الأمزجة والأخلاط |
وثانيهما: المزاج وأقسامه تسعة: معتدل، ليس مشتقاً من التعادل الذي هو التكافؤ فذلك لا وجود له في الخارج، بل من العدل في القسمة، وغير المعتدل، إما مفرد، وهو أربعة: حار وبارد، ورطب، ويابس، وإما مركب وهو أربعة: حار يابس، وحار رطب، وبارد يابس، وبارد رطب. وأعدل الأمزجة مزاج الإنسان، وأعدل أصنافه: سكان خط الاستواء، ثم سكان الإقليم الرابع، والشبان أعدل، والصبيان يساوونهم في الحرارة لكنهم أرطب، فلذلك حرارتهم ألين، وحرارة الشبان أحد، والكهل والشيخ: باردان يابسان، والشيخ أرطب بالرطوبة الغريبة البالّة، وأعدل الأعضاء جلدة أنملة السبابة، ثم جلد الأنامل الباقية، ثم جلد الأصابع، ثم جلد الراحة، ثم جلد الكف، ثم جلد اليد، ثم الجلد مطلقاً، وأحرّها القلب، ثم الكبد، ثم اللحم، وأبردها العظم، ثم الغضروف، ثم الرباط، ثم العصب، ثم النخاع، ثم الدماغ، وأرطبها السمين، ثم الشحم، ثم اللحم الرخو، ثم الدماغ، ثم النخاع وأيبسها الشعر، ثم العظم، ثم الغضروف، ثم الرباط، ثم العصب. وثالثها: الأخلاط، وهي أربعة: أفضلها الدم وهو: حار رطب، وفائدته تغذية البدن، والطبيعي منه أحمر لا نتن له، معتدل القوام، حلو. وغير الطبيعي منه ما خالف ذلك لوناً أو رائحةً، أو قواماً، أو طعماً، ثم البلغم وهو: بارد رطب، وفائدته أن يستحيل دماً إذا فقد البدن الغذاء، وان يرطب الأعضاء فلا تجففها الحركة، وأن يدخل في تغذية مثل الدماغ. والطبيعي منه ما قارب الاستحالة إلى الدموية، وغير الطبيعي من جهة الطعم كالمالح، يميل إلى الحرارة واليبس، والحامض ويميل إلى البرد واليبس، والمسيخ، وهو خالص البرد كثير الفجاجة، والعفص ويميل إلى البرودة واليبس، ومن جهة القوام، كالرقيق جداً ويسمــى المائي، والغليظ جداً ويسمى الجصّي، والمختلف القوام ويسمى الخام، ثم الصفراء هي حارة يابسة، وفائدتها تلطيف الدم وأن يدخل في تغذية مثل الرئة، وأن ينصبّ جزء منها إلى الأمعاء، فيغسلها من الثقل الملتصق بها، والبلغم اللزج، والطبيعي منها أحمر ناصع خفيف حاد، وغير الطبيعي، إما لاختلاطها بالبلغم الغليظ وهو: المحّي، أو بالبلغم الرقيق وهو: المرّة الصفراء، أو بالسوداء الاحتراقية وهو الصفراء المحترقة، أو لاحتراقه في نفسه، وهو: الكراثي والزنجاري. والاحتراق في الزنجاري أقوى، فلذلك يشبه السموم. ثم السوداء وهي: باردة يابسة وفائدتها: إفادة الدم غلظاً ومتانةً وأن تدخل في تغذية مثل العظام، وأن ينصبّ جزء منها إلى فم المعدة فينبه على الجوع، ويحرك الشهوة. والطبيعي منها دردي الدم المحمود وغير الطبيعي يحدث عن احتراق أي خلط كان حتى السوداء نفسها. |
(وثانيهما) أي ثاني الأمور السبعة الطبيعية: (المزاج) وهو كيفية متوسطة بين الأمور الأربعة، أي الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة (وأقسامه) أي المزاج (تسعة): الأول: (معتدل) أي ما يتساوى فيه الكيفيات الأربعة بحسب اللائق، لا بحسب الحقيقة. ولذا قال المصنف: (ليس مشتقاً من التعادل الذي هو التكافؤ) فـ (ذلك) المعتدل بهذا المعنى (لا وجود له في الخارج) بأن يكون مركب يتساوى فيه البرودة واليبوسة والرطوبة والحرارة، وإن شئت قلت: يتساوي فيه الهواء والنار والماء والأرض، واستدلوا لاستحالة وجود هذا النحو من المزاج بأنه إن حصل فلا يخلو من أن يكون هناك قاسر يحفظه في محل واحد أولاً، فإن لم يكن له قاسر لم يحصل التركيب، لميل كل عنصر إلى حيزه الخاص، وإن كان له قاسر فإن امسكه في مكان أحد العناصر كان ذلك من غير مرجح، وإن أمسكه في مكان خاص غير مكان العناصر الأربعة لزم الخلاء، لأنه قبل وجود هذا المزاج لم يكن هناك عنصر ولا مزاج، فتأمل (بل) المعتدل ـ في كلامنا ـ مشتق (من العدل في القسمة) بأن يكون المركب قد أعطي من العناصر الأربعة القسط الذي يليق به في مزاجه، كما أن العدل في القسمة أن يعطى العالم فوق الجاهل والمهندس أكثر من العامل (وغير المعتدل) من الأمزجة بأن لا يكون القسط من الكيفيات والكميات العنصرية على ما ينبغي (إما مفرد وهو أربعة) : الأول: (حار) بزيادة الحرارة على البرودة (و) الثاني: (بارد) بالعكس، (و) الثالث: (رطب) بزيادة الرطوبة على اليبوسة، (و) الرابع: (يابس) بالعكس. (وإما مركب) بأن تزاد كيفيتان على كيفيتين (وهو أربعة) أيضاً: الأول: (حار يابس) بزيادة الحرارة واليبوسة على البرودة والرطوبة، (و) الثاني: (حار رطب، و) الثالث: (بارد يابس) بزيادة البرودة واليبوسة على الحرارة والرطوبة (و) الرابع: (بارد رطب) . فهذه الأقسام الثانية مــع المعتدل تصـــير تســعة أقسام للمزاج، ولا يخفى أن المراد بالأمزجة المفــردة ـ التي عرفت أنها أربعة ـ . إن الزيادة إنما هي في أحد الطرفين مع كون الطرف الآخر معتدلاً، فمعنى الحار أن الحرارة غلبت على البرودة مع اعتدال اليبوسة والرطوبة فلم تغلب إحداهما على الاخرى وهكذا بالنسبة إلى الثلاثة الأُخر، فلا يستشكل بأن كل مزاج تجتمع فيه الكيفيات، فكيف يمكن عدم التركيب، كما أن منه ظهر: إن الأمزجة المركبة تتحصل الزيادة في كلا الطرفين منها، فالحرارة واليبوسة كلتاهما تغلبان على البرودة والرطوبة ـ مثلا ـ وكذا في الأقسام الثلاثة الأُخر (وأعدل الأمزجة) أي أقربها إلى الاعتدال الحقيقي (مزاج الإنسان) . قالوا: ولذا أفيض عليه النفس الناطقة التي هي أشرف، إذ شرف المحل يسبب شرف الحال، بخلاف المعدن الذي هو أبعد الأمزجة، فلم يفض عليه إلا ما يحفظ عناصره عن الانفكاك، وبخلاف النبات الذي هو أفضل منه فأفيض عليه علاوة على ذلك مبدأ حفظ الاغتذاء والنشوء والنماء، وبخلاف الحيوان الذي هو أفضل منه فأفيض عليه علاوة على ذلك نفس يصدر منها الحس والحركة. (وأعدل أصنافه) أي أصناف مزاج الإنسان (سكان خط الاستواء) وحواليه، وخط الاستواء هو: الخط الوهمي المنصف للأرض من المشرق إلى المغرب. قالوا: لأن الشمس لا تبتعد عنهم كثيراً حتى تبرد عليهم كثيراً، ولا تلبث على سمت رأسهم كثيراً حتى تشتد حرارة صيفهم، فيسبب أحد الأمرين انحراف أمزجتهم. (ثم سكان الإقليم الرابع) فقد قسموا المعمورة في طرف الشمال من خط الاستواء إلى سبعة أقاليم يختلف كل إقليم عن الآخر، بكون النهار الأطول في أول الإقليم الثاني يزيد بمقدار نصف ساعة عن النهار الأطول في أول الإقليم الأول، وهكذا بالنسبة إلى الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع. وإنما كانت أمزجة أهل الإقليم الرابع أعدل بعد سكان خط الاستواء، لأنهم لا يحترقون بدوام مسامتة الشمس رؤوسهم صيفاً بعد تباعدها عنهم شتاءاً، بخلاف أواخر الإقليم الثاني وأوائل الإقليم الثالث الذين يحترقون صيفاً ولا هم يبردون بدوام بعد الشمس عن رؤوسهم بخلاف أواخر الإقليم الخامس والسادس والسابع حيث تبتعد عنهم الشمس كــثيراً شتاءاً وصيفاً، فيبقون في حالة عدم النضج والطبخ (والشبان أعدل) فقد قسموا سن الإنسان إلى أربعة: الأول: الحداثة، ما بين الولادة والثلاثين. الثاني: الشباب، ما بين الثلاثين والأربعين. الثالث: الكهولة، ما بين الأربعين والستين. الرابع: الشيخوخة، ما بين الستين إلى آخر العمر. قالوا: لأن الرطوبة الغريزية، إما وافية بحفظ الحرارة الغريزية أو أزيد أو أقل، ولو كانت الرطوبة الغريزية أقل، فالرطوبات الغريبة إما غالبة على البدن، أو لا، فالأول هو سن الشباب، والثاني هو سن الحداثة، والثالث هو سن الشيخوخة والرابع هو سن الكهولة. (و) بهذا تبين أن (الصبيان) المراد بهم من أول العمر إلى سن الثلاثين (يساوونهم) أي الشبان (في الحرارة) الغريزية (لكنهم) أي الصبيان (أرطب) جسماً من الشبان، لما عرفت من أن رطوبتهم الغريزية أكثر من رطوبة الشبان (فلذلك) أي لكون رطوبة الصبيان أكثر، كانت (حرارتهم) أي الصبيان (ألين) إذ كلما كثرت الرطوبة قلت الحرارة (وحرارة الشبان أحدّ) أي أكثر حدة، لعدم زيادة رطوبتهم الغريزية على حرارتهم الغريزية (والكهل) وهو ما بين الأربعين والستين. (والشيخ) وهو ما بعد الستين إلى آخر العمر (باردان) لقلة الحرارة الغريزية فيهما (يابسان) لفناء الرطوبة الغريزية (والشيخ أرطب) من الكهل (بـ) سبب (الرطوبة الغريبة) الآتية من الخارج (البالّة) للبدن، فإنه لما ضعف هضمه استولت عليه الرطوبات الفضلية المنتقلة إليه بسبب الغذاء ونحوه، ولا يخفى أن هذه الرطوبة تزيد في جفاف الأعضاء الأصلية لأنها إذا حتفّت بها منعتها عن الاغتذاء بالغذاء الصالح المرطب لجوهرها، وهي لا تصلح للتغذية، فتجف لفقدانها الغذاء المرطب. (وأعدل الأعضاء) في بدن الإنسان (جلدة أنملة السبابة) في اليدين فإنها لا تنفعل عن الأشياء المعتدلة، وعدم الانفعال عنها دليل على اعتدالها. أما الصغرى فلأنه إذا كان الماء ممزوجاً من الحار والبارد على التساوي في الكيفية والمقدار لم تتأثر به الجلدة، وكذلك إذا خلط جسم من أيبس الأشياء كالتراب وأسيلها كالماء. وأما الكبرى فلأن الانفعال إنما يكون بالتأثير والتأثر، والمعتدلين لا تأثير لأحدهما على الآخر. وإذا عرفنا ميزان الاعتدال في البدن ظهر لنا وجه قول المصنف: (ثم جلد الأنامل الباقية، ثم جلد الأصابع) باطنها (ثم جلد الراحة) وهي باطن الكف (ثم جلد الكف) ظاهرها (ثم جلد اليد، ثم الجلد مطلقاً) ومقتضى القاعدة كون اللحم القريب بالجلد حاله حال الجلد في التدرج المذكور، كما يكون حاله حال الجلد في اللمس. (وأحرّها) أي أكثر الأعضاء حرارة (القلب) وهو جسم صنوبري مودع في الجانب الأيسر، (ثم الكبد) وهي التي تحلل الغذاء إلى الأخلاط في الجانب الأيمن، (ثم اللحم) المنتشر في مختلف مناطق البدن. ووجه هذا الترتيب مذكور في المفصلات، وكذلك وجه ما يأتي: (وأبردها) أي أشد الأجزاء برودة، (العظم) بمختلف أجزائه (ثم الغضروف) وهو شيء ألين من العظم متصل به، (ثم الرباط) وهو أبيض لدن يوصل العظم بالعظم أو بالعضلة (ثم العصب) وهو أبيض لين في الانعطاف صلب في الانفصال (ثم النخاع) وهو الجسم الأبيض الممتد في فقار الظهر (ثم الدماغ) الكائن في الرأس، (وأرطبها) أي أشد الأجزاء رطوبة، (السمين) وهو مثل الشحم إلا انه أقل ليناً منه ويوجد على الأغشية، (ثم الشحم) وهو واضح، (ثم اللحم الرخو) كالثدي والأُنثيين، (ثم الدماغ) الكائن في الرأس، (ثم النخاع) الممتد في فقار الظهر. (وأيبسها) أي أكثر الأجزاء يبوسة. (الشعر) مطلقا، (ثم العظم) بمختلف أصنافه، (ثم الغضروف، ثم الرباط، ثم العصب) . وقد دلّ على هذه الأحوال البرهان المذكور في المفصلات، والتجربة الحاصلة من الأدوية والأمراض. (وثالثها) أي ثالث الأمور السبعة الطبيعية: (الأخلاط) جمع خلط، وهي الأمور المخلوطة من الأغذية والأدوية السارية في البدن. (وهي أربعة) : الدم والبلغم والصفراء والسوداء، وتأنيثهما باعتبار لفظة ـ الأخلاط ـ (أفضلها الدم) فهو العمدة في غذاء البدن فإذا أكل الإنسان شيئاً انقلب ـ بعد التصفية ـ إلى الدم، والدم يصل إلى الأعضاء فيغذيها (وهو حار رطب) ويدل على ذلك انه يتولد من الأغذية الحارة الرطبة، ويتولد غالباً فــي الأوقات الحارة الرطبة كالربيع، وكذلك يتولد أكثر في الأمزجة الحارة الرطبة كحالة النمو، ويولد الأمراض الحارة الرطبة كالحمّى المطبقة، ويندفع بالأشياء الباردة اليابسة (وفائدته) أي فائدة الدم (تغذية البدن) وتوليد الروح البخاري على المشهور (والطبيعي منه) الذي لم يفسد ويتولد في الكبد السالمة (احمر) فإن الله سبحانه أودع في الكبد ما يجعل الغذاء الواصل إليه من المعدة أحمر، فتتغذى الكبد وسائر الأعضاء من هذا الدم (لا نتن له) أي للدم الطبيعي فإن رائحته طبيعية صالحة إذ لم يفسد بهذا التحول (معتدل القوام) بين الرقة والغلظة (حلو) في الذوق، قالوا: وفائدة كونه بهذه الصفات أن جذب الأعضاء إليه أسرع فيصلح للتغذية (وغير الطبيعي منه ما خالف ذلك) المذكور (لونا) كأن يكون مائلاً إلى البياض والسواد (أو رائحةً) بأن تكون له رائحة كريهة (أو قواماً)، فيرق أو يغلظ (أو طعماً) كأن يكون مراً (ثم) بعد الدم في الفضيلة الخلط الثاني، وهو: (البلغم) وهو دم غير ناضج، ولونه أحمر أيضاً كما أن لوني الخلطين الآخرين السوداء والصفراء أيضاً كذلك، مع اختلاف في الحمرة بينها في الجملة (وهو: بارد رطب) ويدل على ذلك مثل الدلائل المذكورة في باب الدم، فإن البلغم يتولد من الأغذية الباردة الرطبة الخ. (وفائدته) أولاً: (أن يستحيل دماً) عند الاحتياج، لما عرفت من انه دم غير ناضج (إذا فقد البدن الغذاء) فإن البلغم يجري مع الدم في العروق، فإذا احتاجت الطبيعة إلى الغذاء ولم يكفها الغذاء الواصل إليها من الكبد والمعدة، طبخت الطبيعة ـ بحراراتها الغريزية ـ البلغم فتم نضجه، وصار غذاءاً لها (و) ثانياً: (أن يرطب الأعضاء فلا تجففها الحركة)، فإن أجزاء الجسم في حركة دائمة من الداخل والخارج، والحركة تولد الحرارة، والحرارة تجــفف الرطوبة، فجعل البلغم ـ الذي هو بارد رطب ـ لان يبلها ويحفظها من الجفاف المضر، خصوصاً في المفاصل التي تكثر حركتها (و) ثالثاً: (أن يدخل في تغذية مثل الدماغ) من الأعضاء البلغمية المزاج، وربما ذكرت له فائدة رابعة، وهي أن يعطي الدم لزوجةً والتصاقاً بالأعضاء (والطبيعي منه) أي من البلغم (ما قارب الاستحالة إلى الدموية) بأن كمل فيه النضج لكنه لم يصل إلى كمال الدم، وكان تولده في الكبد (وغير الطبيعي) الذي لم ينضج بعد، أو تولد في غير الكبد لآفة على قسمين: غير الطبيعي من جهة الطعم، وغير الطبيعي من جهة القوام، أما غير الطبيعي (من جهة الطعم) فأربعة، الأول: (كالمالح، ويميل إلى الحرارة واليبس، و) الثاني: (الحامض، ويميل إلى البرد واليبس و) الثالث: (المسيخ) بمعنى الممسوخ كأن البلغم مسخ، ويكون طعمه تافهاً (وهو خالص البرد) لا حرارة له (كثير الفجاجة) ليس له نضج إطلاقاً، (و) الرابع: (العفص) والعفوصة: طعم الثمار قبل النضج مما يسبب جمع الفم عند مضغه (ويميل إلى البرودة واليبس و) أما غير الطبيعي (من جهة القوام) فثلاثة، الأول: (كالرقيق جداً ويسمى المائي) لشبهه بالماء في رقة القوام (و) الثاني: (الغليظ جداً ويسمى الجصّي) لشبهه بالجص المذاب في الماء (و) الثالث: (المختلف القوام) بأن يكون بعضه غليظاً وبعضه رقيقاً (ويسمى الخام) لعدم نضجه تماماً (ثم) بعد البلغم في الفضيلة (الصفراء) وفضلها لأجل أنها إنما خالفت الدم في اليبوسة فقط إذ (هي حارة يابسة) بخلاف الدم الذي كان حاراً رطباً (وفائدتها) ـ أولاً ـ (تلطيف الدم) فإن الصفراء حارة، وبسبب حدتها ترقق الدم فيسهل دخوله في المسالك الضيقة في البدن، وإذا عملت وظيفتها يخرج قسم منها عن المسالك بالعرق، وقسم منها عن مجرى البول (و) ثانياً: (أن يدخل في تغذية مثل الرئة) فإن الرئة تتغذى بالصفراء (و) ثالثاً: (أن ينصب جزء منها إلى الأمعاء، فيغسلها من الثقل الملتصق بها) فإن الصفراء لحدتها تغسل ما يلصق بالأمعاء فتسبب نقاءها عن الأدران والأوساخ كي تتمكن من القيام بعملها (والبلغم اللزج) عطف على ـ الثقل ـ (والطبيعي منها) أي من الصفراء (أحمر ناصع) رقيق الحمرة، تضرب إلى الصفرة كشعر الزعفران (خفيف) ليست بثقيل لرقّتها فإن الأجزاء النارية كثيرة فيها (حاد) فإذا تقيأ الإنسان بهذه المادة وجد حرقة ولذعاً في فمه ومعدته، ومن تبرّز بها وجدهما في مقعدته، وسبب حدّتها غلبة الحرارة عليها (وغير الطبيعي) من الصفراء على أقسام لأنها (إما) أن تتكون (لاختلاطها بالبلغم الغليظ وهو) المسمى بـ (المحّي) المُح هو: صفرة البيض وسمي هذا القسم به لشبهه به في الاصفرار (أو) لاختلاطها (بالبلغم الرقيق وهو) المسمى بـ (المرّة الصفراء) وهذا الاسم وإن كان صادقاً على جميع أقسام الصفراء لمرارتها لكنهم خصوه بهذا القسم فقط (أو) لاختلاطها (بالسوداء الاحتراقية) أي اختلطت الصفراء بالسوداء المحترقة الحاصلة تلك السوداء من الصفراء (وهو) المسمى بـ (الصفراء المحترقة) تغليباً لاسم الجزء على الكل (أو لاحتراقه في نفسه) فلم تنقلب الصفراء سوداءاً ثم احترقت، وإنما احترقت ابتداءً (وهو) المسمى بـ (الكراثي) لشبهه بالكراث، (والزنجاري) هو صدأ الحديد لشبهه به أيضا، فإنه ربما يكون أخضر مائلاً إلى السواد، وربما يكون أخضر مائلاً إلى البياض (والاحتراق في الزنجاري أقوى) ولذا يكون أقوى لذعاً وحدة، ولا يخفى أن الضمائر قد تعاد إلى القسم فتذكر، وقد تعاد إلى الصفراء فتؤنث (فلذلك) أي لشدة احتراق الزنجاري (يشبــه السموم) في اللذع، والحدة، ورداءة الكيفية، (ثم) بعد الصفراء في الفضيلة (السوداء) فإنها مخالفة للدم في الكيفيتين إلا أن فيها فضيلة أيضاً كما لا يخفى. (وهي: باردة يابسة) والدليل على ذلك مثل الدليل على حرارة الدم ورطوبته كما تقدم (وفائدتها) أولاً: (إفادة الدم غلظاً ومتانةً) ليحتبس الدم في المكان مدة مديدة حتى يستحيل إلى غذاء ذلك العضو، فإن الدم بحالته الطبيعية يجري ولا يستقر في مكان لرقته، فالسوداء تبقيه بعد أن تثخنه (و) ثانياً: (أن تدخل في تغذية مثل العظام) من الأعضاء الباردة اليابسة التي غلبت عليها الحالة الأرضية (و) ثالثاً: (أن ينصبّ جزء منها إلى فم المعدة فينبه على الجوع، ويحرك الشهوة) إلى الطعام، فإن السوداء تدغدغ فمها وتوجب لذعاً وحرقة فيها مما يضطر الإنسان معها ـ دفعاً للألم ـ من تناول الطعام، وإنما تدغدغ لحموضتها، كما أن الحموضة مطلقاً كذلك فمن تناول حامضاً تحركت شهوة الطعام عنده (والطبيعي منها) أي من السوداء (دردي الدم المحمود) والدردي هو: الثالل، فإن الدم يرسب منه أجزاء ثقيلة فتتولد منها السوداء، بخلاف البلغم، والصفراء، فلا رواسب منهما (وغير الطبيعي) منها (يحدث عن احتراق أي خلط كان) من الدم والصفراء والبلغم (حتى السوداء نفسها) قد تحترق فتولد سوداءً غير طبيعية. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق