السبت، 21 مايو 2022

مفسدات الشكل

 

مفسدات الشكل

مفسدات الشكل: قد تكون من أصل الخلقة، لخلل في المصورة، أو عصيان المادة. أو يكون عند الانفصال من الرحم، لرداءة هيئة الانفصال، أو رداءة أخذ القابلة وقت الانفصال، أو يكون عند القميط، أو لسرعة الحركة قبل وقتها، أو لأسباب مرضية، وأسباب باقي الأمراض التركيبية الأولى بها ذكرُها في الكلام الجزئي.

الجزء الرابع من أجزاء الجزء النظري، في العلامات: العلامة قد تكون على أمر ماض يذكر بما قد مضى فينتفع به الطبيب وحده، إذ قد يستدل بإدراكه لها على فضيلته دون المريض، وقد تكون على أمر حاضر فينتفع المريض وحده إذ قد يحصل بذلك الوقوف على حقيقة مرضه، وقد تكون على أمر مستقبل تقدم المعرفة فينفعهما معاً.

والعلامات، منها: ما يدل على الأمزجة، ومنها: ما يدل على التركيب. وعلامات الأمزجة عشرة أجناس، أحدها: الملمس فالمساوي للمعتدل المزاج معتدل، والمخالف له مخالف خارج عنه في الجهة التي انفصل عنها.

وثانيها: اللحم، والسمين، والشحم، فكثرته للرطوبة، وعدمه لليبوسة، وكثرة اللحم للرطوبة والحرارة، وكثرة السمين والشحم للرطوبة والبرودة.

وثالثها: الشعر، وغلظه وجودته وسواده للحرارة واليبوسة، وأضداد ذلك للبرودة والرطوبة.

ورابعها: البدن، فالبياض للبرد، وغلبة البلغم والحمرة: للحرارة ولغلبة الدم، وتركيبهما للاعتدال، والصفرة للحرارة وغلبة الصفراء، أو لقلة الدم كما في الناقهين. والكمد لإفراط البرد، والسوداء غير المحترقة.

وخامسها: هيئة بنية الأعضاء، فسعة الصدر، والعروق، وظهورها، وعظم النبض، والأطراف، وظهور المفاصل للحرارة.

وسادسها: كيفية الانفعال، فسرعة الانفعال عن أي كيفية كانت دليل غلبتها.

وسابعها: الأفعال الطبيعية، الكاملة: للاعتدال، والناقصة والباطلة: للبرد والمشوشة: للحر، وبطؤها: للبرودة، وسرعتها: للحرارة.

وثامنها: الفضول المندفعة، فحاد الرائحة قوى الصبغ: للحرارة، وضد ذلك للبرودة.

وتاسعها: النوم واليقظة، فكثرة النوم للبرودة والرطوبة، وكثرة اليقظة: للحرارة واليبس، والمعتدل منهما: للاعتدال.

وعاشرها: الانفعالات النفسانية، فقوتها وسرعتها وكثرتها: للحرارة، وتبلدها للبرودة، وثباتها: لليبوسة، وسرعة زوالها للرطوبة، والجبن دليل البرد، وضعف القلب، والقحة، والطيش، والجرأة، والحدة، وكثرة الكلام وسرعته واتصاله: للحرارة. وكثرة الحياء والرقاد: للبرودة. وأما علامات الأمزجة المركبة، فتعرف من تركيب علامات المفردة، فهذه علامات الأمزجة الجِبْلية، وأما الأمزجة العارضة فهذه العلامات عارضة،

وتكون تلك الأمزجة ضارة بالأفعال.

فإن كان المزاج مادياً دل على الصفراوي الوخز والنخس، وقليل ثقل، ودل على الدموي الثقل الزائد، والحمرة، والتمدد، وانتفاخ البدن. ودل على البلغمي البياض، وقلة العطش، وكثرة الريق، وكثرة النعاس، والثقل الزائد على الدموي، ودل على السوداوي: القحل، والسهر، وثقل أقل.

والأحلام تدل على نوع المادة، فإن رؤية الخيالات الصُّفر، والنيران، والشعل، تدل على الصفراء، ورؤية الأشياء الحُمر تدل على الدم، ورؤية المياه، والبرد، والرعد، تدل: على البلغم، ورؤية الأشياء السود، والأدخنة، والمخاوف، تدل: على السوداء.

وقد يدل على ذلك السن، والبلد، والفصل، والتدبير المتقدم.

فصل ومنها: علامات أمراض التركيب، فمنها: جوهرية، كالاستدلال من الخِلقة، ومنها: عرضية، كالاستدلال من الجمال، ومنها: تمامية كالاستدلال من الأفعال، والأفعال إن كانت سليمة فالصحة تامة، وإن نقصت، أو بطلت دلت على البرودة، أو على رداءة التركيب، وإن تشوشت فللحرارة، أو رداءة التركيب.

والعلامة، إما أن تدل على نفس الحالة كعلامات الورم، أو على سببها كالعلامات الدالة على كون الورم دموياً، أو على أينها كدلالة إفراط منشارية النبض ـ في ذات الجنب ـ على أن الورم حجابي، أو على وقتها كالعلامات الدالة على المنتهى، أو على الأحوال اللازمة لها كالعلامات الدالة على البحران، أو على تخصيص تلك الأحوال كالعلامات الدالة على أن البحران إسهالي.

لما ذكر أسباب سوء المزاج شرع في بيان أسباب سوء التركيب، وحيث أن أول أسباب سوء التركيب سوء الشكل قدمها فقال: (مفسدات الشكل) هي: (قد تكون من أصل الخلقة، لخلل في) القوة (المصورة) ظاهراً، وعدم أمر الله سبحانه للملك المصور بالتصوير التام واقعاً (أو عصيان المادة) للولد عن قبول التصوير اللائق، كأن تكون المادة كثيرة فتزيد، أو قليلة فلا تكفي للإتمام، أو غليظة فتأبى عن قبول التصوير الدقيق، وهكذا (أو يكون) مفسد الشكل (عند الانفصال) للجنين (من الرحم لرداءة هيئة الانفصال) بأن يخرج الجنين من طرف رجله، فإن اللازم أن يخرج من طرف رأسه، وإنما يفسد شكله حينئذ لوقوع انفتال أو التواء أو انخلاع في بعض أعضائه (أو رداءة أخذ القابلة) للجنين (وقت الانفصال) كأن تمسك الأعضاء اللينة قوياً، فيؤثر فيها ويغير شكلها، فيفطس الأنف مثلاً، أو ينخسف اليافوخ، أو نحو ذلك، لأن الوليد لدن لين قابل للتأثر (أو يكون عند القميط) فيمد بعض الأعضاء زائداً، أو يلوي، أو نحو ذلك (أو لسرعة الحركة) أي حركة الطفل (قبل وقتها) فإنه إذا مشى قبل أن يستحكم كان معرضاً لاختلال توازن الأعضاء وانحراف الشكل (أو لأسباب مرضية) كالجدري الموجب لتشوه الشكل، أو الجذام الموجب لفطس الأنف وتعجير الوجه (وأسباب باقي الأمراض التركيبية) وهو باقي أمراض الخلقة، وأمراض العدد والمقدار والوضع (الأولى بها ذكرُها في الكلام الجزئي) المرتبط بالمعالجة، لا أن تذكر هنا في الموضع المرتبط بالكلام الكلي لكثرة تلك وتشعبها، فيوجب ذكرها هنا إطالة من غير طائل.

(الجزء الرابع من أجزاء الجزء النظري) للطب (في العلامات) التي يُستدلّ بها على المرض السابق، أو المرض الحالي، أو المرض المستقبل: (العلامة قد تكون) دالّة (على أمر ماض) كالعرق الدال على حر سابق فـ (يذكر بما قد مضى) ويسمى: مذكراً (فينتفع به الطبيب وحده) لا المريض (إذ قد يستدل بإدراكه لها على فضيلته) وإنه ذو حذق وفهم (دون المريض) لأنه لا فائدة في أمر ماض، والقول بأنه يستكشف حال الحاضر من الحال السابق مردود، بأن الحال الحاضر له علامة حاضرة فتأمل. (وقد تكون) دالّة (على أمر حاضر) كشدة الحركة في النبض الدالة على الحمّى، ويسمى: دالاًّ (فينتفع) بها (المريض وحده) دون الطبيب (إذ قد يحصل بذلك الوقوف على حقيقة مرضه) فيعالج، أما الطبيب فلا يكون طبيباً إلا بذلك، فهو مقدم له لا فضيلة (وقد تكون) دالّة (على أمر مستقبل) كسوء القينة الذي يدل على الاستسقاء بعداً، ويسمى: (تقدم المعرفة) لأنه عرف مستقبلاً لم يأت بعد (فينفعهما معاً) الطبيب لظهور فضله، والمريض للوقوف على واجب تدبيره.

(والعلامات، منها: ما يدل على الأمزجة) في أنها معتدلة أو غير معتدلة، وأن غير المعتدلة مائلة إلى الحرارة أو البرودة، وهكذا (ومنها: ما يدل على التركيب) وإن التركيب على ما ينبغي، أو ليس على ما ينبغي (وعلامات الأمزجة) التي يستفاد منها كيفية المزاج (عشرة أجناس) وتحت كل جنس أنواع (أحدها: الملمس) أي ما يلمس (فـ) الملمس (المساوي للمعتدل المزاج معتدل) فكما إنه لو لمسنا ماءاً معتدل الحرارة والبرودة فعرفنا اعتداله، ثم لمسنا ماءاً آخر فرأينا أنه مثله عرفنا اعتداله بالقياس، كذلك إذا أخذنا نبضاً وعرفنا اعتدال صاحبه، ثم أخذنا نبضاً آخر يشبهه عرفنا اعتدال صاحبه بالقياس (و) الملمس (المخالف له) أي للمعتدل (مخالف) للاعتدال (خارج عنه في الجهة التي انفصل عنها) العالم بالاعتدال، فكما إنه إذا لمسنا ماءاً ثانياً فرأيناه أبرد، دل ذلك على خروج الماء الثاني عن الاعتدال إلى البرودة، كذلك إذا أخذنا نبضاً ثانياً كان أسرع أو أبطأ من المعتدل، دل ذلك على خروج صاحبه عن الاعتدال إلى الجانب الذي يؤشر البطء أو السرعة إليه.

(وثانيها) أي ثاني العلامات العشرة للأمزجة: (اللحم، والسمين، والشحم، فـ) إن (كثرة) ذلك (للرطوبة) لأن اللحم يُخلق من الدم والدم أرطب الأخلاط، والآخران يُخلقان من مائية الدم وهي أرطب أجزاء الدم (وعدمه لليبوسة) ولذا يكون الغالب في الضعفاء اليبس (وكثرة اللحم للرطوبة والحرارة) لأن الدم حار. وقد عرفت أن اللحم هو متين الدم (وكثرة السمين والشحم للرطوبة والبرودة) لأن البرودة هي التي تعقّد مائية الدم وتصوره بصورة الشحم والسمين.

(وثالثها) أي ثالث العلامات العشرة للأمزجة: (الشعر) فإن البخار الدخاني المنفصل عن الأخلاط إذا وصل إلى مسام الجلد تلبّد وتجمد هناك وخرج بشكل الشعر من تلك المسام على قدر سعتها وهيئتها، ثم لا يزال يستمد ويطول بتواتر وصول البخار من الأخلاط إليه (وغلظه وجودته) أي التوائه (وسواده) الشديد (للحرارة واليبوسة) لأنه متولد من البخار الدخاني، والبخار لا يكون إلا من الحرارة، والدخان لا يكون إلا من اليبوسة، إذ معنى اليبوسة غلبة الأرضية على الخلط، فكلما كان البخار الدخاني أكثر كان الشعر أكثر وكان أجعد للجفاف الموجب للتجعيد، فإن الجاف الشديد يلتوي كما نرى في الحطب واللوح إذا جفّا، أما السواد فلأنه من الدخان وهو أسود، وكلما تزايد الدخان تزايد السواد لتراكم بعضه على بعض (وأضداد ذلك) أي القلة والرقة والسبوطة ـ التي هي نقيض الجعد ـ وعدم السواد كالحمرة والشقرة والصفرة والبياض (للبرودة والرطوبة) لأنها صفات تناسبها كما لا يخفى، ولذا نرى أن البلاد القريبة إلى الاستواء تتوفر فيها الصفات السابقة لشعور أهلها، بخلاف الإقليم السادس والسابع فالمتوفر الصفات اللاحقة.

(ورابعها) أي رابع العلامات العشرة للأمزجة: (البدن، فالبياض) للبدن يكون علامة (للبرد) أي برد المزاج، لأن البرد يوجب قلة تولد الأخلاط الثلاثة الدم والصفراء والسوداء، فيظهر البياض الأصلي للجلد، الذي هو عضو عصباني أبيض اللون كسائر الأعضاء الأصلية الأخرى المتولدة من المني (و) لـ (غلبة البلغم) فإن البلغم لونه أبيض، لكن البياض المستند إلى البلغم يكون مع الترهّل والكسل، بخلاف البياض الذي يكون من البرد (والحمرة) للبدن علامة (للحرارة) إذ الحرارة ترقق الدم فينبسط في جميع البدن وتظهر حمرته من تحت الجلد (و) علامة (لغلبة الدم) لما عرفت، فإن الدم القليل لا ينتشر كثيراً تحت الجلد حتى تظهر حمرته (وتركيبهما) أي البياض والحمرة بأن يكون اللون وسائر الجلد أبيض مشرباً بالحمرة علامة (للاعتدال) لأنه يدل على اعتدال الدم، حيث ليس كثيراً حتى يغلب لونه لون الجسم، وليس قليلاً حتى يبلغ لون الجسم لونه (والصفرة) علامة (للحرارة) لأن الحرارة إذا غلبت أحالت المواد إلى الصفراء (و) لـ (غلبة الصفراء) إذ عند غلبتها يظهر لونها من تحت الجلد (أو) علامة (لقلة الدم) وإن لم يكن هناك صفراء (كما في الناقهين) فإن الدم إذا قل ظهر كأنه أصفر فإن الصفرة من المراتب النازلة للحمرة (والكمد) وهو ما يكون له سواد يسير غير مشرق علامة (لإفراط البرد) لأن البرد المفرط يقلل الدم ويجمد القليل منه، فيظهر مائلاً إلى السواد بدون إشراق، فإن الإشراق للدم الــصافي الرقيق (و) لـ (السوداء غير المحترقة) لأنها لو احترقت كانت مع الإشراق، للصفاء الحاصل من الاحتراق.

(وخامسها) أي خامس العلامات العشرة للأمزجة: (هيئة بنية الأعضاء) أي بناءها وشكلها (فسعة الصدر، و) سعة (العروق، وظهورها) أي ظهور العروق وانتفاخها ونتوءها (وعظم النبض) بأن يلمس كأنه ضخم كبير (و) عظم (الأطراف) اليد والرجل وغيرهما. (وظهور المفاصل) بمعنى بروزها وامتيازها عن أطرافها كل ذلك علامة (للحرارة) لأن الحرارة إذا كثرت عملت الطبيعة أفعالها بكثرة، فيسع الصدر وكل ما هو قابل لأن يكبر بسبب كثرة التغذية، ويعظم النبض لذلك وللحاجة إلى هواء كثير للترويح، فيعظم لأخذ أكبر قدر ممكن من الهواء. وأما ظهور المفاصل فلأنها محل الحركة، فحيث تتحرك أكثر تظهر أكثر.

(وسادسها) أي سادس العلامات العشرة للأمزجة: (كيفية الانفعال) للبدن عن الكيفيات الأربع في السرعة والبطء كأن ينفعل البدن بسرعة عن الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة، أو ينفعل عنها ببطؤ (فسرعة الانفعال عن أي كيفية كانت دليل غلبتها) أي غلبة تلك الكيفية، وذلك لأن إحدى الكيفيات لو غلبت استعد البدن لقبول مثلها، وذلك كما أن الماء الحار يقبل الحرارة بأسرع من قبول الماء البارد لها، فإذا كان البدن سريع الانفعال بأكل الحار بأن يكون أكله للغذاء الحار موجباً لظهور علائم الحرارة على اليد ـ مثلاً ـ دل ذلك على غلبة الحرارة على البدن، وهكذا بالنسبة إلى سائر الكيفيات.

(وسابعها) أي سابع العلامات العشرة للأمزجة: (الأفعال الطبيعية) والمراد بها هنا الصادرة عن الإنسان سواء كانت طبيعية أو حيوانية أو إنسانية (فـ) الأفعال (الكاملة) الصحيحة علامة (للاعتدال) في المزاج، فإن المزاج لو اعتدل أتى بالفعل كاملاً، إذ الفعل مظهر من مظاهر المزاج، فالعين الصحيحة ترى كاملة بخلاف العين التي أخذ الماء ينزل فيها فإنها ترى ناقصة، وهكذا (و) الأفعال (الناقصة والباطلة) علامة (للبرد) إذ البرودة مقلصة للأعصاب، مانعة عن الانتشار في القوى، فذو البرد يأتي منه الفعل ناقصاً أو باطلاً، كما أن من يغمره الشتاء لا يتمكن من الكتابة الحسنة لعدم قدرة الأصابع على الإتيان بها كاملة (و) الأفعال (المشوشة) علامة (للحر) لأن التشويش عبارة عن حركة غير منتظمة، والحركة إنما تتولد من الحرارة (وبطؤها) أي بطء الأفعال علامة (للبرودة) إذ البطء من باب السكون، وكل ما هو كذلك كان لازماً للبرودة التي هي أيضاً توجب السكون (وسرعتها) أي الأفعال علامة (للحرارة) لعكس العلة المتقدمة.

(وثامنها) أي ثامن العلامات العشرة للأمزجة: (الفضول المندفعة) من الإنسان من بول وغائط وعرق وغيرها (فحاد الرائحة قوى الصبغ) علامة (للحرارة) إذ الحرارة تحدث العفونة لسرعة الفساد إلى ما تعمل فيه الحرارة، ولذا تظهر عفونة الأبدان عند الصيف وفي الشمس، كما أن الحرارة توجب غلبة الدم والصفراء فيختلط شيء منهما مع الفضلة. والمراد بالصبغ هنا أعم من الاصفرار (وضد ذلك) أي قليل الرائحة ضعيف الصبغ، علامة (للبرودة) لعكس ما تقدم من الدليل.

(وتاسعها) أي تاسع العلامات العشرة للأمزجة (النوم واليقظة، فكثرة النوم) علامة (للبرودة والرطوبة) لاسترخاء الأعصاب بهما، فتنسد مسالك الروح عن النفوذ إلى الظاهر، ويغلب النوم (وكثرة اليقظة) علامة (للحرارة واليبس) لأنهما يوجبان اشتعال الروح، وانفتاح المسام، فتسرع الروح إلى الظاهر، ولا حاجب لها عن ذلك، فتكثر اليقظة (والمعتدل منهما) أي من النوم واليقظة (للاعتدال) بين تلك الكيفيات الأربع،

(وعاشرها) أي عاشر العلامات العشرة للأمزجة: (الانفعالات النفسانية، فقوتها) كالغضب القوي (وسرعتها) كأن يسرع إلى الغضب بمجرد إدراك غير الملائم (وكثرتها) بأن يكثر منه الغضب في كل أمر (للحرارة) وذلك لأن الحرارة توجب الاشتعال والحركة، وهذه الثلاثة من آثارهما، وكذلك سائر الكيفيات النفسانية من فرح وخوف وخجل وجرأة وما أشبهها (وتبلدها) أي الانفعالات النفسانية (للبرودة) لعكس ذلك، فإن البرد يوجب انسداد المسام، فلا تنفذ الروح فيها لتعمل الأعمال الكثيرة القوية السريعة (وثباتها) أي الانفعالات (لليبوسة) لأن اليبوسة حافظة لما ينطبع فيها (وسرعة زوالها) أي زوال الانفعالات النفسانية علامة (للرطوبة) كأن يندم عن غضبه سريعاً، لأن الرطوبة تترك ما تأخذ بسرعة (والجبن) الذي هو ضد الشجاعة (دليل البرد، وضعف القلب) لأن الحرارة وقوة القلب مستلزمان لرجاء الخلاص من المكروه، إذ الحار المزاج سريع، فيعتمد على نفسه في الخلاص بسرعة، بخلاف البارد الذي هو بطيءفلا يرجو الخلاص (والقحة) وهي: صفة تسبب أن يستهين الإنسان بفوت المدح وجلب الذم، ولذا يفعل الأشياء القبيحة المذمومة (والطيش) وهو: حالة تسبب سرعة الإنسان للقيام بالحركات فيما يكون البطء ممدوحاً (والجرأة) وهي الشجاعة وعدم المبالاة، وكأن الشجاعة أعم منها، فهي قسم خاص من الشجاعة (والحدة) بأن يكون الإنسان حاداً في أعماله وأقواله (وكثرة الكلام وسرعته واتصاله) والفرق بينهما أن المراد بالسرعة الإسراع في الكلام في كل مناسبة، وبالاتصال أن يأتي بالكلام الثاني متصلاً بالكلام الأول من دون فصل، وهكذا كل ذلك علامة (للحرارة) وذلك لما تقدم من كون الروح إذا كانت حارة أسرعت في الأعمال ولم تبالِ بالمحاذير لاعتمادها على سرعتها المنجية لها من المأزق (وكثرة الحياء) وهو ضد الوقاحة (والرقاد) وهو ضد الطيش علامة (للبرودة) لعكس ما ذكر، لكن لا يخفى أن هذه الأمور في الجملة لا كلية، كما لا يخفى.

(وأما علامات الأمزجة المركبة، فتعرف من تركيب علامات) الأمزجة (المفردة، فهذه) الأمور التي ذكرناها (علامات الأمزجة الجِبْلية) أي الخلقية والفِطرية (وأما الأمزجة العارضة) بعد إن لم تكن، بأن عرضت بعض الأمزجة على الإنسان بسبب عارض (فـ) إنه تكون (هذه العلامات) المذكورة للأمزجة الجِبْلية (عارضة) فمثلاً: إذا عرض على الإنسان حرارة بعد ما كان طبعه بارداً، خفّ نومه وقل بعد أن كان عميقاً طويلا، لأن الخفة والقلة من علامات الحرارة (وتكون تلك الأمزجة) الجديدة (ضارة بالأفعال) الطبيعية.

(فإن كان المزاج) الذي عرض على الإنسان بعد إن لم يكن (مادياً) أي مستنداً إلى الأخلاط، بأن زاد فيه خلط فحدث هذا المزاج الجديد، عرف ذلك بالأدلة و(دل على الصفراوي) أي المزاج الصفراوي العارض (الوخز) بأن يحس الشخص بحالة كوخز الإبرة (والنخس) بأن يحس بحالة كغرز الشوك، فإن الأبخرة الحارة الصفراوية تتحرك إلى ظاهر البدن، فتحدث الوخز والنخس لحرارتها (وقليل ثقل) في البدن، أما الثقل فلأن جميع المواد لا تخلو من ثقل، وأما قلته فللطافة الصفراء (ودل على) المزاج العارض (الدموي: الثقل الزائد) أي الأزيد من ثقل الصفراء، لأن الدم أغلظ وأكثر في البدن (والحمرة) لما تقدم من انتشار الدم في باطن الجلد، فتظهر حمرته (والتمدد) في العروق والجلد، لأنه بزيادته يوسع مجاريه التي هي العروق، والعروق توسع الجلد (وانتفاخ البدن) لأن الدم بحرارته يميل إلى الجلد، فينتفخ (ودل على) المزاج (البلغمي) العارض (البياض) الزائد على البياض الأصلي للجلد، لأن البلغم أبيض (وقلة العطش) لأن البلغم بارد رطب (وكثرة الريق) لكثرة الرطوبات التي تجتمع في الفم من الدماغ ومن سائر البدن (وكثرة النعاس) لما تقدم من أن النوم يكثر عند الرطوبة (والثقل الزائد على) المزاج (الدموي) لأن البلغم يكون بدون الحـــرارة، بخلاف الدم فإن حرارته تخففه (ودل على) المزاج (السوداوي) العارض (القحل) أي يبس البدن، لأن السوداء يابسة (والسهر) لتجفيف السوداء للدماغ، وقد تقدم أن النوم يحدث من رطوبة الدماغ (وثقل أقل) من البلغمي، ليبس السوداء بخلاف البلغم، والرطب أثقل لاختلاطه بالرطوبة.

(والأحلام) جمع حلم، كعنق وقفل، ما يراه النائم (تدل على نوع المادة) الزائدة في البدن.

قالوا: إن الرؤيا على ثلاثة أقسام، الأولى الصادقة وهي التي تتصل الروح فيها بالمبادئ العالية فتلقي عليها شيئاً فيرتسم ذلك في الحس المشترك ويحفظه الخيال ـ إذ هو خزانة الحس المشترك ـ فإذا قام الإنسان تذكره.

الثانية: الكاذبة وتلك بسبب ارتسام شيء في الخيال أو الحافظة عند اليقظة، فيرتسم منه في الحس المشترك عند النوم صورة مماثلة لما عند اليقظة أو ملبسة بلباس آخر.

الثالثة: ما تكون لتغير مزاج الروح ـ أعني بخار الدم ـ وهذه هي المقصود هنا، وهي التي تدل على المادة الزائدة في البدن (فإن رؤية الخيالات الصُّفر) كما لو رأى الإنسان إنساناً أو حيواناً أو شجراً أو داراً صفراء (و) رؤية (النيران، والشعل، تدل على الصفراء) لأن الروح تشتعل بحرارتها، وتنفصل عنها أبخرة متلونة بلون الصفراء، فيرى النائم تلك الصور (ورؤية الأشياء الحُمر) جمع أحمر (تدل على الدم) لما ذكر، فإن الروح تتلون بلون الدم وتكون أبخرتها حمراء (ورؤية المياه، والبرد، والرعد، تدل على البلغم) لأن البلغم بارد رطب، فتكون أبخرته كالمياه، والبرد والرعد إنما يكون لمناسبته لهما (ورؤية الأشياء السود، والأدخنة، والمخاوف، تدل على السوداء) لرؤية الروح الأبخرة السوداء، والمخاوف غالباً تلازم السواد.

(وقد يدل على ذلك) أي نوع المادة (السن، والبلد، والفصل، والتدبير المتقدم) في الأسباب الستة الضرورية فسن الشيخ دليل غلبة اليبوسة، والبلد الواقع قرب الاستواء دليل السوداء، والصيف دليل الحرارة، وأكل الأشياء الرطبة دليل الرطوبة.

قلنا أن العلامات منها ما يدل على الأمزجة، وقد تقدم (ومنها) ما يدل على التركيب في استوائه وعدم استوائه، فنقول: أما (علامات أمراض التركيب، فمنها: جوهرية) أي المأخوذة من جوهر الأعضاء (كالاستدلال من الخِلقة) على المرض والاستواء (ومنها: عرضية) أي المأخوذة من لوازم الأعضاء (كالاستدلال من الجمال) فإن الجمال يدل على اعتدال المزاج واستواء التركيب، إذ المراد بالجمال كون الأعضاء على أفضل ما ينبغي من المزاج والهيئة، لا الجمال بمعناه المعروف لدى الجمهور (ومنها: تمامية) أي تمامية الأفعال الصادرة من الإنسان، فإنها تدل على صحة المزاج (كالاستدلال من الأفعال، و) ذلك لأن (الأفعال إن كانت سليمة فالصحة تامة، وإن نقصت) كما لو ضعفت العين في الرؤية (أو بطلت) كما لو لم تر العين (دلت على البرودة) إذ البرودة مانعة عن الحركة الموجبة لتمامية الأفعال (أو على رداءة التركيب) كما لو ركبت العين بحيث لا ترى إلا قليلاً (وإن تشوشت) الأفعال (فللحرارة) لما تقدم من أن الحرارة توجب التشويش في الأفعال (أو رداءة التركيب) كما لو ركبت العين بحيث ترى مشوشة.

(والعلامة، إما أن تدل على نفس الحالة) المرضية (كعلامات الورم) من الثقل والتمدد وزيادة حجم العضو، فإنها تدل على المرض وهو الورم نفسه، فإن نفس الورم هي هذه الأمور (أو) تدل العلامة (على سببها) أي سبب الحالة (كالعلامات الدالة على كون الورم دموياً) كالحمرة القانية مثلاً، فإنها تدل على أن الورم من الدم (أو) تدل العلامة (على أينها) أي موضع الحالة (كدلالة إفراط منشارية النبض ـ في ذات الجنب ـ على أن الورم حجابي) وسيأتي المراد بالمنشارية في أقسام النبض، والمراد بكون الورم حجابياً: أن الورم في الحجاب الحاجز ـ مثلاً ـ لا في العضل (أو) تدل العلامة (على وقتها) أي وقت الحالة (كالعلامات الدالة على المنتهى) فإن نفث الخلط الكامل النضج في ذات الجنب يدل على انتهاء المرض (أو) تدل العلامة (على الأحوال اللازمة لها) أي للحالة (كالعلامات الدالة على البحران) والمراد بالبحران: الوقت الذي يحارب المرض فيه مع المناعة البدنية، فإن غلب المرضُ تأخر المريض، وإن غلبت المناعة تقدم المريض نحو الصحة، مثل القلق والسهر والصداع في يوم البحران، فإن هذه علامات دالة على البحران الذي هو لازم للحالة المرضية (أو) تدل العلامة (على تخصيص تلك الأحوال) اللازمة للحالة بقسم خاص (كالعلامات الدالة على أن البحران إسهالي) كالقراقر، والرياح، والمغص، فإنها تدل على أن البحران الذي هو لازم الحالة، إنما هو هذا القسم الخاص منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق