الخميس، 13 مايو 2021

الامام البخارى

 أبو عبد الله البخاري ( ت ، س )

محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه ، وقيل بذدزبه ، وهي لفظة بخارية ، معناها الزراع . [ ص: 392 ] أسلم المغيرة على يدي اليمان الجعفي والي بخارى ، وكان مجوسيا ، وطلب إسماعيل بن إبراهيم العلم .

فأخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا جعفر الهمداني ، أخبرنا أبو طاهر بن سلفة ، أخبرنا أبو علي البرداني ، أخبرنا هناد بن إبراهيم ، أخبرنا محمد بن أحمد الحافظ ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد ، ومحمد بن الحسين ، قالا : حدثنا إسحاق بن أحمد بن خلف ، أنه سمع البخاري يقول : سمع أبي من مالك بن أنس ، ورأى حماد بن زيد ، وصافح ابن المبارك بكلتا يديه .

قلت : وولد أبو عبد الله في شوال سنة أربع وتسعين ومائة قاله أبو جعفر محمد بن أبي حاتم البخاري ، وراق أبي عبد الله في كتاب : " شمائل البخاري " ، جمعه ، وهو جزء ضخم . أنبأني به أحمد بن أبي الخير ، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي ، أن محمد بن طاهر الحافظ أجاز له ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن خلف ، أخبرنا أبو طاهر أحمد بن عبد الله بن مهرويه الفارسي المؤدب ، قدم علينا من مرو لزيارة أبي عبد الله السلمي ، أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن مطر الفربري ، حدثنا جدي ، قال : سمعت محمد بن أبي حاتم ، فذكر الكتاب فما أنقله عنه ، فبهذا السند .

ثم إن أبا عبد الله فيما أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه سنة ست عشرة وستمائة أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ، أخبرنا هبة الله بن الحسن الحافظ ، أخبرنا [ ص: 393 ] أحمد بن محمد بن حفص ، أخبرنا محمد بن أحمد بن سليمان ، أخبرنا خلف بن محمد ، حدثنا محمد بن أحمد بن الفضل البلخي ، سمعت أبي يقول : ذهبت عينا محمد بن إسماعيل في صغره ، فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل -عليه السلام- ، فقال لها : يا هذه ، قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائك ، أو كثرة دعائك -شك البلخي - فأصبحنا وقد رد الله عليه بصره .

وبالسند ، الماضي إلى محمد بن أبي حاتم ، قال : قلت لأبي عبد الله : كيف كان بدء أمرك ؟ قال : ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب . فقلت : كم كان سنك؟ فقال : عشر سنين ، أو أقل . ثم خرجت من الكتاب بعد العشر ، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره . فقال يوما فيما كان يقرأ للناس : سفيان ، عن أبي الزبير ، عن إبراهيم ، فقلت له : إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم . فانتهرني ، فقلت له : ارجع إلى الأصل . فدخل فنظر فيه ، ثم خرج ، فقال لي : كيف هو يا غلام ؟ قلت : هو الزبير بن عدي ، عن إبراهيم ، فأخذ القلم مني ، وأحكم كتابه ، وقال : صدقت . فقيل للبخاري : ابن كم كنت حين رددت عليه ؟ قال ابن إحدى عشرة سنة . فلما طعنت في ست عشرة سنة ، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع ، وعرفت كلام هؤلاء ، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة ، فلما حججت رجع أخي بها ، وتخلفت في طلب الحديث .

 [ ص: 394 ] سمع ببخارى قبل أن يرتحل من مولاه من فوق عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي المسندي ، ومحمد بن سلام البيكندي ، وجماعة ، ليسوا من كبار شيوخه .

ثم سمع ببلخ من مكي بن إبراهيم ، وهو من عوالي شيوخه . وسمع بمرو من عبدان بن عثمان ، وعلي بن الحسن بن شقيق ، وصدقة بن الفضل ، وجماعة .

وبنيسابور من يحيى بن يحيى ، وجماعة .

وبالري إبراهيم بن موسى .

وببغداد إذ قدم العراق في آخر سنة عشر ومائتين من محمد بن عيسى بن الطباع ، وسريج بن النعمان ، ومحمد بن سابق ، وعفان .

وبالبصرة من أبي عاصم النبيل ، والأنصاري ، وعبد الرحمن بن حماد الشعيثي صاحب ابن عون ، ومن محمد بن عرعرة ، وحجاج بن منهال ، وبدل بن المحبر ، وعبد الله بن رجاء ، وعدة .

وبالكوفة من عبيد الله بن موسى ، وأبي نعيم ، وخالد بن مخلد ، وطلق بن غنام ، وخالد بن يزيد المقرئ ممن قرأ على حمزة . [ ص: 395 ] وبمكة من أبي عبد الرحمن المقرئ ، وخلاد بن يحيى ، وحسان بن حسان البصري ، وأبي الوليد أحمد بن محمد الأزرقي والحميدي .

وبالمدينة من عبد العزيز الأويسي ، وأيوب بن سليمان بن بلال ، وإسماعيل بن أبي أويس . وبمصر سعيد بن أبي مريم ، وأحمد بن إشكاب ، وعبد الله بن يوسف ، وأصبغ ، وعدة .

وبالشام أبا اليمان ، وآدم بن أبي إياس ، وعلي بن عياش ، وبشر بن شعيب ، وقد سمع من أبي المغيرة عبد القدوس ، وأحمد بن خالد الوهبي ، ومحمد بن يوسف الفريابي ، وأبي مسهر ، وأمم سواهم .

وقد قال وراقه محمد بن أبي حاتم : سمعته يقول : دخلت بلخ ، فسألوني أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه حديثا ، فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم .

قال : وسمعته قبل موته بشهر يقول : كتبت عن ألف وثمانين رجلا ، ليس فيهم إلا صاحب حديث ، كانوا يقولون : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص .

قلت : فأعلى شيوخه الذين حدثوه عن التابعين ، وهم أبو عاصم ، [ ص: 396 ] والأنصاري ، ومكي بن إبراهيم ، وعبيد الله بن موسى ، وأبو المغيرة ، ونحوهم .

وأوساط شيوخه الذين رووا له عن الأوزاعي ، وابن أبي ذئب ، وشعبة ، وشعيب بن أبي حمزة ، والثوري .

ثم طبقة أخرى دونهم كأصحاب مالك ، والليث ، وحماد بن زيد ، وأبي عوانة .

والطبقة الرابعة من شيوخه مثل أصحاب ابن المبارك ، وابن عيينة ، وابن وهب ، والوليد بن مسلم .

ثم الطبقة الخامسة ، وهو محمد بن يحيى الذهلي الذي روى عنه الكثير ويدلسه ، ومحمد بن عبد الله المخرمي ، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة ، وهؤلاء هم من أقرانه . وقد سمع من أبي مسهر ، وشك في سماعه ، فقال في غير " الصحيح " : حدثنا أبو مسهر أو حدثنا رجل عنه . وروى عن أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني ، لقيه بالعراق ، ولم يدخل الجزيرة . وقال : دخلت على معلى بن منصور الرازي ببغداد سنة عشر . [ ص: 397 ]

روى عنه خلق كثير ، منهم : أبو عيسى الترمذي ، وأبو حاتم ، وإبراهيم بن إسحاق الحربي ، وأبو بكر بن أبي الدنيا ، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم ، وصالح بن محمد جزرة ، ومحمد بن عبد الله الحضرمي مطين ، وإبراهيم بن معقل النسفي ، وعبد الله بن ناجية ، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، وعمر بن محمد بن بجير ، وأبو قريش محمد بن جمعة ، ويحيى بن محمد بن صاعد ، ومحمد بن يوسف الفربري راوي " الصحيح " ، ومنصور بن محمد مزبزدة ، وأبو بكر بن أبي داود ، والحسين والقاسم ابنا المحاملي ، وعبد الله بن محمد بن الأشقر ، ومحمد بن سليمان بن فارس ، ومحمود بن عنبر النسفي ، وأمم لا يحصون . وروى عنه مسلم في غير " صحيحه " . وقيل : إن النسائي روى عنه في الصيام من " سننه " ، ولم يصح ، لكن قد حكى النسائي في كتاب " الكنى " له أشياء عن عبد الله بن أحمد الخفاف ، عن البخاري .

وقد رتب شيخنا أبو الحجاج المزي شيوخ البخاري وأصحابه على المعجم كعادته وذكر خلقا سوى من ذكرت . [ ص: 398 ]

وقد أنبأنا المؤمل بن محمد وغيره أن أبا اليمن اللغوي أخبرهم ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي الحرشي بنيسابور ، سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد البلخي ، يروي عن محمد بن يوسف الفربري ، أنه كان يقول : سمع كتاب " الصحيح " لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل ، فما بقي أحد يرويه غيري .

وقال محمد بن طاهر المقدسي : روى " صحيح " البخاري جماعة ، منهم : الفربري ، وحماد بن شاكر ، وإبراهيم بن معقل ، وطاهر بن محمد بن مخلد النسفيان .

وقال الأمير الحافظ أبو نصر بن ماكولا : آخر من حدث عن البخاري ب " الصحيح " أبو طلحة منصور بن محمد بن علي البزدي من أهل بزدة . وكان ثقة ، توفي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة .

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي بقراءتي ، أخبرنا أبو بكر زيد بن هبة الله البغدادي ، أخبرنا أحمد بن المبارك بن قفرجل ، أخبرنا عاصم بن الحسن ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد بن مهدي ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي سنة تسع وعشرين وثلاثمائة ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان -يعني : الثوري- عن أبي بردة ، قال : أخبرني جدي أبو بردة ، عن أبيه أبي [ ص: 399 ] موسى قال : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : المؤمن للمؤمن كالبنيان ، يشد بعضه بعضا . -وشبك بين أصابعه ، وكان جالسا ، فجاءه رجل أو طالب حاجة ، فأقبل علينا بوجهه- فقال : اشفعوا فلتؤجروا ، وليقض الله على لسان رسوله ما شاء .

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الهاشمي ، أخبرنا محمد بن أحمد القطيعي ببغداد ، أخبرنا محمد بن عبيد الله المجلد ، أخبرنا محمد بن محمد الزينبي ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المخلص ، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا حماد ، عن يونس وحبيب ، ويحيى بن عتيق ، وهشام عن محمد بن سيرين ، عن أم عطية ، قالت : أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تخرج ذوات الخدور يوم العيد . قيل : فالحيض؟ قال : يشهدن الخير ، ودعوة المسلمين .

هذان حديثان صحيحان من عالي ما وقع لنا من رواية أبي عبد الله سوى " الصحيح " . [ ص: 400 ]

وأما " الصحيح " فهو أعلى ما وقع لنا من الكتب الستة في أول ما سمعت الحديث ، وذلك في سنة اثنتين وتسعين وستمائة . فما ظنك بعلوه اليوم وهو سنة خمس عشرة وسبعمائة!! لو رحل الرجل من مسيرة سنة لسماعه لما فرط . كيف وقد دام علوه إلى عام ثلاثين ، وهو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في شيء كثير من الأحاديث; وذلك لأن أبا عبد الله أسن الجماعة ، وأقدمهم لقيا للكبار ، أخذ عن جماعة يروي الأئمة الخمسة عن رجل عنهم 

 قال محمد بن أبي حاتم البخاري : سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل يقول : حججت ، ورجع أخي بأمي ، وتخلفت في طلب الحديث فلما طعنت في ثمان عشرة ، جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم ، وذلك أيام عبيد الله بن موسى .

وصنفت كتاب " التاريخ " إذ ذاك عند قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الليالي المقمرة . وقل اسم في التاريخ إلا وله قصة ، إلا أني كرهت تطويل الكتاب . [ ص: 401 ] وكنت أختلف إلى الفقهاء بمرو وأنا صبي ، فإذا جئت أستحيي أن أسلم عليهم ، فقال لي مؤدب من أهلها : كم كتبت اليوم ؟ فقلت : اثنين ، وأردت بذلك حديثين ، فضحك من حضر المجلس . فقال شيخ منهم : لا تضحكوا ، فلعله يضحك منكم يوما ! ! .

وسمعته يقول : دخلت على الحميدي وأنا ابن ثمان عشرة سنة ، وبينه وبين آخر اختلاف في حديث ، فلما بصر بي الحميدي قال : قد جاء من يفصل بيننا ، فعرضا علي ، فقضيت للحميدي على من يخالفه ، ولو أن مخالفه أصر على خلافه ، ثم مات على دعواه ، لمات كافرا .

أخبرنا أبو علي بن الخلال ، أخبرنا أبو الفضل الهمداني ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا أبو علي البرداني ، وابن الطيوري ، قالا : أخبرنا هناد بن إبراهيم ، أخبرنا محمد بن أحمد غنجار ، أخبرنا خلف بن محمد الخيام ، سمعت الفضل بن إسحاق البزاز ، حدثنا أحمد بن منهال العابد ، حدثنا أبو بكر الأعين قال : كتبنا عن البخاري على باب محمد بن يوسف الفريابي ، وما في وجهه شعرة . فقلنا : ابن كم أنت ؟

 قال : ابن سبع عشرة سنة .

وقال خلف الخيام : سمعت إبراهيم بن معقل ، سمعت أبا عبد الله يقول : كنت عند إسحاق بن راهويه ، فقال بعض أصحابنا : لو جمعتم كتابا مختصرا لسنن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فوقع ذلك في قلبي ، فأخذت في جمع هذا الكتاب . [ ص: 402 ] وعن . . . . . أن البخاري قال : أخرجت هذا الكتاب من زهاء ستمائة ألف حديث .

أنبأنا المؤمل بن محمد وغيره ، أنبأنا أبو اليمن الكندي ، أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثنا علي بن محمد العطار بالري ، سمعت أبا الهيثم الكشميهني ، سمعت الفربري يقول : قال لي محمد بن إسماعيل : ما وضعت في كتابي " الصحيح " حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك ، وصليت ركعتين .

أخبرنا ابن الخلال ، أخبرنا الهمداني ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا أبو عبد الله الرازي ، حدثنا عبد الله بن الوليد ، أخبرنا أحمد بن الحسن بن بندار ، أخبرنا أبو أحمد بن عدي ، سمعت الحسن بن الحسين البزاز ، سمعت إبراهيم بن معقل ، سمعت البخاري يقول : ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح ، وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب .

وقال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم ، قلت لأبي عبد الله : تحفظ [ ص: 403 ] جميع ما أدخلت في المصنف؟ فقال : لا يخفى علي جميع ما فيه .

وسمعته يقول : صنفت جميع كتبي ثلاث مرات . وسمعته يقول : لو نشر بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت " التاريخ " ، ولا عرفوه ، ثم قال : صنفته ثلاث مرات .

وسمعته يقول : أخذ إسحاق بن راهويه كتاب " التاريخ " الذي صنفت ، فأدخله على عبد الله بن طاهر ، فقال : أيها الأمير ، ألا أريك سحرا ؟ قال : فنظر فيه عبد الله ، فتعجب ، منه ، وقال لست أفهم تصنيفه .

وقال خلف الخيام : سمعت إسحاق بن أحمد بن خلف : يقول : دخل محمد بن إسماعيل إلى العراق في آخر سنة عشر ومائتين .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت البخاري يقول : دخلت بغداد آخر ثمان مرات ، في كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل ، فقال لي في آخر ما ودعته : يا أبا عبد الله ، تدع العلم والناس ، وتصير إلى خراسان؟ ! قال : فأنا الآن أذكر قوله . [ ص: 404 ]

وقال أبو عبد الحاكم أول ما ورد البخاري نيسابور سنة تسع ومائتين ، ووردها في الأخير سنة خمسين ومائتين ، فأقام بها خمس سنين يحدث على الدوام .

أخبرنا أبو حفص بن القواس ، أخبرنا أبو القاسم بن الحرستاني قراءة عليه سنة تسع وستمائة وأنا حاضر ، أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلم الفقيه ، أخبرنا الحسين بن محمد الخطيب ، أخبرنا محمد بن أحمد الغساني ، حدثني أحمد بن محمد بن آدم ، حدثنا محمد بن يوسف البخاري ، قال : كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة ، فأحصيت عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة .

وقال محمد بن أبي حاتم الوراق : كان أبو عبد الله ، إذا كنت معه في سفر ، يجمعنا بيت واحد إلا في القيظ أحيانا ، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة ، في كل ذلك يأخذ القداحة ، فيوري نارا ، ويسرج ، ثم يخرج أحاديث ، فيعلم عليها .

وقال ابن عدي : سمعت عبد القدوس بن همام يقول : سمعت عدة من المشايخ ، يقولون : حول محمد بن إسماعيل تراجم جامعه بين قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنبره ، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين . [ ص: 405 ]

وقال : . . . . . . سمعت البخاري يقول : صنفت " الصحيح " في ست عشرة سنة ، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت هانئ بن النضر يقول : كنا عند محمد بن يوسف -يعني : الفريابي - بالشام ، وكنا نتنزه فعل الشباب في أكل الفرصاد ونحوه ، وكان محمد بن إسماعيل معنا ، وكان لا يزاحمنا في شيء مما نحن فيه ، ويكب على العلم .

وقال محمد : سمعت النجم بن الفضيل يقول : رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم ، كأنه يمشي ، ومحمد بن إسماعيل يمشي خلفه ، فكلما رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- قدمه ، وضع محمد بن إسماعيل قدمه في المكان الذي رفع النبي -صلى الله عليه وسلم- قدمه . [ ص: 406 ]

وقال سمعت أبا عبد الله يقول : كان شيخ يمر بنا في مجلس الداخلي ، فأخبره بالأحاديث الصحيحة مما يعرض علي ، وأخبره بقولهم ، فإذا هو يقول لي يوما : يا أبا عبد الله ، رئيسنا في أبو جاد ، وقال بلغني أن أبا عبد الله شرب دواء الحفظ يقال له : بلاذر ، فقلت له يوما خلوة : هل من دواء يشربه الرجل ، فينتفع به للحفظ ؟ فقال : لا أعلم ، ثم أقبل علي ، وقال لا أعلم شيئا أنفع للحفظ من نهمة الرجل ، ومداومة النظر .

قال : وذاك أني كنت بنيسابور مقيما ، فكان ترد إلي من بخارى كتب ، وكن قرابات لي يقرئن سلامهن في الكتب ، فكنت أكتب كتابا إلى بخارى ، وأردت أن أقرئهن سلامي ، فذهب علي أساميهن حين كتبت كتابي ، ولم أقرئهن سلامي ، وما أقل ما يذهب عني من العلم ، وقال : سمعته يقول : لم تكن كتابتي للحديث كما كتب هؤلاء . كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث ، إن كان الرجل فهما . فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته . فأما الآخرون لا يبالون ما يكتبون ، وكيف يكتبون .

وقال سمعت العباس الدوري يقول : ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل ، كان لا يدع أصلا ولا فرعا إلا قلعه . ثم قال لنا : لا تدعوا من كلامه شيئا إلا كتبتموه .

وقال : كتب إلى أبي عبد الله بعض السلاطين في حاجة له ، ودعا له دعاء كثيرا . فكتب إليه أبو عبد الله : سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : وصل إلي كتابك وفهمته ، وفي بيته يؤتى [ ص: 407 ] الحكم والسلام .

وقال : سمعت إبراهيم الخواص ، مستملي صدقة ، يقول رأيت أبا زرعة كالصبي جالسا بين يدي محمد بن إسماعيل ، يسأله عن علل الحديث . 

 قال محمد بن أحمد غنجار في " تاريخ بخارى " : سمعت أبا عمرو أحمد بن محمد المقرئ ، سمعت مهيب بن سليم ، سمعت جعفر بن محمد القطان إمام كرمينية يقول : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : كتبت عن ألف شيخ وأكثر ، عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر ، ما عندي حديث إلا أذكر إسناده .

قال غنجار : وحدثنا محمد بن عمران الجرجاني ، سمعت عبد الرحمن بن محمد البخاري ، سمعت محمد بن إسماعيل يقول : لقيت أكثر من ألف رجل أهل الحجاز والعراق والشام ومصر ، لقيتهم كرات ، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين ، وأهل البصرة أربع مرات ، وبالحجاز ستة أعوام ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي خراسان ، منهم : المكي بن إبراهيم ، ويحيى بن يحيى ، وابن شقيق ، وقتيبة ، وشهاب بن معمر ، وبالشام : الفريابي وأبا مسهر ، وأبا المغيرة ، وأبا اليمان ، وسمى خلقا . ثم قال : فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه [ ص: 408 ] الأشياء ، أن الدين قول وعمل ، وأن القرآن كلام الله .

وقال محمد بن أبي حاتم الوراق : سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان : كان أبو عبد الله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام ، فلا يكتب ، حتى أتى على ذلك أيام ، فكنا نقول له : إنك تختلف معنا ولا تكتب ، فما تصنع ؟ فقال لنا يوما بعد ستة عشر يوما : إنكما قد أكثرتما علي وألححتما ، فاعرضا علي ما كتبتما . فأخرجنا إليه ما كان عندنا ، فزاد على خمسة عشر ألف حديث ، فقرأها كلها عن ظهر القلب ، حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه . ثم قال : أترون أني أختلف هدرا ، وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد .

قال : وسمعتهما يقولان : كان أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ، ويجلسوه في بعض الطريق ، فيجتمع عليه ألوف ، أكثرهم ممن يكتب عنه . وكان شابا لم يخرج وجهه .

وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ : سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد ، فسمع به أصحاب الحديث ، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث ، فقلبوا متونها وأسانيدها ، وجعلوا متن هذا الإسناد هذا ، وإسناد هذا المتن هذا ، ودفعوا إلى كل [ ص: 409 ] واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس ، فاجتمع الناس ، وانتدب أحدهم ، فسأل البخاري عن حديث من عشرته ، فقال : لا أعرفه . وسأله عن آخر ، فقال : لا أعرفه . وكذلك حتى فرغ من عشرته . فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ، ويقولون : الرجل فهم . ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز ، ثم انتدب آخر ، ففعل كما فعل الأول . والبخاري يقول : لا أعرفه . ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس ، وهو لا يزيدهم على : لا أعرفه . فلما علم أنهم قد فرغوا ، التفت إلى الأول منهم ، فقال : أما حديثك الأول فكذا ، والثاني كذا ، والثالث كذا إلى العشرة ، فرد كل متن إلى إسناده . وفعل بالآخرين مثل ذلك . فأقر له الناس بالحفظ . فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول : الكبش النطاح .

وقال غنجار : حدثنا منصور بن إسحاق الأسدي ، سمعت عبد الله بن محمد بن إبراهيم الزاغوني ، سمعت يوسف بن موسى المروروذي يقول : كنت بالبصرة في جامعها ، إذ سمعت مناديا ينادي : يا أهل العلم ، قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري ، فقاموا في طلبه ، وكنت معهم ، فرأينا رجلا شابا ، يصلي خلف الأسطوانة . فلما فرغ من الصلاة ، أحدقوا به ، وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء ، فأجابهم . فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذا ألف فجلس للإملاء وقال : يا أهل البصرة ، أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم ، وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون الكل . ثم قال : حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة [ ص: 410 ] بن أبي رواد بلديكم ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن منصور وغيره ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أنس : أن أعرابيا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، الرجل يحب القوم . . . وذكر الحديث ثم قال : ليس هذا عندكم ، إن ما عندكم عن غير منصور ، عن سالم . وأملى مجلسا على هذا النسق يقول في كل حديث : روى شعبة هذا الحديث عندكم كذا ، فأما من رواية فلان ، فليس عندكم ، أو كلاما هذا معناه .

قال يوسف : وكان دخولي البصرة أيام محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب .

وقال محمد بن أبي حاتم الوراق : قرأ علينا أبو عبد الله كتاب " الهبة " ، فقال : ليس في هبة وكيع إلا حديثان مسندان أو ثلاثة . وفي كتاب عبد الله بن المبارك خمسة أو نحوه . وفي كتابي هذا خمسمائة [ ص: 411 ] حديث أو أكثر .

وقال : سمعت أبا عبد الله يقول : تفكرت أصحاب أنس ، فحضرني في ساعة ثلاثمائة .

قال : وسمعته يقول : ما قدمت على أحد إلا كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به .

قال : وسمعت سليم بن مجاهد ، سمعت أبا الأزهر يقول : كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث ، فاجتمعوا سبعة أيام ، وأحبوا مغالطة محمد بن إسماعيل ، فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق ، وإسناد اليمن في إسناد الحرمين ، فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ، ولا في المتن .

وقال الفربري : سمعت أبا عبد الله يقول : ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني ، وربما كنت أغرب عليه .

وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى : قال محمد بن إسماعيل يوما : رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر . فقلت له : يا أبا عبد الله بكماله ؟ قال : فسكت . [ ص: 412 ]

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت أبا عبد الله يقول : ما نمت البارحة حتى عددت كم أدخلت مصنفاتي من الحديث . فإذا نحو مائتي ألف حديث مسندة .

وسمعته يقول : ما كتبت حكاية قط ، كنت أتحفظها .

وسمعته يقول : صنفت كتاب " الاعتصام " في ليلة .

وسمعته يقول : لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة . فقلت له : يمكن معرفة ذلك كله ؟ قال : نعم .

وسمعته يقول : كنت بنيسابور أجلس في الجامع ، فذهب عمرو بن زرارة ، وإسحاق بن راهويه إلى يعقوب بن عبد الله ، والي نيسابور ، فأخبروه بمكاني ، فاعتذر إليهم ، وقال : مذهبنا إذا رفع إلينا غريب لم نعرفه حبسناه حتى يظهر لنا أمره . فقال له بعضهم : بلغني أنه قال لك : لا تحسن تصلي ، فكيف تجلس ؟ فقال : لو قيل لي شيء من هذا ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث ، في الصلاة خاصة . [ ص: 413 ]

وسمعته يقول : كنت في مجلس الفريابي ، فقال : حدثنا سفيان ، عن أبي عروة ، عن أبي الخطاب ، عن أنس : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يطوف على نسائه في غسل واحد فلم يعرف أحد في المجلس أبا عروة ، ولا أبا الخطاب . فقلت : أما أبو عروة فمعمر ، وأبو الخطاب قتادة . قال : وكان الثوري فعولا لهذا ، يكني المشهورين .

قال محمد بن أبي حاتم : قدم رجاء الحافظ ، فصار إلى أبي عبد الله ، فقال لأبي عبد الله : ما أعددت لقدومي حين بلغك ؟ وفي أي شيء نظرت ؟ فقال : ما أحدثت نظرا ، ولم أستعد لذلك ، فإن أحببت أن تسأل عن شيء ، فافعل ، فجعل يناظره في أشياء ، فبقي رجاء لا يدري أين هو . ثم قال له أبو عبد الله : هل لك في الزيادة ؟ فقال استحياء منه وخجلا : نعم . قال : سل إن شئت ؟ فأخذ في أسامي أيوب ، فعد نحوا من ثلاثة عشر ، وأبو عبد الله ساكت . فلما فرغ قال له أبو عبد الله : لقد جمعت ، فظن رجاء أنه قد صنع شيئا ، فقال لأبي عبد الله : يا أبا عبد الله ، فاتك خير كثير . فزيف أبو عبد الله في أولئك سبعة أو ثمانية ، وأغرب عليه أكثر من ستين . ثم قال له رجاء : كم رويت في العمامة السوداء ؟ قال : هات كم رويت أنت ؟ ثم قال : نروي نحوا من أربعين [ ص: 414 ] حديثا . فخجل رجاء من ذاك ، ويبس ريقه .

قال محمد : سمعت أبا عبد الله يقول : دخلت بلخ ، فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكل من كتبت عنه حديثا . فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم .

وقال محمد بن أبي حاتم : قال أبو عبد الله : سئل إسحاق بن إبراهيم عمن طلق ناسيا . فسكت ساعة طويلة متفكرا ، والتبس عليه الأمر . فقلت أنا : قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : إن الله عز وجل تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم وإنما يراد مباشرة هذه الثلاث العمل والقلب ، أو الكلام والقلب وهذا لم يعتقد بقلبه . فقال إسحاق : قويتني ، وأفتى به .

وقال محمد : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : كان إسماعيل بن أبي أويس إذا انتخبت من كتابه نسخ تلك الأحاديث . وقال : هذه الأحاديث انتخبها محمد بن إسماعيل من حديثي .

وقال محمد : سمعت الفربري ، يقول : رأيت عبد الله بن منير يكتب عن البخاري . [ ص: 415 ]

وسمعته يقول : أنا من تلاميذ محمد بن إسماعيل ، وهو معلم .

قلت : وقد روى البخاري أحاديث في " صحيحه " عن عبد الله بن منير ، عن يزيد بن هارون ، وجماعة . وكان زاهدا عابدا حتى قال البخاري : لم أر مثله .

قلت : وتوفي هو والإمام أحمد في سنة .

قال محمد : وسمعت أبا بكر المديني بالشاش زمن عبد الله بن أبي عرابة يقول : كنا بنيسابور عند إسحاق بن راهويه ، وأبو عبد الله في المجلس ، فمر إسحاق بحديث كان دون الصحابي عطاء الكيخاراني ، فقال إسحاق : يا أبا عبد الله ، أيش كيخاران ؟ فقال : قرية باليمن ، كان معاوية بن أبي سفيان بعث هذا الرجل ، وكان يسميه أبو بكر ، فأنسيته إلى اليمن ، فمر بكيخاران ، فسمع منه عطاء حديثين ، فقال له إسحاق : يا أبا عبد الله ، كأنك شهدت القوم .

وقال ابن عدي : حدثني محمد بن أحمد القومسي ، سمعت محمد بن خميرويه ، سمعت محمد بن إسماعيل يقول : أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح . [ ص: 416 ]

قال : وسمعت أبا بكر الكلواذاني يقول : ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل ، كان يأخذ الكتاب من العلماء ، فيطلع عليه اطلاعة ، فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة .

قال محمد بن يوسف الفربري : سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم الوراق يقول في الزيادات المذيلة على شمائل أبي عبد الله -قلت : وليست هي داخلة في رواية ابن خلف الشيرازي - قال : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : ما جلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم ، وحتى نظرت في عامة كتب الرأي ، وحتى دخلت البصرة خمس مرات أو نحوها . فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته ، إلا ما لم يظهر لي .

وقال غنجار في " تاريخه " : حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد المقرئ ، حدثنا أبو بكر محمد بن يعقوب بن يوسف البيكندي ، سمعت علي بن الحسين بن عاصم البيكندي يقول : قدم علينا محمد بن إسماعيل ، قال : فاجتمعنا عنده . فقال بعضنا : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : كأني أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابي . فقال محمد بن إسماعيل : أو تعجب من هذا؟! لعل في هذا الزمان من ينظر إلى مائتي ألف حديث من كتابه . وإنما عنى به نفسه . 

قال أبو جعفر محمد بن أبي حاتم : سمعت بعض أصحابي يقول : [ ص: 417 ] كنت عند محمد بن سلام ، فدخل عليه محمد بن إسماعيل ، فلما خرج قال محمد بن سلام : كلما دخل علي هذا الصبي تحيرت ، وألبس علي أمر الحديث وغيره . ولا أزال خائفا ما لم يخرج .

قال أبو جعفر : سمعت أبا عمر سليم بن مجاهد يقول : كنت عند محمد بن سلام البيكندي ، فقال : لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث . قال : فخرجت في طلبه حتى لحقته . قال : أنت الذي يقول : إنى أحفظ سبعين ألف حديث ؟ قال : نعم ، وأكثر . ولا أجيئك بحديث من الصحابة والتابعين إلا عرفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ، ولست أروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب الله ، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم .

وقال أبو جعفر : حدثني بعض أصحابي : أن أبا عبد الله البخاري صار إلى أبي إسحاق السرماري عائدا ، فلما خرج من عنده قال أبو إسحاق : من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه ، فلينظر إلى محمد بن إسماعيل وأجلسه على حجره .

وقال أبو جعفر : قال لي بعض أصحابي : كنت عند محمد بن [ ص: 418 ] سلام ، فدخل عليه محمد بن إسماعيل حين قدم من العراق ، فأخبره بمحنة الناس ، وما صنع ابن حنبل وغيره من الأمور . فلما خرج من عنده قال محمد بن سلام لمن حضره : أترون البكر أشد حياء من هذا ؟ .

وقال أبو جعفر : سمعت يحيى بن جعفر يقول : لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيل من عمري لفعلت ، فإن موتي يكون موت رجل واحد ، وموته ذهاب العلم .

قال : وسمعت يحيى بن جعفر-وهو البيكندي- يقول لمحمد بن إسماعيل : لولا أنت ما استطبت العيش ببخارى .

وقال : سمعت محمد بن يوسف يقول : كنا عند أبي رجاء ، هو قتيبة ، فسئل عن طلاق السكران ، فقال : هذا أحمد بن حنبل وابن المديني وابن راهويه قد ساقهم الله إليك ، وأشار إلى محمد بن إسماعيل . وكان مذهب محمد أنه إذا كان مغلوب العقل حتى لا يذكر ما يحدث في سكره ، أنه لا يجوز عليه من أمره شيء .

قال محمد : وسمعت عبد الله بن سعيد بن جعفر يقول : لما مات أحمد بن حرب النيسابوري ركب محمد وإسحاق يشيعان جنازته . فكنت أسمع أهل المعرفة بنيسابور ينظرون ، ويقولون : محمد أفقه من إسحاق . [ ص: 419 ]

وقال : سمعت عمر بن حفص الأشقر ، سمعت عبدان يقول : ما رأيت بعيني شابا أبصر من هذا ، وأشار بيده إلى محمد بن إسماعيل .

وقال : سمعت صالح بن مسمار المروزي يقول : سمعت نعيم بن حماد يقول : محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة .

وقال : سمعت إبراهيم بن خالد المروزي ، يقول : قال مسدد : لا تختاروا على محمد بن إسماعيل ، يا أهل خراسان .

وقال : سمعت موسى بن قريش يقول : قال عبد الله بن يوسف للبخاري : يا أبا عبد الله ، انظر في كتبي ، وأخبرني بما فيه من السقط ، قال : نعم .

وقال محمد : حدثني محمد بن إسماعيل ، قال : كنت إذا دخلت على سليمان بن حرب يقول : بين لنا غلط شعبة .

قال : وسمعته يقول : اجتمع أصحاب الحديث ، فسألوني أن أكلم إسماعيل بن أبي أويس ليزيدهم في القراءة ، ففعلت ، فدعا إسماعيل الجارية ، وأمرها أن تخرج صرة دنانير ، وقال : يا أبا عبد الله ، فرقها عليهم .

قلت : إنما أرادوا الحديث . قال : قد أجبتك إلى ما طلبت من الزيادة ، غير أني أحب أن يضم هذا إلى ذاك ليظهر أثرك فيهم . [ ص: 420 ]

وقال : حدثني حاشد بن إسماعيل قال : لما قدم محمد بن إسماعيل على سليمان بن حرب نظر إليه سليمان ، فقال : هذا يكون له يوما صوت .

وقال خلف الخيام : حدثنا إسحاق بن أحمد بن خلف ، سمعت أحمد بن عبد السلام : قال : ذكرنا قول البخاري لعلي بن المديني -يعني : ما استصغرت نفسي إلا بين يدي علي بن المديني - فقال علي : دعوا هذا ، فإن محمد بن إسماعيل لم ير مثل نفسه .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت أبا عبد الله يقول : ذاكرني أصحاب عمرو بن علي الفلاس بحديث ، فقلت : لا أعرفه ، فسروا بذلك ، وصاروا إلى عمرو ، فأخبروه ، فقال : حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت حاشد بن عبد الله يقول : قال لي أبو مصعب الزهري : محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر [ بالحديث ] من أحمد بن حنبل . فقيل له : جاوزت الحد . فقال للرجل : لو أدركت مالكا ، ونظرت إلى وجهه ووجه محمد بن إسماعيل ، لقلت : كلاهما واحد في الفقه والحديث . [ ص: 421 ]

قال : وسمعت حاشد بن إسماعيل يقول : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : اكتبوا عن هذا الشاب -يعني : البخاري - فلو كان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه .

قال : وسمعت علي بن حجر يقول : أخرجت خراسان ثلاثة : أبو زرعة ، ومحمد بن إسماعيل ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي . ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم .

قال : وأوردت على علي بن حجر كتاب أبي عبد الله ، فلما قرأه قال : كيف خلفت ذلك الكبش ؟ فقلت : بخير . فقال : لا أعلم مثله .

وقال أحمد بن الضوء : سمعت أبا بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير يقولان : ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل .

وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل .

وقال محمد بن إبراهيم البوشنجي : سمعت بندارا محمد بن بشار سنة ثمان وعشرين ومائتين يقول : ما قدم علينا مثل محمد بن إسماعيل . [ ص: 422 ]

وقال حاشد بن إسماعيل : كنت بالبصرة ، فسمعت قدوم محمد بن إسماعيل ، فلما قدم قال بندار : اليوم دخل سيد الفقهاء .

وقال محمد : سمعت أبا عبد الله . يقول : قال لي محمد بن بشار : إن ثوبي لا يمس جلدي مثلا ، ما لم ترجع إلي ، أخاف أن تجد في حديثي شيئا يسقمني . فإذا رجعت فنظرت في حديثي طابت نفسي ، وأمنت مما أخاف .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت إبراهيم بن خالد المروزي ، يقول : رأيت أبا عمار الحسين بن حريث يثني على أبي عبد الله البخاري ، ويقول : لا أعلم أني رأيت مثله ، كأنه لم يخلق إلا للحديث .

وقال محمد : سمعت محمود بن النضر أبا سهل الشافعي يقول : دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ، ورأيت علماءها ، كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم .

وقال : سمعت محمد بن يوسف يقول : لما دخلت البصرة صرت إلى بندار ، فقال لي : من أين أنت؟ قلت : من خراسان . قال : من أيها ؟ قلت : من بخارى ، قال : تعرف محمد بن إسماعيل ؟ قلت : أنا من قرابته . فكان بعد ذلك يرفعني فوق الناس . [ ص: 423 ]

قال محمد : وسمعت محمد بن إسماعيل يقول : لما دخلت البصرة صرت إلى مجلس بندار ، فلما وقع بصره علي ، قال : من أين الفتى ؟ قلت : من أهل بخارى فقال لي : كيف تركت أبا عبد الله ؟ فأمسكت ، فقالوا له : يرحمك الله هو أبو عبد الله ، فقام ، وأخذ بيدي ، وعانقني ، وقال : مرحبا بمن أفتخر به منذ سنين .

قال : وسمعت حاشد بن إسماعيل ، سمعت محمد بن بشار يقول : لم يدخل البصرة رجل أعلم بالحديث من أخينا أبي عبد الله . قال : فلما أراد الخروج ودعه محمد بن بشار ، وقال : يا أبا عبد الله ، موعدنا الحشر أن لا نلتقي بعد .

وقال أبو قريش محمد بن جمعة الحافظ : سمعت محمد بن بشار : يقول : حفاظ الدنيا أربعة : أبو زرعة بالري ، والدارمي بسمرقند ، ومحمد بن إسماعيل ببخارى ، ومسلم بنيسابور .

وقال محمد بن عمر بن الأشعث البيكندي : سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل ، سمعت أبي يقول : انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان : أبو زرعة الرازي ، ومحمد بن إسماعيل البخاري ، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ، والحسن بن شجاع البلخي .

قال ابن الأشعث : فحكيت هذا لمحمد بن عقيل البلخي ، فأطرى ذكر ابن شجاع ، فقلت له : لم لم يشتهر ؟ قال : لأنه لم يمتع بالعمر . [ ص: 424 ]

قلت : هذا ابن شجاع : رحل وسمع مكي بن إبراهيم ، وعبيد الله بن موسى ، وأبا مسهر . وتوفي سنة أربع وأربعين .

وقال نصر بن زكريا المروزي : سمعت قتيبة بن سعيد يقول : شباب خراسان أربعة : محمد بن إسماعيل ، وعبد الله بن عبد الرحمن ، يعني الدارمي ، وزكريا بن يحيى اللؤلؤي ، والحسن بن شجاع .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت جعفرا الفربري يقول ، سمعت عبد الله بن منير يقول : أنا من تلاميذ محمد بن إسماعيل ، وهو معلمي ورأيته يكتب عن محمد .

وقال محمد : حدثنا حاشد بن عبد الله بن عبد الواحد ، سمعت يعقوب بن إبراهيم الدورقي يقول : محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة .

عن أبي جعفر المسندي قال : حفاظ زماننا ثلاثة : محمد بن إسماعيل ، وحاشد بن إسماعيل ، ويحيى بن سهل .

وقال محمد : حدثني جعفر بن محمد الفربري قال : خرج رجل من أصحاب عبد الله بن منير ، رحمه الله إلى بخارى في حاجة له . فلما رجع قال له ابن منير : لقيت أبا عبد الله؟ قال : لا . فطرده ، وقال : ما فيك بعد هذا خير . إذ قدمت بخارى ولم تصر إلى أبي عبد الله محمد بن إسماعيل . [ ص: 425 ]

وقال محمد : سمعت إبراهيم بن محمد بن سلام يقول : حضرت أبا بكر بن أبي شيبة ، فرأيت رجلا يقول في مجلسه : ناظر أبو بكر أبا عبد الله في أحاديث سفيان ، فعرف كلها ، ثم أقبل محمد عليه ، فأغرب عليه مائتي حديث . فكان أبو بكر بعد ذلك يقول : ذاك الفتى البازل -والبازل الجمل المسن- إلا أنه يريد هاهنا البصير بالعلم ، الشجاع .

وسمعت إبراهيم بن محمد بن سلام يقول : إن الرتوت من أصحاب الحديث مثل سعيد بن أبي مريم ، ونعيم بن حماد ، والحميدي ، وحجاج بن منهال ، وإسماعيل بن أبي أويس ، والعدني ، والحسن الخلال بمكة ، ومحمد بن ميمون صاحب ابن عيينة ، ومحمد بن العلاء ، والأشج ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، وإبراهيم بن موسى الفراء ، كانوا يهابون محمد بن إسماعيل ، ويقضون له على أنفسهم في المعرفة والنظر .

وقال محمد : حدثني حاتم بن مالك الوراق ؟ ، قال : سمعت علماء مكة يقولون : محمد بن إسماعيل إمامنا وفقيهنا وفقيه خراسان .

وقال محمد : سمعت أبي رحمه الله يقول : كان محمد بن إسماعيل يختلف إلى أبي حفص أحمد بن حفص البخاري وهو صغير ، فسمعت أبا [ ص: 426 ] حفص يقول : هذا شاب كيس ، أرجو أن يكون له صيت وذكر .

وقال محمد : سمعت أبا سهل محمودا الشافعي يقول : سمعت أكثر من ثلاثين عالما من علماء مصر ، يقولون : حاجتنا من الدنيا النظر في " تاريخ " محمد بن إسماعيل .

 وقال محمد : حدثني صالح بن يونس ، قال : سئل عبد الله بن عبد الرحمن -يعني : الدارمي- عن حديث سالم بن أبي حفصة ، فقال : كتبناه مع محمد ، ومحمد يقول : سالم ضعيف . فقيل له : ما تقول أنت ؟ قال : محمد أبصر مني .

قال : وسئل عبد الله بن عبد الرحمن عن حديث محمد بن كعب : لا يكذب الكاذب إلا من مهانة نفسه عليه وقيل له : محمد يزعم أن هذا صحيح ، فقال : محمد أبصر مني ، لأن همه النظر في الحديث ، وأنا مشغول مريض ، ثم قال : محمد أكيس خلق الله ، إنه عقل عن الله ما أمره به ، ونهى عنه في كتابه ، وعلى لسان نبيه . إذا قرأ محمد القرآن ، شغل قلبه وبصره وسمعه ، وتفكر في أمثاله ، وعرف حلاله وحرامه .

وقال : كتب إلي سليمان بن مجالد ، إني سألت عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي عن محمد ، فقال : محمد بن إسماعيل أعلمنا وأفقهنا [ ص: 427 ] وأغوصنا ، وأكثرنا طلبا .

وقال : سمعت أبا سعيد المؤدب يقول : سمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول : لم يكن يشبه طلب محمد للحديث طلبنا ، كان إذا نظر في حديث رجل أنزفه .

وقال : حدثني إسحاق وراق عبد الله بن عبد الرحمن ، قال : سألني عبد الله عن كتاب " الأدب " من تصنيف محمد بن إسماعيل ، فقال : احمله لأنظر فيه ، فأخذ الكتاب مني ، وحبسه ثلاثة أشهر ، فلما أخذت منه ، قلت : هل رأيت فيه حشوا ، أو حديثا ضعيفا؟ فقال : ابن إسماعيل لا يقرأ على الناس إلا الحديث الصحيح ، وهل ينكر على محمد؟ ! .

وقال : سمعت أبا الطيب حاتم بن منصور الكسي يقول : محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه من العلم .

قال : وسمعت أبا عمرو المستنير بن عتيق يقول : سمعت رجاء الحافظ يقول : فضل محمد بن إسماعيل على العلماء كفضل الرجال على النساء . فقال له رجل : يا أبا محمد ، كل ذلك بمرة؟! فقال : هو آية من آيات الله يمشي على ظهر الأرض .

قال : وسمعت محمد بن يوسف يقول : سأل أبو عبد الله أبا رجاء [ ص: 428 ] البغلاني -يعني : قتيبة - إخراج أحاديث ابن عيينة ، فقال : منذ كتبتها ما عرضتها على أحد ، فإن احتسبت ونظرت فيها ، وعلمت على الخطأ منها فعلت ، وإلا لم أحدث بها ؛ لأني لا آمن أن يكون فيها بعض الخطأ ، وذلك أن الزحام كان كثيرا ، وكان الناس يعارضون كتبهم ، فيصحح بعضهم من بعض ، وتركت كتابي كما هو ، فسر البخاري بذلك ، وقال : وفقت . ثم أخذ يختلف إليه كل يوم صلاة الغداة ، فينظر فيه إلى وقت خروجه إلى المجلس ، ويعلم على الخطأ منه . فسمعت البخاري رد على أبي رجاء يوما حديثا ، فقال : يا أبا عبد الله ، هذا مما كتب عني أهل بغداد ، وعليه علامة يحيى بن معين ، وأحمد بن حنبل ، فلا أقدر أغيره . فقال له أبو عبد الله : إنما كتب أولئك عنك لأنك كنت مجتازا ، وأنا قد كتبت هذا عن عدة على ما أقول لك ، كتبته عن يحيى بن بكير ، وابن أبي مريم ، وكاتب الليث عن الليث . فرجع أبو رجاء ، وفهم قوله ، وخضع له .

قال : وسمعت محمد بن يوسف يقول : كان زكريا اللؤلؤي والحسن بن شجاع ببلخ يمشيان مع أبي عبد الله إلى المشايخ إجلالا له وإكراما .

قال : وسمعت حاشد بن إسماعيل يقول : رأيت إسحاق بن راهويه جالسا على السرير ، ومحمد بن إسماعيل معه ، وإسحاق يقول : حدثنا عبد الرزاق حتى مر على حديث ، فأنكر عليه محمد ، فرجع إلى قول محمد . [ ص: 429 ] ثم رأيت عمرو بن زرارة ومحمد بن رافع عند محمد بن إسماعيل يسألانه عن علل الحديث ، فلما قاما قالا لمن حضر : لا تخدعوا عن أبي عبد الله ، فإنه أفقه منا وأعلم وأبصر .

قال : وسمعت حاشد بن عبد الله يقول : كنا عند إسحاق وعمرو بن زرارة ثم ، وهو يستملي على البخاري ، وأصحاب الحديث يكتبون عنه ، وإسحاق يقول : هو أبصر مني . وكان محمد يومئذ شابا .

وقال : حدثني محمد بن يوسف قال : كنا مع أبي عبد الله عند محمد بن بشار ، فسأله محمد بن بشار عن حديث ، فأجابه ، فقال : هذا أفقه خلق الله في زماننا . وأشار إلى محمد بن إسماعيل .

قال : وسمعت سليم بن مجاهد يقول : لو أن وكيعا وابن عيينة وابن المبارك كانوا في الأحياء ، لاحتاجوا إلى محمد بن إسماعيل .

قال : وسمعت أبا عبد الله يقول : قال لي إسماعيل بن أبي أويس : انظر في كتبي وما أملكه لك ، وأنا شاكر لك ما دمت حيا .

وقال : قال لي أبو عمرو الكرماني : سمعت عمرو بن علي الصيرفي يقول : أبو عبد الله صديقي ، ليس بخراسان مثله .

فحكيت لمهيار بالبصرة عن قتيبة بن سعيد أنه قال : رحل إلي من شرق الأرض وغربها ، فما رحل إلي مثل محمد بن إسماعيل ، فقال مهيار : صدق . أنا رأيته مع يحيى بن معين ، وهما يختلفان جميعا إلى [ ص: 430 ] محمد بن إسماعيل ، فرأيت يحيى ينقاد له في المعرفة .

وقال : سمعت أبا سعيد الأشج ، وخرج إلينا في غداة باردة ، وهو يرتعد من البرد ، فقال : أيكون عندكم مثل ذا البرد؟ فقلت : مثل ذا يكون في الخريف والربيع ، وربما نمسي والنهر جار ، فنصبح ونحتاج إلى الفأس في نقب الجمد . فقال لي : من أي خراسان أنت؟ قلت من بخارى . فقال له ابنه : هو من وطن محمد بن إسماعيل ، فقال له : إذا قدم عليك من يتوسل به فاعرف له حقه ، فإنه إمام .

وقال : سمعت أحمد بن عبد الله بن ثابت الشاشي ، سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : ما أخذ عني أحد ما أخذ عني محمد ، نظر إلى كتبي ، فرآها دارسة ، فقال لي : أتأذن لي أن أجددها ؟ فقلت : نعم . فاستخرج عامة حديثي بهذه العلة .

وقال : سمعت أبا إسحاق المروزي يقول : دخلت على علي بن حجر ساعة ودعه عبد الله بن عبد الرحمن ، فسمعته يقول : قل في أدب عبد الله بن عبد الرحمن ما شئت ، وقل في علم محمد ما شئت .

وقال : سمعت محمد بن الليث يقول : وذكر عنده عبد الله ومحمد ، فسمع بعض الجماعة يفضل عبد الله على محمد ، فقال : إذا قدمتموه فقدموه في الشعر والعربية ، ولا تقدموه عليه في العلم .

وقال : سمعت حاشد بن إسماعيل يقول : كان عبد الله بن عبد الرحمن يدس إلي أحاديث من أحاديثه المشكلة عليه ، يسألني أن أعرضها على محمد ، وكان يشتهي أن لا يعلم محمد ، فكنت إذا عرضت عليه شيئا يقول : من ثم جاءت؟ . [ ص: 431 ]

وعن قتيبة قال : لو كان محمد في الصحابة لكان آية .

وقال محمد بن يوسف الهمذاني : كنا عند قتيبة بن سعيد ، فجاء رجل شعراني يقال له : أبو يعقوب ، فسأله عن محمد بن إسماعيل ، فنكس رأسه ، ثم رفعه إلى السماء ، فقال : يا هؤلاء ، نظرت في الحديث ، ونظرت في الرأي ، وجالست الفقهاء والزهاد والعباد ، ما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل .

وقال حاشد بن إسماعيل : سمعت قتيبة يقول : مثل محمد بن إسماعيل عند الصحابة في صدقه وورعه كما كان عمر في الصحابة .

وقال حاشد بن إسماعيل : سمعت أحمد بن حنبل يقول : لم يجئنا من خراسان مثل محمد بن إسماعيل .

وروينا عن أبي حاتم الرازي قال : محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق .

وقال أبو عبد الله الحاكم : محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث ، سمع ببخارى هارون بن الأشعث ، ومحمد بن سلام ، وسمى خلقا من شيوخه .

ثم قال : سمعت أبا الطيب محمد بن أحمد المذكر ، سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحفظ له من محمد بن إسماعيل . [ ص: 432 ]

ثم قال الحاكم : سمعت محمد بن يعقوب الحافظ يقول : سمعت أبي يقول : رأيت مسلم بن الحجاج بين يدي البخاري يسأله سؤال الصبي . ثم قال : سمعت الحسن بن أحمد الشيباني المعدل ، سمعت أحمد بن حمدون يقول : رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة سعيد بن مروان ، ومحمد بن يحيى الذهلي يسأله عن الأسامي والكنى والعلل ، ومحمد بن إسماعيل يمر فيه مثل السهم ، كأنه يقرأ : قل هو الله أحد .

أخبرنا محمد بن خالد المطوعي ببخارى ، حدثنا مسبح بن سعيد البخاري ، سمعت عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي يقول : قد رأيت العلماء بالحجاز والعراقين ، فما رأيت فيهم أجمع من محمد بن إسماعيل .

وقال محمد بن حمدون بن رستم : سمعت مسلم بن الحجاج ، وجاء إلى البخاري فقال : دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله .

وقال أبو عيسى الترمذي : لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل . [ ص: 433 ]

وقال أبو عيسى الترمذي : كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير ، فلما قام من عنده قال له : يا أبا عبد الله ، جعلك الله زين هذه الأمة . قال الترمذي : استجيب له فيه .

قلت : ابن منير من كبار الزهاد ، قال . . . . . . قيل : إن البخاري لما قدم من العراق ، قدمته الآخرة ، وتلقاه الناس ، وازدحموا عليه ، وبالغوا في بره . قيل له في ذلك ، فقال : كيف لو رأيتم يوم دخولنا البصرة؟ .

وقال أبو علي صالح بن محمد جزرة : كان محمد بن إسماعيل يجلس ببغداد ، وكنت أستملي له ، ويجتمع في مجلسه أكثر من عشرين ألفا .

وقال عبد المؤمن بن خلف النسفي : سألت أبا علي صالح بن محمد ، عن الدارمي ومحمد بن إسماعيل وأبي زرعة ، فقال : أعلمهم بالحديث محمد ، وأحفظهم أبو زرعة .

وقال إسحاق بن زبرك سمعت محمد بن إدريس الرازي يقول في سنة سبع وأربعين ومائتين : يقدم عليكم رجل من خراسان لم يخرج منها أحفظ منه ، ولا قدم العراق أعلم منه . فقدم علينا البخاري . [ ص: 434 ]

وقال أبو سعيد حاتم بن محمد : قال موسى بن هارون الحافظ : لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن ينصبوا آخر مثل محمد بن إسماعيل ما قدروا عليه .

وقال أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الفقيه الدغولي : كتب أهل بغداد إلى البخاري :

المسلمون بخير ما بقيت لهم وليس بعدك خير حين تفتقد



وقال أبو بكر الخطيب : سئل أبو زرعة عن ابن لهيعة ، فقال : تركه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل . وسئل عن محمد بن حميد ، فقال : تركه أبو عبد الله . فذكر ذلك لأبي عبد الله ، فقال : بره لنا قديم .

قال الخطيب : وسئل العباس بن الفضل الرازي الصائغ : أيهما أفضل ، أبو زرعة أو محمد بن إسماعيل ؟ فقال : التقيت مع محمد بن إسماعيل بين حلوان وبغداد ، فرجعت معه مرحلة ، وجهدت أن أجيء بحديث لا يعرفه ، فما أمكنني ، وأنا أغرب على أبي زرعة عدد شعره .

وقال أحمد بن سيار في " تاريخه " : محمد بن إسماعيل الجعفي طلب العلم ، وجالس الناس ، ورحل في الحديث ، ومهر فيه وأبصر ، [ ص: 435 ] وكان حسن المعرفة ، والحفظ ، وكان يتفقه .

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : رأيت أبي يطنب في مدح أحمد بن سيار ، ويذكره بالعلم والفقه .

وذكر عمر بن حفص الأشقر ، قال : لما قدم رجاء بن مرجى بخارى يريد الخروج إلى الشاش ، نزل الرباط ، وسار إليه مشايخنا ، وسرت فيمن سار إليه ، فسألني عن أبي عبد الله محمد بن إسماعيل ، فأخبرته بسلامته ، وقلت : لعله يجيئك الساعة ، فأملى علينا ، وانقضى المجلس ، ولم يجئ . فلما كان اليوم الثاني لم يجئه . فلما كان اليوم الثالث قال رجاء : إن أبا عبد الله لم يرنا أهلا للزيارة ، فمروا بنا إليه نقض حقه ، فإني على الخروج -وكان كالمترغم عليه- فجئنا بجماعتنا إليه ، فقال رجاء : يا أبا عبد الله ، كنت بالأشواق إليك ، وأشتهي أن تذكر شيئا من الحديث ، فإني على الخروج . قال : ما شئت . فألقى عليه رجاء شيئا من حديث أيوب ، وأبو عبد الله يجيب إلى أن سكت رجاء عن الإلقاء . فقال لأبي عبد الله : ترى بقي شيء لم نذكره ، فأخذ محمد يلقي ، ويقول رجاء : من روى هذا ؟ وأبو عبد الله يجيء بإسناده إلى أن ألقى قريبا من بضعة عشر حديثا . وتغير رجاء تغيرا شديدا ، وحانت من أبي عبد الله نظرة إلى وجهه ، فعرف التغير فيه ، فقطع الحديث . فلما خرج رجاء قال محمد : أردت أن أبلغ به ضعف ما ألقيته ، إلا أني خشيت أن يدخله شيء ، فأمسكت . .

وقال خلف بن محمد : سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر الخفاف يقول : محمد بن إسماعيل أعلم بالحديث من إسحاق بن راهويه وأحمد بن [ ص: 436 ] حنبل وغيرهما بعشرين درجة ; ومن قال فيه شيئا ، فمني عليه ألف لعنة .

ثم قال : حدثنا محمد بن إسماعيل التقي النقي العالم الذي لم أر مثله . وروي عن الحسين بن محمد المعروف بعبيد العجل ، قال : ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل ، ولم يكن مسلم بن الحجاج يبلغ محمد بن إسماعيل . ورأيت أبا زرعة وأبا حاتم يستمعان إلى محمد أي شيء يقول ، يجلسون إلى جنبه ، فذكر لعبيد العجل قصة محمد بن يحيى ، فقال : ما له ولمحمد بن إسماعيل ؟ كان محمد بن إسماعيل أمة من الأمم ، وكان أعلم من محمد بن يحيى بكذا وكذا ، وكان دينا فاضلا يحسن كل شيء .

وقال أبو حامد أحمد بن حمدون القصار : سمعت مسلم بن الحجاج ، وجاء إلى البخاري ، فقبل بين عينيه ، وقال : دعني أقبل رجليك . ثم قال : حدثك محمد بن سلام ، حدثنا مخلد بن يزيد الحراني ، أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل ، عن أبيه عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في كفارة المجلس فما علته ؟ قال محمد بن [ ص: 437 ] إسماعيل : هذا حديث مليح ، ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا الحديث الواحد في هذا الباب ، إلا أنه معلول حدثنا به موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب ، حدثنا سهيل ، عن عون بن عبد الله قوله ، قال محمد : وهذا أولى ، فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل . فقال له مسلم : لا يبغضك إلا حاسد ، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك .

وقال محمد بن يعقوب بن الأخرم : سمعت أصحابنا يقولون : لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل ركبانا على الخيل ، سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة .

وقال عبد الله بن حماد الآملي : وددت أني شعرة في صدر محمد بن إسماعيل .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان : كان أهل المعرفة بالبصرة يعدون خلف البخاري في طلب الحديث ، وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ، ويجلسوه في بعض الطريق ، فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه قالا : وكان أبو عبد الله عند ذلك شابا ، لم يخرج وجهه . [ ص: 438 ]

أخبرني الحسن بن علي ، أخبرنا عبد الله بن عمر ، أخبرنا عبد الأول بن عيسى ، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري ، أخبرنا أحمد بن محمد بن إسماعيل المهدوي ، سمعت خالد بن عبد الله المروزي ، سمعت أبا سهل محمد بن أحمد المروزي ، سمعت أبا زيد المروزي الفقيه يقول : كنت نائما بين الركن والمقام ، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقال لي : يا أبا زيد ، إلى متى تدرس كتاب الشافعي ، ولا تدرس كتابي ؟ فقلت : يا رسول الله ، وما كتابك ؟ قال : " جامع " محمد بن إسماعيل .

وجدت فائدة منقولة عن أبي الخطاب بن دحية ، أن الرملي الكذابة قال : البخاري مجهول ، لم يرو عنه سوى الفربري . قال أبو الخطاب : والله كذب في هذا وفجر ، والتقم الحجر ، بل البخاري مشهور بالعلم وحمله ; مجمع على حفظه ونبله ، جاب البلاد ، وطلب الرواية والإسناد . روى عنه جماعة من العلماء إلى أن قال : وأما كتابه فقد عرضه على حافظ زمانه أبي زرعة ، فقال : كتابك كله صحيح إلا ثلاثة أحاديث .

 قال الحاكم : حدثنا محمد بن خالد المطوعي ، حدثنا مسبح بن سعيد . [ ص: 439 ]

قال : كان محمد بن إسماعيل يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة ، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة .

وقال بكر بن منير : سمعت أبا عبد الله البخاري يقول : أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا .

قلت : صدق رحمه الله ، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس ، وإنصافه فيمن يضعفه ، فإنه أكثر ما يقول : منكر الحديث ، سكتوا عنه ، فيه نظر ، ونحو هذا . وقل أن يقول : فلان [ ص: 440 ] [ ص: 441 ] كذاب ، أو كان يضع الحديث . حتى إنه قال : إذا قلت فلان في حديثه نظر ، فهو متهم واه . وهذا معنى قوله : لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا . وهذا هو والله غاية الورع .

قال محمد بن أبي حاتم الوراق : سمعته -يعني البخاري - يقول : لا يكون لي خصم في الآخرة ، فقلت : إن بعض الناس ينقمون عليك في كتاب " التاريخ " ويقولون : فيه اغتياب الناس ، فقال : إنما روينا ذلك رواية لم نقله من عند أنفسنا ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : بئس مولى العشيرة يعني : حديث عائشة .

وسمعته يقول : ما اغتبت أحدا قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها .

قال : وكان أبو عبد الله يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعة ، وكان لا يوقظني في كل ما يقوم . فقلت : أراك تحمل على نفسك ، ولم توقظني . قال : أنت شاب ، ولا أحب أن أفسد عليك نومك .

وقال غنجار : حدثنا أبو عمرو أحمد بن المقرئ ، سمعت بكر بن منير قال : كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة ، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة . فلما قضى الصلاة ، قال : انظروا أيش آذاني . [ ص: 442 ]

وقال محمد بن أبي حاتم : دعي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه ، فلما صلى بالقوم الظهر ، قام يتطوع ، فلما فرغ من صلاته ، رفع ذيل قميصه ، فقال لبعض من معه : انظر هل ترى تحت قميصي شيئا ؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعا . وقد تورم من ذلك جسده . فقال له بعض القوم : كيف لم تخرج من الصلاة أول ما أبرك ؟ قال : كنت في سورة ، فأحببت أن أتمها ! ! .

وقال : سمعت عبد الله بن سعيد بن جعفر يقول : سمعت العلماء بالبصرة يقولون : ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح .

وقال أبو جعفر محمد بن يوسف الوراق : حدثنا عبد الله بن حماد الآملي قال : وددت أني شعرة في صدر محمد بن إسماعيل .

وقال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف ، حدثنا محمد بن إسماعيل التقي النقي العالم الذي لم أر مثله .

أعدت هذا للتبويب .

وقال الحاكم : حدثنا محمد بن حامد البزاز ، سمعت الحسن بن محمد بن جابر ، سمعت محمد بن يحيى الذهلي لما ورد البخاري نيسابور يقول : اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح ، فاسمعوا منه . [ ص: 443 ]

وقال ابن عدي : سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي ، يقول : جاء محمد إلى أقربائه بخرتنك ، فسمعته يدعو ليلة إذ فرغ من ورده : اللهم إنه قد ضاقت علي الأرض بما رحبت ، فاقبضني إليك . فما تم الشهر حتى مات .

وقد ذكرنا أنه لما ألف " الصحيح " كان يصلي ركعتين عند كل ترجمة .

وروى الخطيب بإسناده عن الفربري ، قال : رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم ، فقال لي : أين تريد ؟ فقلت : أريد محمد بن إسماعيل البخاري ، فقال : أقرئه مني السلام .

وقال محمد بن أبي حاتم : ركبنا يوما إلى الرمي ، ونحن بفربر ، فخرجنا إلى الدرب الذي يؤدي إلى الفرضة . فجعلنا نرمي ، وأصاب سهم أبي عبد الله وتد القنطرة الذي على نهر ورادة ، فانشق الوتد . فلما رآه أبو عبد الله ، نزل عن دابته ، فأخرج السهم من الوتد ، وترك الرمي . وقال لنا : ارجعوا . ورجعنا معه إلى المنزل ، فقال لي : يا أبا جعفر ، لي إليك حاجة تقضيها ؟ قلت : أمرك طاعة . قال : حاجة مهمة ، وهو يتنفس الصعداء . فقال لمن معنا : اذهبوا معأبي جعفر حتى تعينوه على ما سألته ، فقلت : أية حاجة هي ؟ قال لي : تضمن قضاءها ؟ قلت : نعم ، على الرأس والعين ، قال : ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة ، فتقول له : إنا قد أخللنا بالوتد ، فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله ، أو تأخذ ثمنه ، [ ص: 444 ] وتجعلنا في حل مما كان منا ، وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري . فقال لي : أبلغ أبا عبد الله السلام ، وقل له : أنت في حل مما كان منك . وقال : جميع ملكي لك الفداء . وإن قلت : نفسي ، أكون قد كذبت ، غير أني لم أكن أحب أن تحتشمني في وتد أو في ملكي . فأبلغته رسالته ، فتهلل وجهه ، واستنار ، وأظهر سرورا ، وقرأ في ذلك اليوم على الغرباء نحوا من خمسمائة حديث ، وتصدق بثلاثمائة درهم .

قال وسمعته يقول لأبي معشر الضرير : اجعلني في حل يا أبا معشر ، فقال : من أي شيء ؟ قال : رويت يوما حديثا ، فنظرت إليك ، وقد أعجبت به ، وأنت تحرك رأسك ويدك ، فتبسمت من ذلك . قال : أنت في حل ، رحمك الله يا أبا عبد الله .

قال : ورأيته استلقى على قفاه يوما ، ونحن بفربر في تصنيفه كتاب " التفسير " . وأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث . فقلت له : إني أراك تقول : إني ما أثبت شيئا ، بغير علم قط منذ عقلت ، فما الفائدة في الاستلقاء ؟ قال : أتعبنا أنفسنا اليوم . وهذا ثغر من الثغور ، خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو ، فأحببت أن أستريح ، وآخذ أهبة ، فإن غافصنا العدو كان بنا حراك .

قال : وكان يركب إلى الرمي كثيرا ، فما أعلمني رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين ، فكان يصيب الهدف في كل ذلك ، وكان لا يسبق . [ ص: 445 ]

قال : وسمعته يقول : ما أكلت كراثا قط ، ولا القنابرى ، قلت : ولم ذاك ؟ قال : كرهت أن أوذي من معي من نتنهما . قلت : وكذلك البصل النيء ؟ قال : نعم .

قال : وحدثني محمد بن العباس الفربري ، قال : كنت جالسا مع أبي عبد الله البخاري بفربر في المسجد ، فدفعت من لحيته قذاة مثل الذرة أذكرها ، فأردت أن ألقيها في المسجد ، فقال : ألقها خارجا من المسجد .

قال : وأملى يوما علي حديثا كثيرا ، فخاف ملالي ، فقال : طب نفسا ، فإن أهل الملاهي في ملاهيهم ، وأهل الصناعات في صناعاتهم ، والتجار في تجاراتهم . وأنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه . فقلت : ليس شيء من هذا ، يرحمك الله إلا وأنا أرى الحظ لنفسي فيه .

قال : وسمعته يقول : ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه .

وقال له بعض أصحابه : يقولون : إنك تناولت فلانا . قال : سبحان الله ، ما ذكرت أحدا بسوء إلا أن أقول ساهيا ، وما يخرج اسم فلان من صحيفتي يوم القيامة .

قال : وضيفه بعض أصحابه في بستان له ، وضيفنا معه ، فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه ، وذلك أنه كان عمل مجالس فيه ، وأجرى [ ص: 446 ] الماء في أنهاره . فقال له : يا أبا عبد الله ، كيف ترى ؟ فقال : هذه الحياة الدنيا .

قال : وكان لأبي عبد الله غريم قطع عليه مالا كثيرا ، فبلغه أنه قدم آمل ، ونحن عنده بفربر ، فقلنا له : ينبغي أن تعبر وتأخذه بمالك . فقال : ليس لنا أن نروعه . ثم بلغ غريمه مكانه بفربر ، فخرج إلى خوارزم ، فقلنا : ينبغي أن تقول لأبي سلمة الكشاني عامل آمل ليكتب إلى خوارزم في أخذه ، واستخراج حقك منه ، فقال : إن أخذت منهم كتابا طمعوا مني في كتاب ، ولست أبيع ديني بدنياي . فجهدنا ، فلم يأخذ حتى كلمنا السلطان عن غير أمره . فكتب إلى والي خوارزم . فلما أبلغ أبا عبد الله ذلك ، وجد وجدا شديدا . وقال : لا تكونوا أشفق علي من نفسي . وكتب كتابا ، وأردف تلك الكتب بكتب ، وكتب إلى بعض أصحابه بخوارزم أن لا يتعرض لغريمه إلا بخير . فرجع غريمه إلى آمل ، وقصد إلى ناحية مرو . فاجتمع التجار ، وأخبر السلطان بأن أبا عبد الله خرج في طلب غريم له . فأراد السلطان التشديد على غريمه ، وكره ذلك أبو عبد الله ، وصالح غريمه على أن يعطيه كل سنة عشرة دراهم شيئا يسيرا . وكان المال خمسة وعشرين ألفا . ولم يصل من ذلك المال إلى درهم ، ولا إلى أكثر منه .

قال : وسمعت أبا عبد الله ، يقول : ما توليت شراء شيء ولا بيعه قط . فقلت له : كيف ، وقد أحل الله البيع ؟ قال : لما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط ، فخشيت إن توليت أن أستوي بغيري . قلت فمن كان يتولى أمرك في أسفارك ومبايعتك ؟ قال : كنت أكفى ذلك . [ ص: 447 ]

قال : وسمعت محمد بن خداش يقول : سمعت أحمد بن حفص ، يقول : دخلت على أبي الحسن -يعني : إسماعيل - والد أبي عبد الله عند موته ، فقال : لا أعلم من مالي درهما من حرام ، ولا درهما من شبهة . قال أحمد : فتصاغرت إلي نفسي عند ذلك . ثم قال أبو عبد الله : أصدق ما يكون الرجل عند الموت .

قال : وكان أبو عبد الله اكترى منزلا ، فلبث فيه طويلا ، فسمعته يقول : لم أمسح ذكري بالحائط ، ولا بالأرض في ذلك المنزل . فقيل له : لم ؟ قال : لأن المنزل لغيري .

قال : وقال لي أبو عبد الله يوما بفربر : بلغني أن نخاسا قدم بجواري ، فتصير معي ؟ قلت : نعم ، فصرنا إليه ، فأخرج جواري حسانا صباحا . ثم خرج من خلالهن جارية خزرية دميمة عليها شحم ، فنظر إليها ، فمس ذقنها فقال : اشتر هذه لنا منه ، فقلت : هذه دميمة قبيحة لا تصلح ، واللاتي نظرنا إليهن يمكن شراؤهن بثمن هذه . فقال : اشتر هذه ، فإني قد مسست ذقنها ، ولا أحب أن أمس جارية ، ثم لا أشتريها . فاشتراها بغلاء خمسمائة درهم على ما قال أهل المعرفة . ثم لم تزل عنده حتى أخرجها معه إلى نيسابور .

وقال غنجار : أنبأنا أبو عمر وأحمد بن محمد المقرئ : سمعت بكر بن منير -وقد ذكر معناها محمد بن أبي حاتم ، واللفظ لبكر - قال : كان حمل إلى البخاري بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد ، فاجتمع بعض التجار إليه ، فطلبوها بربح خمسة آلاف درهم . فقال : انصرفوا الليلة . فجاءه من الغد تجار آخرون ، فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف . فقال : إني [ ص: 448 ] نويت بيعها للذين أتوا البارحة .

وقال غنجار : حدثنا إبراهيم بن حمد الملاحمي ، سمعت محمد بن صابر بن كاتب ، سمعت عمر بن حفص الأشقر قال : كنا مع البخاري بالبصرة نكتب ، ففقدناه أياما ، ثم وجدناه في بيت وهو عريان ، وقد نفد ما عنده ، فجمعنا له الدراهم ، وكسوناه .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت أبا عبد الله ، يقول : ما ينبغي للمسلم أن يكون بحالة إذا دعا لم يستجب له . فقالت له امرأة أخيه بحضرتي : فهل تبينت ذلك أيها الشيخ من نفسك ; أو جربت ؟ قال : نعم . دعوت ربي -عز وجل- مرتين ، فاستجاب لي ، فلن أحب أن أدعو بعد ذلك ، فلعله ينقص من حسناتي ، أو يعجل لي في الدنيا . ثم قال : ما حاجة المسلم إلى الكذب والبخل ؟ ! ! .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت البخاري يقول : خرجت إلى آدم بن أبي إياس ، فتخلفت عني نفقتي ، حتى جعلت أتناول الحشيش ، ولا أخبر بذلك أحدا . فلما كان اليوم الثالث ، أتاني آت لم أعرفه ، فناولني صرة دنانير ، وقال : أنفق على نفسك .

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت الحسين بن محمد السمرقندي يقول : كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة : كان قليل الكلام ، وكان لا يطمع فيما عند الناس ، [ ص: 449 ] وكان لا يشتغل بأمور الناس ، كل شغله كان فى العلم .

وقال : سمعت سليم بن مجاهد يقول : ما بقي أحد يعلم الناس الحديث حسبة غير محمد بن إسماعيل . ورأيت سليم بن مجاهد يسأل أبا عبد الله أن يحدثه كل يوم بثلاثة أحاديث ، ويبين له معانيها وتفاسيرها وعللها . فأجابه إلى ذلك قدر مقامه . وكان أقام في تلك الدفعة جمعة .

وسمعت سليما يقول : ما رأيت بعيني منذ ستين سنة أفقه ، ولا أورع ، ولا أزهد في الدنيا ، من محمد بن إسماعيل .

قال عبد المجيد بن إبراهيم : ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل ، كان يسوي بين القوي والضعيف .

 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق