الجمعة، 14 مايو 2021

من اين جاء ماء الارض

 

مصادر المياه 

 

آيات كثيرة في هذا الكون من حولنا تنطق بالحق وتشهد على صدق كتاب الله تعالى، ومنها أن العلماء اكتشفوا مصادر المياه في العصر الحديث، وجاءت آيات القرآن متفقة مع العلم الحديث، لنقرأ.......

لقد ظل الإنسان يتساءل عبر العصور عن مصدر المياه التي يشربها، ولكن الإجابة عن هذا التساؤل استغرقت زمناً طويلاً. ونحن اليوم نعيش عصراً يقول العلماء إن الأيام المقبلة ستكون الحروب فيها من أجل المياه!

والسبب في ذلك قلة الماء وأن الماء العذب الصالح للشرب يتناقص باستمرار بسبب تلوث البيئة. ولذلك نرى أن هؤلاء العلماء يبحثون عن مصادر جديدة للمياه. وفي هذه المقالة سوف نرى بأن القرآن العظيم قد تحدث عن مصدر المياه الموجودة على الأرض، وتحدث كذلك عن المصدر المستقبلي للمياه.

هنالك ملاحظة في علم الصخور وهي أن بعض أنواع الصخور تسمح للماء بالنفاد منها أكثر من غيرها. ومن الأشياء العجيبة التي قرأتها أن صخور الغرانيت وعلى الرغم من صلابتها وتماسكها وعدم وجود فراغات فيها، إلا أنها تسمح للماء بالمرور عبرها من مسامات صغيرة جداً.

إن هذه الميزة تجعل من الماء النازل من السماء يُختزن في الأرض بعد مروره عبر مسامات هذه الصخور، ولولا هذه الميزة التي أودعها الله في صخور الأرض لما أمكن للماء أن يتسرب إلى أعماق كبيرة تحت سطح الأرض.

هل يمكن للحياة أن تستمر من دون الماء؟

والعجيب أن القرآن قد تحدث عن هذا الأمر بدقة مذهلة مشيراً إلى مصدر المياه هذه: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18]. وهذه الآية تؤكد أن الماء الموجود في الأرض مثل المياه الجوفية مصدره ماء المطر، وهذا ما ثبُت علمياً!

وهنالك آية أخرى تشير إلى تخزين الماء تحت سطح الأرض في قوله تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر: 22]. فقد كان الاعتقاد السابق أن ماء الينابيع يتشكل في باطن الأرض أو أنه موجود منذ الأزل، ولم يكن لدى أحد من الناس فكرة عن الطريقة التي يُختزن بها هذا الماء، ولكن القرآن العظيم أنبأنا بهذه الحقيقة وأكد لنا أن ماء المطر هو ذاته يتم تخزينه في الأرض بقدرة الله ويتم تنقيته في طبقات الصخور والتراب ليصبح قابلاً للسقاية ولذلك قال: (فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ) ولولا رحمة الله وأنه سخر القوانين الفيزيائية المختلفة لما مكث الماء في الأرض ولزالت الحياة من على ظهرها!

 

يؤكد العلماء اليوم أن مصادر المياه هي الأرض ذاتها، وهذا ما أشار إليه القرآن بقول الحق تبارك وتعالى: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا) [النازعات: 30-31]. وهناك الكثير من الإشارات القرآنية إلى أصل الماء على هذا الكوكب، وجميع الآيات جاءت متفقة مع العلم الحديث، وهذا برهان مادي على صدق كتاب الله تعالى.

ولكن الشيء العجيب حقاً أن التراب والذي يعتبر مليئاً بالفراغات لا يسمح للماء بالمرور خلاله بسبب خاصية أودعها الله فيه هي أن التراب له القدرة على الامتزاج بالماء والاهتزاز بعد نزول الماء عليه. ولولا هذه الميزة وهي احتضان التراب للماء واختزانه له، لم يستطع النبات أن ينمو. وهذا ما أشار القرآن إليه بقوله تعالى: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج: 5]. وسبحان الله الذي تحدث في كتابه عن كل شيء!

حتى إن القرآن قد حدثنا عن مصدر ينابيع الأرض بقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) [الزمر: 21]. فهذه الآية تؤكد أن مصدر الينابيع هو ماء المطر حيث كان الاعتقاد في الماضي لدى بعض الشعوب هو أن هذه الينابيع تستمد ماءها من ماء البحر!!!

ولكن العلماء اليوم يبحثون عن مصدر جديد للماء في المستقبل، ويؤكدون أن أفضل مصدر موجود في الجبال العالية حيث إنها تختزن كميات ضخمة من الماء. والعجيب أن القرآن قد تحدث عن ذلك بقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [المرسلات: 27].

إنها آيات محكمة تدل على صدق هذا القرآن وتوافقه مع الحقائق العلمية، وليس كما يدعي المشككون أنه كتاب عادي تمت صياغته بثقافة عصره، فلو كانت دعواهم صحيحة لرأينا فيه الأساطير والخرافات، ولكننا نراه دائماً يتفق مع العلم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مصدر هذا القرآن هو الوحي الإلهي، تأملوا معي هذا التحدي الإلهي: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) [يونس: 37-40].

 

أنواع المياه بين العلم والقرآن

القرآن الكريم هو أول كتاب يفرّق بين أنواع المياه ويصنفها تصنيفاً علمياً، وفي هذه المقالة نكتشف كيف تحدث القرآن عن ماء المطر وسمّاه بالماء الطهور،....

في هذا المقال سوف نرى بأن القرآن قد فرّق وميّز بين أنواع المياه بدقة فائقة، وصنفها بما يتناسب مع درجة نقاوتها. فالقرآن يسمي الماء العذب الذي نشربه من الأنهار والآبار بالماء الفرات ويسمي ماء البحر الذي يحتوي على نسبة عالية من الملوحة بالماء الأجاج، وقد ثبُت علمياً الفوارق الكبيرة بين هذه الأنواع، وهذا ما سنعيش معه الآن من خلال الفقرات الآتية. ونود أن نشير إلى أن قطرة الماء الواحدة تحوي خمسة آلاف مليون جزيء ماء!!! فكم تحوي بحار الدنيا؟

الماء الفرات

ولكن هنالك صفة جديدة لهذا الماء يحدثنا عنها العلماء وهي أنه ماء يستطيع أن يجدد الخلايا في الجسم بشكل أكبر من الماء العادي. أما علماء الطاقة فيؤكدون أن ماء المطر يمتلك كمية أكبر من الطاقة، وهذا ما ينعكس إيجابياً على الحالة النفسية للإنسان.

لقد سمّى الله تعالى ماء الأنهار والماء المختزن تحت الأرض والذي نشربه بالماء الفرات، أي المستساغ الطعم، بينما سمّى ماء البحر بالأجاج للدلالة على ملوحته الزائدة، وسمى ماء المطر بالماء الطهور، وبذلك يكون القرآن أول كتاب يعطينا تصنيفاً علمياً للمياه.

يقول تعالى: (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [المرسلات: 27]. فالماء الذي نشربه من الأنهار والينابيع والآبار ماء عذب ومستساغ المذاق لأنه يحوي كمية من المعادن مثل الحديد الذي يجعل طعم الماء حلواً. وهذا يناسبه كلمة (فُراتاً)، و(الماء الفرات) في اللغة هو الماء المستساغ المذاق كما في المعاجم اللغوية. بينما الماء النازل من السماء هو ماء مقطر يمتلك خصائص التعقيم والتطهير وليس له طعم! لذلك وصفه البيان الإلهي بكلمة (طَهوراً). يقول تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان: 48].

فالماء عندما ينزل من السماء يكون طهوراً ثم يمتزج بالمعادن والأملاح في الأرض ليصبح فراتاً. وحتى عندما يتحدث القرآن عن مياه الأنهار نجده يستخدم كلمة (فراتاً) ولا يستخدم كلمة (طَهوراً) لأن ماء النهر العذب يحتوي على كثير من المعادن المحلولة فيه، يقول تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) [فاطر: 12].

الماء الأجاج

لقد استوقفني قوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) [فاطر:12]. وتساءلتُ: لماذا أعطى الله تعالى لكل نوع من هذين النوعين صفتين: (عَذْبٌ فُرَاتٌ)(مِلْحٌ أُجَاجٌ). فنحن نعلم بأن ماء النهر (عذب)، فلماذا أضاف الله صفة ثانية وهي (فرات)؟ وكذلك ماء البحر (ملح) فلماذا أضاف الله له صفة ثانية وهي (أجاج)؟ وفي الوقت نفسه وصف الله تعالى ماء المطر بصفة واحدة فقط وهي (طهوراً)، فهل هنالك تكرار في القرآن أم إعجاز؟

لقد وجدتُ بأن علماء المياه عندما يتعاملون مع الماء لا يكتفون بإطلاق صفة العذوبة أو الملوحة على الماء. فكل المياه التي نراها على الأرض سواء في الأنهار أو البحيرات أو مياه الآبار جميعها تحوي أملاحاً بنسبة لا نكاد نشعر بها، ولكنها لا تغيب عن الله تعالى وهو خالقها!

لذلك جاء البيان الإلهي بصفة ثانية وهي (فرات) أي مستساغ المذاق بسبب انحلال بعض المعادن والغازات فيه والتي تعطي الماء طعمه المعروف. وبالمقابل نجد أن صفة (ملح) لا تكفي لوصف ماء البحر بشكل دقيق فأتبعها الله تعالى بصفة ثانية وهي (أجاج) أي زائد عن الحد، وهذه الكلمة من فعل (تأجّج) أي زاد وبالغ كما في معاجم اللغة العربية. ولكن هل تكفي صفة واحدة وهي (طهوراً) لوصف ماء المطر؟ نعم لأن ماء المطر كما رأينا هو ماء نقي ومقطر ولا طعم له أو رائحة، ولذلك تكفيه صفة واحدة.

ماء البحر هو الماء الأجاج، وفي اللغة الفعل (أجَجَ) يعني زاد عن الحدّ، وهذا ما نجده في مياه البحر التي تحتوي على درجة ملوحة زائدة. وصف الله تعالى ماء البحر بأنه (ملح أجاج)، لأن كلمة (ملح) لوحدها لا تكفي، فالمياه العذبة تحوي على نسبة من الملوحة، ولكننا لا نحس بها!

وجه الإعجاز

ويتجلى وجه الإعجاز في أن القرآن يستخدم كلمة (طَهوراً) مع الماء النازل من السماء لأنه ماء نقيّ، وهو ما يسميه العلماء بالماء المقطر ويعدّونه مادة مطهرة. بينما كلمة (فراتاً) لا يستخدمها الله تعالى مع ماء السماء أبداً، بل مع الماء الذي نشربه. لأن ماء الأنهار ليس نقياً مئة بالمئة، بل هنالك بعض الأملاح والمعادن المنحلة فيه والتي تعطيه طعماً مستساغاً.

ولو تأملنا حديث القرآن عن ماء البحر نجد كلمة (أجاج) للدلالة على الملوحة الزائدة فيه. والقرآن لا يكتفي بإطلاق صفة الملوحة على ماء البحر، أي لم يقل ربنا سبحانه (وهذا ملح) بل قال: (وهذا ملح أجاج). لأننا من الناحية العلمية إذا قلنا إن هذا الماء يحوي أملاحاً فإن هذا لا يعني شيئاً لأن كل المياه على الأرض فيها أملاح بنسبة أو أخرى، ولذلك يجب أن نحدد نسبة الملوحة فيه، وهذا ما فعله القرآن.

فسبحان الذي أحكم آيات كتابه وكلماته وكل حرف من حروفه! والسؤال الذي نودّ أن نوجهه لأولئك المشككين بإعجاز القرآن: لو كان القرآن من تأليف بشر هل استطاع التمييز بين هذه الكلمات في ذلك العصر؟؟ إذن نستطيع القول بأن القرآن تحدث عن مواصفات وخصائص الماء قبل أن يكتشفها علماء الفيزياء بقرون طويلة. أي أن القرآن هو أول كتاب يفرّق بين أنواع المياه، أليس هذا دليلاً مادياً على أن القرآن صادر من الله تبارك وتعالى؟؟

يقول سبحانه وتعالى في محكم الذكر: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان: 48]. فقد تأملتُ هذه الآية طويلاً ووجدتها تتحدث بدقة عن مواصفات ما يسميه العلماء بالماء المقطر. فقد اكتشف العلماء أن الماء الذي نشربه يحتوي على الكثير من المواد والأحياء. فكأس الماء الذي نظنه نقياً فيه ملايين الأحياء الدقيقة مثل البكتريا والفيروسات، وفيه مواد معدنية مثل الحديد والنحاس والألمنيوم والصوديوم والمغنزيوم والكالسيوم، وفيه أيضاً مواد عضوية مثل الكربون والتراب وغير ذلك... وكل هذا موجود فيما نسميه ماء نقياً!


لقد اكتشف العلماء أيضاً أن هذا الماء يمكن تنقيته بتسخينه حتى درجة الغليان أي 100 درجة مئوية، ثم جمع البخار وتكثيفه وتبريده، والحصول على الماء المقطر الذي يكون نقياً لدرجة كبيرة. ويقولون أيضاً إن أفضل أنواع الماء المقطر هو ماء المطر، ولكن قبل سقوطه على الأرض وتلوثه بالملوثات الموجودة في الهواء.

لقد أفرزت حضارة هذا العصر الكثير من التلوث، حتى إن سقوط المطر ينظف الجو لأن ماء المطر وهو ماء مقطَّر يتميز بشراهته لامتصاص المواد، فيمتص من الجو غاز الكبريت وغيره من المواد والمعادن مثل الرصاص السام، وهكذا يكون طعم ماء المطر حامضياً. مع العلم أنه في الماضي كان ماء المطر نقياً لأن الجو لم يكن قد تلوث.

عندما ينزل ماء المطر على الأرض يتسرب عبر التربة وبين الصخور ويسلك مسارات معقدة جداً، وخلال رحلته يمتزج ببعض المعادن والأملاح الموجودة في الصخور، ويأخذ طعماً قلوياً شيئاً ما. ولذلك نجد أن طعم الماء المقطر غير مستساغ لأنه عديم الطعم، بينما طعم ماء الينابيع يكون مستساغاً.

يصرح العلماء اليوم أن ماء المطر هو ماء مقطر، هذا الماء النقي له خصائص مطهرة وهو مزيل ممتاز للأوساخ ويستطيع تطهير وتعقيم أي شيء. وقد صدق الله تعالى عندما سمّى الماء النازل من السماء بالماء الطهور، وهي تسمية دقيقة من الناحية العلمية: (وأنزلنا من السماء ماء طَهوراً).


مواصفات ماء المطر

والآن سوف نعدّد بعض خصائص الماء النازل من السماء وهو ماء المطر. يعتبر ماء المطر ماء مقطراً مئة بالمئة فهو ناتج عن تبخر الماء من البحار وتكثفه على شكل غيوم ثم ينزل مطراً. لذلك هو ماء نقي تماماً. ماء المطر يستطيع نزع الأوساخ من على جلد الإنسان أكثر من الماء العادي، لذلك يعتبر هذا الماء مادة معقمة ومطهرة تستخدم في الطب. وهو خالٍ من الفيروسات والبكتريا، وهو أيضاً ماء يمتلك خاصية امتصاص المعادن والغازات والغبار وأي مادة تصادفه بنسبة كبيرة، لذلك هو مادة مطهرة للجوّ أيضاً.

وبعد معرفتنا لهذه الصفات نجد أنها تجتمع في كلمة واحدة هي التي عبر بها القرآن عن حقيقة ماء المطر في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان: 48]. فكلمة (طَهَرَ) في اللغة تعني إزالة الأوساخ والنجاسات والتنزه عنها كما في القاموس المحيط.

وليس غريباً أن نجد القرآن يحدثنا عن هذه الخصائص بشكل واضح في قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) [الأنفال: 11]. هذه الآية تتحدث عن ماء المطر من خلال قوله تعالى: (مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) وتحدثنا عن خاصية التطهير الموجودة في هذا الماء في قوله عز وجل: (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) وتحدثنا عن خاصية الطاقة التي يمتلكها هذا الماء وتؤثر على الإنسان في إعطائه الدفع والقوة لتثبت قدماه عند لقاء العدو، أي الحديث هنا عن الطاقة التي يستطيع الإنسان بواسطتها المواجهة أكثر، وذلك في قوله تعالى: (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ).

هنالك شيء آخر وهو أن القرآن أول كتاب تحدث عن خاصية التطهير الموجودة في ماء المطر أو الماء المقطر، وهذه الصفة كما قلنا لم تُستخدم في القرآن إلا مع ماء السماء. بينما نجد كتب البشر لا تفرق بين الماء العذب والماء الطهور والماء الفرات، بينما القرآن ميز بينها ووضع كل كلمة في مكانها الدقيق.

وأمام هذه الحقائق نسأل أولئك الملحدين الذين يدعون أنهم يفكرون بشكل منطقي، وأنهم ليسوا بحاجة لفكرة "الله" (تعالى الله عن ذلك) ونقول لهم: من أين جاء تعبير (طهوراً) أثناء الحديث عن ماء المطر، ولم يأت هذا التعبير مع ماء النهر أو البحر مثلاً؟ بل من الذي أحكم هذه القوانين الفيزيائية التي تحكم حركة الغيوم ونزول المطر؟ ونجيبكم: إنه الله القائل: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16].

سوف نكتشف أن القرآن الكريم أنبأ عن جميع الحقائق العلمية المتعلقة بتشكل الماء وتخزينه وأنه تحدث عن دورة الماء الصغرى والكبرى.. لنتأمل....

 


سؤال طرحه الملحدون وشككوا بأن القرآن يحوي تناقضاً في آياته.. فالله تعالى يقول:

(وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [النحل: 65]. هذه الآية تؤكد أن الماء نزل من السماء.

ولكن يقول في آية أخرى: (وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَ مَرْعَاهَا) [النازعات: 30-31]. وهذه الآية تؤكد أن الماء خرج من الأرض!!

 

يحوي سطح الكرة الأرضية بحدود 71 ماء موزعة على البحار والمحيطات والأنهار والكتب الجليدية..

والسؤال: هل نزل الماء من السماء أم خرج من الأرض؟

الحقيقة هناك آية تجيب عن هذا السؤال وتتفق مع آخر النظريات العلمية لتشكل الماء على الأرض.. فالنظرية العلمية تقول بأن الماء تشكل أصلاً خارج الأرض ونزل إلى الأرض عبر تريليونات النيازك التي ضرت الأرض عبر مليارات السنين..

ولكن هذا الماء تم تخزينه في طبقات الأرض وبعد ذلك عندما بردت القشرة الأرضية بدأ تسرب الماء من طبقات الأرض إلى السطح حيث تشكلت البحار.. وهذا التسرب لا زال حتى اليوم.. والماء المخزن اكتشف حديثاً حيث تبين أن هناك بحراً هائلاً تحت الطبقة الثالثة من طبقات الأرض السبعة..

قال تعالى: (وَ أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18]. هذه الآية تشير إلى حقيقة نزول الماء من السماء.. أي من خارج الأرض، وتشير إلى أنه قد تم إسكان هذا الماء في باطن الأرض.. والله قادر على أن يذهبه فلا يمكث ولا يسكن.. فقد جعل الله صخور الأرض أنواعاً متعددة منها نوع يحجز الماء ولا يسمح له بالتسرب.. كذلك الله تعالى أعطى طبقات الأرض تصمصماً مميزاً بحيث أنه يسمح لكميات هائلة من الماء بالتسرب إلى مئات الكيلومترات والمكوث هناك لملايين السنين..

 

يؤكد العلماء أن الأرض بعيد تشكلها بملايين السنين ضربت بأعداد هائلة من النيازك المحملة بالماء مما شكل الماء مبكراً على كوكب الأرض.. ولذلك يعتقد بعض العلماء أن الحياة على هذا الكوكب بدأت قبل أربعة مليارات عام.

 

كما تم اكتشاف كميات هائلة من المياه مخزنة على عمق 400-600 كيلومتر تحت سطح الأرض.. هذه الكميات الكبيرة تعادل ثلاثة أضعاف ما نراه على سطح الأرض.. وهناك دورة ماء كبرى تتم بين البحار والمحيطات على السطح وبين هذا المحيط الهائل في الأعماق!

والخلاصة:

إن الآيات التي تتحدث عن إنزال الماء من السماء تأخذ معنيين، الأول هو نزول الماء من السماء أثناء تشكل الأرض عبر مليارات السنين.. والمعنى الثاني هو نزول الماء من الغيوم وفق دورة الماء التي تتكرر باستمرار..

أما الآيات التي تتحدث عن إخراج ماء الأرض منها فهي تشير إلى تسرب الماء المخزن في باطن الأرض إلى البحار على السطح وفق دورة لا يعلم مدتها إلا الله تعالى.. هذه الدورة يمكن أن تحدث عبر ملايين السنين..

أي أن القرآن أعطاك عزيزي القارئ حقائق علمية متعددة في آيات رائعة بأسلوبها محكمة بصياغتها وبليغة بأثرها ومعانيها.. فالحمد لله الذي أكرمنا بهذا القرآن وقال: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَ ذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت: 51]

 

يا أرض ابلعي ماءك


في القرآن إشارات خفية نمر عليها دون أن ننتبه لها.. ومن هذه الإشارات حديث القرآن عن دورة الماء التي لم تكتشف إلا في العصر الحديث.. دعونا نرى....


كان الاعتقاد السائد لآلاف السنين أن ماء المطر ينزل من السماء مباشرة، ولكن العلم الحديث اكتشف ما يسمى دورة الماء.. فالماء يتبخر من البحار والمحيطات ويتكثف في الجو ثم يعود إلى الأرض على شكل أمطار.

 

إن ماء المطر ما هو إلا ماء تبخر أصلاً من بحار الأرض وشكل الغيوم ثم نزل على شكل أمطار ثم تقوم الأرض بابتلاع هذا جديد ويتم تخزينه على شكل مياه جوفية ومعظم الكمية تعود للبحار ليتبخر من جديد.. إذاً هناك دورة ماء متواصلة منذ ملايين السنين..

إذاً الحقيقة العلمية تؤكد أن الماء الذي ينزل على شكل أمطار إنما مصدره الأرض.. وهذه الحقيقة أشار إليها القرآن قي قوله تعالى وذلك بعد انتهاء طوفان نوح: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ) [هود: 44].

لاحظوا دقة كلمات القرآن الكريم.. لم يقل (يا أرض ابلعي ماء السماء) بل قال (ابْلَعِي مَاءَكِ) أي أن الماء الذي نزل من السماء وأحدث الطوفان الذي أغرق الكفار في زمن سيدنا نوح عليه السلام هو أصلاً خرج من الأرض.

لذلك في هذه الآية الكريمة نجد دليلاً على أن ماء المطر الذي انهمر من السماء هو أصلاً تبخر من بحار الأرض، وبالتالي فهو ماء الأرض، والسؤال: أليس في هذه الآية إشارة خفية لدورة الماء؟ سبحان الله!

 

أول صورة للأمواج العميقة (الظلمات والملحد)‏


في اكتشاف أذهل العلماء تبين وجود أمواج مرعبة بارتفاع 500 متر في أعماق البحار يمكن رؤيتها من الفضاء!! ولكن كيف يكون ذلك؟ دعونا نتأمل....


لم يكن أحد يتخيل وجود أمواع هائلة في أعماق المحيطات حتى جاء عصر الأقمار الاصطناعية وهنا بدأت القصة!

لقد صورت هذه الأقمار صوراً لكوكبنا الذي يتميز بلون أزرق جميل بسبب انعكاس أشعة الشمس على الغلاف الجوي بطريق رائعة مما يعطي البحار لوناً أزرقاً يسحر كل من ينظر إليه، وهذا من بديع صنع الخالق تبارك وتعالى.

ولكن الصور لم تكن كما هو متوقع أو كما نشاهده من على سطح الأرض، لقد كانت جميع الصور المأخوذة من الفضاء أو من ارتفاعات عالية تُظهر دوائر كبيرة تمتد لآلاف الأمتار.

قام العلماء مؤخراً (2015) ولأول مرة باستخدام بيانات تجريبية لتقليد الأمواج العميقة الهائلة المتولدة في منطقة مضيق Luzon بين الصين والفلبين، وتبين أن هذه الأمواج تضرب أعماق البحر بارتفاع 500 متراً! هذه الأمواج تسافر لآلاف الكيلومترات ولذلك فهي صعبة الدراسة والتنبؤ. ولذلك تعتبر دراسة الأمواج العميقة من أعقد وأصعب أنواع الدراسة، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بها قبل مجيء العصر الحديث.

إن الأمواج العميقة تقوم بخلط مياه البحار وتحافظ على معدلات درجات حرارة متوازنة في أعماق البحار، ولذلك ضرورية للمناخ العالمي والتوازن البيئي.  

شكل رقم (1) لقد قام العلماء بإنزال أجهزة قياس وتصوير إلى أعماق المحيط وقطعوا به مسافات طويلة وسجلت هذه الأجهزة الاهتزازات العنيفة الناتجة عن أمواج عاتية في قاع المحيط وكان حجم الاضطراب الذي تم تسجيله هائلاً وغير متوقع.

الاضطرابات المسجلة في هذه الأمواج تعادل 10000 ضعف الاضطرابات التي نراها على الأمواج السطحية. ولذلك فإن ظاهرة الأمواج العميقة هي من الظواهر الغريبة والعجيبة والتي تستحق الدراسة والتأمل.

 

شكل رقم () صورة بالأقمار الاصطناعية لمضيق Luzon بين الصين والفلبين، ونرى أنصاف دوائر عملاقة، هذه الدوائر تظهر ويمكن ريتها فقط من الارتفاعات العالية، ولا يمكن رؤيتها من الأرض. وهذه الأمواج الدائرية تنتج بسبب الأمواج العميقة التي تضرب أعماق المحيط وتنتقل الاضطرابات المائية الناتجة عنها حتى تصل إلى سطح الماء وترسم هذه الدوائر.. سبحان الله!

 

شكل رقم (3) لقد تمكن العلماء من قياس طول الموجة العميقة وسرعتها وارتفاعها، وتبين أن أعماق البحار تزخر بالأمواج العاتية والتي قد تتحول إلى تسونامي مدمر، هذه الأمواج تتشكل عادة في بيئة مظلمة وباردة، طبعاً هذه الأمواج تقع على عمق أكثر من 1000 متر تحت سطح البحر، هذا العمق لا يمكن الوصول إليه إلا بالغواصات الحديثة.

تعتبر هذه الدراسة الأولى من نوعها وقام بها 42 عالماً من خمس دول بمشاركة 25 جامعة ومعهد بحثي، ونشرت نتائجها في مجلة الطبيعة Nature [2]  بتاريخ 7-5-2015 وبالتالي فإن أي إشارة لهذه الأمواج العميقة في كتاب قديم لا يمكن أن ترد من قبيل الصدفة... ولكن القرآن أشار إلى ذلك بصورة رائعة!

لقد أنبأ القرآن الكريم عن مثل هذه الأمواج العميقة التي لم يتمكن العلماء من رؤيتها يقيناً إلا في عام 2015 (وذلك حسب تصريح العلماء الوارد في المرجع رقم 1)، وذلك في آية عظيمة تتحدث عن أعمال الملحدين وأن حياة الملحد شبيهة بإنسان يعيش في أعماق البحار حيث الظلمات والأمواج العاتية والاضطرابات التي لا يمكن أن يستقر معها!!

فحياة الملحد في هذه الدنيا مليئة بالاضطرابات النفسية، الاكتئاب، القلق، الخوف من المستقبل، الخوف من الموت، الخوف من مصير مجهول... فالملحد لا يمكن أن يشعر بطعم السعادة في مثل هذه الحالة، وكذلك الذي يعيش تحت هذه الأمواج العميقة، لا يمكن أن يشعر بأي شيء جميل، على عكس المؤمن!

ولذلك تأملوا معي هذه الآية الكريم: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [النور: 39]، فهذا هو الملحد يعمل في الدنيا ويظن نفسه بأنه على حق ولكن عمله مثل السراب أو الوهم، عندما تقترب لحظة الموت، لم يجد أي شيء من أوهامه في الدنيا، ولا يجد أمامه إلا الله تعالى.. فيوفيه حسابه، وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ.

هذا هو التشبيه الأول، ولكن التشبيه الثاني أسوأ وهو قوله تعالى في الآية التالية: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور: 40]، فأعمال الملحد الآن تشبه الظلمات في أعماق البحر وهذه الظلمات يغلفها الأمواج العميقة، ومن فوقها أمواج على سطح البحر، ومن فوقها السحاب.. تأملوا معي كم طبقة من الظلمات فوق أعمال الملحد التي هي أساساً عبارة عن ظلام!!

فكل ما يقوم به الملحد في هذه الدنيا من أعمال قد تبهر الكثيرين، ما هي إلا عبارة عن سراب أو ظلام على أفضل تقدير، فلا تنخدعوا يا أحبتي بشعارات الملحدين وأقوالهم المزخرفة، وأشكالهم الأنيقة، وكلامهم المعسول، أو خطاباتهم الفاتنة... كل ذلك هو سراب وظلام وأوهام.

نسأل الله تعالى أن يبعدنا عن الملحدين في الدنيا والآخرة، ونصيحتي عدم الخوض معهم نهائياً، والابتعاد عن أي جدال مع ملحد إلا بالتي هي أحسن.. نحن مطالبون بالدعوة وتبليغ القرآن، ولسنا مطالبين بالإقناع أو بإجبار الناس على الإيمان.. الدعوة بالتي هي أحسن (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29]، والحمد لله رب العالمين.

 

صور رائعة للبحر المسجور


إنه منظر مهيب يشهد على قدرة الخالق جل جلاله.. في هذا المشهد تمتزج الماء بالنار في منطقة ‏جزر ‏الهاواي وتشكل منظراً بديعاً يستمر لآلاف السنين ‏....


إنه منظر مهيب يشهد على قدرة الخالق جل جلاله..



في هذا المشهد تمتزج الماء بالنار في منطقة ‏جزر الهاواي وتشكل منظراً بديعاً يستمر لآلاف السنين ...

 

إنها حمم منصهرة تتدفق باستمرار وتصل ‏درجة حرارتها لأكثر من ألف درجة مئوية...

وعلى الرغم من كثرة المياه فهي ليست قادرة على إخماد ‏هذه النار.. وعلى الرغم من حرارة النار العالية فهي غير قادرة على تبخير الماء.. ويبقى التفاعل بين ‏الماء والنار مستمراً ...‏

 

إن هذه الحمم تتدفق من باطن الأرض وتحديداً من الطبقة الثانية من طبقات الأرض، فنحن نعيش ‏على أرض ملتهبة ولكن رحمة الله بنا تجعلنا لا نشعر بذلك !!

ولكننا نرى هذه الحمم بالقرب من ‏المحيطات لأن القشرة الأرضية رقيقة جداً وتسمح لهذه الحمم بالخروج والتجمد في مياه البحر لتشكل ‏الجزر البركانية.‏

 

هذا المشهد لم يكن معروفاً لأحد في الماضي وبخاصة لمن سكن الجزيرة العربية في القرن السابع ‏الميلادي زمن نزول القرآن الكريم...

ولكن العجيب أن القرآن الكريم قد ذكره قبل أكثر من ألف وأربع ‏مئة سنة.. قال تعالى: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) [الطور: 6-7].‏

 

وتقول العرب في اللغة: سجر التنور أي أحماه. وهذا يعني أن الله تبارك وتعالى أقسم بالبحر المحمي ‏أو المسخن في زمن لم يكن أحد يعلم شيئاً عن هذه الظاهرة العجيبة.‏

 

إن هذا المشهد يدعو كل ذي لبّ للتساؤل: من أين جاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف ‏الدقيق؟ وكيف علم بهذا البحر المسجور؟ ومن الذي علمه ذلك؟

 

إنه الله تعالى الذي أنزل هذا القرآن ليكون معجزته الخالدة على مر العصور وهو الذي قال في حق ‏هذا النبي الكريم: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3-4].‏

 

أخرج منها ماءها: دراسة جديدة

اكتشاف جديد (2015) يؤكد أن المحيطات والأنهار قد تشكلت في باطن الأرض وخرجت منها، أي أن الله أخرج ماء الأرض من الأرض ذاتها.. لنتأمل هذه المعجزة ....


في دراسة جديدة

الاكتشاف الغريب الذي نشره العلماء حديثاً (أواخر 2014) أثار تساؤلات جديدة حول مصدر الماء ومن أين جاء ماء الأرض، وبرزت نظريات جديدة تؤكد أن ماء الأرض خرج منها قبل ملايين السنين!!

الاكتشاف يؤكد وجود كميات هائلة من المياه على عمق 400-620 كيلومتر تحت سطح الأرض، هذه الكميات توجد داخل الصخور الملتهبة بدرجات حرارة عالية ضغوط هائلة.

 

دلت الدراسة العلمية البريطانية  [2]التي قامت بها جامعة ليفربول University of Liverpool على أن الكميات الكبرى من ماء الأرض ليس على سطحها، بل في باطنها.. هذا الماء يتسرب ويخرج عبر ملايين السنين باتجاه الأعلى ليشكل البحار.. وذلك بسبب حركة ألواح الأرض عبر ملايين السنين.

يقول العلماء: يخرج الماء من بين هذه الألواح (قشرة الأرض تتألف من أكثر من 12 لوحاً أرضياً بينها صدوع تتدفق منها عادة الحمم المنصهرة من الطبقة الثانية من طبقات الأرض التي تقع تحت القشرة مباشرة).

الدراسة نشرت في مجلة الجيولوجيا Geology وتؤكد أن الماء يتسرب أيضاً من البحار باتجاه طبقات الأرض (وبخاصة طبقة الوشاح)، ولذلك تكثر الزلازل والتسونامي في مناطق قريبة من اليابان وإندونيسيا بسبب وجود صدوع في أعماق البحار القريبة من هذه الدول.

 

إن اكتشاف كميات هائلة من الماء في باطن الأرض يعتبر اكتشافاً علمياً كبيراً في القرن الحادي والعشرين. حيث إنه من غير المتوقع وجود كميات كبيرة من الماء في ظل الظروف الصعبة من درجات حرارة هائلة وضغوط كبيرة جداً يستحيل معها وجود الماء! ولكن تتميز الصخور في هذه الطبقة على عمق (410-660 كم) بأنها تعمل مثل الاسفنج الذي يختزن الماء!

يقول الباحثون [3]:

When the Earth formed, it had huge bodies of water in its interior, and has been continuously supplying water to the surface via plate tectonics.

عندما تشكلت الأرض كانت تحوي كميات كبيرة من الماء في داخلها، وتم خروج الماء باستمرار إلى السطح بسبب حركة الألواح الأرضية!

يقول الباحث:  Steven Jacobsen  من جامعة  Northwestern University  [4]:

It's good evidence the Earth's water came from within, the new discovery supports an alternative idea that the oceans gradually oozed out of the interior of the early Earth.

إن وجود بحار هائلة في أعماق الأرض يعمل على المحافظة على حجم الماء على ظهر الأرض.. ولولا وجود هذه البحار تحت طبقات الأرض الملتهبة واتصالها بالبحار على سطح الأرض، لاختل النظام المائي خلال ملايين السنين.. ولذلك قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18].

فالذي يثير دهشة العلماء: كيف تمكنت هذه الكميات من المياه من المكوث في باطن الأرض؟ ولماذا لم تتبخر على الرغم من درجات الحرارة الهائلة والضغوط الكبيرة؟ ولكن القرآن أزال هذه الحيرة وقدم لنا الجواب في قوله تعالى: (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ)، سبحان الله!

 

صور تسبح الله .. أجمل سبع أنهار مع البرزخ المائي


ظاهرة البرزخ المائي التي حدثنا عنها القرآن أصبحت مألوفة وهناك مئات الصور التي تظهر هذا البرزخ..إنها صور تدعو لتسبيح الله....


قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53]. فهذه الآية الكريمة تتحدث عن ظاهرة عامة في عالم الأنهار والبحار .. وسوف نتأمل اليوم بعض الصور الرائعة لأنهار اختلط فيها ماء عذب مع ماء عكر يحوي رواسب وأملاح... وتشكل البرزخ المائي في مشهد بديع... لنتأمل ونسبح الخالق عز وجل..

 












ونتذكر آية عظيمة.. قال تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61]

 

أسرار الأمواج العميقة: أمواج تحت البحر بطول ناطحات السحاب 

 

وأخيراً تمكن العلماء من تصوير الأمواج العميقة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، وذلك من خلال الأقمار الاصطناعية، لنرى ونسبح الله تعالى....


يقول العلماء في دراسة جديدة تجرى لأول مرة (أكتوبر/تشرين الأول 2013) من خلال جامعة واشنطن: إن الدراسة تمت في منطقة عميقة وباردة ومظلمة في المحيط الهادئ، تم الكشف فيها عن أضخم أمواج عميقة حتى الآن world’s largest deep-sea waves حيث يصل ارتفاع بعض الأمواج إلى 300 متر وهو ما يعادل ناطحة سحاب!

لقد أنزل العلماء أجهزة لقياس ارتفاع الموجة لعمق 5000 متر وقام الجهاز بتسجيل خصائص الماء وكثافته وارتفاع الأمواج وشدتها وغير ذلك، وتبين أن هذه الأمواج تتشكل على عمق خمسة آلاف متر تقريباً تحت سطح البحر وتستغرق ساعة أو أكثر حتى تتكسر، فهي عميقة جداً ومظلمة والطبقة التي تحتها من الماء كثيفة جداً.

إن هذه الأمواج العميقة ضرورية لمزج مياه البحار وعدم فسادها عبر آلاف السنين، كما أنها تساهم في الحفاظ على التوازن البيئي. إن امتزاج الماء يساعد على عدم بقاء الماء الكثيف في قاع المحيط وبالتالي عم فساد ماء البحر. وعلى الرغم من الاختلاط والمزج والاضطراب المستمر إلا أن الماء في الأسفل يحافظ على نوعيته وكثافته وملوحته ودرجة حرارته...


العلماء يحاولون دراسة الأمواج العميقة ويقولون إنها أعنف وأقوى بكثير من الأمواج السطحية.

 

صورة بالقمر الصناعي لمنطقة من المحيط وتظهر الأمواج الداخلية على الجانب اليسار على شكل خطوط نصف دائرية.

ويقول العلماء إن قاع البحر يتميز بوجود تضاريس خاصة عبارة عن وديان وجبال وممرات ضيقة وحفر ونتوءات... كل هذه التضاريس يمر خلالها ماء البحر مولداً أمواجاً هائلة. ومن الصعب جداً التواجد في بيئة مضطربة عميقة ومظلمة كهذه بسبب الضغط الكبير والأمواج الهائلة giant waves

 

صورة بالقمر الصناعي نرى فيها الأمواج الداخلية في المحيط الهندي Indian Ocean والخطوط الطويلة هي الأمواج الداخلية ونرى انعكاسها على سطح الماء بسبب تأثيرها على حركة الأمواج السطحية (الأمواج العميقة أثقل من الأمواج السطحية لذلك تدفعها وتؤثر عليها) فتظهر هذه الخطوط الطويلة وتبدو في الصورة خطوط صغيرة جداً هي الأمواج السطحية على وجه الماء والتي نراها مباشرة.

 

صورة لمنطقة مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا، حيث تتدفق مياه المحيط إلى داخل البحر الأبيض المتوسط عبر هذا المضيق. وبنتيجة القياسات تبين أن هناك اختلافاً بين ماء البحر وماء المحيط. لكل منهما كثافة ودرجة ملوحة مختلفة، وأثناء امتزاج هذا الماء مع ذاك تحدث عملية خلط مستمر واضطرابات عميقة بسبب مرج واختلاط ماء المحيط مع ماء البحر، وهذه المنطقة تبدو فضية اللون بسبب انعكاس أشعة الشمس عليها بشكل مختلف عن البحر (على الجانب الشرقي).

طبعاً هذه الصورة تُظهر منطقة البرزخ بين البحرين والتي أخبر عنها القرآن في آية كريمة: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) [الرحمن: 19-20]. حيث نرى بشكل واضح منطقة البرزخ والتي تمتد لعشرات الكليومترات (باللون الفضي) وفي نهاية هذه المنطقة (على اليمين) نرى الأمواج العميقة (الخطوط النصف دائرية على اليمين).

 

هذه صورة بالكمبيوتر لقاع المحيط ونرى فيه الأمواج بلون أخضر وأصفر ويبلغ ارتفاعها طول ناطحة سحاب (300 متر) وهي أمواج عنيفة جداً وتغطي منطقة مظلمة جداً من أعماق المحيط.

القرآن والإعجاز في عالم البحار

قال تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور: 40].

معجزات الآية الكريمة:

1- تحدثت الآية عن ظلمات في أعماق البحار، وهذه الحقيقة لم تكن معروفة من قبل حيث لم يكن بإمكان الإنسان النزول لأكثر من (10-20) متراً... لأن الضغط يتضاعف كل عشرة أمتار وبالتالي لا يمكن للإنسان تحمل ذلك الضغط على أعماق كبيرة وبالتالي لا يمكنه التنبؤ بوجود ظلمات في أعماق المحيط.

2- تحدثت الآية عن (بَحْرٍ لُجِّيٍّ) هذا البحر يغشاه الموج ومن ثم موج آخر. وكأن لدينا بحر في الأعماق يختلف عن البحر الذي نعرفه ونراه. وبالفعل هذا ما ثبت علمياً حيث يؤكد العلماء أن المياه الموجودة تحت الأمواج العميقة تختلف كلياً عن المياه الموجودة فوق الأمواج!

فقد وجد العلماء أثناء دراسة الأعماق أن المياه العميقة تكون باردة وأكثر كثافة وأكثر ملوحة، وتختلط مع المياه الدافئة في الأعلى والتي تكون أقل كثافة وأقل ملوحة وبالتالي يحدث ما يسمى بالجريان المضطرب والذي بنتيجته تتشكل أمواج عنيفة جداً .

3- إن تشبيه أعمال الكافر مرة بالسراب ومرة بالبحر اللجي فيه إعجاز مذهل، فالنص القرآني بدأ بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) [النور: 39].

ولا نملك إلا أن نقول سبحان الله!

 

آيات الله في البحار 

 

نعيش مع بعض الحقائق اللطيفة حول علم البحار القرآني، وهذا البحث من باب التذكرة، فذكّر إن الذكرى تنفع المؤمنين......


يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً) [الفرقان:53].

منذ 1400 سنة لم يكن أحد على وجه الأرض يعلم شيئاً عن الحاجز بين النهر والبحر. وقد قام حديثا علماء بدراسة المنطقة حيث يصبّ النهر العذب في البحر المالح. وكانت النتيجة أن هذه المنطقة لها خصائص مختلفة كلياً عن الخصائص الموجودة في أيّ من ماء النهر أو ماء البحر.

حتى إننا نجد أحدث الأبحاث العلمية تؤكد أن منطقة المصبّ يحدث فيها مزج مضطرب، وسبحان الله العظيم يأتي البيان الإلهي ليعبر عن هذه الحقيقة العلمية الدقيقة بكلمة واحدة وهي (مَرَجَ)!

وهذا النوع من الحواجز تحدث عنه القرآن، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً) [الفرقان:53].

لقد نشأ علم حديث اسمه ميكانيك السوائل يبحث في القوانين التي وضعها الله تعالى لتحكم أي سائل في الكون. ومن أهم السوائل بالنسبة لنا هو الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي فقال: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء:30]. ومن أهم القوانين التي تحكم هذا الماء قانون التوتر السطحي الذي بواسطته تحافظ كل قطرة ماء على شكلها و وجودها.

ولولا هذا القانون لتبخر الماء ولم يتماسك أبداً. وبواسطة هذا القانون الذي يشد جزئيات الماء إلى بعضها البعض تبقى البحار متماسكة أيضاً. لأن قوة التوتر السطحي هذه وهي القوة التي تشد جزيئات الماء تتغير مع كثافة الماء ودرجة حرارته ونسبة الملوحة فيه وغير ذلك من العوامل. فتجد أن النهر العذب له خصائص تختلف تماماً عن البحر المالح، وبالتالي هنالك اختلاف كبير بين قوة التوتر السطحي للماء العذب وتلك الخاصة بالماء المالح. هذه القوى تلتقي عند التقاء مصب النهر مع البحر. فتعمل كل قوة ضد الأخرى!

فتجد أن منطقة البرزخ أو منطقة الالتقاء للنهر مع البحر هي منطقة تدافع وتجاذب وحركة واضطراب وهذا ما عبَّر القرآن عنه بكلمة واحدة وهي (مَرَجَ). يقول عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً) [الفرقان:53].

وتأمل معي كلمة (حِجْراً مَّحْجُوراً) في الآية كيف تعبر عن جدار منيع وقوي وهذا ما نجده فعلاً، فهذه القوى الناشئة بين النهر والبحر في منطقة البرزخ هي جدار لا يمكن اختراقه. ومن علم ميكانيك السوائل نعلم بأن أي جدار يتم بناؤه يقوم على أساس دراسة القوى التي ستقع على هذا الجدار.لذلك نجد أن التعبير القرآني عن الحاجز بين النهر والبحر بأنه (حِجْر) تعبير دقيق من الناحية العلمية.

كما أن هنالك فارقاً في قوى الضغط التي يسببها النهر على البحر والقوة المعاكسة التي يسببها البحر على النهر، وتكون النتيجة أن هنالك منطقة متوسطة هي البرزخ وعلى جانبيه ضغوط مختلفة يتحملها وكأنه جدار محصَّن وقوي. لذلك قال تعالى في آية أخرى: (أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل:61].

إن الغوص في الماء ومعرفة أسرار البحار كان من رغبات الإنسان منذ وجوده على الأرض. ولكن الإنسان في الحالة الطبيعية لا يمكنه الغوص لأكثر من أمتار معدودة وذلك بسبب الضغط الكبير المتولد من وزن الماء فوقه.


وعندما اخترع الإنسان الغواصة تمكن من الوصول لأعماق كبيرة تقدر بمئات الأمتار أو آلاف الأمتار. وعندها تم اكتشاف عالم قائم بذاته في أعماق المحيطات، ولعل الشيء الملفت للانتباه هو اكتشاف أمواج عميقة أشدّ عنفاً من الأمواج التي على سطح البحر.

فكما نرى أمواجاً متلاطمة على سطح البحر، أيضاً هنالك أمواج في عمق البحر.هذه الأمواج تحدث عنها القرآن في قول الحق تبارك وتعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النور:40]. ونلاحظ كيف تتحدث الآية بوضوح عن البحر العميق الذي تغشاه الأمواج ثم من فوقه أمواج أخرى.

وهنا ندرك دقة القرآن حتى في تشبيهاته، فالله تعالى يقول لنا بأن الكافر بربه والذي ضلَّ عن سبيل الهدى مثله كمثل رجل يعيش تحت هذه الأمواج العميقة، قمة الظلام والضيق، فالله تعالى يشبه الضلال بهذه الظلمات ويتحدث عن أمواج في عمق البحر (اللجي هو العميق). إن هذا النوع من المعرفة لا يمتلكه حتى أدباء عصرنا هذا، فكيف بالنبي الأمي الذي جاء في عصر عبادة الحجارة والأوثان، في ذلك العصر لم يكن هنالك إلا الأساطير. بينما القرآن نجده يحاكي كل العصور فهو كتاب الله عزّ وجلّ.

إن الذي ينظر إلى الكرة الأرضية من الفضاء الخارجي يشاهد البحار تغطيها السحب بشكل كبير. وهذا ما تظهره صور الأقمار الاصطناعية. هذه السحب الكثيفة تحجب جزءاً كبيراً من نور الشمس ويبقى جزء صغير ليخترق أمواج البحر السطحية وبعد ألف متر تقريباً ينعدم الضوء تماماً عند مستوى الأمواج العميقة. لذلك يقول تعالى: (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)، فالأمواج تساهم في حجب قسم كبير من الأشعة الضوئية أيضاً. فيكون لدينا ظلام في قاع البحر، ومن فوقه طبقة من الأمواج الداخلية التي تضيف طبقة ثانية من الظلام، ثم يأتي الماء الموجود فوق هذه الأمواج والذي يضيف طبقة ثالثة من الظلام، ثم تأتي الأمواج على سطح البحر والتي تضيف طبقة رابعة من الظلام ثم تأتي طبقة الغلاف الجوي فوق سطح البحر لتشكل طبقة خامسة من الظلام ثم السحاب والغيوم الركامية التي تشكل طبقة سادسة وهكذا (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ)، فهل يمكن لإنسان يعيش تحت هذه الظلمات أن يرى يده؟ كذلك الذي ضل عن سبيل الله ونسي لقاءه أنَّى له أن يرى نور الإيمان!

إذا كان الإنسان قبل مجيء القرن العشرين لا يستطيع الغوص في الماء إلا لعدد من الأمتار، كيف علم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلّم بهذه الأمواج في أعماق البحار؟ هل درس رسول الله عليه الصلاة والسلام قوانين انكسار الضوء، وكيف يفقد الضوء جزءاً من طاقته عندما يخترق الماء أو الأمواج؟

إن الضوء الذي يخترق ماء البحر على عمق مائة متر لا يبقى منه إلا أقل من واحد بالمئة على مثل هذا العمق، فكيف على أعماق آلاف الأمتار؟

 

إن الأمواج العمقية في البحر لم يتم كشفها إلا منذ أقل من مائة سنة، ولم يتم دراستها وتصويرها إلا منذ سنوات قليلة فقط.

إن الإنسان لا يمكنه الغوص إلى هذه الأعماق إلا باستخدام غواصة ذات جدران شديدة الصلابة والتحمل لتتحمل الضغط الكبير جداً الذي تسببه طبقة الماء فوقها.

إذن الحياة مستحيلة تحت هذه الأعماق، فكيف تحدث القرآن عن إنسان يعيش على هذا العمق الكبير من الماء؟

إنها معجزة جديدة، فالقرآن يتحدث عن زمن سيخترع الإنسان فيه الغواصة وسينْزل إلى أعماق البحر وسوف يتحقق قول الحق تعالى: (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا)، وهذا ما يحدث فعلاً مع الغواصين في غواصاتهم حيث تنعدم الرؤيا بشكل شبه كامل عند عمق البحر

إذن في هذه الآية الكريمة عدة إعجازات: الحديث عن الظلمات في أعماق البحار. الحديث عن الأمواج العمقية في البحر. والحديث عن تحقق هذه الآية في المستقبل وقد تحققت فعلاً باختراع الغواصات.

نعيد كتابة النص القرآني ونترك للقارئ التفكر والتأمل في عظمة آيات الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النور: 39-40].

ومن الكشوفات المهمة في علم البحار أن هنالك مسافة تفصل بين أي بحرين، فلا يطغى هذا على ذاك أو العكس.

عندما يلتقي البحران عند مضيق ما يحافظ كل بحرٍ على خصائصه. فعلى سبيل المثال يلتقي البحر الأحمر مع المحيط الهندي في منطقة تسمى مضيق باب المندب.هذه المنطقة نجد لها خصائص متوسطة بين البحرين.

فالبحر الأحمر له كثافة ودرجة حرارة ولزوجة تختلف عن المحيط الهندي، والأسماك التي تعيش هنا غير التي تعيش هناك. هذه المنطقة الفاصلة تسمى بالحاجز أو البرزخ.

هذا البرزخ يشبه الجدار المتين الذي يفصل بين البحرين، وهو يسمح لماء هذا البحر بالمرور عبره لذلك البحر ولكن بعد أن يغير خصائصه بما يتناسب مع البحر الثاني. وبالتالي رغم اختلاط البحرين وامتزاجهما يبقى كل منهما مستقلاً عن الآخر في مواصفاته.

 هذا البرزخ الذي لم تتم رؤيته إلا بواسطة الأقمار الاصطناعية في نهاية القرن العشرين تحدث عنه القرآن قبل أربعة عشر قرناً. لنستمع إلى قول الله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ) [الرحمن:19-20].

إن هذا البرزخ يوجد أيضاً بين البحر المالح والنهر العذب عند التقائهما. فنجد أن الأنهار العذبة تصب في البحار المالحة، ورغم ضخامة البحر المالح لا يطغى على النهر العذب ولا يختلط به أبداً.

ويمكن رؤية المنطقة التي تفصل بين الماء العذب والماء المالح بالأقمار الاصطناعية وهي تمتد عادة لعدة كيلومترات.

القشرة الأرضية ليست متصلة تماماً بل تتركب من مجموعة من الألواح. هذا ما كشفت عنه الأبحاث الجيولوجية حديثاً.

حركة الألواح هذه تؤدي إلى تصادمات مستمرة فيما بينها ينتج عنها تصدع للقشور الأرضية. وهذا ما تحدث عنه القرآن بقوله تعالى: (والأرض ذات لصدع) [الطارق:12].

هذه التصدعات تكثر في قاع البحار والمحيطات وينتج عنها انطلاق كميات من الحمم المنصهرة من باطن الأرض على شكل براكين. فالنيران تشتعل في قاع البحر بشكل دائم وعلى الرغم من حجم الماء الكبير فوقها لا يستطيع إخمادها.

لقد تحدث القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً عن هذه الحقيقة العلمية بقوله تعالى: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [الطور:6]. وكلمة (سَجَرَ) في اللغة تعني أشعل وأحرق، و لم يكن أحد على وجه الأرض يتخيل هذا الأمر.

 

ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم الذي لا ينطق عن الهوى إنما بلغنا القرآن كما أنزله عليه ربه دون زيادة ولا نقصان، لم يستغرب هذه الحقيقة بل هو مؤمن بكل ما أوحي إليه.

 

فقد بلغنا قول الله تعالى (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) وكلمة (الْمَسْجُورِ) تفيد الاستمرار. فالبحر لا يزال منذ ملايين السنين يشتعل قاعه بنار تصل حرارتها لآلاف الدرجات المئوية وعلى الرغم من ذلك لا يتبخر الماء ولا تنطفئ النيران! 

 

بحيرات الربع الخالي 

 

صورة حديثة بالأقمار الاصطناعية لمنطقة الربع الخالي في الجزيرة العربية، تظهر وجود بحيرة كبيرة ومجموعة من الأنهار....





 صورة حديثة بالأقمار الاصطناعية لمنطقة الربع الخالي في الجزيرة العربية، تظهر وجود بحيرة كبيرة ومجموعة من الأنهار دفنتها الرمال قبل آلاف السنين. ويحاول العلماء في وكالة الفضاء الأمريكية ناسا التنبؤ بمستقبل هذه المنطقة وتؤكد الدراسات العلمية أنها ستعود كما كانت أنهاراً ومروجاً خلال السنوات القادمة. لدينا حديث عجيب يمثل معجزة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يؤكد فيه أن منطقة صحراء الجزيرة العربية كانت مليئة بالأنهار والمروج يقول فيه: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وانهاراً) [رواه مسلم]. والأبحاث العلمية تقول إن دورة المناخ تنتقل من منطقة لأخرى، وبعد مدة محددة سوف تهطل كميات كبيرة من الأمطار في منطقة الربع الخالي مما يؤدي لعودة الأنهار والنباتات كما كانت قبل خمسة آلاف سنة!

 

القرآن يتحدث عن النظام المقدر للماء

 

نعيش مع بعض الآيات القرآنية التي تتحدث عن علم المياه، وكيف تأتي الحقائق العلمية لتشهد على صدق هذا الكتاب العظيم، لنقرأ ونتأمل.......


إن اكتشاف القوانين التي تحكم حركة السوائل شكَّل قفزة كبيرة في تطور فهمنا للماء من حولنا. فالذي يتأمل هذه القوانين لا يملك إلا أن يقول سبحان المبدع العظيم القائل: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [النمل: 88].

هذه القوانين الفيزيائية أودعها الله تعالى في الماء لتكون دليلاً على دقَّة صنعه ولتكون آية تشهد على قدرته عزَّ وجلَّ. وتتجلَّى عَظَمَة هذه القوانين عندما نعلم بأن الله تبارك وتعالى قد حدثنا عنها في كتابه بمنتهى الكمال والوضوح!

في ظل المعرفة الحديثة لقوانين السوائل وبشكل خاص الماء نرى اليوم العلماء يؤكدون أن كل الماء الذي نراه على الأرض يدور دورة منضبطة ومقدّرة ومحسوبة. وهنالك قوانين فيزيائية تحكم حركة كل قطرة ماء خلال دورتها منذ نزولها من السماء وحتى تصل إلينا. وأن كل المراحل التي تمر فيها قطرة الماء ليست عشوائية بل تسير بنظام محكم.

 

 لو تأملنا كل قطرة ماء في هذه الأرض، نرى نظاماً محكماً يشهد على بديع صنع الخالق تبارك وتعالى، ونرى قوانين فيزيائية ثابتة تدل على منظم حكيم عليم، وهذا ما أخبر به القرآن: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ) [الرعد: 8-9].

وهنا أيضاً تتجلى معجزة قرآنية في الحديث عن هذا الأمر في قوله تعالى: (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ) [الزخرف:11]. وتأمل معي كيف ربط البيان الإلهي بين نزول الماء من السماء وبين كلمة (بقدر) أي بنظام محسوب ومقدّر.

إن قطرة الماء الواحدة تحوي خمسة آلاف مليون جزيئة ماء!! وهذا العدد الضخم قد نظمه الله بنظام محكم ومقدر ومحسوب ولا يحيد عنه أبداً، ولذلك قال تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر)، أي بنظام وتقدير وحساب. وهذا ما يخبرنا به العلماء اليوم من خلال أبحاثهم التي اكتشفوا فيها أن النظام المائي على سطح الأرض شديد التعقيد والإحكام، وله قوانين ثابتة يقوم عليها.

لقد ورد ذكر الماء في القرآن في عشرات المواضع، ولا نبالغ إذا قلنا إنه في كل آية من هذه الآيات معجزة!

1- تحدث القرآن عن الخزانات المائية الضخمة الموجودة تحت سطح الأرض والتي تزيد كميتها عن المياه العذبة في الأنهار، وذلك من خلال قوله تعالى: (وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) فهذه العبارة تتضمن إشارة إلى عمليات تخزين المياه في الأرض، وهذا الأمر لم يكن معروفاً زمن نزول القرآن.

2- تحدث القرآن عن المدة الزمنية الكبيرة التي يمكث فيها الماء في الأرض دون أن يفسد أو يختلط ويتفاعل مع صخور الأرض، وذلك في قوله تعالى: (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) ففي هذه العبارة إشارة إلى أن الماء يسكن في الأرض ويقيم فترة طويلة من الزمن على الرغم من وجود الأحياء الدقيقة والفطريات والأملاح والمعادن والمواد الملوثة تحت سطح الأرض، إلا أن الماء يبقى نقياً وماكثاً لا يذهب، أليس الله تبارك وتعالى هو من أودع القوانين اللازمة لبقاء الماء بهذا الشكل؟

3- القرآن تحدث عن دور الجبال في تنقية المياه، وهذا الأمر لم يكن لأحد علم به من قبل، وكلما كانت الجبال أعلى كان الماء أنقى، ولذلك قال تعالى: (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [المرسلات: 27]. ويعتبر الباحثون اليوم الجبال كأهم مصدر للماء العذب في القرن الحادي والعشرين.

4- تحدث القرآن عن العمليات المنظمة والمقدرة التي تحكم نزول الماء ودورته في قوله تعالى:  (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ) أي بنظام مقدّر ومضبوط ومحسوب.

وأخيراً عزيزي القارئ ألست معي في أن القرآن قد تحدث عن كل شيء وفصّله وبيّنه لنا؟ يقول تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89].

 

نزول الماء من السماء.. حقيقة علمية وقرآنية 

 

كيف نشأت البحار على هذه الأرض، ومن أين جاء ماء الأرض، وهل تحدث القرآن عن نزول الماء من السماء كما يقول العلماء اليوم؟...


الماء هو المادة التي تميز كوكبنا وتعطيه اللون الأزرق عندما ننظر إليه من الفضاء الخارجي. والماء هو أصل الحياة على الأرض، والماء هو المادة التي لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدونها أبداً!

يغطي الماء أكثر من 70 بالمئة من سطح الأرض، ويكون أكثر من 70 بالمئة من أجسامنا، والماء يتألف من عنصرين الهيدروجين والأكسجين. ويقول العلماء إن الهيدروجين هو أول عنصر تشكل في الكون لأنه من أخف العناصر في الكون.

أما الأكسجين فهو العنصر الثامن من عناصر الكون المستقرة التي يبلغ عددها 99 عنصراً، وقد تشكل هذين العنصرين في المجرات البعيدة، ثم حُملا مع النيازك والمذنيات التي قذفت الأرض لملايين السنين بكميات كبيرة، وذلك قبل أريعه آلاف مليون سنة.

فالنيازك المتساقطة على الأرض تكون عادة محملة بآثار للمياه، وآثار للحياة، وهذا ما يلاحظه العلماء لدى تحليلهم لبعض النيازك المتساقطة حديثاً والتي تخترق الغلاف الجوي وتصل إلى سطح الأرض.

هذه النيازك ضربت القمر أيضاً وأصبح مثقباً بشدة، ولكن الماء لا يمكن أن يتماسك على ظهر القمر بسبب الجاذبية المنخفضة له. بينما الأرض فإن الله خلقها بالحجم المناسب الذي يسبب جاذبية مناسبة لجذب الماء من هذه النيازك وإبقائه على ظهرها دون أن يتطاير في الفضاء الخارجي.

فمع مرور الزمن تلقت الأرض ملايين النيازك وبعض المذنبات ضربت الأرض أيضاً، والمذنب يكون له ذيل من الثلج عادة، فتلقت الأرض كميات كبيرة من المياه شكلت المحيطات والبحار، وساهمت في تشكيل الغلاف الجوي.

يؤكد بحث علمي جديد (2012) منشور على موقع الفضاء الأمريكي أن ماء الأرض جاء من نفس المصدر الذي جاء منه ماء المريخ، وذلك بعد دراسة طبيعة الماء على كلا الكوكبين. من خلال دراسة النيازك القادمة من المريخ وتحليلها.

وتؤكد أبحاث علمية عديدة وجود كميات هائلة من الماء منتشرة في الفضاء الخارجي على شكل ثلوج موزعة في نظامنا الشمسي وفي الغبار بين النجوم حيث وجد العلماء أن الدخان الكوني يحوي جزيئات ماء ملتصقة على ذراته.

 

النيازك جاءت إلى الأرض منذ مليارات السنين محملة بكميات من الماء والحديد وبالتالي فإن العلماء اليوم يؤكدون أن الماء نزل من السماء وكذلك الحديد... سبحان الله، هذا ما أشار إليه القرآن في آياته، يقول تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18].

وهكذا يتبين أن الماء الذي نراه من حولنا قد نزل من السماء، ولذلك نجد القرآن يؤكد على هذه الحقيقة دائماً بقول الحق تبارك وتعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18]. وهكذا كثير من الآيات جاءت بصيغة إنزال الماء من السماء.

وتأمل أخي القارئ كيف جاءت الآية الكريمة لتؤكد أن الماء الذي أنزله الله من السماء يسكن في الأرض، ولو كانت جاذبية الأرض أقل مما هي عليه بقليل لذهب الماء وتطاير في الفضاء الخارجي. ولو كانت جاذبية الأرض كبيرة وأكبر مما هي عليه، فإن الأرض ستلتقط كميات كبيرة من الماء وستغمر المياه سطح الأرض ولن تكون الأرض قابلة للحياة.

ولكن قد يقول قائل هناك آيات تتحدث عن نزول الماء من الغيوم، والغيوم تقع ضمن الغلاف الجوي للأرض، فكيف يكون الماء قد نزل من السماء؟ ونقول إن من عظمة الإعجاز القرآني أن الآية تجمع لنا العديد من المعاني، وجميعها صحيح.

فالماء الموجود على الأرض أنزله الله من السماء، وأسكنه في الأرض لأن حجم الأرض مناسب لإقامة الماء فيه. كذلك جعل الله الغلاف الجوي سماء بالنسبة لنا، لأن السماء هي السقف، فقال: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) [الأنبياء: 32]. وهنا تشير الآية إلى الغلاف الجوي الذي يحفظ الأرض من الأشعة الكونية والأشعة فوق البنفسجية المدمرة والضارة والتي لو وصلت إلى أجسادنا لأحرقتها، وكذلك يحفظ الأرض من بلايين النيازك والأحجار والإشعاعات التي تصيب الأرض فيبعدها ويشتتها ويحفظ الله به الحياة لنا على الأرض.

وعندما يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) [الفرقان: 48-50]. فهذه الآية تتحدث عن إنزال الماء من الغيوم، ولكنها تحمل إشارة خفية إلى أن أصل الماء نزل من السماء، والقرآن كتاب عظيم ويحوي الكثير من الإشارات الخفية.

وبالتالي يمكننا أن نعتبر أن عبارة (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) تتضمن معنيين: الأول إنزال الماء من السماء داخل الغلاف الجوي لأن الغلاف الجوي هو سماء بالنسبة لنا، والثاني أن الماء أصلاً  قد نزل من السماء من الفضاء الخارجي وسكن الأرض.

إذن عندما يرى العلماء حديثاً كثيراً من الدلائل والإشارات لنزول الماء من السماء وأن الماء قد جاء من الفضاء الخارجي، ونرى بأن القرآن يحوي بعض الإشارات التي تؤكد ذلك، فهذا يدل على توافق العلم والقرآن، يقول تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].

هناك اكتشاف علمي يقول بأن الكون يحوي عدداً كبيراً من النجوم التي تقذف بالماء ! فقد وجد العلماء نجماً يبعد عنا 750 سنة ضوئية يقذف الماء بغزارة (كل ثانية يقذف كمية من الماء تقدر بمئة مليون مرة ما يحويه نهر الأمازون من الماء). وهذا الماء حار جداً تبلغ درجة حرارته أكير من مئة ألف درجة مئوية.

 

وأخيرا نود الإشارة إلى أن العلماء بدأوا مؤخراً (منذ 2010) باكتشاف الماء في السماء، ووجدوا نجماً محاط بكمية كبيرة من بخار الماء الساخن، ويقترحون أن الماء كان موجوداً منذ بداية الخلق ومرافقاً لعملية تشكل السماء والأرض!! أي قبل مليارات السنين. وهذا ما أشار إليه القرآن في آية كريمة. يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [هود: 7].

فانظروا معي إلى قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) وبنفس الوقت يقول: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) أي أن الماء كان موجوداً أثناء خلق السماء والأرض وهذا ما يؤكده العلماء اليوم، فسبحان الله!

 

دورة الماء: حقائق وإعجاز 

 

من خلال الصورة نتأمل كيف يحرك الله دورة الماء وماذا سخر من أجل ذلك، والعجيب أن القرآن تحدث عن هذه الحقائق بدقة تامة........

تحدث القرآن عن جميع الحقائق المتعلقة بدورة الماء ونزول المطر بشكل يتفق مع أحدث المعطيات العلمية، لنتأمل هذه الصورة ونتأمل الآيات الكريمة التي تتحدث عن كل جزء من أجزاء هذه الدورة المائية.

 

1- إشارة إلى أهمية الشمس

الشمس هي محرك الدورة المائية، ولذلك قال تعالى: (وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) [النبأ: 13]. فالشمس هي التي تبث الحرارة والضوء اللازمان لتبخير الماء وتشكيل الرياح.

2- إشارة إلى أهمية الرياح

الرياح هي المحرك الثاني لدورة الماء، وقد تحدث القرآن عنها بقول الحق تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر: 22].

3- إشارة إلى أهمية تخزين الماء

الماء النازل من الغيوم يختزن في الأرض لمئات السنين دون أن يفسد، مع العلم أن أحدنا لو اختزن الماء لأيام قليلة فإنه سيفسد!! ولذلك قال تعالى: (وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ).

4- إشارة إلى دور الرياح

بعد تبخر الماء يتكثف في السماء على شكل غيوم والرياح تقوم بمهمة تلقيح السحاب ولذلك قال تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ).

5- إشارة إلى تشكل الغيوم

تحدث القرآن عن الغيوم العالية الركامية والتي هي مسؤولة عن المطر الغزير وعن الثلج والبرد، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [النور: 43]. يزجي أي يحرك ويسوق، وركاماً أي عالياً بعضه فوق بعض، والودق هو المطر الغزير. وهذه الآية من آيات الإعجاز العلمي التي تحتوي على معلومات دقيقة عن هندسة تشكل الغيوم وحدوث البرد.

6- إشارة إلى توزع المياه

الماء لا يذهب عبثاً بل يتم تخزينه في الأرض لينطلق على شكل ينابيع عذبة نشربها وبالتالي تستمر الحياة، ولذلك قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [الزمر: 21]. تصوروا معي لو أن الزرع لا يتحول إلى اللون الأصفر ويصبح حطاماً، ولو بقي أخضر دائماً لما تجددت دورة النبات ولما استفدنا من هذا الحطام الذي يتحول إلى بترول عبر آلاف السنين!!

7- إشارة إلى وجود قوانين دقيقة

يقول العلماء إن جميع العمليات تتم بشكل منتظم وفق قوانين فيزيائية ثابتة، ولذلك فإن العملية بأكملها مقدَّرة ومحكمة ومنظمة، ولذلك يقول تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18]. وتأملوا معي كلمة (بِقَدَرٍ) التي تشير إلى التقدير والنظام.

8- إشارة إلى البرزخ المائي

من أهم أجزاء الدورة ما يحدث في منطقة المصب حيث تصب الأنهار في البحار، وهذه تحدث القرآن عنها ولم يغفلها، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53]. ولولا أن الأنهار تصب في البحار لجفت هذه البحار، وقد حدث ذلك مع بحر "الآرال" الذي كان يتغذى من نهرين وعندما قام البشر بتحويل مجرى النهرين، جف هذا البحر!!

9- إشارة إلى دور الجبال

يقول العلماء إن الجبال لها دور مهم في نزول المطر وتشكل الغيوم وفي تنقية الماء، فهل أهمل القرآن ذكر هذه الحقيقة؟ بالطبع لا، يقول عز وجل: (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [المرسلات: 27]. ففي هذه الآية ربط المولى عز وجل بين الجبال الشامخة وبين الماء الفرات، وهذا ما يؤكده العلماء اليوم.

أحبتي في الله! لقد نزلت هذه الآيات في عصر كان الاعتقاد السائد أن المطر له آلهة، والرعد له آلهة والبرق له إله اسمه "زيوس" والشمس هي إله.... وهكذا، لم يكن في ذلك الزمن أي تفكير علمي، ونزلت هذه الآيات قبل 1400 سنة لتتحدث بدقة تامة عن دورة الماء التي اكتشفها الغرب منذ أقل من مئة سنة فقط! ألا تدل هذه الآيات على أن القرآن كتاب الله سبحانه وتعالى؟!

 

الماء الطهور 

 ناك حديث نبوي معجز يؤكد فيه النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن الماء طهور لا ينجسه شيء، هل هناك حقائق علمية حول هذا الموضوع؟......

قال صلى الله عليه وسلم: (إن الماء طهور لا ينجسّه شيء) [حديث حسن رواه الترمذي والنسائي]. قال تبارك وتعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طَهوراً) [الفرقان: 48]. ويقول أيضاً: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر: 22].

يقول الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) أي وما أنتم له بحافظين، بل نحن ننَزّله ونحفظه عليكم ونجعله معيناً وينابيع في الأرض، ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به. وسبحان الله! العلماء اليوم يؤكدون أن تخزين المياه تحت الأرض ينقي هذا الماء ويعقمه ويحفظه لنا سليماً لنشربه، والقرآن يذكرنا بهذه النعمة نعمة تخزين الماء في الأرض ويخبرنا أن الله هو من يخزّن هذا الماء وليس نحن، فهل نشكر نعمة الله تعالى؟

إنها نعمة عظيمة من نعم الخالق عز وجل أن جعل تحت الأرض خزانات ضخمة من الماء العذب النقي، فما هو الجديد في هذا الموضوع؟ لقد حاول العلماء منذ أكثر من قرن استخدام وسائل عديدة لتنقية المياه، فالمياه الموجودة على سطح الأرض تكون عادة ملوثة بالكائنات الدقيقة التي تسبب مختلف أنواع الأمراض للإنسان. فابتكروا محطات تنقية المياه، ووحدات تحلية مياه البحر والفلاتر بأنواعها وابتكروا أساليب كثيرة لتنقية الماء.

ولكن قد تعجب عزيزي القارئ من أحدث أسلوب لتنقية المياه مهما كانت درجة تلوثها، وهو أن نضع المياه الملوثة ونخزنها تحت سطح الأرض! فقد ابتكر هذه الطريقة الدكتور سايمون توز طريقة سهلة ورخيصة لتنقية المياه الملوثة وذلك من خلال تخزينها في الطبقات الجوفية تحت سطح الأرض وذلك لعدة شهور.

ويقول إن هذه الطريقة كفيلة بأن تقتل جميع أنواع الكائنات الدقيقة الضارة والتي تشكل خطراً على الإنسان. مثل شلل الأطفال وأمراض الإسهال وغير ذلك من الأمراض الفيروسية الخطيرة.

تعتبر هذه الطريقة إحدى أنواع التنقية الطبيعية geopurification وقد أودع الله في الأرض خصائص رائعة حيث تمتص الأرض من المياه كل أنواع الجراثيم والفيروسات والزيوت والمواد الدهنية والأوساخ وغير ذلك من الملوثات.

 

وقد احتار العلماء في سر هذه التنقية العجيبة، حيث يقول الدكتور سايمون:

"We know the pollution goes, but we don't know how"

نحن نعلم أن التلوث يزول، ولكن لا نعلم كيف!

ولكن القرآن الكريم وهو كتاب العجائب (ولا تنقضي عجائبه) حدثنا عن نعمة عظيمة من نعم الله علينا حيث تحدث عن تخزين المياه تحت سطح الأرض وأن الله هو الذي أودع في الأرض خصائص التخزين والتنقية وجعل الماء قابلاً للشرب والسقاية. يقول تعالى: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) [الحجر: 22].

 

صورة بالمجهر لحبيبات التراب، وتظهر فيها الفراغات التي أودعها الله ليكون التراب قابلاً لتخزين الماء، كما أودع الله في التراب مواد مطهرة تقتل الجراثيم والملوثات العالقة بالماء، من الذي أودع في تراب الأرض هذه القدرة التخزينية الرائعة؟ إنه الله القائل: (وما أنتم له بخازنين)!

وقد طرح أحد العلماء حديثاً سؤالاً: إذا كان الماء يطهر كل شيء، فكيف يمكن أن نطهر الماء من الأوساخ التي تعلق به؟ وبعد بحث طويل وجد في التراب مواد معقمة تقتل الجراثيم العالقة في الماء، وبالتالي فإن الله تعالى قد سخر هذه المواد التي يسميها العلماء "مضادات حيوية" وأودعها في التراب الذي خُلقنا منه وسنعود إليه، لتكون وسيلة رائعة ومجانية في تنقية الماء الذي نشربه. يقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 13].

ويقول العلماء لولا هذه الخصائص التي يتميز بها تراب الأرض لفسد هذا الماء، ولم تعد الأرض مستودعاً صالحاً لتخزين المياه ولما أمكن لنا أن نشرب هذه المياه أبداً! أليس هذا ما أكده القرآن بقول الحق تبارك وتعالى: (فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ)؟؟؟

 

نشـوء البحـار 

 

نشـوء البحـار

 

سؤال طالما شغل تفكير العلماء، وهو كيف تشكلت البحار، ومن أين جاءت هذه الكميات الضخمة من الماء؟........

لعل من أهم النظريات العلمية التي تفسر نشوء الماء وتكونه وهي النظرية الأكثر قبولاً من الناحية العلمية والعملية وتتلخص في أن الأرض في بداية خلقها كانت تقذف بالحمم المنصهرة من داخلها، هذه الحمم عندما تنطلق في الغلاف الجوي فإنها تصدر ملايين الأطنان من بخار الماء الساخن الذي يرتفع في الجو حتى يلامس طبقات الجوّ العليا ليتبرد ويتكثف ويهطل على شكل أمطار غزيرة.

إذن الماء الذي على الأرض نشأ أساساً من باطن الأرض، أي أن الله تعالى قد أخرج ماء الأرض منها، وهنا يتجلى البيان الإلهي ليخبرنا بحقيقة هذا الأمر في قول الحق تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها * والجبال أرساها * متاعاً لكم ولأنعامكم) [النازعات:30-33].

وتأمل معي تسلسل الأحداث الكونية في هذه الآيات، ففي البداية كانت الأرض جرماً ملتهباً انفصل عن الشمس وبدأ بالدوران حولها، إن دوران الأرض وابتعادها عن الشمس ودحيها حتى أخذت شكلها الكروي هو ما حدثنا عنه القرآن في قوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها) وفي هذه الآية دليل على كروية الأرض أيضاً، فكلمة (دحى) جاءت من الاستدارة وتحديداً استدارة البيضة. وأثناء عملية التبريد والدوران للأرض بدأ بخار الماء ينطلق من الحمم المنصهرة المقذوفة من باطن الأرض وهذا ما تحدث عنه القرآن بـ (أخرج منها ماءها ومرعاها).

فالماء خرج من الأرض أثناء رحلة تبريدها وفي هذه المرحلة بدأت بدايات الحياة على ظهر الأرض من خلال إخراج النباتات التي ستكون مراعي للحيوانات. ولكن الجبال لم تكن قد تشكلت فهي في بداية تشكلها، فتشكل الجبال استغرق آلاف الملايين من السنين!

وعندما بدأت الأرض بالتبرد بدأت القشرة الأرضية بالتشكل وبدأت هذه القشرة بالحركة لأنها تقوم أساساً على حمم منصهرة (آلاف الدرجات من الحرارة)! ونتج عن حركة أجزاء القشرة الأرضية اصطدام أجزاء هذه القشرة بعضها ببعض وبروز الجبال ولكن هذه الجبال لها جذور تمتد لآلاف الأمتار في القشرة الأرضية تثبت هذه القشرة وتوازن الأرض خلالها دورانها فهي كالمرساة للسفينة. وهنا نجد قول الله تعالى: (والجبال أرساها * متاعاً لكم ولأنعامكم) [النازعات: 32-33].

 

يقول العلماء إن الماء نزل من السماء أصلاً ثم سكن في الأرض ثم تشكلت البحار والمحيطات، وبالتالي فإن الله يتحدث عن إنزال الماء م السماء ويتحدث عن إخراج الماء من الأرض وكلتا الحقيقتين يتحدث عنهما العلماء اليوم.

والسؤال: ماذا يحدث لو كان ملح البحر قادراً على التبخر مثله مثل ماء البحر؟ إن الله تعالى قد وضع قانون الجاذبية، وعلى أساسه تستمر الحياة على الأرض. فالملح أثقل بكثير من الماء ولذلك لا يستطيع الصعود في الهواء، بينما الماء يستطيع ذلك لأن كثافة بخار الماء أقل من كثافة الهواء.

وهذا يعني أن ذرات البخار سوف تصعد للأعلى، تماماً مثل قطعة الخشب عندما تطفو على سطح الماء، لأن كثافة الخشب أقل من كثافة الماء. وهذا ما يدفع الخشب للصعود لأعلى الماء ولو حاولنا إنزاله للأسفل فإنه سيصعد إلى الأعلى، وهذا ما يسميه العلماء بدافعة أرخميدس.

إن هذا القانون المتعلق بكثافة المواد يضمن تبخر الماء وبقاء الملح في البحار، وبالتالي يضمن نزول الماء النقي من السماء. وهنا تتجلى رحمة الله بعباده عندما يقول: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 68-70].

إذن الإعجاز العلمي لكتاب الله لا يقتصر على سرد الحقائق العلمية بل يشمل تسلسل هذه الحقائق فعلياً. ولا نجد أي تناقض بين معطيات العلم الحديث اليقينية وبين كلام الله تعالى، وهذا دليل مادي على أن خالق الكون هو نفسه مُنَزِّل القرآن.

 

وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ

 

فيما يلي بعض الحقائق في علم التوازن البيئي وكيف أخبر بذلك القرآن الكريم في آيات رائعة تشهد على إعجازه في عصرنا هذا، لنقرأ.....

في الأيام الأخيرة كثُر الاهتمام بشؤون البيئة، وأدرك العلماء أهمية التوازن البيئي وأثره على حياة الكائنات من نبات وحيوان وإنسان، وبشكل خاص بعد الكميات الضخمة من الملوثات والتي أفرزتها حضارة القرن العشرين.

فقبل عدة عقود لم يكن هنالك تلوث يُذكر، ولكن في السنوات الماضية زاد عدد المصانع في العالم وزاد عدد وسائل النقل وهذه تنتج كميات ضخمة من المواد الملوثة والتي تسبب أمراضاً خطيرة أهمها السرطان.

هذا التلوث أثر بشكل كبير على الكائنات المائية كالأسماك، وكذلك على الحيوانات وكذلك على النباتات. ولكن من فضل الله تعالى ورحمته بخلقه أنه أودع في هذه النباتات وسائل لتنقية الهواء من المواد السامة.

فكما نعلم تستهلك النباتات لصنع غذائها وثمارها غاز الكربون من الهواء، وتجري في داخلها عملية تسمى بالتركيب الضوئي تركب من خلالها المادة الخضراء والتي يركب منها النبات الحبّ والثمار.

بنتيجة هذه العملية يطلق النبات الأكسجين الذي يستفيد منه الإنسان في عملية التنفُّس. والعجيب أن كمية النباتات على وجه الأرض مناسبة لحجم الغلاف الجوي.

هنالك توازن دقيق بين ما يأخذه الإنسان وبين ما يطلقه النبات من الأكسجين. وتوازن آخر بين ما يطلقه الإنسان من غاز الكربون وبين ما يأحذه النبات من هذا الغاز. وسبحان الله! هذا التوازن الدقيق تحدث عنه القرآن في عصرٍ لم يكن هنالك أي علم عن توازن البيئة. يقول تعالى: (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ) [الحجر: 19].

وانظر معي إلى دقة ألفاظ القرآن وتعابيره العلمية، وهذا يدل على أن هنالك ميزاناً لنسب النباتات على الأرض، ونسبة ما تمتصه من الكربون ونسبة ما تطلقه من الأكسجين. وهذه النسب قاسها العلماء حديثاً بكل دقة. وعلى سبيل المثال فإن نسبة الأكسجين في الغلاف الجوي هي (21) بالمئة تقريباً. ولو زادت هذه النسبة لاحترقت الأرض مع أول شرارة، ولو نقصت هذه النسبة قليلاً لماتت الكائنات اختناقاً !

أما نسبة غاز الكربون في الغلاف الجوي فهي أقل من (1) بالمئة. ولو زادت هذه النسبة لتسمَّمَ البشر وماتوا جميعاً، ولو نقصت لماتت النباتات وتوقفت الحياة. لذلك هنالك توازن دقيق في هذه النباتات وهذا ما تحدث عنه القرآن: ولكن عندما ندخل إلى كل خلية من خلايا أي نبات أخضر على وجه الأرض، ماذا نشاهد؟ إننا نشاهد تركيباً مستمراً للمادة الخضراء. ومن هذه المادة تخرج الحبوب والثمار وهنا نجد للقرآن العظيم حديثاً أيضاً عن هذه العمليات الدقيقة: (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 99]. فقد أكد القرآن أن تشكل المادة الخضراء يتم أولاً ثم يتم إخراج الثمار والحبوب منها. وهذا ما أثبتته الأبحاث الحديثة.

 

إن كل قطرة ماء تتدفق في هذه الأرض تشهد على قدرة صانعها عز وجل، إنه الله الذي خلق كل شيء بتوازن دقيق، ولو اختل هذا التوازن لاختلت الحياة. وربما نعيش اليوم بداية اختلال هذا التوازن بعدما لوَّث الإنسان الأرض وأصبحنا نسمع بما يسمى بالاحتباس الحراري، نسأل الله تعالى أن ينجينا من شر هذه التغيرات المناخية، وأن يختم لنا على خير.

ونتساءل: هل قام محمد صلى الله عليه وسلم وهو النبي الأمي بدراسة تركيب النبات وفحصه بالمجاهر الإلكترونية؟ وما الذي يدعو هذا الرسول الكريم للدخول في هذه القضايا العلمية التخصصية الدقيقة؟ إن المصدر الذي تلقى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه العلوم هو الله تعالى الذي خاطب البشر جميعاً وأكد لهم أنه هو الذي علَّمه هذا العلم.

إن القرآن تحدث عن علم النبات في العديد من آياته، ويكفي أن نعلم بأن القرآن هو أول كتاب قرر وجود الأزواج في عالم النبات قبل العلم الحديث بقرون طويلة. يقول سبحانه وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ) [يس: 36]. وقال أيضاً: (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ) [الزخرف:12].

وأقول للملحدين: هل يمكن لإنسان أمي يعيش في صحراء في القرن السابع الميلادي أن يأتي بكلام بليغ ومنظم ويتطابق مئة بالمئة مع الحقائق العلمية؟

 

مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ

 

هنالك العديد من الآيات التي تناولت علم البحار وتحدثت عن أشياء لا يمكن لبشر أن يعلمها في ذلك الزمن، ومن هذه الآيات حديث القرآن عن الأمواج العميقة في البحار.....

ما أكثر المشككين بكتاب الله تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام، وما أكثر الملحدين الذين يطرحون دعواهم الواهية منذ أول آية نزلت على النبي الكريم، وحتى عصرنا هذا. واليوم نشهد الكثير من المحاولات الهادفة إلى إقناع بعض ضعاف القلوب بأن القرآن العظيم هو كلام محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يحوي أي حقائق علمية في علم البحار!!

هؤلاء يعترفون بألسنتهم بأن الرسول الكريم عليه صلوات الله وسلامه لم يركب البحر ولا مرة في حياته، ولم يكن لديه أي خبرة بأمور البحار والمحيطات. حتى إنهم يعترفون أيضاً بأن الزمن الذي عاش فيه رسول الله وهو القرن السابع الميلادي لم يكن لأحد علم بأعماق البحار.

القرآن يتحدث عن أعماق البحار

إننا نرى القرآن يتحدث كثيراً عن البحار وأسرارها! وهنالك العديد من الآيات التي تناولت علم البحار وتحدثت عن أشياء لا يمكن لبشر أن يعلمها في ذلك الزمن، ومن هذه الآيات حديث القرآن عن الأمواج العميقة في البحار.

يقول تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) [النور: 40]. والبحر اللجي هو البحر العميق كما في التفاسير. إذن الآية تتحدث عن موج تحت البحر ومن فوقه موج على السطح، فهل كشف علماء البحار حقائق تثبت صدق هذا الكلام؟؟

ولكن بعض الملحدين لم تقنعهم هذه الآية بحجة أن الآية تتحدث عن أشياء عامة، ولا تتناول اكتشاف العلماء. ويقولون إن التسمية الدقيقة لما وجده العلماء في أعماق المحيطات هي التيارات المائية العميقة وليس الأمواج العميقة كما يقول القرآن!!

جولة في عالم البحار

فلذلك فقد ذهبتُ في جولة إلى عالم المكتشفات في أسرار البحار، ومن على مواقع علماء الغرب الذين لا يعترفون بالقرآن، ولكن الملحدين يعترفون بهم! والذي أذهلني أن العلماء اليوم يفكرون بالاستفادة من التيارات الداخلية التي تنشأ تحت سطح البحار من أجل توليد الطاقة الكهربائية!!

بل إن علماء الغرب يصنّفون التيارات البحرية إلى تيارات سطحية وهي ما نسميه بأمواج البحر، وتيارات عميقة تحت سطح البحر، وهي ما سماه القرآن بالموج. والسؤال: أليس هذا هو بالضبط ما تتحدث عنه الآية الكريمة في قوله تعالى: (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ)؟؟ أليست الأمواج التي تحدث عنها القرآن قبل أربعة عشر قرناً هي ذاتها التي يحاول علماء القرن الحادي والعشرين الاستفادة من طاقتها؟

لقد ذهب العلماء في أبحاثهم أبعد من ذلك فدرسوا أسباب هذه التيارات ومنشأها، ووجدوا بأن ماء المحيط العميق يتجدد كل 1000 إلى 2000 سنة، وهذه التيارات ما هي إلا الآلية التي يتم بواسطتها تجديد المياه، ولولا ذلك لفسدت بحار الدنيا وانقرضت الحياة على الأرض، فتأمل رحمة الله بعباده؟

وهنالك سبب آخر لتولد هذه التيارات العميقة جداً هو ذوبان الجبال الجليدية وتدفق المياه العذبة إلى قاع المحيط، وهذا يسبب موجات من التيارات المائية التي تنتقل لتشكل دورة محيطية عميقة، تسير المياه فيها من الجبال الجليدية إلى قاع المحيط ثم ترتفع إلى أعلى السطح وتتبخر وتشكل الغيوم التي بدورها تتحول إلى ثلوج تتساقط على قمم الجبال الجليدية وتذوب من جديد وهكذا.

الكلمة القرآنية أدق من مصطلحات البشر

نحن نعلم بأن التيارات الهوائية أي الرياح سببها الاختلاف في درجات الحرارة، ونشاهد أيضاً أمواج المدّ والجزر على سطح البحار وسببها الاختلاف في الجاذبية التي يمارسها القمر بين الليل والنهار، ونعلم بأن الأمواج السطحية على سطح مياه البحر تسببها تيارات الرياح. ولكن ماذا عن الأمواج العميقة في البحار والمحيطات؟

 

رسم يوضح التيارات العميقة داخل المحيط  والتي تتواجد حتى في قاع المحيط على عمق عدة كيلو مترات! ويبين كذلك مختلف العوامل التي تسبب هذه التيارات القوية مثل الحرارة وذوبان الجليد. وهذا ما يسميه العلماء بدورة المحيط العميقة. هذه التيارات العميقة تحدث على عمق 4 كيلو متر يحت سطح البحر كما نلاحظ في الشكل. وهذا العمق لا يمكن الوصول إليه إلا بوسائل متطورة جداً.

إن سبب هذه التيارات المائية في أعماق المحيط هو الاختلاف في درجات الحرارة بين المياه العميقة وبين المياه السطحية، والاختلاف في درجة الملوحة أيضاً أي الاختلاف في الكثافة من نقطة لأخرى داخل البحر. هذه الاختلافات تسبب تيارات مائية مستمرة الحركة، هذه التيارات تنتقل عبر مياه المحيط على شكل أمواج!!

وهذا يعني أن التسمية القرآنية دقيقة جداً من الناحية العلمية، لأننا نرى يقيناً أن أي اضطراب يحدث في الماء سوف ينتشر عبر جزيئات الماء على  شكل أمواج، سواء على سطح الماء أو في داخله، وهذا معلوم لمن درس هندسة ميكانيك السوائل! وفي هذا ردّ على منتقدي القرآن والقائلين بأن التيارات المائية العميقة تختلف عن الأمواج العميقة، لأنه في حقيقة الأمر التيار المائي هو نفسه الموجة المائية.

بل إن كلمة (موجة) أدق من الناحية العلمية من كلمة (تيار)! لأن التيار يصف الحالة العامة، بينما الموجة تعبر عن حقيقة ما يحدث، وتعبر كذلك عن شكل هذا التيار والصورة التي ينتقل بها من نقطة لأخرى!! فالتيار المائي هو عبارة عن حركة لجزيئات الماء تنتقل من نقطة لأخرى على شكل أمواج بسرعة محددة، وهذه الأمواج قد تسبب مشاكل للغواصات بل وقد تسبب غرقها.

 

يبين هذا الرسم بوضوح كامل أن هنالك تيارات سطحية دافئة على سطح مياه المحيط، وتيارات عميقة باردة في أعماق المحيطات والبحار، أليس هذا هو بالضبط ما حدثنا عنه القرآن بدقة تامة في قوله تعالى: (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ)؟؟ 

دقة التشبيه القرآني

لنكتب النص القرآني كاملاً ونتأمل التشبيه القرآني الرائع لأعمال أولئك الملحدين الذين لا همّ لهم إلا انتقاد كتاب الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور: 39-40].

لقد شبّه القرآن أعمال الكفار بالسراب، ونحن نعلم بأن ظاهرة السراب عبارة عن لا شيء! ثم شبَّه هذه الأعمال بالظلمات التي في أعماق البحار، ونعلم أن الظلام عبارة عن لا شيء أيضاً. وهكذا أعمال الكافر لا يعطيه الله أي أجر عليها لأنه لم يعملها لله تعالى بل عمل للشيطان فكيف يأخذ أجراً من الرحمن عز وجل؟؟

إذن التشبيه القرآني دقيق جداً من الناحية العلمية، لأن الظلام الموجود في أعماق البحر شبه كامل، ولكن ماذا يعني أن يصف الله تعالى حالة إنسان كهذا يعيش في ظلمات وأعماق البحار الباردة عندما يخرج يده فلا يراها؟

إشارة إلى عصر الغواصات

إن القرآن العظيم لا يتحدث إلا عن حقائق يقينية واقعة، وبما أن الله تبارك وتعالى قد وصف لنا حالة من يعيش تحت أمواج البحر العميقة، وحاله هي: (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا). وتعهد بأنه سيرينا آياته رؤية حقيقية ليتبين لكل مشكك بالقرآن أن القرآن حق: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت: 53].

وهذا يعني أنه لا بدّ سيأتي زمن يتأكد فيه الملحد من صدق هذه الآية ويدرك هذه الحقائق إدراكاً يقينياً، وكيف يتأكد يقيناً من صدق هذه الحقيقة العلمية إذا لم ينزل لأعماق البحر ويرى الظلمات ويرى الأمواج أيضاً؟

وتأمل معي الأسلوب الراقي جداً الذي يتعامل فيه القرآن مع أعدائه. فهم ينكرون كلام الله ويشككون بصدق رسوله ورسالته، وهو سبحانه وتعالى يصف لهم أعمالهم الواهية ويعطيهم تشبيهاً علمياً دقيقاً لها! وكأن الله عز وجل يقول لهم انظروا إلى أعمالكم الخاطئة لن توصلكم إلى شيء! فهي كالسراب الذي لن يوصل من يتبعه إلى شيء، وهي كإنسان يعيش تحت بحر عميق يعاني ظلمة البحر وظلمة الماء البارد، ويعاني الضغوط الهائلة التي يمارسها عليه الماء، فكيف ستكون حياته؟

إن هذه الحياة بلا شك تشبه الاضطرابات التي تسببها التيارات العميقة في أعماق المحيط، فإذا أدركتَ أيها الملحد حجم هذه الاضطرابات، فلا بد أنك ستدرك أن أعمالك مضطربة أيضاً، وليست على شيء ولن توصلك إلا إلى الله تعالى ليوفيك حسابك: (وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ).

سؤال لكل ملحد!

وهنا السؤال لكل من يشكّ أو يحاول التشكيك بهذا القرآن وإعجازه العلمي: لو كانت هذه الآية من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف استطاع هذا النبي الكريم وهو أميّ لا يقرأ ولا يكتب ولم يركب البحر، بل ولم يكن أحد في زمنه يعلم شيئاً عن أعماق البحار، كيف استطاع الحديث عن الأمواج العميقة بهذه الدقة العلمية؟ وكيف عرف بالظلمات تحتها؟؟

إن هذا السؤال له إجابة واحدة فقط وهي أن الله تعالى الذي خلق البحار وخلق الأمواج هو من أنزل القرآن وهو مَن قال هذه الآية، وهو من حفظها من التحريف، وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 89]. 


أسرار البرزخ المائي


نعيش مع أحدث الاكتشافات العلمية حول المنطقة التي يلتقي فيها النهر العذب مع البحر المالح، وكيف يتطابق العلم الحديث مع ما جاء به القرآن....

يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [الفرقان: 53]. تحدثت هذه الآية عن نعمة من نعم الله تعالى علينا، وهي أن جعل بين النهر العذب والبحر المالح برزخاً منيعاً يمنع طغيان أحدهما على الآخر ويحافظ على التوازن المائي على كوكب الأرض، ولذلك قال: (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا). ونلاحظ من هذه الآية أن البحر يمكن أن يكون عذباً فراتاً ويمكن أن يكون ملحاً أجاجاً. وفي هذه الآية إشارة أيضاً إلى وجود حاجز منيع وقوي سمّاه القرآن (البرزخ).

إن الذي يتأمل هذه الآية يدرك أن الله تعالى يتحدث عن معجزة عظيمة وآية كبرى، وهي امتزاج الماء العذب بالماء المالح عبر حاجز منيع وحِجرٍ محكم. وكأن الله تعالى يعطينا إشارة إلى أهمية هذه المنطقة، أي منطقة مصبّات الأنهار في البحار، وهذا ما سنراه الآن علمياً.

ما هو الحِجْر؟

يقول الفيروز آبادي في معجم القاموس المحيط: "الحَجْرُ: المَنْعُ، ونشأَ في حِجْره أي: في حِفظِه"[1]. ونستطيع أن نستنتج أن هنالك حاجزاً منيعاً ومحفوظاً برعاية الله تعالى، أو أن هنالك منطقة من الماء محاطة بحواجز كأنها حجرة مغلقة، ويقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "وهو الذي مرج البحرين: أي خلق الماءين، الحلو والملح. فالحلو كالأنهار والعيون والآبار، وهذا هو البحر الحلو. وجعل بينهما برزخاً: أي حاجزاً، وحِجراً محجوراً: أي مانعاً من أن يصل أحدهما إلى الآخر[2]". ولكن ماذا عن العلم الحديث وماذا يقول في ذلك؟

أهمية البرزخ المائي

البرزخ المائي هو منطقة تقع على مصبات الأنهار عندما يلتقي النهر مع البحر، أي عندما يلتقي الماء العذب بالماء المالح، وهي منطقة تعتبر مغلقة ومحاطة بحاجز مائي أو من اليابسة. يسميها العلماء اليوم estuary وتحظى هذه المناطق باهتمام كبير من قبل العلماء، لأن امتزاج الماء العذب بالمالح هي ظاهرة فريدة ورائعة حقاً [3].

إن الذي يزور منطقة المصب هذه أو التي يسميها القرآن بمنطقة الحاجز أو البرزخ يلاحظ الاختلافات الكبيرة في هذه البيئة والفروقات في كثافة المياه ودرجة ملوحتها ودرجة حرارتها من لحظة لأخرى ومن فصل لآخر[4]، أي أن هنالك عملية مزج وخلط وتداخل مستمر للماء العذب والماء المالح.

وربما نعجب إذا علمنا أن كلمة (مَرَجَ) الواردة في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) تعبر تعبيراً دقيقاً عن العمليات التي تتم في هذه المنطقة والتي رصدها العلماء حديثاً.

ففي القاموس المحيط نجد معنى كلمة (مَرَجَ): خَلَطَ، وأمر مَرِيج: مختلط، والمَرجُ: الاختلاط والاضطراب[5]. وفي تفسير ابن كثير: "المريج: المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلاله، كقوله تعالى (إنكم لفي قول مختلف) [الذاريات: 8]"[6].

والعجيب جداً أن ما يحدث فعلاً في منطقة المصب يشمل جميع هذه المعاني، أي أن الكلمة القرآنية تعبّر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة ما يحدث، كيف لا تعبر عن الحقيقة وهي منزّلة من خالق هذا المصب سبحانه وتعالى؟

أقسام منطقة المصب

يقسّم العلماء اليوم منطقة المصب إلى ثلاثة أقسام:

1- منطقة الماء العذب من جهة النهر.

2- منطقة الماء المالح من جهة البحر.

3- منطقة الحاجز بين النهر والبحر، وهي ما يسميه القرآن بالبرزخ.

ويمكن أن يمتد تأثير المياه العذبة على المياه المالحة لمئات الكيلو مترات في البحر. وبالرغم من وجود الكثير من مصبات الأنهار في العالم، إلا أنه لا يوجد برزخ يشبه الآخر! فكل برزخ يتميز بخصائص محددة عن غيره تتبع الاختلاف في درجة الملوحة، والاختلاف في درجة الحرارة، وهذا يتبع درجة ملوحة ماء البحر، وطول النهر، وغير ذلك من العوامل مثل درجة الحموضة PH  وكمية العوالق في ماء النهر وسرعة تدفق ماء النهر...[7].

 

صورة بالقمر الاصطناعي التابع لوكالة ناسا لمصب "ريو دي لابلاتا" في الأرجنتين، وتظهر منطقة البرزخ واضحة مميزة بخصائصها وألوانها[8].

المنطقة المحجورة

في منطقة المصب، حيث يلتقي النهر مع البحر، هذه المنطقة تتميز بوجود اختلاف كبير في درجة الملوحة ودرجات الحرارة، وعلى الرغم من ذلك هنالك كائنات ونباتات وحيوانات تأقلمت وتعيش في هذه المنطقة.

إن الكائنات التي تعيش في الماء المالح لا تستطيع الحياة في الماء العذب، لأن خلايا جسدها تحوي تركيزاً محدداً من الملح وبمجرد إلقائها في الماء العذب سوف تموت بسبب دخول الماء العذب إلى جسمها بكميات كبيرة.

الكائنات التي تعيش في الماء العذب أيضاً لا يمكنها أن تعيش في الماء المالح للسبب ذاته، أما الكائنات التي تعيش في المنطقة الفاصلة بين النهر والبحر أي منطقة البرزخ فهي أيضاً لا يمكنها أن تعيش خارج هذه المنطقة لأنها تأقلمت معها، وبالتالي يقوم اليوم العلماء بدراسة منطقة المصب كمنطقة مستقلة لها طبيعتها وقوانينها وكائناتها.

وهذا يدل على أن منطقة المصب هي منطقة محجورة ولها استقلاليتها ومحفوظة أيضاً برعاية الله تعالى، وهي منطقة مغلقة تشبه الحجرة المغلقة، ومن هنا يمكن أن نفهم بعمق أكبر معنى قوله تعالى (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا).

 

هنالك كائنات عديدة تعيش في منطقة المصب بين النهر والبحر، وقد زوّدها الله تعالى بأجهزة تستطيع التأقلم مع الاختلافات الكبيرة في درجات الحرارة والملوحة في هذه المنطقة. وهذه أسماك تأقلمت مع الاختلاف المستمر في درجة الملوحة والحرارة، وهذه الكائنات لا تستطيع العيش إلا في هذه المنطقة، وكأن منطقة البرزخ هذه محجورة ومحفوظة وتمنع دخول أي كائنات أخرى إليها.

اختلاط واضطراب واختلاف

من عظمة البيان القرآني أنه يعطينا التعبير العلمي الدقيق والمختصر في أقل عدد من الكلمات، فكلمة (مَرَجَ) تتضمن العديد من المعاني أهمها:

1- الخلط: يقول العلماء إن هنالك خلطاً ومزجاً مستمراً للماء المالح بالماء العذب، وهذا الخلط لا يتوقف أبداً، إذ أن سطح الماء يرتفع وينخفض باستمرار وبنظام محكم، ويبقى كل ماء منفصل عن الآخر بمنطقة محددة بينهما هي ما سمّاه القرآن بالبرزخ، هذا البرزخ قد يمتد لعدة كيلو مترات. ومن معاني كلمة (مرج): خلط، كما رأينا.

 

نرى في هذا الشكل نهر الفرايزر الذي ينبع من كولومبيا ويصب في مياه المحيط المالحة. ونرى كيف تتشكل الجبهة المالحة والتي تعتبر بمثابة حاجز محكم تمر من خلاله المياه العذبة إلى المياه المالحة. ونرى أيضاً كيف يطفو الماء العذب على سطح الماء المالح، وعندما درس العلماء جريان الماء في هذه المنطقة وجدوه جرياناً مضطرباً، مع العلم أن الذي ينظر إلى الماء يظنه ساكناً، وهذا يتوافق تماماً مع قوله تعالى (مرج البحرين)، والمرج هو الاضطراب، فسبحان الذي يعلم السرّ وأخفى!

2- الاضطراب: إذا نظرنا إلى منطقة المصب نلاحظ أن الجريان مستقر، وأنها منطقة هادئة غالباً. ولكن التجارب الجديدة في منطقة البرزخ المائي بين النهر العذب والبحر المالح أشارت إلى أن الجريان هو جريان مضطرب، وهذه معلومات دقيقة لم يصل إليها العلماء إلا حديثاً جداً[9]. وهذا هو أحد معاني كلمة (مرج).

 

باحثون يقومون بأخذ عينات من ماء ورواسب من منطقة البرزخ بين النهر والبحر (منطقة المصب)، لقد وجد هؤلاء العلماء أن هنالك مزجاً مستمراً للماء المالح بالماء العذب، كما وجدوا اختلافات كبيرة في نسبة الملوحة والحرارة والكثافة من منطقة لأخرى ومن وقت لآخر، ووجدوا أيضاً أن الجريان تحت سطح الماء مضطرب، مع العلم أنه يظهر للعين وكأنه مستقر، إذن وجدوا ثلاث حقائق في هذه المنطقة وهي: اضطراب الجريان، واختلاط الماء باستمرار، واختلاف خصائص الماء، وهذه المعاني الثلاثة تجمعها كلمة واحدة هي (مَرَجَ)، فسبحان الله! 

3- الاختلاف: هنالك اختلاف في درجات الحرارة والملوحة تبعاً لليل والنهار، المنحني الأسود المتعرج يمثل المدّ والجزر، أي يمثل ارتفاع مستوى سطح الماء وانخفاضه بين الليل والنهار، يمثل الخط الأحمر اختلاف درجة الحرارة بين الليل والنهار، أما الخط الأزرق فيمثل اختلاف درجة الملوحة بين الليل والنهار. طبعاً عندما يرتفع مستوى سطح البحر فإن درجة ملوحة الماء تزداد في منطقة البرزخ، بينما عندما يكون البحر في حالة الجزر، فإن كمية الماء العذب المتدفقة من النهر تزداد، وبالتالي تنخفض ملوحة الماء في منطقة المصب.

وتجدر الإشارة إلى أن الاختلاف في درجة الملوحة يتبع الليل والنهار والشهر والفصل ودرجة الحرارة وحركة المد والجزر. وربما نتذكر قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [آل عمران: 190]. ففي هذه الآية الكريمة إشارة إلى الاختلافات والتغيرات الكثيرة التي نشاهدها خلال الليل والنهار، ومنها الاختلافات في الحرارة والملوحة في منطقة البرزخ. وتتضمن كلمة (مرج) هذا المعنى.

 

منحني بياني يمثل الاختلاف في درجات الحرارة والملوحة، وذلك في خليج Narragansett حيث يختلط الماء العذب بالماء المالح. الخط الأحمر يمثل الاختلاف في درجة حرارة الماء، أما الخط الأزرق فيمثل الاختلاف في درجة ملوحة الماء، ونلاحظ أن درجة حرارة الماء تراوح بين 3 درجات تقريباً و 6 درجات مئوية تبعاً لليل والنهر وذلك خلال الشتاء (شهر مارس/آذار). أما درجة الملوحة فتنخفض إلى 10 أجزاء بالألف، وتصل حتى 30 جزءاً بالألف. طبعاً الخط الأسود يمثل المد والجزر، أي يمثل ارتفاع مستوى سطح الماء وتغيره خلال الليل والنهار[10].

حساسية البرزخ المائي

إن الذي يتأمل التعبير القرآني (برزخ)، يلاحظ أن هنالك مسافة تفصل بين النهر العذب والبحر المالح، وهذه المنطقة حساسة جداً، فالبرزخ هو الحاجز بين الشيئين[11]. وقد ثبُت علمياً أن هذا البرزخ المائي حساس جداً ويجب العناية به، فهو آية من آيات الله ونعمة ينبغي أن نحافظ عليها، ولكن ما الذي حدث؟

لقد كان الناس وحتى السنوات القليلة الماضية يجهلون طبيعة وأهمية وحساسية هذا البرزخ، ولكن اكتشفوا ذلك بعدما تلوث عدد كبير من مصبات الأنهار في الدول المتقدمة صناعياً، مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

فقد وجد العلماء أن منطقة المصبات تحوي ترسبات في قاعها تتراكم خلال السنوات الماضية، وكل طبقة تعبر عن سنة، وتعطي فكرة واضحة عن البيئة السائدة في ذلك الوقت، وعن نوعية الملوثات التي كان يتم إلقاؤها في هذه المنطقة، أي أن منطقة البرزخ لها ذاكرة ممتازة[12]!

واليوم تُصرف بلايين الدولارات على تنظيف مصبات الأنهار في الولايات المتحدة الأمريكية. ويقول الباحثون إنهم كانوا يجهلون التأثير السيئ للنفايات الصناعية والملوثات على هذه المناطق الحساسة بيئياً، ولو أن هؤلاء العلماء علموا بأهمية هذه المناطق لكانوا أكثر حفاظاً عليها.

 

تعتبر منطقة مصبات الأنهار في البحار من أجمل المناطق وأكثرها غنى وقد نشأت كثير من الحضارات حولها، ومنطقة المصب تكون عادة محاطة بالغابات والنباتات المنوعة من أطرافها الثلاثة ومفتوحة على البحر حيث يختلط الماء العذب بالماء المالح. إن منطقة المصبات لها خصائص وميزات رائعة، فكل شيء في هذه البيئة المميزة يختلف عما يحيط بها، فهي بيئة محفوظة ومحجورة وممنوعة من أي كائنات حية أخرى غير الكائنات التي تعودت على العيش فيها، ولها خصائص فيزيائية وكيميائية أيضاً تتميز بها عن غيرها من المناطق.

مياه عذبة في قاع البحر!

لقد اكتشف العلماء وجود ينابيع عذبة تتدفق داخل المحيطات والبحار مصدرها المياه الجوفية المختزنة في طبقات الأرض. ويمكن القول بأن عملية امتزاج الماء المالح بالماء العذب لا تقتصر على الأنهار بل هنالك مياه مخزنة تحت الأرض أيضاً تتدفق وتمتزج بمياه البحر، ويحدث اختلاط واضطراب واختلاف في درجات الملوحة والحرارة، وبالتالي فإن التعبير القرآني (مرج البحرين) ينطبق على هذه الحالة.

وتبلغ كمية الماء العذب المختزن تحت الأرض كمياه جوفية 23.4 مليون كيلو متر مكعب، بينما تبلغ كمية الماء الموجودة في جميع الأنهار في العالم 2.12 ألف كيلو متر مكعب فقط، ويبلغ حجم الماء في البحيرات العذبة 91  ألف كيلو متر مكعب، ويمكن القول بأن حجم الماء المختزن تحت سطح الأرض أكبر من حجم الماء في الأنهار بـ 250 ضعفاً[13].

 

رسم يوضح دورة امتزاج الماء العذب بالماء المالح، فالأنهار والينابيع والمياه الجوفية تشارك في هذه العملية مع ماء البحر، ولذلك نجد البيان الإلهي يعبر تعبيراً دقيقاً (مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج)، وفي تفسير ابن كثير كما رأينا فإن البحر العذب هو الأنهار والآبار أو المياه الجوفية والينابيع، وجميع هذه المياه تمتزج وتختلط بماء البحر، فانظر إلى دقة كلام الله تعالى[14]!

وجه الإعجاز

1- في قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) حديث عن العمليات الفيزيائية التي تحصل فعلاً في منطقة الالتقاء بين النهر والبحر، وهي عمليات خلط مستمر وذهاب وإياب للماء، وهذا هو تماماً ما تعنيه هذه الكلمة.

2- نلاحظ أن الله تعالى قال: (مرج البحرين) ولم يقل (مرج النهر والبحر)، لأن عملية المرج تتم مع الأنهار ومع المياه العذبة المختزنة في الأرض، والتي تتدفق من قاع المحيطات، وهذه المياه هي بحر أيضاً، ولكنه بحر عذب لا نراه، ولكن الله يراه وقد حدثنا عنه قبل علماء أمريكا بقرون كثيرة!

3- إن كلمة (مرج) هي الكلمة الدقيقة للتعبير عن طبيعة ما يجري في منطقة اختلاط الماء العذب بالماء المالح، بينما نجد العلماء يستخدمون عدة كلمات للتعبير عن هذه الظاهرة مثل (خلط، تمازج، حركة، اضطراب، اختلاف...)، وجميع هذه المعاني تحققها الكلمة القرآنية، فسبحان من أنزل هذه الكلمة!

4- في قوله تعالى (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا) حديث عن وجود برزخ، وهو منطقة تفصل بين ماء النهر وماء البحر، وهذه المنطقة أو هذا البرزخ هو ما يسميه العلماء بمنطقة المصب أو Estuary  طبعاً هذه المنطقة تتشكل بسبب القوانين التي أودعها الله في الماء، وتسمى بقوانين ميكانيك السوائل، أي أن القرآن قد قرر حقيقة علمية قبل أن يكتشفها العلماء بقرون طويلة، وهذا سبق قرآني في علم المياه.

 

صورة بالأشعة تحت الحمراء تظهر تدفق المياه العذبة من قاع خليج Waquoit في سبتمبر 2002، والدوائر السوداء التي تحيط بالمناطق الصفراء اللامعة هي المناطق التي تتدفق فيها المياه العذبة من القاع الرملي وتختلط مع مياه الخليج الدافئة[15]. (WHOI).

5- في قوله تعالى (وَحِجْرًا مَحْجُورًا)، إشارة إلى أن هذه المنطقة مميزة وذات خصائص محددة تختلف عما يحيط بها من بحر أو نهر، وفيها كائنات محددة تختلف أيضاً عن كائنات البحر وكائنات النهر، وهذه المنطقة لا تسمح للماء المالح أن يطغى على الماء العذب، ولذلك فهي كالحجرة المنيعة والمغلقة، وهذا ما يقوله العلماء اليوم.

6- في قوله تعالى: (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) حديث عن الاختلاف الكبير في درجة الملوحة بين ماء النهر وماء البحر، وهذا ما نراه فعلاً، فماء النهر يكاد يخلو من الملح إلا بنسبة ضئيلة جداً، بينما نجد أن المتر المكعب من ماء البحر يحوي 35 كيلو غرام من الملح! ولو أن القرآن وصف ماء النهر بالعذب فقط لكان هنالك خطأ علمي، إذ أن ماء النهر ليس عذباً مئة بالمئة، إنما هنالك بعض الأملاح والمعادن والمواد الأخرى التي تعطي هذا الماء طعماً مستساغاً، ولذلك قال تعالى (عَذْبٌ فُرَاتٌ).

الأمر ذاته ينطبق على ماء البحر، فلم يقل القرآن (وهذا ملح)، ولو قال ذلك لكان هنالك خطأ علمي أيضاً، لأن جميع المياه في الأرض تحوي شيئاً من الأملاح بنسبة أو بأخرى. ولذلك قال (وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) كإشارة إلى الملوحة الزائدة، وهذا التعبير دقيق من الناحية العلمية.

7- تعتبر منطقة المصبات من أكثر المناطق حساسية وذات أهمية بيئية كبيرة، وهي لذلك تستحق الذكر كنعمة من نعم الله علينا، حتى إن الكثير من الحضارات ازدهرت في مناطق المصبات، مثل دلتا النيل، والمنطقة بين نهر دجلة والفرات، ونهر التايمز في مدينة لندن، ونهر هيدسون في مدينة نيويورك [16]. وإن القرآن عندما يتحدث عن هذه المنطقة إنما يؤكد أهميتها وتميزها، مع العلم أن هذه المعلومات لم تكن متوافرة لإنسان يعيش في صحراء لا أنهار فيها ولا بحار، ومن غير الممكن لبشر أن يتحدث عن هذه المناطق بدقة مذهلة لو لم يكن رسولاً من عند الله تعالى!

فيا ليت علماء الغرب يقرأون القرآن ويتدبّرونه، ليستفيدوا من هذه الحقائق في الوصول إلى معرفة الله تعالى والإيمان به. ويا ليتنا نطور أنفسنا من الناحية العلمية ونسبقهم لهذه الاكتشافات! ونقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا...

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق