصحة والمرض باعتباره وحدة واحدة كاملة ومتماسكة
ومتكاملة. في التشخيص، يجب دراسة الأعراض الذاتية للمريض من أجل التوصل إلى
تقييم دقيق لما يجري، وهو يؤكد على الفهم الشامل للكائن البشري وكيف يعمل
في حالة الصحة والمرض. ولكل شخص مزاج مهيمن والذي هو العلامة المميزة
لشخصيته. ويمكن التعرف على الشخص من خلال لون بشرته والتي تتميز بين
الصفراء واللون المحمر إلى حدا ما. فالصفراوي يتميز بالبشرة الصفراء
والجرأة والنشاط. والشخص السوداوي هو كئيب ولون البشرة رمادي قليل إلى حد
ما والمنخولي بشرة فاتحة. ومن ثم صاغ فكرة المزاجات الأربعة. والتي هي:
الشخص
الدموي Sanguine: يشير إلى شخصية الفرد بمزاج الدم، والذي يعتقد بأنه من
إنتاج الكبد. ويمثل فصل الربيع(رطب وحار) وهو أيضا يمثل عنصر الهواء. هذا
الشخص الدموي متفاءل عموماً، مبتهج، هادئ الطبع، واثق، عقلاني، شعبي، محب
للمزاح. هو أو هي يستغرق في أحلام اليقظة إلى حد انه لا يُنجز شيئاً،
مندفع، يتصرف وفق نزواته بشكل لا يمكن التنبؤ به، لديه عادة قدر أو نوع من
الطاقة، ولكن لدية مشكلة في توجيه تلك الطاقة، وهذا أحيانا يوصف بحالة
الهوس لاضطراب ذو القطبين.
الشخص الغاضب Choleric: ويشير إلى سائل
الصفراء، وهي المادة الصفراء المخضرة الموجودة في المرارة، ويمثل فصل
الصيف(جاف وحار) وهو عنصر النار. الشخص الغاضب هو شخص فاعل وقائد، ولدية
الكثير من الطموح والطاقة والدافع، يحاول غرسه في الآخرين، ولكن يمكن أن
تسيطر على الناس مزاجات أخرى، خصوصا الأنواع البلغميه. يمتلك الكثير من
الخصائص العظيمة، هناك الكثير من الشخصيات العسكرية والسياسية كانت من هذا
النوع الغضوب. ومن الجانب السلبي فانه يغضب بسهولة أو معتدل السوء. ولدى
جماعة الأطباء يعامل على انه الطفل الذي يشعر بمغص ويبكي كثيراً ويبدو على
انه غاضب وبشكل ثابت. هذا التكيف الغاضب على الرغم ليس هناك احد يعزوه إلى
الصفراء. وعلى نحوٍ مماثل، يوصف الشخص الغضوب كصفراوي متوسط الشجاعة، مريب،
ونشط.
الشخص البلغمي Melancholic: هو شخص هادئ وغير عاطفي، وهو ينتسب
إلى مادة البلغم التي مصدرها الرئتين. ويماثل فصل الشتاء(رطب وبارد)، وهو
يعبر عن عنصر الماء. الأشخاص البلغميين لديهم نوع من الرضا الذاتي عموماً،
شخصيات خجولة، ويمكن أن تمنع الحماسة عن الآخرين وتجعلهم كسالى، وهي شخصية
مقاومة للتغيير، ومتماسكة جدا، ومسترخية، وملتزمون، يمكن أن يكونوا
دبلوماسيين أو مدراء جيدون. مثل الشخصية الدموية، لديهم العديد من
الأصدقاء، لكنهم موثوقون وأكثر عطفاً. خصائص الشخصية البلغمية هذه تمثل
نموذج الصديق الموثوق أكثر.
الشخص الكئيب(السوداوي) Melancholic:
الخصية السوداوية فرد يتميز بالسوداء، لذلك، باليونانية تسمى من(كلمة melas
أسود + kholeالصفراء)، مع العلم بأنه ليس هناك في الجسم سائل يقابل امتزاج
اللونين الأسود والأصفر. على أية حال، يتفسخ نخاع الغدد الكظرية بسرعة
كبيرة بعد الموت، ومن المحتمل أن هذا هو الذي ينتج السوداء الأسطورية. أي
شخص يتأمل ويعمق التفكير لدية ميل سوداوي، فهو رحيم ومراعي لشعور الآخرين
جداً في اغلب الأحيان. فهو يمكن أن يكون مبدع جداً كما هم الشعراء
والفنانين، ولكن يمكن أن يكون مهووس جداً بالمأساة والوحشية في العالم،
وبهذا يكون مكتئباً. وهو يشير إلى فصل الخريف أيضاً(جاف وبارد) ويمثل عنصر
التراب. والسوداوي أيضا في اغلب الأحيان ينشد الكمال، وهم استثنائيين جدا
حول ماذا يريدون وكم يريدون. وهذا يؤدي في اغلب الأحيان إلى أن يكون مستاء
جدا حول موهبته الفنية أو عمله الإبداعي. وهم دائما يشيروا إلى خارج أنفسهم
ماذا يستطيعوا وما يجب أن يغتنموا. هذا المزاج يصف المرحلة المكتئبة
لاضطراب ذو القطبين.
ونتيجة لتطور هذه النظرية في اليونان القديمة، فأن
انتشارها في الشرق الأدنى القديم كان فورياً، وقد تم ذلك عبر الثقافة
العربية المنتشرة في البحر الأبيض المتوسط. ومن ثم فقد انتشرت في كافة
أوربا والعالم الإسلامي وقد سيطرة على التفكير الغربي في كافة أنحاء أوربا
في القرون الوسطى وفترات عصر النهضة وما زالت ممارساتها في كافة أنحاء
العالم. كما انه ليس هناك نظرية أو بعض المفاهيم والتي مست حياة الإنسانية
عبر التاريخ، قدر ما أسهمت به نظرية المزاجات الأربعة. أن التراث الثقافي
والتاريخي لهذه النظرية كان هائلا. وامتدادا لنظرية المزاجات فأن علماء
النفس يجرون بحوثهم حول العلاقات بين الشذوذ واختلال التوازن الكيميائي
والأعراض السلوكية الشاذة. أن مزاجية الإنسان وعواطفه وسلوكه هو نتيجة
تفاعل هذه السوائل. أن نظرية المزاجات الأربعة أصبحت نظرية طبية سائدة
لأكثر من ألفين سنة بعد وفاة جالينوس، وقد حصلت على انتشار واسع وشعبية
واسعة في العصور الوسطى. لكن العلماء في ما بعد تجاهلوا السوائل الأربعة
كمؤثرات حاسمة في السلوك البشري وأعطوها أسماء جديدة ومختلفة، وفي ضوء ذلك
شكلوا نظريات حديثة وعديدة عن المزاج.
وفي القرن الثامن عشر ونتيجة
لتقدم الطب وبسرعة واكتشاف الوظائف والأنظمة الهضمية والتنفسية، تغير موقف
الأطباء من نظرية الأمزجة الأربعة. ولكن، توجه الناس إلى معرفة واكتشاف
الشخصية من خلال تعابير الوجهة وما يسمى لغة الجسد، وذلك من خلال علم
الفراسة فكان العالم السويسري يوهان كاسبر لافات Johann Kaspar Lavateالذي
استخدم المزاجات لتقديم أنواع من الشخصية، في ضوء النماذج الأربعة ولكن من
خلال ملامح الوجه وألوانه، فقد خصص يوهان كاسبر بعض الخصائص مثل البهجة
والكرم والشفقة إلى بعض الأنواع، بينما خصص أخرى، مثل: الاستبطان، التأمل
الروحي، يعزوها للآخرين. وقد أشار إلى المزاجات الأربعة،والتي هي: الدموي،
والصفراوي، والبلغمي، والسوداوي.
وأشاع الفيلسوف الألماني أمانوئيل
كانت(1724-1804)(Immanuel Kant) هذه الأفكار في بتنظيم تركيبات على طول
محورين: المشاعر feelings والنشاط أو الفعالية activity. ولخص أربعة أنواع
في كتاباته. لنوع الدموي sanguineلاحظ: أنه الشخص سعيد وهانئ ومليء بالأمل.
على أية حال، انه يعزو أهمية كبيرة إلى تصرفه في هذه اللحظة. ولكن ربما
ينساها لاحقاً. هو جيد في مساعدة الآخرين، ولكنه مدين سيء ويسأل وبشكل
متواصل عن موعد الدفع، وهو اجتماعي جداً، يرغب بالمزاح، قنوع، لا يأخذ
الكثير من الأشياء بجدية، لدية العديد من الأصدقاء، هو ليس شرير ولكنه من
الصعب أن يتحول عن أخطائه. قد يندم ولكن هذا الندم سريعا ما ينسى(ولا يصبح
أبداً شعورا بالذنب)، يتعب بسهولة ويضجر من العمل، لكنه ينشغل وبشكل ثابت
في الكثير من الألعاب. انه يحمل معه تغير ثابت، وإصراره ليس شديداً.
وفي
أواخر القرن التاسع عشر فأن الفسيولوجي الالماني ويلهيلم فونت Wilhelm
Wundt وفي عام 1879 شرح أبعاد هذه النظرية. فقد كان الشخص الأول الذي فصل
الشخصية الإنسانية عن وظائف الجسم. بعد ذلك، فسر بأن المزاج لا يمكن أن
يكون محددا بالسوائل الجسمانية. واعتقد بان الفرد لا يكون متكاملا من مزاج
واحد. وذلك أن كل شخص نموذجيا له أبعاد مختلفة من اثنين أو أكثر. كما اعتقد
بان تلك الأمزجة الأربعة كانت أبعاد أساسية في الشخصية الإنسانية، وان تلك
المزاجات تقع على طول محورين: قدرة التغيير(change ability)
والعاطفية(emotionality).
وفي القرن العشرين بدأ النمو السريع لعلم
النفس، وأدى مبكراً إلى اهتمام متزايد في الشخصية الفردية، وبشكل خاص من
قبل عالم النفسي السويسري كارل يونج الذي صنف الوظائف العقلية إلى
إحساسsensing، حدسintuition، تفكيرthinking، شعورfeeling. كما وضع
الفسيولوجي الروسي المشهور بافلوف أيضاً نظرية في ذات الموضوع بعد أن نقى
مخطط أبقراط. كذلك كلا من، هانس أيزنك(1916-1997) Eysenck Hans، والعالم
Kretschmer . وجوردون ألبورت (1897-1967)، وشيلدون ونظامه التصنيفي.
ولحد
الآن تلاقي هذه النظرية الاهتمام من قبل العلماء والباحثين، وهناك تطورات
جديدة ولكن بتصور وبشكل عصري جديد يواكب الثورة العلمية والمعلوماتية التي
يعيشها العالم اليوم. يميل تحليل الشخصية الحديث إلى تصنيف الأفراد إلى احد
الأنواع الرئيسية الأربعة. فهناك العديد من المدارس والنظريات المختلفة في
مجال علم النفس والتي لها جذور تمتد في أعماق التاريخ. حيث لدينا نظريتين
هما نظرية حقيقة ألوان True Colors Theory ، ونظرية ديفيد كريسي(David
Keirsey). فقد يمكننا التعرض لها مستقبلاً
الأشياء الجسمانية. وأبدع المولى من هذه الطبائع البسيطة الأربع، العناصر الأربعة وهي مركبة هكذا.
1 - ازدوج البرد مع الرطوبة فصار ماء. ولذا كان الماء أول المخلوقات الجسمانية والعناصر الأرضية.
2 - ازدوجت الحرارة مع اليبوسة فصارت نارا.
3 - وارتفعت النار لخفتها ورسب الماء لثقله سفلا فصار بينهما تضاد وتباعد ونتج عن هذا التضاد والتباعد الهواء.
4 - وحرك الباري الهواء بقدرته فصار ريحا. وحرك الريح الماء حتى تلاطمت
أمواجه وأرغى زبده. وصار الزبد طبقات بعضها فوق بعض، فجمد بالقدرة وصار
ترابا وأرضا.
فهذه هي العناصر الأربعة: الماء والنار والهواء والتراب، ولكل منها صفات:
فالماء بارد رطب ثقيل سيال، والنار حارة يابسة خفيفة، والهواء حار رطب لطيف والتراب (الأرض) بارد يابس ثقيل.
الأمزجة الأربعة في جسم الانسان:
وفي جسم الانسان تمثيل لهذه الطبائع الأربع والعناصر الأربعة، وهي الأمزجة
الأربعة: الدم والبلغم والمرة الصفراء والمرة السوداء. ولكل واحد منها صفات
ومكان ينبع منه ولها تأثير على مزاج الانسان وحركته وسكونه.
ونفصل ذلك فيما يلي:
1 - الدم: وهو سكن الرطوبة والحرارة وينبوعه الكبد. ومكانه العروق (الأوعية
الدموية) وسلطانه في سطح البدن ومقدم الرأس. والذي يلحق النفس من أعراضه:
قوة الشهوة للنساء مع غزارة الجماع وغزارة الشعر ونعومته، وكثرة الدم،
وخاصية طبعه في المعدة سرعة الهضم وسهولته ونفوذ الغذاء وتغيره وإجادته
وإحالته إلى جوهر الدم واللحم.
وصاحب الطبع الدموي Sanguineous Temperament قوي الشكيمة، كثير الحركة،
سريع الغضب. وخلق الله عز وجل كما يقول الرازي اللحم والدم والعصب والعروق
والقلب والصدر والكلى والأنثيين (الخصيتين) والعضلات واللسان واللوزتين
واللهاة من جوهر الدم. وكذلك ما كان رطبا من الجلد.
2 - البلغم Phlegm: وهو سكن البرودة والرطوبة. وخلق الله (كما يقول الرازي)
الدماغ والرئة، وكل ما في البدن من الأعضاء الباردة والرطبة من البلغم...
فجميع ما نتعارف اليوم عليه بأنه الجهاز العصبي مخلوق حسب هذه النظرية من
البلغم وكذلك الجهاز التنفسي لأن من القصبات الهوائية والأنف يخرج البلغم
(النفث والبصاق). والبلغم قسمين: قسم من الدماغ وهو ينصب كما ينصب الندى من
الجو وسلطانه في مؤخر الصدر وتجتمع أثقاله في مغارة الصلب والظهر كما يقول
الرازي.
وقسم من الرئة ويطفو من الرئة إلى أعلى حتى يخرج من الحلق والأنف.
ويلحق النفس من أعراضه (المزاج البلغمي) Phlegmatic Temperament وعلاماته:
العجز والكسل والفتور والثقل والنسيان وإبطاء الجواب والسكون وقلة الحركة
والحلم واللين. ويلحق الجسم من أعراضه:
السعال وقلة الشهوة للنساء والسلاسة، والارتعاش والفالج (الشلل) وخاصية
طبعه في المعدة: تزيد الوهج الكائن عند مرارة الأغذية والأشربة والأدوية
وسائر المواد الواردة على البدن. وذلك أن المعدة تتقوى به إذا هو شكلها كما
يتقوى النظر بالنظر والجنس بالجنس.
ومسكن البلغم في الرئة. ويتصل برده بنسيم الآناف (جمع أنف) الداخل من الحلق
على أنابيب الرئة ثم توصله إلى القلب، إذ هي متصلة به. فيستريح بذلك القلب
ويندفع عنه حدوث الحرارة الدخانية (النابعة من جوهر الدم) وتنتبه بذلك قوى
النفس والحرارة الغريزية.
3 - المرة الصفراء Yellow Bile: المرة الصفراء حارة يابسة نارية وتفرز من
الحويصلة المرارية Gall Bladdes وهي لاصقة بالكبد لتعين الكبد على طبخ الطعام.
وجعل الله سلطان المرة الصفراء في اليافوخ Fontanelle، لخفتها ولطافتها وارتفاعها. والأذنان من قسمتها وطبعها.
ولها من البدن ما هو حار ويابس وهي تجري مع الدم لازدواجها ومشاكلتها له
كالدهن للسراج. ومن خاصية طبعها في المعدة هضم الطعام وطبخه وكذلك حكمها في
الكبد.
ويلحق النفس من أعراضها المزاج الصفراوي Bilious Temperament وعلاماته:
الحدة والطيش والضجر واللطافة والذكاء والنباهة والشجاعة والاقدام وشهوة
النساء والحيطة وسرعة الجواب وكثرة الكلام والحركة. وتطلق لفظ Bilious في
اللغة الإنجليزية على الشخص الضجر السئم المتشائم. وكذلك تطلق على من يشعر
بالغثيان والضيق (1).
ويلحق الجسم من أعراضها كل ما ظهر من دلائل الحار واليابس ولها في المعدة والكبد والأمعاء خاصية العون على نضج الطعام وهضمه.
4 - المرة السوداء: (Black Bile) Melancholy: مكونة من الأرض ومسكنها
الطحال وسلطانها في البصر من الجانب الأيسر من البدن. وبها يكون الصمت
والتفكير والحزن والثقل والابطاء والتثبت والنظر في العواقب. ولها من
المعدة خاصية الدفع وإمساك الطعام وانتباه الشهوة.
ومنها المزاج السوداوي Melancholic Temperament والمقصود به الكئيب الحزين
المتشائم المنقبض المسبب للكآبة. ومنه كلمة الملانخوليا Melancholia وهي
حالة سوداوية قد تعتري الانسان وتسبب له كآبة شديدة ويكون ذلك مصحوبا ببعض
الهلوسات السمعية والبصرية والاعتقادات الزائفة مع آلام متوهمة في الجسم
ولا يزال هذا الاسم يستخدم في الطب النفسي إلى اليوم وفي لغة
البشر. ويسميها العامة المناخوليا ويقصدون بها الجنون... وفي كلامهم بعض
الصحة. والمقصود به نوع من الذهان المصحوب بكآبة شديدة مع نوع من الجنون
depressive Psychosis _ Manic (1) أو بعض حالات الشيزوفرينا.
باختصار هناك طبائع أربع وهي:
الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وهناك عناصر أربعة صدرت عن تفاعلها وهي:
الماء والنار والهواء والتراب.
ولهذه الطبائع والعناصر تمثيل في جسم الانسان وهو ما يعبر عنه بالأمزجة الأربعة or Temperaments (Four Humors) وهي:
المرة الصفراء (حارة ويابسة).
المرة السوداء (باردة ويابسة).
البلغم (بارد ورطب).
الدم (حار ورطب).
خصائص الأمزجة ومراحل العمر:
ولكل واحد من هذه الأربعة خصائص... وهي جميعا موجودة في جسم الانسان، فإذا
اعتدلت هذه الطبائع أو الأمزجة الأربعة كانت الصحة وإذا انحرفت بزيادة أو
نقصان أو تغلب أحدها على الآخر كان المرض.
وتكون وظيفة الطبيب هي تعديل هذه الطبائع أو الأمزجة حتى تعود لسابق عهدها.
وتنقسم مراحل عمر الانسان إلى أربعة مراحل وفي كل مرحلة من هذه المراحل تكون الغلبة لأحد هذه الأمزجة كالآتي:
ففي سن الشباب والطفولة تكون الغلبة للدم حيث تتكون الأعضاء الدموية ويكثر
النشاط ويعمل الكبد (مركز الدم) بهمة ونشاط، ويكون الاندفاع وعدم التروي
وفي سن الرجولة (15 - 35) تظهر الغلبة للمرة الصفراء وفيها حدة الفهم والذكاء والشجاعة والحيطة.
وفي سن الكهولة (35 - 55) تظهر الغلبة للمرة السوداء: وفيها الصمت والتفكير والتثبت والنظر في العواقب.
وفي سن الشيخوخة (ما بعد الخامسة والخمسين إلى أرذل العمر) تكون الغلبة
للبلغم وعلاماته العجز والفتور والثقل والنسيان والسكون والحلم واللين.
وتحتوي الأطعمة والأشربة على هذه العناصر الأربعة أيضا فبعضها يغلب عليه
الحرارة ويسمى حارا، وبعضها يغلب عليه البرودة ويسمى باردا، وهكذا... ولهذا
وجب تعديل الطعام بحيث يكسر الحار البارد والعكس...
وبحيث يناسب كل سن وكل فصل من فصول السنة لأن فصول السنة أيضا تتبع العناصر
الأربعة والطبائع الأربع، والطبيب الماهر هو الذي يعطي لكل حالة لبوسها
فطعام المريض غير طعام الناقة، وطعام الصحيح غير طعام السقيم، وطعام الرضيع
غير طعام الفطيم وهكذا... وطعام الانسان في السفر غير طعامه في الحضر...
وطعامه أثناء فصل الربيع ينبغي أن يختلف عن طعامه أثناء فصل الخريف...
وطعامه في الصيف لا بد أن يختلف عن طعامه في الشتاء.
ولهذا عقد الإمام علي الرضا فصلا لموضوع الغذاء في رسالته وقال للمأمون:
(واعلم يا أمير المؤمنين أن كل واحدة من هذه الطبائع يحب ما يشاكلها فاغتذ
ما يشاكل جسدك.
ومن أخذ من الطعام زيادة لم يفده، ومن أخذ بقدر لا زيادة عليه ولا نقص
نفعه.. واعلم يا أمير المؤمنين: كل البارد في الصيف والحار في الشتاء
والمعتدل في الفصلين (أي الربيع والخريف لاعتدالهما) على قدر قوتك وشهوتك..
وابدأ بأول الطعام بأخف الأغذية التي تغتذي بها بدنك..) ثم ذكر بعد ذلك
فصول السنة وأشهرها شهرا شهرا بالتقويم الشمسي وابتدأ بشهر آذار (مارس)
لأنه أول الربيع وذكر فيه ما ينبغي أن يؤكل فيه وما يجتذب من الطعام
والدواء، ثم نيسان (إبريل) وهكذا حتى انتهى إلى شباط
فبراير). وما يناسب كل شهر من غذاء وما لا يناسبه... وما يناسب كل شهر من
أنواع النشاط الجسماني ودخول الحمام والجماع والرياضة وما لا يناسبه..
وكذلك الحجامة والفصد وأنواع الأدوية.
كلمة أخيرة: إن الطب الحديث والعلم الحديث قد ألغى فكرة العناصر الأربعة
والطبائع الأربع والأمزجة الأربعة. واستبدلها بأمور أكثر تعقيدا بكثير مما
كان يظن. والعناصر الأربعة لم تعد عناصر بل هي مركبات وحالات فالماء مركب
والهواء مركب والتراب مركب والنار حالة تعتري المواد كلها وهي حالة
الاحتراق بواسطة الأوكسجين..
وعدد العناصر قد جاوز المائة عنصر... والطبائع الأربع الحرارة والبرودة
والرطوبة واليبوسة لم تعد أساسية وإنما هي تعبر عن درجة الحرارة (الحرارة
والبرودة) التي يمكن أن تقاس بمختلف الأجهزة المعقدة والبسيطة (ميزان
الحرارة الترمومتر) والرطوبة واليبوسة عبارة عن درجة وجود الماء في الأشياء
فإذا زادت نسبة الماء زادت الرطوبة وإذا قلت النسبة كانت اليبوسة.
وما يسمى الأمزجة في جسم الانسان قد تغير مفهومه كثيرا. والدم سائل من
سوائل الجسم... صحيح أنه يتكون في الكبد في أثناء نمو الجنين ولكن هذه
مرحلة فقط من المراحل ثم يتكون في نقي العظام..
وأما الطحال فلا تفرز المرة السوداء كما يقولون بل تحطم خلايا الدم الحمراء التي انتهى أجلها.
وتفسيرات الدم والبلغم والمرة السوداء والصفراء مضحكة بالنسبة للطب
الحديث... وأغلب ما ذكر في ذلك أثبت العلم خطأه وخطله. وقد يبقى منه فتات
أو شذرات تصح منه الإشارات.
وتبدلت الحال وظهرت الهرمونات والمواد الكيمياوية المعقدة وظهر تأثيرها على
جسم الانسان وعلى سلوكه كذلك. ومع هذا بقيت تعبيرات المزاج الصفراوي
والمزاج السوداوي والمزاج الدموي والمزاج البلغمي في جميع اللغات الحية إلى
اليوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق