الجمعة، 14 مايو 2021

 

إنَّ النباتات هي أكثر الكائنات الحيّة الموجودة على‏ الأرض ، وتحتل المرتبة الاولى‏ من حيث التنوع والكثرة ، والعجائب والزينة ، وكذلك من حيث الآثار المفيدة والثمينة أيضاً.

لهذا فقد استند القرآن الكريم في آياته التوحيدية مراراً على‏ مسألة خلق النباتات ، ومزاياها المختلفة ، ودعا الإنسان إلى‏ التفحُصِ في أسرار هذه الموجودات الرائعة في عالم الخَلق ، الموجودات التي يُمكنُ أن تُقدِّمَ ورقةٌ واحدةٌ منها كتاباً عن معرفة اللَّه تعالى‏.

بعد هذا التمهيد نتمعن خاشعين في الآيات الآتية ومواضيعها اللطيفة :

1- {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلىَ الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَريمٍ * انَّ فِى ذَلِكَ لَآيةً وَمَا كَانَ أَكْثَرَهُمْ مُّؤمِنْينَ}. (الشعراء/ 7- 8)

2- {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ءَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}. (النمل/ 60)

3- {خَلَقَ السَّمَواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وأَلْقى‏ فى الأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيْدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيْهَا مِنْ كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيْهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيْمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِيْنَ مِنْ دُوْنِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِى ضَلالٍ مُّبِيْنٍ}. (لقمان/ 10- 11)

4- {وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ المَيْتَةُ أَحيَينَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُوْنَ * وَجَعَلْنَا فِيْهَا جَنَّاتٍ مِّنْ نَّخيْلٍ وأَعْنابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيْهِم أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}. (يس/ 33- 36)

5- {وَهُوَ الَّذِى أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَآءً فَأخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَى‏ءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُوْنَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ أُنْظُرُوا إِلىَ ثَمَرِهِ اذَا أَثمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِى ذَلِكُم لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ}. (الانعام/ 99)

6- {وَفِى الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيْلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بِمَآءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى‏ بَعْضٍ فِى الْأُكُلِ انَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}. (الرعد/ 4)

7- {هُوَ الَّذِى أنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُمْ مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجرٌ فِيْهِ تُسِيْمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيْلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. (النحل/ 10- 11)

8- {وَهُوَ الَّذِى أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوْشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوْشَاتٍ وَالنَّخْلَ والزَّرْعَ مُخْتَلِفاً اكُلُهُ والزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذآ أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. (الانعام/ 141)

9- {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلقَينَا فِيهَا رَوَاسِىَ وأنْبَتْنَا فِيْهَا مِنْ كُلِّ شَى‏ءٍ مَّوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِيْنَ}. (الحجر/ 19- 20)

10- {إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الحَبِّ والنَّوَى ... ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنىَّ تُؤفَكُونَ}. «1» (الانعام/ 95)

شرح المفردات :

«النَبات» : يعني في الأصل كلَّ نوعٍ من الزرع الذي يخرج من الأرض سواء كان له ساق كالشَجَر ، أو بدون ساقٍ والذي يُسمِّيه العربُ ب «النَّجم» ، إلّا أنّ هذا اللفظ غالباً ما يُطلق على‏

الزرع الذي ليس له ساق ، وفي التعابير الأكثر شمولًا يُطلق‏ «النبات» على‏ كل موجودٍ نامٍ سواء كان نباتاً أم حيواناً أم إنساناً «2».

و«الشَجَرْ» : تعني النباتات ذات السيقان ، ولهذا جاء في القرآن الكريم أزاء «النجم» الذي يعني النبات الذي لا ساق له : {والنَّجْمُ والشَّجرُ يَسجُدان}. (الرحمن/ 6)

وورد في‏ «مقاييس اللغة» أنّ‏ «الشَّجَرَ» له معنيان في الأصل : هما الارتفاع والعلو ، وتداخل أجزاء الشي‏ء مع بعضها ، وحيث إنّ الأشجار ترتفع عن الأرض ، كذلك فانَّ أغصانها تتداخل فيما بينها ، لذلك اطلقَ عليها «شَجَرْ» ، و«مشاجرة» : تعني النزاع والاختلاف والمحادثة لأنَّ حديث الجانبين يتداخل مع بعضه.

إلّا أنّ البعض يعتقد أنّ أصلَ هذه المادة يعني الشي‏ء الذي ينمو ويرتفع وتتفرع منه أوراقٌ وأغصان ، وقد يُطلق على‏ الامور المعنوية أيضاً كما في : {والشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فى الْقُرآن}. (الاسراء/ 60)

(التي تمَّ تفسيرها بمعنى‏ «شجرة الزقوم» أو «اليهود» أو «بني اميّه») «3».

وكما يُفهم من كتب اللغة المختلفة فإنّ‏ «الزرع» تعني في الأصل نثر البذور والحبوب في الأرض ، ومن هنا حيث سيتبعُ نثر البذور نمو النبات وحصاده ، فيُطلقُ على‏ كل واحد من هذه العمليات‏ «زرعاً».

ويقول بعض اللغويين : إنَّ الزرع تعني الإنماء ، وهذا في الحقيقة هو فعلُ اللَّه تعالى‏ ، وإذا اطلقَ لفظ الزارع على‏ العباد فهو بسبب توفيرهم لأسباب ومقدّمات ذلك ، وقد يقال ل «المزروع» زرعاً أيضاً.

وغالباً ما يُطلق لفظ «زرع» على‏ الحنطةِ والشعير ، إلّا أنّ مفهومه أكثر شمولًا ، حيث يشملهما وغيرهما «4».

وأمّا ال «ثَمَرْ» فقد جاء في‏ «مقاييس اللغة» أنّ هذا اللفظ يعني في الأصل كلَّ شي‏ءٍ يتولد من شي‏ءٍ آخر ، وقال بعض اللغويين ، أنّه يعني ما يحصل من الشجرة فقط.

وصرَّحَ قسمٌ آخر من ارباب اللغة ، بان كل موجود يحصل ويتولد عن موجودٍ آخر مأكولًا كان أم غير مأكول ، مرغوباً كان أم غير مرغوب ، حلواً كان أم مُراً ، يسمى‏ «ثَمَراً».

لكن الظاهر أنّ الثمر كان له في الأصل مفهومٌ محدودٌ وهو الفاكهة الحاصلة من الشَجَر ، لكنَّ هذا المفهوم اتَّسَعَ فيما بعد واطلقَ مجازاً على‏ محصول ومنتوجِ أيّ شي‏ء ، حتى‏ أصبح يقالُ إنَّ ثمرةَ هذا المذهب وهذه التعاليم كانت كذا وكذا ، وجاء في الرواية : «امُّك أَعْطَتكَ مِنْ ثَمَرةِ قَلبها» ، إشارة إلى‏ حليب الام أو محبتها ، وفي الروايات أيضاً اطلقَ على‏ الوَلَد بانه ثمرة الفؤاد.

الورق الأخضر للأشجار :

أشار في الآية الاولى‏ إلى‏ المشركين أو الجاحدين ، فقال : {أَوَلَمْ يَرَوا إلى‏ الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَريْمٍ}.

ثمَّ صرح قائلًا : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيةً وَمَا كَانَ أكْثَرُهُمْ مُّؤمِنينَ}.

أجَلْ ... فلو تَمَعَّنَ هؤلاء في هذه النباتات الملّونة ، والأزهار ، والثمار ، والأشجار ، والخضار ، والسنابل ، وأنواع الزروع الاخرى‏ ، سَيَروْنَ آيات اللَّه فيها بكلِّ جلاء ، فهؤلاء لا يريدون أنْ يؤمنوا وينظروا إلى‏ صورة ذاته المقدَّسةِ ببصيرة القلوب ، وإلّا فانَّ جمالَه لا يخفى‏ على‏ أحدٍ ، نعم فهؤلاء ليست لديهم آذان للاستماع إلى‏ آيات اللَّه التشريعية ولا أبصار لمشاهدة آياته التكوينية.

وهنا ما المقصود من‏ «زوج»؟ فالكثير من المفسِّرين فَسَّرَ ذلك بمعنى‏ النوع والصنف ، واعتبروهُ إشارة إلى‏ تنوعِ وتشعب النباتات ، حيث إنّ عددها غير محدودٍ ولا يمكن حصرهُ ،

وأيّاً منها يُعتبر آيةً من آيات الباري عزوجل.

في حين احتملها البعضُ إشارة إلى‏ «الزوجية» (أي الذكر والانثى‏) الموجودة في عالم النباتات ، وهذه الحقيقة اكتشفت لأول مرّة على‏ نطاقٍ واسعٍ على‏ يد عالم النبات السويدي المعروف‏ «لينه» أواسط القرن الثامن عشر الميلادي ، حيث إنّ النباتات- على‏ الأغلب- تحمل وتثمر كاليحوانات عن طريق تلاقح الذكر والانثى‏ ، في الوقت الذي وردت هذه الحقيقة في القرآن الكريم قبل قرون عديدة.

ومن هنا حيث لا تعارُضَ بين هذين المعنيين فيمكن أن تكون إشارة اليهما معاً.

إنَّ وصف‏ «الزَوْج» ب «الكريم» علماً بأنَّ لفظ «كريم» يعني الموجود الثمين ، إشارة إلى أهميّة أنواع النباتات وقيمتها الفائقة.

إنَّ تنوعَ النباتات كثيرٌ إلى‏ الحد الذي يقول بعض العلماء : إنَ‏ «النخل» أكثر من ثلاثة آلاف نوعٍ ، و«الكاكتي» أو «التين الهندي» ألف وسبعمائة نوع ، و«ورد الثعلب» الف ومائتا نوع ، ونَسبوا ل «الكَمَأْ» مائة الف نوع ، ول «الطحالب» أربعة آلاف نوع ، ول «التفاح» سبعة آلاف نوع ، وذكروا ل «الحنطة» خمساً وثلاثين الف نوع! «5».

حقاً ... كم هو عجيب عالمُ النباتات الفسيح بكل هذا التنوع؟ وكم هو عظيمٌ خالقُه ومدبّرهُ!

وفي الآية الثانية ومن أجل إثبات‏ «وحدانية المعبود» يدعو الناس إلى‏ تَفحُصِ أسرار خلق السموات والأرض ثم نزول المطر ، ثم يقول : {فَأنْبَتْنا بِهِ حَدائِق‏ «6» ذاتَ بَهْجَةٍ} ، وليس في إمكانكم أبداً أن تُنبتوا أشجارَ هذا البستان الجميلة : {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنبِتُوا شَجَرَهَا} ، ومع هذا تقولون هناك إلهٌ مع اللَّه : {أإلهٌ مَعَ اللَّه}.

إلّا أنَّ هؤلاء أفراد يجهلون حيث يعدلون عن الخالق العظيم الذي أبدعَ كل هذه العجائب والغرائب ويجعلون الموجودات التي لا حول لها ولا قوةَ ندّاً للَّه : {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُوْنَ}.

ومن الممكن أن يكون التعبير ب «يعدلون» بمعنى‏ عدولهم عن اللَّه الواحد المنفرد ، أو اختلاق مثيلٍ ونظيرٍ له.

أجَلْ ... فعملُ الإنسان نثرُ البذور والرَّي وأمثال ذلك ، واللَّه وحدهُ الذي خلقَ الروحَ في جنين هذه البذرة الصغيرة ، واعطاها القدرة على‏ أنْ تتحولَ إلى‏ شجرةٍ عملاقةٍ مثمرةٍ مزدهرةٍ نظرةٍ حيث يَبعثُ منظرُها في البساتين الفَرَح والسرورَ في نفس الإنسان ، ولو وضع الإنسان قدمَهُ وسط أحد هذه البساتين المزدهرة النظرة في أحدِ أيام الربيع ، وفتح بصيرتَه إلى‏ جانب بصرهِ الظاهري ، ليرى‏ كلَّ هذا التنوع والعجائب والمناظر الخلّابةِ والأزهار الملَّونَة والأوراق والثمار المختلفة ، لاستنشقَ عطرَ التوحيد وارتوى‏ من كأسِ العبوديةِ واصبح مسحوراً مفتوناً ، بنحوٍ يجعلُهُ يترنَّمُ بلحنِ التوحيد ويعترف بهذه الحقيقة.

وهذا الشعر المنقول من اللغة الفارسية يقول :

هنالك واحدٌ لا أحد سواه‏                   وحده لا إله إلّا هو

وهنا يثمر هذا الأمر :

كلُّ نباتٍ ينمو من الأرض‏                  يقول وحده لا شريك له‏

وفي القسم الثالث من الآيات أعلاه وضمن تعرضه لخمسة أقسامٍ من براهين توحيد الخالق جلَّ وعلا وآيات الآفاق (خلقُ السموات بغيرِ عمدٍ ترونها ، وخلق الجبال ، وخلقُ الدّواب والحيوانات ، وخلق المطر ، وخلقُ النباتات) ، خاطبَ المشركين قائلًا : {هَذَا خَلْقُ اللَّه فأَرُوْنى مَاذَا خَلَقَ الَّذِيْنَ مِنْ دُونِهِ}.

وأضاف في ختام الآيةِ : {بَلِ الظّالِمُونَ فِى ضَلالٍ مُبْينٍ}.

فكيف يُمكنُ لمَن يملُك بصراً ويرى‏ آثار قدرةِ وحكمةِ وعظمة الخالق في عَرضِ عالم الوجود ، ثمَّ يخضعُ تعظيماً لغيره ؟!

ونواجه في هذه الآيات مرّةً اخرى‏ التعبير ب {كُلِّ زَوْجٍ كَريْمٍ} بخصوص النباتات ، حيث يتحدث عن التنوع الضروري جدّاً للنباتات ، وعن الزوجية في عالمها ، ويُشعر سالكي طريق التوحيد بأهميّة هذا الموضوع.

لفظة «ظلم» لها معنى‏ واسع حيث يشمل وضع اي شي‏ء في غير محلّه ، وحيث كان المشركون يعتبرون تدبير الكون بيد الأصنام ، أو يتصورونها واسطةً بين المخلوق والخالق ويسجدون لها ، فقد ضلُّوا وارتكبوا ظلماً عظيماً ، ولهذا جاءت هذه الكلمة في الآية أعلاه بمعنى‏ الشرك ، أو بمعنىً واسع حيث إنَّ الشركَ مصداقٌ واضح له.

لا يخفى‏ أنّ عبارة «فأَروني»- في الواقع- جاءت على‏ لسان النبي صلى الله عليه وآله ، وبتعبيرٍ آخر :

انَّهُ مكلَّفٌ بانَّ يقول هذه الجُملة للمشركين ، لانَّ الآراء للَّه‏ لا يمكن أن يكون لها مفهوم.

ويقول بصراحةٍ في الجزء الرابع من هذه الآيات التي وردت في سورة يس : {وآيَةٌ لَّهُمُ الأَرضُ المَيْتَةُ أَحيَيْناها}.

وفي الحقيقة أنَّ مسألة الحياة من اهم أدلَةِ التوحيد ، سواء كانت في عالم النباتات ، أم الحيوانات والبشر ، أنّها المسألة الغنيةُ بالأسرار والمدهشةُ التي حيَّرت عقول كبار العلماء ، ومع كل النجاحات التي حققها الإنسان في مختلف الحقول العلمية ، لم يفلح أيُّ شخصٍ من حلِّ لُغز الحياة حتى‏ الآن ، ولا عِلْمَ لأي ‏أحدٍ كيف وتحت تأثير أية عوامل تبدّلت الجمادات إلى‏ كائناتٍ حَّيةٍ ؟ !

ثمَّ أشارَ خلال بيان مسألة احياء الأرض الميتة ، إلى‏ إنماء المحاصيل الغذائية (كالحنطة والشعير والذرة و...) ، وبساتين العنب والنخيل النظرة ، وتكوين ينابيع الماء الصافي ، وقال في الختام : {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْديهِمْ أَفَلا يَشكُرُونَ}.

إنَّ عبارة «ما عَمِلَتْهُ أَيْديهِم» إشارة لطيفةٌ إلى‏ أنَّ هذه الثمار الطازجة ، غذاءٌ كاملٌ مهيأٌ للأكل دون الحاجةِ إلى‏ طبخهِ وإضافة المواد الاخرى‏ إليه ، فليس للإنسان تدخلٌ في أصل وجودها ، ولا في اعدادها للأكل ، فعملُ الإنسان لا يتعدى‏ نثرُ البذور وسقي الأشجار فحسب‏ «7».

على‏ أيّةِ حالٍ ، لم يكن الهدف من خلق كل هذه النِّعم المختلفة انهماك الإنسان بالأكل كالحيوانات ، وأنْ يقضي عمره على‏ هذه الحال ، ثم يموت ويصبح تراباً ، كلا ، فالهدف ليس هذا ، بل إنّ الهدف هو أن يرى‏ ذلك ويعيش في ذاته الشعور بالشكر ، ومن خلال‏ «شُكر المنعم» يصل إلى‏ معرفة واهب النِّعم حيث ينالُ اسمى‏ المواهب وأرفع مراحل تكامل الإنسان.

والمسألة الجديرة بالاهتمام في الآيات أعلاه هي انّها تضع الزوجية في عالم النباتات إلى‏ جانب الزوجية في عالم الإنسان فتقول : {سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ انْفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ}.

فهذا التعبير دليلٌ على‏ أنَّ الزوجيةَ هنا تعني جنس الذكر والانثى‏ ، ووجودها على‏ نطاقٍ واسعٍ في عالم النباتات ، وهذا من المعاجز العلمية للقرآن الكريم ، لأنَّ هذا المعنى‏ لم يكن آنذاك واضحاً لدى‏ الإنسان بأنَّ هنالك وجودٌ لقوامِ الذكر والاجزاء الانثوية في عالم النباتات ، وتنطلقُ الخلايا التي هي نُطَفُ الذكور لتستقر في الأجزاء الانثوية وتتَلاقَح معها وتنعقد نطفةُ النبات.

ويمكن أن تكون عبارة {ومِمَّا لا يَعلَموُن} إشارة إلى‏ أنَّ مسألة الزوجية لها نطاق واسع ، وما أكثر الموجودات التي تجهلون وجود الزوجية فيها ، وسيزيل تطورُ العلم النقاب عنها (كما ثبتت هذه المسألة في الذّرات حيث تتركب من قسمين مختلفين يكمِّلُ أحدُهما الآخر كالزوجين : ف «الالكترونات» تحمل الشحنات السالبة ، و«البروتونات» تحمل الشحنات الموجبة) ، ومواضيع اخرى‏ لم يتوصل إليها العلم البشري حتى‏ الآن.

وفي الآية الخامسة حيث تبدأ بالتعريف باللَّه من خلال الآيات المختلفة ، أشارت أولًا إلى‏ نزول المطر من السماء ، ثم قالت : {فَاخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شي‏ء}.

وربّما يكون التعبير ب {نَباتَ كُلِّ شْي‏ءٍ} إشارة إلى‏ أنواع النباتات المختلفة ، حيث تُسقى بماءٍ واحدٍ ، وتنمو على‏ أرضٍ واحدةٍ ، ومع هذا فهي تختلف في الشكل والطعم والخواص وأحياناً تتعارض في ذلك ، وهذا من عجائب خلقِ اللَّه.

أو أنَّ المقصودَ هو النباتات التي تحتاجها الطيور والبهائم البرية والبحرية وكذا الإنسان‏ «8» ، (ويمكن الجمع بين هذين المعنيين أيضاً).

ثم يتطرقُ إلى‏ ذكِر مسألةٍ اخرى‏ ، فيضيف : {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً} ، وبهذا يشير إلى‏ مادة «الكلوروفيل» الخضراء التي هي من أهم وانفع اجزاء النبات ، هذه الخُضرة التي تبعث الحيوية ، واللطافة ، والجمال ، وتسلب القلوب والتي تخرج من التراب الغامق اللون والماء الرائق الشفاف.

إنَّ التعبير ب «خَضِراً» بالرغم من اطلاقه ، إلّا أنَّه استناداً إلى‏ الجملة التالية التي تقول :

{نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَراكِباً} ، يشير بالأساس إلى‏ سيقان وسنابل الحنطة والشعير والذرة وما شابه ذلك‏ «9».

ثم يُلفتُ النظرَ إلى‏ أشجار النخيل ، فيقول : {ومِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنُوانٌ دانِيَةٌ}.

«قنوان» : جمع‏ «قِنْو» على وزن‏ (حزب) ، وتعني الفروع الرفيعة التي تخرج من الطلع بعد

تَفتُحِه ، وهي التي تُكَوِّن عذوق التمر فيما بعد.

وقد يكون التعبير بـ «دانيةٌ» إشارة إلى‏ قرب هذه العذوق من بعضها أو انحنائها نحو الأسفل بسبب ثُقل ثمار الرطب.

ويقول بعض المفسرين بما أنَّ عذوق التمر تختلف أيضاً ، فالبعض يكون في الجزء الأسفل من النخل ويَمكن استثماره بي ُسر ، والبعض الآخر بعيداً عن متناول اليد فتكون الاستفادة منه صعبةً بعض الشي‏ء ، فقد أشار الباري تعالى‏ إلى‏ الصنف الأول باعتباره أكثر فائدة «10».

وأشار في سياق هذه الآية إلى‏ بساتين العنب والزيتون والرُّمان : {وجَنّاتٍ مِّنْ أَعنابٍ والزَّيتُونَ والرُّمَّانَ} ، التي تتشابه في نفس الوقت الذي تختلف فيه ، وتختلف فيما بينهما في حين أنّها متشابهة {مُتَشَابَهاً وغَيْرَ مُتَشابِه}.

يقول بعض المفسرين إنَّ هذه الثمار تتشابه في المنظر ، إلّا أنّها تختلف في الطعم (كأنواع العنب والرُّمان الحامض والحلو).

وقال البعض الآخر إنَّ أوراق أشجارها تتشابه أحياناً (كأوراق الزيتون والرّمان) ، في حين أنَّ ثمارها مختلفة.

ولكن المناسب اعطاء أوسَع مفهومِ لتوضيح الآية وهو الإشارة إلى‏ أنواع التشابه والتفاوت.

واللطيف أنّه يدعو الجميع للتمعُنِ في الثمار فيقول : {انْظُرُوا إِلىَ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ويَنْعِهِ}.

«لأنَّ في هذا ، آياتٌ وبراهين عن عظمةِ وقدرة وحكمة الباري تعالى‏ لأهل الإيمان» {إِنَّ فِى ذَلِكُم لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يُؤمِنُونَ}.

وليست آية واحدة بل فيها آيات جمة للَّه‏ تعالى‏ ، لأنَّ تكون الثمار كولادة الصغار في عالم الحيوانات ، حيث تنتقل حبوب لقاح الذكور إلى‏ الأقسام الانثوية عن طريق الرياح أو الحشرات ، وبعد انجاز عملية التلقيح والاختلاط فيما بينهما يتم تشكيل البويضة والنطفة أولًا ، ثم تظهر في جوانبها خلايا الثمار والالياف واللب والفروع الجذّابة التي تغذيها.

وفي داخل هذه الثمار تكمُنُ هناك أعظمُ المختبرات الخفيّة التي تعمل باستمرار في صناعة المركبات الحديثة بمزايا جديدة ، وقد يَكون الثمر بلا طعمٍ في بداية الأمر ، ثم حامضي الطعم تماماً ، ثم يصبح حلواً ، وفي كلِّ وقتٍ يحدث فيها انشطارٌ وتفاعلٌ جديد ، كما تتغير ألوانها باستمرار وهذه من عجائب خلقِ اللَّه التي يدعو القرآن الكريم- لاسيّما في الآية الآنفة- الإنسان إلى‏ التمعُنِ فيها.

وأشار في الآية السادسة من البحث في بادي‏ء الأمر إلى‏ قطع الأرض المختلفة التي تملك قابليات متفاوتة لتربية أنواع الأشجار والنباتات وغيرها ، إذ يقول : {وفى الأَرْضِ قِطَعٌ مُتجاوِراتٌ} مع أنَّ هذه القطع يلتصقُ بعضها بالبعض الآخر ، فبعضها خصبٌ ومستعدٌ لأي شكلٍ من الزراعة ، وبعضها مالحٌ لا تنبتُ فيه سنبلةٌ أبداً ، وقد يناسبُ بعض هذه القطع زراعة الأشجار أو نوعٍ خاصٍ منها فقط ، ويناسبُ البعض الآخر نوعاً خاصاً من الزراعة ، وهذا عجيبٌ حيث تتفاوت الأراضي المترابطة بشكلٍ تستعد للقيام بواجباتٍ مختلفة.

وبعد ذِكر هذه المقدَّمة أشار إلى‏ أنواع الأشجار والزراعات ، فأضاف قائلًا : {وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعنَابٍ وَزَرْعٌ ونَخيلٌ صِنْوانٌ وغَيْرُ صِنْوانٍ}. «أعناب» : جمع عِنَب وتعني الكَرْم و«نخيل» جمع‏ «نخل» و«نخيلة» وتعني شجرة التمر ، وذكرهما بصيغة الجمع يُحتملُ أن يكون إشارة إلى‏ الأنواع المختلفة للعنب والتمر ، لأنَّ لهاتين الفاكهتين مئات أو آلاف الأنواع المختلفة.

والتعبير ب «صِنْوانٌ وغَيْرُ صِنْوانٍ» بالالتفات إلى‏ أنَ‏ «صنوان» جمع‏ «صنو» «وتعني الفرع الذي يخرج من البدن الأصل للشجرة» ، من الممكن أن يكون إشارة إلى‏ قابلية الشجرة على‏ تغذية الثمار المختلفة عن طريق التطعيم ، لهذا تظهر على‏ أغصان شجرةٍ واحدةٍ لها ساق واحد وجذر واحد وتتغذى‏ من ماءٍ وأرضٍ واحدةٍ أنواعٌ مختلفةٌ من الثمار ، وهذا من عجائب الخلقة.

ومن الممكن أن يكون هذا التفاوت إشارة إلى‏ تفاوت الأغصان التي تَنمو على‏ أصل واحدٍ ، وتتفاوت من حيث الثمار الطبيعية.

ثم يُصرِّحُ بانَّ هذه الأشجار مع هذا الاختلاف فانّها تُسقى‏ بماءٍ واحدٍ : {يُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ} ، وفي نفس الوقت فانّنا نُفضِّلُ بعضها على‏ البعض الآخر من حيث الثمر {ونُفَضِّلُ بَعضَها عَلى‏ بَعْضٍ فى الأُكُلِ}.

ومن المسلَّم به أنَّ في هذا الأمر آيات وبراهين للمتفكرين‏ : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.

حقاً إنَّهُ مدهشٌ ، فالماء واحدٌ ، والترابُ واحدٌ أيضاً ، أمّا الاختلاف بين الثمار فكثير بحيث إنَّ أحدها حلوٌ والآخرُ حامضٌ تماماً (ففي الكثير من المناطق تنمو أشجار الليمون الحامض إلى‏ جانب أشجار النخيل) أو تنمو المحاصيل الزيتية والمحاصيل النشوية وغيرها في مزرعةٍ واحدةٍ ، وتتفاوت تماماً ، حتى‏ أنَّ لهذه الفواكه والمحاصيل أنواعاً مختلفةً بالكامل.

ما هذا الجهاز العجيب المكنون في أغصان الأشجار وجذورها الذي لديه القدرة على‏ صنع المواد الكيميائية مختلفة الخواص من خلال استغلال نوعٍ واحدٍ من المواد (نوعٌ واحد من الماء والتراب)؟! فلو لم يكن هنالك دليلٌ على‏ علم وحكمةِ خالق الكون سوى‏ هذه المسألة لكانت كافية لمعرفة هذا الخالق العظيم ، وكما يقول أحد شعراء العرب‏ «11» :

والأرضُ فيها عبرةٌ للمُعتَبر                تُخبرُ عن صُنعِ مليكٍ مقتدر

تُسقى‏ بماءٍ واحدٍ أشجارُها                 وبقعةٌ واحدةٌ قرارها

والشمسُ والهواء ليس يختلف‏            واكُلُها مختلفُ لا يأتلف‏

فما الذي أوجَبَ ذا التفاضلا                إلّا حكيمٌ لَم يَرِدْهُ باطلا

وفي الآية السابعة يتطرق إلى‏ شرح أدلةِ التوحيد ومعرفة اللَّه بقرينة بدايتها ونهايتها ، فيقول : {هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُمْ مِنهُ شُرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ}.

فليس كلُ ماءِ صالحٌ لشرب الإنسان ، ولا كلُّ ماءٍ صالحٌ لنمو النبات والشَجَر ، إلّا أنّ هذا الماء السماوي مفيدٌ للكل وأساسٌ لحياةِ كل شي‏ء.

«شَجَر» : كما قلنا له معنىً شامل في اللغة ، حيث يشمل أنواع النباتات سواء كانت ذات سيقان أم لا ، و(تُسيمون) من‏ «اسامة» وهي من مادة «سَوْم» وتعني رعي الحيوانات‏ «12» ، وحيث إنّ الحيوانات تتناول كلًا من الأعشاب وأوراق الأشجار عند رعيها فالتعبير ب «شجر» يبدو مناسباً جدّاً لاشتماله على‏ كليهما.

ثم يضيف : «يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ والزَّيتُونَ وَالنَّخِيْلَ وَالأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الَّثمَراتِ».

واللطيف أنَّ الآية أعلاه مع انَّها تتحدث عن كافة الِّثمار وجميع أنواع المحاصيل الزارعية بما فيها الحبوب ، فهي تستند خاصة إلى‏ ثلاثة ثمار هي : الزيتون ، والتمر ، والعنب.

وهذا يعود للأهمية الفائقة لهذه الثمار من حيث المواد الغذائية ، وأنواع الفيتامينات والميزات الدوائية التي تمت معرفتها مع تطور العلوم الغذائية في هذا العصر «13».

لهذا يعود ويؤكّد في نهاية الآية بانَّ في هذه الامور برهاناً واضحاً عن حكمة وقدرة وعظمة اللَّه لأولئك الذين يتفكرون : «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِّقِوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».

والذين لا يتفكرون في هذه الآيات الجليّة لا يستحقون أن تُطلق عليهم كلمة الإنسانية ، كما يقول الشاعر نقلًا عن الفارسية :

عجبٌ لهذا الرسم على‏ بابِ وجدار الوجود              فكلما فعَل فكركَ كانَ رسماً على‏ الحائط

هل يتمكن أن يعطي فاكهةً ملونةً من الخشب ؟       أم يقدرُ أن يستخرج من الشوك ورداً بمائةٍ لون؟

لقد تناثر الارجوان على‏ عتبة المرج الخضراء             عيوناً تبقى‏ الابصارُ حيرى‏ فيه !

وفي الآية الثامنة نواجه تنوعاً آخر في عالم النباتات والأشجار الذي يُطرح كأحِدِ ادلةِ التوحيد ومعرفة عظمة اللَّه ، إذ يقول : {وهُوَ الَّذِى أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَعُروشَاتٍ وغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ}.

«معروش» : من مادة (عَرْش) وتعني السرير المرتفع أو السقف ، وفي ما يعنيه هذا المفهوم فى هذه الآية ، هنالك خلاف بين المفسِّرين :

فقال بعضهم : إنّ‏ «المعروشات» تعني النباتات التي تنساب على الأرض أو تتسلق على الأبنية أو على هيكل من حديد أو خشب يصنع لها ، مثل الأعناب والخيار والبطيخ. و{غَيْرَ مَعْرُوْشات} ما قام على‏ ساق مثل النخل وسائر الأشجار : وقال البعض الآخر : المعروشات ما ارتفعت أشجارها وأصل التعريش الرفع ، عن ابن عباس ، وقالوا أيضاً : المعروشات ما أثبته ورفعه الناس- واحيط بسور- ، وغير المعروشات ما خرج في البراري والجبال من الثمار «14».

ولكن يظهر أنَّ التفسير الأول أكثر ملائمةً.

على‏ أيّة حالٍ ، فالعجب أنَّ بعض الأشجار كالسرو والصنوبر ترتفع في السماء برتابة ولا تستطيع الرياح العاتية والعواصف من التأثير على قامتها ، في حين أنَّ البعض الآخر كأشجار الكروم لا تملك غصناً مستقيماً واحداً ، وتهتز وتنحني باستمرار ، وكلٌّ منها له عالمهُ الخاص.

فأشجار العنب بعناقيدها الثقيلة لو كانت لها قامة كأشجار الصنوبر لانكسرت ولم‏ تستمر يوماً واحداً ، فضلًا عن ابتعادها عن متناول يد الإنسان ، في حين أنَّ طفلًا صغيراً باستطاعته اقتطاف جميع الثمار في بساتين العنب.

ثم يضيف مستنداً إلى‏ أربعة أنواعٍ من الثمار والزرع : {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً اكُلُهُ والزَّيْتُوْنَ وَالرُّمَانَ مُتَشابهاً} ، لابدّ من الانتباه إلى‏ أنّ‏ «جنات» جمع‏ «جنّة» تُطلقُ على‏ البستان ، وعلى‏ الأراضي التي يغطيها الزرع ، و«اكُل» على‏ وزن‏ (دُهُل) من مادة «أَكْل» على‏ وزن‏ (مَكْر) وتُطلق على‏ جميع المأكولات.

على‏ أيّة حالٍ ، فالأشجار والزروع والنباتات لا تختلف كثيراً من ناحية الظاهر فقط ، بل إنّ ثمارها ومحاصيلها تتفاوت للغاية أيضاً ، من حيث اللون والطَعَم والشكل الظاهري ، وكذلك من حيث ما فيها من مواد غذائية وخصائص متنوعة ، اضافة إلى‏ أنَّ منها المرغوب والمتوسط ، وهذا بيان لقدرة الخالق جلَّ وعلا الذي أوجَدَ مثل هذا التنوع العظيم الواسع في عالم النباتات ، وكلُّ نوعٍ يُسَبِّح بحمده وثنائه.

وفي نهاية الآية يُصدرُ أَوامره : {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّه يَومَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسرِفِيْنَ}.

وعليه فانَّ الأمرَ ب «كُلوا» دليل على‏ حليّتها الكاملة ولكن بشرطين : الايفاء بحقوق المحتاجين ، وعدم الاسراف.

وبالرغم من أنَّ بعض المفسرين قالوا إنَّ المقصود ب «حقّ» هنا هو الزكاة ، إلّا أنَّ أغلبَ المفسرين واستلهاماً من الروايات الواردة عن طريق أهل البيت عليهم السلام وأهل السُّنة ، صرَّحوا بأنَّ المقصود بهذا الحق ليس الزكاة «15».

بناءً على‏ ذلك لابدّ أن يُخصصَ أصحابُ المزارع والبساتين نصيباً للمحتاجين أثناء قطف الثمار ، وحصاد المحاصيل كحكمٍ إلهيٍّ ، وهذا النصيب ليس له حدٌ معينٌ في الشرع ، بل يتعلق بهمّةِ المالكين. وعليه فإنّ ذيل الآية تتحدث عن حكمٍ أخلاقي وصدرها يشتمل على‏ دورس توحيدية.

ويشير في الآية التاسعة إلى‏ موضوعٍ آخر من عجائب عالم النباتات والأشجار ، فيقول بعد ذكر مسألة بسط الأرض وتكوّن الجبال : {وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَي‏ءٍ مَوْزُونٍ}.

بالرغم من أنَ‏ «موزون» من مادة «وزن» ، إلّا أنّها هنا إشارة إلى‏ النظام الدقيق والمحدَّد ، والتقديرات المتلائمة والمتناسقة التي تحكم جميع ذرات النباتات ، إضافة إلى‏ أنّ‏ «وزن» كما أوردها الراغب في المفردات تعني في الأصل معرفة قَدرِ الشي‏ء.

وقال بعض المفسِّرين أيضاً إنَّ المُرادَ من هذا التعبير هو أنَّ اللَّه خلقَ من كلِّ نباتٍ بقَدْر حاجة الإنسان‏ «16».

كما قالوا إنَّ المراد من‏ «موزون» هو وجوب تظافر كميات محدّدة من الماء والهواء والتراب وضوء الشمس كي تنمو النباتات.

واحتملَ بعض المفسرين أنّ التعبير ب «كلِّ شي‏ء» يشتمل على‏ المعادن أيضاً ، ولكن من خلال الفَهم بأنّ عبارة «أنبتنا» لا تتناسب كثيراً مع المعادن ، فانَّ هذا التفسير يبدو بعيداً ، وأنَّ الجمعَ بينَ التفسيرين ممكنٌ ، وورد في بعض الروايات إشارة إلى‏ التفسير الثاني أيضاً «17».

ويردفها الإشارة إلى‏ توفير الوسائل المعاشية والحياتية للناس ولحيواناتهم ولأولئك الذين يرتزقون على‏ مائدة الخالق الواسعة فيقول : {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِيْنَ}. «معايش» : جمع‏ «معيشة» ولها معنىً واسعٌ جدّاً ، فتشمل كلَّ شي‏ءٍ يعدّ من وسائل حياة الناس ، وجملةُ {ومَنْ لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِيْنَ} إشارة إلى‏ الحيوانات والكائنات الحيّة التي ليس بمقدور الإنسان أن يُطعمها ، فوضع الباري تعالى‏ الطعامَ المناسب لكلٍّ منها في اختيارها على‏ أساس النظام الخاص الذي يسود العالم ، ولو فتحنا أعيننا وتأملنا طريقة تغذية أنواع الحيوانات من النباتات ، لوجدنا فيه عالَماً من أدلة معرفة اللَّه.

فبعضها يستفيد من الثمار ، وبعضها من الحبوب ، ومجموعةٌ من أوراق الأشجار ، وطائفةٌ من السيقان ، وآخر من القشور ، والبعض من رحيق الأزهار ، وقسمٌ آخر يأكل الجذرَ فقط.

وفي الآية العاشرة والاخيرة من البحث اشيرَ إلى‏ ميزةٍ اخرى‏ لعالم النباتات ، وهي مسألة انفلاق حبوب ونوى‏ النباتات تحت الأرض.

وقد وُصِفَ الباري تعالى‏ في هذه الآية كما يلي : {إِنَّ اللَّه فَالِقُ الْحَبِّ والنَّوى} ، ويقول في نهاية الآية : {ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنّى‏ تُؤفَكُونَ}.

«فالق» : من مادة (فَلْق) ، وكما يقول الراغب في المفردات فهي تعني انفطار الشي‏ء ، وانفصال جزءٍ عن جزءٍ آخر «18» ، و«الحبّ» تعني حبوب الطعام والغذاء أو كل أشكال الحبوب النباتية ، و«النوى‏» تعني نوى‏ الثمار ، وإذا حَصَرها البعض بمعنى‏ نوى‏ التمر فذلك بسبب تكاثره في ذلك المحيط.

على‏ أيّةِ حالٍ ، فانَّ أهم والطف مراحل حياة النباتات هي مرحلة انفلاق الحبِّ والنوى‏ ، وفي الحقيقة فانَّ هذه الحالة تشبه حالة ولادة الطفل ، والعجيب أنَّ هذا البرعم النباتي بما فيه من رقّةٍ وظرافةِ يشقُ هذا الجدار القوي الذي يحيط به ، ويخرج إلى‏ العالم الخارجي ، فيولد هذا الكائن الحي الذي كان محبوساً إلى‏ ما قبل لحظات في القشرة والنوى‏ ، ولم تكن له علاقة بالعالم الخارجي ، ويقيم علاقاته مع الخارج فوراً ، فيتغذى‏ من المواد الغذائية الموجودة في الأرض ، ويرتوي من الماء والرطوبة التي تحيط به ، ويبدأ بالحركة بسرعة في اتجاهين متعاكسين فمن جهةٍ ينفذ في الأرض على‏ هيئةِ جذرٍ ، ومن جهة اخرى‏ يستقيم فوق الأرض على‏ هيئةِ ساقٍ.

فالقوانين الدقيقة التي تسود هذه المرحلة من حياة النبات مدهشةٌ حقاً ، وتعتبر دليلًا حياً على‏ علم وقدرة الخالق جلَّ وعلا.

يستفاد من مجموع ما ورد في هذه الآيات القرآنية حول خلق النباتات وخصائصها المختلفة ابتداءً من رشد النباتات إلى‏ تنوعها ومسألة اللقاح والزوجية ، وأنواع المواد الغذائية للإنسان والحيوانات ، حتى‏ كيفية نمو طلع التمر ، والحبوب المرتبة بعضها فوق بعض كالحنطة والشعير ، وتكاثر الثمار والزروع المتباينة تماماً الناتجة عن ماء واحد وأرض واحدة وسيادة القوانين الموزونة على‏ جميع المراحل وانفلاق الحبوب والنوى‏ ، أنّها جميعاً آيات لتلك الذات المقدّسة ، ودليل حي على‏ وحدانية الرب ونفي كل أشكال الشرك.

توضيحات‏

1- التركيب المذهل للنباتات‏

من الطبيعي أن ننسى‏ عجائب وأسرار كل شي‏ء إذا بدا لنا واضحاً فيكون مصداقاً للآية الشريفة : {وكَأَيِّنْ مِّنْ آيَةٍ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنهَا مُعْرِضُونَ}. (يوسف/ 105)

فنمر عليها مرور الكرام في الوقت الذي يكمن فيها عالم من عجائب وقدرة وعظمة الخالق جلَّ وعلا.

لنبدأ من جذور النباتات ، فالجذر بلطافته وَرِقِتِه له قدرةٌ مذهلة ، فهو ينفذ في طبقات الصخور والأراضي الصلدة ، وأحياناً يغور تحت قطعٍ صخريةٍ تزنُ عدة اطنان ويرفعها عن مكانها وتتحرك العمارات والأحواض التي أُنشِئَت من القوالب والطبقات المسلحة نتيجة نمو الأشجار حولها.

فعملُ الجذر هو امتصاص المواد الغذائية والرطوبة من كل ناحيةٍ ، وكأنّها تعرف مراكز الرطوبة والمواد الغذائية من خلال شعورها العجيب فتسعى‏ نحوها.

ولكلِّ جذرٍ جهازٌ عظيمٌ لهُ قدرةٌ خاصة في انتخاب نوع الغذاء وتغييره وتبديله ، ثم‏ يدفعه إلى‏ داخل الأغصان بعد التغييرات التي يُحدثها فيه ، ومنها إلى‏ الثمار ، وتجري عليها تفاعلات كيميائية جديدة في كلِّ مرحلةٍ ، كي يصنع من التراب فاكهةً طيبةً كالعسل ، أو يصنَع دواءً شافياً وصحياً.

ومن أهم واجبات الجذر امتصاص- النتروجين المذاب- الضروري لبناء النبات الذي لا تتمكن بقية أجزاء النبات من جذبه.

وبناء الأوراق أكثر عجباً منه ، فلو وضعنا ورقةً أمام أشعة الشمس ستلفت نظرنا الفروعُ الدقيقة جدّاً الممتدة فيها والتي يكون واجبها ايصال الماء والغذاء إلى‏ كافة خلايا الورقة.

وفي الواقع أنَّ كلَّ ورقةٍ تعتبر بحد ذاتها مدينةً كاملةً ، وهذه الفروع هي الأنابيب المنّظمة لهذه المدينة ابتداءً من الانبوب الرئيسي ، وحتى‏ أصغر التفرعات.

والورقة مع رقتها لها سبع طبقات ، وكلُّ طبقةٍ لها بناءٌ وبرنامجٌ خاص يَبعث على‏ الدهشة ، والغلاف الذي يغطي الورقة كجلد الإنسان ذو مساماتٍ دقيقة جدّاً ، وكل من هذه المسامات لها خلايا للصيانة تقوم بتنظيم انفتاح وانغلاق المسامات.

وتتنفس الورقة من خلال هذه المسامات ، فتستنشق الهواء وتفصل عنه غاز ثاني اوكسيد الكاربون ، لتصنع به‏ «الكلوروفيل» النباتي ، وفي المقابل تطرح الاوكسجين وكميةً من الرطوبة لتلطيف وتطهير الجو كموهبتين عظيمتين لدنيا الإنسانية.

والأرقام التي يقدمها العلماء هنا تبعث على‏ الحيرةِ إذ يقولون : من أجل أن يتمكنَ النبات من صناعة رطل واحد من السُكَّر يجب أن تستنشقَ الأوراقُ ما يعادل ثلاثمائة الف لتر من الهواء وتحلّله.

وبناء الأزهار ومن ثمَّ الثمار أعجبُ من ذلك أيضاً ، فهناك الأقسام الذكرية والانثوية ، وتفاعل الذّرات الذكرية الدقيقة جدّاً مع الأجزاء الانثوية ، ثم تكوين البويضة في رحم النبات بعد هذا الزواج الصامت ، وكيفية نموه ، أنّه عالمٌ عجيبٌ يسلب معه روحَ وعقلَ الإنسان ، ويجعله غارقاً في محيطٍ من العجائب.

إنَّ تفصيل بناء هيكل النباتات والأزهار والثمار لا يفي بالغرض المطلوب في هذا البحث المختصر ، فقد تمَّ تأليف العديد من الكتب من قبل العلماء حول هذا الموضوع ، وظهرَ علمٌ واسعٌ بإسم‏ (علم النبات) ، فمن الأولى‏ أن نكتفي هنا بكلامٍ لأحد خبراء الزراعة ونغلقَ هذا الملّف الضخم على‏ عجل ، يقول عالم النبات‏ «تشرالدت» : «إنَّ الاله يظهرُ من خلالِ القوانين الثابتة والرمزية التي يدير بها عالم النبات إنّه يظهر ويتجلّى‏ من خلال هذه الطرق :

1- النظام والترتيب : ويشمل التكاثر والانقسامات الخلوية وبناء الأجزاء المختلفة من النبات حيث يتم بشكل منظم ومرتب.

2- التعقيد : فلا تقاسُ أيُّ ماكنةٍ من صنعِ الإنسان مع الترتيب المعقد والمذهل لنباتٍ عاديٍّ.

3- الجمال : إنَّ جمالَ الساق ، والورق والزهر أمرٌ الهيٌّ ، إذ لا يقدرُ أيُّ نحاتٍ ماهرٍ ورسامٍ مجرِّبٍ من تقديم تمثالٍ أو لوحةٍ بهذا الجمال.

4- الوراثة : فكلُّ نباتٍ يولِّدُ مثلِه وهذا هو انتاج المثل ، وهو يجري وفقاً لإرادة وتخطيطٍ ، فبأي مكان زرعوا وكيفما زرعوا فانَّ «الحنطة تنبتُ من الحنطة والشعير من الشعير».

ثم يضيف : باعتقادي ، أنّ هذه المظاهر دليلٌ على‏ وجود الخالقِ ذي الحكمة البالغةِ والقدرة اللامتناهية» «19».

يقول‏ «تايلر» استاذُ علم البيئة السابق في جامعة مانشستر : «تأملوا النباتات والحشائش التي نَبتتْ على‏ جانبي الطريق ، فهل تستطيع الآلات الحديثة التي صنعها البشر حتى‏ الآن أن تضاهي صنع هذا النبات الطبيعي؟!

فهذه الحشائش الطبيعية بكل معنى‏ الكلمة مدهشة ومذهلة حيث تنمو باستمرار وتقوم يومياً بآلاف الأفعال والتفاعلات الفيزيائية والكيميائية ، وكلُ ذلك يجري بإشراف المادة البروتوبلازمية التي تكوّنت فيها كل حياة الطبيعة ، فهذه الآلة الحيّةُ العجيبة من صُنعِ أيِّ قدرة؟!».

2- فوائد وبركات النباتات‏

إنَّ النباتات تُمثِّلُ الركن الأساس للحياة على‏ الكرة الأرضية ، وكافةُ الكائنات الحيَّةِ الاخرى‏ بحاجة إلى النباتات ، ففوائد النباتات كثيرة ووفيرة للغاية حيث يمكن الإشارة إلى‏ اثنتي عشرة فائدة متسلسلة :

1- أفضل مادة غذائية : يتمّ تحضير افضل اطعمتنا نحن البشر من النباتات والحبوب والفاكهة ، فطاقتنا وقدرتنا وسلامتنا تُؤَمَّنُ عن طريق الغذاء النباتي ، والكثير من الطيور والدَّواب واللبائن والأسماك في البحر تستفيد من النباتات ، لهذا فكلُّ بلدٍ يتمكن من تأمين منتجاته الغذائية عن طريق النباتات فانه يبلغ الاكتفاء الذاتي في الواقع.

2- التهوية : نحن نعلمُ أنَّ الإنسان واغلب الموجودات الحيّة تستخدم اوكسجين الهواء بنحوٍ دائمٍ وتقوم بإحراقه ، ولولا وجود مصدرٍ يعوِّضُ ذلك فسيُستهلك هذا الاوكسجين الموجود في الجو والأرض خلال مدة قصيرة ، ويَهلك هذا الصنف من الموجودات أثر الاختناق ، إلّا أنّ الإله الحكيم اناطَ مسؤولية تعويض هذه الخسارة بالنباتات ، فهي تتنفس على‏ العكس من الإنسان ، إذ تأخذ غاز ثاني اوكسيد الكاربون وتُحللَّه وتطرح غاز الاوكسجين ، لهذا فانَّ هواء البساتين والمزارع منعش ومُنَشِّطٌ ، كما يوصون لنفس هذا السبب بأنْ تقامَ في كلِّ مدينةٍ متنزهاتٍ مُشَجَّرةٍ ، وتخصَصُ لكلِّ شخصٍ مساحةٌ من هذه المتنزهات ، ويطلقون على‏ هذه المتنزهات «رئةُ المدينة».

3- الملابس : إنّ الجانب الأعظم من ملابسنا يتمّ تصنيعه من ألياف بعض النباتات ، وفي الواقع فإنّ المصدر الذي لا ينفد لملابس الإنسان في الدرجة الاولى‏ هو النبات.

4- البيت وأثاثه : لو ألقينا نظرة على‏ ما حولنا في البيت لوجدنا أنّ أغلب الأبواب والشبابيك واللوازم الاخرى‏ هي من أخشاب الأشجار ، بنحوٍ لو أردنا الغاءَها من حياتنا فستصبح الحياة صعبةً بالنسبة لنا ، وفي الكثير من المناطق يصنعون بيوتهم من الخشب بشكلٍ كامل ، ولهذه البيوت مزايا كثيرة ، وأحد اللوازم المهمّة للحياة المعاصرة هو النايلون ، ونحن نعلمُ إن مادته الاصلية تُستخرج من عصير شجر (المطاط).

5- الأعشاب الطبية : كانت أغلبُ الأدوية في السابق تُستخلصُ من النباتات ، واليوم فانَّ القسم الكبير منها يستخرج من النباتات أيضاً ، ونظراً للآثار السلبية للأدوية الكيميائية فقد بدأت الآن حملةٌ للعودة إلى‏ الأدوية النباتية ، وهنالك صيدليّات جميع أدويتها من النباتات.

6- السيطرة على‏ الكثبان الرملية : إنَّ أحد الأخطار الجدّية التي تهدد المدن لا سيما القريبة من الصحارى‏ الرملية هي الكثبان الرملية حيث تدفن تحتها أحياناً قريةً كاملة ، وأفضل سبيلٍ لتثبيت هذه الرمال هو استخدام النباتات المختلفة التي توقف حركتها وتقدُّمَها.

7- تحضير الورق : نحن نعلم أنَّ اختراع الورق كان له نصيب مهم للغاية في تطور الحضارة والعلم البشري ، والنباتات هي المصدر الأساس لصناعة الورق.

8- معادلة الحرارة والبرودة : إنَّ النباتات وبسبب الرطوبة المناسبة والمعتدلة التي تلقيها في الفضاء تقوم بالحدِّ من شدّة البرد ، وكذلك الحدِّ من شدّة الحرارة ، ولهذا فانَّ الجو في المناطق كثيفة الأشجار يكون معتدلًا دائماً.

9- وسائط النقل : إنَّ الكثير من البواخر والقوارب كانت تصنع سابقاً وتصنع حالياً من الخشب ، وهي تعتبر من أفضل وسائط النقل التي يستخدمها الإنسان سابقاً وفي الوقت الحاضر.

10- الجمال والطراوة : لا يخفى‏ هذا الأثر اللطيف للأشجار والنباتات والزهور على‏ أحد حيث تبهرُ روحَ الإنسان بجمالها المدهش ، وتُريحُ القلبَ وتزرع الطمأنينة في نفس الإنسان لمواجهة الضغوط الشديدة للحياة ، لهذا يقومون بتزيين المستشفيات بأنواع النباتات والأشجار من أجل تحسين أحوال وأوضاع المرضى‏ ، ويلجأ الإنسان باستمرار إلى‏ أحضان الطبيعةِ في وسط الأشجار والبساتين ومزارع الحنطة من أجل ازالة المتاعب وتجديد النشاط.

11- المصدر المهم للطاقة : إنَّ الخشبَ والورق وجذور النباتات كانت ولا زالت أحدى‏ المصادر المهمّة للطاقة وتأمين الحرارة ، وحتى‏ الفحم الحجري الذي هو أحد مصادر الطاقة المهمّة فهو من منتوجات الأشجار والنباتات أيضاً ، والحرارة التي تحصل من الخشب وأوراق الأشجار ملائمة ، وتلويثها للبيئة ضئيلٌ جدّاً ، وحتى‏ الرماد المتبقي منها يصلحُ كسمادٍ للأشجار يستفادُ منه مجدداً.

12- أصناف العطور والمواد الكيميائية : نحنُ نعلمُ أنَّ أفضلَ العطور الملطفة لروح الإنسان كانت ولا زالت تُستخلص من رحيق الأزهار ، والأشجار والنباتات ذات الورق والخشب المعطَّر ذا الرائحة الطيبة ، ليست بالقليلة.

ناهيك عن كثيرٍ من الواد الكيميائية المستخلصة من النباتات التي تستخدم في مختلف الصناعات.

عظيمٌ ذلك الأله الذي أودع كلَّ هذه الآثار والفوائد والبركات في هذا المخلوق ، وجعلَهُ آيةً عظيمة من آيات علمه وقدرته.

إنَّ التعابير الشاملة التي تَلَوْناها في الآيات المذكورة ، يمكن أن تجمع كلَّ هذه الفوائد في عبارة «معايش» جمع‏ «معيشة» وتعني وسيلة الحياة.

3- الأنواع غير المحدودة للنباتات‏

كما أشرنا سابقاً فانَّ أنواع النباتات كثيرةٌ بالقدر الذي لا يمكن حصرُها ، وقد تمّ حتى‏ الآن احصاء ثلاثة آلاف نوع من النخيل ، والف وسبعمائة نوع من التين الهندي ، والف ومائتي نوع من ورد الثعلب.

يذكر مؤلف كتاب‏ «عالم الأزهار» (فرديناندلين) أنَّ عددَ النباتات ذات الحبّ المغطّى‏ يبلغ مائة وخمسين الف نوع وقد تم بيان صفات أكثر من ثمانية عشر الف نوع من النباتات في بعض كتب علم النباتات‏ «20».

وقد تم بحثُ الف نوع من الكمأة من التي تمّ احصاؤها ، وأكثر من أربعين الف نوعٍ من الطحالب ، وسبعة آلاف نوع من التفاح ، وخمسة وثلاثين الف صنف من الحنطة «21».

ومن بين النباتات ، هنالك نباتات لا تُرى‏ بالعين المجرّدة ، وهنالك نباتات يصل طولها إلى‏ خمسين متراً ، وبعضها ينمو في وسط الصخور ، وبعضها يعوم وسط الماء ، وجذور بعضها يتفرع تحت الماء وأزهاره فوق سطح الماء ، ولكلٍّ منها منظَرهُ البديع واللطيف في عالمه حيث يصدح بلحنِ التوحيد.

4- عجائبُ عالم النباتات‏

لو تركنا كلَّ ما قيل بخصوص النباتات بشكل عام ، سنلاحظ أنّ هناك عجائب جَّمةً في عالم النباتات ، حيثُ صار بعضها طي النسيان لاعتيادنا عليها.

فأوراق وسيقان النباتات الضخمة ترفع يومياً مليارات الأطنان من الماء من الأرض خلافاً لقانون الجاذبية ، ثم تنثُره بخاراً في الفضاء المحيط بها ، أيُّ قانون يسمحُ للنباتات أن تستعرض قوتَّها هكذا خلافاً لقانون الجاذبية التي تجذب كلَّ شي‏ءٍ نحو الأسفل- لا سيما الماء؟- هنالك الكثير من النباتات كورد عباد الشمس تدور مع حركة الشمس فتتحرك أزهارها الكبيرة نحو الشرق في أول الصباح ونحو الغرب أثناء الغروب.

والنباتات آكلة اللحوم من أكثر ظواهر عالم النباتات إثارةً.

وقد اجرى‏ البروفسور «ليون برتن» مدير «متحف التاريخ الوطني الطبيعي الفرنسي» تحقيقاتٍ بخصوص هذه النباتات آكلةِ اللحوم حيث يوجد منها عشرة أنواعٍ فقط في فرنسا ، وأشهرها النباتات الآتية :

أ) «آلدروفوند» : ويكثر في ولاية «جيرفوند» الواقعة غرب فرنسا على‏ سواحل المحيط الأطلسي ، فهذا النبات ذو ورقةٍ تتكون من قطعتين خاصتين متقابلتين كصفحتي كتابٍ مفتوحٍ ، تتصلان من الأسفل بواسطة مفصلٍ خاصٍ ، وتغطي سطح الأوراق طبقةٌ حساسةٌ.

وعندما تقترب ذبابةٌ منه وتمسُ أرجلُها أو جسمُها هذه الطبقة ، تنطبق الصفحتان المذكورتان بسرعة ، فيقع الحيوان في وسط ذلك السجن ، وفي النهاية يُهضمُ تدريجياً ويصبح جزءً من جسم النبات أثر افراز مادة لاصقة خاصة حيث تفرز من الورق.

ب) «دروزرا» : وهذا النبات لهُ أوراقٌ حمراء اللون تشاهد عليها نتوءات رفيعة تشبه الشَعَر ، وحينما تضلّ الذبابةُ طريقها ، تقف على‏ أوراق هذا النبات ظنّاً منها بأنّها قد عثرت على‏ المكان الآمن الخالي ، وفجأةً تنطبق المخالب من ناحية رأسها ، فتجرها مخفورةً إلى داخل الورقة فتهضمُ ويمتصها النبات وسط الافرازات اللزجة للورقة.

ج) «نيانتس» : وهو أكثر النباتات الآكلةِ للحوم عجباً ، حيث يُوجد في نهاية الفرع الدقيق ما يشبه الوعاء الصغير ، تكون فوهتُه نحو الأعلى‏ ، وله بابٌ خاصٌ مفتوحٌ خلال الأوضاع العادية.

ويُعتبر هذا الوعاء فخاً خطيراً للحشرات الغافلة والهائمة في الجو ، فهو يحتوي باستمرار على‏ العسل اللَّزج الحلو حيث يدعو الحشرات‏ «عابدة البطن» نحوه ، وكذلك فانَّ جمال وشفافية لون الوعاء ذو جذبٍ خاصٍ للحشرات‏ «ذات الذوق الجيد».

فإذا وقعت حشرةٌ ما أسيرةً لهواها ودخلت الوعاء فانَّ فوهته ستنغلق على‏ الفور وستبتلى بسجنٍ لا خلاص منه أبداً.

على‏ أيةِ حالٍ ، هذا الوعاء يعتبر كالمعدةِ بالنسبة لهذا النبات ، والافراز الداخلي كإفرازاتها ، ويجعل الحشرةَ قابلةً للامتصاص.

يقول العلماء : إنَّ قيام هذه النباتات باصطياد الحشرات يعود لعدم قدرة جذورها لامتصاص‏ (النتروجين) ، لهذا فهي تعوّضُ هذا النقص عن هذا الطريق.

ويأملُ العلماء بأنْ يأتي اليوم الذي يستطيعون فيه تربية كميةٍ كبيرة من هذه النباتات في حدائق البيوت أو إلى‏ جانب الأحواض ، ويقضون بهذه الطريقة الصحية والطبيعية على‏ الذباب والحشرات الضارة الموجودة في بيئة الإنسان.

وورد في مذكرات السِّيّاح والرَّحّالة قصصٌ عجيبةٌ حول النباتات التي تأكل البشر ، فيقول بعض العلماء من الممكن أن تكون هذه النباتات من النباتات آكلة الحشرات إلّا أنّها أكبر حجماً لنموها في أرضٍ غنيةٍ ، وتستطيع أن تقتنصَ احياءً أكبر في بطن فروعها واوراقها وتمتصها تدريجياً (ولكن لا يمكن تأكيد وقبول ذلك بسهولة) «22».

ومن أعجب وألطف جوانب وجود النباتات هو انتاج الثمار.

وواحد من مئات الامور الظريفة فيها وجود سائلٍ حلو ولذيذٍ في الكثير منها مخزون في أوعيةٍ صغيرة خاصةٍ مربوطةٍ بإحكامٍ ، حيث يبدو أفضل طرق الربط في عصرنا الحاضر ، بدائيةً جدّاً أزاءها.

افتحوا برتقالةً واحدة ، ستجدون كأنَّ شقاً منها يتكون من مئات القطع الزجاجية الصغيرة الظريفة التي تفيضُ بسائلٍ لذيذٍ ومعطَّر ، الزجاجات التي تجمّعت معاً دون أيِّ فاصلةٍ (ولو كان هنالك فاصلةٌ وهواء فيما بينها لفسدت بسرعة).

لكن هذه الزجاجات لا تتكسر أبداً ، وتتحمل صعوبات الحمل والنقل ، واللطيف هو إمكانية أكلها مع محتوياتها.

وكلُّ مجموعةٍ من هذه الزجاجات الصغيرة والظريفة مغلفةٌ بقشرةٍ سميكة وهي بمثابة الغلاف ، وتظهر على‏ هيئة شقٍّ (وهذا الوعاء قابلٌ للأكل مع محتوياته أيضاً ، بل هو مفيدٌ للجهاز الهضمي).

وهذه الأغلفة الصغيرة تجمعّت بدونِ اقلِّ فاصلةٍ مع تفريغٍ كاملٍ من الهواء ، والتَوتْ وسط عدّة لفافاتٍ من أجل السلامة والأمان ، وفي النهاية أصبحت معدة على‏ هيئةِ حملٍ صالحٍ جاهز للشحن لمسافات نائية.

ويُلاحظ هذا الأمر على‏ نحوٍ أكثر طرافةً داخل ثمار الرمان والعنب والتين أيضاً.

تأملوا جيداً لو أنَّ عصارة أيٍّ من هذه الثمار وُضعت في الهواء الطلق ستتغير بعد مرور ساعة واحدة ، وقد تتعفن خلال عدّة ساعات ، إلّا أنّ تغليفها دقيقٌ ومحبوكٌ بنحوٍ لا يسمح‏ بنفوذ الهواء إلى‏ داخلها أبداً ، ولهذا فهي تبقى‏ سالمةً لعدة شهور دون أقلّ تغييرٍ في طعمها.

وهذا يتعلق بمسألة التغليف العادية فقط ، وأمّا المركبات الكيميائية لكلِّ فاكهةٍ وخواصها الغذائية والطبية وأنواع الفيتامينات وموادها الغذائية فهي بحد ذاتها ذات قصةٍ مفصلةٍ حيث يختص ببحثها المتخصصون بعلم الغذاء ، وقد تم تأليف كتبٍ كثيرة في هذا المجال ، ولو أردنا أنْ نطرقَ كلَّ هذه المسائل فسنخرج عن إطار كتابنا التفسيري ، فضلًا عن أنّ «وزن كتاب كهذا سيبلغ الأطنان».

5- أسرار خلق النباتات في توحيد المفضل‏

ونقرأ في حديث توحيد المفضل عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال :

«فكّر يا مفضل في هذا النبات وما فيه من ضروب المآرب ، فالثمار للغذاء ، والأتبان للعلف ، والحطب للوقود ، والخشب لكل شي‏ء من أنواع النجارة وغيرها ، واللحاء والورق والاصول والعروق والصموغ لضروب من المنافع ، أرأيت لو كنّا نجد الثمار التي نتغذى‏ بها مجموعة على‏ وجه الأرض ولم تكن تنبت على‏ هذه الأغصان الحاملة لها كم كان يدخل علينا من الخلل في معاشنا ، وإن كان الغذاء موجوداً فإنّ المنافع بالخشب والحطب والأتبان وسائر ما عددناه كثيرة ، عظيم قدرها جليل موقعها هذا مع ما في النبات من التلذذ بحسن منظره ونضارته التي لا يعد لها شي‏ء من مناظر العالم وملاهيه.

فكّر يا مفضل في هذا الريع الذي جعل في الزرع فصارت الحبة الواحدة تخلف مائة حبة وأكثر وأقل وكان يجوز أن يكون الحبة تأتي بمثلها فلم صارت تريع هذا الريع إلّا ليكون في الغلّة متسع لما يرد في الأرض من البذر وما يتقوت الزراع إلى‏ إدراك زرعها المستقبل ... تأمّل نبات هذه الحبوب من العدس والماش والباقلاء وما أشبه ذلك فانّها تخرج في أوعية مثل الخرائط لتصونها وتحجبها من الآفات إلى‏ أن تشدّ وتستحكم كما قد تكون المشيمة على‏ الجنين لهذا المعنى‏ بعينه ، فأمّا البُرّ وما أشبهه فانّه يخرج مدرّجاً في‏ قشور صلاب على‏ رؤوسها مثال الأسنة من السنبل ليمنع الطير منه ليتوفّر على الزراع ...

تأمل الحكمة في خلق الشجر وأصناف النبات فانّها لما كانت تحتاج إلى‏ الغذاء الدائم كحاجة الحيوان ولم يكن لها أفواه كأفواه الحيوان ولا حركة تنبعث بها لتناول الغذاء جعلت اصولها مركوزة في الأرض لتنزع منه الغذاء فتؤديه إلى‏ الاغصان وما عليها من الورق والثمر فصارت الأرض كالأم المربية لها وصارت اصولها التي هي كالأفواه ملتقمة للأرض لتنزع منها الغذاء كما يرضع أصناف الحيوان امهاتها.

تأمل يا مفضل خلق الورق فانك ترى‏ في الورقة شبه العروق مبثوثة فيها أجمع ، فمنها غلاظ ممتدة في طولها وعرضها ، ومنها دقاق تتخلل الغلاظ منسوجة نسجاً دقيقاً معجماً لو كان ممّا يصنع بالأيدي كصنعة البشر لما فرغ من ورق شجرة واحدة في عالم كامل ولاحتيج إلى‏ آلات وحركة وعلاج وكلام فصار يأتي منه في أيام قلائل من الربيع ما يملأ الجبال والسهل وبقاع الأرض كلها بلا حركة ولا كلام إلّا بالإرادة النافذة في كل شي‏ء والأمر المطاع».

ثم أشار الإمام عليه السلام في سياق هذا الحديث إلى‏ عجائب الثمار والنّوى‏ ، وموت وحياة النباتات في كل عام ، وتلقيح وحمل الأجزاء الانثوية عن طريق الالتحام مع الأجزاء الذكورية ، وكذلك أدوية العلاج التي تستخلص من أصناف النباتات ، والحبوب والنباتات التي يُعتبر كلٌ منها غذاء لأحدِ الحيوانات ، وقدَّمَ شرحاً لطيفاً حول كلٍّ منها ، حيث إنّ ذكرها جميعاً لن يكون ممكناً ، وبمقدور الراغبين مراجعة الحديث أعلاه‏ «23».

نضطرُ هنا إلى‏ طي هذا البحث الطويل ونختمه ببعض الابيات من الشعر التوحيدي الأصيل ، فلو اطلقَ عنانُ العلمِ فيجبُ تأليفُ كتب عديدة ، في هذا المجال يقول الشاعر نقلًا عن الفارسية :

إنَّ جميع خلقِ اللَّهِ انذارٌ للقلب‏                        ليس له قلبٌ من لا يُقرُّ باللَّه‏     

فالجبال والبحار والأشجار كلُّها تسبِّحُ‏              ولا يفهمُ كلُّ مستمعٍ هذه الأسرار!       

والعقُل متحيرٌ من عنقود العنب الذهبي‏            والذهنُ يَعجزُ عن حقيقة ياقوتة الرُّمان‏ 

وتتدلى‏ عناقيد الرَّطب من النخل‏                     والنخل من صنع قضاء وقدر ماهرٍ     

ولكي لا يصبح ظلاماً ظلُّ الأشجار الكثيف   ‏فقد وضع تحت كل ورقةٍ مصباحاً من نور الرّمان‏

وهبط الندى‏ على‏ الزهرة عند حلول السحر                 يشبه عرق المحبوب المعطَّر !  

فافتح بصرك وانظر خلقَ النارنج‏         يا مَن لا تصدِّق أنَّ «في الشجر الاخضر نار»   

مقدرٌ منزَّهٌ الاله الذي سخرَّ       الشمس والقمرَ بتقديرٍ وكذلك الليل والنهار «24»       

______________________________
(1) هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تشير إلى‏ هذا المعنى‏ كالآيات التالية : النبأ ، 15؛ طه ، 53؛ عبس ، 27؛ ق ، 7؛ البقرة ، 261؛ البقرة ، 22؛ ابراهيم ، 32؛ الانعام ، 141؛ الاعراف ، 57؛ النحل ، 67.

(2) «النبات» لها معنىً مصدري ، واسم مصدري أيضاً.

(3) مفردات الراغب؛ مقاييس اللغة؛ مصباح اللغة؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم.

(4) مفردات الراغب؛ لسان العرب؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم؛ وصحاح اللغة.

(5) عالم الزهور ، ص 99 إلى 118.

(6) «الحدائق» جمع «حديقةٍ» وتعني «البستان» ، وهي تعني في الأصل قطعة الأرض التي تجمَّعَ فيها الماء ، وقد فسَّرها الكثير من المفسرين بأنّها البُستان الذي ضُربَ حوله بسور وفيه ما يكفي من الماء.

(7) وهذا في حالةِ كون «ما» في عبارة (وما عملتهُ) نافيةً (وهذا هو الظاهر) ، إلّا أنّهم احتملوا أن تكون موصولةً ، تلميحاً إلى‏ الثمار التي تنتج عن طريق التطعيم والتي للإنسان دَخَلٌ فيها ، أو إلى‏ المشتقات التي يأخذونها من الفاكهة كالعصير والخل التي تؤخذ من العنب والتمر ، وممّا لا شك فيه أنَّ المعنى‏ الأول أكثرُ تناسباً.

(8) في هذه الحالة يكون مفهوم الجملة «فاخرجنا به نباتاً لكل شي‏ء».

(9) «مُتراكب» مأخوذة من مادة «ركوب» وتعني الصعود ، وهي إشارة إلى‏ الحبوب التي تتراكُب على‏ بعضها على‏ هيئة سنبلةٍ ذات منظرٍ جميلٍ ومحبَّبٍ للغاية.

(10) تفسير القرطبي ، ج 4 ، ص 2484.

(11) تفسير روح المعاني ، ج 13 ، ص 93.

(12) وطبعاً أنَّ المعنى‏ اللغوي ل «السَوْم» هو وضع العلامة ، وبما أنَّ الحيوانات حين العلف تترك أثراً على‏ الأرض ‏اطلق عليه هذا الاصطلاح.

(13) طالعوا شرح هذا الكلام في التفسير الأمثل ، ذيل الآيه 11 من سورة النمل.

(14) وردت هذه التفاسير الثلاثة في تفسير القرطبي ، ج 4 ، ص 2534.

(15) يُراجع سنن البيهقي ، ج 4 ، ص 132؛ ووسائل الشيعة ، ج 6 كتاب الزكاة «أبواب زكاة الغلات»؛ وتفسير الميزان؛؛ وتفسير القرطبي فيما يخص الآية.

(16) ذكر الفخر الرازي هذا في تفسيره كاحتمالٍ أولٍ ، والتفسير الثاني كثالث احتمال ، (التفسير الكبير ، ج 19 ، ص 171).

(17) تفسير نور الثقلين ، ج 3 ، ص 6 ، أشار الإمام علي عليه السلام في هذه الرواية إلى‏ المعادن المختلفة التي أوْجَدَها اللَّه في ‏الجبال وتباعُ وتَشترى بالوزن.

(18) قد يستعمل هذا اللفظ بمعنى‏ «الخلقة» كأنَّ حجبُ ظلمة العدم تتمزق وينكشف نور الوجود عنها (تفسير روح ‏المعاني ، ج 7 ، ص 196) ، ولنفس هذا الشي‏ء يسمى‏ بياض الصبح «فلق» على‏ وزن «شَفَق» أيضاً.

(19) عالم الأزهار (اقتباسِ وتلخيص).

(20) تاريخ العلوم ، ص 352.

(21) معرفة اللَّه ، ص 291 و292.

(22) نظرةٌ على‏ الطبيعةِ وأسرارها ، تأليف البروفسور ليون بر تن ، ص 131- 134 (مع الاختصار والاقتباس).

(23) بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 129- 136 «مع الاختصار».

(24) هذه الابيات مترجمة من «كليات سعدي» ، فصل القصائد ، ص 443.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق