مزاج temperament هو مجموعة الخصائص الانفعالية لدى الفرد تتفاوت في درجة قوتها أو ضعفها؛ وثباتها أو تقلبها، التي تظهر في سلوك الفرد وتوازن ردود أفعاله تجاه مواقف الحياة المتنوعة؛ كما يشير إلى الأسلوب الذي يعمل به الفرد في نطاق قدراته واستعداداته ودوافعه للاستجابة للمواقف الجديدة، أي إنه شكل من أشكال التكيف أو التوافق الانفعالي الذي يبديه الفرد في مواقف الحياة المختلفة، أخذ شكل العادة في تكرارها واستمرارها بمرور الزمن.
وعندما يُذكر المزاج يتبادر إلى الذهن الطبع، إذ إن المزاج لدى فرد ما هو سمة من سمات الطبع لديه وقاعدة يبنى عليها؛ فمزاج الإنسان يشكل قاعدة أعماله الجسمية والعقلية والانفعالية. هناك أنواع عدة للحالات المزاجية ـ منها المزاج الإيجابي أو السار والمزاج السلبي (الحزين والمكتئب) ـ التي يتفرع منها العديد من الأمزجة التي تظهر في حالات كثيرة. فقد يظهر في الحياة اليومية أشخاص يصفهم بعض الناس بأنهم: خجولون، متمردون، عصبيون، مشحونون بالعقد النفسية، انفعاليون في تفاعلاتهم مع الآخرين، وثمة أشخاص آخرون هادئون، أذكياء، متزنون انفعالياً، أو طيبو القلب… إلى ما هناك من السمات والأوصاف التي ينعت بها الناس بعضهم بعضاً حول تكيف الفرد مع الآخر على المستوى العقلي والسلوكي والوجداني.
أسباب اضطرابات المزاج
أما الأسباب الحقيقية وراء اضطرابات المزاج لدى الفرد فتتجلى في العامل الوراثي والعامل العصبي والبيئة الاجتماعية المضطربة، والصراعات والإحباطات والقلاقل التي يعانيها الفرد منذ الطفولة؛ إضافة إلى استعداد الفرد لقبول مثل هذا اللون من المزاج في شخصيته أثناء تفاعله مع الآخرين. كما أكدت الأبحاث العلمية أن النظام العصبي لدى الفرد هو المسؤول في الغالب عن هذه الاضطرابات.
أنواع المزاج
يعد الطبيب اليوناني هيبوقراط Hippocrates أول من تحدث عن المزاج إذ وضع منذ القرن الخامس قبل الميلاد تصنيفاً للأمزجة كان له تأثير في الطب النفسي وعلم النفس الحديث، وهذه الأمزجة هي: المزاج الدموي الذي يتصف صاحبه بالحركة والفاعلية وقوة البنية الجسدية والعلاقات الاجتماعية الدافئة، والمزاج السوداوي الذي يسمى أحياناً بنموذج النكِد الذي قد يبدو غير أنيس مع الآخرين، عصبياً وانفعالياً، وضعيف البنية الجسمية، لكنه يتحمل أكثر من غيره الصدمات الانفعالية المفاجئة كالموت على سبيل المثال، والمزاج الصفراوي الذي يتسم صاحبه بالانفعال السريع، وهو نزق جداً، سحنته ضاربة إلى الصفرة، ويتحمل الألم، أما اللمفاوي فيبدو مستقراً وهادئاً، ذو جسم تكثر فيه الشحوم، فاعليته بطيئة، لا يصمد أمام الألم.
كما قدم العديد من العلماء تصنيفات مختلفة للأمزجة البشرية، مثل يونغ Jung الذي قسمه إلى نوعين المنبسط والمنطوي، وكريتشمر Kretchmer الذي صنفه وفقاً للبنية الجسدية إلى: النموذج الرياضي والواهن والبدين. وصنفه شيلدون Sheldon إلى الحشوي والعضلي والدماغي.
وذكر العلماء أيضاً تصنيفات عدة للأمزجة بناء على أسلوب استجابة الفرد للمثيرات الداخلية والخارجية المتمثلة في: مستوى النشاط، والإيقاعية، والاقتراب والانسحاب تجاه الآخرين، والأسلوب التكيفي، ونوعية الطبع، وحدة رد الفعل، وعتبة الاستجابة، وتشتت الانتباه. وأهم هذه التصنيفات: الفرد ذو المزاج السلبي، ويتسم بعدم الانتظام في وظائفه البيولوجية، والسلبية في التفاعل مع المثيرات الجديدة، والحدة في ردود أفعاله، وصعوبة التكيف مع متغيرات البيئة، وكثرة التذمر. أما الأفراد من ذوي الاهتمام المحدود؛ فيتسمون بالسلبية تجاه المثيرات الأولية، وتكون استجاباتهم متوسطة في حدتها، وتحتاج إلى تكرار متواصل للتكيف معها. أما أصحاب المزاج الإيجابي؛ فيتسمون بإيجابية الطبع، وسهولة التكيف، واعتدال في ردود أفعالهم الإيجابية في التفاعل مع المثيرات الجديدة.
الكشف عن المزاج
أما الأساليب التي يتم فيها الكشف عن المزاج الإيجابي والمزاج السلبي (المرضي)، فهي: الأسئلة المفتوحة الموجهة إلى الأفراد عن عدد مرات شعورهم بالسعادة والسرور، ومرات شعورهم بالضيق والتعاسة، والاختبارات النفسية التي تقيس سمات الشخصية كالمزاج المتقلب، والعصبية والمرونة والطلاقة والجمود الانفعالي، والملاحظة المباشرة وغير المباشرة. كما ذكر العلماء أن المزاج قد يكون في حدوده الطبيعية سواء في الحالة الإيجابية أو السلبية، ويمكن أن يطلق عليه سمة الشخصية المزاجية التي تكون في الغالب في حدود السواء والاعتدال، ولكن المزاج قد يجنح إلى الاضطراب أو المرض إذا كان شديداً ودائماً، ويسبب الضيق والألم لصاحبه، وفي هذه الحالة يدور الحديث عن اضطرابات المزاج mood disorders الذي يعني في الطب النفسي وعلم النفس المرضي الحالات المرضية من الهوس والنشوة والانفعال السار أو من الاكتئاب والهمود، ويستعمل الأطباء في هذا الشأن مصطلح الاضطرابات الوجدانية بدلاً من اضطرابات المزاج، التي تشمل مجموع الحالات الهمودية والهيجانية.
اضطرابات المزاج
إن اضطرابات المزاج هي من الأمراض العصبية والنفسية التي تصيب جميع الناس في أعمارهم المختلفة، وتحتل حالات الاكتئاب المركز الأول من بين هذه الاضطرابات، كما أن النساء يأخذن النصيب الأكبر من هذه الأمراض، وذروة الإصابة في هذه الحالات عندهنّ هي في الأعمار ما بين الثلاثين والأربعين. إذ كثيراً ما يشتكي المصاب بمرض الاكتئاب من الإحساس «بالنرفزة» أو العصبية الزائدة وانعدام الاستمتاع بأشياء وأعمال كانت في السابق مركز اهتمام ومتابعة عند المريض، كما يكون المريض منزعجاً من التعامل مع من يحيط به سواء بالعمل أو بالبيت، ويفضل الخلود إلى الوحدة والعزلة، ويجد نفسه متضايقاً من الأنوار والاجتماعات الصاخبة. أما التفكير عنده فيصبح مشوّشاً، ويغلب عليه طابع السلبية وانعدام الصواب في اتخاذ القرارات وما له من تأثيرات مستقبلية غير محمودة. وتصل شدة المرض أحياناً إلى مرحلة أن الإنسان يلوم نفسه على كل خطأ أو إخفاق أو مشكلة تحصل معه، أو تمسّ عائلته، أو تخلّ بعمله ونجاحه. إن أعراض الاكتئاب كثيرة، ومنها ما يظهر على شكل آلام جسمية وتعب وقلة تحمل للأعمال المجهدة وضعف قد يصل إلى درجة عدم القدرة على الاستحمام وتسريح الشعر. وكثيراً ما يكون انعدام القدرة على التفكير والشرود الذهني إضافة إلى الصداع من الدوافع الأولى للذهاب إلى الطبيب. لكن أكثر مشكلات الاكتئاب غير المحسوسة هي التأثير في طبيعة العلاقة بين المريض وزوجه وبين المريض وأهله لدرجة أنه يصبح أحياناً عبئاً عظيم الثقل على الآخرين الذين يحيطون به.
الوقاية من المزاج المضطرب
إذا أُريد المحافظة على المزاج الإيجابي لدى الفرد وإبعاده عن المزاج الانفعالي السلبي الذي يسبب له العديد من المشكلات على المستوى العقلي والاجتماعي والانفعالي والنفسي؛ فيجب تعليمه أساليب التكيف المناسبة في مواقف الحياة المختلفة، وإبعاده عن الصراعات والإحباطات، ومساعدته على كيفية التحكم بانفعالاته وضبط نفسه في مواقف الشدة والتوتر، ووضع كل فرد في موضع يتناسب واستعداداته وكفاياته وميوله واهتماماته؛ لأن هذا يساعده على الشعور بالرضا والأمن النفسي الداخلي والخارجي. أما إذا تحول المزاج إلى سلوك مضطرب لدى الفرد يعيقه عن أداء وظائفه النفسية والاجتماعية والعقلية في الحياة اليومية، فينبغي اتباع أساليب العلاج النفسي معه كالعلاج السلوكي والعلاج المعرفي مع التركيز على آليات الضبط الذاتي للانفعالات كالاسترخاء العضلي، وكذلك العلاج الدوائي إذا كان سبب هذا الاضطراب يعود إلى عوامل عضوية عصبية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق