الخميس، 13 مايو 2021

منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها ( من خلال الجامع الصحيح )

 

منهج الإمام البخاري

في

تصحيح الأحاديث وتعليلها

( من خلال الجامع الصحيح )


 

إعداد

أبو بكر كافي

 

إشراف

الدكتور حمزة عبد الله المليباري

 

دار ابن حزم

 


الإهــداء

إلى من أمرني الله ببرهما وطاعتهما والإحسان إليهما، إلى والديَّ الكريمين ..

إلى كل مسلم يحب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدافع عنها، ويعمل بها ..

… أهدي هذا العمل المتواضع .

أبو بكر (ص 5)


شكر وتقدير

أصل هذا الكتاب رسالة علمية، نال بها صاحبها شهادة الماجستير في الحديث وعلومه، من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة الجزائر بتقدير مشرف جداً، وذلك في 19 شوال 1418هـ، الموافق لـ 16/ 2/ 1998م.

ولا يسعني في هذا المقام، إلا أن أتقدم بجميل الشكر إلى كل من ساعدني في إنجاز هذا البحث من أساتذة وطلبة.

وأخص بالذكر فضيلة الأستاذ " حمزة عبد الله المليباري "، فقد بذل جهده ووقته في متابعة هذا البحث من أوله إلى آخره، ولم يبخل علي بملاحظاته وتوجيهاته القيمة، مما كان له حافزاً قوياً على إتمام هذا البحث، والصبر على مشقته.

كما أتقدم بالشكر إلى أصحاب الفضيلة الأساتذة أعضاء لجنة المناقشة :

د . محمد عبد رب النبي.

د . محمد خالد اسطنبولي.

د . نصر سليمان.

كما أتقدم بشكري الجزيل لإدارة معهد أصول الدين خصوصاً والقائمين على الجامعة عموماً.

وفي الأخير أتوجه بالشكر إلى إخوتي الكرام :سليم، ياسين، ومروان (ص 7) الذين بذلوا معي جهداً كبيراً، وصبراً جميلاً في كتابة هذه الرسالة وتصحيحها وإخراجها على هذه الصورة الجيدة. (ص 8).

 

 

 

 

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعــد ..

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون {. [آل عمران: 102].

} يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا { [النساء : 1].

} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً {. [الأحزاب : 70، 71]. (ص 9).

من المتفق عليه بين المسلمين أن السنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، ولهذه المنزلة العظيمة التي تتبوؤها السنة كانت ولا تزال محل عناية كبيرة من علماء المسلمين عموماً والمحدثين على وجه الخصوص، فإنهم لم يدخروا وسعاً ولم يألوا جهداً في سبيل المحافظة عليها، وإبقائها سليمة من تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، فوضعوا لذلك منهجاً علمياً متميزاً وفريداً كان هو المعيار الذي توزن به الأخبار، وكان هذا المنهج نتاجاً لجهود عظيمة بذلها أئمة الحديث وحفّاظه من لدن الصحابة إلى أن استقرت قواعده، ورست أركانه، واتضحت معالمه، وأينعت ثماره في القرن الثالث الهجري.

وكان من الأئمة الذين أسهموا في تشييد دعائم هذا المنهج الإمام الكبير أمير المحدثين محمد بن إسمعيل البخاري (رحمه الله تعالى) ولم تكن إسهامات هذا الإمام واضحة، لأنها لم تكن قواعد نظرية مجموعة في كتاب، وإنما كانت أعمالاً وتطبيقاً لتلك القواعد في ثنايا كتبه الكثيرة، ولعل أبرز كتب هذا الإمام بل أبرز كتب الحديث على الإطلاق – الجامع الصحيح – ففي هذا الكتاب ظهرت عبقرية هذا الإمام، فهو تطبيق عملي ودقيق لقواعد هذا المنهج، فكان بحق أصح كتاب بعد كتاب الله، فجاء هذا البحث ليستخرج ويستنبط أسس المنهجية التي يستعملها البخاري – رحمه الله – في تصحيح الأحاديث وتعليلها. وهذه القواعد جاءت مطبقة في كتابه ولم يصرح بها وإنما يستعان على كشفها بأقوال العلماء ممن اهتموا بالجامع الصحيح شرحاً وتعليقاً واستدراكاً وانتقاداً.

وهذا البحث محاولة للكشف عن منهج الأئمة النقاد في موضوع " النقد الحديثي " على اعتبار أن الإمام البخاري من أبرز هؤلاء الأئمة، والمسلّم له بالتقدم والمتمكن في هذه الصنعة.

والمنهج الذي سلكته في هذا البحث هو المنهج التحليلي المقارن، وذلك باستقراء صحيح البخاري وأخذ الشواهد والأمثلة وتحليلها لاستخراج ما يكمن فيها من قواعد، ثم مقارنة هذه النتائج بمواقف أئمة معاصرين للبخاري (ص 10) كالإمام مسلم والترمذي وأبي حاتم وأبي زرعة، أو من جاء بعده كالدارقطني والبيهقي وغيرهما. حتى يتسنى لنا معرفة مدى توافق هذا المنهج أو اختلافه من إمام إلى آخر، ثم مقارنة هذه النتائج كلها بما استقرت عليه كتب المصطلح لمعرفة مدى التباين والتوافق بين الجانب التطبيقي عند الأئمة النقاد والجانب النظري عند كثير من المتأخرين من أئمة الكلام والفقه والأصول.

أما الأسباب التي جعلتني أختار هذا الموضوع المتعلق أساساً بالنقد الحديثي فهي :

1)     الغموض الذي ما يزال يكتنف هذا الموضوع بين الدارسين للعلوم الشرعية عموماً والمهتمين بعلوم الحديث على وجه الخصوص، وبسبب هذا الغموض انتشرت كثير من النظريات الخاطئة، والمناهج المضطربة في " نقد السنة " وأصبحت ظاهرة تصحيح الأحاديث وتعليلها في ظل غياب منهج واضح موحد تنتشر يوماً بعد يوم مسببة آثاراً سيئة في فكر المسلمين، وعقائدهم وواقعهم.

2)     حبي الشديد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وشغفي بكتب الحديث وخاصة صحيح البخاري، وإعجابي بعبقرية هذا الإمام ودقة منهجه.

3)           المساهمة في تقريب الاستفادة من كتب السنة، وذلك بتوضيح مناهجها ومقاصد مؤلفيها.

4)     المساهمة في تقريب الاستفادة من كتب علل الحديث، فهي على كثرتها وتنوعها صعبة التناول والاستفادة، وذلك للاختصار في بعضها كعلل ابن أبي حاتم، أو التطويل بذكر وجوه الخلاف كعلل الدارقطني، أو باختلاط مباحثها بمباحث الجرح والتعديل في كثير منها. والملاحظة العامة حول هذه الكتب أنها لا تصرح بذكر الحكم على الحديث، وفي كثير من الأحيان تشير إلى الحكم بعبارة أو عبارتين دون بيان أسس هذا الحكم، أي ما يعرف في هذا العلم بـ "قرائن الترجيح ".

وقد حرصت في هذا البحث وخاصة في القسم الثاني منه " منهج (ص 11) التعليل " على توضيح قرائن الترجيح عند الإمام البخاري أو غيره من الأئمة، وهذا مما يعين على فهم كلامهم والاستفادة من كتبهم.

5)     قلة الدراسات الأكاديمية حول هذا الموضوع بخصوصه، فالدراسات السابقة في هذا الموضوع – في حدود علمي – تكاد تكون منعدمة إذ كانت جل الدراسات التي تناولت الإمام البخاري محدثاً أو فقيهاً إنما تناولته على سبيل السرد التاريخي المنقبي أو التتبع الفقهي الفروعي وليس هناك دراسات اهتمت بتوضيح منهج الإمام البخاري في علوم الحديث.

ولعل أهم دراسة علمية في هذا المجال هي " الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين" رسالة دكتوراه لنور الدين عتر، وواضح من خلال العنوان أنها تناولت الإمام الترمذي أصالة والبخاري ومسلماً على سبيل التبع والمقارنة، أضف إلى ذلك أنها كانت منصبة على النواحي الفقهية دون الغوص في القواعد والأسس، ولا أدعي أن هذه الدراسة التي أقدمها قد وصلت إلى الأهداف التي كنت أرومها، ولكن حسبي أن أقترب منها، فقد حاولت غاية جهدي أن أفصل في كثير من المباحث والقضايا التي تناولتها مجانباً للهوى متحرياً الحقَّ والصواب، وأحياناً أتوقف في بعض المسائل لعدم قيام الأدلة الكافية للجزم فيها بحكم معين.

ولعل أهم شيء تقدمه هذه الدراسة، أنها جمعت فوائد كثيرة كانت متفرقة في ثنايا كتب علوم الحديث والشروح وكتب العلل مما يتعلق بمنهج البخاري في صحيحه. ونسقت بينها في وحدة موضوعية مما يقرب (إن شاء الله) الاستفادة منها، وأرى من الواجب علي أن أعترف بأن كل ما في هذا البحث هو ثمرة علمائنا، وجهود سلفنا ليس لي فيه إلا الجمع والترتيب وبعض التوضيحات التي تبين مقاصد كلامهم، وتربط بين أقوالهم.

وعلى رأس هؤلاء العلماء الذين استفدت منهم استفادة عظيمة، الإمام الحافظ ابن حجر (رحمه الله) الذي عكفت على مطالعة شرحه العظيم لصحيح البخاري " فتح الباري " واستخرجت من ثناياه كنوزاً ودرراً، وكذلك (ص 12) استفدت كثيراً من كتابه " النكت على مقدمة ابن الصلاح " وغيرها من كتبه.

كما كان لكتب العلل كـ " العلل الكبير " للترمذي، و " العلل الصغير وشرحه " لابن رجب و " الإلزامات والتتبع " و " علل ابن أبي حاتم " و " علل الدارقطني " و " علل ابن المديني " إسهام كبير في بناء هذا البحث.

واستعنت بكتب الجرح والتعديل منها " التاريخ الكبير " و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم الرازي و " تهذيب الكمال " للمزي و " تهذيب التهذيب " و " التقريب " للحافظ ابن حجر وغيرها، كما استفدت من كتب المصطلح في المقارنة وشرح ما يغمض من كلام الأئمة ومن أهمها "مقدمة ابن الصلاح " و " التقييد والإيضاح " للعراقي و " فتح المغيث " للسخاوي وشرح النخبة وغيرها.

كما لم أهمل الاستفادة من كتابات بعض المعاصرين وتحقيقاتهم وتخريجاتهم كتحقيق الشيخ مقبل بن هادي لكتاب الإلزامات والتتبع، وتحقيقات السامرائي وتخريجات الأرناؤوط والشيخ الألباني ودراسات أحمد نور سيف والدكتور حمزة عبد الله المليباري وغيرهم.

وقد اعترضتني صعوبات كثيرة في إنجاز هذا البحث منها :

1)     صعوبة هذا الموضوع في حد ذاته، والتي لم يخفها على فضيلة الأستاذ المشرف وبعض من استشرتهم من الأساتذة. فمن المعلوم أن البخاري لم يصرح بآرائه ومنهجه في كتبه فكان دوري هو استنباط هذا المنهج من ثنايا النصوص، وهذا اقتضى مني المراجعة الطويلة للكتب التي اهتمت بشرح الجامع الصحيح أو انتقاده والتعقيب عليه لعلي أظفر بشيء، وفي كثير من الأحيان أتوقف عن معرفة مقصد البخاري في إخراج طريق ما، أو ذكر اختلاف في حديث، أو غير ذلك من صنيعه. فأذكر ما أصل إليه وأفهمه على سبيل الاحتمال وأعضد موقفي بنصوص من أقوال الأئمة. ولو كانت هناك أقوال صريحة لحسمت الأمر، وحلت النزاع، ووفرت الوقت والجهد.

2)     بعد مقر إقامتي على الجامعة مما جعلني أجد صعوبة كبيرة في (ص 13) الاستفادة من المكتبة وخاصة المراجع الداخلية منها، وكذلك مشقة السفر للاتصال بالمشرف.

هذا وأتمنى أن أكون قد وفقت من خلال هذا البحث من جعل المشكلة في ضوء البحث العلمي الهادئ والهادف من خلال الرجوع المباشر إلى أئمة العلم وكتبه الأولى، ومصنفاته الأصلية.

ومن هنا أرجو أن يضيف هذا البحث طريقة علمية منهجية في فهم مناهج كتب السنة وأساليب النقدية. ويحرك همم الباحثين لاستكمال النقائص وسد الثغرات، وبمتابعة الجهود في تمحيص كتب السنة ودراستها دراسة علمية مقارنة لاستخراج مناهجها النقدية يمكن – بإذن الله – أن تتبلور نظرية متكاملة واضحة في نقد السنة عند المحدثين، ومن خلال هذه النظرية نستطيع أن نستمر في خدمة السنة تحقيقاً وتخريجاً علمياً أصيلاً، ومن خلالها أيضاً نستطيع أن نقوّم تلك الجهود الجبارة التي بذلت في سبيل الحفاظ على المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.

وقد جاء البحث في ثلاثة فصول وخاتمة.

الفصل الأول : وهو عبارة عن فصل تمهيدي خصصته للكلام عن الحديث وعلومه إلى عصر الإمام البخاري، وقد اشتمل هذا الفصل على أربعة مباحث :

المبحث الأول : تحدثت فيه عن كتب السنة قبل الجامع الصحيح كالسنن والمسانيد وكتب السير والمغازي والتفسير والأجزاء المفردة في أبواب مخصوصة، والغرض منه توضيح مدى استفادة الإمام البخاري ممن سبقه، وبيان أن الجامع الصحيح لم يأتِ من فراغ، وإنما هو حلقه من سلسلة متواصلة من جهود المحدثين في التصنيف والتأليف.

والمبحث الثاني : خصصته للكلام – بشيء من الإيجاز – عن حركة التدوين في علوم الحديث والنقد إلى عصر الإمام البخاري وكيف بدأت قواعد التصحيح والتعليل تستقر عند كثير من أئمة الحديث ونقاده. (ص 14).

والمبحث الثالث : ترجمت فيه للإمام البخاري بترجمة شاملة وموجزة ركزت فيها على مختلف جوانب شخصيته العلمية.

والمبحث الرابع : سردت فيه الآثار العلمية للإمام البخاري، وعرفت بالموجود منها سواء أكان مطبوعاً أم مخطوطاً، ثم ختمت هذا المبحث بذكر التأثير العلمي لمصنفات الإمام البخاري فيمن عاصره أو من جاء بعده.

أما الفصل الثاني فقد خصصته للحديث عن منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث، وقد قسمته إلى ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : خصصته للكلام عن عدالة الرواة، وقد قسمته إلى ستة مطالب تناولت فيها تعريف العدالة لغة واصطلاحاً، ثم شروط العدالة وموقف البخاري منها، ثم أدرجت بعض المسائل المتعلقة بالعدالة وبينت موقف البخاري منها وهي : إذا روى الثقة حديثاً فسئل عنه فنفاه، وإذا كان المحدث يغشى السلطان، وإذا كان المحدث يأخذ الأجرة على التحديث، هل يقدح كل ذلك في عدالته أم لا ؟ مع ذكر موقف البخاري معضداً بالأمثلة والشواهد، ثم تناولت موقف البخاري من أحاديث أهل البدع والأهواء، ثم موقفه من الرواة والمجاهيل وكيفية تخريجه لرواياتهم، وختمت المبحث بطلب في الحديث عن الرواة الوحدان، وموقف البخاري من رواياتهم وكيفية تخريج أحاديثهم في صحيحه.

المبحث الثاني : خصصته للحديث عن ضبط الرواة وقد قسمته إلى أربعة مطالب :

الأول : عرفت فيه بالضبط لغة واصطلاحاً، ثم تعرضت في المطلب الثاني لأهميته وآثار اختلاله وكيفية معرفة ضبط الراوي، ومراتب الرواة من حيث الضبط، ثم تناولت في المطلب الثالث مراتب رجال الصحيحين من حيث الضبط، وبينت فيه أن رجال الصحيحين ليسوا كلهم على مرتبة واحدة من حيث الضبط، بل فيهم الحافظ الضابط، ومن هو دون ذلك.

ثم درست في المطلب الأخير نماذج من روايات الضعفاء، وبينت منهج البخاري في تصحيحها. (ص 15).

المبحث الثالث : تحدثت فيه عن اتصال السند، وقد قسمته إلى خمسة مطالب :

عرفت في الأول منها السند لغة واصطلاحاً، وأهميته، ثم تعرضت في المطلب الثاني لطرق التحمل والأداء عند الإمام البخاري وبينت ما هي الطرق المعتبرة عنده، والطرق غير المعتبرة، ثم تناولت في المطلب الثالث مسألة العنعنة، وحاولت توضيح منهج البخاري فيها والموازنة بينه وبين الإمام مسلم في ذلك والجواب عما أورده كثير من العلماء في الرد على الإمام مسلم.

أما المطلب الرابع فقد خصصته لدراسة نماذج من أحاديث الجامع الصحيح أعلت بالانقطاع في سندها، فذكرت أجوبة العلماء عليها، وبينت أن دعوى الانقطاع لا تصح في كثير منها.

ثم ختمت المبحث بمطلب في الحديث عن التدليس – باعتباره نوعاً من الانقطاع في السند – وبينت منهج البخاري في تخريج أحاديث المدلسين.

أما الفصل الثالث فقد أفردته لمنهج الإمام البخاري في تعليل الأحاديث، وقد قسمته إلى ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : تعرضت فيه للأحاديث المعلولة في الجامع الصحيح وقد جاء في مطلبين :

الأول : في تعريف العلة لغة واصطلاحاً، وبيان مواضعها وحكمها ودلائلها.

والثاني : في الكلام عن الأحاديث المنتقدة في الجامع الصحيح وتصنيفها وبيان منهج المنتقدين كالدارقطني، وتقويم انتقاده إجمالاً.

المبحث الثاني : تحدثت فيه عن التفرد وأثره في تعليل الأحاديث، وقد اشتمل على ثلاثة مطالب :

الأول منها عبارة عن مقدمات نظرية تحدثت فيها عن حقيقة التفرد وأنواعه ومراتبه وحكمه. (ص 16).

والثاني تحدثت فيه عن نماذج من الأحاديث التي استغربت أو استنكرت في الجامع الصحيح، وبينت منهج البخاري ووجهة نظره في إخراجها، كما وضحت المنطلقات والقرائن التي بنى عليها المنتقدون أحكامهم.

والمطلب الثالث درست فيه نماذج من الأحاديث التي أعلها الإمام البخاري اعتماداًٍ على التفرد مع انضمام قرائن أخرى.

المبحث الثالث : تكلمت فيه عن المخالفة وأثرها في التعليل، وقد افتتحته بمطلب ضمنته بعض المقدمات النظرية في تعريف المخالفة، وصورها، وأسبابها، وضابطها، وأحكامها، وأثرها؛ ليكون مدخلاً ييسر الولوج إلى هذا الموضوع.

وقد قسمت الحديث في هذا الموضوع إلى قسمين هما :

المخالفة المغيرة لسياق الإسناد كالاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع، والاختلاف في تسمية شيخ الراوي، والاختلاف في زيادة راو في الإسناد أو حذفه.

والمخالفة المغيرة لسياق المتن كالاختصار، والرواية بالمعنى، والإدراج، وأثرها في تصحيح الأحاديث، أو تعليلها.

كل ذلك مقرون بالأمثلة والشواهد من صنيع الإمام البخاري في صحيحه.

المبحث الرابع : خصصته لزيادات الثقات، وهي صورة من صور المخالفة، لكنني أفردتها لأهميتها وغموضها، وركزت فيه على الحديث عن بعض زيادات المتون وأحكامها النقدية وآثارها الفقهية، مدعماً ذلك بالأمثلة من صحيح الإمام البخاري. وقد جاء هذا المبحث في ثلاثة مطالب :

الأول : في تعريف زيادات الثقات وحكمها عند الأئمة والطوائف.

الثاني : في دراسة نماذج من الزيادات المقبولة عند الإمام البخاري واستخلاص معايير القبول. (ص 17).

الثالث : في دراسة نماذج من زيادات الثقات المردودة عند الإمام البخاري واستخلاص معايير الرد.

وقد أنهيت البحث بخاتمة ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة.

وفي الأخير أسأل الله – عز وجل – أن يجعل عملي هذا لوجهه خالصاً، وأن يعصمني من الزلل والخطأ، وأن يغفر لي ويتجاوز عني بفضله وكرمه، فهو ولي ذلك والقادر عليه، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك. (ص 18).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول

الحديث وعلومه إلى عصر

الإمام البخاري

 

المبحث الأول : كتب السنة قبل الجامع الصحيح.

المبحث الثاني : علوم الحديث إلى عصر البخاري.

المبحث الثالث : ترجمة موجزة للإمام البخاري.

المبحث الرابع : التعريف بالإنتاج العلمي للإمام البخاري. (ص 19).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول

كتب السنة قبل الجامع الصحيح

إن الجامع الصحيح للإمام البخاري لم يأت من فراغ وإنما هو حلقة من سلسلة ممتدة من لدن العهد الأول لتدوين الحديث إلى عصر هذا الإمام، هذه الحلقة جاءت مكمّلة لتلك الحلقات ومتممة لها. وإن استفادة الإمام البخاري من جهود الأئمة الذين سبقوه كانت استفادة عظيمة سواء من حيث المادة أم من حيث الطريقة والمنهجية. فلقد عكف على مصنفات من سبقه فحفظها واستوعبها وضمن مقاصدها في كتابه حسب الشرط الذي وضعه له.

ولقد بين الإمام الدهلوي طريقة التصنيف في الحديث قبل الإمام البخاري فقال([1]) :

" أول ما صنف أهل الحديث في علم الحديث جعلوه مدوناً في أربعة فنون :

في السنة أعني الذي يقال له الفقه مثل موطأ مالك، وجامع سفيان، وفن التفسير مثل كتاب ابن جريج، وفن السير مثل كتاب محمد بن إسحاق، وفن الزهد والرقاق مثل كتاب ابن المبارك، فأراد البخاري – رحمه الله – أن يجمع الفنون الأربعة في كتاب ويجرده لما حكم له العلماء (ص 21) بالصحة قبل البخاري وفي زمانه، ويجرده للحديث المرفوع المسند وما فيه من الآثار وغيرها، إنما جاء تبعاً لا أصالة ولهذا سمي كتابه الجامع الصحيح المسند ".

فحركة التأليف والتصنيف في السنة في القرنين الثاني والثالث كانت جد نشيطة، وقد أثمرت هذه الحركة العشرات بل المئات من كتب السنة، وهذه الكتب على كثرتها يمكن حصرها في المجموعات التالية :

كتب السنن، والمصنفات، والجوامع، والمسانيد، وكتب التفسير، وكتب المغازي والسير، والأجزاء المفردة في أبواب مخصوصة، وفيما يلي تعريف موجز بأهم هذه المصنفات ومناهجها ومادتها لنقف على مدى استفادة الإمام البخاري من هذه الكتب في صحيحه.

أ – كتب السنن :

وهي الكتب المرتبة على الأبواب الفقهية من الإيمان والطهارة والصلاة والزكاة إلى آخرها وليس فيها شيء من الموقوف لأن الموقوف لا يسمى في اصطلاحهم سنة ويسمى حديثاً([2])، وهذا تعريف بأهم وأشهر كتب السنن إلى عصر البخاري :

1)     سنن أبي الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي (ت 151)([3]) ذكرها الكتاني في الرسالة المستطرفة، ولا تفيدنا المصادر عنها شيء.(ص 22).

2)           سنن سعيد بن منصور (ت 227هـ)([4]).

طبعت بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، ولكن النسخة غير كاملة، والمقدار الموجود منها يشتمل على (2978) حديثاً تبدأ بكتاب الفرائض ثم النكاح وما يتعلق به، ثم الطلاق ثم الجهاد، طبعت في مجلدين.

3)           سنن محمد بن الصباح (ت 227هـ)([5]) ذكرها الكتاني في الرسالة المستطرفة([6]) ولا تفيدنا المصادر عنها بشيء.

4)           سنن الدارمي (ت 255هـ)([7]) أسانيده عالية، وثلاثياته أكثر من ثلاثيات البخاري. وهو من شيوخ البخاري، وقد روى عنه في غير الجامع، ومنهم من يطلق عليها المسند لكون أحاديثها مسندة مطبوع عدة طبعات في مجلدين، وكان الحافظ العلائي يقول : (ينبغي أن يكون كتاب الدارمي سادساً للخمسة بدلاً من سنن ابن ماجة، فإنه قليل الرجال الضعفاء، نادر الأحاديث المنكرة الشاذة، وإن كانت فيه أحاديث مرسلة وموقوفة فهو مع ذلك أولى منه)([8]).(ص 23).

وقال الحافظ : (لو ضم إلى الخمسة لكان أولى من ابن ماجة فهو أمثل منه بكثير)([9]).

ب – المصنفات والجوامع :

هي كتب مرتبة على الأبواب الفقهية مشتملة على السنن وما هو في حيزها أو له تعلق بها([10]) وهي كثيرة نعرّف بأهمها وأشهرها.

1)           جامع أبي عروة معمر بن راشد الأزدي([11]) ( 153هـ أو 154 هـ).

2)           جامع سفيان الثوري([12]) ( 161 هـ).

3)           مصنف حماد بن سلمة([13]) (ت 167 هـ).

4)           كتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ).

وهو عبارة عن أحاديث مرفوعة وموقوفة ومرسلة في مسائل الفقه، طبع في مجلدين بتعليق الأستاذ أبو الوفا الأفغاني، ويشتمل على (268) أثراً وقد أفرد الحافظ ابن حجر جزءاً لطيفاً في تراجم رواته (ص 24) سماه الإيثار لمعرفة رواة الآثار، وهو مطبوع.

5)           مصنف وكيع بن الجراح ( 197 هـ).

6)           جامع سفيان بن عيينة([14]) (ت 198هـ).

7)           مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211هـ).

طبع في أحد عشر مجلداً بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ويشتمل على (21033) أثراً ويعتبر من أغنى المصادر بآثار السلف وفقه التابعين. وقد استمد منه البخاري كثيراً في الآثار التي يوردها كما يعلم من خلال " فتح الباري " و " تغليق التعليق " في وصل تلك الآثار.

8)     مصنف أبي بكر بن أبي شيبة (ت 235هـ) وقد طُبع كتابه في خمسة عشر جزءاً تشتمل على (19789) أثراً، وقد استفاد منه البخاري كثيراً في الآثار التي يوردها في صحيحه.

جـ – المسانيد :

وهي الكتب التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حدى صحيحاً كان أو حسناً أو ضعيفاً مرتبين على حروف المعجم وأسماء الصحابة كما فعله غير واحد، أو على القبائل، أو السابقة في الإسلام، أو الشرافة النسبية، أو غير ذلك. وقد يقتصر في بعضها على أحاديث صحابي واحد كمسند أبي بكر أو أحاديث جماعة منهم كمسند الأربعة، أو العشرة، أو طائفة مخصوصة منهم جميعاً وصف واحد كمسند المقلين ومسند الصحابة الذين نزلوا مصر إلى غير ذلك.

والمسانيد كثيرة جداً([15]) فقلّ إمام إلا وله مسند وفيما يلي تعريف (ص 25) لأهمها وأشهرها إلى عصر الإمام البخاري :

1)     مسند الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) وهو أعلى المسانيد، وهو المراد عند الإطلاق وإن أريد غيره قيد، وقد طبع مراراً وقد أفاض العلامة أحمد شاكر في التعريف به في مقدمة تحقيقه.

2)     المسند لأبي داود الطيالسي الحافظ([16]) (ت 203 أو 204هـ) ومسنده مطبوع في مجلد واحد وليس هو الجامع له بل جمعه بعض حفاظ خراسان : جمع فيه ما رواه يونس بن حبيب عنه خاصة([17]).

3)           مسند أبي محمد عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي الكوفي([18]) (ت 213هـ).

4)           مسند أبي إسحاق بن نصر بن إبراهيم المطوعي([19]) (ت 213هـ).

5)           مسند أسد بن موسى الأموي المعروف بأسد السنة([20]) (ت 212هـ).

6)           مسند مسدد بن مسرهد الأسدي البصري([21]) (ت 221هـ). (ص 26).

7)           مسند إسحاق بن إبراهيم بن راهوية([22]) (ت 238هـ) وهو من كبار شيوخ البخاري.

8) – 9) مسند أبي بكر([23]) ومسند عثمان([24]) ابني محمد بن أبي شيبة وهما من كبار شيوخ البخاري.

9)     مسند أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي([25]) (ت 219هـ) وهو من كبار شيوخ البخاري.

وحتى الإمام البخاري فإنه صنف مسنداً يسمى بالمسند الكبير، وكذلك الإمام مسلم بن الحجاج له أيضاً مسند كبير على الرجال. (ص 27).

ر – كتب المغازي والسير :

وهي الكتب التي تهتم بذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من مولده إلى وفاته وذكر مبعثه وما قام به من غزوات ضد أعدائه وتفصيل ذلك، وسأذكر أهم الكتب في هذا المجال إلى عصر الإمام البخاري. ويمكن ترتيبها تاريخياً على أربعة طبقات :

الطبقة الأولى : ومن أبرز من اهتم بالسير والمغازي في العهد الأول : عروة بن الزبير (ت 94هـ) وأبان بن عثمان ( 105هـ) وقد ذكر ابن سعد في طبقاته([26]) ما يفيد أن أبان بن عثمان كان له تدوين في السير، ففي ترجمة المغيرة بن عبد الرحمن قال : " إنه ثقة قليل الحديث إلا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من أبان بن عثمان، فكان كثيراً ما تقرأ عليه ويأمر بتعلمها " ولم يصلنا منها شيء.

الطبقة الثانية : ومن أبرز رجالها عبد الله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري([27]) (ت 135هـ)، اهتم بأخبار الوفود التي قدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبار ردة القبائل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. كما جمع غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، ورتبها تاريخياً. ومن رجال هذه الطبقة أيضاً عاصم بن عمر بن قتادة([28]) (ت 120هـ) وهو شيخ ابن إسحاق، ولمعرفته الوثيقة بالمغازي اختاره الخليفة عمر بن عبد العزيز ليحدث الناس بمسجد دمشق عن المغازي ومناقب الصحابة. وممن اهتم بالمغازي والسير في هذه الطبقة أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري([29]) (ت 124هـ). (ص 28).

الطبقة الثالثة : ومن أبرز رجالها موسى بن عقبة بن أبي عياش المدني([30]) التابعي الصغير (ت 141هـ) ومغازيه أصح المغازي كما قاله تلميذه مالك بن أنس، وقال الشافعي : ليس في المغازي أصح من كتابه مع صغره وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره.

وقال أحمد : (عليكم بمغازي موسى بن عقبة فإنه ثقة)([31]).

وقد نقل الإمام البخاري عن مغازي موسى بن عقبة في مواضع من كتاب المغازي من جامعه منها : باب غزوة الخندق([32]) وباب غزوة بني المصطلق([33])، باب غزوة الطائف([34]) ومن رجال هذه الطبقة محمد بن إسحاق([35]) بن يسار المطلبي (ت 151هـ)، تتلمذ على يد الزهري واستفاد منه، ويقال أنه صنف كتابه " السيرة النبوية " بناء على طلب الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور لابنه المهدي، وقد رواه عنه تلميذه زياد البكائي وعن البكائي أخذه ابن هشام، وقد ظل كتاب ابن إسحاق هذا موسوماً بالضياع إلى عهد قريب حيث عثر أحد الباحثين الأوربيين على عدة أوراق منه مكتوبة على أوراق البردي المصرية، ثم عُثر على جزء كبير منه بالمغرب (ص 29) ونشره معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بفاس سنة 1989م وحققه الأستاذ محمد حميد الله.

وقد نقل الإمام البخاري في صحيحه عن ابن إسحاق في مواضيع مختفة([36]). ومن أبرز رجال هذه الطبقة أيضاً ابن هشام([37]) فقد نشأ بمدينة البصرة بالعراق ورحل إلى مصر حيث التقى بعلمائها منهم الإمام الشافعي. وفي مصر كتب " السيرة النبوية " وقد أخذ كتاب ابن إسحاق فهذبه وحذف منه كثيراً مما لا تعلق له بالسيرة أو شك في صحته ككثير من الأشعار والأنساب، أو أضاف إليه أشياء كثيرة.

ومخطوطات هذا الكتاب كثيرة، وأقدم نسخة منها يرجع تاريخها إلى القرن السادس الهجري (556هـ).

وكان المستشرق الألماني " وستنفلد " من أوائل المهتمين بطبع هذا الكتاب، فأخرجه سنة (1860هـ) في مجلدين مضبوطاً بالشكل وألحق به مجلداً يحتوي على تعاليق، وملاحظات وفهارس، ثم طبع هذا الكتاب اعتماداً على نسخة الإمام السهيلي، وهي المخطوطة التي أخذها عن شيخه ابن العربي ، وتوالت طبعاته، ومن أفضل طبعاته، وأكثرها دقة الطبعة التي حققها الأستاذ مصطفى السقا ومن معه.

الطبقة الرابعة : وهم المصنفون في السير والمغازي ممن عاصروا الإمام البخاري – رحمه الله – ومن أبرزهم : (ص 30).

ابن سعد([38]) (ت 230هـ) ولم يفرد المسيرة بمصنف وإنما أفرد أول كتاب الطبقات لسيرة النبي ومغازيه في مجلدين تقريباً، وبقية الطبقات لتراجم الصحابة والتابعين والعلماء إلى عصره، وهو مطبوع.

ومن رجال هذه الطبقة أيضاً ابن أبي خيثمة([39]) (ت 279هـ) وكتابه مرتب على الطبقات ذكر فيه تراجم الرواة إلى عصره ومزجه بالتاريخ والسير مع النقد وعلل الحديث ومنهجه مثل منهج ابن سعد في طبقاته، وكتابه غير مطبوع.

ومن رجال هذه الطبقة أيضاً خليفة بن خياط العصفري([40]) (ت 240هـ) له كتاب التاريخ وهو مرتب على السنوات، وكتاب الطبقات، كلاهما مطبوع، وخليفة بن خياط من شيوخ الإمام البخاري وقد روى عنه في الجامع الصحيح.

هـ – كتب التفسير :

وهي الكتب التي اهتمت بتفسير القرآن بالأثر وقد كانت هناك كتب كثيرة في القرنين الثاني والثالث في تفسير القرآن([41]) ومن أهمها :

1)           تفسير مجاهد([42]) (ت 101هـ). (ص 31)

2)     تفسير سفيان الثوري (ت 161هـ) : لم يفسر فيه الثوري جميع الآيات بل يفسر الآيات التي وصله شيء من تفسيرها عن السلف، وما عثر عليه من هذا التفسير يشتمل على 49 سورة من القرآن الكريم آخرها سورة الطور، وقد حققه الأستاذ امتياز علي العرشي وطبعه في رامبور الهند، ثم طبعته دار الكتب العلمية في بيروت سنة 1403هـ.

3)           تفسير عبد الرزاق الصنعاني([43]) (ت 211هـ).

4)           تفسير إسحاق بن راهوية (ت 228هـ).

5)           تفسير عثمان بن أبي شيبة (ت 239هـ).

6)           تفسير أبي بكر بن أبي شيبة (ت 235هـ).

7)           تفسير ابن ماجه القزويني (ت 275هـ).

و – الأجزاء ا لمفردة في أبواب مخصوصة :

وهي كثيرة جداً نذكر منها([44]) :

1)           الإيمان للإمام أحمد.

2)           الإيمان لأبي بكر بن أبي شيبة.

3)           الطهور لأبي عُبيد القاسم بن لام البغدادي اللغوي الحافظ (ت 222هـ أو 223هـ أو 224هـ).

4)           الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين الكوفي التميمي (ت 118هـ أو (ص 32) 119هـ) من شيوخ الإمام البخاري.

5)           قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي.

6)           الزكاة لأبي محمد يوسف بن يعقوب القاضي.

7)           الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام.

8)           الإيمان والنذور، والنكاح، له أيضاً.

9)           الجهاد لعبد الله بن المبارك (ت 181هـ) وهو أول من صنف فيه.

10)     الاستئذان والبر والصلة له أيضاً.

11)     الزهد للإمام أحمد، وهو من أحسن ما صنف في هذا الموضوع، لكنه مرتب على الأسماء.

12)     الزهد لعبد الله بن المبارك، وهو مرتب على الأبواب، وفيه أحاديث واهية.

13)     الزهد لهناد بن السري بن مصعب التميمي الحافظ (ت 243هـ).

14)     الذكر والدعاء لأبي يوسف صاحب أبي حنيفة (ت 182هـ).

15)     الأمثال لأبي عبيد القاسم بن سلام.

16)  العلم لأبي خيثمة زهير بن حرب النسائي البغدادي الحافظ (ت 234هـ) روى عنه الإمام مسلم أكثر من ألف حديث، وجزؤه هذا مطبوع بتحقيق الشيخ الألباني.

17)     فضائل القرآن للشافعي.

18)     ثواب القرآن لابن أبي شيبة.

وغير ذلك مما لا يحصى من الأجزاء في مختلف الموضوعات، وقد أفاد منها الإمام البخاري سواء في جامعه أم في غيره من مصنفاته التي سيأتي التعريف بها في آخر مبحث من هذا الفصل.

من خلال هذا العرض السريع لأهم المصنفات الحديثية إلى عصر الإمام البخاري تتجلى لنا الحقائق العلمية التالية : (ص 33).

¨      إن الإمام البخاري لم ينطلق في تصنيف جامعه من فراغ، بل يعتبر صحيحه حلقة من سلسلة ممتدة إلى المصنفين الأوائل كمالك وابن جريح والأوزاعي وابن المبارك وغيرهم.

إن الإضافة الجديدة التي أضافها الإمام البخاري تتمثل في :

¨      جعل كتابه جامعاً لأنواع علوم الإسلام من عقيدة وفقه وتفسير ومغازي وسير وزهد ورقاق وفضائل وآداب، بينما كان من سبقه يركز على علم من العلوم فالسنن والجوامع والموطآت كانت تهتم بما يتعلق بالأحكام الفقهية دون غيرها من العلوم. وكذلك كتب السير والمغازي. خاصة بهذا الفن ولا تتعرض لغيره. وكذلك كتب التفسير فهي موضوعة لهذا الجانب ولا تتعرض لغيره كالفقه والسير والمغازي. وأما الأجزاء الحديثية فكل جزء منها خاص بباب معين من أبواب العلم، بنما نجد الجامع الصحيح قد اشتمل على كل تلك العلوم وهذا السبب في تسميته بالجامع.

¨      كان من سبق من العلماء يجمع في كتابه الأخبار ولا يلتزم الصحة. فيذكر الصحيح والحسن والضعيف وقد يكون فيها الموضوع أحياناً، ولكن الإمام البخاري اقتصر في جامعه على الصحيح فقط لذا سماه الجامع الصحيح.

¨      كان من سبق من العلماء يجمع في كتابه الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة، والمتصل والمنقطع على حد سواء، لكن البخاري خصّص كتابه لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسانيد المتصلة، وإن كان يذكر فيه الآثار والموقوفات على سبيل التبع للاستشهاد، وقد حوى جملة كثيرة من الموقوفات والآثار وعادة يرويها معلّقة، فهي ليست مقصودة أصالة وإنما بالتبع والاستطراد، لذا سمى البخاري كتابه الجامع الصحيح المسند.

¨      كان المصنفون يهتمون بمزج الحديث بالفقه كما فعل مالك في موطئه، ويذكرون آراء العلماء وفقهاء التابعين والأمصار، والإمام (ص 34) البخاري لم يهمل هذه الناحية، ولم يتوسع في ذكر فقه الحديث وإنما سلك طريقة مختصرة وهي أنه يضمن فقه الحديث في الترجمة حتى شاع على ألسنة العلماء أن فقه الإمام البخاري في تراجمه، ويعضد ما يذهب إليه بالآيات والآثار ثم يذكر أهم ما ورد في الباب من الأحاديث المرفوعة المسندة. لهذه السمات والخصائص كان صحيح البخاري أهم كتب الحديث. وهذه جملة من ثناء العلماء على صحيحه.

قال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي : " ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل "([45]).

وقال أبو جعفر العقيلي : " لما صنّف البخاري كتاب الصحيح عرضه على ابن المديني وأحمد بن حنبل ويحي بن معين، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث ". قال العقيلي : "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحه ".

وقال الحاكم أبو أحمد : " رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام، فإنه الذي ألف الأصول وبين للناس وكل من عمل من بعده فإنما أخذه من كتابه كمسلم، فرق كتابه في كتابه وتجلد فيه حق الجلادة حيث لم ينسبه إليه "([46]).

وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني : " لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء " وقال أيضاً : "إنما أخذ مسلم كتاب البخاري فعمل فيه مستخرجاً وزاد فيه أحاديث "([47]).

وما قاله الحاكم أبو أحمد والحافظ والدارقطني فيه إجحاف للإمام مسلم (ص 35) – رحمه الله – وإن كان قد استفاد من كتاب البخاري ومن علمه لكنه أضاف إليه مما ليس فيه وركز فيه على الأسانيد واختلاف الروايات ومتون الأحاديث وغيرها مما يتعلق بالصنعة الحديثية([48])، مما لم يركز عليه الإمام البخاري في صحيحه. (ص 36).

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني

النقد وعلوم الحديث إلى

عصر الإمام البخاري

لقد مر بنا في المبحث السابق أن علماء الحديث في القرنين الثاني والثالث الهجري قد بذلوا جهوداً عظيمة في تدوين السنة والحفاظ عليها بأنواع شتى من المصنفات، وطرق مناهج مختلفة في التأليف، والسؤال الذي يطرح هل كان إلى جانب هذا الجهد العظيم في الجمع والتصنيف، جهداً موازياً في النقد والتمحيص ؟

وقبل الإجابة على هذا السؤال، نحدد المراد بالنقد لغة واصطلاحاً ثم ما هي عوامل ظهوره ثم نعرض بشيء من الاختصار إلى جهود المحدثين ومصنفاتهم في النقد الحديثي إلى عصر الإمام البخاري.

تعريف النقد :

فالنقد لغة : هو تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، وكذا تميز غيرها ومثل هذا المصدر في مدلوله، التنقاد والتنقد من انتقد وتنقد الدراهم : أي ميز جيدها من رديئها([49]). (ص 37).

وناقده : ناقشة في الأمر([50]).

النقد اصطلاحاً : هو دراسة الرواة والمرويات لتمييز جيدها من رديئها، وعلوم الحديث كلها تعتبر نتاجاً لهذه المهمة التي اضطلع بها المحدثون والحفاظ، ومن أبرز هذه العلوم علمي الجرح والتعديل وعلل الحديث.

دوافع النقد وعوامل ظهوره :

اختلفت عوامل ظهور النقد باختلاف المراحل التي مر بها، ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين :

أ – المرحلة الأولى : وهي تتمثل في المرحلة التي سبقت ظهور الفتن والبدع ويقف وراء ظهور النقد في هذه الفترة عامل واحد وهو ما جبل عليه الإنسان من الوهم والخطأ والنسيان.

ب – المرحلة الثانية : وهي المرحلة التي ظهرت فيها البدع والفتن، ويقف إلى جانب العامل الأول عامل آخر كان وراء تطور حركة النقد ونشاطها، وهو الكذب([51])، ولقد هيأ الله لهذه المهمة رجالاً قاموا بها أحسن قيام فقد وجد في كل عصر، وفي كل مصر من الجهابذة والحفاظ من يقوم بهذه الوظيفة من عهد الصحابة والتابعين إلى أتباعهم، يأخذ كل واحد منهم ما عند شيخه، ويضيف إليه ما توصل إليه بخبرته فتجمعت مادة علمية غزيرة في الكلام على الرواة والأحاديث إلى أن وصل الأمر إلى الأئمة الذين دوّنوا المصنفات المستقلة مثل : يحي ابن معين، والبخاري، وابن أبي حاتم وغيرهم.

والذي أريد التركيز عليه هو حركة التدوين في النقد وعلوم الحديث (ص 38) ويمكن تقسيمها إلى المراحل التالية([52]) :

المرحلة التمهيدية : وهو الشكل المبدئي والأولي للتدوين، إذ كان عبارة عن ملاحظات واستدراكات وتصويبات تدوّن بهوامش المرويات يستفيدها التلاميذ من شيوخهم، وتعتبر هذه التدوينات النواة الأولى لما عرف فيما بعد بالمسانيد المعللة.

المرحلة الثانية : وتتمثل في المسانيد المعللة، وتعتبر هذه المسانيد أول علوم الحديث ظهوراً ونشأة، لأنها تضم خليطاً من المعارف الحديثة : توثيق الرواة، أو تضعيفهم، أو بيان وفاة، أو ضبط غريب، أو بيان شكل، أو توضيح كنية، أو نسبة، أو موطن، أو غير ذلك. ثم نمت بعض الشيء وبدأت تنفصل عن كتب الحديث لتأخذ تسميات خاصة كسؤالات فلان في الرجال، وكان طابع التدوين في هذه الفترة هو أن يقوم به التلاميذ عن الشيوخ ويحتفظون به، وهي في الحقيقة إنتاج الشيوخ ومؤلفاتهم، أو ما جمعوه عن شيوخهم في علوم الحديث.

وكما قام هؤلاء التلاميذ بجمع ما عند شيوخهم من علوم الحديث، قام هؤلاء الشيوخ أنفسهم بهذه المهمة، فدوّنوا عن شيوخهم كثيراً من المعلومات وأضافوا إليها، وهكذا كل طبقة عن التي تليها.

المرحلة الثانية : وتمثلها كتب هؤلاء النقاد أو الروايات عنهم، وهي وإن اختلفت مسمياتها فكلها تدور في فلك واحد، وهو نقد الرجال وعلل الحديث وما يتصل بهما من علوم الحديث. ويلاحظ هنا طابع التلازم بين نقد الرجال وعلل الحديث وهو سمة بارزة في مؤلفات ابن المديني ويحي بن معين والإمام أحمد – رحمهم الله تعالى –.

فالروايات عن يحي أخذت مسميات عدة هي : (التاريخ، معرفة الرجال، السؤالات) وأما عن أحمد بن حنبل : (العلل، العلل ومعرفة الرجال، التاريخ) وأما عن ابن المديني : (العلل، المسند بعلله، التاريخ). (ص 39).

وعلى الرغم من ذلك فقد ظهرت كتب مخصصة في هذه الفترة تناولت عدة فنون منها : الأسماء والكنى، الضعفاء والمدلسون، وأجزاء مستقلة لعلل أحاديث شيوخ معينين، وفي الوهم، وتفسير الغريب، والإخوة والأخوات، ومن عرف باللقب أو الاسم وهذه الكتب ذكرتها المصادر في مؤلفات ابن المديني.

ومن أحسن ما ألف في هذه المرحلة من حيث التنظيم والترتيب (طبقات ابن سعد)، وتعتبر من المصادر الأولى في علم الجرح والتعديل وعلم الرجال، وقد طبع في تسع مجلدات، وتغلب عليها الصبغة التاريخية، فمدلول كلمة تاريخ كان يشمل علم الرجال والنقد، إضافة إلى السير والمغازي، ثم اقتصر مدلوله بعد ذلك على الأحداث التاريخية، فقد سمى كل من الدوري والدارمي روايتيهما عن يحي بن معين باسم التاريخ، وكذلك أبو بكر بن أبي شيبة (ت235هـ)* سمى كتابه في الرجال والجرح والتعديل باسم التاريخ، وكذلك الإمام الحافظ خليفة بن خياط العصفري (240هـ) له كتاب التاريخ والطبقات، وكذلك نجد الإمام البخاري سمى كتابه في علم الرجال والجرح والتعديل والعلل بالتاريخ الكبير وله التاريخ الأوسط والتاريخ الصغير**.

ــــــــــــــــــــــ

(*) قال الدكتور عبد المعطي قلعجي : هناك نسخة من تاريخ ابن أبي شيبة في مكتبة برلين في 113 ورقة (انظر مقدمة تحقيق كتاب الضعفاء للعقيلي ص33).

(**) سيأتي التعريف بهذه التواريخ الثلاثة في المبحث الرابع من هذا الفصل.

وقد اتخذ التدوين في العلل والرجاء في هذه المرحلة اتجاهين :

¨                ذكر الجرح والتعديل وأحوال الرواة مضموماً إلى ذلك العلل في مناسبات تتصل بتراجمهم، والكتب السابقة تمثل هذا الاتجاه.

¨       والاتجاه الثاني : يتمثل في عرض الأحاديث التي تطرقت إليها العلل، ثم يتبع ذلك بيان حال الرواة، وجرحهم وتعديلهم والتوسع في ذلك، مع التطرق إلى ذكر أوطانهم أحياناً، ويمثل هذا الاتجاه المسند المعلل (ص 40) ليعقوب بن شيبة السدوسي([53]).

المرحلة الثالثة : وتمثل هذه المرحلة مؤلفات ابن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ) وقد عمد إلى تلك المؤلفات التي وصلت إليه، فهذبها وأضاف إليها، وتعتبر كتبه نقلة نوعية في تدوين العلل والجرح والتعديل، فبعد أن كانت مادة العلل متداخلة في نقد الرجال، جرّدها وجعل كل واحدة مستقلة عن الأخرى.

وتتمثل تلك النقلة في اختيار العنوان أيضاً حيث سمى كتابه " الجرح والتعديل "([54]) ومن هنا حددت أغراضه الأساسية، وهي ذكر ما وصل إليه الرواة من جرح أو تعديل، وقد اعتمد اعتماداً كبيراً على التاريخ الكبير للبخاري حيث ضمنه كتابه وأضاف إليه ومن ثم أصبح كتابه مصدراً مهماً في بابه. وقد جرده من مادة العلل وألف فيها كتاباً مستقلاً سماه " علل الحديث([55]) " واحتذى في هذا حذو الترمذي في تأليفه " العلل الصغير والكبير " والبزار في " مسنده العلل ". (ص 41).

* * *

 

المبحث الثالث

ترجمة الإمام البخاري

نسبه ومولده :

هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي.

أسلم المغيرة على يد اليمان الجعفي والي بخاري، وكان مجوسياً. وقد طلب والد البخاري العلم.

قال البخاري :

" سمع أبي من مالك بن أنس، ورأى حماد بن زيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه "([56]).

وقد اختلف في ضبط اسم جده الأعلى (بردزبه).

فقد ضبطه الأمير بن ماكولا([57]) بباء موحدة مفتوحة ثم راء ساكنة ثم دال مهملة مكسورة، ثم زاي ساكنة ثم باء موحدة ثم هاء، وقال ابن (ص 42) حجر :([58]) " هذا هو المشهور في ضبطه ".

وقال ابن خلكان([59]) : " وقد اختلف في اسم جده فقيل : يزدبة بفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الزاي وكسر الذال المعجمة، وبعدها باء موحدة ثم هاء ساكنة ".

وقال الذهبي في السير([60]) : " محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة، وقيل بذدزبة " وكذا ضبطه المزي في تهذيب الكمال([61]). وبردزبة بالبخاري، ومعناه بالعربية الزرّاع([62]).

وأما البخاري فهي نسبة إلى البلد المعروف بما وراء النهر يقال لها بخاري خرج منها جماعة من العلماء في كل فن يتجاوزون الحد، وصنف تاريخها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الغنجار الحافظ البخاري وأحسن في ذلك([63]).

وأما الجعفي فلأن أبا جده أسلم على يد الميمان الجعفي، فنسب إليه لأنه مولاه من فوق([64]).

ولد الإمام البخاري يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وقد ذهب بصره في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيم الخليل فقال لها : " يا هذه قد رد الله على ابنك بصره (ص 43) لكثرة بكائك أو دعائك "([65]).

طلبه للعلم :

طلب العلم وهو صبي، وكان يشتغل بحفظ الحديث وهو في الكتاب ولم تتجاوز سنه عشر سنين، وكان يختلف إلى محدثي بلده ويرد على بعضهم خطأه فلما بلغ ستة عشر سنة، كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع وعرف فقه أصحاب الرأي، ثم خرج مع أمه وأخيه أحمد إلى مكة، فلما حجّ رجع أخوه بأمه، وتخلف هو في طلب الحديث([66]).

شيوخه :

لقد أخذ البخاري عن شيوخ كثيرين قد ذكرهم من ترجم للبخاري. فمنهم من صنفهم على حروف المعجم كالمزي في تهذيب الكمال([67]) وحاول استقصاءهم، وذكرهم الذهبي في السير على البلدان([68])، وذكرهم أيضاً على الطبقات([69])، وقد تبعه الحافظ ابن حجر في ذكرهم على الطبقات([70]).

وهذه أسماء بعض منهم على البلدان :

سمع ببخاري قبل أن يرتحل من عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي المسندي، ومحمد بن سلام البيكندي، وجماعة.

ثم سمع ببلخ من مكي بن إبراهيم وهو من عوالي شيوخه.

وسمع بمرور من عبدان بن عثمان، وعلي بن الحسين شقيق، وصدقة بن الفضل وغيرهم. (ص44).

وسمع بالري من إبراهيم بن موسى.

وسمع بنيسابور من يحي بن يحي وجماعة.

وببغداد من محمد بن عيسى الطباع، وسريج بن النعمان، وعفان، ومحمد بن سابق.

وبالبصرة من أبي عاصم النبيل، والأنصاري، ومحمد بن عرعرة وغيرهم.

وبمكة من أبي عبد الرحمن المقريء، وخلاد بن يحي، والحميدي وغيرهم.

وبالمدينة من عبد العزيز الأوسي، وأيوب بن سليمان بن بلال، وإسماعيل بن أبي أويس.

وبمصر من سعيد بن أبي مريم، وأحمد بن إشكاب، وعبد العزيز بن يوسف، وأصبغ وغيرهم.

وبالشام : من أبي اليمان، ومحمد بن يوسف الفرياني، وأبي مسهر، وأمم سواهم.

وقال رحمه الله : " كتبت عن ألف وثمانين رجلاً ليس منهم إلا صاحب حديث. كانوا يقولون: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص "([71]).

تلاميذه :

روى عنه خلق كثير منهم : أبو عيسى الترمذي، وأبو حاتم، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وأبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، وصالح بن محمد جزرة، ومحمد بن عبد الله الخضري مطين، وإبراهيم بن معقل النسفي، وعبد الله بن ناجية، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وعمرو بن محمد بن بجير، وأبو كريب محمد بن (ص 45) جمعة، ويحي بن محمد بن صاعد ومحمد بن يوسف الفربري " راوي الصحيح " وأبو بكر بن أبي داود، والحسين والقاسم ابنا المحاملي، وعبد الله بن محمد بن الأشقر، ومحمد بن سلمان بن فارس، ومحمد بن عنبر النسفي وأمم لا يحصون، وروى عنه الإمام مسلم في غير " صحيحه "([72]).

منزلته العلمية :

اشتهر البخاري في عصره بالحفظ والعلم والذكاء، وقد وقعت له حوادث كثيرة تدل على حفظه منها امتحانه يوم دخل بغداد وهي قصة مشهورة([73]).

وكان – رحمه الله – واسع العلم غزير الاطلاع، قال وراقة ابن أبي حاتم : قرأ علينا أبو عبد الله كتاب " الهبة " فقال ليس في " هبة وكيع " إلا حديثان مسندان أو ثلاثة، وفي كتاب ابن المبارك خمسة أو نحوه وفي كتابي هذا خمسمائة حديث أو أكثر([74]).

وقال : " لا أعلم شيئاً يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب أو السنة. فقيل له : يمكن معرفة ذلك كله قال نعم "([75]).

وقال له بعضهم، قال فلان عنك لا تحسن أن تصلي، فقال : لو قيل شيء من هذا ما كنت أقوم من ذلك المجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة([76]). (ص 46)

ثناء الأئمة عليه :

أثنى عليه أئمة الإسلام، وحفاظ الحديث ثناءً عاطراً واعترفوا بعلمه وفضله وخاصة في الرجال وعلل الحديث، وهذا شيء يسير من ثناء هؤلاء الأئمة عليه([77]).

قال الإمام البخاري رحمه الله : ذاكرني أصحاب عمرو بن علي الفلاس بحديث، فقلت : لا أعرفه فسُروا بذلك، وصاروا إلى عمرو فأخبروه، فقال : حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث.

وكان إسحاق بن راهوية يقول : اكتبوا عن هذا الشاب – يعني البخاري – فلو كان في زمن الحسن لاحتاج الناس إليه لمعرفته بالحديث وفقهه.

وقال الإمام أحمد : ما أخرجت خرسان مثل محمد بن إسماعيل.

وكان علماء مكة يقولون : محمد بن إسماعيل إمامنا وفقيهنا وفقيه خرسان.

وقال محمد بن أبي حاتم : سمعت محمود بن النضر أبا سهل الشافعي يقول : دخلت البصرة والشام والحجاز والكوفة ورأيت علماءها كلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم.

عبادته وورعه وصلاحه :

وكما جمع الإمام البخاري بين الفقه والحديث فقد جمع الله له بين العلم والعبادة. فقد كان كثير التلاوة والصلاة، وخاصة في رمضان فهو يختم القرآن في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة([78]).

وكان أحياناً يعرض له ما يؤذيه في صلاته فلا يقطعها حتى يتمها، فقد أبَّره زنبور في بيته سبعة عشر موضعاً وقد تورّم من ذلك جسده فقال له ( ص 47) بعض القوم : كيف لم تخرج من الصلاة أول ما أبرك ؟ فقال : كنت في سورة فأحببت أن أتمها([79]).

كما كان – رحمه الله – ورعاً في منطقه وكلامه فقال رحمه الله : أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً([80]).

وكان مستجاب الدعاء، فلما وقعت له محنته قال بعد أن فرغ من ورده : " اللهم إنه قد ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك " فما تم شهر حتى مات([81]).

وقال رحمه الله : ما ينبغي للمسلم أن يكون بحالة إذا دعا لم يستجب له، فقالت له امرأة أخيه: فهل تبينت ذلك من نفسك أو جربت ؟ قال نعم، دعوت ربي مرتين فاستجاب لي، فلم أحب أن أدعو بعد ذلك، فلعله ينقص من حسناتي، أو يعجل لي في الدنيا ثم قال : ما حاجة المسلم إلى الكذب والبخل([82]).

أخلاقه :

كان – رحمه الله – كريماً سمحاً كثير الإنفاق على الفقراء والمساكين، وخاصة من تلاميذه وأصحابه، ولا بأس أن أورد هذه القصة الدالة على أخلاقه العالية.

قال عبد الله بن محمد الصارفي : كنت عند أبي عبد الله في منزله، فجاءته جارية، وأرادت الدخول، فعثرت على محبرة بين يديه، فقال لها : كيف تمشين ؟ قالت : إذا لم يكن الطريق كيف أمشي ؟ فبسط يديه، وقال (ص 48) لها : اذهبي فقد اعتقتك. قال : فقيل له فيما بعد : يا أبا عبد الله أغضبتك الجارية ؟ قال : إن كانت أغضبتني فإني أرضيت نفسي بما فعلت([83]).

محنته وصبره :

لما ورد محمد بن إسماعيل البخاري نيسابور، قال محمد بن يحي الذهلي لأهلها : اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح فاسمعوا منه. فذهب الناس إليه، وأقبلوا على السماع منه. حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحي، فحسده بعد ذلك وتكلم فيه([84]) فدسّ بعض من يمتحنه في (مسألة اللفظ بالقرآن) فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظ بالقرآن ؟ مخلوق هو أم غير مخلوق ؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه، فقال الرجل : يا أبا عبد الله فأعاد عليه القول، ثم قال في الثالثة، فالتفت إليه البخاري، وقال : القرآن كلام الله غير مخلوق، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة، فشغّب الرجل وشغّب الناس، وتفرقوا عنه، وقعد البخاري في منزله([85]).

قال يحي بن سعيد القطان : قال (أي البخاري) : أعمال العباد كلها مخلوقة فمرقوا عليه. وقالوا له بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى نعود إليك قال : لا أفعل إلا أن يجيئوا بحجة فيما يقولون أقوى من حجتي. قال يحي : وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته([86]).

قال الحاكم : حدثنا طاهر بن محمد الوراق، سمعت محمد بن شاذل يقول : لما وقع بين محمد بن يحي والبخاري، دخلت على البخاري فقلت يا أبا عبد الله : أيش الحيلة لنا فيما بينك وبين محمد بن يحي ؟ كل من يختلف إليك يطرد. (ص 49).

فقال : كم يعتري محمد بن يحي الحسد في العلم، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء، فقلت : هذه المسألة التي تحكى عنك .. قال : يا بني هذه مسألة مشؤومة رأيت أحمد بن حنبل وما ناله في هذه المسألة !

وجعلت على نفسي أن لا أتكلم فيها.

قال الذهبي : " المسألة هي أن اللفظ مخلوق، سئل عنها البخاري، فوقف واحتج بأن أفعالنا مخلوقة واستدل لذلك ففهم منه الذهلي أنه يوجه مسألة اللفظ، فتكلم فيه. وأخذه بلازم قوله هو وغيره "([87]).

وقد أظهر البخاري في هذه المحنة صبراً لا مثيل له. فقد كان كثيراً من أصحابه يقولون له : إن بعض الناس يقع فيك فيقول : } إن كيد الشيطان كان ضعيفاً {([88])، ويتلو أيضاً : } ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله {([89]).وقال له بعضهم : كيف لا ندعو على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويتهمونك ؟ ! فقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اصبروا حتى تلقوني على الحوض "([90]). وقال: " من دعا على ظالمه فقد انتصر "([91]).

وقال له بعضهم : يا أبا عبد الله إن فلاناً يكفرك فقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما "([92]). وكان في هذه المحنة هجيراه من الليل يردد قوله تعالى: (ص 50)

} إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده {([93]).

قال أحمد بن سلمة : دخلت على البخاري فقلت : يا أبا عبد الله هذا رجل مقبول بخرسان وخصوصاً هذه المدينة وقد لجَّ في هذا الحديث حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه. فما ترى ؟ فقبض على لحيته ثم قال : } وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد {([94]) اللهم إنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشراً ولا بطراً، ولا طلباً للرياسة، وإنما أبت عليَّ نفسي في الرجوع إلى وطني لغلبة المخالفين، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما آتاني لله لا غير، ثم قال لي : إني خارج غداً لتتخلصوا من حديثه لأجلي. قال فأخبرت جماعة أصحابنا، فوالله ما شيعه غيري كنت معه حين خرج من البلد. وأقام على باب البلد ثلاثة أيام لإصلاح أمره([95]).

وقد اقترح عليه بعض أصحابه، وهو أحمد بن سيار : ألا يظهر هذا القول عند العامة فإنها لا تحتمل منه هذا وبين له أنه لا يخالفه في قوله وإنما يدعوه إلى ستره. فقال البخاري : إني أخشى النار، أسأل عن شيء أعلمه حقاً أن أقول غيره فانصرف عنه أحمد بن سيار([96]).

ولقد كانت هذه المحنة سبباً للطعن في هذا الإمام العظيم، والقدح في عدالته عند بعض الأئمة المعاصرين له. قال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي([97]) : " قدم محمد بن إسماعيل الري سنة خمسين ومائتين، وسمع منه أبي، وأبو زرعة، وتركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحي أنه أظهر عندهم بنيسابور أن لفظه بالقرآن مخلوق " قال الذهبي([98]) – رحمه الله - : " إن تركا حديثه، أو لم يتركا، البخاري ثقة مأمون يحتج به في العالم " ولم تكن محنة هذا الإمام لتنتهي (ص 51) بخروجه من نيسابور، بل قد وقعت له في بخاري محنة أخرى هي امتداد للأولى. إذ لما قام البخاري " بخاري " استقبله أهلها استقبالاً عظيماً، وبقي أياماً على الحفاوة والتكريم. فكتب بعدها محمد بن يحي الذهلي، إلى خالد بن أحمد أمير بخاري " إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة. فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا : لا نفارقه، فأمره الأمير بالخروج من البلد، فخرج([99]) وقد ذكر المؤرخون سبباً آخر يمكن أن يكون هو السبب الحقيقي لنفرة هذا الأمير من البخاري. فقد طلب من البخاري لما قدم "بخارى" أن يحمل " الجامع " و " التاريخ " وغيرها من كتبه ليسمعها الأمير وأهل بيته، لكن البخاري اعتبر ذلك إذلالاً للعلم. وقال لرسوله : " أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلي شيء منه حاجة، فاحضر إلى مسجدي أو في داري، وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار([100]) "([101]).

وفاته :

لما منع البخاري من العلم خرج إلى " خرتنك " وهي قرية على فرسخين من سمرقند، كان له بها أقرباء فبقي فيها أياماً قليلة، ثم توفي وكان ذلك ليلة السبت ليلة عيد الفطر عند صلاة العشاء، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر سنة ستة وخمسين ومائتين، وعاش اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً([102]) وكانت حياته كلها حافلة بالعلم معمورة بالعبادة، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء. (ص 52).

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الرابع

الآثار العلمية للإمام البخاري

لقد ترك الإمام البخاري إنتاجاً علمياً غزيراً يدل على علمه وتمكنه، وقد استفاد ممن قبله واستفاد منه من جاء بعده فاقتدوا به في مصنفاته، واحتذوا حذوه. وساروا على طريقته. ولقد حفظت لنا كتب التاريخ والتراجم أسماء كتبه ومصنفاته، لكن الكثير منها فقد منذ أمدٍ بعيد، وهذه أسماء كتبه التي ذكرها العلماء([103]) وسأعرّف بالموجود منها.

1)           الجامع الصحيح.

2)           الأدب المفرد.

3)           التاريخ الكبير.

4)           التاريخ الأوسط.

5)           التاريخ الصغير.

6)           خلق أفعال العباد.

7)           الرد على الجهمية.

8)           الجامع الكبير. (ص 53)

9)           المسند الكبير.

10)     الأشربة.

11)     الهبة.

12)     أسامي الصحابة الوحدان.

13)     المبسوط.

14)     المؤتلف والمختلف.

15)     العلل.

16)     الكني.

17)     الفوائد.

18)     قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم.

19)     رفع اليدين في الصلاة.

20)     القراءة خلف الإمام.

21)     بر الوالدين.

22)     الضعفاء.

1 – الجامع الصحيح :

أ – دوافع تأليف :

من خلال ما تقدم عرضه – في المباحث السابقة – من كتب السنة والحديث التي سبقت ظهور الجامع الصحيح نلاحظ أن تلك المؤلفات لم تفرد الحديث الصحيح بالتأليف وإنما كانت تضم الصحيح والضعيف والمعلول وأحياناً الجرح والتعديل وغيرها من علوم الحديث كما تقدم بيانه سابقاً. وكان علماء الحديث يفعلون ذلك ثقة منهم أنه في إمكان أي محدث أو فقيه أن يميز هذا من ذاك، من غير تنصيص من هؤلاء المؤلفين. لكن يبدو أن هذا (ص 54) الأمر أصبح عسيراً في النصف الأول من القرن الثالث الهجري. فقد استطال السند، وكثر الرواة، وتشعبت الطرق، فأصبح من العسير جداً على غير الأئمة النقاد التمييز بين الصحيح من عشرات الأحاديث والطرق الضعيفة أو المعلولة للحديث الواحد. وأصبحت الحاجة ماسة جداً إلى وضع كتاب يضم الصحيح فقط ويتحاشى الضعيف والمعلول. وليس هذا فحسب، بل أن يكون مختصراً، إذ المؤلفات السابقة، كما مر في المباحث المتقدمة، كانت واسعة وكبيرة وخاصة الجوامع والمسانيد، وحتى لا يكون هذا لاختصار مخلاً فالإمام البخاري جعل كتابه شاملاً لأهم مقاصد تلك الكتب السابقة، ففيه ما يتعلق بالتوحيد، وفيه ما يتعلق بالفقه والأحكام، وفيه ما يتعلق بالتفسير، وما يتعلق بالسير والمغازي، والشمائل والمناقب، والطب والرؤيا، ومن ثمة كان حرياً أن يوصف بأحسن وخير كتب الإسلام كما وصفه بذلك الإمام المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –([104]).

وقد أعلن هذه الحاجة المحدث الكبير شيخ الإمام البخاري. الإمام إسحاق بن راهوية في مجلس من مجالسه العلمية قال : " لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

قال الإمام البخاري : " فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح "([105]).

وقد ظهر لي غرض آخر دفع البخاري إلى تأليف جامعه وهو تلك (ص 55) الموجة من البدع التي ظهرت في القرنين الثاني والثالث، كالإرجاء والاعتزال والخروج ، والتجهم والنصب، والتشيع، وبدع سلوكية كالتصوف الغالي، وبدع مذهبية فروعية، كالتعصب لإمام ما والإقبال على استعمال الرأي وتكلف القياس وأطراح السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك كله جرد الإمام البخاري نفسه من خلال جامعه للرد على كل هذه البدع بالسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فكتاب " الإيمان " من " جامعه " قد ذكر فيه مذهب أهل السنة والجماعة في حقيقة الإيمان من أنه قول وعمل، يزيد وينقص وضمنه الرد على المرجئة، وهذا واضح في كثير من تراجم هذا الكتاب منها :

" دعاؤكم إيمانكم "، " أمور الإيمان "، " من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه "، " علامة الإيمان حب الأنصار "، " تفاضل أهل الإيمان "، " الصلاة من الإيمان "، " اتباع الجنائز من الإيمان"، " زيادة الإيمان ونقصانه "، وكذلك ضمنه الرد على غلاة الخوارج والمعتزلة الذين يجعلون الأعمال ركناً من الإيمان يزول بزوالها. فيكفرون أهل الكبائر ويحكمون بخلودهم في النار، وهذا الرد في التراجم التالية : " كفران العشير، وكفر دون كفر " و " المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها إلا بالشرك "، " ظلم دون ظلم ".

وأما كتاب " فضائل الصحابة " وكتاب " مناقب الأنصار " فقد ضمنها الرد على الشيعة الروافض والناصبة، والخوارج وغيرهم من المنحرفين عن أصحاب رسول الله كلهم أو بعضهم، فقد أورد مناقب أبي بكر وعمر وعثمان، وفضل عائشة، ومعاوية وهذا رد على الشيعة. وأورد فيه ما يدل على فضل علي والحسن والحسين، ومناقب فاطمة وهذا رد على الخوارج([106]) والنواصب([107]). (ص 56).

وأما كتاب " القدر " فقد ضمنه الرد على القدرية النفاة([108]).

وأما كتاب " الفتن " فقد ضمنه الرد على من يرى الخروج على الأئمة بالسيف من الخوارج والمعتزلة([109])، وأما كتاب " الأحكام " فقد ضمنه الرد على انحرافات الشيعة([110]) والخوارج فيما يتعلق بالإمامة كما ضمن كتاب " أخبار الآحاد "، وكتاب " الاعتصام بالسنة " الرد على من لا يرى قبول أخبار الآحاد من المعتزلة وغيرهم، وأما كتاب " الاعتصام بالسنة " فقد ضمنه الحث على التمسك بها، وهو رد على غلاة القياسيين، وأهل الرأي ومن تراجمه فيه : " باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس "، " باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عما لم ينزل عليه من الوحي فيقول لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي ولم يعمل برأي ولا بقياس لقوله تعالى : }بما آراك الله {، " تعليم النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأي ولا تمثيل".

أما " كتاب التوحيد " فهو في بعض روايات الصحيح " كتاب التوحيد والرد على الجهمية([111]) وغيرهم " وضمنه مذهب أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات، وفيه رد بالغ على الجهمية والمعتزلة ومن تابعهم في إنكار صفات الله عز وجل وأسمائه أو تأويلها على غير ما ورد به الشرع. (ص 57).

وقد أفرد في جامعه كتاباً للزهد والرقاق ضمنه ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع وفي كثير من أبوابه رد على غلو الصوفية الذين أحدثوا مناهج مبتدعة في تزكية النفوس، من هذه الأبواب : " القصد والمداومة على العمل "، " الرجاء مع الخوف ".

ب – الأغراض الفقهية للبخاري في صحيحه :

اشتمل الجامع الصحيح للإمام البخاري على (97) كتاباً و (3450) باباً مرتبة على المسائل الفقهية والعقدية وغيرها.

وكان رحمه الله يقطع الأحاديث ويختصرها ويكررها في مواضع مختلفة لتخدم الناحية الفقهية، من أجل ذلك نجد أن كتابه لم يتضمن الأحاديث الصحيحة المسندة فحسب، والتي هي أصل الكتاب. ومن أجلها صنفه، وإنما ضم إلى جانب ذلك الكثير من الآيات القرآنية التي لها صلة بموضوع الباب الذي يذكره، وأقوال السلف من الصحابة والتابعين، وكثيراً من الأحاديث المعلقة وكثيراً مما يستنبطه من معاني الأحاديث من الفقه والأحكام. بما تقدم ذكره، وبتراجمه التي أودعها استنباطاته العجيبة، وبرده على كثير من المخالفين لأهل الحديث.

وقد اهتم الكثير من العلماء بالجانب الفقهي من صحيح البخاري ودوّنوا فيه مصنفات كثيرة.

جـ – عناية الأمة الإسلامية وعلمائها بصحيح البخاري :

لم يحظَ كتاب بعد كتاب الله من العناية ما حظيه صحيح البخاري، وكانت هذه العناية جهوداً علمية دقيقة في خدمة هذا الكتاب، فقد انتقل إلينا صحيح البخاري من مؤلفه إلى عصرنا عبر أيد علمية أمينة : سماعاً أو إجازة، أو مناولة، وميزوا بين الروايات المختلفة والنسخ وما بينها من فروق معزوة إلى أصحابها، وهذه الاختلافات سببها اختلاف الأوقات التي يسمع فيها تلاميذ البخاري منه، أو لبعض أخطاء النساخ وأشهر هذه الروايات هي : (ص 58).

1)           رواية أبي ذر عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي الحافظ([112]).

2)           رواية ابن السكن : أبو علي سعيد بن عثمان الحافظ([113]).

3)           رواية الأصيلي : أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي([114]).

4)           رواية النسفي : أبو إسحاق إبراهيم بن معقل النسفي([115]).

والروايات الثلاث الأولى كلها عن طريق الفربري([116]) أما الرواية الرابعة فهي للنسفي عن البخاري، وقد سمع بعضه، وأجاز له من أول كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب.

ولقد اهتم العلماء بضبط هذه الروايات وتحريرها، وممن قام بهذا العمل الحافظ شرف الدين علي بن محمد بن عبد الله اليونيني([117]) عندما قام (ص 59) بضبط رواية البخاري وقابل أصله بأصل مسموع على الحافظ أبي محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي، وبأصل أبي القاسم بن عساكر، وبأصل مسموع على أبي الوقت، وقد حضر معه في هذه المقابلة الإمام النحوي جمال الدين بن مالك([118])، فكان إذا مر بلفظ يظهر أنه مخالف لقوانين العربية المشهورة، قال لليونيني، هل الرواية فيه كذلك ؟ فإن أجابه بأنه ثابت في الرواية شرع ابن مالك في توجيهها، وجمع هذه التوجيهات في كتاب سماه "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح " وهو مطبوع. ولم يقصد اليونيني أن يرجع بهذه المقابلة ما هو ثابت في الأصول، ويخرج منها صورة مختارة – في نظره – لصحيح البخاري، وإنما قصد أن يجمع تلك الروايات كلها في صعيد واحد، تيسيراً لمن يريد الانتفاع بها من العلماء، وإغناء له عن التنقيب عليها في مختلف المظان. وقد استعان بالرموز في الإشارة إلى اختلاف النسخ، حيث اختار من بعض حروف الهجاء علامات يضعها على مواطن الخلاف، وبذلك ضبط رواياتهم مجتمعة بأخصر طريق، وحرر ألفاظ الكتاب على نحو ما هو ثابت عند أصحاب الأصول الأربعة التي قابل عليها أصله.

والنص المطبوع الآن هو نسخة اليونيني هذه، مع مقارنة ببعض النسخ، وقد أرسل هذه الأصل إلى السلطان عبد الحميد لينشر في مصر، وقد طبع في مطبقة بولاق([119]).

وقد اهتم علماء آخرون بشرح صحيح البخاري ومن أبرز من قام بهذا العمل، الإمام أحمد بن محمد الخطابي (ت 386هـ)، ومحمد بن يوسف الكرماني (ت 788هـ) في كتابه " الكواكب الدراري " وهو مطبوع، ومنهم (ص 60) الإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ) في كتابه " فتح الباري " ومحمود بن أحمد العيني (ت 855هـ) في كتابه " عمدة القاري "، وأحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني (ت 923هـ) في كتابه " إرشاد الساري ".

وقد ذكر فؤاد سزكين في كتابه " تاريخ التراث العربي " (56) شرحاً. للجامع الصحيح، بعضها مخطوط وبعضها قد طبع عدة مرات كالكتب السابقة([120]).

وقد انصرف بعض العلماء إلى ضبط أسماء الرواة الوارد ذكرهم في الجامع الصحيح، والكلام عليهم جرحاً وتعديلاً. وقد أثمرت هذه الجهود كتباً كثيرة في هذا المجال أذكر منها ما يلي :

1)           أسامي من روى عنهم البخاري : لعبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني([121]) (ت 365هـ).

2)           الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد لأبي نصر أحمد بن محمد الكلاباذي([122]) (ت 398هـ).

3)     ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عن الثقات عند البخاري ومسلم. للدارقطني([123]) (ت 385هـ). طبع بتحقيق بوران الصناري، وكمال يوسف الحوت، بمؤسسة الكتب الثقافية – بيروت لبنان.

4)     تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم وما انفرد به كل واحد منهما، (ص 61) لأبي عبد الله الحاكم([124]) النيسابوري (ت 405هـ)، طبع بتحقيق كمال يوسف الحوت، بمؤسسة الكتب الثقافية – بيروت لبنان.

5)           تقيد المهمل وتميز المشكل : لأبي علي الغساني الجياني([125]) (ت 409هـ).

6)     الجمع بين رجال الصحيحين، لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي([126]) المعروف بابن القيسراني (ت 507هـ) وقد طبع في الهند، وتولت طباعته دائرة المعارف العثمانية سنة 1323هـ.

7)           المعلم بأسامي شيوخ البخاري ومسلم لمحمد بن إسماعيل بن خلفون([127]) (ت 636هـ) وهو مخطوط.

8)           رجال البخاري ومسلم لأحمد بن موسى الهكاري([128]) (ت 763هـ).

9)           قرة العين في ضبط أسماء رجال الصحيحين لعبد الغني البحراني([129]) (ت 1174هـ) وهو مطبوع. (ص 62).

2 – التاريخ الكبير :

صنفه البخاري في سن مبكرة وسنه إذ ذاك ثماني عشرة سنة وقد قصد منه الاختصار فقد قال رحمه الله : " كل اسم في التاريخ إلا وعندي قصته، إلا أنني كرهت أن يطول الكتاب "([130]). فالكتاب مخصص لرواة الحديث عامة سواء أكانوا ثقات أم ضعفاء وقد اعتمد فيه البخاري على الروايات في إثبات الأسماء والأنساب والكنى، كما اشتمل على الكثير من الجرح والتعديل إلى مادة هامة في علل الحديث. وهذه الغزارة العلمية كانت ولا تزال سبباً في غموض منهجه وصعوبة الاستفادة منه. وقد أدرك هذا الغموض الإمام البخاري قبل غيره. قال رحمه الله : " لو نشر بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ، ولو عرفوه "([131])، وقال : " أخذ إسحاق بن راهوية كتاب التاريخ الذي صنفته فأدخله على عبد الله بن طاهر. فقال : أيها الأمير ألا أريك سحراً ؟! قال : فنظر فيه عبد الله، فتعجب منه وقال لست أفهم تصنيفه "([132]) لذا ينبغي أن يكون الكتاب موضع اهتمام الباحثين والدارسين لتقريب الاستفادة منه*.

اشتمل التاريخ الكبير على (12315) ترجمة كما في النسخة المطبوعة المرقمة، ولقد رتبه البخاري – رحمه الله على حروف المعجم لكن بالنسبة للحرف الأول من الاسم والحرف الأول من اسم الأب لكنه بدأ الكتاب بأسماء المحمدين لشرف اسم النبي صلى الله عليه وسلم. (ص 63).

كما أنه قدم في كل اسم أسماء الصحابة أولاً، دون النظر إلى أسماء آبائهم، ثم ذكر بعد ذلك بقية الأسماء ملاحظاً ترتيب أسماء آبائهم([133]) كما أورد فيه قسماً خاصاً بالكنى، ولم يراع الترتيب في الأسماء التي لم تكثر فيها التراجم.

ويذكر البخاري ألفاظ الجرح والتعديل، لكنه يستعمل عبارات لطيفة في الجرح. فيقول مثلاً: " فيه نظر "، أو " سكتوا عنه " وأشد ما يقوله من العبارات في الجرح " منكر الحديث " وكثيراً ما يسكت عن الرجل فلا يذكر فيه توثيقاً ولا تجريحاً.

ولما كان هذا العمل جهداً بشرياً فإنه لم يسلم من الأوهام والأخطاء. لكنها أخطاء يسيرة وأوهام معدودة تكلم عليها الحفاظ وبينوها. فمن هؤلاء الحافظ الخطيب البغدادي في كتابه "موضح أوهام الجمع والتفريق " فالجمع عد الاثنين فأكثر واحداً، والتفريق : عد الواحد اثنين فأكثر ساق فيه أربعة وسبعين فصلاً غالبها في التفريق، وبعضها في الجمع، يورد في كل فصل عبارة التاريخ الكبير ثم يذكر رأيه ويستدل عليه بكلام الأئمة ويسوق الأسانيد التي تشهد له. والكتاب مطبوع وهو مفيد في بابه، وليس كل ما في مسلم له.

وانتقده من قبل الإمام ابن أبي حاتم الرازي في كتابه " خطأ الإمام البخاري في تاريخه " وهو مطبوع، كما انتقده أيضاً الحافظ عبد الغني في بعض الأوهام التي وقعت له، وهي أشياء يسيرة لا تتجاوز العشرة، وقد طبعت كملحق في الجزء الثامن من التاريخ الكبير طبعة دار الكتب العلمية بيروت.

3 – التاريخ الصغير :

انتزعه البخاري من التاريخ الكبير، ولكن رتبه حسب الوفيات ويكاد ينقل عبارته في معظم الأحيان مع حرصه على الاختصار، ومع ذلك فيه (ص 64) إضافات لا توجد في التاريخ الكبير، ويعتبر التاريخ الصغير من مصنفات البخاري المتأخرة بدليل إيراده للتراجم التي توفي أصحابها قبل وفاة البخاري بقليل، وقد طبع في مجلدين بتحقيق محمود إبراهيم زايد، بدار المعرفة بيروت سنة 1406 – 1986.

4 – التاريخ الأوسط :

ذكر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي([134])، أن هناك نسخة ناقصة منه في بنكيبور 12 : 32 رقم 687 وقد نقل منه الحافظ ابن حجر في التهذيب([135]).

5 – كتاب الكنى :

من الباحثين من يرى أنه كتاب مفرد مستقل عن التاريخ الكبير، كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر في مناسبات عدة، منها في أثناء تعديد مصنفات البخاري في مقدمة الفتح([136]) فتارة يسميه كتاب الكنى، وتارة الكنى المجردة، وتارة الكنى المفردة. ويرى الشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي – رحمه الله – بأنه جزء من التاريخ الكبير أو أنه متمم له([137]) وقد طبع بنهاية التاريخ الكبير، وقد اشتمل على (993) ترجمة’ وكانت استفادة العلماء من هذا الكتاب كبيرة وخاصة ممن ألف في هذا الموضوع ممن جاء بعد البخاري كالإمام مسلم في كتابه الكنى، والحاكم الكبير أبو أحمد.

6 – الضعفاء الكبير :

ذكره ابن النديم في الفهرست([138]) وبروكلمان في تاريخ الأدب العربي (ص 65) وذكر أنه يوجد مخطوطاً في مكتبة بتنة بالهند تحت رقم (3937).

7 – الضعفاء الصغير :

وقد أفرده للضعفاء ومن لا يحتج بحديثهم، وهو كتاب مختصر ومفيد في بابه. طبع في الهند سنة 1325هـ، ونشر مع كتاب المنفردات والوحدان للإمام مسلم سنة 1323. كما طبع بحلب في دار الوعي سنة 1396هـ.

خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل :

موضوع هذا الكتاب هو الرد على المعتزلة والقدرية النفاة لقدر الله عز وجل. والقائلين بأن العبد يخلق أفعال نفسه. وكذلك الرد على الجهمية والمعطلة النافين لصفات الله عز وجل، وقد أفاض البخاري في الرد عليهم في مسألة كلام الله وبيان أن القرآن كلام الله غير مخلوق. وقد تضمن هذا الكتاب (484) نصاً فيها الأحاديث المرفوعة، والموقوفة وآثار من كلام التابعين وأئمة السنة، وليس كل ما ورد فيه صحيح بل فيه الصحيح والحسن والضعيف، وهو كتاب مهم لأنه حفظ لنا كثيراً من نصوص السلف في مسائل الاعتقاد، كما أنه شهادة صادقة على أن الإمام البخاري – رحمه الله – كان من أئمة أهل السنة والجماعة المتبعين لما كان عليه سلف الأمة في مسائل الاعتقاد، والرد على أهل البدع والأهواء. وقد طبع هذا الكتاب وقام بتخريج أحاديثه وتصحيح ألفاظه كل من أبي محمد سالم بن أحمد بن عبد الهادي السلفي، وأبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني الأبياني.

9 – الأدب المفرد :

موضوع هذا الكتاب أحاديث الآداب والأخلاق وقد اشتمل على عدد ضخم من الأحاديث في هذا المجال فيها الصحيح والحسن والضعيف وسبب تسميته بالأدب المفرد هو التمييز بينه وبين كتاب الأدب في الجامع الصحيح وقد طبع عدة مرات وقام بشرحه بعض العلماء. (ص 66).

10 – جزء القراءة خلف الإمام :

تعرّض فيه لمسألة قراءة الفاتحة في الصلاة. فالبخاري رحمه الله يرى وجوب قراءة الفاتحة في الصلوات كلها ما يجهر فيها وما يخافت، وقد ذكر في الجامع الصحيح باباً ضمن فيه بعض الأحاديث الدالة على وجوب قراءة الفاتحة على الإمام والمأموم في جميع الصلوات سواء كانت سرية أم جهرية([139]). وقد توسع في هذا الجزء في ذكر أدلة هذه المسألة، والرد على المخالفين فيها، وهو مطبوع.

11 – جزء رفع اليدين في الصلاة :

تعرض فيه لمسألة رفع اليدين في الصلاة، فبين سنية الرفع عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وبين الركعتين، وتكلم على الأحاديث التي يحتج بها المخالفون في هذه المسألة وبيان ضعفها وعللها. وهو كتاب مفيد على صغر حجمه. وقد طبع في مصر والهند وغيرهما، وعليه تخريجات للشيخ أبي محمد بديع الدين السندي سماها قرة العين في تخريج أحاديث رفع اليدين.

هذه هي الكتب التي ما تزال موجودة من مصنفات الإمام البخاري والكثير منها لا يعرف حتى في زمن الحفاظ المتأخرين كابن حجر وغيره. فقد ذكر الحافظ الكتب السابقة ثم قال : " … وهذه الكتب موجودة مروية لنا بالسماع وبالإجازة .. " ثم ذكر الكتب الأخرى من خلال ما ورد في أقوال أو تصانيف الحفاظ المتقدمين كالبغوي وابن منده والترمذي([140]). (ص 67).

التأثير العلمي لمصنفات الإمام البخاري :

لقد ترك الإمام البخاري – رحمه الله – آثاراً بارزة، في من كان في عصره من العلماء والحفاظ أو من جاء بعدهم، فاحتذروا به في مصنفاتهم، واقتفوا أثره واستفادوا من علمه، ومن هؤلاء الأعلام:

1 – الإمام مسلم بن الحجاج (ت 261هـ) :

لقد استفاد الإمام مسلم – رحمه الله – الكثير من الإمام البخاري فقد سار على طريقة البخاري في إفراد الأحاديث الصحيحة المسندة دون غيرها وألف في ذلك كتابه العظيم " المسند الصحيح ". ولم يكن الإمام مسلم مجرد مقلد للإمام البخاري بل كان إماماً مجتهداً له آراؤه الخاصة في التصحيح والتعليل والتجريح والتعديل. فنراه في صحيحه يخرج لرواة تركهم البخاري، ويصحح أحاديث أعلها البخاري، ويعل أحاديث صححها البخاري، ويترك رواة روى لهم البخاري. كما استفاد منه في كتابه الكنى.

2 – الإمام الترمذي (ت 279هـ) :

يعد من أبرز تلاميذ البخاري، صنف كتابه " العلل الكبير " و " الجامع " وقد ملأهما بالنقل عن الإمام البخاري، وسؤاله عن علل الحديث وأحوال الرجال سؤالات مباشرة. كما استفاد من التاريخ الكبير ونقل منه في مواضع كثيرة، وقد صرح الترمذي بذلك في علله الصغير([141]).

3 – الإمام ابن خزيمة (ت 311هـ) :

لقد اقتدى بالبخاري فوضع كتاباً جرد فيه الصحيح. (ص 68).

4 – الإمام ابن حبان (ت 354هـ) :

لقد اقتفى أثر البخاري أيضاً ووضع كتاباً للصحيح، مع أنه ابتكر تقسيماً من عنده لم يسبق إليه.

5 – الإمام ابن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ) :

لقد استفاد هو أيضاً كثيراً من مصنفات الإمام البخاري، وبنى كتابه المهم " الجرح والتعديل " على تراجم كتاب البخاري " التاريخ الكبير "، وله فيه إضافات وزيادات كثيرة.

6 – الإمام النسائي (ت 303هـ) :

تبع الإمام البخاري في تجريد الضعفاء والمتروكين في كتاب خاص، وهذا في كتابه " الضعفاء والمتروكين "، وهو مطبوع، ثم تتابع الحفاظ على تجريد الضعفاء والمتروكين بالتصنيف، وكثرت في هذا النوع المصنفات.

7 – الإمام البيهقي (ت 458هـ) :

اقتدى بالإمام البخاري في كتابه " جزء القراءة خلف الإمام " فوضع كتاباً بنفس العنوان ضمنه كتاب البخاري وزاد عليه وهو مطبوع.

هذه أمثلة قليلة لم أقصد منها الاستيعاب وإنما قصدت منها الدلالة على أن الإمام البخاري كان صاحب السبق في كثير من المصنفات.

وفي نهاية هذا المبحث نصل إلى النتيجة التالية : عبقرية الإمام البخاري وإمامته في الحديث والعلل والتي تجلت في كتابه " الجامع الصحيح " الذي يعد سلسلة متواصلة من جهود المحدثين في التأليف والتصنيف والنقد والتمحيص. (ص 69).

* * *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

منهج تصحيح الأحاديث

عند الإمام البخاري

المبحث الأول : عدالة الرواة.

المبحث الثاني : ضبط الرواة.

المبحث الثالث : اتصال السند. (ص 71)

المبحث الأول

عدالة الرواة

المطلب الأول : تعريف العدالة لغة واصطلاحاً.

المطلب الثاني : شروط  العدالة وموقف البخاري منها.

المطلب الثالث : مسائل متعلقة بالعدالة وموقف البخاري منها.

المطلب الرابع : موقف البخاري من أحاديث أهل البدع والأهواء.

المطلب الخامس : موقف البخاري من الرواة المجاهيل.

المطلب السادس : الوحدان وموقف البخاري من رواياتهم.

المطلب الأول

تعريف العدالة

أ – تعريف العدالة لغة :

العدالة مصدر عَدُل بالضم، يقال عدل عدالة وعدولة، فهو عدل، أي رضا ومقنع في الشهادة، قال كثير :

وبايعت ليلى في الخلاء ولم يكن            شهود على ليلى عدول مقانع

ويقال رجل عدل، ورجلان عدل، ورجال عدل، ونسوة عدل، وكل (ص 73) ذلك على معنى رجال ذو عدل ونسوة ذوات عدل، فهو لا يثني ولا يجمع، ولا يؤنث فإن رأيته مثنى أو مجموعاً أو مؤنثاً فعلى أنه قد أجرى مجرى الوصف الذي ليس بمصدر. وأما العدل الذي ضد الجور. فهو مصدر قولك : عدل في الأمر فهو عادل، وتعديل الشيء تقويمه، يقال عدله تعديلاً فاعتدل، أي: قومته فاستقام، وكل مثقف معتدل، وتعديل الشاهد نسبته إلى العدالة([142]).

وجاء في القاموس المحيط " عدل الحكم تعديلاً أقامه، وفلاناً زكّاه، والميزاه سواه "([143]).

فيظهر من خلال ما تقدم أن التعديل هو نسبة الرجل إلى العدالة، التي هي الرضا والقناعة بالشخص على أنه صالح للشهادة، وتزكيته.

ب – تعريف العدالة اصطلاحاً :

عرفها العلماء بتعريفات كثيرة أذكر منها ما يلي :

1)     عرفها الإمام الخطيب البغدادي (ت 463هـ) نقلاً عن القاضي أبي بكر بن الطيب (ت 403هـ) بقوله : " العدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبر هي العدالة الراجعة إلى استقامة دينه، وسلامته من الفسق، وما يجري مجراه مما اتفق على أنه مبطل العدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها "([144]). (ص 74)

2)           وعرفها الإمام أبو محمد بن حزم (ت 456هـ) بقوله :

" العدالة هي التزام العدل، والعدل هو الالتزام بالفرائض، واجتناب المحارم، والضبط لما روى وأخبر به فقط "([145]).

وعرفها الغزالي (ت 505هـ) بقوله :

" العدالة عبارة عن استقامة السيرة والدين، ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعاً، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه "([146]).

وعرفها الإمام الحازمي (ت 594هـ) بقوله : " وصفات العدالة هي اتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه، وتجنب الفواحش المسقطة، وتحري الحق، والتوقي في اللفظ مما يثلم الدين والمروءة وليس يكفيه في ذلك اجتناب الكبائر حتى يجتنب الإصرار على الصغائر، فمتى وجدت هذه الصفات كان المتحلي بها عدلاً مقبول الشهادة "([147]).

وعرفها ابن الصلاح (ت 643هـ) بقوله : " أجمع جماهير أهل الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يرويه وتفصيله أن يكون مسلماً، بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة "([148]). (ص 75).

وعرفها الحافظ ابن حجر (ت 802هـ) بأنها "ملكة تحمل على ملازمة التقوى والمروءة "([149]).

وتبعه على هذا التعريف الحافظ السخاوي (ت 902هـ) – رحمه الله –([150]).

نلاحظ أن هذه التعاريف كلها تدل على معنى واحد وهو : أن العدالة هي الاستقامة في الدين بفعل الواجبات وترك المحرمات، كما نلاحظ أن جميع التعاريف لم تدخل الضبط والحفظ كشرط في العدالة إلا في تعريف ابن حزم – رحمه الله – ومن هنا نفرق بين نوعين من العدالة :

الأول : العدالة الدينية والمقصود بها الاستقامة في الدين.

والثاني : العدالة في الرواية والمقصود بها : حفظ الراوي وضبطه لما يرويه.

والنوع الأول هو المراد عند إطلاق المحدثين أو الفقهاء. كما نلاحظ أن هذه التعاريف قد تعرضت لذكر شروط العدالة إما على سبيل الإجمال أو على سبيل التفصيل، وهذه الشروط هي : الإسلام، البلوغ، العقل، السلام من أسباب الفسق، وخوارم المروءة، وسأتعرض فيما يلي لهذه الشروط وموقف البخاري منها في صحيحه ومدى التزامه بها.

* * *

المطلب الثاني

شروط العدالة وموقف البخاري منها

أولاً : الإسلام :

لا تقبل رواية الكافر من يهودي أو نصراني أو غيرهما إجماعاً. وقد (ص 76) حكى الإجماع على ذلك الغزالي في المستصفى([151]) والرازي في المحصول([152]) وغيرهما.

قال الخطيب البغدادي : " ويجب أن يكون وقت الأداء مسلماً لأن الله تعالى قال : } إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا {([153]) وإن أعظم الفسق الكفر، فإن كان خبر الفاسق مردوداً مع صحة اعتقاده فخبر الكافر بذلك أولى([154]) فالإسلام إذا شرط عند الأداء والتبليغ وليس شرطاً عند التحمل فيصح تحمل الكافر " وقد ثبت روايات كثيرة لغير واحد من الصحابة كانوا حفظوها قبل إسلامهم وأدوها بعده "([155]).

وأضرب أمثلة على ذلك من صحيح البخاري – رحمه الله - :

1)     رواية جبير بن مطعم، والتي أخرجها البخاري في صحيحه حيث قال : " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور "([156]).

قال الحافظ رحمه الله : " وللمصنف في المغازي من طريق معمر في آبره قال : " وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي " واستدل به على صحة أداء ما تحمله الراوي في حال الكفر، وكذا الفسق إذا أداه في حال العدالة "([157]).

2)     وروايته التي أخرجها الإمام البخاري أيضاً، قال رضي الله عنه : " أضللت بعيراً لي فذهبت أطلبه يوم عرفه فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً (ص 77) بعرفات، فقلت : هذا والله من الخمس فما شأنه ها هنا "([158]).

قال الحافظ – رحمه الله – بعد أن أورد طرق هذا الحديث – " وفيه : أضللت حماراً لي في الجاهلية، فوجدته بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفات مع الناس فلما أسلمت علمت أن الله وفقه لذلك. ثم قال الحافظ : أفادت هذه الرواية، أن رواية جبير له لذلك كانت قبل الهجرة، وذلك قبل أن يسلم جبير، وهو نظير روايته أنه سمعه يقرأ في المغرب بالطور، وذلك قبل أن يسلم جبير "([159]).

3)           حديث أبي سفيان بقصة هرقل([160]) التي كانت قبل إسلامه فقد رواها البخاري في صحيحه كاملة في كتاب بدء الوحي ثم قطعها في مواضع كثيرة مستنبطاً منها في كل مرة حكماً فقهياً أو فائدة جديدة.

ثانياً : البلوغ :

هذا الشرط يتعلق بحالتين من حالات الراوي : حالة السماع والتحمل، ثم حالة الأداء والرواية.

ولقد تنازع العلماء والمحدثون قديماً في ذلك، فمنهم من اشترط سناً معيناً للتحمل، ومنهم من صحح سماع الصغير. وقد ذكر هذا الخلاف الخطيب البغدادي في الكفاية فقال : " قل من كان يكتب الحديث – على ما بلغنا – في عصر التابعين وقريباً منه إلا من جاوز حد البلوغ، وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم، وسؤالهم. وقيل إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا بعد استكماله عشرين سنة، ويشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن وبالتعبد. (ص 78).

وقال قوم : الحد في السماع خمس عشرة سنة، وقال غيرهم : ثلاث عشرة، وقال جمهور العلماء : يصح لمن سنه دون ذلك، وهذا هو عندنا الصواب "([161]).

وقد ذهب الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه إلى صحة سماع الصغير قبل البلوغ، وقد ترجم لهذه المسألة في كتاب العلم بقوله : "باب متى يصح سماع الصغير ؟" وأورد فيه حديثين :

أولهما : حديث ابن عباس قال : " أقبلت راكباً على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، وأرسلت الأتان ترتع، فدخلت في الصف، فلم ينكر لك علي "([162]).

وثانيهما : حديث محمود بن الربيع. قال : " عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو "([163]).

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " ومقصود الباب الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطاً في التحمل. وأشار المصنف بهذا إلى الاختلاف وقع بين أحمد بن حنبل ويحي بن معين، رواه الخطيب في الكفاية عن عبد الله بن أحمد وغيره أن يحي قال : أقل سن التحمل خمس عشرة سنة لكون ابن عمر رد يوم أحد إذ لم يبلغها. فبلغ ذلك أحمد فقال : إذا عقل ما يسمع، وإنما قصة ابن عمر في القتال. ثم أورد الخطيب أشياء مما حفظها جمع من الصحابة ومن بعدهم في الصغر وحدثوا بها بعد ذلك وقبلت عنهم، وهذا هو المعتمد "([164]). (ص 79).

وقال العلامة العيني : " ومراده (أي بهذه الترجمة) الاستدلال على أن البلوغ ليس شرطاً في التحمل "([165]).

ومن المحدثين من قيده بخمس سنين. قال ابن الصلاح – رحمه الله - :

" والتحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث من المتأخرين … والذي ينبغي في ذلك أن يعتبر في كل صغير حاله على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعاً عن حال من لا يعقل فهماً للخطاب ورداً للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه، وإن كان دون خمس. وإن لم يكن كذلك لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين "([166]).

وقال الذهبي (ت 748هـ) – رحمه الله - : " واصطلح المحدثون على جعلهم سماع ابن خمس سنين سماعاً، وما دونها حضوراً، واستأنسوا بأن محموداً عقل مجة، ولا دليل فيه، والمعتبر إنما هو أهلية الفهم والتمييز "([167]).

وما اختاره ابن الصلاح والذهبي – رحمهما الله – هو المختار إن شاء الله، وعليه يدل صنيع الإمام البخاري في صحيحه فقد أخرج أحاديث مجموعة من الصحابة ممن تحملوا في صباهم كابن عباس، ومحمود بن الربيع، وأنس بن مالك، والنعمان بن بشير، وعائشة، ونحوهم وهؤلاء سمعوا وهم دون البلوغ، وأخرج لمن دونهم في السن كالسبطين الحسن والحسين رضي الله عنهما.

فالمحققون من أهل العلم على عدم اعتبار تحديد سن معين بل المعتبر عندهم هو العقل والتمييز([168]). (ص 80).

ثالثاً : العقل :

وهو من شروط العدالة المجمع عليها، حكى الإجماع على ذلك الخطيب البغدادي وغيره من العلماء([169]) قال رحمه الله :

" وأما الأداء بالرواية فلا يكون صحيحاً يلزم العمل به إلا بعد البلوغ، ويجب أيضاً أن يكون الراوي في وقت أدائه عاقلاً مميزاً، والذي يدل على وجوب كونه بالغاً عاقلاً، ما أخبرنا القاضي أبو عمر والقاسم بن جعفر قال ثنا محمد بن أحمد اللؤلؤي، قال ثنا أبو داود قال ثنا موسى بن إسماعيل قال ثنا وهيب عن خالد عن أبي الضحى عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل "([170]) ولأن حال الراوي إذا كان طفلاً أو مجنوناً دون حال الفاسق من المسلمين.

وذلك أن الفاسق يخاف ويرجو، ويجتنب ذنوباً، ويعتمد قربات، وكثير من الفساق يعتقدون أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعمد له ذنب كبير، وجرم غير مغفور، فإذا كان خبر الفاسق الذي هذه حاله غير مقبول فخبر الطفل والمجنون أولى بذلك، والأمة مع هذا مجتمعة على ما ذكرناه لا نعرف بينها خلاف فيه "([171]).

رابعاً : السلامة من أسباب الفسق :

الفسق هو ارتكاب الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة([172]) وقد أفاض (ص 81) العلماء في تعريف الكبيرة والصغيرة، وكيفية التمييز بين الصغائر والكبائر وعددها، بل هناك من أفردها بالتصنيف([173]) والذي يهمنا هنا هو ذكر مسألتين وقع فيهما النزاع ومحاولة معرفة موقف البخاري منهما.

المسألة الأولى :

ما حكم التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب أكثر العلماء والمحدثين إلى أن التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقبل روايته. وإلى هذا ذهب سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك ورافع بن الأشرس، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر الحميدي، ويحي بن معين([174]) ووجه عدم قبول روايته – وإن حسنت توبته – أن ذلك تغليظاً وجزراً بليغاً عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لعظم مفسدته، فإنه يصير شرعاً مستمراً إلى يوم القيامة. بخلاف الكذب على غيره والشهادة، فإن مفسدتهما قاصرة ليست عامة([175]) وألحقوا بالكاذب المتعمد من أخطأ وصمم على خطئه بعد أن يبين له ذلك ممن يثق بعلمه لمجرد عناد([176]).

لكن ذهب الإمام النووي – رحمه الله – إلى قبول رواية التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : " هذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية، والمختار القطع بصحة توبته في هذا وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة وهي : الإقلاع عن المعصية، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها، فهذا هو الجاري على قواعد الشرع، وقد أجمعوا على صحة رواية من كان كافراً فأسلم، وأكثر الصحابة كانوا بهذه الصفة – أي كانوا كفاراً فأسلموا – وأجمعوا على (ص 82) قبول شهادتهم، ولا فرق بين الشهادة والرواية في هذا، والله أعلم "([177]).

أما بالنسبة لصنيع الإمام البخاري فليس هناك ما يمكن أن نستنتج منه حكماً أو رأياً ننسبه إليه. إلا أن صاحب كتاب " أسباب اختلاف المحدثين " يرى بأن احتجاج الشيخين بإسماعيل بن أبي أويس، وهو ممن اتهم بالكذب يشهد لما ذهب إليه النووي([178]) ثم أورد أقوال بعض أئمة الجرح والتعديل فيه منها :

قول يحي بن معين فيه " مخلط يكذب ليس بشيء ".

وقول النضر بن سلمة المروزي " ابن أبي أويس كذاب ".

وما نقله ابن حزم في " المحلى " عن أبي الفتح الأزدي قال حدثني سيف بن محمد أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث.

وقال سلمة بن شبيب سمعت إسماعيل ابن أبي أويس يقول : " ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم ".

وقال الحافظ ابن حجر – بعد أن نقل الأقوال السابقة : " ولعل هذا كان من إسماعيل في شبيبته ثم انصلح، وأما الشيخان فلا يظن بهما أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديثه الذي شارك فيه الثقات. وقد أوضحت ذلك في مقدمة شرحي على البخاري والله أعلم "([179]).

هذه جملة ما ارتكز عليه الأستاذ الفاضل ليرجح ما ذهب إليه النووي، وعليه ملاحظات :

الأولى : ينبغي التفريق بين ممن اتهم بالكذب وبين من اتصف فعلاً بالكذب، وإن كان كلاً من الوصفين من أوصاف الجرح. لكن لا يخفى أن (ص 83) الكذاب قد تحقق فيه الوصف فعلاً أما المتهم بالكذب فلم يتحقق فيه هذا الوصف، فهل إسماعيل بن أبي أويس تحقق فيه الكذب أم لا ؟

الثانية : ذكر الأستاذ أقوال الجارحين فقط لإسماعيل ولم يذكر أقوال المعدلين أو على الأقل بعض أقوالهم، مما يوهم أن التهمة بالكذب قوية ومتحققة، وليس الأمر كذلك فقد عدله جماعة من الأئمة النقاد وإليك أقوالهم([180]) :

قال أبو حاتم : " محله الصدق، وكان مغفلاً ".

وقال الحاكم : " عيب على البخاري ومسلم إخراجهما حديثه، وقد احتجا به معاً، وغمزه من يحتاج إلى كفيل في تعديل نفسه أعني النضر بن سلمة، فإنه قال : كذاب ".

وأما يحي بن معين فقد اختلفت أقواله فيه : فمرة قال : " هو ووالده ضعيفان "، وقال مرة : " يسرقان الحديث "، وقال مرة : " إسماعيل صدوق ضعيف العقل ليس بذلك "، وقال مرة : "مختلط يكذب ليس بشيء "، وقال مرة أخرى : " لا بأس به ".

وقال أحمد أيضاً : " لا بأس به ".

وقال أبو القاسم اللالكائي : " بالغ النسائي في الكلام عليه بما يؤدي إلى تركه ".

فأنت ترى أن الأئمة لم يتفقوا على اتهامه، بل الظاهر من أمره أنه صدوق لا يتعمد الكذب، ولكن ضعيف الحفظ وكان يعتمد على حفظه في رواية الأحاديث فيقع في الأوهام وينفرد عن سائر أصحابه بأشياء ليست عندهم. فمن نظر إلى صدقه في نفسه، واعتبر حديثه بحديث غيره، وتأكد من صحة أصوله، قوي من أمره، وروى له، واحتج به، كالبخاري ومسلم، (ص 84) والدارمي وغيرهم من الحفاظ، بل روى مسلم عن رجل عنه، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

ومن نظر إلى ضعف حفظه وكثرة غرائبه وهن من أمره فالدارقطني قال فيه : " لا أختاره في الصحيح " ومنهم من ضعف عنده جانب الصدق، واستكثر تلك الغرائب واستنكرها رماه بالكذب كالنسائي وغيره.

وقد لخص الحافظ حاله في التقريب فقال : " صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه "([181]).

الثالثة : إذا لم يثبت أن إسماعيل كان يكذب ويضع الحديث، فكيف يتسنى لنا أن نقول أنه تاب ؟!، ومن ثم نبني على ذلك حكماً فنقول : تقبل رواية التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس في الأمر إلا ما ذكره الحافظ – رحمه الله – وهو في معرض الدفاع عن صدق إسماعيل وعدالته " لعل ذلك كان في شبيبته ثم انصلح "فأنت تلاحظ أن الحافظ استبعد اتهامه بالكذب، وحاول الدفاع ونفي التهمة، ولم يجزم بذلك بل ذكره متردداً في معرض الدفاع لا غير.

ومن هنا لا يصح أن نبني عليه حكماً، حتى ولو غضضنا الطرف عن أقوال معدليه، وبنينا حكماً على ما ذكره الحافظ ابن حجر لما جاز لنا أن ننسب هذا الحكم للبخاري أو مسلم أبداً، لعدم ثبوت كذبه عندهما. فقد انتقيا من أحاديثه ما يتابعه عليه الثقات من أصحاب مالك. ثم إن إسماعيل هذا من شيوخ البخاري أي ممن جالسهم وعرفهم وسبر أحاديثهم وقد روى من أصوله كما ذكر ذلك الحافظ في هدي الساري([182]).

الرابعة : لو سلمنا بهذا المثال، ولم نعترض عليه بما تقدم – لما جاز لنا من الناحية العلمية أن نبني عليه حكماً، لأن الأحكام إنما تأخذ عن (ص 85) طريق التتبع والاستقراء، وإن لم يكن هذا الاستقراء تاماً فعلى الأقل أن يكون تلخيصياً مبنياً على أكثر من مثال. وأنت ترى أن هذا مثالاً واحداً، وهو غير سالم من الاعتراضات.

الخامسة : ما ذكره الإمام النووي – رحمه الله – مبنياً على القواعد الأصولية حيث استعمل القياس لإثبات هذا الحكم، وهو قياس التائب من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم على الكافر إذا أسلم، ومثل له بقبول الأئمة لرواية الصحابة، وقد كانوا كفاراً ثم أسلموا. لكن هذا القياس معترض، بأن الصحابة قد عدلهم القرآن الكريم وشهد بصدق إيمانهم وإسلامهم. وأما التائب من الكذب في حديث رسول الله. فأنى لنا أن نعرف صدق توبته، حتى نحكم بعدالته ونقبل روايته، كما أنه مبني على انعدام الفارق بين الرواية والشهادة، والفارق موجود هنا.

وقد سبق إلى انتقاد النووي في هذا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري فقد قال – بعد أن ساق كلام النووي السابق – :

" كنت أميل إليه، ثم ظهر لي أن الأوجه ما قاله الأئمة لما مر، ويؤيده قول أئمتنا أن الزاني إذا تاب لا يعود محصناً، ولا يحد قاذفه، وأما إجماعهم على صحة رواية من كان كافراً فأسلم، فلنص القرآن على غفران ما سلف. والفرق بين الرواية والشهادة أن الرواية الكذب فيها أغلظ منه في الشهادة لأن متعلقها لازم لكل المكلفين، وفي كل الأعصار كما مر، مع خبر (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد)([183]) "([184]).

وأخيراً لا يمكن أن ننسب للإمام البخاري – رحمه الله – أنه يقبل رواية التائب من الكذب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدم قيام الأدلة الكافية على (ص 86) ذلك، والأقرب أن يكون مع جمهور المحدثين في عدم قبولها – والله تعالى أعلم –.

المسألة الثانية :

التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق. هذا الصنف من الرواة قبل المحدثون رواياتهم إلا خلافاً لبعض الأصوليين كالسمعاني والصيرفي([185]). ولا عبرة بهذا الخلاف لأن المعتبر هو إجماع أهل الفن وهم هنا المحدثون ولم ينقل عنهم خلاف في ذلك. وأما ما قاله الحافظ البلقيني : " وما نقل عن الصيرفي يقرب منه ما قال ابن حزم : من أسقطنا حديثه لم نعد لقبوله أبداً، ومن احتججنا به لم نسقط روايته أبداً، وكذا ما قاله بن حبان في آخرين ".

في الواقع أن ما ذهب إليه ابن حزم لا علاقة له البتة بما يراه الصيرفي فابن حزم ذكر هذا بصدد الرد على من يقبل روايات الضعفاء في الرقاق والفضائل ويتجنبها في الأحكام والحلال والحرام، كما هو مذهب كثير من أئمة الحديث، فهو يرى أن الراوي إما أن يكون من العدالة والضبط بحيث تقبل أحاديثه جملة، أو ينزل عن درجة القبول فترد أحاديثه جملة.

خامساً : السلامة من خوارم المروءة :

عرفت المروءة بتعاريف كثيرة، جلها يرجع إلى العادات الجارية بين الناس. فقال بعضهم : "المروءة كمال المرء كما أن الرجولة كمال الرجل ".

وقال بعضهم : " المروءة هي قوة للنفس تصدر عنها الأفعال الجميلة المستحقة للمدح شرعاً وعقلاً وعرفاً ".

وقال آخرون : " المروءة صون النفس عن الأدناس، ورفعها عما يشين عند الناس " وقيل : "سيرة المرء بسيرة أمثاله في زمانه ". (ص 87).

ومن أحسن تعاريفها " هي آداب نفسانية، تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات "([186]).

واشتراط العلماء للمروءة سببه : أن الإخلال بها إما يكون لخبل في العقل، أو لنقصان في الدين، أو لقلة حياء وكل ذلك رافع للثقة بقوله([187]).

وقد جرى نزاع كبير واعتراض على من أدخل المروءة في شروط العدالة المتفق عليها([188]).

ومما يجدر التنبيه إليه هنا – وهو أن اشتراط المروءة والقدح في الراوي الذي يتصف بما هو من خوارمها، إنما هو موكول للعالم الناقد مع إضافة أسباب أخرى قد فصلها الإمام الخطيب البغدادي حيث قال :

" وقد قال الكثير من الناس : يجب أن يكون المحدث والشاهد مجتنبين لكثير من المباحات نحو التبذل والجلوس للتنزه في الطرقات، والأكل في الأسواق، وصحبة العامة الأرذال، والبول على قوارع الطرقات، والبول قائماً، والانبساط إلى الخلق(*) في المداعبة والمزاح، وكل ما قد اتفق على أنه ناقص القدر والمروءة، ورأوا أن فعل هذه الأمور يسقط العدالة ويوجب رد الشهادة.

والذي عندنا في هذا الباب رد خبر فاعلي المباحات إلى العالم والعمل في ذلك بما يقوى في نفسه فإن غلب على ظنه من أفعال مرتكب المباح المسقط للمروءة أنه مطبوع على فعل ذلك، والتساهل به، مع كونه (ص 88) ممن لا يحمل نفسه على الكذب في خبره وشهادته، بل يرى إعظام ذلك وتحريمه، والتنزه عنه قبل خبره، وإن ضعفت هذه الحال في نفس العالم واتهمه عندها، وجب عليه ترك العمل بخبره ورد شهادته "([189]).

فالأمر إذن موكول إلى الناقد، فإن أكثر الشخص من الأفعال المخلة بالمروءة وتكرر منه ذلك وأعلن به في الناس كان ذلك دليلاً على السفه وخفة العقل ورقة الدين، وهذا مما يسقط العدالة ويوجب رد الرواية.

وقد ساق الخطيب البغدادي نصوصاً عن الأئمة المتقدمين تدل على هذا منها قول الإمام مالك – رحمه الله - : " لا تأخذ العلم من أربعة، وخذ ممن سوى ذلك، لا تأخذ عن سفيه معلن بالسفه وإن كان أروى الناس، ولا تأخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس إذ جرب ذلك عليه، وإن كان لا يتهم أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث "([190]).

ومما يؤيد ما ذهب إليه الخطيب البغدادي – رحمه الله – من رد خبر فاعلي المباحات إلى العلم – صنيع الأئمة النقاد ومنهم الإمام البخاري – رحمه الله –.

فهذا المنهال بن عمرو تركه شعبة، لما سمع في داره صوت الطنبور([191])، وفي رواية أخرى أنه سمع قراءة لحان، فكره السماع منه([192]). قال ابن القطان : " هذا ليس بجرحه إلا أن يتجاوز إلى حد يحرم، ولم يصح ذلك عنه "([193]). (ص 89).

وقال السخاوي : " وجرحه بهذا تعسف ظاهر، وقد وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما كالنسائي وابن حبان، وقال الدارقطني : إنه صدوق "([194]).

لذا نجد الإمام البخاري قد احتج به في صحيحه.

روى له حديثين أحدهما : عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في تعويذ الحسن والحسين([195])، وثانيهما في تفسير سورة فصلت([196]).

وروى له تعليقاً من طريق شعبه نفسه([197]) وفيه دليل على أن شعبة لم يترك الرواية عنه وذلك إما بما لعله سمعه منه قبل ذلك، أو لزوال المانع منه عنده.

ومن ذلك أيضاً ما رواه الخطيب عن شعبة قال : " لقيت ناجية الذي روى عنه أبو إسحاق فرأيته يلعب بالشطرنج فتركته فلم أكتب عنه، ثم كتبت عن رجل عنه ".

قال الخطيب : " ألا ترى أن شعبة في الابتداء جعل لعبه بالشطرنج مما يجرحه، فتركه، ثم استبان له صدقه في الرواية، وسلامته من الكبائر، فكتب عنه نازلاً "([198]).

وفي ختام هذا المطلب نلاحظ أن شروط العدالة لقبول الروايات قد أخذت من شروط الشهادة، وقد أشار إلى هذا بعض أئمة الحديث المتقدمين (ص 90) كأبي نعيم الفضل بن دكين فإنه كان يقول : " إنما هي شهادات، وهذا الذي نحن فيه – يعني الحديث – من أعظم الشهادات "([199]) وبهز بن أسد([200]) " كان إذا ذكر له الإسناد الصحيح قال هذه شهادات الرجال العدول بعضهم على بعض، وإذا ذكر له الإسناد فيه شيء قال : هذا فيه عهدة، ويقول : لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم، ثم جحده لم يستطيع أخذها منه إلا بشاهدين عدلين فدين الله أحق أن يؤخذ من العدول"([201]). وقد أشار الإمام مسلم إلى ذلك أيضاً في مقدمة صحيحه([202]).

* * *

المطلب الثالث

مسائل تتعلق بالعدالة وموقف البخاري منها

هناك مسائل لها علاقة بشروط العدالة. ومرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً، وقد جرى إدراكها في كتب علوم الحديث، ويلاحظ أن آراء الأصوليين هي الغالبة في تلك المباحث. كما يغلب عليها طابع التنظير دون التمثيل بواقع المحدثين وسأختار فيما يلي بعض تلك المسائل، وأحاول دراستها وربطها بالواقع العملي عند الإمام البخاري خاصة. وهذه المسائل هي :

1)           إذا روى الثقة حديثاً فسئل عنه فنفاه، فهل يقدح في عدالته ؟

2)           إذا كان المحدث يغشى السلطان، هل يقدح في عدالته ؟

3)           إذا كان المحدث يأخذ الأجرة على التحديث، فهل يقدح في عدالته ؟ (ص 91).

المسألة الأولى :

إذا روى الثقة حديثاً فسئل عنه فنفاه، فهل يقبل قوله ؟ ثم هل يؤثر ذلك النفي في عدالته الفرع الراوي عنه أم لا ؟ هذه المسألة اختلف فيها العلماء على خمسة أقوال نوجزها فيما يلي([203]) :

1)           إذا كان النافي جازماً، وجب رد حديث الفرع.

2)           عكس الأول تماماً، وهو عدم رد المروي، ولا يكون واحد منهما مجروحاً، لاحتمال النسيان.

3)           نفس القول السابق، إلا أنه يجوز للفرع أن يرويه عن الأصل.

4)           أنهما يتعارضان، ويرجح أحدهما على الآخر. هذه الأقوال الأربعة إذا كان الأصل جازماً بالرد.

5)     أما إذا قال الأصل – إذا روجه – " لا أعرفه " أو " لا أذكره " مما يقتضي جواز أن يكون نسبه، فذلك لا يقتضي رد رواية الفرع عنه.

والظاهر قبول رواية الفرع، وأن ذلك لا يقدح في عدالته، ولا عدالة الأصل.

وقد أورد الإمام البخاري – رحمه الله – في " صحيحه " حديث ابن عباس رضي الله عنه :

" ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير "([204]).

فهذا الحديث مما أنكره الأصل على الفرع، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه أيضاً عن عمرو بن دينار عن أبي معبد مولى ابن عباس أنه سمعه يخبر عن ابن عباس قال : (ص 92)

" ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير. قال عمرو : فذكرت ذلك لأبي معبد فأنكره، وقال : لم أحدثك بهذا ! قال عمر : قد أخبرتنيه قبل ذلك "([205]).

وهذا يدل على أن البخاري ومسلماً يذهبان إلى صحة الحديث ولو أنكره راويه إذا كان الناقل عنه عدلاً، وأن ذلك لا يقدح في عدالة أصل الراوي ولا في عدالة الفرع الراوي عنه.

المسألة الثانية :

إذا المحدث يغشى السلطان، أو يتولى شيئاً من أعمله، فهل ذلك يقدح في عدالته أم لا ؟

قد قدح كثير من الورعين في بعض الرواة بسبب علاقتهم بالسلطان، وخاصة إذا كان سلطان جور. ولكن ذلك في واقع الأمر لا يقدح في العدالة، ولا يوجب رد الرواية. ما كان الراوي متصفاً بالصدق مجانباً للكذب، وقدح من قدح فيهم، إنما كان على سبيل الهجر والتأديب الشرعي كي يكفوا عن إعانة الظلمة – لا غير – قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " أعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به. وكذا عاب جماعة من الورعين جماعة دخلوا في أمر الدنيا، فضعفوهم لذلك، ولا أثر لذلك التضعيف مع الصدق والضبط. والله الموفق "([206]). وهذا الذي قرره الحافظ هو الحق – إن شاء الله – ويشهد له صنيع الإمام البخاري – رحمه الله – فقد روى في " صحيحه " عن رجال كثيرين ضعفوا بسبب من هذه الأسباب، ولم ير ذلك قادحاً في عدالتهم وموجباً لرد رواياتهم. ومن هؤلاء : (ص 93).

1 – أحمد بن واقد الحراني :

قال ابن نمير : تركت حديثه لقول أهل بلده.

قال الميموني : قلت لأحمد : إن أهل حران يسيئون الثناء عليه فقال : أهل حران قل أن يرضوا عن إنسان، هو يغشى السلطان بسبب ضيعه له. فأفصح أحمد بالسبب الذي طعن فيه أهل حران من أجله، وهو غير قادح، وقد قال أبو حاتم : كان من أهل الصدق والإتقان. وقد روى عنه الإمام البخاري، في الصلاة والجهاد والمناقب أحاديث شورك فيها عن حماد بن زيد، كما روى عنه الإمام أحمد في مسنده، والنسائي وابن ماجة([207]).

2 – حميد بن أبي حميد الطويل :

مشهور من الثقات المتفق على الاحتجاج بهم، وقال يحي بن يعلي المحاربي : طرح زائدة حديث حميد الطويل. قال الحافظ : " إنما تركه زائدة لدخوله في شيء من أمر الخلفاء "([208]). فلم يعتبر الأئمة ذلك قادحاً في عدالته، فقد روى له البخاري وسائر الجماعة.

3 – حميد بن هلال العدوي :

قال الحافظ فيه : " من كبار التابعين وثقة ابن معين، والعجلي والنسائي وآخرون وقال يحي القطان : كان ابن سيرين لا يرضاه. قلت : بين أبو حاتم الرازي : أن ذلك بسبب أنه دخل في شيء من عمل السلطان، وقد احتج به الجماعة "([209]).

4 – خالد بن مهران الحذاء :

أحد الأثبات، وثقة أحمد وابن معين والنسائي وابن سعد، وتكلم فيه شعبة وابن علية. إما لكونه دخل في شيء من عمل السلطان، أو كما قال (ص 94) حماد بن زيد، قدم خالد قدمة من الشام، فكأنما أنكرنا حفظه "([210]). فلم يعتبر ذلك البخاري ولا غيره قادحاً فيه، فقد روى له هو وسائر الجماعة.

5 – عاصم بن سليمان الأحول :

ثقة، حافظ. وثقة أحمد وابن معين، والعجلي وابن المديني وغيرهم، وتركه وهيب لأنه أنكر بعض سيرته. قال الحافظ : " كان يلي الحسبة بالكوفة قال ابن سعد "([211]) ونجد الإمام البخاري قد وثقه وروى له في صحيحه ولم يلتفت إلى ما قيل فيه.

6 – عبد الله بن ذكوان :

أبو الزناد المدني : أحد الأئمة الأثبات الفقهاء، ويقال إن مالكاً كرهه لأنه كان يعمل للسلطان([212]) لكن نجد البخاري قد وثقه وروى له، وكذا سائر الجماعة.

7 – مروان ابن الحكم :

تكلم فيه من أجل الولاية، لكن لم ير الأئمة ذلك قادحاً في عدالته، فقد روى له البخاري أحاديثه التي رواها عنه سهل بن سعد الساعدي، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وقد اعتمد مالك رأيه وحديثه وكذا بقية الجماعة سوى مسلم([213]).

المسألة الثالثة :

أخذ الأجرة على التحديث.

في هذه المسألة قولان للعلماء : قول بالمنع، وآخر بالجواز. (ص 95).

القول الأول :

من أخذ على التحديث أجراً فلا تقبل روايته، وإليه ذهب الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية، وأبو حاتم الرازي، وحماد بن سلمة، وسليمان بن حرب وغيرهم([214]).

القول الثاني :

قبول رواية من أخذ على التحديث أجراً، وممن ذهب إلى هذا القول : أبو نعيم الفضل ابن دكين، وعفان بن مسلم، وعلي بن عبد العزيز المكي البغوي، ومجاهد بن جبر، وعكرمة، وطاووس، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهشام بن عمار وغيرهم([215]).

والظاهر أنه لا تعارض بين هذه الأقوال إذ المنع مرتب على ما يمكن أن يجر إليه خذ العوض على التحديث من التكثر في الرواية المفضي إلى الكذب، والجواز محمول على من هو ثقة ثبت له عذر في أخذ العوض كأن يكون فقيراً، وله عيال يجب عليه مؤونتهم، وانقطاعه للتحديث يؤدي إلى ترك الكسب لهم، وإلى هذا نبّه الإمام السخاوي – رحمه الله – حيث قال : " قال حنبل بن إسحاق: سمعت أبا عبد الله – يعني الإمام أحمد – يقول : شيخان كان الناس يتكلمون فيهما ويذكرونهما ، وكنا نلقى من الناس في أمرهما ما الله به عليم، قاما لله بأمر لم يقم به أحد، أو كبير أحد، مثل ما قاما به : عفان، وأبو نعيم. يعني بقيامهما عدم الإجابة في المحنة، وبكلام الناس من أجل أنهما كانا يأخذان على التحديث. ووصف أحمد مع هذا عفان بالمتثبت. وقيل له : من تابع عفان على كذا ؟ فقال : وعفان يحتاج إلى أن يتابعه أحد، وأبا نعيم الحجة الثبت، وقال مرة أنه يزاحم به ابن عيينة، وهو على قلة روايته أثبت من وكيع، إلى غير ذلك من الروايات عنه، بل وعن أبي حاتم في توثيقه وإجلاله، فيمكن الجمع بين هذا، (ص 96) وإطلاقهما كما مضى أولاً، عدم الكتابة بأن ذلك في حق من لم يبلغ هذه المرتبة في الثقة والتثبت، والأخذ مختلف في الموضعين "([216]).

وواضح أن الإمام البخاري يذهب إلى هذا الرأي، فقد روى عن شيوخ يأخذون الأجرة على التحديث منهم :

1)           أبو نعيم الفضل بن دكين([217]).

2)           عفان بن مسلم([218]).

3)     يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدروقي([219]) : الحافظ المتقن صاحب المسند. فقد روى النسائي عنه – في سننه – حديث يحي بن عتيق عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة. رفعه : " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم([220]) … "، وقال عقبة : إنه لم يكن يحدث به إلا بدينار([221])، ومع ذلك روى له البخاري والجماعة. (ص 97)

4)     هشام بن عمار([222]) : قال ابن عدي : سمعت قسطنطين يقول : حضرت مجلسه فقال له المستملي من ذكرت ؟ فقال له : بعض مشايخنا، ثم نعس فقال له المستملي : لا تنتفعون به. فجمعوا له شيئاً فأعطوه فكان بعد ذلك يملي عليهم، بل قال الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سيار. إن هشاماً كان يأخذ على كل ورقتين درهمين ويشارط، لذلك قال ابن وارة : عزمت زماناً أن أمسك عن حديث هشام. ل أنه كان يبيع الحديث، وقال صالح بن محمد([223]): إنه كان لا يحدث ما لم يأخذ([224]). ومع هذا كله لم ير الإمام البخاري ذلك قادحاً في عدالته فقد روى له في "صحيحه ". وكذا روى له أصحاب السنن.

* * *

المطلب الرابع

موقف البخاري من أحاديث أهل البدع والأهواء

من المسائل التي لها تعلق بشرط العدالة. وهي شرط أساسي في صحة الحديث – الرواة الذين طعن في عدالتهم بسبب البدع والأهواء، وذلك لأن القدح في الراوي يكون بعشرة أشياء. خمسة تتعلق بالعدالة وخمسة تتعلق بالضبط، فقد بينها الحافظ فقال : " ثم الطعن إما أن يكون لكذب الراوي، أو تهمته بذلك، أو فحس غلطه، أو غفلته، أو فسقه، أو وهمه، (ص 98) أو مخالفته، أو جهالته، أو بدعته، أو سوء حفظه "([225]) وهذه العشرة اختصها الحافظ بنفسه في خمسة فقال : "أسباب الجرح مختلفة، ومدارها على خمسة أشياء : البدعة، أو المخالفة، أو الغلط، أو جهالة الحال، أو دعوى الانقطاع في السند "([226]).

وقبل تحديد موقف البخاري من أحاديث أهل البدع والأهواء، ينبغي التعريف بالبدعة لغة واصطلاحاً، وبيان أقسامها، ثم تحديد موقف الأئمة من روايات المبتدعة. ثم أعرج على موقف الإمام البخاري في ذلك مقروناً بالأمثلة التطبيقية من خلال الجامع الصحيح.

تعريف البدعة :

لغة : أبدع الشيء : اخترعه لا على مثال، والله بديع السموات والأرض أي (مبدعهما) (البديع) المُبتدع، وشيء (بدع) بالكسر أي مُبتدع ومنه قوله تعالى : } قل ما كنت بدعاً من الرسل{([227]) والبدعة : الحدث في الدين بعد الإكمال، وبدعة تبديعاً : نسبة إلى البدعة([228]).

أما في الاصطلاح : فقد اختلفت أنظار العلماء، وتنوعت تعاريفهم، فمنهم من توسع في مدلولها، ومنهم من ضيق. ومن هنا يمكن حصر التعاريف الاصطلاحية للبدعة في اتجاهين([229]).

1 – الاتجاه الأول : وهو التوسع في مدلول البدعة لتشمل كل أمر لم (ص 99) يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، ولم يأت شيء في القرآن والسنة يدل عليه، سواء أكان دينياً أم دنيوياً، محموداً كان أم مذموماً، وهو مطابق تماماً للتعريف اللغوي ويمثل هذا الاتجاه جماعة من الأئمة منهم: الإمام الشافعي، وابن حزم، والعز بن عبد السلام، والقرافي وغيرهم.

2 – الاتجاه الثاني : وهو التضيق في مدلول البدعة لتنحصر في الجديد (المحدث) المخالف للسنة، ومنهم من ضيق أكثر فقال : البدعة كل محدث مخالف للسنة ينسب إلى الدين ويتعبد به ويمثل هذا الاتجاه جماعة من العلماء منهم : ابن رجب الحنبلي، وابن حجر العسقلاني، وابن حجر الهيتمي، والزركشي وغيرهم، وأما من اعتبر قيد المخالفة للسنة والتدين بهذا المحدث، فعلى رأس هؤلاء الإمام الشاطبي. وقد ناقش في كتابه " الاعتصام " أصحاب الرأي الأول مناقشة علمية، وأبطل تقسيمهم للبدع إلى محمود ومذموم، وعرف البدعة بقوله : " البدعة طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية. يقصد بالسلوك عليها، المبالغة في التعبد لله تعالى "([230]).

وعلى الرغم من تباين هذين الاتجاهين من حيث التوسع والتضييق في مفهوم البدعة إلا أن الواقع العملي في إطلاق البدعة عند علماء الجرح والتعديل المقصود به دائماً ما هو مذموم من الآراء والاعتقادات والأعمال، مما يكون سبيله التأويل الفاسد المستند إلى الشبهات. قال السخاوي – رحمه الله - : " البدعة هي ما أحدث على غير مثال متقدم، فيشمل المحمود والمذموم لكن خصت شرعاً بالمذموم، مما هو خلاف المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم فالمبتدع من اعتقد ذلك لا بمعاندة، بل بنوع شبهة "([231]).

أقسام البدعة :

قسم العلماء البدعة إلى قسمين هما : البدعة المكفرة، والبدعة (ص 100) المفسقة([232]).

1 – البدعة المكفرة :

ما يخرج صاحبها عن دائرة الإيمان وهي نوعان :

أ – ما اتفق على تكفير أصحابها : كمنكري العلم بالمعدوم القائلين : ما يعلم الأشياء حتى يخلقها، أو منكري العلم بالجزئيات، أو الإيمان برجوع سيدنا علي إلى الدنيا، أو حلول الإلهية في علي أو غيره.

ب – ما اختلف في تكفير أصحابها : كالقائلين بخلق القرآن، والنافين لرؤية الله تعالى يوم القيامة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

2 – البدعة المفسقة :

وهي التي لا تخرج صاحبها عن دائرة الإيمان : مثل بدع الخوارج، والروافض الذين لا يغلون ذاك الغلو، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السنة خلافاً ظاهراً لكنه مستند إلى تأويل ظاهره سائغ.

مناقشة التقسيم السابق :

هذا التقسيم – الذي ذكره العلماء للبدع – يترتب عليه إشكال كبير وذلك أننا اشترطنا في حد العدالة " السلامة من أسباب الفسق " ثم مثلوا للبدع المفسقة ببدع الخوارج وغيرها من الفرق المخالفين  لأصول السنة، ومقتضى ذلك الحكم عليهم بالفسق ورد رواياتهم، والصواب – فيما أرى- أن هذا التقسيم نظري فحسب وذلك أن الحكم بالكفر أو الفسق أو البدعة، إنما يكون بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة، فمن وقع في شيء من البدع فلا نجرؤ على تبديعه أو تفسيقه أو تكفيره، فإذا كان متأولاً أو جاهلاً، فهو معذور بجهله أو تأويله، لكن من بلغته الحجة، وكشفت له الشبهة، فأصرّ على قوله المخالف لأصول السنة، فهو معاند، ولا شك في فسق هذا النوع، لأنه مخالف لأوامر الله وأحكامه، والفسق هو الخروج عن (ص 101) طاعة الله، ولا فرق في ذلك بين العمليات والأخبار، وإلى هذا المعنى أشار الإمام مسلم في " مقدمة صحيحه " فقال – رحمه الله - : " أعلم أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الناقلين لها أن لا يروي إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع "([233]). والإمام مسلم – صحيحه – ملآن بأحاديث المبتدعة ممن تصنف بدعهم في البدع المفسقة، وليس هناك تناقض بين قوله وفعله، إذا تأملنا القيد السابق،  لأن هؤلاء المبتدعة كانت بجعهم عن تأويل وشبهة لا بعناد.

مذاهب العلماء في الرواية عن أهل البدع والأهواء :

اختلف العلماء من أئمة الحديث ونقاده في حكم الرواية عن أهل البدع والأهواء، اختلافاً كثيراً وخاصة عند المتأخرين منهم. وقد تباينت أنظارهم تبايناً واضحاً، فمنهم من ذهب إلى رد رواية المبتدع رداً كاملاً ولم يقبلها سواء أكان هؤلاء من الغالين أم من غير الغالين، من الدعاة أ غيرهم، ومنهم من قبلها حتى من الغالين، والدعاة منهم، وسأذكر تفصيل ذلك حسب نوعي البدعة.

أما بالنسبة للمبتدعة الذين بدعتهم مكفرة. فللعلماء في رواياتهم ثلاثة مذاهب :

الأول : القبول مطلقاً وإن كانوا كفاراً أو فساقاً بالتأويل، إليه ذهب جماعة من أهل النقل والمتكلمين([234]).

الثاني : يقبل خبرهم إذا كانوا يعتقدون حرمة الكذب، وقد ذهب إليه جماعة من الأصوليين، كأبي الحسن البصري المعتزلي([235]) وفخر الدين (ص 102) الرازي([236])، والبيضاوي([237]).

الثالث : الرد مطلقاً، وقد حكى النووي الاتفاق على أن المكفرين ببدعهم لا يحتج بهم ولا تقبل روايتهم([238]) وما سبق ينقض قوله.

وقد حقق الحافظ رحمه الله هذه المسألة وأتى فيها بقول فصل موافق لما عليه أئمة الحديث ونقاده فقال – رحمه الله - : " والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته، لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة، وقد تبالغ فتكفر مخالفيها، فلو أخذ على الإطلاق لاستلزم تكفير جميع الطوائف. فالمعتمد : أن الذي ترد روايته : من أنكر أمراً متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسه، فأما من لم يكن بهذه الصفة وانضم إلى ذلك ضبطه لما يرويه مع ورعه وتقواه، فلا مانع من قبوله "([239]).

وأما بالنسبة للمبتدعة الذين لم يكفروا ببدعتهم. فللعلماء في رواياتهم خمسة مذاهب :

الأول : الرد مطلقاً : وممن ذهب إليه مالك بن أنس، وابن غُيينة، والحميدي، ويونس بن أبي إسحاق، وعلي بن حرب، وقد وجه الحافظ ابن رجب هذا المذهب بقوله : " والمانعون من الرواية، لهم مأخذان : أحدهما تكفير أهل الأهواء وتفسيقهم، وفيه خلاف مشهور. والثاني : الإهانة لهم، والهجران، والعقوبة بترك الرواية عنهم، وإن لم نحكم بكفرهم أو فسقهم. ولهذا مأخذ ثالث : وهو أن الهوى والبدعة لا يؤمن معه الكذب ولا سيما إذا كانت الرواية مما تعضد هوى الراوي "([240]). (ص 103)

الثاني : يحتج بهم إن لم يكونوا يستحلون الكذب في نصرة مذهبهم، سواء أكانوا دعاة أم لا، وممن قال به الشافعي وابن أبي ليلى وسفيان الثوري وروي عن أبي يوسف وأبي حنيفة، وحكاه الحاكم في المدخل عن أكثر أئمة الحديث([241]).

الثالث : تقبل رواية المبتدع إذا كان مرويه مما يشتمل على ما ترد به بدعته، وذلك لبعده حينئذ عن تهمة الكذب([242]).

الرابع : تقبل روايته إذا كانت بدعته صغرى، وإذا كانت كبرى فلا تقبل([243]) فالبدعة الصغرى كالتشيع بلا غلو ولا تحرق، والكبرى كالتشيع مع الغلو والطعن وسب الصحابة.

الخامس : تقبل أخبار غير الدعاة إلى بدعهم، وترد أخبار الدعاة منهم، وقد صرح الخطيب وغيره بأنه مذهب الكثير من العلماء([244]).

بعد أن سردت أقوال الأئمة ومذاهبهم في الرواية عن أهل البدع والأهواء، فقد تبين أن مذاهبهم متباينة جداً. امتزجت فيها أقوال المحدثين بآراء علماء الكلام والأصول. فلا بد من استجلاء الموقف العملي للمحدثين من خلال مصنفاتهم، ومن هؤلاء الإمام البخاري – رحمه الله – فكيف تعامل مع روايات أهل البدع في صحيحه ؟

إذا تأملنا رجال البخاري – رحمه الله – نجد جملة كبيرة منهم قد رموا ببدع اعتقاية مختلفة وقد أورد الحافظ في " هدي الساري "([245]) من رمي من رجال البخاري بطعن في الاعتقاد فبلغوا (69) راوياً، ومن خلال التتبع لهؤلاء الرواة يمكن أن نستخلص المعايير التي اعتمدها البخاري في الرواية (ص 104) عن أهل البدع ويمكن أن نجملها في النقاط التالية :

-                ليس فيهم من بدعتهم مكفرة.

-                أكثرهم لم يكن داعية إلى بدعته، أو كان داعية ثم تاب([246]).

-                أكثر ما يروي لهم في المتابعات والشواهد.

-                أحياناً يروى لهم في الأصول لكن بمتابعة غيرهم لهم.

-                كثير منهم لم يصح ما رموا به.

إذن فالعبرة إنما هي صدق اللهجة، وإتقان الحفظ، وخاصة إذا انفرد المبتدع بشيء ليس عند غيره.

وما ذهب إليه البخاري هو مذهب كثير من المحدثين، ومن هؤلاء تلميذه وخريجه الإمام مسلم، فقد روى في صحيحه عن أهل البدع والأهواء المعروفين بالصدق والإتقان، وخاصة إذا انضم إلى ذلك الورع والتقوى، وما ذهب إليه الشيخان هو رأي أكثر الأئمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإنما توقف من توقف منهم في الرواية عن أهل البدع إما لأنه لم يتبين لهم صدقهم، أو أرادوا محاصرة البدعة وإخمادها حتى لا تفشوا، ولكن شاء الله تعالى أن تكثر البدع وتفشو، وتبناها كثير من العلماء والفقهاء والعباد فلم يكن من المصلحة ترك رواياتهم، لأن في تركها، اندراساً للعلم، تضييعاً للسنن. فكانت المصلحة الشرعية تقتضي قبولها ما داموا ملتزمين بالصدق والأمانة. قال الخطيب البغدادي – بعد أن ذكر أسماء كثير من الرواة احتج بهم وهم منسوبون إلى بدع اعتقادية مختلفة : ". دون أهل العلم قديماً وحديثاً رواياتهم واحتجوا بأخبارهم، فصار ذلك كالإجماع منهم، وهو أكبر الحجج في هذا الباب وبه يقوى الظن في مقارنة الصواب "([247]). (ص 105)

وقال علي بن المديني : " لو تركت أهل البصرة لحال القدر، ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي خربت الكتب "([248]).

* * *

المطلب الخامس

موقف البخاري من الرواة المجاهيل

قبل الخوض في بيان موقف الإمام البخاري من الرواة المجاهيل لابد من تعريف الجهالة لغة واصطلاحاً وبيان أسبابها.

تعريف الجهالة لغة :

المجهول في لغة العرب([249]) هو :

1)           كل شيء غير معلوم الحقيقة.

2)           أو غير معلوم الوصف على وجه الدقة.

3)           أو في معرفته تردد أو تشكك.

تعريف الجهالة اصطلاحاً :

عرف الخطيب المجهول بقوله : " هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد "([250]). (ص 106)

أسباب الجهالة :

للجهالة سببان بينهما الحافظ ابن حجر بقوله :

" أحدهما : أن الراوي : قد تكثر نعوته، من اسم أو كنية، أو لقب، أو صفة، أو حرفة، أو نسب فيشتهر بشيء منها، فيذكر بغير ما اشتهر به لغرض من الأغراض فيظن أنه آخر فيحصل الجهل بحاله. والأمر الثاني : أن الراوي قد يكون مقلاً من الحديث، فلا يكثر الأخذ عنه، وقد صنفوا فيه الوحدان، وهو من لم يرو عنه إلا واحد، ولو سمي "([251]).

والتعريف الذي أورده الخطيب البغدادي للمجهول، قد اعترض عليه غير واحد ممن كتب في المصطلح كابن الصلاح، والنووي، والعراقي([252]). كما أن الواقع التطبيقي عند الأئمة النقاد يخالفه، فحكم من راو حكموا عليه بالجهالة وقد روى عنه جماعة، وفيهم من حكموا عليه بالوثاقة وليس له إلا راو واحد، وكثير ممن ليس له إلا راو واحد اختلفوا في الحكم عليه بين موثق ومضعف ومجهل([253])، وعليه نستطيع القول أن الجهالة غير مرتبطة بعدد الرواة بقدر ما هي مرتبطة بالشهرة، ورواية الحفاظ.

وقد سبق إلى هذا الإمام ابن رجب – رحمه الله – فقال : " وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدد الرواة، وإنما العبرة بالشهرة، ورواية الحفاظ "([254]).

فمقدار مرويات الرجل لها دور بارز في الحكم عليه، فكلما كثرت مرويات الرجل وكانت مستقيمة حكم عليه بالوثاقة، وكلما قلّت وكانت مخالفة لروايات الثقات فحكم عليه بالضعف، وإن قلّت رواياته، ولم يتداولها العلماء، فلا يمكن الحكم عليه، وبقي في حيز الجهالة. (ص 107)

وهذا الذي ذهب إليه الحافظ ابن رجب – رحمه الله – يخالف إطلاق محمد بن يحي الذهلي – الذي حكاه عنه الخطيب في الكفاية – وتبعه عليه المتأخرون من أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعداً عنه([255])، وإن كان الخطيب – رحمه الله – قد صرح باعتبار شهرة الراوي بالطلب، وكذلك صرح بأن أقل ما ترتفع به الجهالة أن يروي عن الرجل اثنان فصاعداً من المشهورين بالعلم كذلك([256]).

ومع ذلك نجد أن كثيراً من المتأخرين لم يعتبروا الشهرة بالطلب في الراوي، لكي يرتفع عنه وصف الجهالة، وهذا النوع من الرواة الذين اشتهروا بطلب العلم وعرفوا به بين العلماء يزول عنهم وصف الجهالة ويثبت لهم بذلك وصف العدالة. وقد نبّه على هذا الحاكم النيسابوري فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر حيث قال :

" زاد الحاكم في علوم الحديث في شرط الصحيح أن يكون راوية مشهوراً وهذه الشهرة قدر زائد عن الشهرة التي تخرجه عن الجهالة. وقد استدل الحاكم على مشروطية الشهرة بالطلب بما أسنده عن عبد الله بن عون " لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له عندنا بالطلب " والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك، إلا أنهما حيث يحصل للحديث طرق كثيرة يستغنون بذلك عن اعتبار ذلك "([257]).

نفهم من كلام الحاكم – رحمه الله – أن هناك نوعين من الشهرة :

شهرة شخص الراوي وهذه تنفي عنه جهالة العين، وشهرته بالطلب وهذه تتنفي عنه جهالة الحال. وقد أشار الحاكم إلى أن راوي الصحيح لابد أن يكون معروفاً بطلب العلم وقد استظهر الحافظ ذلك من صنيع الإمامين البخاري ومسلم في صحيحيهما. فكل رواة الصحيحين مشهورون بطلب العلم، وقد تداول أحاديثهم الحفاظ، وحيث يكون الراوي مقلاً ولم (ص 108) يتداول الحفاظ حديثه، يكون ذلك الحديث الذي يرويه عنه أصحاب الصحيح قد تعددت طرقه وانتشرت فيكون ذلك قائماً مقام الشهادة بثقته وضبطه.

ومع هذا نجد بعض رواة البخاري قد وصفوا بالجهالة من طرف بعض أئمة الجرح والتعديل، فما مدى تحقق هذا الوصف في هؤلاء الرواة ؟

قال الحافظ – رحمه الله - : " أما جهالة الحال فمندفعة عن جميع من أخرج لهم في الصحيح لأن شرط الصحيح أن يكون راوية معروفاً بالعدالة، فمن زعم أن أحداً منهم مجهول، فكأنه نازع المصنف في دعواه أنه غير معروف، ولا شك أن المدعي لمعرفته مقدم على من يدعي عدم معرفته، لما مع المثبت من زيادة العلم، ومع ذلك فلا نجد في رجال الصحيح أحداً ممن يسوغ إطلاق اسم الجهالة عليه أصلاً "([258]).

وفيما يلي تراجم هؤلاء الرواة :

1 – أحمد بن عاصم البلخي :

معروف بالزهد والعبادة، له ترجمة في حلية الأولياء، وقد ذكره ابن حبان : فقال : روى عنه أهل بلده. وقال أبو حاتم الرازي : مجهول. روى عنه البخاري حديثاً واحداً في كتاب الرقاق، وهو في رواية المستملي وحده([259]).

2 – إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المدني :

قال ابن القطان الفاسي : لا يعرف حاله([260]). وفي ما قاله نظر فإن إبراهيم هذا قد ذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وروى عنه أيضاً ولده (ص 109) إسماعيل والزهري([261]) وليس له في صحيح البخاري إلا حديثاً واحداً في كتاب الأطعمة في دعائه صلى الله عليه وسلم في تمر جابر بالبركة حتى أوفى دينه([262]) وهو حديث مشهور له طرق كثيرة عن جابر منها([263]) :

عامر الشعبي عن جابر من طريق زكريا بن زائدة. أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام.

ومن طريق مغيرة عن الشعبي، أخرجه البخاري في كتاب البيوع.

ومن طريق فراس عن الشعبي، أخرجه البخاري في كتاب الوصايا.

ويرويه عن جابر أيضاً، وهب بن كيسان، أخرجه البخاري في كتاب الصلح.

ويرويه عن جابر أيضاً، ابن كعب بن مالك، أخرجه البخاري في الاستقراض والهبة.

ويرويه عن جابر نبيح العنزي، أخرجه الإمام أحمد.

ومما سبق يتبين أن جهالة إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي – على التسليم بها – لا تضر في صحة هذا الحديث لكثرة طرقه، واشتهار مخرجه، وهذا يؤيد ما نقلته عن الحافظ من أن كثرة الطرق يستغنى بها عن شهرة الراوي بالطلب عند الشيخين.

3 – أسامة بن حفص المدني :

قال الحافظ : ضعفه الأزدي، وقال أبو القاسم اللالكائي : مجهول. له في الصحيح حديث واحد في الذبائح([264]) بمتابعة أبي خالد الأحمر (ص 110) والطفاوي. وقرأت بخط الذهبي في ميزانه، ليس بمجهول فقد روى عنه أربعة "([265]) والظاهر من حال أسامة بن حفص أنه غير مشهور بالراوية. وذلك أن الإمام البخاري لما ذكره في تاريخه لم يزد على ما في هذا الإسناد حيث قال : " أسامة بن حفص المديني، عن هشام بن عروة، سمع منه محمد بن عبيد الله([266]) " ولم يذكره ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل ".

ويظهر من صنيع الإمام البخاري أنه لم يحتج به لأنه قد أخرج هذا الحديث من رواية الطفاوي وغيره([267]) ويؤخذ من صنيعه أيضاً أنه وإن اشترط في الصحيح أن يكون رواية من أهل الضبط والإتقان. أنه إن كان في الراوي قصور عن ذلك ووافقه على رواية ذلك الخبر من هو مثله انجبر ذلك القصور بذلك وصح الحديث على شرطه([268]).

4 – أسباب أبو اليسع :

قال أبو حاتم فيه : مجهول. روى له البخاري حديثاً واحداً في البيوع من روايته عن هشام الدستوائي مقروناً([269]).

5 – بيان بن عمرو البخاري العابد :

شيخ البخاري اثنى عليه ابن المديني ووثقه ابن حبان وابن عدي. وقال أبو حاتم : مجهول. قال الحافظ : ليس بمجهول من روى عنه البخاري وأبو زرعة، وعبد الله بن واصل ووثقه من ذكرنا([270]).

فمثل هذا لا يصح أن يطلق عليه لفظ " مجهول " لأن من عرفه وعلم (ص 111) حاله حجة على من لم يعرفه ويخبر حاله.

6 – الحسين بن الحسن بن يسار :

صاحب ابن عون، قال أبو حاتم : مجهول. وقال أحمد بن حنبل : كان من الثقات، احتج به مسلم والنسائي، وروى له البخاري حديثاً واحداً في الاستسقاء توبع عليه([271]).

7 – الحكم بن عبد الله :

قال ابن أبي حاتم عن أبيه : مجهول. قال الحافظ : " ليس بمجهول من روى عنه أربعة ثقات ووثقه الذهلي. ومع ذلك ليس له في البخاري سوى حديث واحد في الزكاة([272]) أخرجه عن أبي قدامة عنه عن شعبة عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود في نزول قوله تعالى : } الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين … {([273])، وأخرجه في التفسير من حديث غندر عن شعبة "([274]).

8 – عباس بن الحسين القنطري :

قال ابن أبي حاتم عن أبيه : مجهول. قال الحافظ : " ليس بمجهول إن أراد العين فقد روى عنه البخاري وموسى بن هارون الحمال. والحسن بن علي المعمري وغيرهم. وإن أراد الحال فقد وثقه عبد الله بن أحمد بن حنبل. قال : سألت أبي عنه فذكره بخير، وله في الصحيح حديثان قرنه في أحدهما وتوبع في الآخر "([275]). (ص 112)

9 – محمد بن الحسن المروزي :

من شيوخ البخاري لم يعرفه أبو حاتم فقال : إنه مجهول. قال الحافظ : " قد عرفه البخاري وروى عنه في صحيحه في موضعين. وعرفه ابن حبان فذكره في الطبقة الرابعة من الثقات "([276]).

10 – خالد بن سعد الكوفي :

مولى أبي مسعود الأنصاري، وثقة ابن معين. وقال ابن أبي عاصم : مجهول. أخرج له البخاري حديثاً واحداً في الطب([277]) من روايته عن أبي عتيق عن عائشة في الحبة السوداء، وله عنده شواهد([278]).

مما سبق يتضح لنا أن الإمام البخاري لم يرو في صحيحه عن مجهول قط. وذلك لأن جهالة الراوي لا يمكن معها تحقيق عدالته، التي هي شرط في صحة الحديث، أما بالنسبة للرواة غير المشهورين فالبخاري لم يعتمد على أحاديثهم، وما يرويه لهم أحاديث يسيرة جداً لها طرق وشواهد كثيرة.

المطلب السادس

الوحدان وموقف البخاري من رواياتهم

سأتناول في هذه المطلب مسألة الوحدان، وموقف الإمام البخاري من رواياتهم. وهي مسألة لها تعلق كبير بمسألة الجهالة. أي هل هؤلاء الرواة يعدون في المجاهيل أم لا ؟

تعريف الوحدان :

وحدان لغة جمع واحد، ويجمع على أحدان، كشاب وشبان، وراعٍ (ص 113) ورعيان([279]).

واصطلاحاً : هو من لم يرو عنه إلا واحد ولو سُمي([280]).

وقد اهتم العلماء بهذا النوع من الرواة وصنفوا فيه كالإمام مسلم والحسن بن سفيان وغيرهما([281]) ومنهم من ذكره في أنواع علوم الحديث([282]) كالحاكم في معرفة علوم الحديث، وابن الصلاح في كتابه([283]).

قد اختلفت أنظار العالم حول موقف البخاري من روايات الوحدان، فمنهم من نفى تخريج البخاري لرواياتهم في صحيحه، ومنهم من أثبت وجودها ومنهم من توسط في الأمر وذهب إلى أن البخاري لم يخرج لهم إلا شيئاً يسيراً لملابسات خاصة وإليك التفصيل.

ذهب الإمام الحاكم أبو عبد الله النيسابوري (ت 405هـ) إلى أن الإمام البخاري لم يرو عن الوحدان في صحيحه، وهذا في معرض كلامه على الحديث الصحيح في كتابه " المدخل في أصول الحديث " فقد قسم الحديث الصحيح إلى عشرة أقسام : خمسة متفق عليها من أحاديث الصحيحين يقول رحمه الله : " فالقسم الأول من المتفق عليها اختيار البخاري ومسلم، وهو الدرجة الأولى من الصحيح. ومثاله الحديث الذي يرويه الصحابي المشهور بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وله راويان ثقتان، ثم يرويه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة وله راويان ثقتان، ثم يرويه عن أتباع التابعين الحافظ المتقن المشهور، وله رواة من الطبقة الرابعة ثم يكون شيخ البخاري أو (ص 114) مسلم حافظاً متقناً مشهوراً بالعدالة في روايته فهذه الدرجة الأولى من الصحيح "([284]).

ويلاحظ هنا أن الحاكم عدَّ الصحابي الذي ليس له إلا راو واحد ليس مشهوراً. ومن هنا لا يصل حديثه إلى الدرجة العالية من الثقة التي تجعل البخاري ومسلم يأخذان بحديثه وقد عد الحاكم حديث مثل هذا النوع في الدرجة الثانية من درجات الصحيح المتفق عليه ومثل له بحديث عروة بن مضرس الطائي أنه قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمزدلفة : فقلت يا رسول الله أتيتك من جبل طيء، أتعبت نفسي، وأكلت مطيتي، ووالله ما تركت من جبل إلا وقد وقفت عليه، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى معنا هذه الصلاة وقد أتى عرفة قبل ذلك بيوم أو ليلة فقد تم حجه، وقضى تفثه "([285]).

ثم عدد الحاكم كثيراً من الصحابة الذين رووا أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لكل واحد منهم إلا راو واحد ثم قال : " والشواهد كما ذكرنا كثيرة ولم يخرج البخاري ومسلم هذا النوع من الحديث في الصحيح "([286]).

وقد عارض أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي (ت 507هـ) الحاكم في هذا، وقرر أن البخاري ومسلماً لم يكن عندهما هذا الشرط ولا نقل على واحد منهما أنه قال بذلك وأن الحاكم لم يقدر هذا التقدير عن استقراء (ص 115) يصل به إلى نتيجة صحيحة، أو يقين، وإنما قاله على الظن، لأن ما في الصحيحين على خلاف ذلك. ثم ساق الأمثلة التي تنقض ما ذهب إليه الحاكم.

فقد أخرج البخاري حديث قيس بن أبي حازم عن مرداس الأسلمي قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يذهب الصالحون أسلافاً، ويقبض الصالحون أسلافاً، الأول، فالأول، حتى تبقى حثالة كحثالة التمر والشعير، لا يباهي الله عز وجل بهم شيئاً "([287]) وليس لمرداس راو غير قيس.

وأخرج هو ومسلم حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب([288]) قال : " إن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل فقال : أي عمي قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية : يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب "، فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به : " على ملة عبد المطلب " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لأستغفرن لك ما لم أنه عنه " فنزلت : } ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم {([289]) ونزلت }إنك لا تهدي من أحببت { ([290])" ولم يرو عن المسيب إلا ابنه سعيد بن المسيب.

وأخرج البخاري حديث الحسن البصري عن عمرو بن تغلب عن (ص 116) النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعطي الرجل، والذي أدع أحب إلي … الحديث "([291]) ولم يرو عن عمرو غير الحسن البصري.

كما يقرر أبو الفضل المقدسي أن هناك أمثلة في البخاري غير هذه، كما يشير إلى أن الحاكم ليس أول من ذهب إلى هذا، ولكن أبا عبد الله بن محمد بن إسحاق بن منده (ت 395هـ) ذهب إلى ذلك، وهما متعاصران.

فقد قال : " من حكم الصحابي أنه إذا روى عنه تابعي واحد، وإن كان مشهوراً مثل الشعبي، وسعيد بن المسيب، ينسب إلى الجهالة، فإذا روى عنه رجلان صار مشهوراً واحتج به، وعلى هذا بنى محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج كتابيهما، إلا أحرفاً تبين أمرها "([292]).

ويرى المقدسي أن شرط البخاري ومسلم هو أنهما يخرجان " الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور، من غير اختلاف بين الثقات والأثبات، ويكون إسنادة متصلاً غير مقطوع فإن كان للصحابي روايان فصاعداً فحسن، وإن لم يكن له إلا راو واحد إذا صح الطريق إلى ذلك الراوي أخرجاه "([293]).

وجاء بعد أبي الفضل المقدسي، الحافظ أبو بكر موسى بن موسى الحازمي (ت 584هـ) ففصل القول في رد دعوى الحاكم وأتى بأمثلة أكثر مما أتى به الأول([294]).

ويرى ابن الأثير أن الحاكم لا يقصد ما فهمه المقدسي والحازمي وإنما يقصد أن يكون للصحابي راويان وإن كان الحديث الذي يحتج به في (ص 117) الصحيحين ليس له إلا راو واحد([295]).

كما نجد أن الحافظ ابن حجر، أيضاً قد نبّه على خطأ الحازمي في فهمه لكلام الحاكم حيث قال : " وقد فهم الحافظ أبو بكر الحازمي من كلام الحاكم أنه أدعى أن الشيخين لا يخرجان الحديث إذا انفرد به أحد الرواة، فنقض عليه بغرائب الصحيحين، والظاهر أن الحاكم لم يرد ذلك وإنما أراد أن كل راو في الكتابين من الصحابة فمن بعدهم يشترط أن يكون له راويان في الجملة، لا أنه يشترط أن يتفقا في رواية ذلك بعينة عنه "([296]).

وما ذهب إليه الحاكم قد سبقه إليه الحافظ ابن منده – كما رأينا – ووافقه عليه أيضاً صاحبه ومعاصره الإمام البيهقي، فقد قال في كتب الزكاة من سننه عند ذكر حديث بهز عن أبيه عن جده (ومن كتمها فأنا آخذها وشرط ماله) ما نصه : " أما البخاري ومسلم فلم يخرجاه جرياً على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راو واحد لم يخرجا حديثه في الصحيحين "([297]).

وأما الحافظ ابن حجر فقد وقف من كلام الحاكم موقفاً وسطاً بحيث رد كلامه في حق الصحابة واعتبره فيمن بعدهم، قال – رحمه الله – معقباً على كلام الحاكم : " وهو وإن كان منتقضاً في حق الصحابة الذين أخرجا لهم، فإنه معتبر في حق من بعدهم، فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له إلا راو واحد قط "([298]).

قال السخاوي : " وقد وجدت في كلام الحاكم التصريح باستثناء الصحابة من ذلك وإن كان مناقضاً لكلامه الأول ولعله رجع عنه إلى هذا (ص 118) قال : الصحابي المعروف إذا لم نجد له راوياً غير تابعي واحد معروف احتججنا به، وصححنا حديثه، إذ هو صحيح على شرطهما جميعاً. فإن البخاري احتج بحديث قيس بن أبي حازم عن كل من مرداس الأسلمي، وعدي بن عمير به، وليس لهما راو غيره. وكذلك احتج مسلم بأحاديث أبي مالك الأشجعي عن أبيه([299])، وأحاديث مجزأة بن زاهر عن أبيه. وحينئذ فكلام الحاكم قد استقام، وزال بما تممت به عن الملام "([300]).

وأما الصحابة الذين أخرج لهم البخاري ولم يرو عنهم سوى واحد فهم :

1)           مرداس الأسلمي عن قيس بن أبي حازم.

2)           حزن المخزومي تفرد عنه ابنه أبو سعيد المسيب بن حزن.

3)           زاهر بن الأسود عنه ابنه مجزأة.

4)           عبد الله بن هشام بن زهرة القرشي عنه حفيده زهرة بن معبد.

5)           عمرو بن تغلب عنه الحسن البصري.

6)           عبد الله بن ثعلبة بن صغير روى عنه الزهري قوله.

7)           سنن أبو جميلة السلمي عنه الزهري.

8)           أبو سعيد بن المعلى تفرد عنه حفص بن اصم.

9)           سويد بن النعمان الأنصاري تفرد بالحديث عنه بشير بن سيار.

10)     خولة بنت ثامر عنهما النعمان بن أبي عياش. فجملتهم عشرة "([301]).

وقد بنى على هذا الإمام أبو عمرو بن الصلاح قاعدة عامة – من (ص 119) تخريج البخاري ومسلم لأحاديث هؤلاء الصحابة الوحدان – وهي ارتفاع الجهالة والتعديل برواية واحد فقال : " قد خرج البخاري في صحيحه حديث جماعة ليس لهم إلا راو واحد منهم مرداس الأسلمي لم يرو عنه غير قيس بن أبي حازم، وكذلك خرج مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد، منهم ربيعة بن كعب الأسلمي لم يرو عنه غير أبي سلمة بن عبد الرحمن. وذلك مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولاً مردوداً براوية واحد عنه "([302]) ولقد اعترض على هذا الإمام النووي فقال : "مرداساً وربيعة صحابيان، والصحابة كلهم عدول، فلا تضر الجهالة بأعيانهم لو تثبت "([303]).

ولقد تعقب العراقي النووي فقال : " لا شك أن الصحابة الذين بينت صحبتهم كلهم عدول ولكن الشأن هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أم لا تثبت إلا برواية اثنين. هذا محل نظر واختلاف بين أهل العلم. والحق أنه إن كان معروفاً بذكره في الغزوات أو فيمن وفد من الصحابة أو نحو ذلك فإنه تثبت صحبته وإن لم يرو عنه إلا راو واحد وإذا عرف ذلك فإن مرداساً من أهل الشجرة وربيعة من أهل الصفة فلا يضرهما انفراد راو واحد عن كل منهما "([304]).

وكان الصحابة الوحدان الذين روى لهم الإمام البخاري في صحيحه قد ثبتت صحبتهم لشهرتهم عند علماء السير والمغازي([305]). فلا يضر انفراد واحد (ص 120) بالرواية عنهم بالرواية عنهم، لأن الصحابة عدول كلهم لكن بقي النظر فيمن ليس له إلا راو واحد من غير الصحابة ممن أخرج لهم الإمام البخاري في صحيحه وهؤلاء الرواة هم :

1)           حصين بن محمد الأنصاري : لم يرو عنه غير الزهري.

2)           عبد الرحمن بن نمر اليحصبي : لم يرو عنه غير الوليد بن مسلم.

3)           عمر بن محمد بن جبير بن مطعم : لم يرو عنه غير الزهري.

4)           حماد بن حميد الخراساني : شيخ البخاري لم يرو عنه غيره.

5)           عبيد الله بن محرز الكوفي : لم يذكروا له راوياً غير أبي نعيم الفضل بن دكين.

6)     عطاء بن الحسن السوائي : روى عنه أبو إسحاق الشيباني. قال الحافظ : " ما وجدت له راوياً إلا الشيباني ولم أقف فيه على تعديل أو تجريح ".

7)           عامر بن مصعب الذي يروي عن عائشة : لم يرو عنه – عند البخاري – إلا عبد الملك بن جريج.

8)           أبو محمد الحضرمي : تفرد بالرواية عنه أبو الورد بن ثمامة بن حزن القشيري.

9)           أبو نصر الأسدي، روى عنه خليفة بن حصين.

فهل انفرد البخاري بالتخريج لمثل هؤلاء " الوحدان " ؟ كلا، إن الإمام البخاري لم ينفرد بهذا، بل نجد أن الإمام مسلماً – رحمه الله – قد خرج لمثل هؤلاء أيضاً في " صحيحه " فقد وافق البخاري في التخريج للراويين الأولين، وانفرد عنه بالتخريج لرواة آخرين مثل : (ص 121)

1)           أحمد بن سعيد التستري.

2)           جابر بن إسماعيل الحضرمي.

3)           حبيب الأعور المدني.

4)           عبد الله بن كثير المطلبي السهمي.

وبمراجعة تراجم هؤلاء الرواة في التهذيب والتقريب وغيرهما من كتب الرجال يتبين لنا أنهم "وحدان" ومن ثم فهم مجهولون على حسب المصطلح الجاري بين علماء الحديث.

وكذلك نجد الإمام ابن حبان قد اقتفى أثر الشيخين في التخريج لمن ليس له إلا راو واحد ثقة وإليك بعض الأمثلة على ذلك([306]) :

1)           بجير بن أبي بجير، ولم يرو عنه غير إسماعيل بن أمية.

2)           ثابت الزرقي، لم يرو عنه غير الزهري.

3)           عمر بن إسحاق، لم يرو عنه غير عون.

4)           عيسى بن جارية، لم يرو عنه غير يعقوب بن عنبسة الرازي.

5)           قدامة بن وبرة، لم يرو عنه غير قتادة.

6)           نبيح العنزي، لم يرو عنه غير الأسود بن قيس.

فكل هؤلاء لا يعرف لهم إلا راو واحد ومع ذلك فقد ترجمعهم ابن حبان في كتابه الثقات وأخرج لهم في صحيحه.

وهذا يعني أن أصحاب الصحيح يخرجون لمن ليس له إلا راو واحد. لكن كيف يكون ذلك؟ إن الإجابة على هذا السؤال تكون بتخريج أحاديث هؤلاء الرواة جميعاً وتتبعها ودراستها وهذا يحتاج إلى وقت طويل وعمل علمي مستقل، لكن سأحاول – إن شاء الله – دراسة رواة البخاري الذين ليس (ص 122) لهم إلا راو واحد ثقة من خلال رواياتهم في الجامع الصحيح للوصول إلى موقف علمي مبني على الاستقراء والتتبع.

1 – حصين بن محمد الأنصاري السالمي([307]) :

وهو أحد بني سالم، وهو من سراتهم([308]) سأله الزهري عن حديث محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك فصدقه بذلك، وليس له في الصحيحين إلا حديث واحد([309]) وهو ما يرويه ابن شهاب الزهري عن محمود بن الربيع الأنصاري حدثه أن عتبان بن مالك حدثه أنه أتى رسول الله فقال : يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم وددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى .. قال ابن شهاب ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري – وهو أحد بني سالم ومن سراتهم – عن حديث محمود بن الربيع فصدقه بذلك([310]).

وواضح أن الإمام البخاري لم يعتمد على حديث حصين بن محمد الأنصاري وإنما ذكر حديث محمود بن الربيع معتمداً عليه وعضده بتصديق حصين بن محمد  له. وسواء ذكر حصين أو لم يذكر فلا أثر له في تضعيف (ص 123) هذا الحديث، بل ذكره يستفاد منه نوع قوة – والله أعلم -.

2 – عبد الرحمن بن نمر اليحصبي :

أبو عمر الدمشقي، ثقة لم يرو عنه غير الوليد بن مسلم من الثامنة روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي([311]). هكذا لخص حاله الحافظ ابن حجر. وقد تباينت فيه أقوال أئمة الجرح والتعديل.

قال عباس الدوري عن يحي بن معين : ابن نمر الذي يروي عن الزهري ضعيف([312]).

وقال دحيم صحيح الحديث عن الزهري، وكذا قال ابن الجنيد عن ابن معين([313]).

وقال أبو حاتم ليس بقوي لا أعلم روى عنه غير الوليد بن مسلم([314]).

وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال : من ثقات أهل الشام ومتقنيهم([315]).

وذكره العقيلي في " كتاب الضعفاء "، وكذا ذكره ابن عدي " الكامل " وقال : " … وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء، وابن نمر هذا له عن الزهري غير نسخة وهي أحاديث مستقيمة "([316]).

فالظاهر من حاله أنه يصلح للمتابعة وأن أحاديثه عن الزهري صحيحة.

والبخاري قد أورد له في صحيحه حديثاً واحد متابعة. وقد رواه أيضاً الإمام مسلم وليس له عندهما غير هذا الحديث([317]).

قال البخاري رحمه الله : " حدثنا محمد بن مهران قال حدثنا الوليد قال (ص 124) أخبرنا ابن نمر سمع ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته فإذا فرغ من قراءته كبر فركع، وإذا رفع من الركعة قال : سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات".

وقال الأوزاعي وغيره : سمعت الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : " أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث منادياً بالصلاة جامعة، فتقدم فصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وأخبرني عبد الرحمن بن نمر سمع ابن شهاب مثله، قال الزهري : فقلت : ما صنع أخوك ذلك، عبد الله بن الزبير ما صلى إلا ركعتين مثل الصبح إذ صلى بالمدينة، قال : أجل، إنه أخطأ السنة، تابعه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير عن الزهري في الجهر "([318]).

فابن نمر لم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه عليه الأوزاعي، وليس فيه عند البخاري ذكر الجهر وقد ثبت الجهر في رواية الأوزاعي عند أبي داوود والحاكم من طريق الوليد بن مزيد عنه([319]).

وقد أشار البخاري إلى متابعة سليمان بن كثير، وسفيان بن حسين، لابن نمر، وروايته للجهر عن الزهري.

ورواية سليمان وصلها أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عنه بلفظ " خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكبر ثم كبر الناس ثم قرأ فجهر بالقراءة " وفي أبي داود الطيالسي عن سليمان بن كثير بهذا الإسناد مختصراً " أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف " وأما رواية سفيان بن حسين فوصلها الترمذي والطحاوي بلفظ " صلى صلاة الكسوف وجهر بالقراءة فيها " وقد تابعهم على ذكر الجهر عن الزهري عقيل عند الطحاوي. وإسحاق بن راشد عند الدارقطني. (ص 125)

وهذه طرق يعضد بعضها بعضاً ويفيد مجموعها الجزم بذلك([320]) لذا فالإمام البخاري صحح هذا الحديث لكثرة طرقه ومتابعاته، وعلمنا من صنيعه هذا أنه لم يعتمد على ابن نمر وحده بل بالصورة المجموعة ومن ثم جزم بمدلول الحديث وترجم بما يدل على رجحان الجهر في الكسوف.

3 – عمر بن محمد بن جبير بن مطعم :

ثقة ما روى عنه غير الزهري وهو أصغر من الزهري من السادسة روى له البخاري فقط([321]) ولم يرو له إلا حديثاً واحداً.

قال : " حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني عمر بن محمد بن جبير بن مطعم أن محمد بن جبير قال : أخبرني جبير بن مطعم أنه بينما يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مقفلة من حنين فعلقت الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جباناً "([322]).

قال الحافظ رحمه الله : " وهذا مثال للرد على من زعم أن شرط البخاري أن لا يروي الحديث الذي يخرجه أقل من اثنين، فإن هذا الحديث ما رواه عن محمد بن جبير غير ولده عمر، ثم ما رواه عن عمر غير الزهري، هذا مع تفرد الزهري بالرواية عن عمر مطلقاً، وقد سمع الزهري من محمد بن جبير أحاديث، وكأنه لم يسمع هذا منه فحمله عن ولده والله (ص 126) أعلم "([323]). فهذا الحديث صحيح عند الإمام البخاري لأنه لا يشترط عنده وعند أهل السنة التعدد في طبقات الإسناد حتى يقبل الحديث خلافاً لمن زعم أنه شرط الصحيح أن لا يرويه أقل من اثنين عن اثنين([324]) كأبي علي الجيّاني المعتزلي (ت 303هـ).

هذا وقد ذكر الحافظ – رحمه الله – أن عمر بن شبة (ت 262هـ) قد أورد في " كتاب مكة " – له – أثراً مرسلاً عن عمرو بن سعيد فذكر نحو من حديث جبير بن مطعم([325]) ثم إن هذا الحديث ليس أصلاً من الأصول وإنما هو قصة تدل على جوده وحلمه وشجاعته صلى الله عليه وسلم وقد صحّ في ذلك شيء كثير جداً يشهد لهذه القصة، والله تعالى أعلم.

4 – عبيد الله بن محرز الكوفي :

قال الحافظ : " ما رأيت له راوياً غير أبي نعيم، وما له في البخاري سوى هذا الأثر، ولم يزد المزي في ترجمته على ما تضمنه هذا الأثر "([326]).

والأثر الذي يعنيه الحافظ هو ما رواه البخاري في صحيحه قال : " قال لنا أبو نعيم حدثنا عبيد الله بن محرز جئت بكتاب من موسى بن أنس قاضي البصرة، وأقمت عنده البينة أن لي عند فلان كذا وكذا وهو بالكوفة، وجئت به القاسم بن عبد الرحمن فأجازوه "([327]).

فواضح أن مثل هذا الراوي مجهول أي غير مشهور، والإمام البخاري لم يرو له سوى هذا الأثر. (ص 127)

5 – عطاء أبو الحسن السوائي :

قال الحافظ : " ما وجدن له راوياً إلا الشيباني، ولم أقف فيه على تعديل ولا تجريح "([328]) روى عنه البخاري وأبو داود والنسائي حديثاً واحداً.

عن أسباط بن محمد القرشي عن أبي إسحاق الشيباني، عن عكرمة عن ابن عباس. قال الشيباني : وذكره أبو الحسن السوائي ولا أظنه ذكره إلا عن ابن عباس } يا أيها الذين آمنوا لا يحل .. ما آتيتموهن {([329]) قال : " كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته، إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها، وإن شاؤوا لم يزوجوها، وهم أحق بها من أهلها. فنزلت هذه الآية في ذلك "([330]).

ونلاحظ أن البخاري لم يعتمد على رواية عطاء أبي الحسن السوائي، بل ذكره مقروناً بغيره معضداً به رواية عكرمة عن ابن عباس.

6 – عامر بن مصعب :

شيخ لابن جريج لا يعرف، قرنه بعمرو بن دينار، وقد ثقه ابن حبان على عادته([331]). وقد روى له البخاري والنسائي حديثاً واحداً مقروناً بغيره([332]). عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار وعامر بن مصعب أنهما سمعا أبا المنهال يقول : سمعت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم قال : كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقال: (ص 128)

" ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فلا يصلح "([333]).

قال الحافظ : " وعامر بن مصعب ليس له في البخاري سوى هذا الموضع الواحد "([334]).

والبخاري لم يعتمد على روايته وإنما قرنه بعمرو بن دينار.

7 – أبو محمد الحضرمي :

يقال : إنه أفلح مولى أيوب، روى عن أبي أيوب، وروى عنه أبو الورد ابن ثمامة بن حزن القشيري، روى له البخاري حديثاً واحداً معلقاً([335]).

بعد أن أورد حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم : "من قال عشراً (أي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل " قال البخاري : رواه أبو محمد الحضرمي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم([336]).

قال الدارقطني : " لا يعرف أبو محمد إلا في هذا الحديث وليس لأبي محمد الحضرمي في الصحيح إلا هذا الموضع "([337]). وقد وصله الإمام أحمد والطبراني من طريق سعيد بن إياس الحريري عن أبي الورد ثمامة بن حزن القشيري([338]).

فالبخاري لم يعتمد على حديثه وإنما ذكره تعليقاً على سبيل المتابعة فقط (ص 129)

8 – أبو نصر الأسدي :

بصري روى عن عبد الله بن عباس، وروى عنه خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم المنقري([339]). وروى له البخاري تعليقاً.

قال أبو زرعة : " أبو نصر الأسدي الذي يروي عن ابن عباس ثقة "([340]).

والبخاري إنما روى له أثراً واحداً في كتاب النكاح من صحيحه، عقيب حديث عكرمة عن ابن عباس إذا زنى بها (يعني أم امرأته) لا تحرم عليه امرأته. ويذكر عن أبي نصر أن ابن عباس حرمه، ثم قال : وأبو نصر هذا لم يعرف سماعه من ابن عباس([341]).

فالبخاري لم يعتمد على حديثه. فقد أورده بصيغة التمريض ليدل على ضعفه ثم صرح أنه لم يسمع من ابن عباس فحديثه إذاً منقطع.

مما سبق في هذا المطلب نستخلص النتائج التالية :

1)           الإمام البخاري لم يرو لهؤلاء الوحدان شيئاً تفردوا به.

2)           لم يعتمد على رواياتهم بل ذكرها متابعة واستشهاداً معلقة غير مسندة.

3)           لم يسند لهم إلا شيئاً يسيراً جداً ويقرنهم بغيرهم من المشهورين.

ومما سبق يتضح أن ما قاله الحاكم – رحمه الله – ليس مردوداً على إطلاقه كما ذهب إليه الحازمي والمقدسي وغيرهما، وليس مقبولاً على إطلاقه، والصواب تقييده بما قيده به السخاوي. والحافظ ابن حجر حيث يقول : " وهو إن كان منتقضاً في حق بعض الصحابة، الذين أخرجا له فإنه معتبر في حق من بعدهم، فليس في الكتاب حديث أصل من رواية من ليس له إلا راو واحد قط"([342]). (ص 130)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني

ضبط الرواة

المطلب الأول : تعريفه وأهميته وآثار اختلاله وكيفية معرفة ضبط الراوي، ومراتب الرواة من حيث الضبط.

المطلب الثاني : موقف الإمام البخاري من الرواة الضعفاء.

المطلب الثالث : مراتب الرجال الصحيحين من حيث الضبط.

المطلب الرابع : نماذج من روايات الضعفاء ومنهج البخاري في تصحيحها.

المطلب الأول

تعريف الضبط وأهميته وآثار اختلاله

بعد أن تحدثت عن العدالة وما يتعلق بها من مسائل، وموقف الإمام البخاري منها أتحدث في هذا المبحث عن الشرط الثاني من شروط صحة الحديث، وهو الضبط وقبل الخوض في مباحثه يجدر بنا أن نقدم تعريفه وأهميته وآثار اختلاله، وكيفية معرفة ضبط الراوي، ومراتب الرواة من حيث الضبط. (ص 131)

أ – تعريفه في اللغة والاصطلاح :

الضبط لغة لزوم الشيء وحبسه، ضبط عليه وضبطه يضبطه ضبطاً وضباطه.

قال الليث : الضبط لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء.

وضبط الشيء : حفظه بالحزم، والرجل ضابط، أي حازم([343]).

وفي اصطلاح المحدثين : نوعان ضبط صدر، وضبط كتاب.

أما ضبط الصدر : فهو أن يثبت الراوي في صدره ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء.

أما ضبط الكتاب : فهو صيانة الراوي لكتابه منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه([344]).

ب – أهميته وآثار اختلاله :

إن توفر الضبط في الراوي شرط أساسي في قبول حديثه، فلا يكفي أن يكون ديّناً مستقيماً حتى يضاف إلى ذلك حفظه وعلمه بما يحدث، وتثبته في الأخذ والرواية. ومن هنا كان اختلال الضبط سبباً في رد المروي.

قال الإمام ابن الصلاح – رحمه الله - : " لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماع الحديث أو إسماعه، كمن لا يبالي بالنوم في مجلس السماع، وكمن لا يحدث بأصل مقابل صحيح ومن هذا القبيل من عرف بقبول التلقين في الحديث، ولا تقبل رواية من كثرت الشواذ والمناكير في حديثه .. ولا تقبل رواية من عرف بالسهو في رواياته إذ لم يحدث من أصل صحيح. وكل هذا يخرم الثقة بالراوي وضبطه "([345]). (ص 132)

جـ – كيفية معرفة ضبط الراوي :

يعرف ضبط الراوي بسبر أحاديثه وعرضها على أحاديث غيره من الرواة لتعرف مدى الموافقة والمخالفة لهم، وقد لخص الإمام ابن الصلاح – رحمه الله – هذه الطريقة معتمداً في ذلك على صنيع الأئمة وصريح أقوالهم. فنذكر قوله. ثم نتبعه بأقوال أئمة النقد.

قال – رحمه الله - : " يعرف كون الراوي ضابطاً بأن نعتبر رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان. فإن وجدنا رواياته موافقة لهم ولو من حيث المعنى لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب، والمخالفة نادرة عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبتاً، وإن وجدناه كثير المخالفة لهم عرفنا اختلاف ضبطه ولم يحتج بحديثه "([346]).

وهذا الذي ذكره ابن الصلاح قد صرح به الأئمة وعلموا به.

قال الإمام الشافعي مشيراً إلى شروط الراوي الذي تقوم به الحجة : " إذا شارك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم "([347]).

وقال الإمام أيوب السختياني (ت 131هـ) من صغار التابعين : " إذا أردت أن تعرف خطأ معلمك فجالس غيره "([348]).

وقال ابن المبارك : " إذا أردت أن يصح لك الحديث فاضرب بعضها ببعض "([349]).

وقد صرح بهذا الإمام مسلم في صحيحه، فقال : " وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل (ص 133) الحفظ والرضى، خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث، غير مقبوله ولا مستعمله "([350]).

د – مراتب الرواة من حيث الضبط :

إن رواة الحديث ليسوا على درجة واحدة من حيث الضبط والإتقان، ففيهم من هو في الذروة العالية في الحفظ عديم الإتقان والضبط. وبينهما رواة وسط، وهؤلاء منهم من يقترب من الطبقة الأولى وفيهم من ينزل إلى الطبقة الدنيا، لكن أحسن منهم حالاً.

وقد بيّن الإمام ابن رجب الحنبلي ذلك فقال : " إن الرواة ينقسمون أربعة أقسام :

أحدهما : من يتهم بالكذب.

والثاني : من لا يتهم لكن الغالب على حديثه الوهم والغلط.

والثالث : من هو صادق ويكثر في حديثه الوهم، ولا يغلب عليه.

والرابع : الحفاظ الذين يندر الخطأ والوهم في حديثهم أو يقل.

فأما القسم الأول فمتفق عليى تركه وعدم الاحتجاج به. وأما القسم الأخير فمتفق على الاحتجاج به. وأما القسم الثاني فأكثر المحدثين لا يحتجون بهم. ووقع الخلاف في القسم الثالث، فقد روى عن يحي بن معين أنه لا يحتج بهم، وعن ابن المبارك، وابن مهدي، ووكيع وغيرهم أنهم حدثوا عنهم، وهو أيضاً رأى سفيان وأكثر أهل الحديث المصنفين في السنن والصحاح كمسلم بن الحجاج وغيره، وعلى هذا المنوال نسج أبو داود والنسائي والترمذي. مع أنه خرج لبعض من هو دون هؤلاء وبين ذلك ولم يسكت عنه، وإلى طريقة يحي بن سعيد يميل على ابن المديني وصاحبه البخاري"([351]). (ص 134)

المطلب الثاني

موقف الإمام البخاري من الرواة الضعفاء

سبق في المطلب الأول نقل كلام الإمام ابن رجب حول موقف ابن المديني وتلميذه الإمام البخاري من الرواة المتصفين بالصدق ويكثر في حديثهم الوهم ولكن لا يغلب عليهم. حيث ذكر أن البخاري وابن المديني لا يخرجان لمثل هؤلاء الرواة. فهل ما ذكره ابن رجب صحيح ودقيق ينطبق مع الواقع العملي عند الإمام البخاري في صحيحه ؟

إن الرواة الضعفاء (أو الذين ضعفوا) من رواة الجامع الصحيح عددهم كبير. وبمراجعة ما ذكره الحافظ في مقدمة الفتح يمكن أن نصفهم إلى خمسة أصناف.

الصنف الأول :

رواة ضعفوا بسبب بعض الأحاديث التي انفردوا بها، وهذه الأحاديث لا يعرج عليها البخاري في صحيحه. ومن هؤلاء الرواة :

1 – أفلح بن حميد الأنصاري المدني :

أحد الأثبات، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن سعد، وقال ابن عدي : كان أحمد ينكر على أفلح حديث ذات عرق، ولم ينكر عليه أحمد غير هذا. وقد انفرد به عن أفلح المعافي ابن عمران، وأفلح صالح، وأحاديثه مستقيمة.

قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول : لم يحدث يحي القطان عن أفلح.

وروى أفلح حديثين منكرين : أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعر، وحديث وقت لأهل العراق ذات عرق.

والبخاري لم يخرج له شيئاً من هذا – ولله الحمد – بل له عنده حديث واحد في الطهارة، وثلاثة في الحج، ورابع في الحج علقه، ووافقه (ص 135) مسلم على تخريج الخمسة وكلها عندهما عنه عن القاسم عن عائشة([352]).

2 – بدل بن المحبر التميمي البصري :

وثقه أبو زرعة، وأبو حاتم وغيرها، وضعفه الدارقطني في روايته عن زائدة. قال الحاكم. وذلك بسبب حديث واحد خالف فيه حسين بن علي الجعفي صاحب زائدة، قال الحافظ : وهو تعنت، ولم يخرج عنه البخاري سوى موضعين عن شعبة أحدهما في الصلاة والآخر في الفتن، وروى له أصحاب السنن([353]).

3 – بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري :

وثقه ابن معين والعجلي والترمذي وأبو داوود، وقال النسائي ليس به بأس، وقال مرة ليس بذاك القوي، وقال أبو حاتم : ليس بالمتين يكتب حديثه، وقال ابن عدي : صدوق وأحاديثه مستقيمة، وأنكر ما روى : حديث إذا أراد الله بأمة خيراً قبض نبيها قبلها. ومع ذلك فقد أدخله قوم في صحاحهم، وقال أحمد : روى مناكير.

قال ابن حجر : احتج به الأئمة كلهم وأحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة([354]).

الصنف الثاني :

رواة ضعفوا في شيوخ معينين. والبخاري لا يروي لهم عن هؤلاء الشيوخ فمن هؤلاء الرواة:

1 – الربيع بن يحي بن مقسم الأشناني أبو الفضل البصري :

من شيوخ البخاري. قال أبو حاتم الرازي : ثقة ثبت، وقال (ص 136) الدارقطني : يخطئ في حديثه عن الثوري وشعبه. لكن البخاري لم يخرج له إلا من حديثه عن زائدة فقط([355]).

2 – سلام بن أبي مطيع الخزاعي أبو سعيد البصري :

قال أحمد : ثقة صاحب سنة. وقال ابن عدي : ليس بمستقيم الحديث عن قتادة خاصة، ولم أرَ أحداً من المتقدمين نسبه إلى الضعف. وقال ابن حبان : كان سيء الأخذ لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.

وقال الحاكم : ينسب إلى الغفلة وسوء الحفظ.

والبخاري لم يرو له عن قتادة، كما روى له بمتابعة غيره له، وليس له في البخاري سوى حديثين أحدهما في فضائل القرآن وفي الاعتصام بمتابعة حماد بن زيد وغيره له، عن أبي عمران الجوني عن جندب، والآخر في الدعوات بمتابعة أبي معاوية وغيره عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة([356]).

3 – معمر بن راشد : صاحب الزهري :

كان من أثبت الناس فيه. قال ابن معين وغيره : ثقة إلا أنه حدث من حفظه بالبصرة بأحاديث غلط فيها. قاله أبو حاتم وغيره. وقال العلائي عن يحي بن معين : حديث معمر عن ثابت البناني ضعيف. وقال ابن أبي خيثمة : إذا حدثك معمر عن الزهري، وابن طاووس فحديثه مستقيم، وما عمل في حديث الأعمش شيئاً، وإذا حدث عن العراقيين خالفه أهل الكوفة والبصرة، قال ابن حجر : " أخرج له البخاري من روايته عن الزهري وابن طاوس وهمام بن منبه ويحي بن أبي كثير، وهشام بن عروة، وأيوب وثمامة بن أنس وعبد الكريم الجزري. (ص 137)

ولم يخرجوا من رواية أهل البصرة عنه إلا ما توبعوا عليه، واحتج به الأئمة كلهم "([357]).

الصنف الثالث :

رواة ضعفوا في حالات خاصة كالاختلاط والتغير. والإمام البخاري لا يخرج لهم ما روى عنهم في تلك الحالات. ومن أمثلة هؤلاء :

1 – جرير بن حازم :

أبو نصر الأزدي البصري وثقه ابن معين. وضعفه في قتادة خاصة ووثقه العجلي والنسائي، وقال أبو حاتم صدوق. وقال ابن سعد : ثقة إلا أنه اختلط في آخر عمره.

قال الحافظ ابن حجر : " ما ضره اختلاطه لأن أحمد بن سنان قال : سمعت ابن مهدي يقول: كان لجرير أولاد فلما أحسّوا باختلاطه حجبوه، فلم يسمع منه أحد في حال اختلاطه شيئاً، واحتج به الجماعة، وما أخرج له البخاري من روايته عن قتادة إلا أحاديث يسيرة توبع عليها "([358]).

2 – حجاج بن محمد الأعور المصيصي :

أحد الأثبات، أجمعوا على توثيقه، وذكره أبو العرب الصقلي في الضعفاء بسبب أنه تغير في آخر عمره واختلط. لكن ما ضره الاختلاط فإن إبراهيم الحربي حكى أن يحي بن معين منع ابنه أن يدخل عليه – بعد اختلاطه – أحداً. وروى له الجماعة([359]).

3 – حصين بن عبد الرحمن السلمي :

أبو الهذيل الكوفي متفق على الاحتجاج به إلا أنه تغير في آخر عمره وقد أخرج له البخاري من حديث شعبة والثوري وزائدة وأبي عوانة، (ص 138) وأبي بكر بن عياش وأبي كدينة، وحصين بن نمير، وهشيم وخالد الواسطي وسليمان بن كثير العبدي وأبي زبيد عبثر بن القاسم وعبد العزيز العمي، وعبد العزيز بن مسلك ومحمد بن فضيل.

فأما شعبة والثوري وزائدة وهشيم وخالد فسمعوا منه قبل تغيره. وأما حصين بن نمير فلم يخرج له البخاري من حديثه عنه سوى حديث واحد. وأما محمد بن فضيل ومن ذكر معه فأخرج من حديثهم ما توبعوا عليه([360]).

الصنف الرابع :

رواة ضعفوا بسبب خلل وقع لهم في الأخذ والتحمل كالرواية بالإجازة أو الوجادة أو بسبب خلل في الأداء كالإرسال أو التدليس، ومن أمثلة هؤلاء :

1 – أوس بن عبد الله أبو الجوزاء :

تكلم فيه للإرسال. ذكره ابن عدي في الكامل وحكى عنه البخاري أنه قال : في إسناده نظر ويختلفون فيه، ثم شرح ابن عدي مراد البخاري فقال : يريد أنه يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما لا أنه ضعيف عنده. قال ابن حجر : " أخرج له البخاري حديثاً واحداً من روايته عن ابن عباس. قال : كان اللات رجلاً يلت السويق. وروى له الباقون "([361]).

2 – ثمامة بن أنس :

تكلم فيه من أجل روايته من الكتاب، روى عن جده، وثقة أحمد والنسائي والعجلي، وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به، وروى عن أبي يعلي أن ابن معين أشار إلى لينه.

قال الحافظ : " قد بين غيره السبب في ذلك وهو من أجل حديث أنس (ص 139) في الصدقات ليكون ثمامة قيل أنه لم يأخذه عن أنس سماعاً، وقد بينا أن ذلك لا يقدح في صحته "([362]).

3 – الحكم بن نافع أبو اليمان الحمصي :

مجمع على ثقته. اعتمده البخاري وروى عنه الكثير. وروى له الباقون بواسطة. تكلم بعضهم في سماعه من شعيب فقيل إنه مناولة، وقيل : أنه إذن مجرد. وقد قال الفضل بن غسان سمعت يحي بن معين يقول : سألت أبا اليمان عن حديث شعيب فقال : ليس هو مناولة، المناولة لم أخرجها لأحد، وبالغ أبو زرعة الرازي. وقال لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلا حديثاً واحداً.

قال الحافظ : " إن صح ذلك فهو حجة في صحة الرواية بالإجازة إلا أنه كان يقول في جميع ذلك أخبرنا ولا مشاححة في ذلك إن كان اصطلاحاً له "([363]).

4 – خلاس بن عمرو الهجري :

وثقه ابن معين وأبو داود والعجلي. وقال أبو حاتم : يقال وقعت عنده صحف عن علي وليس بقوي. وقال أحمد بن حنبل كان القطان يتوقى حديثه عن علي خاصة. واتفقوا على أن روايته عن علي بن أبي طالب وذويه مرسلة.

وقال أبو داود عن أحمد : لم يسمع من أبي هريرة.

قال الحافظ : روايته عنه عند البخاري، أخرج له حديثين، قرنه فيهما معاً بمحمد بن سيرين وليس له عنده غيرهما([364]). (ص 140)

الصنف الخامس :

رواه ضعفوا بسبب المذهب العقدي أو الفقهي :

وهؤلاء لا أثر لتضعيفهم بذلك. إذا كانوا ثقات وقد سبق في المبحث الأول بيان موقف الإمام البخاري من رواية أهل البدع والأهواء وجل من وصف بالبدعة وضعف بسبب ذلك هم مندرجون في هذا الصنف. لكن أذكر هنا بعض الرواة الذين ضعفوا بسبب المذهب الفقهي، فمن هؤلاء :

1 – ربيعة بن أبي عبد الرحمن :

تكلم فيه بسبب الإفتاء بالرأي([365]).

قال الحافظ فيه : " ثقة فقيه مشهور، قال ابن سعد : كانوا يتقونه لموضع الرأي "([366]).

والبخاري لم يعتمد بهذا التضعيف فقد روى له في صحيحه وكذا سائر الجماعة.

2 – محمد بن عبد الله بن المثني :

أبو عبد الله الأنصاري البصري القاضي، من قدماء شيوخ البخاري ثقة. وثقه ابن معين وغيره، وقال أحمد وغيره : ما يضعفه عند أهل الحديث إلا النظر في الرأي، أما السماع فقد سمع([367]).

والبخاري لم يعتد بهذا التضعيف فقد روى له في صحيحه وكذا سائر الجماعة.

فهؤلاء هم أصناف الرواة الضعفاء الذين خرج لهم البخاري في صحيحه. ولقد بيّن العلامة المعلمي كيف يخرج الشيخان للرواة المتكلم فيهم فقال : (ص 141)

" إن الشيخين يخرجان لمن فيهم كلام في مواضع معروفة.

أحدهما : أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام لا يضره، في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة.

الثاني : أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذلك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقروناً أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك.

ثالثها : أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما سمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنه وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس.

فيخرجان للرجل حيث يصلح، ولا يخرجان له حيث لا يصلح "([368]).

وهذا تلخيص جيد لا مزيد عليه.

* * *

المطلب الثالث

مراتب رجال الصحيحين من حيث الضبط

إن رجال الصحيحين ليسوا على مرتبة واحدة من حيث الضبط. ففيهم الحافظ الثقة وفيهم دون ذلك.

وسأسوق من أقوال العلماء ما يدل على ذلك.

قال الإمام الذهبي (ت 748هـ) – رحمه الله – : (ص 142)

" من أخرج له الشيخان أو أحدهما على قسمين :

أحدهما ما احتجا به في الأصول، وثانيهما : من أخرجا له متابعة وشهادة واعتباراً.

فمن احتجا به أو أحدهما، ولم يوثق ولا غمز، فهو ثقة حديثه قوي، ومن احتجا به أو أحدهما وتكلم فيه : فتارة يكون الكلام فيه تعنتاً، والجمهور على توثيقه، فهذا حديثه قوي أيضاً، وتارة يكون في تليينه وحفظه له اعتبار، فهذا حديثه لا ينحط عن مرتبة الحسن التي قد نسميها : من أدنى درجات الصحيح.

فما في " الكتابين " بحمد الله رجل احتج به البخاري أو مسلم في الأصول ورواياته ضعيفة بل حسنة أو صحيحة.

ومن خرج له البخاري أو مسلم في الشواهد والمتابعات. ففيهم من في حفظه شيء وفي توثيقه تردد، فكل من خرج له في " الصحيحين " فقد قفز القنطرة فلا معدل عنه إلا ببرهان بين.

نعم الصحيح مراتب والثقات طبقات فليس من وثق مطلقاً كمن تكلم فيه، وليس من تكلم في سوء حفظه واجتهاده في الطلب كمن ضعفوه، ولا من ضعفوه ورووا له كمن تركوه ولا من تركوه كمن اتهموه وكذبوه "([369]).

وقد سبق إلى هذا الحافظ الحازمي (ت 524هـ). فإنه قال بعد أن قسم الرواة إلى خمس طبقات وجعل الطبقة الأولى مقصد البخاري. ويخرج أحياناً من أعيان الطبقة الثانية.

" فإن قيل : إذا كان الأمر على ما مهدت، وأن الشيخين لم يودعا كتابيهما إلا ما صح، فما بالهما خرجا حديث جماعة تكلم فيهم، نحو فليح بن سليمان، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وإسماعيل بن أبي أويس عند البخاري ومحمد بن إسحاق وذويه عند مسلم. قلت : أما إيداع البخاري (ص 143) ومسلم " كتابيهما " حديث نفر نسبوا إلى نوع من الضعف فظاهر، غير أنه لم يبلغ ضعفهم حداً يرد به حديثهم "([370]).

ومعنى هذا أن الإمام البخاري يروي عن الضعفاء الذين لم يصلوا إلى حد الترك ولكن لا يروي لهم إلا ما صح من حديثهم.

وتعرف صحة حديثه بأمرين :

الأول : موافقة هذا الراوي لغيره ومتابعتهم له.

وهذا أمر يلاحظ في صحيح البخاري فإنه يكثر من ذكر المتابعات والشواهد. فإنه يروي الحديث ثم يقول : تابعه فلان وفلان … إذا كان راوية ضعيفاً، أو كان الراوي ثقة لكن وقع فيه اختلاف في سنده ومتنه. كما سيأتي توضيحه في " منهج البخاري في تعليل الأحاديث ".

الثاني : مراجعة أصول الراوي والنظر فيها. فإنه ولو كان ضعيفاً في حفظه فإنه يقبل حديثه الموجود في أصوله. إذا كان الراوي صدوقاً في الجملة. ومثال هذا أحاديث إسماعيل بن أبي أويس([371]).

وهذا المنهج يعرف بمنهج الانتقاء من أحاديث الضعفاء، أي أن حديث الضعيف لا يرد جملة ولا يقبل جملة. وإنما يقبل ما صح من حديثه فقط. كما أن الثقة لا تقبل أحاديثه مطلقاً فيقبل ما أصاب فيه ويرد ما أخطأ فيه.

قال الإمام ابن القيم وهو يرد على من عاب على مسلم إخراج أحاديث الضعفاء سيئي الحفظ كمطر الوراق وغيره : " ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه، فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع أحاديث الثقة، ومن ضعف جميع أحاديث سيئي (ص 144) الحفظ. فالأولى : طريقة الحاكم وأمثاله، والثانية : طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله. وطريقة مسلم. هي طريقة أئمة هذا الشأن "([372]).

وهذه هي طريقة  الإمام البخاري – رحمه الله – أيضاً ولكن قد يختلف اجتهاد الأئمة في تقدير ضعف الراوي ومرتبته. فقد يكون الراوي ضعيفاً متروكاً عند مسلم بينما يكون عند البخاري ضعيفاً ضعفاً يسيراً محتملاً، أو على العكس كل بحسب اجتهاده وقد صرح الإمام ابن الصلاح بهذا حيث قال :

" شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه، سالماً من الشذوذ والعلة. وهذا حد الصحيح، فكل حديث اجتمعت فيه هذه الشروط فهو صحيح بلا خلاف بن أهل الحديث، وما اختلفوا في صحته من الأحاديث : فقد يكون بسبب اختلافهم أنه هل اجتمعت فيه هذه الشروط أم انتفى بعضها. وهذا هو الأغلب في ذلك كما إذا كان الحديث في رواته من اختلف في كونه من شرط الصحيح، فإذا كان الحديث رواته كلهم ثقات، غير أن فيهم أبا الزبير المكي مثلاً أو سهيل بن أبي صالح، أو العلاء بن عبد الرحمن، لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الشروط المعتبرة، ولم يثبت عند البخاري ذلك فيهم. وكذا حال البخاري فيما خرجه من حديث عكرمة مولى ابن عباس وإسحاق بن محمد الغروي وعمرو بن مرزوق وغيرهم ممن احتج بهم البخاري ولم يحتج بهم مسلم "([373]).

وواضح من كلام الإمام ابن الصلاح أن الأئمة لم يختلفوا في حد الصحيح وشرطه المعتبرة وأركانه من : إتقان الرواة، واتصال السند، والسلامة من الشذوذ والعلل، وإنما الخلاف بينهم في تطبيق تلك الشروط (ص 145) على الرواة والأحاديث ومن ثم تختلف اجتهاداتهم، وليس بسبب الاختلاف في الأسس والمنهج كما يفهمه – خطأ – الكثير وإنما الخلاف في التطبيق وتنزيل تلك الشروط.

وقد ظن الكثير أن للبخاري شرطاً خاصاً به في الصحيح، وكذلك أن لمسلم شرطاً متميزاً وكذلك أن لابن حبان ولابن خزيمة شروطاً خاصة بهما وهكذا للحاكم شرط للصحيح خاص به. أي إن لكل إمام وناقد شروطاً في الصحيح تختلف تماماً عن شروط الآخرين وهذا مخالف للواقع العملي التطبيقي عند النقاد، والسبب في الوقوع في هذا الخطأ المنهجي الخطير هو تلك الألفاظ المجملة التي أطلقها الحازمي والمقدسي والحاكم في كتبهم وهم لا يعنون أبداً ما فهمه هؤلاء.

ومن هنا فإن التعريف المتداول للحديث الصحيح وهو : (ما يرويه العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه وسلم من الشذوذ والعلة القادحة) فيه قصور إذ لا يشمل أحاديث العدول الذين خف ضبطهم أو بعبارة أخرى لا يشمل أحاديث الضعفاء التي صحت.

ولهذا يرى الحافظ ابن حجر أن يكون تعريف الحديث الصحيح على هذا النحو : (هو الحديث الذي يتصل بإسناده بنقل العدل التام الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد – عن مثله إلى منتهاه – ولا يكون شاذاً ولا معللاً)([374]).

وقد استند الحافظ في هذا إلى تتبعه واستقرائه لأحاديث الصحيحين قال – رحمه الله - :

" وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيراً من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم عليها الحكم بالصحة إلا بذلك "([375]). ثم ذكر أمثلة على هذا (ص 146)

فمن ذلك حديث أبي بن العباس بن سهل بن سعد([376]) عن أبيه([377]) رضي الله عنه في ذكر خيل النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال لها اللحيف. قال أبو عبد الله وقال بعضهم : اللخيف([378]).

وأبي هذا قد ضعفه لسوء حفظه أحمد بن حنبل ويحي بن معين والنسائي. ولكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن العباس([379]) أخرجه ابن ماجه من طريقه. وعبد المهيمن فيه ضعف. فاعتضد. وانضاف إلى ذلك أنه  ليس من أحاديث الأحكام، فلهذه الصورة المجموعة حكم البخاري بصحته([380]). وكذا حكم البخاري بصحة حديث معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة – رضي الله عنها – أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم : " جهادكن الحج والعمرة "([381]).

ومعاوية ضعفه أبو زرعة ووثقه أحمد والنسائي([382]).

وقد تابعه عليه عنده حبيب بن أبي عمرة([383]) فاعتضد([384]).

في أمثلة كثيرة قد ذكر الحافظ كثيراً منها في مقدمة شرحه للبخاري ويوجد في كتاب مسلم منها أضعاف ما في البخاري. (ص 147).

وقال الحافظ ابن حجر – مبيناً مراتب الرواة من حيث الضبط – عند الإمام البخاري :

" وأما الغلط فتارة يكثر في الراوي وتارة يقل، فحيث يوصف بكونه كثير الغلط، ينظر فيما أخرج له، إن وجد مروياً عنده أو عند غيره من رواية غير هذا الموصوف بالغلط، علم أن المعتمد أصل الحديث لا خصوص هذه الطريق، وإن لم يوجد إلا من طريقة فهذا قادح يوجب التوقف فيما هذا سبيله – وليس في الصحيح – بحمد الله، من ذلك شيء، وحيث يوصف بقلة الغلط، كما يقال سيء الحفظ، أو له أوهام، أو له مناكير، وغير ذلك من العبارات، فالحكم فيه كالحكم في الذي قبله، إلا أن الرواية عن هؤلاء في المتابعات أكثر منها عند المصنف من الرواية عن أولئك "([385]).

ومن هنا يتبين لنا أن منهج البخاري في تصحيح الأحاديث هو النظر في الحديث بمجموع طرقه وأسانيده، وليس النظر في خصوص كل إسناد على انفراده، وليس هذا منهجاً للإمام البخاري فحسب بل هو منهج كل المحدثين النقاد كالإمام مسلم والترمذي وغيرهم، لذلك نرى الإمام مسلم يورد في صحيحه بعض الأحاديث التي في إسنادها ضعف ثم يورد لها الشواهد والمتابعات فيكون ذلك الحديث صحيحاً بمجموع تلك الطرق، وكذلك الإمام الترمذي فإنه يورد في كثير من الأحيان أحاديث في رواتها ضعف، ويتكلم على أولئك الرواة فيقول مثلاً : " فلان ليس بالقوي "، أو "ليس بذاك " ونحوها من عبارات التليين، ثم يحكم على الحديث بالصحة أو الحسن أو هما معاً، باعتبار شواهده ومتابعاته لأنه يعقب على ذلك الحكم غالباً بقوله وفي الباب عن فلان وفلان … وشرح هذا الأمر وذكر الأمثلة عليه يطول، ومن ينظر في الجامع الصحيح للإمام مسلم وجامع الإمام الترمذي بتمعن يتبين له ذلك، والذي أركز عليه هو ذكر أمثلة ونماذج من صحيح الإمام البخاري، قواها البخاري وصححها بمجموع طرقها لا بخصوص أسانيدها. (ص 148)

المطلب الرابع

نماذج من أحاديث الضعفاء ومنهج

البخاري في تصحيحها

1 – أحاديث محمد بن عبد الرحمن الطفاوي :

له في البخاري ثلاثة أحاديث، ولو نظرنا إلى ترجمته في كتب الرجال([386]) نجد أنه ليس من الحفاظ المتقنين الذين هم من شرط الصحيح.

فقد وثقه ابن المديني.

وقال أبو حاتم : صدوق إلا أنه يهم أحياناً.

وقال ابن معين : لا بأس به.

وقال أبو زرعة : منكر الحديث.

وأورد له ابن عدي عدة أحاديث وقال : إنه لا بأس به.

فهذا الراوي واضح أنه ليس في الدرجة العليا من رجال الصحيح، بل ليس من رجال الصحيح حسبما استقرت عليه كتب المصطلح، فإن من قيل فيه صدوق يهم، ولا بأس به، فحديثه حسن، ومن قيل فيه منكر الحديث فحديثه ضعيف، إذن فأحاديث الطفاوي تكون ضعيفة ضعفاً محتملاً أو حسنة على الاصطلاح المتداول، والآن ندرس أحاديثه وكيف صححها الإمام البخاري – رحمه الله - .

الحديث الأول :

قال البخاري – رحمه الله - : " ثنا أحمد بن المقدام العجلي ثنا (ص 149) محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالوا : إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ؟ قال : سموا الله وكلوه "([387]).

لو نظرنا إلى خصوص سند هذا الحديث لحكمنا عليه بالضعف، وفي أحسن الأحوال بالحسن الاصطلاحي، لكن الإمام البخاري صححه وأورده في صحيحه محتجاً به، والجواب على ذلك أنه وإن كان خصوص سنده فيه مقال لكن له متابعات تقويه وترفعه إلى درجة الصحة، وهذه المتابعات هي :

1 – متابعة أبو خالد الأحمر([388]) : وصلها المصنف في كتاب التوحيد، قال البخاري – رحمه الله – " حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا أبو خالد الأحمر، قال : سمعت هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة قال : قالوا : يا رسول الله إن هنا أقواماً حديثاً عهدهم بشرك يأتونا بلُحْمَانٍ لا ندري يذكرون اسم الله عليها أم لا، قال : اذكروا أنتم اسم الله وكلوا ".

تابعه محمد بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد وأسامة بن حفص([389]).

وأبو خالد هو سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، قال فيه الذهبي : " صاحب حديث وحفظ، روى عباس عن بن معين : صدوق ليس بحجة، وقال علي بن المديني : ثقة، وقال أبو حاتم، صدوق، روى له أحاديث خولف فيها – هو كما قال يحي : صدوق ليس بحجة، وإنما أوتي من سوء حفظه. (ص 150)

قلت : الرجل من رجال الكتب الستة، وهو مكثر يهم كغيره "([390]).

وقال فيه الحافظ : " صدوق يخطئ "([391]).

وقد ذكره العقيلي في كتابه  الضعفاء([392])، فهو صالح للمتابعة.

2 – متابعة أسامة بن حفص : وصلها المصنف في كتاب الأضاحي، قال البخاري :

" ثنا محمد بن عبد الله، ثنا أسامة بن حفص المديني عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة – رضي الله عنها – أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : " إن قوماً يأتوننا … ".

تابعه علي عن الدراوردي، وتابعه أبو خالد والطفاوي([393]).

وأسامه بن حفص شيخ لم يزد البخاري في ترجمته في التاريخ الكبير على ما في هذا الحديث حيث قال : " أسامة بن حفص المديني، عن هشام بن عروة سمع منه محمد بن عبد الله "([394]).

ولم يذكره أبو حاتم في كتابه، وقال فيه الذهبي : " صدوق، ضعفه أبو الفتح الأزدي بلا حجة، وقال اللالكائي : مجهول، قلت روى عنه أربعة "([395]) يعني انتفت عنه الجهالة بذلك، فمثله يصلح للمتابعة.

لهذه المتابعات صحح الإمام البخاري هذا الحديث وأورده في كتابه محتجاً به مستنبطاً منه مسائل في الفقه والعقيدة، وقد أخذ منه الحافظ ابن حجر أن تقوية الحديث الذي يرويه الضعيف إذا كانت له متابعات هو أمر يشهد له صنيع البخاري، قال – رحمه الله – : (ص 151)

" ويؤخذ من صنيعه أنه وإن اشترط في الصحيح أن يكون راويه من أهل الضبط والإتقان أنه إن كان في الراوي قصور عن ذلك، ووافقه على رواية ذلك الخبر من هو مثله انجبر ذلك القصور بذلك، وصح الحديث على شرطه "([396]).

الحديث الثاني :

قال الإمام البخاري : " حدثنا محمد بن المقدام العجلي حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي حدثنا أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أعطيت مفاتيح الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم البارحة إذ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض حتى وضعت في يدي"([397]).

وطريق الطفاوي هذا قال فيه البغوي فيما ذكر عنه الإسماعيلي : " لا أعلم حدث به عن أيوب غير محمد بن عبد الرحمن "([398])، وهذا الحكم من مثل هذا الإمام له قيمته العلمية لأنه مبني على التتبع والاستقراء لذا لم يذكر الحافظ في مقدمة الفتح متابعات لحديث الطفاوي وكذا لم يفعل في شرحه لهذا الحديث في الفتح، مع سعة إطلاع الحافظ – رحمه الله – وتبحره في معرفة الطرق والروايات، وشدة دفاعه عن الصحيح ورجاله، ومن هنا أستطيع أن أقول إن هذا الحديث لو طبقنا عليه قواعد المصطلح بخصوص إسناده لحكمنا عليه بالغرابة والضعف، لكن الإمام البخاري أورده في جامعه الذي اشترط فيه الصحة معتمداً عليه، والإمام البخاري لم يحكم على خصوص هذا الإسناد وإنما باعتبار ما لهذا الحديث من شواهد منها :

الشاهد الأول : ما رواه البخاري في كتاب الاعتصام من صحيحه قال : " حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ص 152) " بُعثت بجوامع الكلم … "([399]).

والشاهد الثاني : ما رواه البخاري في كتاب الجهاد من صحيحه قال : " حدثنا يحي بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت بجوامع الكلم ونُصرت بالرعب … "([400]).

فهذه الشواهد أو بعبارة أدق هذه المتابعات القاصرة، تدل على أن هذا الحديث محفوظ عن أبي هريرة يرويه عنه محمد بن سيرين وسعيد بن المسيب.

ويرويه عن سعيد بن المسيب، ابن شهاب الزهري، ويرويه عن الزهري، إبراهيم بن سعد وعقيل.

وأما محمد بن سيرين فيرويه عنه أيوب، ولم يروه عن أيوب إلا الطفاوي كما تقدم.

فأصل الحديث إذن ثابت وصحيح لا مرية فيه.

لكن ما هو الغرض العلمي الذي دفع البخاري إلى إخراج هذا الحديث من طريق الطفاوي؟ ظهر لي غرضان هما :

أولاً : هذا الإسناد رواته كلهم بصريون، كما صرح به الحافظ وكما يعلم من تراجمهم، إذن فهذا الإسناد وإن كان فيه تفرد محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن أيوب، الذي قد يثير شبهة الغرابة، وخاصة أن المتفرد ليس من الحفاظ، لكن لما كان هذا المتفرد إنما انفرد به شيخه وبلديه، والحديث مشهور بالبصرة متداول بين علمائها، فهذه الشهرة تدفع تلك الغرابة الآتية من تفرد الطفاوي به. (ص 153)

ثانياً : هذا الطريق أعلى سنداً من غيره فبين البخاري والنبي صلى الله عليه وسلم خمسة رجال، بينما الطريق الذي أورده في كتاب الجهاد فبينه وبين النبي صلى الله عليه و سلم ستة رجال، فطريق الطفاوي جمع بين العلو وتسلسل الرواة باعتبار بلدهم وهذا مما يُعنى به المحدثون، ولا يكون هذا كله إلا إذا تأكد لديهم صحة أصل الحديث، والله تعالى أعلم.

وأما الحديث الثالث فهو حديث ابن عمر " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل .. ".

قال البخاري : " حدثنا علي بن عبد الله حدثنا محمد بن عبد الرحمن أبو المنذر الطفاوي عن سليمان أو عمش قال : حدثني مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيميني فقال : كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "([401]).

قال الحافظ : " فهذا الحديث قد تفرد به الطفاوي وهو من غرائب الصحيح وكأن البخاري لم يشدد فيه لكونه من أحاديث الترغيب والترهيب "([402]).

" وقد أخرجه أحمد والترمذي من رواية سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد، وأخرجه ابن عدي في الكامل من طريق الحماد بن شعيب عن أبي يحي القتات عن مجاهد، وليث وأبو يحي ضعيفان والعمدة على طريق الأعمش وللحديث طريق آخر أخرجه النسائي من رواية عبدة بن أبي لبابة عن ابن عمر مرفوعاً وهذا مما يقوي الحديث المذكور "([403]).

2 – أحاديث فضيل بن سليمان النميري : أبو سليمان البصري، تكلم في حفظه كثير من الأئمة([404]). (ص 154)

قال الساجي : كان صدوقاً، وعنده مناكير.

وقال عباس الدوري عن ابن معين : ليس بثقة. وقال أبو زرعة : لين الحديث.

وقال أبو حاتم : يكتب حديثه وليس بالقوي. وقال النسائي : ليس بالقوى.

وقد لخص الحافظ حاله فقال : " صدوق له خطأ كثير "([405]).

فواضح أن مثل هذا الراوي ليس من شرط الصحيح، ومع ذلك نجد الإمام البخاري قد انتقى من حديثه ما يتابعه عليه غيره، منها :

1 – حديثه عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر في إجلاء اليهود.

ساق البخاري سنده فقط في كتاب الحرث والمزارعة وذكر عقبة متابعة ابن جريج من طريق عبد الرزاق معلقاً([406]) وقد وصل مسلم طريق ابن جريج، وأخرجها أحمد عن عبد الرزاق عنه بتمامها([407])، وقد ساق البخاري لفظ فضيل بن سليمان في كتاب الخمس([408]).

2 – وحديثه بهذا الإسناد أيضاً في قصة زيد بن عمرو بن نفيل([409]) تابعه عليه عبد العزيز بن المختار عند أبي يعلي([410]).

3 – وحديثه عن مسلم بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن جابر عمن (ص 155) سمع النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه عليه عند البخاري سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر وسمي المبهم أبا بردة بن نيار([411]).

4 – وحديثه عن منصور بن عبد الرحمن عن صفية عن عائشة أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من الحيض … "([412]) تابعه عليه ابن عيينة ووهيب وغيرهما([413]).

5 – وحديثه عن أبي حازم عن سهل بن سعد في حفر الخندق قال البخاري – رحمه الله - :

" حدثني أحمد بن المقدام العجلي حدثنا الفضيل بن سليمان حدثنا أبو حازم حدثنا سهل بن سعد الساعدي قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب، وبصر بنا، فقال : اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة "([414]).

وقد تابعه على حديثه هذا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل([415]).

6 – وحديثه أيضاً بهذا الإسناد " ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً … "([416]). (ص 156)

تابعه عليه عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أيضاً([417]).

فهذه أمثلة ونماذج لم أقصد منها الاستيعاب، وإنما قصدت توضيح منهج البخاري في تقوية أحاديث الضعفاء، وأنه لا يعتمد على خصوص الأسانيد وإنما يحكم للحديث بمجموع طرقه.

والسؤال الذي يمكن أن يُطرح : لماذا يخرج البخاري لمثل هؤلاء الضعفاء مع أن الحديث قد يكون مروياً بإسناد آخر أقوى منه ؟ ونفس الإشكال يُطرح أيضاً على الإمام مسلم.

وقد أجاب الإمام ابن الصلاح عن هذا فقال ما ملخصه :

" عاب عائبون مسلماً بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح.

والجواب : أن ذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها.

أحدها : أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده.

الثاني : أن يكون ذلك واقع في الشواهد والمتابعات.

الثالث : أن يكون صنف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه، باختلاط حدث عليه غير قادح فيما رواه من قبل في زمان سداده واستقامته.

الرابع : أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده، وهو عنده برواية الثقات نازل فيذكر العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفياً بمعرفة أهل الشأن بذلك، ولما أنكر أبو زرعة([418]) على مسلم روايته عن أسباط بن نصر([419])، (ص 157) وقطن بن نسير([420])، وأحمد بن عيسى المصري([421])، قال : إنما أدخلت من حديث أسباط، وقطن، وأحمد، ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منه بنزول، فاقتصر على ذلك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات "([422]).

وما أجاب به ابن الصلاح عن الإمام مسلم هو نفسه الجواب عن الإمام البخاري. (ص 158).

* * *

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث

اتصال السند

المطلب الأول : تعريفه وأهميته.

المطلب الثاني : طرق التحمل والأداء عند الإمام البخاري.

المطلب الثالث : العنعنة وموقف البخاري منها.

المطب الرابع : نماذج من أحاديث أعلت بالانقطاع في صحيح البخاري.

المطلب الخامس : التدليس وموقف البخاري منه.

المطلب الأول

تعريف السند وأهميته

تعريف السند لغة :

هو ما ارتفع من الأرض … وما قابلك من الجبل وعلا عن السفح، والجمع أسناد، وكل شيء أسندته إلى شيء فهو مسند، ويقال أسند في الجبل إذا ما صعده، ويقال فلان سند أي معتمد([423]). (ص 159)

واصطلاحاً :

هو طريق المتن، أي سلسلة الرواة الذين نقلوا المتن عن مصدره الأول، وسمي هذا الطريق سنداً إما لأن المسند يعتمد عليه في نسبة المتن إلى مصدره، أو لاعتماد الحفاظ على السند في معرفة صحة الحديث وضعفه([424]).

والمراد باتصال السند : أن لا يكون هناك انقطاع في سلسلة الإسناد بسقوط راو أو أكثر عمداً من بعض الرواة أو من غير عمد، من أول السند أو من آخره أو من أثنائه سقوطاً ظاهراً أو خفياً.

أهميته :

إن اتصال السند شرط أساسي وضروري في صحة الحديث (فمدار الحديث الصحيح على الاتصال وإتقان الرجال وعدم العلل)([425]) ولهذا الأهمية العظيمة اعتبر الإسناد من الدين، قال الإمام ابن المبارك : " الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء "([426]).

وقال سفيان الثوري : " الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل "([427]).

فالإسناد خصيصة من خصائص هذه الأمة، وفضيلة تمت لله عز وجل عليهم بها النعمة، به عرف الصحيح من السقيم، وصان الله دينه عن قول كل أفاك أثيم، وليس لمن قبل هذه الأمة غير صحف اختلط منكرها بمقبولها، واشتبه صحيحها بمعلولها، فلا تمييز عند أحد منهم بين ما جاء به أنبياؤهم المرسلون، وبين ما أدخل في ذلك، وألحق به الغواة المبلطون([428]). (ص 160)

وقد سبق في الفصل الأول أن الإمام البخاري سمى كتابه " الجامع الصحيح المسند … ".

وأنه قصد جمع الأحاديث المرفوعة المتصلة الإسناد، وقد أورد فيه الآيات والموقوفات والآثار على سبيل التبع والاستشهاد والكثير منها معلق غير مسند، وهذه لا أتكلم عنها في هذا الحديث، لأنها ليست على شرط الكتاب، وسأتكلم على قضايا لها علاقة مباشرة بصحة الحديث وتعليله، كطرق التحمل والأداء عند الإمام البخاري، والعنعنة وموقف البخاري منها، ثم دراسة نماذج من أحاديث أعلت بالانقطاع وهي في صحيح البخاري، ثم أتعرض للتدليس وموقف الإمام البخاري من رواية المدلسين.

* * *

المطلب الثاني

طرق التحمل والأداء عند الإمام البخاري

ذكر الإمام البخاري في " صحيحه " الطرق المعتمدة عنده في النقل والتحمل وهي :

1 – السماع من لفظ الشيخ.

2 – القراءة والعرض على المحدث.

3 – المناولة.

4 – المكاتبة.

أولاً : السماع من لفظ الشيخ :

وقد ترجم له بقوله : " باب قول المحدث حدثنا أو أخبرنا وأنبأنا " وهي الصيغ المستعملة للتعبير عن السماع، وأورد في هذا الباب ما يلي : " قال لنا الحميدي، كان عند ابن عيينة حدثنا وأخبرنا وأنبأنا واحد ".

واستدل البخاري، على أنه لا فرق بين هذه الألفاظ، بأن الصحابة – (ص 161) رضوان الله عليهم – كانوا يستعملون جميع هذه الألفاظ فيما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم وأورد ثلاثة تعاليق تنبيهاً على أن الصحابي تارة كان يقول حدثناً، وتارة كان يقول سمعت، فيدل على أنه لا فرق بينهما، وهذه التعاليق هي :

الأول : قال ابن مسعود : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق([429]).

الثاني : قال شقيق عن عبد الله : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم([430]).

الثالث : وقال حذيفة حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين([431]).

ثم ذكر حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي، فوق الناس في شجر البوادي، قال عبد الله : ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت، ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسول الله، قال : هي النخلة "([432]).

قال الحافظ ابن حجر : " فإن قيل : فمن أين تظهر مناسبة حديث ابن عمر للترجمة، ومحصل الترجمة التسوية بين صيغ الأداء الصرحية وليس ذلك بظاهر في الحديث المذكور، فالجواب أن ذلك يستفاد من اختلاف ألفاظ الحديث المذكور، ويظهر ذلك إذا اجتمعت طرقه، فإن لفظ عبد الله بن دينار المذكور في الباب " فحدثوني ما هي " وفي رواية نافع عند المؤلف في التفسير " أخبروني " وفي رواية عند الإسماعيلي " أنبئوني " وفي رواية مالك عند المصنف في باب الحياء في العلم " حدثوني ما هي " وقال فيها " فقالوا أخبرنا بها " فدل ذلك على أن التحديث والإخبار والإنباء عندهم (ص 162) سواء، وهذا لا خلاف فيه عند أهل العلم بالنسبة إلى اللغة (*).

ومن أصرح الأدلة فيه قوله تعالى : } يومئذ تحدث أخبارها {([433]) وقوله تعالى : } ولا ينبئك مثل خبير {([434]).

وأما بالنسبة إلى الاصطلاح ففيه الخلاف : فمنهم من استمر على أصل اللغة، وهذا رأي الزهري ومالك وابن عيينة ويحي القطان وأكثر الحجازيين والكوفيين، وعليه استمر عمل المغاربة، ورجحه ابن الحاجب في مختصره، ونقل عن الحاكم أنه مذهب الأئمة الأربعة، ومنهم من رأى إطلاق ذلك حيث يقرأ الشيخ من لفظه وتقييده حيث يقرأ عليه، وهو مذهب إسحاق بن راهوية والنسائي وابن حبان وابن منده وغيرهم، ومنهم من رأى التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل : فيخصون التحديث بما يلفظ به الشيخ، والإخبار بما يقرأ عليه، وهذا مذهب ابن جريج الأوزاعي والشافعي وابن وهب وجمهور أهل المشرق، ثم أحدث أتباعهم تفصيلاً آخر : فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال : " حدثني " ومن سمع مع غيره جمع، ومن قرأ بنفسه على الشيخ أفرد فقال : " أخبرني " ومن سمع بقراءة غيره جمع، وكذا خصصوا الإنباء بالإجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه، وكل هذا مستحسن وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل، وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب، فتكلفوا في الاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته، نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور لئلا يختلط، لأنه صار حقيقة عرفية عندهم، فمن تجوز عنها احتاج إلى (ص 163) الإتيان بقرينة تدل على مراده، وإلا فلا يؤمن اختلاط المسموع بالمجاز بعد تقرير الاصطلاح، فيحمل ما يرد من ألفاظ المتقدمين على محمل واحد بخلاف المتأخرين "([435]).

ثانياً : القراءة والعرض على المحدث :

وقد بوّب الإمام البخاري في كتاب العلم بهذا " باب القراءة والعرض على المحدث "، قال الحافظ – رحمه الله – :

" إنما غاير بينهما بالعطف لما بينهما من العموم والخصوص،  لأن الطالب إذا قرأ كان أعم من العرض وغيره. ولا يقع العرض إلا بالقراءة. لأن العرض عبارة عما يعارض به الطالب أصل شيخه معه، ومع غيره بحضرته، فهو أخص من القراءة، وتوسع فيه بعضهم فأطلقه على ما إذا أحضر الأصل لشيخه فنظر فيه وعرف صحته، وأذن له من غير أن يحدث به، أو يقرأه الطالب عليه. والحق أن هذا يسمى عرض المناولة بالتقييد لا بالإطلاق. وقد كان بعض السلف لا يعتدون إلا بما سمعوه من ألفاظ المشايخ دون ما يقرأ عليهم.

ولهذا بوّب البخاري على جوازه، وأورد فيه قول الحسن – وهو البصري – لا بأس بالقراءة على العالم، وكذا ذكر عن سفيان الثوري ومالك أنهما يسويان السماع مع العالم والقراءة عليه "([436]).

وقد ذهب، العلامة العيني إلى أنه لا فرق بين القراءة والعرض وأنهما متساويان، واعتمد على كلام الكرماني لأنه قال المراد بالعرض عرض القراءة بقرينة ما يذكر بعد الترجمة ثم قال : فإن قلت: فعلى هذا التقدير لا يصح (ص 164) عطف العرض على القراءة لأنه نفسها. قلت : العرض تفسير القراءة ومثله يسمى بالعطف التفسيري([437]).

والتحقيق أن العرض في كلام أئمة الحديث يطلق على معنيين : عرض القراءة، وعرض المناولة.

وهذه أقوال الأئمة التي تشهد على هذا :

قال الإمام الحاكم النيسابوري – رحمه الله – :

" … وبيان العرض أن يكون الراوي متقناً فيقدم المستفيد إليه جزءاً من حديثه أو أكثر من ذلك فيتناوله، فيتأمل الراوي حديثه، فإذا أخبره وعرف أنه من حديثه، قال المستفيد : قد وقفت على ما ناولتنيه، وعرفت الأحاديث كلها وهذه رواياتي عن شيوخي فحدث بها. فقال جماعة من أئمة الحديث أنه سماع "([438]).

ثم ذكر جماعة من علماء المدينة ومكة والبصرة والكوفة ومصر وأهل الشام وخراسان ثم قال: " وقد رأيت أنا جماعة من مشايخي يرون العرض سماعاً "([439]).

وذكر الحجة على ذلك ثم قال : " قد ذكرنا مذاهب جماعة من الأئمة في العرض فإنهم أجازوها على الشرائط التي قدمنا ذكرها، ولو عاينوا ما عايناه من محدثي زماننا لما أجازوه. فإن المحدث إذا لم يعرف ما في كتابه، كيف يعرض عليه ؟ "([440]) فالعرض هنا يقصد به المناولة.

وقال الإمام الخطيب البغدادي : " ذهب بعض الناس إلى كراهة العرض : وهو القراءة على المحدث ورأوا أنه لا يعتد إلا بما سمع من لفظه، وقال جمهور الفقهاء والكافة من أئمة العلم بالأثر إن القراءة على (ص 165) المحدث بمنزلة السماع منه "([441]).

وقال القاضي عياض (544هـ) وهو يتحدث عن الضرب الثاني من أصول الرواية وهو القراءة على الشيخ وأكثر المحدثين يسمونه " عرضاً " لأن القارئ يعرض ما يقرؤه على الشيخ كما يعرض القرآن على إمامه، وحكاه البخاري عن الحسن والثوري ومالك "([442]).

فالعرض عند الخطيب البغدادي والقاضي عياض بمعنى القراءة على المحدث، ونسب القاضي عياض التسوية بينهما إلى البخاري.

والذي يتبين لي أن الإمام البخاري سوّى بين القراءة والعرض من حيث الاستعمال وأن العطف بينهما تفسيري كما ذهب إليه العلامة العيني – رحمه الله – وهذا من خلال الحجج التي ذكرها في هذا الباب على صحة القراءة وهي قوله :

" 1 – واحتج بعضهم في القراءة على العالم بحديث ضمام بن ثعلبه قال للنبي صلى الله عليه وسلم آلله أمرك أن تصلي الصلوات ؟ قال نعم.

قال البخاري – رحمه الله – فهذه قراءة على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ضمام قومه بذلك فأجازوه.

2 – واحتج مالك بالصك يقرأ على القوم فيقولون أشهدنا فلان، ويقرأ ذلك قراءة عليهم.

3 – ويقرأ على المقرئ فيقول القارئ : أقرأني فلان "([443]).

فهذه الحجج واضحة أنها في القراءة وليست في عرض المناولة.

ثم ذكر الإمام البخاري كيفية التعبير عن التحمل بالقراءة فقال : (ص 166)

" حدثنا عبد الله بن موسى عن سفيان قال : إذا قرئ على المحدث فلا بأس أن يقول : حدثني، قال : سمعت أبا عاصم يقول عن مالك وسفيان : القراءة على العالم، وقراءته سواء "([444]).

ثالثاً ورابعاً – المناولة والمكاتبة :

وهي " إعطاء الشيخ الطالب شيئاً من مروياته مع إجازته به صريحاً أو كتابة "([445]).

والإمام البخاري يرى صحة الرواية بالمناولة فقد ترجم في صحيحه في كتاب العلم بما يدل على ذلك حيث قال : " باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان "([446]).

قال الحافظ رحمه الله : " لما فرغ من تقرير السماع والعرض، أردف ببقية وجوه التحمل المعتبرة عند الجمهور فمنها المناولة وصورتها، أن يعطي الشيخ الطالب الكتاب فيقول له : هذا سماعي من فلان، أو هذا تصنيفي، فاروه عني، وقد قدمنا صورة عرض المناولة، وهي إحضار الطالب الكتاب، وقد سوّغ الجمهور الرواية بها وردها من رد عرض القراءة من باب أولى "([447]).

وقد ذكر العلماء للمناولة ثلاثة أنواع هي ([448]):

1 – المناولة المقرونة بالإجازة مع التمكين من النسخة والرواية بها صحيحة عند معظم الأئمة والمحدثين. (ص 167)

2 – المناولة مع الإجازة من غير تمكين من النسخة، يرى الفقهاء والأصوليون أنه لا تأثير لها، ولا فائدة فيها بينما شيوخ الحديث يرون لذلك مزية معتبرة.

3 – المناولة المجردة من الإجازة أجازها طائفة من أهل العلم، وصححوا الرواية بها، وعابها غير واحد من الفقهاء والأصوليين على من أجازها وسوّغ الرواية بها.

والإمام البخاري يعتبر النوع الأول فقط، كما سيأتي توضيحه من خلال الأدلة التي أوردها على جواز المناولة، وأما النوعين الآخرين فيهما من توسع المتأخرين بعد عصر الرواية محافظة على بقاء الإسناد.

وقول البخاري : " وكتاب أهل العلم بالعلم إلى البلدان "([449]) يدل على جواز المكاتبة عنده. قال الحافظ رحمه الله : " قوله إلى البلدان " أي أهل البلدان، وذكر البلدان على سبيل المثال، وإلا فالحكم عام في القرى وغيرها، والمكاتبة من أقسام التحمل وهو : أن يكتب الشيخ حديثه بخطه، أو يأذن لمن يثق به بكتبه، ويرسله بعد تحريره إلى الطالب، ويأذن له في روايته عنه وقد سوى المصنف بينها وبين المناولة ورجح قوم المناولة عليها لحصول المشافهة فيها بالإذن دون المكاتبة، وقد جوّز جماعة من القدماء إطلاق الإخبار فيهما والأولى ما عليه المحققون من اشترط بيان ذلك "([450]) وقد قسم العلماء المكاتبة إلى قسمين ([451]):

1 – المكاتبة المقرونة بالإجازة : وهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة بالإجازة، والرواية بها صحيحة بلا خلاف.

2 – المكاتبة المجردة من الإجازة : منعها بعض الفقهاء والأصوليين (ص 168) وأجازها أكثر المحدثين وهو المعمول به عندهم.

أدلة الإمام البخاري على جواز المناولة والمكاتبة :

استدل الإمام البخاري على صحة الرواية بالمناولة والمكاتبة بعمل السلف من الصحابة والتابعين والأئمة. وقد ذكر منها البخاري ما يلي :

1 – قال أنس : " نسخ عثمان المصاحف فبعث بها إلى الآفاق "([452]).

قال الحافظ : " ودلالته على تسويغ الرواية بالمكاتبة واضح، فإن عثمان أمرهم بالاعتماد على ما في تلك المصاحف، ومخالفة ما عداها "([453]).

2 – ورأى عبد الله بن عمر ويحي بن سعد ومالك ذلك جائزاً([454]).

قال الحافظ : " وجدت في كتاب الوصية لأبي القاسم بن مندة من طريق البخاري يسند له صحيح إلى أبي عبد الرحمن الحبلي([455]) أنه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقال : انظر في الكتاب، فما عرفت منه اتركه وما لم تعرفه امحه، … وهو أصل في عرض المناولة ". وأما الأثر بذلك عن يحي بن سعيد ومالك فأخرجه الحاكم في علوم الحديث من طريق إسماعيل بن أبي أويس قال : سمعت مالك بن أنس يقول : قال لي يحي بن سعيد الأنصاري لما أراد الخروج إلى العراق : التقط لي مائة حديث من حديث ابن شهاب حتى أرويها عنك، قال مالك : فكتبتها ثم بعثتها إليه، وروى الرامهرمزي من طريق ابن أبي أويس أيضاً عن مالك في وجوه التحمل قال : قراءتك على العالم، ثم قراءته وأنت تسمع ثم أن يدفع لك كتاباً يقول  : ارو هذا عني "([456]). (ص 169)

3 – واحتج بعض أهل الحجاز(*) في المناولة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث كتب لأمير السرية كتاباً وقال : لا تقرأه، حتى تبلغ مكان كذا وكذا، فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس، وأخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم([457]).

قال الإمام السهيلي – رحمه الله – (ت 581هـ) : " احتج به البخاري على صحة المناولة، فكذلك العالم إذا ناوله التلميذ جاز أن يروي عنه ما فيه، قال : وهو فقه صحيح "([458]).

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة، فإنه ناوله الكتاب وأمره أن يقرأه على أصحابه ليعملوا بما فيه، ففيه المناولة ومعنى الكتاب "([459]).

ثم أورد البخاري – رحمه الله – حديث أنس – رضي الله عنه – قال : كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً أو أراد أن يكتب كتاباً فقيل له : إنهم لا يقرؤون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ خاتماً من فضة. نقشه : محمد رسول الله كأني أنظر إلى بياضه في يده([460]).

قال الحافظ – رحمه الله - : " يعرف من هذا فائدة إيراده هذا الحديث في هذا الباب لينبه على شرط العمل بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوماً ليحصل الأمن من توهم تغيره لكن قد يستغني عن ختمه إذا كان الحامل عدلاً مؤتمناً "([461]). (ص 170)

حكم الطرق الأخرى من أنواع التحمل عند الإمام البخاري :

نلاحظ أن الإمام البخاري لم يذكر الأوجه الأخرى من أوجه التحمل، والظاهر أنه لا يرى صحة الأخذ بها فالأئمة المتقدمون لم يكونوا يرون لصحة التحمل إلا تلك الطرق كما مر ذلك في قول مالك بن أنس – رحمه الله – لكن عندما دونت الكتب وأمن جانب الرواية سوّغ العلماء في توسيع طرق التحمل تيسيراً على الناس وإبقاءً لسلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأئمة وكلما تأخرت الأعصار كثر التنويع والتوسيع والتساهل وإليك من أقوال العلماء ما يشهد على ما تقدم ذكره.

قال الحافظ – رحمه الله - : " لم يذكر المصنف (أي البخاري) من أقسام التحمل الإجازة المجردة عن المناولة أو المكاتبة، ولا الوجادة، ولا الوصية، ولا الإعلام، المجردات عن الإجازة وكأنه لا يرى شيئاً منها "([462]).

وقد سبق إلى هذا الإمام الحافظ ابن رشيد السبتي (ت 721هـ) رحمه الله حيث قال : " … وإنما اعتمد الناس منذ مدة متقدمة على الإجازة المطلقة والكتابة المطلقة توسعة لباب النقل وترحيباً لمجال الإسناد، لعزة وجود السماع على وجه في هذه الأعصار : بل قبلها بكثير، وتعذر الرحل في أكثر الأحوال، واعتماداً على أن الأحاديث لما صارت في دفاتر محصورة، وأمات مصنفات مشهورة، ومرويات الشيوخ في فهارس مفهرسة، قام ذلك عندهم مقام التعيين الذين كان من مضى من السلف يفعله، فاكتفى المجيزون بالإخبار الجملي، واعتمدوا في البحث عن التفصيل على المجاز إذا تأهل، فكانت رخصة أخذ بها جماهير أهل العلم إبقاء لسلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة، ولله الحمد والمنة وإن كانت هذه ليست الإجازة المتعارفة عند التابعين وتابعيهم، كالحسن ابن أبي الحسن البصري، ونافع مولى ابن عمر، وأبي بكر بن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، ومجاهد بن جبر، وعلقمة بن قيس، وأيوب السختياني، وشعبة بن الحجاج وغيره ممن (ص 171) لا يحصى كثرة، فإما كانت تلك في الشيء المعين يعرفه المجيز والمجاز له، أو مع حضور الشيء المجاز فيه "([463]).

ثم ساق آثاراً عن السلف في العمل بالإجازة المعينة في الشيء المعين ثم قال ابن رشيد – رحمه الله - : " وأجل شيء نعرفه لمتقدم في الإجازة المقيدة وأجلاه لفظاً وأصحه معنى ما ذكره أبو عيسى الترمذي الإمام الحافظ في كتاب العلل في آخر الديوان، في باب التاريخ الذي نقله عن الإمام أبي عبد الله البخاري – رحمه الله – وقد انتهى بالسماع عليه إلى بعض حرف العين ما نصه. قال أبو عيسى : إلى ها هنا سماعي من أبي عبد الله محمد بن إسماعيل من أول الحكايات وما بعدها فهو مما أجازه لي وشافهني به بعدما عارضته بأصله إلى أن ينقضي به كلام محمد بن إسماعيل. فقال : قد أجزت لك أن تروي عني إلى آخر باب ي "([464]).

ثم قال الحافظ ابن رشيد : " هذا أجلي نص تجده في الإجازة لمتقدم معتمد من لفظ قائله، نعم نجد ألفاظاً مطلقة مجملة غير مفسرة منقولة عنهم بالمعنى، أو ظواهر محتملة، وهذا كان دأب تلك الطبقة من الإجازة في المعين أو الكتابة له، وما رأى الإجازة المطلقة حدثت إلا بعد زمن البخاري حيث اشتهرت التصانيف وفهرست الفهارس، وإن كان بعضهم قد نقل الإجازة المطلقة عن ابن شهاب الزهري وغيره فما أرى ذلك يصح "([465]).

من خلال ما تقدم يتبين لنا أن الإمام البخاري لا يرى صحة الرواية بالإجازة المطلقة وإنما يرى صحة الإجازة المقترنة بالمناولة أو المكاتبة.

فإن قلت : قال بعض الحفاظ إن ما يقول فيه البخاري " قال لي " فهي إجازة فالجواب على هذا قد ذكره الحافظ ابن حجر – رحمه الله – حيث (ص 172) قال : " وقد ادعى ابن مندة أن كل ما يقول البخاري فيه " قال لي " فهي إجازة، وهي دعوى مردودة بدليل أني استقريت كثيراً من المواقع التي يقول فيها في " الجامع " " قال لي " فوجدته في غير الجامع يقول فيها : " حدثنا " والبخاري لا يستجيز في الإجازة إطلاق التحديث(*)، فدل على أنها عنده من المسموع، لكن سبب استعماله لهذه الصيغة ليفرق بين ما بلغ شرطه وما لا يبلغ، والله أعلم "([466]).

لكن بقي هنا إشكال لابد من الإجابة عليه، وهو إذا تقرر أن البخاري لا يرى صحة الرواية بالإجازة المطلقة فلماذا أخرج في صحيحه لمن روى بالإجازة ؟

من المعلوم أن أصحاب الصحيح كانوا يتحرون في كيفية سماع الرواة بعضهم من بعض حتى يتم لهم تحقق شرط الصحيح، وهو اتصال السند مع بقية الشروط الأخرى ومن ثم تركوا الرواية عن كثير من الرواة بسبب خلل وقع لهم في التحمل، فمن هؤلاء مثلاً : عمرو بن شعيب فقد قال الذهبي بصدد روايته عن أبيه عن جدة : " وبعضهم تعلل بأنها صحيفة رواها وجادة ولهذا تجنبها أصحاب الصحيح، والتصحيف يدخل على الرواية من الصحف، بخلاف المشافهة في السماع "([467]).

وقال الإمام ابن تيمية : " وكان عند آل عبد الله بن عمرو بن العاص نسخة كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا طعن بعض الناس في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدة وقالوا : هي نسخة "([468]).

ومن أبرز الرواة الذين أخرج لهم البخاري، وقيل عنهم أنهم رووا بالإجازة. (ص 173)

الحكم بين نافع أبو اليمان الحمصي " قال أبو زرعة : لم يسمع من شعيب (هو ابن أبي حمزة) إلا حديثاً واحداً، والباقي إجازة، وقال أحمد كان يقول : أنا(*) شعيب استحل ذلك بقول شعيب لهم اروو عني، قلت : ومع روايته لذلك عن شعيب بالإجازة فاحتج بها صاحبا الصحيحين لثقته وإتقانه "([469]).

وقال فيه الحافظ ابن حجر : " مجمع على ثقته، اعتمده البخاري، وروى عنه الكثير، وروى له الباقون بواسطة تكلم بعضهم في سماعه من شعيب، فقيل : إنه مناولة، وقيل عنه إذن مجرد، … وقد قال الفضل بن غسان سمعت يحي بن معين يقول : سألت أبا اليمان عن حديث شعيب فقال : ليس هو مناولة. المناولة لم أخرجها لأحد، وبالغ أبو زرعة الرازي وقال : لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلا حديثاً واحداً.

قلت : إن صح ذلك فهو حجة في صحة الرواية بالإجازة، إلا أنه كان يقول في جميع ذلك أخبرنا ولا مشاحهة في ذلك إن كان اصطلاحاً له "([470]).

وكلام الحافظ لو يحمل على ظاهره يناقض ما ذهب إليه البخاري، وما قرره الحافظ نفسه من أن البخاري لم يذكر الإجازة المجردة عن المناولة، أو المكاتبة ولا الوجادة، ولا الوصية ولا الإعلام المجردات عن الإجازة وكأنه لا يرى شيئاً منها.

فالظاهر أنه ليست إجازة مطلقة بل هي إجازة في معين – وهي صحيحة عند الإمام البخاري كما سبق نقله عن الترمذي أنه سمع التاريخ الكبير إلى بعض حرف العين، والباقي إجازة عن الإمام البخاري، وهذا ما يدل عليه كلام الحافظ ابن رجب – رحمه الله – حيث قال : (ص 174)

" … وحديث أبي اليمان([471]) – عن شعيب([472]) – متفق على تخريجه في الصحيحين، وإذا كان حديث شعيب عندهم معروفاً وأذن لهم في روايته عنه فلا حاجة إلى إحضاره ومناولته : بل هذه إجازة من غير مناولة … إلا أن أبا اليمان كان يقول في الرواية بها : أخبرنا.

وقد نهى عن ذلك الأوزاعي وأحمد بن صالح المصري، ورخص فيه آخرون منهم : مالك، ورواه الوليد بن مزيد عن الأوزاعي أيضاً، وقد روى عن أحمد أيضاً.

وقال أبو اليمان قال لي أحمد بن حنبل : كيف سمعت الكتب من شعيب بن أبي حمزة ؟ قلت : قرأت عليه بعضه، وبعضه قرأه عليّ وبعضه أجاز لي، وبعضه مناولة، فقال : قل في كله أخبرنا شعيب "([473]).

ومنه يمكن القول بأن البخاري يرى صحة الرواية بالإجازة المعينة وهي في حكم المناولة أما الإجازة المطلقة وغيرها من أنواع التحمل كالإعلام والوصية والوجادة فهي من توسع المتأخرين بعد عصر الرواية.

* * *

المطلب الثالث

العنعنة وموقف البخاري منها

تعريف العنعنة :

أ – لغة :

هو مصدر جعلي كالبسملة والحمدله والحوقلة، مأخوذ من لفظ " عن (ص 175) فلان " كأخذهم حولق وحوقل من قول " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " وسبحل من قول "سبحان الله "([474]).

ب – اصطلاحاً :

كل حديث فيه صيغة " فلان عن فلان " من غير بيان للتحديث أو الإخبار أو السماع وهذه الصيغة غير ظاهرة في السماع([475])، ومن هنا اختلفت فيها أقوال الأئمة في الحكم عليها قبولاً ورداً، ويتحصل من مجموع أقوالهم ستة مذاهب :

المذهب الأول :

يرى أصحابه أن ما كان فيه لفظ " عن " فهو من قبيل المرسل المنقطع حتى يتبين اتصاله من جهة أخرى.

وهذا القول نقله ابن الصلاح ولم يسم قائله([476]) ونقله قبله القاضي أبو محمد الرامهرمزي (ت36 هـ) عن بعض المتأخرين من الفقهاء([477]) وقد أفاض الحافظ العلائي في ذكر أدلة هذا المذهب والرد عليه([478]) وكذلك الإمام ابن رشيد الفهري فقد توسع أيضاً في ذكره والرد عليه وسألخص المهم من كلامه.

" المذهب الأول : مذهب أهل التشديد، وهو أن لا يعد متصلاً من الحديث إلا ما نص فيه على السماع، أو حصل العلم به من طريق آخر، وأن ما قيل فيه : فلان عن فلان فهو من قبيل المرسل أو المنقطع، حتى يتبين اتصاله بغيره، وهذا المذهب وإن قلّ القائل به بحيث لا يسمى ولا يعلم فهو الأصل الذي كان يقتضيه الاحتياط. (ص 176)

وحجته : أن " عن " لا تقتضي اتصالاً لا لغة ولا عرفاً، وإن توهم متوهم فيها اتصالاً لغة فإنما ذلك بمحل المجاوزة المأخوذ عنه. نقول : أخذ هذا عن فلان، فالأخذ حصل متصلاً فإنما ذلك بمحل المجاوزة المأخوذ عنه، وليس فيها دليل على اتصال الراوي بالمروي عنه.

وما علم منهم أنهم يأتون بـ " عن " في موضع الإرسال والانقطاع يخرم ادعاء العرف، وإذا أشكل الأمر وجب أن يحكم بالإرسال، لأنه أدون الحالات، فكأنه أخذ بأقل ما يصح حمل اللفظ عليه، وكان لصاحب هذا المذهب أن لا يقول بالإرسال بل بالتوقف حتى يتبين لمكان الاحتمال، ولعل ذلك مراده، وهو الذي نقله مسلم عن أهل هذا المذهب أنهم يقفون الخبر، ولا يكون عندهم موضع حجة لإمكان الإرسال فيه([479])، إلا أن هذا المذهب رفضه جمهور المحدثين بل جميعهم وهو الذي لا إشكال في " أن أحداً من أئمة السلف ممن يستعمل الأخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقيمها مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك بن أنس وشعبة بن الحجاج ومن سمى معهم لا يشترطه ولا يبحث معه "([480]) ولو اشترط ذلك لضاق الأمر جداً، ولم يتحصل من السنة إلا النزر اليسير فكأن الله أتاح الإجماع عصمة لذلك وتوسعة علينا والحمد لله "([481]).

المذهب الثاني :

وهو أيضاً من مذاهب أهل التشديد إلا أنه أخف من الأول ويشترط أصحابه أن يكون الراوي طويل الصحبة لمن روى عنه فإن كان كذلك ولم يكن مدلساً كانت عنعنته محمولة على الاتصال([482]) وهو منسوب للإمام أبي المظفر بن السمعاني الشافعي (ت 489 هـ) (ص 177).

المذهب الثالث :

إن كان الراوي معروفاً بالرواية عمن عنعن عنه، ولم يكن مدلساً حمل ذلك على الاتصال([483])، قاله الحافظ المقرئ أبو عمرو الداني (ت 444هـ).

المذهب الرابع :

إذا أدرك الراوي من عنعن عنه إدراكاً بيناً، ولم يكن مدلساً حمل ذلك على الاتصال([484])، قاله أبو الحسن القابسي.

فهذه مذاهب المتشددين، إلا أن ما ذكر عن الداني غير صريح في التشديد بل اعتبره الحافظ ابن رشيد موافقاً لمذهب مسلم بن الحجاج، وسيأتي ذكره وتفصيله.

المذهب الخامس :

يرى أصحابه أن العنعنة تقتضي الاتصال وتدل عليه، إذا ثبت اللقاء بين المعنعن والمعنعن عنه ولو مرة واحدة، وكان الراوي بريئاً من تهمة التدليس، وهذا المذهب قد نسبه كثير من العلماء إلى الإمام البخاري وشيخه ابن المديني، وأكثر الأئمة([485]).

المذهب السادس :

يرى أصحابه أن العنعنة محمولة على الاتصال إذا توفرت الشروط التالية :

1 – أن يكون الراوي بريئاً من تهمة التدليس. (ص 178).

2 – أن يكون لقاؤه لمن روى عنه بالعنعنه ممكناً من حيث السن والبلد.

فإذا توفرت هذه الشروط كان الحديث متصلاً وإن لم يأت أنهما اجتمعا قط.

وهو قول الإمام مسلم، والحاكم أبي عبد الله، وهو ظاهر كلام ابن حبان، والقاضي أبي بكر الباقلاني، والإمام الصيرفي([486]). وقد جعله مسلم – رحمه الله – قول كافة أهل الحديث وأن القول باشتراط ثبوت اللقاء قول مخترع، لم يسبق قائله إليه، وبالغ في رده، وطوّل في الاحتجاج لذلك في مقدمة صحيحه([487]).

وهذه المذاهب على اختلافها وتباينها نجدها قد أجمعت على شروط لقبول السند المعنعن، وذكرها كثير من العلماء منهم : الحاكم النيسابوري والخطيب البغدادي، وابن عبد البر – رحمهم الله – .

وهذه الشروط هي ([488]):

1 – عدالة المحدثين في أحوالهم.

2 – لقاء بعضهم بعضاً مجالسة ومشاهدة.

3 – أن يكونوا برآء من التدليس.

الموازنة بين البخاري ومسلم في الحكم على السند المعنعن :

بعد أن عرضنا مذاهب العلماء في الحكم على السند المعنعن، وما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه، نرجع إلى بيان مذهب البخاري – رحمه الله – في هذه المسألة. (ص 179)

لقد سبق ذكر الإمام البخاري مع أصحاب المذهب الخامس، والذي يرى أصحابه أن العنعنة تقتضي الاتصال وتدل عليه إذا ثبت اللقاء بين المعنعن والمعنعن عنه ولو مرة واحدة، وكان الراوي بريئاً من تهمة التدليس، هذا المذهب قد نسبه كثير من العلماء إلى الإمام البخاري وشيخه ابن المديني وأكثر الأئمة، كما نسبوا الإمام مسلم إلى مخالفة هذا الشرط، والرد على البخاري ومن تبعه على ذلك.

ومن المعلوم قطعاً أن البخاري لم يصرح بهذا المذهب في كتبه، ولا غيره من أئمة الحديث والنقد، وإنما أخذ العلماء ذلك من تصرفهم وصنيعهم في كتبهم، حيث لاحظوا أن الإمام البخاري وشيخه ابن المديني يعلان الأحاديث كثيراً بعد سماع الراوي عمن عنعن عنه مع كونهما متعاصرين، فاستنبطوا من ذلك أن البخاري وشيخه ابن المديني لا يكتفيان بمجرد المعاصرة بل يشترطان تحقق اللقاء.

وأما الإمام مسلم فقد صرح بشرطه في مقدمة صحيحه، فأزال بذلك كل ظن وشك، كما أنه رد على مخالفة في ذلك رداً بليغاً شديداً، ويتساءل الكثيرون من المعنى بهذا الرد والنقد ؟ ومن المقصود بهذا الإنكار الشديد والتهجين القوي ؟

والعجيب أن " صحيح مسلم " قرئ على مؤلفه وتلاميذه وتلاميذهم مئات المرات، وأول ما يقرأ فيه المقدمة، وفيها ذلك الإنكار والتهجين، ولم ينقل عن مسلم أو تلاميذه أو تلاميذهم تعيين المعنى بالرد، ولذا خمن العلماء في تعيين المعنى بالرد والإنكار، والعجيب أنهم حملوه على البخاري أو شيخه ابن المديني، وبنوا على ذلك التخمين إشكالات ومحاكمات بين البخاري ومسلم، وكأن الأمر قطعي ثابت لا مرية فيه، والأعجب من هذا كله أن يصدر عن أئمة حفاظ ويتتابعوا عليه منهم الإمام ابن الصلاح، والنووي، وابن رجب الحنبلي، وابن كثير، وابن حجر، والسخاوي، وابن رشيد الفهري، والحافظ العلائي وغيرهم، وسأنقل المهم من كلامهم وأتعقبه بما أراه مناسباً. (ص 180).

قال الحافظ ابن رجب : " … وما استدل به مسلم على المخالف له أن من تكلم في صحة الحديث من السلف لم يفتش أحد منهم على موضع السماع، وسمى منهم شعبة والقطان وابن مهدي قال ومن بعدهم من أهل الحديث "([489]).

فالمطلوب ممن يريد نقض كلام مسلم أن يأتي بأقوال لهؤلاء الأئمة تخالف ما حكاه مسلم عنهم، أو أقوال لغيرهم ممن لم يذكر قولهم، ولم يفعلوا، ولن يفعلوا إلا أن تكون أقوالاً لعلماء الكلام والأصول ومتأخري الظاهرية.

ثم قال ابن رجب : " وكثير من العلماء المتأخرين على ما قاله مسلم – رحمه الله – من أن إمكان اللقي كاف في الاتصال من الثقة غير المدلس، وهو ظاهر كلام ابن حبان وغيره وما قاله ابن المديني والبخاري هو مقتضى كلام أحمد وأبي زرعة، وأبي حاتم وغيرهم من أعيان الحفاظ، بل كلامهم يدل على اشتراط السماع فإنهم قالوا في جماعة من الأعيان ثبتت لهم الرؤية لبعض الصحابة وقالوا مع ذلك لم يثبت لهم السماع منهم، فرواياتهم عنهم مرسلة "([490]) وذكر أمثلة على هؤلاء ثم قال : " ومما يستدل به أحمد وغيره من الأئمة على عدم السماع والاتصال، أن يروي عن شيخ من غير أهل بلده، لم يعلم أنه دخل إلى بلده، ولا أن الشيخ قدم إلى بلد كان الراوي عنه فيه "([491]).

وهذا الأمر مما يوافق عليه مسلم ويستعمله أيضاً فإنه قال : " وذلك أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديماً وحديثاً، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثاً وجائز ممكن له لقاؤه، والسماع منه لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن تكون هناك (ص 181) دلالة بينه على أن هذا الراوي لم يلقَ من روى عنه، ولم يسمع منه شيئاً. فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا، فالرواية على السماع أبداً، حتى تكون الدلالة بينا "([492]) فهذه الأدلة والبينات التي يستدل بها النقاد على عدم سماع المتعاصرين هي من الدلائل والبينات التي يعتبرها الإمام مسلم أيضاً، والمطلوب ممن ينصب الخلاف بين مسلم وغيره من أئمة النقد أن يأتي بأسانيد حكم عليها هؤلاء الأئمة بالانقطاع وعدم السماع، لوجود البينات والدلائل، وحكم عليها مسلم بالاتصال لمجرد المعاصرة، ثم نقل الحافظ ابن رجب اتفاق أهل الحديث على أن حبيب بن أبي ثابت لم يثبت له السماع عن عروة مع إدراكه له وجعله حجة في حكاية الإجماع على خلاف قول مسلم([493]).

وهذا غريب جداً من الحافظ ابن رجب لأن مسلماً – رحمه الله – لم يدّع أن كل من أدرك راوياً صحّ سماعه منه، بل قال : إذا كانا متعاصرين وجائز ممكن لقاؤهما، وكان الراوي ثقة غير مدلس وقال : " عن " حمل على السماع، ما لم تقم الحجة والبينة على أنه لم يسمع.

ثم قال : " ويلزمه الحكم باتصال حديث كل من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم وأمكن لقيه له إذا روى عنه شيئاً، وإن لم يثبت سماعه منه، ولا يكون حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهذا خلاف إجماع أئمة الحديث "([494]).

وهذا الإلزام لا يلزم مسلماً منه شيء البتة، فأين القيد والاستثناء الذي ذكره مسلم " إلا أن تكون هناك دلالة بينة على أن هذا الراوي لم يلقَ من روى عنه، ولم يسمع منه شيئاً " وهذا قيد دقيق نفي فيه المرسل الخفي وهو يفيد نفي المرسل الجلي بالأولى.

ثم قال ابن رجب – رحمه الله - : " ولهذا المعنى تجد كلا م شعبة، (ص 182) ويحي، وأحمد، وعلي، ومن بعدهم التعليل بعدم السماع، فيقولون : لم يسمع فلان من فلان، أو لم يصح له السماع منه، ولا يقول أحد قط : لم يعاصره "([495]).

وهذا أمر واضح لا إشكال فيه لأن العلة هي سبب غامض يدل على الوهم، ومعرفة السماع من عدمه أمر غامض خاصة بين المتعاصرين، أما المعاصرة فإدراكها واضح ليس فيه غموض وهذا من خلال معرفة المواليد والوفيات، ولهذا كثر تعليل الأحاديث من طرف النقاد بعدم السماع لخفائه وغموضه.

هذا أهم ما ورد في كلام الحافظ ابن رجب في الرد على مسلم.

وممن يرى أن مسلماً يخالف البخاري وابن المديني في الحكم على السند المعنعن، الإمام الذهبي فقد قال في ترجمة مسلم : " قال أبو بكر الخطيب : كان مسلم يناضل عن البخاري، حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحي الذهلي بسببه.

قلت (الذهبي) ثم إن مسلماً لحدة في خلقه، انحرف أيضاً عن البخاري، ولم يذكر له حديثاً ولا سماه في صحيحه، بل افتتح الكتاب بالحط على من اشترط اللقي لمن روى عنه بصيغة " عن " وادعى الإجماع على أن المعاصرة كافية، ولا يتوقف في ذلك على العلم بالتقائهما، ووبخ من اشترط ذلك، وإنما يقول ذلك أبو عبد الله البخاري وشيخه علي بن المديني "([496]).

وكلام الإمام الذهبي عليه ملاحظات :

الأولى : ما ذكره من انحراف مسلم عن البخاري أمر غريب لم يذكره من ترجم للبخاري ولا لمسلم، بل لا يعرف عنه إلا الوفاء لشيخه والمناضلة عنه. (ص 183)

الثانية : ما استند إليه الذهبي لإثبات انحراف مسلم عن البخاري من كونه لم يرو له حديثاً، ولا سماه في صحيحه، أمر غريب جداً من مثل الحافظ الذهبي وهو من الحفاظ المتأخرين الذين يهتمون بالعلو ويعنون بذلك ولا سيما في كتب التراجم والسير والتاريخ.

فإذا كان المتأخرون عن عصر الرواية يطلبون العلو، ويفتخرون به في مصنفاتهم في التراجم والسير، أفلا يكون الأئمة الذين يصنفون في الحديث أولى وأحرى بذلك ؟! ولذلك يتحملون الرواية عن الضعفاء من أجل العلو، وخاصة أن الإمام مسلماً قد شارك البخاري في أغلب شيوخه.

وهذا الإمام البخاري – رحمه الله – مع شدة حبه للإمام البخاري واعترافه بعلمه وفضله وتقدمه في هذا الشأن، والإكثار من سؤاله عن العلل والرجال في كتابيه " الجامع " و " العلل " مع ذلك لم يرو عنه في جامعه سوى حديثين، وروى مسلم حديثاً واحداً، فهل يقال إن الترمذي قد انحرف عن البخاري أيضاً لأنه لم يكثر عنه ؟!

والشافعي من أجلّ شيوخ أحمد ومع ذلك لم يرو عنه في مسنده، طلباً للعلو، في أمثلة كثيرة.

وقول الذهبي : " ولا سماه في صحيحه " لا يفيد هذا أنه انحرف عنه، لأن الإمام مسلماً لم يسم في كتابه كل العلماء الذين أخذ عنهم، ولا صرح بذكر العلل كما فعل الترمذي، حتى ينقل عن شيخه إمام هذه الصنعة بلا منازع، ولا ذكر غير ذلك مما يتعلق بعلوم الرجال كالجرح والتعديل، والأسماء والكني، فلم يحتج إلى النقل عن البخاري ومن هنا لم يسمه.

الثالثة : إن الذي أوقع الذهبي في هذا هو اعتقاده أن المقصود بالرد والتوبيخ من قبل مسلم هو البخاري وشيخه ابن المديني، وهذا أمر لم تقم عليه أدلة قوية لا من جهة أن البخاري يتبنى هذا الرأي، ولا من جهة أن مسلماً يقصد بذلك البخاري وابن المديني بل هو مجرد ظن وتخمين. قال الأمير الصنعاني – رحمه الله - : " واعلم أنا راجعنا مقدمة مسلم فوجدناه تكلم في الرواية بالعنعنة وأنه شرط فيها البخاري ملاقاة الراوي لمن عنعن عنه، (ص 184) وأطال مسلم في رد كلامه، والتهجين عليه، ولم يصرح أنه البخاري، وإنما اتفق الناظرون أنه أراده ورد مقالته "([497]).

هكذا ذهب كثير من العلماء والحفاظ إلى أن المراد بالرد هو البخاري وابن المديني، وذهب البعض الآخر إلى أن المراد بالرد هو ابن المديني وليس البخاري، ومن هؤلاء :

1 – الحافظ ابن كثير قال :

" قيل إنه البخاري : والظاهر أنه يريد علي ابن المديني، فإنه شرط ذلك في أصل صحة الحديث، وأما البخاري فإنه لا يشرطه في أصل الصحة ولكن التزم ذلك في كتابه الصحيح "([498]).

2 – الإمام شيخ الإسلام البلقيني قال في " محاسن الاصطلاح " :

" قيل : يريد مسلم بذلك البخاري، إلا أن البخاري لا يشترط ذلك في أصل الصحة، ولكن التزمه في جامعه ولعله يريد ابن المديني فإنه يشترط ذلك في أصل الصحة "([499]).

3 – الحافظ البقاعي قال :

" سئل شيخنا عن الذي بحث مسلم معه : من هو ؟ فقال : علي بن المديني "([500]) ونقل البقاعي في نفس الكتاب في مبحث المعنعن كلام الحافظ ابن كثير بتمامه معزواً إليه وأقره.

4 – العلامة محمد بن قاسم الغزي قال في " حاشيته على شرح الألفية (ص 185) للعراقي"([501]).

" هو علي ابن المديني، وقيل البخاري ولم يسم في صحيح مسلم ".

فهؤلاء الحفاظ المتأخرون قد ذهبوا إلى أن المعنى بالرد هو ابن المديني وليس البخاري، وقد ذهب إلى هذا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة من المعاصرين، وقدم دليلاً تاريخياً على عدم صحة أن يكون البخاري هو المعني بالرد في كلام مسلم – رحمه الله – ألخصه فيما يلي :

" الإمام مسلم ولد سنة (204هـ) والأرجح سنة (206هـ)، وسمع الحديث سنة (218هـ) وتوفي سنة 261هـ) عن (55) سنة.

بقي الإمام مسلم في تأليف كتابه (15) سنة وقد فرغ من تأليفه سنة (250هـ) فيكون مسلم قد بدأ في تأليفه سنة (235هـ) حين كانت سنه 29 سنة، وانتهى منه حين كانت سنه 44 سنة وقد عاش بعد الفراغ من تأليفه 11 سنة، ولا شك أن مسلماً قد كتب مقدمة صحيحه قبل الشروع في تأليفه لا بعده، كما هو صريح قوله في مقدمته.

والإمام مسلم لما صاحب البخاري في نيسابور، وأدام الاختلاف إليه، ولازمه كل الملازمة، خمس سنوات من سنة 250 إلى سنة 255، وكان في هذه المدة منتهياً من تأليف كتابه الصحيح، وفيه مقدمته التي فيها الكلام الشديد، فلا يعقل أن يكون البخاري هو المعني بهذه اللهجة الشديدة التي لا تطاق معها مقابلة ولا لقاء، فضلاً عن الصحبة والملازمة خمس سنوات، بل إن مسلماً قد قاطع شيخه وبلديه : محمد بن يحي الذهلي النيسابوري من أجل البخاري لما ورد نيسابور، ووقف منه محمد بن يحي الذهلي ذلك الموقف المعروف، فهل يقبل ممن يناصر البخاري هذه المناصرة ويقول له : لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك، ودعني أقبل رجلك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله : أن يصفه بتلك الصفات النابزة، والأقوال القاسية، والكلمات الجارحة ويتصاحبا مع (ص 186) ذلك دهراً طويلاً "([502]).

ثم إن العلماء الذين قالوا بأن شرط البخاري هو ثبوت اللقاء مع المعاصرة حتى يحكم للسند المعنعن بالاتصال، اختلفوا هل ذلك شرط في الصحة مطلقاً عند البخاري أم هو شرط في الأصحبة عمل به في جامعه قط. وقد ذهب الحافظ ابن حجر إلى أن ذلك شرط في أصل الصحة حيث قال : " ادعى بعضهم أن البخاري إنما التزم ذلك في " جامعه " لا في أصل الصحة، وأخطأ في هذه الدعوى، بل هذا شرط في أصل الصحة عند البخاري، فقد أكثر من تعليل الأحاديث في " تاريخه " بمجرد ذلك "([503]).

لو كان البخاري يشترط ذلك في الأصحية فقط لما كان هناك نزاع بينه وبين مخالفه لأنه من المسلم به أن اللقاء أحوط وأوثق في ثبوت الاتصال من مجرد المعاصرة.

وأما إذا كان البخاري يشترط ذلك في أصل الصحة فيلزم منه أن يكون ما رواه مسلم في صحيحه من الأحاديث المعنعنة التي هي على شرطه في العنعنة من قسم الضعيف عند البخاري ومن مشى على قوله بعده، وهذا غير مقبول لأنه يناقض كل المناقضة ما قرره العلماء على مر الزمن من أن كتاب مسلم صحيح مع معرفتهم بشرط في العنعنة.

وقد استشعر الإمام النووي – رحمه الله – هذا الإشكال والتناقض فقال – رحمه الله – :

" والبخاري لا يحمله على الاتصال (أي السند المعنعن) حتى يثبت اجتماعهما وهذا المذهب يرجح كتاب البخاري وإن كنا لا نحكم على مسلم بعمله في " صحيحه " بهذا المذهب لكونه يجمع طرقاً كثيرة يتعذر معها وجود الحكم الذي جوّزه، والله أعلم "([504]). (ص 187)

وقد رّد العلامة المعلمي كلام النووي بقوله : " وزعم النووي في " شرح صحيح مسلم " أنه لا يحكم على مسلم بأنه عمل في " صحيحه " بقوله المذكور، وهذا سهو من النووي، فقد ذكر مسلم في ذلك الكلام أحاديث كثيرة زعم أنه لم يصرح فيها بالسماع ولا علم اللقاء، وأنها صحاح عند أهل العلم، ثم أخرج منها في أثناء صحيحه تسعة عشر حديثاً كما ذكره النووي نفسه ومنها ستة في " صحيح البخاري " كما ذكره النووي أيضاً "([505]).

ومعنى هذا أنه يوجد في " الصحيحين " أحاديث معنعنة لم يصرح فيها بالسماع ولا علم اللقاء، وهذه الأحاديث لا يتم الحكم عليها بالصحة إلا وفق ما قرره مسلم – رحمه الله – وقد سأل التقي السبكي المزي – حافظ الدنيا – هل وجد لكل ما روياه بالعنعنة طرق مصرح فيها بالتحديث؟

فقال : كثير من ذلك لم يوجد وما يسعنا إلا تحسين الظن([506]).

مما سبق يتبين أنه ليس هناك أدلة قاطعة تثبت أن المعني بالرد في كلام مسلم هو البخاري أو شيخه ابن المديني، وعليه لا نستطيع أن ننصب خلافاً بين مسلم وسائر الأئمة على رأسهم شيخه الإمام البخاري، ولا أستبعد أن يكون مذهب البخاري وابن المديني في هذه المسألة هو مذهب الإمام مسلم، لأن مسلماً حكى في ذلك الإجماع، وأي إجماع يصح وينعقد والمخالف مثل ابن المديني والبخاري، ويكون المعني بالرد في كلام مسلم بعض المتنظعين من منتحلي الحديث في عصره، والله أعلم. (ص 188)

* * *

 

المطلب الرابع

نماذج من أحاديث أعلت بالانقطاع في صحيح البخاري

إن الإمام البخاري قد اشترط في كتابه اتصال السند في الأحاديث التي يخرجها في جامعه لذا سماه " الجامع الصحيح المسند " وعلى الرغم من ذلك هناك أحاديث انتقدها بعض الأئمة، وقالوا بأن هذا الشرط لم يتحقق فيها، وسأذكر في هذا المطلب نماذج من أحاديث من صحيح البخاري أعلها الإمام الحافظ الدارقطني بالانقطاع والإرسال.

فمن هذه الأحاديث التي عدها الحافظ الدارقطني مرسلة :

1 – حديث مصعب بن سعد([507]) :

قال : قال : رأي سعد أن له فضلاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم "([508]).

قال الدارقطني : " وهذا مرسل "([509]).

فهذا الحديث ظاهر سياقه أنه مرسل لأن مصعباً لم يدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن صحّ أنه سمعه من أبيه، وقد أورد الحافظ في الفتح ما يدل على أن مصعباً أخذ هذا الحديث عن أبيه، وهذه الطرق هي([510]) :

1 – ما رواه الإسماعيلي من طريق معاذ بن هانئ حدثنا محمد بن طلحة فقال فيه ابن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله. (ص 189).

2 – ما أخرجه أو نعيم في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاتي عن عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعاً مختصراً ولفظه " ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين "([511]).

فهذه الطرق تدل على أن الحديث مسند، وإن كانت صورته في صحيح البخاري صورة المرسل.

وهناك أحاديث أخرى على هذا النمط في صحيح البخاري قال الحافظ : " وقد اعتمد البخاري كثيراً من أمثال هذا السياق فأخرجه على أنه موصول، إذا كان الراوي معروفاً بالرواية عمن ذكره، وقد ترك الدارقطني أحاديث في الكتاب من هذا الجنس لم يتتبعها "([512]).

2 – أحاديث الحسن عن أبي بكرة :

أخرج البخاري بهذه الرجمة أربعة أحاديث اعتبرها الدارقطني مرسلة ولم يصحح سماع الحسن من أبي بكرة، بينما البخاري يرى صحة سماعه، ومن هنا فهي متصلة عند الإمام البخاري لذا أوردها في صحيحه.

وسأذكر انتقاد الدارقطني ثم أعقبه بأقوال الأئمة الحفاظ في تحقيق سماع الحسن من أبي بكرة.

قال الدارقطني – رحمه الله - : " وأخرج البخاري أحاديث الحسن عن أبي بكرة، منها : الكسوف، ومنها زادك الله حرصاً ولا تعد، ومنها لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، ومنها إن ابني هذا سيد، والحسن لا يروي إلا عن الأحنف عن أبي بكرة "([513]).

وقد وضح الحافظ ابن حجر هذا الانتقال فقال : " فالدارقطني (ص 190) – رحمه الله – يرى عدم صحة سماع الحسن ([514])من أبي بكرة([515]) لكن الإمام البخاري يرى صحة ذلك، وقد اعتمد في تصحيح سماع الحسن من أبي بكرة على رواية أبي موسى عن الحسن أنه سمع أبا بكرة، وقد أخرجه مطولاً في كتاب الصلح، وقال في آخره : قال لي علي بن عبد الله إنما ثبت عندنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث "([516]).

وقال الحافظ في شرح هذا الحديث : " وإنما قال ابن المديني ذلك لأن الحسن كان يرسل كثيراً عمن لم يلقهم بصيغة عن فخشي أن روايته عن أبي بكرة مرسلة، فلما جاءت هذه الرواية مصرحة بسماعه من أبي بكرة ثبت عنده أنه سمعه منه "([517]).

ثم نقل كلام الدارقطني في كتابه التتبع عقبه بقوله : " وهذا يقتضي عنده أنه لم يسمع من أبي بكرة، لكن لم أرَ من صرح بذلك ممن تكلم في مراسيل الحسن كابن المدينين وأبي حاتم، وأحمد والبزار، وغيرهم، نعم كلام ابن المديني يشعر بأنهم كانوا يحملونه على الإرسال حتى وقع هذا التصريح "([518]).

فكلام الحافظ يفيد أن الأئمة لم ينفوا سماع الحسن من أبي بكرة وأن الدارقطني انفرد بهذا، وفيما يلي تفصيل القول في سماع الحسن من أبي بكرة وموقف أئمة النقد من ذلك. (ص 191)

تحقيق القول في سماع الحسن من أبي بكرة :

لم يتعرض الإمام البخاري في ترجمة الحسن في تاريخه الكبير لسماعه من أبي بكرة.

أما الإمام ابن أبي حاتم الرازي فقد ترجم له بترجمة متوسطة وتعرض لسماعه من كثير من الصحابة نفياً وإثباتاً وإليك نص كلامه :

" حدثنا عبد الرحمن، نا صالح بن أحمد بن حنبل، قال : قال أبي : سمع الحسن من ابن عمر، وأنس بن مالك، وابن مغفل، وسمع من عمر بن تغلب أحاديث.

قال أبو محمد فذكرت قول أحمد لأبي – رحمه الله – فقال : قد سمع من هؤلاء الأربعة، ويصح له السماع من أبي برزة، ومن أحمر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ومن غيرهم، ولم يصح له السماع من جندب، ولا من معقل بن يسار، ولا من عمران بن حصين، ولا من ابن عمر، ولا من عقبة بن عامر، ولا من أبي ثعلبة، ولا من أبي بكرة، ولا من أبي هريرة "([519]).

واضح أن الإمام ابن أبي حاتم لم يقصد استيعاب جميع من صح للحسن سماعه منه، لذا قال بعد أن عدّد جملة منهم : " وغيرهم ".

ثن نفى سماعه من بعض الصحابة، ولم ينف سماعه من أبي بكرة، فهذا النص محتمل في تصحيح سماع الحسن من أبي بكرة، ويزيده وضوحاً هذا النص الصريح قال ابن أبي حاتم – رحمه الله - :

" حدثنا محمد بن سعيد بن بلخ قال : سمعت عبد الرحمن بن الحكم يقول : سمعت جريراً يقول : سألت بهزاً([520]) عن الحسن، من لقي من أصحاب رسول الله ؟ فقال : سمع من ابن عمر حديثاً، وسمع من عمران بن حصين شيئاً، وسمع من أبي بكرة شيئاً "([521]). (ص 192)

وقال الإمام علي ابن المديني في علله :

" سمع الحسن البصري من عثمان بن عفان – وهو غلام – يخطب، ومن عثمان بن أبي العاص، ومن أبي بكرة "([522]).

وقد عد الحافظ المزي من روى عنهم الحسن فذكر أبا بكرة نفيع بن الحارث الثقفي([523]).

وقال الحافظ الذهبي في ترجمة الحسن من كتابه سير أعلام النبلاء :

" وقد روى بالإرسال عن طائفة، كعلي، وأم سلمة، ولم يسمع منها، ولا من أبي موسى، ولا من ابن سريع، ولا من عبد الله بن عمرو، ولا من عمر بن تغلب، ولا من عمران، ولا من أبي برزة، ولا من أسامة بن زيد، ولا من ابن عباس، ولا من عقبة بن عامر، ولا من أبي هريرة، ولا من جابر، ولا من أبي سعيد قاله يحي بن معين "([524]).

وقال الإمام يحي بن معين في تاريخه :

" لم يسمع الحسن من أبي بكرة، قيل له : فإن مبارك بن فضالة يقول : عن الحسن قال حدثنا أبو بكرة، قال ليس بشيء "([525]).

وقال الذهبي أيضاً في تاريخ الإسلام في ترجمة الحسن :

" قال علي بن المديني : لم يسمع الحسن من أبي موسى الأشعري، ولا من عمر بن تغلب ولا من الأسود بن سريع، ولا من عمران، ولا من  أبي بكرة "([526]). (ص 193)

فهذا النص الذي أورده الذهبي مخالف لما نقلته آنفاً من علل ابن المديني، والظاهر أن النص الأول المنقول من العلل هو الصحيح لأنه يوافق ما حكاه البخاري في صحيحه عن ابن المديني، ويبدو أن الإمام الذهبي كتب هذا من حفظه فوهم في نفي سماع الحسن من أبي بكرة، ويرجح هذا الاحتمال أننا لا نجد هذا النص بهذا الاختصار في علل ابن المديني بل نجده فرق الكلام على سماع الحسن في صفحات من العلل([527]) والإمام الذهبي قد ذكرها هنا مختصرة، ولم يسق كل من قال عنه ابن المديني أن الحسن لم يسمع منه.

أما بالنسبة للإمام يحي بن معين، فنعم لم يصح عنده سماع الحسن من أبي بكرة، وذلك لأن الطريق التي ورد منها التصريح بالسماع طريق ضعيفة، وسبب ضعفها كما أشار إليه ابن معين هو مبارك بن فضالة.

فمبارك هذا قال فيه الحافظ – رحمه الله – :

" فمبارك بن فضالة، بفتح الفاء وتخفيف المعجمة، أبو فضالة البصري، صدوق يدلس ويسوي، من السادسة، مات سنة ست وستين، على الصحيح/ خت، د، ت، ق/ "([528]).

قال أبو طالب عن أحمد بن حنبل : كان مبارك بن فضالة يرفع حديثاً كثيراً، ويقول في غير حديث عن الحسنز قال حدثنا عمران قال حدثنا ابن مغفل، وأصحاب الحسن لا يقولون ذلك، غيره"([529]).

فمبارك هذا يخالف أصحابه في أحاديث الحسن، ويذكر للحسن سماعاً لم يصح. ومن ثم لم يعتمد ابن معين – رحمه الله – على إثبات سماع الحسن من أبي بكرة برواية مبارك بن فضالة.

أما الإمام البخاري فإنه أثبت سماع الحسن من أبي بكرة برواية (ص 194) إسرائيل أبي موسى البصري، وهو ثقة كما قال الحافظ.

قال الإمام البخاري : " حدثنا صدقة حدثنا ابن عيينة حدثنا أبو موسى، عن الحسن سمع أبا بكرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، والحسن ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة، ويقول : " ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين "([530]).

واستشهد أيضاً برواية مبارك بن فضالة (فقد أخرج البخاري حديث الكسوف من طرق عن الحسن، علق بعضها، ومن جملة ما علقه فيه رواية موسى بن إسماعيل عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال : أخبرني أبو بكرة. فهذا معتمده في إخراج حديث الحسن، ورده على من نفى أنه سمع من أبي بكرة باعتماده على إثبات من أثبته "([531]).

فلما صح سماع الحسن من أبي بكرة عند الإمام البخاري أخرج له في صحيحه، ولم ينفرد الإمام البخاري بإخراج حديث الحسن عن أبي بكرة بل قد أخرج له كثير من الأئمة.

وإليك الأحاديث التي رواها الحسن عن أبي بكرة مع ذكر من أخرجها من الأئمة([532]) :

1 – حديث " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، والحسن إلى جنبه يقول إن ابني هذا سيد " رواه البخاري في كتاب الصلح، حديث رقم (2704)، وفي كتاب المناقب، حديث رقم (3629)، وفي كتاب فضائل الصحابة حديث رقم (3746)، وفي كتاب الفتن حديث رقم (7109).

والترمذي في سننه، في كتاب المناقب حديث رقم (102) وقال حسن صحيح. (ص 195).

والنسائي في السنن الكبرى في كتاب المناقب.

2 – حديث أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع دون الصف.

أخرجه البخاري في كتاب الأذان حديث رقم (783)، وأبو داود في كتاب الصلاة، والنسائي في الصلاة أيضاً. قال الحافظ : " وقد أعله بعضهم بأن الحسن عنعنه، وقيل إنه لم يسمع من أبي بكرة، وإنما يروي عن الأحنف عنه، ورد هذا الإعلال برواية سعيد بن أبي عروبة عن الأعلم قال : " حدثني الحسن أن أبا بكرة حدثه " أخرجه أبو داود والنسائي([533]).

3 – حديث نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن يفلح قوم ولو أمرهم امرأة ".

رواه البخاري في كتاب المغازي حديث رقم (4425)، وفي كتاب الفتن حديث رقم (7099) والترمذي في الفتن أيضاً (75) وقال صحيح، والنسائي في القضاة باب (8).

4 – حديث " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فانكسفت الشمس فخرج يجر رداءه فصلى بهم ركعتين ".

رواه البخاري في كتاب الكسوف حديث رقم (1040)، وفي كتاب اللباس باب (2) حديث (2).

ورواه النسائي في كتاب الصلاة باب (623) حديث (7).

فهذه أحاديث الحسن عن أبي بكرة عند البخاري، وقد شاركه في تخريجها من ذكرت من الأئمة، وله أحاديث أخرى عن أبي بكرة أيضاً لم يخرجها البخاري وخرجها غيره من الأئمة كأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والبيهقي وابن حبان([534]). (ص 196)

وخلاصة القول : إن سماع الحسن من أبي بكرة مختلف فيه بين مثبت وناف.

فالمثبتون لسماعه كثير من الأئمة : كابن المديني، والبخاري، والترمذي، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأحمد، وأبو داود، والبيهقي فكل هؤلاء يصححون حديثه عن أبي بكرة.

وقد نفى سماعه بعض الأئمة كالدارقطني – رحمه الله – وابن المديني فيما نقله الذهبي – إن صح النقل – ويحي بن معين، لضعف الطريق التي ورد فيها السماع عنده.

والصواب صحة سماع الحسن من أبي بكرة وقد بينت – بحمد الله وتوفيقه – أن البخاري لم ينفرد بإثبات سماعه ولا بتصحيح حديثه، فقد أثبت سماعه جمع من الأئمة النقاد، وصحح حديثه كثير من الأئمة في كتبهم، ولا يفوتني أن أنبه على أن الحسن يروي عن أبي بكرة مباشرة من غير واسطة كما تقدم، ويروي عنه أيضاً بواسطة الأحنف بن قيس، وقد أخرج البخاري أيضاً حديث الأحنف بن قيس عن أبي بكرة([535]).

حديث عبد الله بن الزبير قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من لبس الحرير في الدنيا فلن يلبسه في الآخرة ".

فهذا الحديث أورده البخاري في صحيحه([536])، وقد انتقده الدارقطني بما يفيد أنه مرسل، حيث قال – رحمه الله – وأخرج البخاري عن سليمان بن حرب عن حماد بن ثابت عن ابن الزبير قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ". (ص 197)

قلت : لم يسمعه ابن الزبير من النبي صلى الله عليه وسلم، إنما سمع من عمر، قاله أبو ذبيان([537]) وأم عمرو([538]) عنه "([539]).

قال الحافظ – بعد ذكره كلام الدارقطني – :

" هذا تعقب ضعيف، فإن ابن الزبير صحابي، فهبه أرسل فكان ماذا ؟ وكم في الصحيح مرسل صحابي، وقد أتفق الأئمة قاطبة على قبول ذلك إلا من شذ ممن تأخر عصره عنهم فلا يعتد بخلافه "([540]).

وقال الحافظ أيضاً في شرحه لهذا الحديث : " هذا من مرسل ابن الزبير، ومراسيل الصحابة محتج بها عند جمهور من لا يحتج بالمراسيل، لأنهم إما أن يكون عند الواحد منهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابي آخر، واحتمال كونها عن تابعي لوجود رواية بعض الصحابة عن بعض التابعين نادر، لكن تبين من الروايتين بعد هذا أن ابن الزبير إنما حمله عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة عمر "([541]).

فالحديث إذن مسند، ولا وجه لإعلاله بالإرسال.

فهذه نماذج من أحاديث في صحيح البخاري يرى الإمام الدارقطني بأنها مرسلة أو منقطعة، وقد بينت أن البخاري – رحمه الله – يرى بأنها مسندة لذا أوردها في صحيحه.

* * *

المطلب الخامس

التدليس وموقف البخاري من أحاديث المدلسين

تعريف التدليس :

التدليس لغة مشتق من الدلس بفتحتين، وهو اختلاط الظلام بالنور ويسمى المدلس بذلك لاشتراكهما في الخفاء والتغطية كأنه لتغطيته على الواقف عليه أظلم أمره، ومنه التدليس في البيع يقال : دلس فلان على فلان أي ستر عنه العيب الذي في متاعه([542]).

أقسام التدليس :

قسمه العلماء إلى أقسام عدة، فمنهم من قسمه إلى ستة أقسام كالإمام الحاكم النيسابوري في كتاب " معرفة علوم الحديث "([543]) وهذه الأقسام هي :

الأول : من دلس عن الثقات الذين هم في الثقة مثل المحدث أو فوقه أو دونه إلا أنهم لم يخرجوا عداد الذين تقبل أخبارهم.

الثاني : قوم يدلسون الحديث فيقولون : قال فلان، فإذا وقع إليهم من ينفر عن سماعاتهم، ويلح ويراجعهم ذكروا فيه سماعاتهم.

الثالث : قوم دلسوا عن أقوام مجهولين لا يدري من هم ولا من أين هم.

الرابع : قوم دلسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا.

الخامس : قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير، وربما فاتهم الشيء عنهم، فيدلسونه. (ص 199).

السادس : قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط، ولم يسمعوا منهم وإنما قالوا : قال فلان. نحمل ذلك منهم على السماع، وليس عندهم عنهم سماع عال ولا نازل.

وقد مثل الحاكم لكل قسم من هذه الأقسام بعدة أمثلة.

ونلاحظ أن الحاكم قد اعتمد في هذا التقسيم على حالات المدلسين مع شيوخهم.

كما نلاحظ أن بعض الأقسام متداخلة في بعض، لذا ترى من جاء بعد الحاكم قد اختصر هذا التقسيم إلى ثلاثة أقسام، كالحافظ العراقي في شرحه لألفيته([544]) وفي شرحه على مقدمة ابن الصلاح([545]).

وهذه الأقسام هي :

الأول : تدليس الإسناد.

الثاني : تدليس الشيوخ.

الثالث : تدليس التسوية.

ومن العلماء من قسمه إلى قسمين فقط هما :

تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ. وقد ذهب إلى هذا ابن الصلاح([546])، والنووي([547])، وابن كثير([548])، والطيبي([549])، وابن حجر([550])، والسخاوي([551]) وغيرهم. (ص 200)

قال الحافظ البلقيني : " الأقسام الستة التي ذكرها الحاكم داخلة تحت القسمين السابقين، فالقسم الأول والثاني والثالث والخامس والسادس داخلة تحت القسم الأول، والرابع عين القسم الثاني – أي تدليس الشيوخ وما عده العراقي قسماً ثالثاً – وهو تدليس التسوية داخل تحت القسم الأول وهو تدليس الإسناد([552]).

وعند التدقيق، نلاحظ أن الأقسام كلها تعود إلى تدليس الإسناد لأن الإسناد يتكون من الشيوخ، والصيغ الدالة على التحمل، فإخراج الشيوخ من الإسناد وإبقاء الصيغ الدالة على التحمل أمر غير سليم، ومن هنا يمكن أن نقول إن هذه التقسيمات اعتبارية فقط ترجع إلى أحوال المدلسين وليست تقسيمات حقيقية ترجع إلى التدليس في حد ذاته فالتدليس موضوعه الإسناد، شيوخه وما يدل على الاتصال بينهم.

تعريفه اصطلاحاً :

نذكر تعريف العلماء لقسمي التدليس.

أ – تدليس الإسناد :

اختلف تعاريف العلماء له. فقد عرفه الإمام البزار (ت 392هـ) بقوله : " هو أن يروي عمن سمع منه ما لم يسمع منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه "([553]).

ويمثل تعريف البزار عرفه الإمام أبو الحسن القطان الفاسي (ت 628هـ) في كتابه بيان الوهم والإيهام([554]) وفصل ابن عبد البر في تعريفه([555]) لكنه لم يخرج عن مضمون تعريف البزار، وهؤلاء يشترطون اللقي والسماع في حد التدليس (ص 201)

وذهب آخرون إلى التوسع في مدلول التدليس، فيمثل عندهم من سمع، ومن أدرك ولم يسمع، ومن هؤلاء الإمام ابن الصلاح – رحمه الله – قال :

" تدليس الإسناد : وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه موهماً أنه سمعه منه، أو عمن عاصره، ولم يلقه موهماً أنه لقيه وسمع منه "([556]).

وبمثل تعريف ابن الصلاح عرفه النووي([557]) وابن كثير([558]) والعراقي([559]) وذكر أن تعريف ابن الصلاح هو المشهور بين أهل الحديث.

لكن الحافظ ابن حجر لم يرتض هذا، وفرق بين النوعين باعتبار أن التدليس يختص بمن روى عمن عرف لقاؤه إياه، وأما إذا عاصره ولم يعرف أنه لقيه فهو المرسل الخفي([560]).

وهو الظاهر أيضاً من صنيع الحافظ العلائي – رحمه الله – حيث تكلم على التدليس بنوعيه ثم أفرد للمرسل الخفي باباً مستقلاً في كتابه جامع التحصيل والرأي الذي ذهب إليه ابن حجر هو المعتمد لما يلي :

أولاً : إنه قول المتقدمين من أهل الحديث كما سبق نقله عنهم.

ثانياً : إنه يفرق تفريقاً دقيقاً بين المدلس والمرسل الخفي، وهذا التفريق له أثره الواضح في القبول والرد، لأن حكمنا على الحديث بالتدليس يستلزم رده أما حكمنا عليه بالإرسال الخفي فيعني قبوله عند من يقبل المراسيل. (ص 202)

ب – تدليس الشيوخ :

هو أن يروي الراوي عن شيخ حديثاً سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف([561]).

ويمكن أن نضع تعريفاً للتدليس يشمل القسمين وهو : " التدليس إخفاء عيب في الإسناد ظهوره يكون سبباً في ضعفه أو انقطاعه " فعيوب الإسناد التي تكون سبباً في ضعفه هي : ضعف الرواة، وجهالتهم، وجرحهم.

والعيوب التي تكون سبباً في انقطاع الإسناد، كعدم السماع مطلقاً أو عدم لقاء الرواة بعضهم بعضاً أو عدم السماع منهم في خصوص ذلك الحديث.

حكم التدليس :

قال الخطيب البغدادي – رحمه الله – : " التدليس متضمن للإرسال لا محالة، لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه بالسماع ممن لم يسمع فقط، وهو الموهن لأمره فوجب كون التدليس متضمناً للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس، لأنه لا يقتضي إبهام السماع ممن لم يسمع منه "([562]) فالتدليس يشبه المرسل في كون كل منهما منقطع، ويختلف عنه بأن الإرسال انقطاع ظاهر والتدليس انقطاع خفي مع أن راويه يذكره بصيغة توهم الاتصال، ولهذا لم يذم العلماء في أرسل وذموا من دلس.

ولقد اختلف العلماء في قبول رواية من عرف بهذا التدليس، ولقد ذكر هذا الخلاف الإمام ابن الصلاح في مقدمته، فقال – رحمه الله – : " ثم اختلفوا في رواية من عرف بهذا التدليس (أي تدليس الإسناد) فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحاً بذلك، وقالوا : لا تقبل روايته بحال بين (ص 203) السماع أو لم يبين، والصحيح التفصيل وأن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه وما رواه بلفظ مبين للاتصال نحو " سمعت " و "حدثنا " و " أخبرنا " وأشباهها فهو مقبول محتج به.

وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جداً كقتادة، والأعمش، والسفيانين، وهشيم بن بشير، وغيرهم، وهذا أن التدليس ليس كذباً، وإنما هو ضرب من الإيهام بلفظ محتمل "([563]) وبهذا التفصيل قال الحافظ العلائي – رحمه الله([564]) – وقال الحافظ ابن حجر : " وحكم من ثبت عنه التدليس إذا كان عدلاً أن لا يقبل منه إلا مصرح فيه بالتحديث على الأصح"([565]) كما تعقب الحافظ ابن حجر الإمام ابن الصلاح في قوله : " وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جداً ".

قال ابن حجر : " أورد المصنف هذا محتجاً به على قبول رواية المدلس إذا صرح، وهو يوهم أن الذي في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث المدلسين مصرح في جميعه وليس كذلك، بل في الصحيحين وغيرهما جملة كثيرة من أحاديث المدلسين بالعنعنة.

وقد جزم المصنف في موضع آخر، وتبعه النووي وغيره، بأن ما كان في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين، فهو محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى، وتوقف في ذلك المتأخرين الإمام صدر الدين بن المرحل وقال في " كتاب الإنصاف " : " إن في النفس من هذا الاستثناء غصة، لأنها دعوى لا دليل عليها، ولا سيما أنا قد وجدنا كثيراً من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس (ص 204) رواتهما " وكذلك استشكل ذلك قبله العلامة ابن دقيق العيد فقال : " لابد من الثبات على طريقة واحدة، إما القبول مطلقاً أو الرد مطلقاً، في كل كتاب، وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه فغاية ما يوجه به أحد أمرين : إما أن يدعي أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها. قال : وهذا إحالة على جهالة، وإثبات أمر بمجرد الاحتمال.

وإما أن يدعي أن الإجماع على صحة ما في الكتابين دليل وقوع السماع في هذه الأحاديث، وإلا كان أهل الإجماع على الخطأ، وهو ممتنع ".

وفي أسئلة الإمام تقي الدين السبكي للحافظ ابن أبي الحجاج المزي " وسألته عما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعناً هل نقول : إنهما اطلعا على اتصالها …

فقال : كذا يقولون وما فيه إلا تحسين الظن بهما، وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما توجد من غير تلك الطرق التي في الصحيحين ".

قلت (القائل ابن حجر) وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط، أما ما كان في المتابعات فيحتمل أن يكون حصل التسامح في تخريجها كغيرها "([566]).

وهذه الإشكالات التي أوردها هؤلاء الحفاظ المتأخرون مردها إلى أنهم يقررون قواعد عامة مطردة بمعزل عن صنيع الأئمة في كتبهم فإذا وجدوا ما يخالف تلك القواعد حاولوا جاهدين الجواب عنها، وكان من المفترض أن يكون الواقع التطبيقي هو المنطلق الذي تستمد منه القواعد والأحكام.

ولو تأملنا مسألة التدليس وأحاديث المدلسين من خلال الواقع التطبيقي عند الإمام البخاري تتضح لنا الحقائق التالية : (ص 205)

1 – أن الإمام البخاري قد أخرج أحاديث كثير ممن وصف بالتدليس، وهذا يقتضي أن التدليس ليس بجرح ترد به الرواية، ويقدح به في العدالة.

2 – إن الإمام البخاري أكثر ما يخرج لهؤلاء في التعاليق والاستشهاد.

3 – خرج الإمام البخاري لبعض المدلسين في الأصول احتجاجاً إما لتصريحهم بالسماع، أو لأنهم توبعوا على أحاديهم، أو لشيوخ أكثروا عنهم بحيث لم يفتهم من أحاديثهم شيء، أو من طريق من لا يأخذ عنهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع أو لكون هؤلاء المدلسين لا يدلسون إلا عن الثقات.

أصناف المدلسين في صحيح البخاري :

1 – المدلسون الذين أخرج البخاري أحاديثهم متابعة واستشهاداً :

وهؤلاء مثل : بقية بن الوليد، عيسى بن موسى غنجار، مبارك بن فضالة، محمد بن إسحاق، محمد بن عجلان.

2 – المدلسون الذين أخرج البخاري أحاديثهم احتجاجاً :

وهؤلاء يخرج أحاديثهم بطرق مختلفة :

أ – من الطرق المصرح فيها بالسماع : مثل :

حميد بن أبي حميد الطويل : كان يدلس وقد اعتنى البخاري بطرق حديثه التي فيها التصريح بالسماع([567]).

ب – من طريق من كان لا يأخذ عنهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع : مثل :

الأعمش : فقد اعتمد البخاري في تخريج حديثه على حفص بن غياث لأنه كان يميز بين ما صرح فيه الأعمش بالسماع وبين ما دلسه([568]).(ص 206)

جـ – من لا يدلس إلا عن الثقات أو تدليسهم نادر، وهؤلاء مثل ([569]):

إبراهيم بن يزيد النخعي، إسماعيل بن أبي خالد، بشير بن المهاجر، الحسن بن ذكوان، الحسن البصري، الحكم بن عتبة، حماد بن أسامة، سعيد بن أبي عروبة، سفيان الثوري، سفيان بن عيينة، شريك القاضي، ومحمد بن حازم أبو معاوية الضرير، وغيرهم.

إن تخريج الإمام البخاري روايات بعض المدلسين دون أن يكون هناك تصريح بالسماع مما يدل على أن قاعدة " المدلس لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث " ليس قاعدة مطردة بل لها استثناءات.

فهناك بعض المدلسين من يكون تدليسه نادراً في بعض الروايات أو لا يدلس فيها أصلاً مع كونه معروفاً بالتدليس، مثل هشيم بن بشير المشهور بالتدليس إلا أنه لا يكاد يدلس في حديثه عن حصين بن عبد الرحمن فعنعنته محمولة على الاتصال، قال الإمام أحمد : " هشم لا يكاد يدلس عن حصين "([570]).

ذلك لأنه لازمه ملازمة طويلة وأكثر سماعه منه بحيث لم يفت له من أحاديثه شيء، ولذا قالوا: " هشيم أعلم الناس بأحاديث حصين ".

وكذلك سفيان الثوري فقد وصف بالتدليس عن الضعفاء إلا أن الإمام البخاري قال : " لا أعرف لسفيان عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور، وذكر شيوخاً كثيرة، لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليساً، ما أقل تدليسه "([571]).

ومن هؤلاء الشيوخ، الأعمش وابن جريج، وأبو إسحاق ومعمر ويحي بن أبي كثير، لأنه قلما يفوت له من أحاديثهم لطول الملازمة وكثرة السماع. (ص 207)

وكذلك الأعمش فقد قال الحافظ الذهبي : " وهو يدلس وربما دلس عن ضعيف، وهو لا يدري به فمتى قال حدثنا فلا كلام، ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم، وابن أبي وائل، وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال "([572]).

وكذلك ابن جريج إنه كان يدلس عن غير عطاء فأما عن عطاء فلا، قال : إذا قلت : قال عطاء فأنا سمعته منه وإن لم أقل سمعت، وإنما قال هذا لأنه كان يرى أنه قد استوعب ما عند عطاء"([573]).

كما أن بعض المدلسين إذا جاء حديثهم من طريق بعض الرواة فتحمل عنعنتهم على الاتصال لأنهم لا يقبلون منهم إلا ما سمعوا من شيوخهم مثل عكرمة بن عمار اليمامي، وقتادة، والأعمش ولأبي إسحاق وأبي الزبير وسفيان الثوري.

فعكرمة قد ذكره الحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين لكن إذا جاء حديثه من طريق سفيان الثوري فتحمل عنعنته على الاتصال لأنه كان يوقفه عند كل حديث قل : "حدثني" و " سمعت "([574]).

وأما قتادة والأعمش وأبو إسحاق فلا تضر عنعنتهم إذا روى عنهم شعبة فإنه كان يقول : "كفيتكم تدليس ثلاثة : الأعمش وإسحاق وقتادة "([575]).

قال الحافظ : " وهي قاعدة حسنة تقبل أحاديث هؤلاء إذا كانت عن شعبة ولو عنعنوها"([576]).

وقال الإسماعيلي : " يحي القطان لا يروي عن زهير إلا ما كان (ص 208) مسموعاً لأبي إسحاق فإذا عنعن زهير عن أبي إسحاق وكان من طريق يحي القطان فلا يضر ذلك ويحمل على الاتصال "([577]).

وأبو الزبير عن جابر إذا روى عنه الليث بن سعد فعنعنته محمولة على الاتصال([578]).

إلى غير ذلك من الأمثلة والشواهد التي تدل على صحة ما ذهب إليه الإمام البخاري من عدم اعتبار أحاديث المدلسين على طريقة واحدة. (ص 209).

* * *

 

 

الفصل الثالث

منهج تعليل الأحاديث عند

الإمام البخاري

المبحث الأول : الأحاديث المعلولة في الجامع الصحيح .

المبحث الثاني : التفرد وأثره في التعليل .

المبحث الثالث : المخالفة وأثرها في التعليل

المبحث الرابع : زيادات الثقات .

 

المبحث الأول

الأحاديث المعلولة في الجامع الصحيح

المطلب الأول : تعريفا لعلة وبيان مواضعها ، وحكمها ودلائها .

المطلب الثاني : الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري وتصنيفها .

المطلب الأول

تعريف العلة وبيان مواضعها وحكمها ودلائلها

تمهيد :

          إن الجامع الصحيح للإمام البخاري من أصح الكتب في الحديث بل أصحها ، ومع ذلك فهو جهد بشري ليس كاملاً ولا معصوماً ، ومن هنا نجد بعض الأئمة الحفاظ قد تكلموا على بعض الأحاديث في هذا الكتاب ، وبينوا فيها عللاً تجعلها قاصرة على رتبة الصحة ، وقبل الخوض في ذكر هذه الانتقادات وتقويمها يجدر بنا أن نعرف العلة ومواضعها ودلائلها ، ثم نتعرض إلى الأحاديث المنتقدة في جامع الصحيح ، ومناهج هؤلاء الأئمة في انتقاداتهم وكذلك طريقة من حاول الدفاع عن الصحيح والرد على هذه الانتقادات .

تعريف العلة :

1- لغة :

          قال الفيروزآبادي :

          " العلة بالكسر : المرض ، عل ، يعل ، واعتل ، وأعله الله تعالى ، فهو معل ، وعليل ، ولا نقول معلول "([579]) ويرى كثير من العلماء أن معلول خلاف القياس ، لأن القياس أن يقال معل من أعل قال ابن الصلاح : "ويسميه أهل الحديث : المعلول ، وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس العلة والمعلول . مرذول عند أهل العربية واللغة "([580]) .

          وتبعه على ذلك النووي : إنه لحن ، وتبعه السيوطي أيضاً([581]) .

          لكن قال الفيومي : "العلة المرض الشاغل ، والجمع علل مثل سدرة وسدر ، وأعله الله فهو معلول ، قيل : من النوادر التي جاءت على غير قياس ، وليس كذلك ، فإنه من تداخل اللغتين ، والأصل ، أعله الله فعل ، فهو معلول ، فيكون على القياس ، وجاء معل على القياس، ولكنه قليل الاستعمال"([582]) .

          وأورد الحافظ العراقي في "التقييد والإيضاح" استعمال معلول عن عدد من أهل اللغة منهم قطرب ، وابن القوطية ، والمطرزي والجوهري([583]) .

          وجاء في مختار الصحاح : "والعلة : المرض ، وحدث يشغل صاحبه عن وجهه كأن تلك العلة صارت شغلاً ثانياً منعه عن شغله الأول ؛ واعتل : أي : مرض ، فهو عليل ، ولا أعلك الله أي لا أصابك بعلة"([584]) .

          وأصل الخلاف في هذه المسألة هل هذا الفعل ثلاثي مجرد أم مزيد . قال السخاوي رحمه الله:

          " نص جماعة كابن القوطية في الأفعال على أنه ثلاثي فإنه قال : عل الإنسان علة مرض والشيء أصابته علة ولكن الأعرف أن فعله من الثلاثي المزيد نقول : أعله الله فهو معل ، ولا يقال : تعلل ، فإنهم يستعملونه من علة بمعنى ألهاه بالشيء وشغله به ، ومنه تعليل الصبي بالطعام، وما يقع في استعمال أهل الحديث له حيث يقال علله فلان ، على طريق الاستعارة"([585]) .

          ومما سبق نستطيع أن نلخص معاني هذا الفعل واستعمالاته على هذا النحو :

          فعل علّ يعلّ بالكسر والضم : علا ، يستعمل متعدياً ولازماً ، ومعناه سقاه السقية الثانية، ومنه العلل وهو الشرب الثاني ، يقال علل بعد نهل([586]) .

          وأما علله فهو في اللغة بمعنى ألهاه وشغله ، واستعمال المحدثين لهذا الفعل قليل ، واستعمالهم له على سبيل الاستعارة أي كأن المحدث شغل بالنظر في علة الحديث عما هو أهم من ذلك ، والله أعلم.

          ويرى العراقي أن الأحسن استعمال لفظ معلّ بدلاً من معلول([587]) .

          ومما تقدم يتبين لنا أن استعمال لفظ معلول لا إشكال فيه لغة ، كما أنه المستعمل بكثرة في كلام المحدثين كالبخار ، والترمذي والحاكم والدار قطني وغيرهم .

ب- تعريفا لعلة اصطلاحاً :

          قال ابن الصلاح "هي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة([588]) .

          فالعلة عبارة عن سبب غامض يدل على وهم الراوي سواء أكان الراوي ثقة أم ضعيفاً. سواء أكان الوهم فيما يتعلق بالإسناد أم فيما يتعلق بالمتن([589]) ، وقد تطلق العلة على الأسباب الظاهرة التي تقدح في صحة الحديث كما نبه على ذلك ابن الصلاح فقال : "ثم اعلم أنه قد تطلق العلة على غير ما ذكرنا من باقي الأسباب القادحة في الحديث ، المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف ، المانعة من العمل به على مقتضى لفظ العلة في الاصل"([590]) .

مواضع العلة وحكمها :

          قال ابن الصلاح "ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث وهو الأكثر وقد تقع في متنه، ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعاً كما في التعليل بالإرسال والوقف، وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن"([591]) .

          والقدح هنا لفظ مجمل إن أريد به القدح في صحة الحديث ، ففي العلل ما هو قادح ومنها ما هو غير قادح ، وعلى هذا يحمل كلام ابن الصلاح وغيره من العلماء .

          وإن أريد بالقدح ، القدح في صحة ما قاله الراوي عمن فوقه فالعلة على هذا الاعتبار كلها قادحة لأن العلة كما سبق هي الوهم والخطأ فما كان وهماً لا يكون صحيحاً(*) .

دلائل العلة :

          تعرف العلة بالتفرد من الراوي أو مخالفته لغيره من قرائن أخرى .

          قال ابن الصلاح : "ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له ، مع قرائن تنضم إلى ذلك ، تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول ، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم بغير ذلك ، بحيث يغلب على ظنه ذلك فيحكم به أو يتردد فيوقف فيه"([592]) .

          وقال السخاوي :

          "تدرك بعد جمع الطرق ، والفحص عنها ، بالخلاف من راوي الحديث لغيره ، ممن هو أحفظ ، وأضبط وأكثر عدداً ، أو عليه ، والتفرد بذلك ، وعدم المتابعة عليه مع قرائن قد يقصر التعبير عنها "([593]).

          ولأهمية التفرد والمخالفة جعلتهما محور الدراسة في هذا الفصل ، فتناولت منهج التعليل عند الإمام البخاري من خلال موقفه من صور المخالفة وموقفه من التفرد ، ثم موقفه من زيادات الثقات ، وهي حالة من حالات المخالفة ، لكن أفردتها لأهميتها وغموضها .

المطلب الثاني

الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري

          لقد أعل بعض الحفاظ جملة من الأحاديث في صحيح البخاري ، ومن هؤلاء الحافظ الدارقطني وأبو علي الغساني في جزء العلل من كتابه "تقييد المهمل"(*) .

          أما الحافظ الدارقطني فقد انتقد البخاري ومسلماً في كتابه" التتبع لما في الصحيحين"، وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ مقبل بن هادي – حفظه الله - ، ويعتبر كتابه أوسع مصدر في هذا الموضوع ، وقد رد على الدارقطني الحافظ أبو مسعود الدمشقي في جزء صغير ذكر فيه أربعة وعشرين حديثاً مما انتقد فيه الدار قطني مسلماً ، وقد لزم فيه الإنصاف فهو يصوب الدارقطني فيما يرى أنه أصاب فيه ، ويرد عليه إن رأى أنه أخطأ ، كما نبه على أوهام وقع فيها الدارقطني([594]).

          كما ورد على الدارقطني الإمام النووي في شرح لصحيح مسلم .

          ورد عليه أيضاً الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" وفي فتح الباري عند كلامه على الأحاديث المنتقدة .

          والذي يلاحظ على رد النووي أنه رد مختصر مبني على قاعدة قبول زيادة الثقة مطلقاً. كان هو مذهب الأصوليين والفقهاء وعلماء الكلام ، كما أنه لم يجب على بعض الأحاديث .

          وأما الحافظ ابن حجر فكان رده موسعاً مبنياً على تتبع الطرق وذكر المتابعات والشواهد، دون التمسك بقاعدة قبول زيادة الثقة على إطلاقها ، كما أنه التزم فيه العدل والإنصاف بحيث يصوب الدارقطني في مواضع كثيرة ويبين وجاهة انتقاده ، ولكن يلاحظ أنه في بعض الأحاديث يكتفي بالاحتمالات والتجويزات العقلية المجردة .

          وقد ذكر ابن حجر أن عدة ما في "صحيح البخاري" من الأحاديث المنتقدة مائة وعشرة أحاديث منها ما انفرد بتخريجه وهي ثمانية وسبعون حديثاً ، والباقي شاركه مسلم في تخريجها([595]).

          وقد قسم الحافظ الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري إلى ستة أقسام وذكر الرد الإجمالي على كل قسم منها ثم ذكر الأحاديث المنتقدة حديثاً حديثاً وأجاب عنها ، وهذه الأقسام هي :

          القسم الأول : ما تختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد .

          فإن أخرج صاحب الصحيح الطرق المزيدة وعلله الناقد بالطريق الناقصة فهو تعليل مردود ، لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه، ثم لقيه فسمعه منه ، وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع والمنقطع من قسم الضعيف والضعيف لا يعل الصحيح .

          وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالطريق المزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف فينظر إن كان ذلك الراوي صحابياً أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكاً بيناً أو صرح بالسماع إن كان مدلساً من طريق أخرى فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك ، وإن لم يوجد وكان الانقطاع فيه ظاهراً فمحصل الجواب عن صاحب الصحيح أنه إنما أخرج مثل ذلك في باب ما له متابع أو عاضد أو حفته قرينة في الجملة تقوية ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع . وربماعلل بعض النقاد أحاديث أدعي فيها الانقطاع لكونها غير مسموعة كما في الأحاديث المروية بالمكاتبة والإجازة ، وهذا لا يلزم منه الانقطاع عند من يسوغ الرواية بالإجازة ، بل في تخريج صاحب الصحيح لمثل ذلك دليل على صحة الرواية بالإجازة عنده .

          القسم الثاني : ما تختلف الرواة فيه بتغير رجال بعض الإسناد .

          فالجواب عنه إن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين جمعياً، فأخرجهما المصنف ، ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين في الحفظ والعدل ،وإن امتنع بأن يكون المختلفون غير متعادلين بل متقاربين في الحفظ ، والعدد فيخرج المصنف الطريق الراجحة ، ويعرض عن الطريق المرجوحة أو يشير إليها فالتعليل بمجرد ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح إذا لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف فينبغي الإعراض أيضاً عما هذا سبيله .

          القسم الثالث : ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عدداً أو أضبط ممن لم يذكرها.

          فهذا لا يؤثر التعليل به إلا إذا كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع ، أما إذا كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث تكون كالحديث المستقل فلا ، اللهم إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته فما كان من هذا القسم فهو مؤثر .

          القسم الرابع : ما تفرد به بعض من ضعف من الرواة .

          وليس في الصحيحين من هذا القبيل غير حديثين([596]) .

          القسم الخامس : ما حكم يه بالوهم على بعض رجاله ، فمنه ما يؤثر ذلك الوهم قدحاً، ومنه لا يؤثر .

          القسم السادس : ما اختلف فيه بتغير بعض ألفاظ المتن .

          فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح لإمكان الجمع في المختلف من ذلك أو الترجيح، على أن الدارقطني وغيره من أئمة النقد لم يتعرضوا لاستيفاء ذلك من الكتابين كما تعرضوا لذلك في الإسناد.

          ومن خلال هذه الأقسام التي ذكرها ابن حجر يتضح أن الإمام البخاري يخرج الأحاديث الصحيحة وقد يتبعها أحياناً بالأحاديث المعلولة أو يشير إليها ، وإذا لم يكن الترجيح بين الرواة المختلفين باعتبار العدد أو الحفظ أو غيرها من المرجحات أو القرائن فإن البخاري يخرج الوجهين وكذلك يصنع الإمام مسلم – رحمه الله – وقد أشار الإمام الذهبي إلى هذا فقال : "وإن تساوى العدد واختلف الحافظان ، ولم يترجح الحكم لأحدهما على الآخر ، فهذا الضرب يسوق البخاري ومسلم الوجهين منه في كتابيهما وبالأولى سوقهما لما اختلف في لفظه إذا أمكن جمع معناه"([597]) .

          أي أن الشيخين يخرجان ما اختلف فيه الحافظ المتساوون في العدد والحفظ إذا لم يمكن الترجيح بينهما سواء أكان الخلاف في سياق المتن أم في السند .وسيأتي مزيد توجيه لهذا في "مبحث المخالفة" من هذه الرسالة .

          وفي ضوء هذا الواقع نستطيع أن نفهم منهج الإمام الدارقطني في كتابه "التتبع" لأن كثيراً من الناس يرى أن الدار قطني قص انتقاد الشيخين في جميع ما يذكره ، وقد أوضح الإمام الدارقطني منهج كتابه وموضوعه حيث يقول في مستهله "ابتداء ذكر أحاديث معلولة اشتمل عليها كتاب البخاري ومسلم أو احدهما بينت عللها والصواب منها"([598]) .

          وهذا النص واضح جداً أن موضوع الكتاب هو ذكر أحاديث معلولة اشتمل عليها كتاب البخاري ومسلم أو أحدهما مع بيان عللها والصواب منها ، وأنه لم يلمح فيه أن الانتقاد سوف يوجه صوب صنيع الشيخين في صحيحهما على أساس أن كلاً منهما قد أخل في شرط كتابه ، لأنه قال "اشتمل عليها" ولم يوضح على أي وجه اشتمل عليها ، وهو شامل لجميع أنواع الأحاديث ، سواء اشتمل عليها على وجه الاحتجاج أم على وجه الاستناس والاحتياط والاستشهاد أم على وجه التبع وشرح العلل ، ولم يقل – رحمه الله – "ذكر أحاديث معلولة احتج بها الشيخان وهي مخالفة لشروطهما" .

          والذي يبدو عند إمعان النظر في كتاب "التتبع" أن الأحاديث التي بين عللها تصنف على أنواع:

منها الأحاديث التي احتج بها البخاري ومسلم .

ومنها ما أورده كل منهما في المتابعات .

ومنها ما أورده كل منهما على سبيل الاحتياط والاستئناس .

ومنها ما أورده كل منهما على سبيل التبع وبيان العلل .

ومنها ما ذكره مسلم في المقدمة .

          أما النوع الأول فعدده قليل جداً بالنسبة إلى الأنواع الأخرى إلا النوع الأخير . والذي يصلح فيه القول أن الشيخين قد أخلا فيه بشروطهما والتزامهما بها هو النوع الأول دون سواه، فإن الأنواع الأخرى كلها خارج الأصول ، ولم يذكر شيئاً منها إلا على سبيل الاعتضاد أو الاحتياط أو الاستئناس أو التتبع وشرح العلة . وغاية ما يقال بالنسبة إلى هذه الأنواع أن الإمام الدارقطني أوضح السبب الذي كان يدفع كلاً من البخاري ومسلم إلى أن يذكر الأحاديث على ذلك النحو هو وجود العلة فيها ، وفي نفس الوقت فإن الغمام الدارقطني يفدنا من خلال تتبعه لأحاديث الصحيحين دقة الشيخين في تصحيح الأحاديث وتعليلها ووضعها في مواضعها اللائقة بها من الصحيح ، أما البخاري فكثيراً ما يرويها معلقة بينما مسلم يوردها في أواخر الباب غالباً([599]).

          ومن هنا نستطيع أن نقسم الأحاديث التي انتقدها الدارقطني في صحيح البخاري ومسلم إلى ثلاثة أقسام هي :

          الأول : القسم المتفق عليه ، وأعني به الأحاديث التي أعلها الدارقطني وقد أشار البخاري أو مسلم – رحمهما الله – إلى علتها بما يفهمه أهل المعرفة ، وفي كثير منها يذكر الدار قطني الخلاف ولا يحكم بشيء .

          ومن هذا القسم الأحاديث التي ذكرها الدارقطني وبين أنها مكاتبة أو إجازة لأنه صرح بأن مثل هذه الأحاديث حجة في قبول الإجازة والمكاتبة وكأنه يرد على بعض ما لا يصحح العمل بالمكاتبة(*) .

          الثاني : القسم الذي انتقده الدار قطني ويترجح فيه قول الشيخين .

          الثالث : القسم الذي انتقده الدارقطني ويترجح فيه قول .

          ولو قيست هذه الأحاديث التي يترجح فيها قول الدارقطني بمجموع أحاديث الصحيحين فإنها لا تتجاوز نسبة 1% إذ إن مجموع الأحاديث المنتقدة في البخاري ومسلم مائتين وعشرة من أكثر من ستة عشر ألف حديث ، وهذه الأحاديث المنتقدة بعضها متفق عليه والبخاري ومسلم قد أشارا إلى العلة فيه والبعض الآخر يترجح فيه موقف الشيخين ، فلنفترض أن الدارقطني قد اصاب في نصفها أي في مائة حديث وهي نسبة ضئيلة جداً ، وهي مما يؤكد صحة هذين الكتابين.

المبحث الثاني

التفرد وأثرها في التعليل

المطلب الأول : مقدمات نظرية (حقيقة التفرد ، أنواعه ، مراتبه ، حكمه ...) .

المطالب الثاني : الأحاديث التي استنكرت في صحيح البخاري .

المطالب الثالث : الأحاديث التي أعلها الإمام البخاري بالتفرد .

المطلب الأول

مقدمات نظرية

أ- حقيقة التفرد :

          هو أن يروي شخص من الرواة حديثاً دون أن يشاركه الآخرون ، وهو ما يقول فيه المحدثون النقاد "حديث غريب" أو "تفرد به فلان" أو "هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه" أو "لا نعلمه يروي عن فلان إلا من حديث فلان"([600]) .

          فالحديث الذي يتفرد به الراوي ولا يشاركه فيه غيره يسمى غريباً ويقابله المشهور.

          قال الحافظ ابن منده ، فيما نقله عنه ابن الصلاح :

          " الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثهم إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى غريباً ، فإذا روى عنهم رجلان أو ثلاثة واشتركوا في حديث سمى عزيزاً ، فإذا روى الجماعة عنهم حديثاً سمي مشهوراً"([601]) .

          ويسمى بعضهم الحديث الذي ينفرد به الراوي ولا يشاركه فيه غيره فرداً ، وبعض العلماء جعلهما مترادفين وبعضهم غاير بينهما ، ويرى الحافظ ابن حجر أنهما مترادفين لغة واصطلاحاً ، إلا أن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق ، والغريب أكثر ما يطلقونه على الغريب النسبي([602]).

ب- أنواعه :

          للتفرد نوعان : تفرد مطلق ، وتفرد نسبي([603]) . 

          فالفرد المطلق ما كانت الغرابة ي أصل سنده .

          ويمكن أن نقول أيضاً : هو ما ينفرد به واحد عن كل أحد .

          والفرد النسبي ، وهو ما يقع فيه التفرد في أثناء سنده ، وسمي النسبي لأن التفرد ليس مطلقاً ، وإنما هو بالنسبة إلى جهة معينة ، ومن هنا كانت له أنواع مختلفة ، باعتبار جهة التفرد منها :

1-             تفرد ثقة برواية حديث .

2-             تفرد راو معين عن راو معين .

3-             تفرد أهل بلد أو أهل جهة .

4-             تفرد أهل بلد أو جهة عن أهل بلد أو جهة .

ج- مراتب التفرد :

          عند إمعان النظر في صنيع المحدثين يتبين لنا أن التفرد على مرتبتين :

1-             تفرد في الطبقات المتقدمة .

2-             تفرد في الطبقات المتأخرة .

أولاً : التفرد في الطبقات المتقدمة :

          إن تفرد الراوي بحديث في طبقة من شأنها عدم شهرته وعدم تعدد رواته في الغالب، فهذا النوع من التفرد مقبول ومحتج به بشرط أن يكون الراوي ثقة معروفاً .

          لأن التفرد في هذه الطبقات لا يثير في نفس الناقد تساؤلاً حول كيفية التفرد ، ولا ريبة في مدى ضبطه لما تفرد به حيث إن تداخل الأحاديث والآثار بالنسبة إليه احتمال يكون معدوماً ، ونظراً لمحدودية الأسانيد التي يتداولها هو ومعاصروه وقصرها .

          وأما إذا خالف ما ثبت واشتهر ، أو كان متنه لا يعرف إلا من روايته ، ولم يجر العمل بمقتضاه سابقاً ، فإنه عندئذ يصبح شاذاً غريباً ويرفض الناقد قبوله .

          وأما إذا كان الراوي المتفرد به ضعيفاً فأمره بين ، فلا خلاف بينهم في رد حديثه، وكذا إذا كان مجهولا ، فإنه يرد عند الجمهور من النقدة([604]) .

ثانياً : التفرد في الطبقات المتأخرة :

          أما التفرد برواية حديث في طبقة من شأنها أن يكون الحديث فيها مشهوراً ومتعدد الطرق، كالمدارس الحديثية المشتهرة في جهات مختلفة من الأقطار الإسلامية ، والتي يشترك في نقل أحاديثها جماعة كثيرة من مختلف البلاد لبالغ حرصهم على جمعها من مخارجها الأصلية بحيث لا يفوت لهم شيء منها إلا نادراً ، وقد تهيأ لهم ذلك من خلال تنقلهم الواسع بين البلدان الإسلامية.

          فهذا النوع من التفرد يدعو الناقد إلى ضرورة النظر إلى أسبابه ، فينظر في علاقة صباحه مع المروي عنه عموماً ، وكيفية تلقيه ذلك الحديث الذي تفرد به خصوصاً ، كما ينظر في حال ضبطه لأحاديث شيخه بصفة عامة ، ولهذا الحديث خصوصاً ن ثم يحكم عليه حسب مقتضى دراسته وبحثه .

          فليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة أورد تفرد الضعيف بل تتفاوت أحكامه([605]) .

حكم التفرد وضابطه :

          لقد استقرت كتب المصطلح منذ ابن الصلاح إلى يومنا هذا على أن الحكم على التفرد يكون بحسب أحوال الرواة فإذا كان الراوي ثقة قبل حديثه ، وإن كان ضعيفاً رد حديثه، وإن كان متوسطاً اعتبر حديثه حسناً([606]) ، وهذا الحكم أخذ كضابط كلي مطرد في كل تفرد .

          وعند تتبع كلام النقاد والنظر في صنيعهم يتجلى لنا أن ما لخصه ابن الصلاح – رحمه الله تعالى – ينبغي تخصيصه فإن مقاييس القبول والرد في مجال التفرد ليست أحوال الرواة المتمثلة في الثقة والضعف فحسب ، بل بتوافر القرائن الدالة على ذلك .

          فمن أفراد الثقات ، وغرائبهم ما يرد ومنها ما يقبل ، ولهذا وضع في تعريف الصحيح قيداً مهماً وهو الخلو من الشذوذ والعلة في فلو كان القبول لازماً لأحاديث الثقات لأصبح ذكر هذا القيد لغواً في التعريف([607]) .

          يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي : "وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد وإن لم يرو الثقات خلافه : "إنه لا يتابع عليه " ويجعلون ذلك علة فيه اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه ، وربما يستنكرون بعض تفرد الثقات الكبار ، ولهم في كل حديث نقد خاص ، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه"([608]) .

الغرائب والأفراد في نظر الأئمة :

          يقول ابن رجب : "وقد كان السلف يمدحون المشهور من الحديث ويذمون الغريب منه في الجملة .

          ومنه قول ابن المبارك : "العلم هو الذي يجيئك من ههنا ومن ههنا" يعني المشهور وعن علي بن الحسين : "ليس العلم ما لا يعرف ، إنما العلم ما عرف وتواطأت عليه الألسن" .

          وعن مالك : "شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي رواه الناس" .

          وعن الأعمش : "كانوا يكرهون غريب الحديث وغريب الكلام " .

          وعن أبي يوسف : "من طلب غرائب الحديث كذب " .

          وذكر مسلم في مقدمة كتابه من طريق حماد بن زيد أن أيوب قال لرجل : لزمت عمراً؟ قال : نعم إنه يجيئنا بأشياء غرائب قال يقول له أيوب : إنما نفر أو نفر من تلك الغرائب قال رجل لخالد بن الحارث : اخرج لي حديثا الأشعث لعلي أجد يه شيئاً غريباً .

          فقال : لو كان فيه شيء غريب لمحوته ، وعن أحمد : تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب ما أقل الفقه فيهم ، وعنه أيضاً : لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء([609]).

أهمية التفرد في معرفة علل الأحاديث :

          لقد اعتنى أئمة الحديث ونقاده بالتفرد عناية كبيرة .. إذ إن له علاقة قوية بتعليل الأحاديث فهو أحد وسائل الكشف عما يكمن الأحاديث من أوهام وأخطاء في هذا يقول ابن الصلاح – رحمه الله -:

          " ويستعان على إدراكها (أي العلة) بتفرد الراوي ، وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم
إلى ذلك"(
[610]) .

          فلا يمكن تعليل الأحاديث أو تصحيحها إلا بعد معرفة حالة التفرد أو حالة المشاركة في كل طبقة من طبقات الإسناد .

 

المطلب الثاني

الأحاديث التي استنكرت أو استغربت

في الجامع الصحيح

          لقد تكلم بعض الأئمة في جملة من الأحاديث صحيح البخاري ووصفوها بالغرابة أو النكارة وهي وإن كانت قليلة ، ومحدودة العدد ، فليس غرض هنا إحصاؤها ، وإنما القصد دراسة نماذج للوقوف على منهج البخاري ووجهة نظره في إخراج هذه الأحاديث ، ومعرفة الأسس التي بنى عليها هؤلاء الأئمة نقدهم لتلك الأحاديث .

          وقبل الشروع في دراسة بعض النماذج لابد من الإشارة إلى حقيقة علمية مهمة وهي :

          إن وجود الغرائب والأفراد في الصحيحين هو أمر نادر ، ولم يكن من قصد الشيخين –رحمها الله- أن يكون كتاباهما مجمعاً للغرائب والأفراد كما قصد بعض الأئمة من مصنفاتهم، وإنما قصدهما ذكر الأحاديث الصحيحة المشهورة التي تداولها أهل العلم فيما بينهم كما صرح به مسلم في مقدمة صحيحه([611]) .

          ومن هنا كانت هذه الأحاديث المستغربة أو المستنكرة من قبل الأئمة قليلة بالنسبة إلى الأحاديث الصحيحة المشهورة .

          ومن أدعى أن كل ما في الصحيحين مشهور وليس ليها شيء من الغرائب ، فقد خالف الواقع ، وخالف الحقيقة العلمية التي قررها الأئمة النقاد ، وممن أدعى ذلك الإمام الحكم لنيسابوري – رحمه الله – وقد رد عليه الحافظ حجر بقوله([612]) :

          "وأما قوله : إن الغرائب الأفراد ليس في الصحيحين منها شيء ، فليس كذلك ، بل فيها قدر مائتي حديث قد جمعها الحافظ ضياء الدين المقدسي([613]) في جزء مفرد"([614]) .

          ومعلوم أن هذا العدد في مقابل متون أحاديث الصحيحين التي لا تقل عن ثمانية آلاف حديث مقدار ضئيل جداً لا يتعدى 2.5% .

          والأمر الثاني الذي يجدر التنبه إليه هو أن الغرابة أمر نسبي ، فقد يكون حديث ما غريباً عند إمام ناقد ، بينما لا يوافقه غيره من الأئمة على ذلك الحكم لوقوفهم على متابعات وشواهد تدفع عن الحديث وصوف الغرابة أو النكارة .

          فهذه جملة من الأمور تتضح تفاصيلها من الأمثلة المدروسة .

المثال الأول :

          حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى قال : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطيته ، ولئن استعاذني لأعيذنه([615]) " .

          فهذا الحديث تفرد بإخراجه البخاري من دون أصحاب الكتب الستة ، خرجه عن محمد بن عثمان بن كرامة ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا سليمان بن بلال حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث بطوله وزاد في آخره : "وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفسي المؤمن يكره الموت ، وأنا أكره مساءته" .

          قال الحافظ ابن رجب : "وهو من غرائب الصحيح تفرد به ابن كرامة عن خالد، ليس هو في مسند أحمد ، مع أن خالد بن مخلد القطواني تكلم يه أحمد وغيره ، وقالوا : له مناكير وقد روي هذا الحديث من وجوه أخرى لا تخلو كلها من مقال"([616]) .

          ثم ذكر – رحمه الله – تلك الطرق وتكلم عليها .

          وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث :

          " وساق الذهبي في ترجمة خالد من الميزان بعد أن ذكر قول أحمد فيه : "له مناكير، وقول أبي حاتم لا يحتج به ، وأخرج ابن عدي عشرة أحاديث من أحاديث استنكرها، هذا الحديث من طريق محمد بن مخلد عن محمد بن عثمان بن كرامة شيخ البخاري فيه ، قال :

          هذا حديث غريب جداً ، ولولا هيبة الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد، فن هذا المتن لم يرو إلا بهذا الإسناد ، ولا خرجه من عدا البخاري ، ولا أظنه في مسند أحمد ، قلت (القائل ابن حجر) : ليس هو في مسند أحمد جزماً ، وإطلاق أنه لم يرو إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك شريك شيخ شيخ خالد فيه مقال أيضاً ، وهو راوي حديث المعراج الذي زاد يه ونقص ، وقدم وأخر ، وتفرد بأشياء لم يتابع عليها ، ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أنه لا أصل"([617]) ثم ساق تلك الطرق وتكلم عليها .

          والسبب في استنكار هذا الحديث من قبل هؤلاء الأئمة هو تفرد محمد بن عثمان بن كرامة به عن خالد بن مخلد القطواني .

          أما محمد بن عثمان بن كرامة فهو ثقة من شيوخ البخاري([618]) .

          أما خالد ن مخلد فهو أيضاً من شيوخ البخاري ، يروي عنه مباشرة ويروي عنه بالواسطة كما في الحديث ، وقد اختلف فيه كلام أئمة الجرح والتعديل ([619]).

          قال العجلي : ثقة يه تشيع .

          وقال ابن سعد : كان متشيعاً مفرطاً .

          وقال صالح جزرة : ثقة إلا أنه كان متهماً بالغلو ي التشيع .

          وقال أحمد بن حنبل : له مناكير .

          وقال أبو داود : صدوق إلا أنه يتشيع .

          وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به .

          قال الحافظ – رحمه الله - :

          " أما التشيع فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه ، وأما ما مناكيره فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه ، وأوردها في كاملة ، وليس فيها شيء مما أخرجه البخاري ، بل لم أرَ له عنده من أفراده سوى الحديث واحد ، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه : "من عادى لي ولياً" وروى له الباقون سوى أبي داود"([620]) .

          وقد لخص الحافظ حاله في التقريب فقال : "صدوق يتشيع ن وله أفراد"([621]) .

          (والبخاري لم يرو عن أحد إلا وهو يرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه ، وهذا يقتضي أن يكون الراوي على الأقل صدوقاً في الأصل) ([622]) .

          فالبخاري لما ترجع عنده صدق خالد بن مخلد القطواني أخرج له ، فإن قيل إنما يعرف صدقه وصحة حديثه بموافقة الثقات له ، وخالد له مناكير ، ومنها هذا الحديث الذي تفرد به ولم يتابعه عليه الثقات ، فكيف يكون صحيحاً ؟

          (إن معرفة البخاري لصحة حديث الراوي من شيوخه لا تحصل بمجرد موافقة الثقات، وإنما تحصل بأحد أمرين : إما أن يكون الراوي ثقة ثبتاً فيعرف صحيح حديثه بتحديثه ، وإما أن يكون صدوقاً يغلط ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطرق أخرى ، كأن يكون له أصول جيدة، وكأن يكون غلطه خاص جهة معينة) ([623]) .

          وخالد بن مخلد من شيوخ البخاري فهذا يقتضي معرفة حديثه وحاله عنده .

          فلما علم البخاري صدق خالد بن مخلد ، ورأى أن هذا المتن الذي انفرد به ليس فيه شيء يخالف القرآن أو السنة المشهورة أو أصول الشريعة ووجدت له شواهد([624]) وإن كانت ضعيفة ولكنها كثيرة يصلح منها نوع قوة مما يدل على أن للحديث أصلا لهذا كله صححه الإمام البخاري هذا الحديث .

          ويمكن القول أيضاً : إن البخاري تساهل في رواية هذا الحديث لأنه في الرقاق وفضائل الأعمال وليس في أصول التحريم والتحليل ، والله أعلم .

المثال الثاني :

          ما رواه البخاري في صحيحه قال : "حدثنا عبد القدوس بن محمد حدثني عمرو بن عاصم الكلابي ، حدثنا همام بن يحيى حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال : يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه علي ، قال ولم يسأله عنه ، قال وحضرت الصلاة ، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم ، قام إليه رجل فقال : يا رسول الله إني أصبت حداً فأقم في كتاب الله ، قال : "أليس قد صليت معنا ؟ " قال : نعم . قال : "فإن الله قد غفر لك ذنبك – أو قال : حدك"([625]) .

          رواه مسلم أيضاً عن الحسن بن علي الحلواني عن عمرو بن عاصم به([626]) .

          فهذا الحديث استنكره بعض النقاد كالبرديجي([627]) ، وأبو حاتم – رحمهم الله - .

          قال الحافظ البرديجي : "هذا عندي حديث منكر ، وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم"([628]).

          ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال : "هذا الحديث باطل بهذا الإسناد"([629]) .

          وقد أجاب بعض الحفاظ المتأخرين ، على كلام البرديجي وأبي حاتم – رحمهما الله – ومن هؤلاء الإمام الناقد ابن رجب في شرحه لعلل الترمذي ، والحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من الفتح ، وسأنقل فيما يلي كلامهما .

          قال ابن رجب : "ولعل أبا حاتم والبرديجي نما أنكر الحديث لأن عمرو بن عاصم ليس هو عندهما ، في محل من يحتمل تفرده بمثل هذا الإسناد([630]) " .

          وقال الحافظ ابن حجر – بعد نقله كلام البرديجي :

          " ... لم يبين (أي البرديجي) وجه الوهم ، وإما إطلاقه كونه منكراً فعلى طريقته في تسمية ما ينفرد به الراوي منكراً ، إذا لم يكن له متابع ، ولكن يجاب بأنه وإن لم يوجد لهمام ولا لعمرو بن عاصم فيه متابع فشاهده حديث أبي أمامة ، الذي أشرت إليه ، ومن ثم أخرجه مسلم عقبه ، والله أعلم "([631]) .

          نلاحظ أن الحافظ ابن رجب علل إطلاق البرديجي وأبي حاتم النكارة على هذا الحديث بناء على حال الراوي المتفرد به ، وهو عمرو بن عاصم .

          وعمرو ثقة أخرج حديثه الجامعة([632])،  لكن يحتمل أن يكون ضعيفاً عند البرديجي وأبي حاتم ومن ثم يكون حديثه الذي ينفرد به منكراً ، وهذا التوجيه ، إنما يصح بناء على ما استقر عليه اصطلاح المتأخرين من أن الحديث المنكر هو : الفرد المخالف لما رواه .

          الثقات ، والفرد الذي ليس في روايه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده([633]) .

          ومما يدل على ضعف هذا التوجيه أن الحافظ ابن رجب نفسه ، فسر كلام الحافظ البرديجي في تعريفه للمنكر (المنكر هو الذي يحدث به الرجل عن الصحابة أو التابعين عن الصحابة لا يعرف ذلك الحديث ، وهو متن الحديث إلا من طريق الذي رواه فيكون منكراً) .

          قال ابن رجب : "ذكر هذا الكلام في سياق إذا انفرد شعبة و سعيد بن أبي عروبة أو هشام الدستوائي بحديث عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا كالتصريح بأنه كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق فهو منكر"([634]) .

          فواضح أن الحافظ البرديجي يطلق المنكر على الحديث الذي ينفرد به راويه ولو كان ثقة حافظاً كشعبة وابن أبي عروبة وهشام الدستوائي ونحوهم .

          إذن فهذا التقرير من الحافظ ابن رجب يوهن توجيهه السابق لاستنكار البرديجي وابن أبي حاتم للحديث السابق .

          وأما الحافظ ابن حجر فقد وجه نقد البرديجي للحديث على أساس أنه يسمى ما ينفرد به الراوي منكراً إذا لم يكن له متابع ، ومقتضى هذا أن النكارة لا تزول على الحديث إلا بمعرفته من وجه آخر ، وقد صرح بهذا الحافظ ابن رجب حيث قال معلقاً على استنكار يحيى القطان لحديث "لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام"([635]) "... وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر ، وكلام أحمد قريب من ذلك "([636]) .

          وقد حقق شيخنا حمزة المليباري هذه المسألة جيداً جمع فيها بين أقوال هؤلاء النقدة وصنيعهم من خلال ممارستهم النقدية ، قال – حفظه الله - : "والحق الذي أميل إليه أن الإمام أحمد ويحيى والبرديجي لا يستنكرون الحديث لمجرد تفرد ثقة من الثقات ، وإنما يستنكرونه إذا لم يعرف من مصادر أخرى ، إما براوية ما يشهد له من معنى الحديث أو بالعمل بمقتضاه ، ومما يمكن الاستئناس به لتقرير قول الحافظ البرديجي : (إذا روى الثقة من طريق صحيح الواحد ، لم يضره أن لا يرويه غيره إذا كان متن الحديث معروفاً ولا يكون منكراً ولا معلولاً) ([637]) .

          وقول أحمد : (شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها) ([638]) .

          أما إطلاق المنكر على كل ما تفرد به ثقة عن ثقة فلا أظن أنه وقع ذلك في كلامهم، وإن كان بعض ما نقل عنهم يوهم خلاف ذلك ، فإنه ينبغي حمله على أن ذلك على حدود معرفتهم لتفادي التناقض بين التصريح والعمل"([639]) .

          ثم ذكر حديث عمرو بن عاصم السابق ، وكلام البرديجي وأبي حاتم فيه ، وتوجيه ابن رجب له ثم قال : "والذي أميل إليه أن ذلك الاستنكار إنما هو على حدود اطلاعهما، لأنه إذا كان الحديث معروفاً من جهة أخرى فليس بمنكر حسب تصريحي الحافظ البرديجي حتى ولو كان الراوي المتفرد من الشيوخ الذين هم دون مرتبة الثقات يقول البرديجي : (فأما أحاديث قتادة التي يرويها الشيوخ مثل حماد بن غير طريقهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أنس بن مالك من وجه آخر ، ولم يدفع.

          وإن كان لا يعرف عن أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من طريق عن أنس(*) إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك كان منكراً) ([640]) .

          وحديث عمرو بن عاصم الذي أنكره البرديجي وأبو حاتم كان مروياً معناه من طري أخرى كما سبق"([641]) .

          أما الرواية التي تشهد لحديث أنس فقد أخرجها الإمام مسلم في صحيحه عقيب حديث أنس مباشرة لتكون شاهداً له ، قال – رحمه الله - :

          " حدثنانصر بن علي الجهضمي ، وزهير بن حرب (واللفظ لزهير) قالا حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا شداد ، حدثنا أبو أمامة قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن قعود معه ، إذا جاء رجل فقال : يا رسول الله إني اصبت حداً فأقمه علي فسكت عنه ، وأقيمت الصلاة ، فلا أنصرف نبي الله صلى الله عليه وسلم قال أبو أمامة : فاتبع الرجل رسول الله حين انصرف ، واتبعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . انظر ما يريد على الرجل ، فلحق الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء ، قال بلى يا رسول الله ، قال : ثم شهدت الصلاة معنا ، فقال : نعم يا رسول الله ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن الله قد غفر لك حدك – أو قال – ذنبك"([642]) .

          مما سبق نلخص إلى أن هذا الحديث صحيح وإطلاق النكارة عليه من قبل بعض الأئمة كان في حدود اطلاعهم ، والله أعلم .

المثال الثالث :

          حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته"([643]) .

          فهذا الحديث تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، ثم اشتهر عنه ، حتى قال مسلم لما أخرجه في صحيحه : الناس كلهم عيال على عبد الله بن دينار في هذا الحديث .

          وقال الترمذي بعد تخريجه : حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار، رواه عنه شعبة وسفيان ومالك .

          قال الحافظ – رحمه الله - : "وقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرقه عن عبد الله بن دينار فأورده عن خمسة وثلاثين نفساً ممن حدث به عن عبد الله بن دينار"([644]) .

          فهذا الإسناد (أي عبد الله بن دينار عن ابن عمر) مشهور تروى به أحاديث كثيرة، لكن هذا المتن لم تصح روايته إلا بهذا الإسناد .

          ومن رواه من طريق أخرى غير هذه الطريق فقد وهم وغلط ن ومن هذه الروايات الخاطئة :

          رواية يحيى بن سلمي عن عبيد الله بن عمر عن نافع ، عن ابن عمر قال : "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء وهبته"([645]) .

          قال أبو عيسى : "والصحيح : عن عبد الله بن دينار ، وعبد الله بن دينار قد تفرد بهذا الحديث عن ابن عمر ، ويحيى بن سليم أخطأ في حديثه"([646]) .

          وقال الترمذي في جامعة بعد روايته لهذا الحديث : " ... هذا حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار عن بن عمر ، والعمل على هذا عند أهل العلم .

          وقد روى يحيى بن سليم هذا الحديث عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الولاء وهبته ، وهو وهم وهم فيه يحيى بن سليم وقد روى عبد الوهاب الثقفي ، وعبد الله بن نمير ، وغير واحد عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصح من حديث يحيى بن سليم"([647]) .

          ووجه الوهم هنا ينحصر في تغير لفظ نافع إلى لفظ عبد الله بن دينار ، وإن كان المتن واحداً في الروايتين لان هذا الحديث لا يعرف من رواية نافع عن ابن عمر ، ودليل خطئه مخالفته لأصحاب عبيد الله بن عمر ، فكلهم يجعله من رواية بن دينار عن ابن عمر قال ابن رجب –رحمه الله- وهو يتكلم على حديث عبد الله بن دينار " وهو معدود من غرائب الصحيح ، فإن الشيخين خرجاه ، ومع هذا تكلم فيه الإمام أحمد وقال : لم يتابع عبد الله بن دينار عليه ، وأشار إلى أن الصحيح ما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الولاء لمن أعتق"([648]) لم يذكر النهي عن بيع الولاء وهبته .

          قلت : وروى نافع عن ابن عمر من قوله : النهي عن بيع الولاء عن هبته غير مرفوع وهذا مما يعلل به حديث عبد الله بن دينار والله أعلم"([649]) .

          فالإمام أحمد استند في تعليله لهذا الحديث على جملة من الأمور :

          أولاً : تفرد عبد الله بن دينار عن ابن عمر بهذا الحديث دون سائر أصحاب ابن عمر كنافع وسالم وغيرهما .

          ثانياً : بعض أصحاب ابن عمر كنافع يروى في هذا الموضوع متناً مغايراً لما يرويه ابن دينار وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما الولاء لمن أعتق" ولم يذكر النهي عن بيع الولاء وهبته .

          ثالثاً : روى نافع عن ابن عمر "النهي عن بيع الولاء وهبته" لكن جعله موقوفاً على ابن عمر ولم يرفعه للنبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن نافعاً أحفظ أصحاب ابن عمر وقد ميز الموقوف من المرفوع ، يكون حديثه أصح ، هذه أهم الأمور التي استند عليها الإمام أحمد في تعليل حديث ابن دينار.

          ويفهم من كلام أحمد أن عبد الله بن دينار روى هذا الحديث بالمعنى ولم يلتزم باللفظ، وبهذا صرح أبو بكر بن العربي رحمه الله حيث قال في عارضة الأحوذي : "تفرد بهذا الحديث عبد الله بن دينار ، وهو من الدرجة الثانية من الخبر ، لأنه لم يذكر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه نقل معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن اعتق"([650]) .

          هذه هي الأسس والقرائن التي اعتمد عليها الإمام أحمد في استنكار هذا الحديث وتعليله. إذن ما هي الأسس التي اعتمد عليها البخاري ومن تبعه كمسلم والترمذي وغيرهم في تصحيح هذا الحديث؟

          هذه الأسس والقرائن التي اعتمد عليها هؤلاء الأئمة في تصحيح الحديث يمكن حصرها فيما يلي :

          1- إن هذا المتن الذي انفرد به عبد الله بن دينار لا يعارض غيره من الأحاديث التي وردت في هذا الموضوع سواء عن ابن عمر نفسه أو غيره كعائشة وما ورد في هذا الباب هو قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنما الولاء(*) لمن أعتق" وهو يفيد حصر الولاء في العتق، دون غيره من أسباب التمليك كالبيع والهبة . وقد أشار البخاري – رحمه الله – إلى تداخل الحديثين واتفاقهما في المعنى ، حيث ترجم في كتاب العتق ، "باب بيع الولاء وهبته" ، فأورد فيه حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، ثم أورد فيه حديث عائشة ، قال اشتريت بريرة . فاشترط أهلها ولاءها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعتقيها : فإن الولاء لمن أعطى الورق...".

          قال الحافظ : ووجه  دخوله في الترجمة من قوله في أصل الحديث : "فإن الولاء لمن أعتق" وهو وإن كان لم يسقه هنا بهذا اللفظ ، فكأنه أشار إليه كعادته ، ووجه الدلالة منه حصره في المعتق فلا يكون لغيره معه منه شيء"([651]) .

          2- إن مضمون هذا الحديث قد عمل به أهل العلم من فقهاء الصحابة والتابعين والأئمة رضي الله عنهم وهذا يعتبر شاهداً لصحته .

          وإلى هذا أشار الإمام الترمذي في جامعه ، فإن قال بعد روايته لهذا الحديث : "هذا حديث صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم"([652]) .

          وقال ابن عبد البر : اتفق الجامعة على العمل بهذا الحديث إلا ما روي عن ميمونة أنها وهبت ولاء سليمان يسار لابن عباس وروى عبد الرزاق ابن جريج عن عطاء : يجوز للسيد أن يأذن لعبده أن يوالي من شاء([653]) .

          وقال ابن بطال وغيره : جاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن عروة ، وجاء عن ميمون جواز هبته الولاء وكذا عن ابن عباس ، ولعلهم لم يبلغهم الحديث([654]) .

          3- ومما يدل أيضاً على صحة حديث عبد الله بن دينار في النهي عن بيع الولاء وهبته أنه ورد من طريق شعبة ومالك بن أنس وسفيان الثوري ، وحديث عبد الله بن دينار إذا ورد من طريق هؤلاء فهو صحيح .

          قال أبو جعفر العقيلي([655]) :

          " روى شعبة والثوري ومالك وابن عيينة عن عبد الله بن دينار أحاديث متقاربة عند شعبة نحو عشرين ، وعند الثوري نحو الثلاثين ، وعند مالك نحوها ، وعند ابن عيينة بضعة عشر حديثاً، فأما رواية المشايخ عنه فيها اضطراب"([656]) .

          وقال البريديجي :

          "أحاديث عبد الله بن دينار صحاح من حديث شعبة ومالك ، وسفيان الثوري"([657]) .

          ويمكن أن يقال أن الإمام أحمد تقيد بحرفية الحديث ، وأما الآخرون فنظروا إلى معنى الحديث فوجوده خالياً من التغاير عن مضمون الحديث الذي رواه نافع فصححوه .

          وهنا نجد ما يتفاضل به نافع عن عبد الله بن دينار من جهة التقيد بحرفية الحديث الذي يحدث به ابن عمر .

المثال الرابع :

          حديث عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "الإيمان ضع وستون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان"([658]) .

          أخرجه البخاري عن عبد الله بن محمد عن أبي عامر العقدي عن سليمان بن بلال به .

          وأخرجه مسلم عن عبد الله بن سعد ، وعبد بن حميد عن العقيد به .

          ورواه أيضاً زهير عن جرير بن حازم عن سهيل بن عبد الله عن ابن دينار به .

          رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن سهيل به .

          رواه الترمذي عن أبي كريب عن وكيع عن سيان عن سهيل به ، وقال حسن صحيح.

          ورواه النسائي عن محمد بن عبد الله المحرمي عن أبي عامر العقدي به .

          وعن أحمد بن سليمان عن أبي داود الحفري وأبي نعيم كلاهما عن سفيان به .

          وعن يحيى بن حبيب ، عن خالد بن الحارث عن ابن عجلان ببعضه "الحياء من الإيمان" .

ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي عن وكيع به،وعن عمرو بن نافع بن جرير به.

          وعن أبي بكر بن شيبة عن أبي جمالا الأحمر عن ابن عجلان نحوه .

          وهذا الحديث معدود من غرائب الصحيح ، فإنه تفرد به عبد الله بن دينار، عن أبي صالح ولم يتابعه عليه أحد ، ثم اشتهر عن عبد الله بن دينار ، ورواه عن جماعة من أصحابه كسهيل بن ابي صالح ، ومحمد بن عجلان ، وسليمان بن بلال ، وهؤلاء كلهم رواياتهم في الكتاب الستة ، كما سبق بيانه .

          وذكر ابن رجب عن العقيلي – وهو يتكلم عن أصحاب عبد الله بن دينار - :

          " ... وأما رواية المشايخ عنه ففيها اضطراب ، ثم ذكر منهم : يحيى بن سعيد ، وعبد العزيز بن الماجستون ، وسهيلاً بن عجلان(*) ويزيد بن الهاد ، وهؤلاء الثلاثة رووا عن عبد الله بن دينار عن ابي صالح عن أبي هريرة ، حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة قال : ولم يتابعهم أحد ممن سمينا من الأثبات ولم تابع عبد الله بن دينار عن أبي صالح عليه أحد"([659]) .

          وقد فسر الحافظ ابن رجب المراد من كلام العقيلي فقال :

          " وقوله العقيلي : لم يتابع عليه ن يشبه كلام القطان ، وأحمد والبرديجي في أن الحديث إذا لم يتابع روايه عليه فإنه يتوقف فيه أو يكون منكراً"([660]) .

          فالحافظ العقيلي يستنكر هذا الحديث ، وهذا الاستنكار مبني على جملة من الأمور هي :

1-             تفرد عبد الله بن دينار بالحديث ، إذ لم يتابعه عليه أحد .

2-             إن هذا الحديث إنما يرويه الشيوخ(*) من أصحاب عبد الله بن دينار ، ولم يتابعهم عليه الحافظ .

3-             وجود الاختلاف والاضطراب في رواية هؤلاء الشيوخ ، عن عبد الله بن دينار .

أما بالنسبة لتفرد عبد الله بن دينار الحديث فلا يضر إذ يضر إذ إن التفرد كان في الطبقات المتقدمة ، والتفرد في هذه الطبقات لا يضر إذ من شأن الحديث ألا ينشر كثيراً ولا تتعدد مخرجه ، وقد تقدم تفصيل هذا في المطلب الأول من هذا المبحث .

أما بالنسبة للنقطة الثانية : وهي تفرد الشيوخ بهذا الحديث .

نعم لم يرو الحافظ من أصحاب عبد الله بن دينار هذا الحديث ، كشعبة ومالك وسفيان وإنما رواه الشيوخ من أصحابه وهم :

سهيل بن عبد الله ، وسيهل بن ابي صالح ، ومحمد بن عجلان ، وسليمان بن بلال ، ويزيد بن الهاد .

          فأما سهيل بن عبد الله فهو ضعيف ، روى عنه الجماعة([661]) .

          وسهيل بن أبي صالح : صدوق تغير حفظه بآخره ، روى له البخاري مقروناً ، وتعليقاً ، وروى له بقية الجماعة([662]) .

          ومحمد بن عجلان : صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة([663]) .

          وسليمان بن بلال : ثقة روى عنه الجماعة([664]) .

          ويزيد بن عبد الله بن الهاد : ثقة مكثر ، روى عنه الجماعة([665]) .

          فهؤلاء الشيوخ فيهم الضعيف والصدوق والثقة ، حتى ولو سلمنا بأن هؤلاء جميعاً في مرتبة الشيوخ بالنسبة إلى ابن دينار ، فقد رووا جميعاً هذا الحديث عن عبد الله بن دينار عن أبي هريرة ، فيدل ذلك على أنهم قد حفظوا هذا الحديث .

          وأما بالنسبة للنقطة الثالثة : وهي وجود الاضطراب في رواية هؤلاء الشيوخ فما وجه هذا الاضطراب ؟ وهل يقدح في صحة هذا الحديث أم لا ؟

          قد ذكر العلامة العيني اختلاف الروايات في هذا الحديث ، وحاصله ما يلي :

          - اختلاف في العدد : فبعض الرواة قال بضع وستون ، أو بضع وسبعون على الشك، وبعضهم قال : بضع وسبعون ، وقال آخر : بعض وستون .

          - اختلاف في بعض الألفاظ : بعضهم قال : بضع وسبعون باباً ، وفي بعضها شعبة ، وورد في بعض الروايات : أرفعها وورد في روايات أخرى أفضلها([666]) .

          فهذا الاضطراب لا يقدح في صحة أصل الحديث وإن كان يقدح في ثبوت العدد، ولهذا نظائر وأمثلة في صحيح البخاري منها : حديث الواهبة نفسها .

          الذي يرويه أبو حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت : يا رسول الله : إني قد وهبت لك نفسي فقال رجل زوجنيها قال : زوجناكها بما معك من القرآن"([667]) .

          فقد اختلف الرواة على أبي حازم فقال مالك وجماعة : فقد زوجناكها ، وقال ابن عيينة : أنكحتكها ، وقال ابن أبي حازم ، ويعقوب بن عبد الرحمن : ملكتكها ، وقال الثوري : أملكتكها، وقال أبو غسان : أمكناكها .

          قال الحافظ : "المقطوع به أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل هذه الألفاظ كلها مرة واحدة تلك الساعة ، فلم يبق إلا أن يقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفظاً وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى والله أعلم "([668]) .

          فهذا الاختلاف لم يضر في ثبوت الحديث .

          فكذلك الاختلاف الواقع في حديث "الإيمان بضع وسبعون ..." لا يقدح في صحته . وإن كان الإمام البخاري – رحمه الله – قد اختار ورجح رواية "بضع وستون ..." فما هو الأساس الذي اعتمده في ترجيح هذه الرواية ؟ قد أشار إليه الحافظ بقوله : "ورجع البيهقي رواية البخاري لان سليمان لم يشك ، وترجيح رواية بضع وسبعون شعبة لكونها زيادة ثقة . كما ذكره الحليمي ثم عياض – لا يستقيم إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها ، لا سيما مع اتحاد المخرج، وبهذا يتبين شفوف نظر البخاري وقد رجح ابن الصلاح رواية الأقل لكونه المتيقن"([669]) .

          والذي يظهر لي إضافة إلى ما قاله الحافظ ، هو أن سليمان بن بلال أوثق ممن خالفه ، فهذه القرائن كلها مجتمعة ترجح رواية البخاري – رحمه الله - .

          ومما يدل على صحة هذا الحديث في الجملة ، أنه لا يعارض القرآن ولا السنة، بل يوافقهما لذا نجد الإمام البخاري ذكر قبل هذا الحديث آيتين في نفس معناه ، وهما قول تعالى : {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وأتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وأتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون}([670]) .

          وقوله تعالى : {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فعلون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأمناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}([671]) .

          قال الحافظ : "وكأن المؤلف (أي البخاري) أشار على إمكان عد الشعب من هاتين الآيتين وشبههما"([672]) .

          وأما الأحاديث في هذا المعنى فهي كثيرة جداً قد أوردها الأئمة في مصنفاتهم في أبواب الإيمان والسنة .

          مما سبق نستخلص أن البخاري لا يرى أن كل حديث تفرد ه رواية منكراً ، بل يراه صحيحاً مقبولاً إذا توفرت فيه الشروط التالية كلها أو بعضها :

1-             أن يكون الراوي المتفرد بالحدي ثقة حافظ .

2-             أن يكون التفرد في الطبقات المتقدمة ثم يشتهر في الطبقات المتأخرة .

3-             أن لا يعارض الحديث الثابت المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم .

4-             أن تكون له شواهد من القرآن الكريم أو الأحاديث المرفوعة .

5-             أن يكون ما تضمنه الحديث معمولاً به عند أهل العلم ولا يكون مجهوراً غير مستعمل.

وحسب وضوح هذه القرائن وكثرتها يكون الحكم على الحديث بالنكارة أو بالشهرة.

وهنا تختلف أحكام الأئمة النقاد حسب اجتهادهم واطلاعهم ، ومن خلال هذه الأمثلة المدروسة نطمئن إلى الأحاديث الواردة في صحيح البخاري ، ونعلم أنها منتقاة بدقة كبيرة .

قال ابن رجب بعد أن نقل الإمام أحمد أنه يستنكر ما تفرد به بريد بن عبد الله بن أبي بردة، ويزيد بن أنسية ، وإبراهيم التيمي .

قال ابن رجب بعد أن نقل الإمام أحمد أنه يستنكر ما تفرد به بريد بن عبد الله بن أبي بردة، وزيد من أنسية ، وإبراهيم التيمي .

" ... وأما تصرف الشيخين والأكثرين فيدل على خلاف هذا ، وان ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه وليس له علة فليس بمنكر ، وقد خرجا في الصحيحين حديث بريد بن عبد الله بن أبي بردة ، وحديث محمد بن إبراهيم التيمي وحديث زيد بن أبي أنسية([673]).

ثم نقل عن الإمام مسلم قوله في مقدمة صحيحه :

"حكم أهل العلم والذي يعرف من مذهبهم ، في قول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل الحفظ في بعض ما رواه ، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم ، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ، ليس عند أصحابه ، قبلت زيادته ، فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحافظ المتقنين لحديث وحديث غيره أو كمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل اعلم مبسوط مشترك وقد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على اتفاق منهم، في الكثرة ، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث ممن لا يعرف أحد من أصحابهما، وليس قد شاركهم في الصحيح الذي عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم"([674]) .

المطلب الثالث

نماذج لأحاديث أعلها الإمام البخاري بالتفرد

رأينا في النماذج السابقة أن التفرد من دلائل العلة ، ولكن قد يكون الحديث صحيحاً لقرائن أخرى تنضم إليه ، كما سبق تفصيله .

وفي هذا المطلب اذكر نماذج أخرى لما يتفرد به الراوي ، وتنضم إليه قرائن أخرى يكون الحديث معلولاً عند الإمام البخاري – رحمه الله - .

المثال الأول :

          حديث النبي صلى الله عليه وسلم " الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد"([675]) فمتن هذا الحديث معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة ، وقد خرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة ومن حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بطرق مختلفة . لكن هذا الحديث رواه كريب عن أبي أسامة عن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عن جده أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، والمؤمن يأكل في معي واحد"([676]) .

          وقد استغربه غير واحد من هذا الوجه ، وذكر أن أبا كريب تفرد به منهم البخاري وأبو زرعة ، وظاهر كلام أحمد يدل على استنكار هذا الحديث أيضاً([677]) .

          إذا علمنا أن أبا كريب([678]) المتفرد بالحديث ثقة حافظ روى له الجماعة فهل يتسنى لنا الاستدراك على هؤلاء الأئمة ونقول : إنه ثقة حافظ فلا يضر تفرده أم نبحث عن القرائن التي انضمت إلى هذا التفرد ، فجعلتهم يحكمون على الحديث بالغرابة ويستنكرونه .

وهذه القرائن هي :

1-             تفرد أبي كريب به عن أبي أسامة .

2-             تفرد أبي أسامة به عن بريد ز

3-             رواية أبي كريب هذا الحديث عن أبي أسامة حال المذاكرة .

وقد أشار البخاري – رحمه الله – إلى هذا القرائن فيما نقله عنه الترمذي ، حيث قال بعد رواية هذا الحديث من طريق أبي كريب :

" وسألت محمداً بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : هذا حديث أبي كريب عن أبي أسامة، فقلت : حدثنا غير واحد عن أبي أسامة بهذا فجعل يتعجب ويقول : ما علمت أن أحداً حدث بهذا غير أبي كريب ، قال محمد : وكنا نرى أن أبا كريب أخذ هذا الحديث عن أبي أسامة في المذاكرة"([679]) .

والذين رووا هذا الحديث عن أبي أسامة غير أبي كريب هم : أبو هشام الرفاعي وأبو السائب والحسين الأسود .

فلماذا لم يعتد النقاد بهؤلاء ويعتبروا حديثهم متابعة لأبي كريب تدفع عنه وصف التفرد بهذا الحديث ؟

لم يعتد النقاد بهذه الطرق ، لأنهم علموا عدم صحة سماع هؤلاء لهذا الحديث من أبي أسامة مباشرة ، وإنما سمعوه من أبي كريب وأضافوه إلى أبو أسامة .

قال الحافظ ابن رجب :

" وذكر لأبي زرعة من رواه عن أبي غير أبي كريب ، فكأنه أشار إلى أنهم أخذوه منه ، وحسين بن الأسود([680]) ، كان يهتم بسرقة الحديث ، وأبو هشام([681]) فيه ضعف"([682]) .

وكذلك تعجب الإمام البخاري لما قال له الترمذي حدثنا غير واحد عن أبي أسامة بهذا وقال: ما علمت أحداً حدث بهذا غير أبي كريب .

وأما القرينة الأخرى ، وهي أخذ أبي كريب لهذا الحديث حال المذاكرة فقد وضحها الحافظ ابن رجب يقول : "وما حكاه الترمذي عن البخاري هاهنا أنه قال : كنا نرى أن أبا كريب أخذ هذا عن أبي أسامة في المذاكرة ، فهو تعليل للحديث ، فإن أبا أسامة لم يرو هذا الحديث عنه أحد من الثقات غير أبي كريب ، والمذاكرة يحصل فيها تسامح بخلاف حال السماع والإملاء"([683]) .

المثال الثاني :

          حديث النهي عن الانتباذ في الدباء والمزقت([684]).

          هو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مشهور من رواية جماعة من الصحابة : ابن عباس وابن عمر وابن سعيد وأنس وأبي هريرة .

          ولكن ورد من رؤية شبابة عن شعبة عن بكير عن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء ولمزقت([685]) .

          (فهذا الحديث بهذا الإسناد غريب جداً وقد أنكره على شبابه طوائف من الأئمة منهم –أحمد والبخاري وأبوحاتم وبن عدي) ([686]) والترمذي أيضاً([687]) .

          وقد بين الترمذي بعض الجوانب التي من أجلها أعل النقاد فقال : بعد روايته له من طري شبابة.

          "هذا حديث غريب من قبل إسناد ولا يعلم أحد حدث به عن شعبة غير شبابه ، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه كثيرة أنه نهى أن ينتبذ في الدباء والمزقت ، وحديث شبابه إنما يستغرب لأنه تفرد ه عن شعبة ، وقد روى شعبة وسفيان الثوري بهذا الإسناد عن بكير بن عطاء بن روى شعبة وسفيان الثوري بهذا الإسناد عن بكير بن عطاء بن عبد الرحمن بن يعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الحج عرفة" فهذا الحديث المعروف عند أهل الحديث بهذا الإسناد"([688]) وتمثل هذه القرائن يما يلي :

1-             تفرد شبابة بهذا الحديث دون سائر أصحاب شعبة .

2-             شهرة هذا الحديث بغير هذا الإسناد .

3-             وجود حديث آخر عن شعبة روي بهذا الإسناد الذي تفرد به شبابه .

وفيما يلي تفصيل هذه النقاط :

إن تفرد شبابه عن شعبة بهذا الحديث بهذا الإسناد دون سائر أصحاب شعبة الحافظ الإثبات يثير ريبة في نفس الناقد ، نعم إن شبابه بن سوار ثقة([689]) . لكنه ليس من أثبت أصحاب شعبة ، كيحيى القطان وابن مهدي ومعاذ بن معاذ ، وخالد بن الحارث وغندر (محمد بن جعفر)([690]).

          هؤلاء كلهم لم يرووه من هذا الطري الذي رواه به شبابه .

          ولو نظرنا في الصحيحين نجد أن الثقات من أصحاب شعبة رووه من طرق عدة، ليس فيهما طريق شبابة .

          فأما البخاري فإنه يروي هذا الحديث في مواضع متعددة من صحيحه من طريق شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس ، حدث عن شعبة بذلك : علي بن الجعد([691]) ، وغندر([692]) ، والنضر بن شميل([693]).

          وأما الإمام مسلم فإنه توسع في ذكر طرق هذا الحديث عن شعبة([694]) .

          فقد أورده ن طريق شعبة عن الأعمش عن إبراهيم التيميي عن الحارث بن سويد عن علي حدث بذلك عن شعبة محمد بن جعفر .

          وأورده من طريق شعبة عن نصور وسليمان وحماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة حدث عن شعبة ذلك يحيى القطان .

          وأورده أيضاً من طريق شعبة عن يحيى العمراني عن ابن عباس ، حدث عن شعبة بذلك عبد الرحمن بن مهدي ، ومحمد بن جعفر .

وأورده من طريق شعبة عن محارب بن دثار عن ابن عمر حدث عنه بذلك محمد بن جعفر.

وأورده من طري شعبة عن عمر بن مرة عن زاذان عن ابن عمر حدث بذلك أبو داود ومعاذ بن معاذ .

          فهذه اشهر الطرق لهذا الحديث عن شعبة التي تداولها الثقات من أصحابه ، أما طريقة شبابة عن شعبة فلم يشتهر فيتداوله الثقات .

          أما بالنسبة للنقطة الثالثة وهي وجود حديث آخر عن شعبة بهذا الإسناد وهو "الحج عرفة"([695]) فهذا المتن هو الذي يعرف عن شعبة عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أي أن الحديث السابق انقلب إسناده على شبابة بن سوار فجعل إسناد هذا الحديث للحديث السابق .

          فهذه القرائن مجتمعة جعلت النقاد يحكمون على هذا الحديث بالنكارة وليس لمجرد التفرد.

          والنتائج التي نستخلصها مما سبق تتمثل فيما يلي :

1-             يعد التفرد من الدلائل القوية لعرفة علل الأحاديث .

2-             لا يكتفي النقاد بمجرد التفرد للحكم على الحديث بالنكارة أو الشذوذ ، بل لابد من وجود القرائن .

3-             إن هذه القرائن تختلف باختلاف الأحاديث ، وليس منحصرة .

4-      ليس للنقاد عمل مطرد في تفرد الراوي ، فلا يقبلونه مطلقاً ، ولا يردونه مطلقاً ، فهنالك بعض تفردات الرواة صححها البخاري وغيره وهذا النوع يسمى بغرائب الصحيح ، كما سبق بيانه في المطلب السابق وهناك تفردات حكم عليها البخاري بالنكارة كما بينته في هذا المطلب .

5-      قد تختلف أحكام النقاد على الأحاديث التي وقع فيها التفرد ، وهذا بناء على مدى إطلاعهم على طرق الحديث والقرائن المرجحة ، وليس اختلافاً في المنهج .

المبحث الثالث

المخالفة وأثرها في التعليل

مدخل : مقدمات نظرية (تعريف المخالفة ، أسبابها ، ضابطها ، وصورها ، أحكامها ، أثرها).

القسم الأول : الاختلاف في سياق الإسناد .

          المطلب الأول : الاختلاف في الوصول والإرسال .

          المطلب الثاني : الاختلاف في الرفع والوقوف .

          المطلب الثالث : الاختلاف في تسمية شيخ الراوي .

          المطلب الرابع : الاختلاف في زيادة راو في الإسناد وحذفه .

القسم الثاني : الاختلاف في سياق المتن .

          المطلب الأول : الاختصار .

          المطالب الثاني : الرواية بالمعنى .

          المطلب الثالث : الإدراج .

مقدمات نظرية :

تعريف المخالفة وذكر أسبابها :

          لم أجد لها تعريفاً ، وقد اجتهدت في تعريفها حسب ممارستي لكتب الحدي ولعلي ، فأقول:

          "هي أن يروي الرواة عن شيخهم حديثاً ما ، فيقع بينهم تغاير(*) في سياق إسناده أو متنه".

وسبب هذا التغاير في بعض الأحيان ، كثيرة طرق هذا الحديث واتساع الشيخ في الرواية، وأحياناً يكون سببه الوهم والغلط .

وتكثر المخالفة وتقل حسب كثرة تلاميذ الشيخ وقلتهم ، فكلما كثر أصحابه وتلاميذه كثر الاختلاف في حديثه ، وكلما قل أصحابه وتلاميذه قل الاختلاف في حديثه ، وهذا راجع إلى اختلاف مراتبهم في الضابط والإتقان وطول الملازمة للشيخ أو قلتها .

ضابطها :

          حتى يكون الاختلاف معتبراً يعين فيه أن يكون المخرج واحداً ز

          قال ابن الصلاح – رحمه الله - : "وينبغي في التعارض أن يكون المخرج واحداً وإلا فتعد الوجوه المختلفة طرقاً مستقلة"([696]) .

          قال الحافظ : "وقد فسر ابن العربي الحديث بأن يكون من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلده ، كقتادة في البصريين وأبي إسحاق السبيعي في الكوفيين وعطاء في المكيين ، وأمثالهم ، فإن حديث البصريين مثلاً إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مخرجه معروفاً ، وإذا جاء عن غير قتادة نحوه كان شاذاً والله أعلم"([697]) .

صور المخالفة :

          يقع الاختلاف بين الرواة في أمور كثيرة غير محصورة فيها ما يؤثر في القبول وفيها ما لا يؤثر فيه ، كاختلافهم في العبارات والألفاظ بحيث لا يغير المعنى المقصود وكذا في التقديم والتأخير، وصيغ التلقي مثل حدثنا وأخبرنا ونحوهما .

          وجدير بالذكر أن الاختلاف في صيغ التلقي يؤثر أحياناً في الصحة والقبول ، كالاختلاف في التصريح بالسماع بالنسبة إلى رواية من وصف بالتدليس أو الإرسال([698]) .

          وأما الاختلاف المؤثر فتارة يكون في السند وتارة يكون في المتن ، فالذي في السند يتنوع أنواعاً:

          تعارض الوصول والإرسال ، وتعارض الوقف مع الرفع ، وتعارض الاتصال والانقطاع ، وتعرض في شيخ الراوي ، مثلاً : أن يروي الحديث قوم عن رجل عن تابعي عن صحابي ، ويرويه غيرهم عن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي نفسه ، وتعارض في زيادة رجل في أحد الإسنادين ، وتعارض في اسم الراوي ونسبة إن كان متردداً بين ثقة وضعيف ، وتعارض في الجمع والإفراد في الرواية ، مثلاً : أن يروي الحديث قوم عن رجل عن فلان وفلان ويرويه غيرهم عن ذلك الرجل من فلان منفرداً .

          وأما الاختلاف في المتن فيتنوع أنواعاً : منها تعارض الإطلاق والتقييد ، وتعارض العموم والخصوص ، وتعارض الزيادة والنقص([699]) .

أحكامها :

          لقد اعتبر كثير من المتأخرين – عند وقوع الاختلاف بين الرواة في الوصول والإرسال والرفع والوقوف – أن الحكم للزائد إذا كان ثقة فيرجع الرفع على الوقف ، والوصل على الإرسال باعتبار أن كلاً من الرفع والوصل زيادة .

          وقد ذكر ابن الصلاح – رحمه الله – الخلاف في هذه المسألة ، وحاصله ما يلي :

          إذا تعارض الوصل والإرسال فالحكم للمرسل وقيل الحكم للأكثر ، وقيل الحكم للأحفظ، سواء أكان المخالف واحداً أم جماعة وصحح الخطيب البغدادي القول الأخير([700]) .

          ونقل الحافظ العلائي عن شيخه ابن الزملاكاني أنه فرق بين مسألتي تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف بأن الوصل في السند زيادة من الثقة فتقبل وليس الرفع زيادة في المتن فتكون علة([701]) .

          وهذه الأحكام العامة بالقبول أو الرد غير مسلمة في منهج المحدثين النقاد ، فإن مذهبهم ليس القبول مطلقاً أو الرد مطلقاً ، بل بحسب القرائن .

          قال الحافظ – رحمه الله - : "إن تعليلهم الموصول بالمرسل أو المنقطع ، والمرفوع بالموقف أو المقطوع ، ليس على إطلاقه ، بل ذلك دائر على غلبة الظن بترجيح أحدهما على الآخر بالقرائن التي تحفه"([702]) .

          وقال ابن دقيق العيد :

          " من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مرسل ومسند أو رافع وواقف أو ناقص أو زائد أن الحكم للزائد فلم يصب في هذا الإطلاق ، فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً ، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يعرف صواب ما نقول"([703]) .

          وقد جزم الحافظ العلائي فقال :

          " كلام الأئمة المقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث"([704]) .

          ويقول الحافظ السخاوي :

          " إنه لا يحكم في تعارض الوصل والرفع مع الإرسال والوقف بشيء معين ، بل إن كان من أرسل أو أوقف من الثقات أرجح قدم وكذا بالعكس"([705]) .

أثر المخالفة في التعليل :

          تعدّ المخالفة من الدلائل القوية التي تدرك بها العلة وقد سبق أن نقلت كلام ابن الصلاح في ذلك ، وأكرره هنا لأهميته ، قال – رحمه الله - :

          "ويستعان على إدراكها (أي العلة) بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك"([706]).

          ولا يمكن الوصول إلى العلة والكشف عنها إلا بجمع طرق الحديث المختلفة في سياق واحد، والنظر في كل راو من طبقات الإسناد هل تفرد أم خالف ، قال الخطيب – رحمه الله - :

          "السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه ، وينظر في اختلاف رواته ويعتبر بمكانهم في الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط"([707]) .

          والناظر في كتب العلل يلاحظ اشتمالها على ذكر طرق الحديث المختلفة ، والمقارنة بينها وذكر اختلاف الرواة فيما بينهم .

          وقد اهتم الأئمة النقاد بهذه المسألة وأصبحت من أهم معايير نقد الحديث والحكم على الرجال عندهم ، قال الإمام مسلم – رحمه الله - :

          " وعلامة المنكر في حديث المحدث ، إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى ، خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها ، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ، ولا مستعمله"([708]) .

          وقال أيضاً : "فبجمع هذه الروايات ، ومقابلة بعضها ببعض يتميز صحيحها من سقيمها، ويتبين رواة ضعاف الأخبار من أضداد هم من الحفاظ ، ولذلك أضعف أهل المعرفة بالحديث عمر بن عبد الله بن أبي خثعم وأشباههم من نقلة الأخبار لروايتهم الأحاديث المستنكرة التي تخالف روايات الثقات المعروفين من الحفاظ"([709]) .

          لهذا يحرص علماء الحديث ونقاده على استيعاب طرق الحديث ورواياته من أجل الوقوف على الأخطاء التي فيها والأوهام .

          قال ابن معين : "لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما عقلناه"([710]) .

          وقال أحمد : "الحديث إذا لم تجمع طرقه لم تهمه ، والحديث يفسر بعضه بعضاً"([711]) .

          وقال ابن المديني : "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه"([712]) .

          ولأهمية هذه المسألة جعلتها المحور الثاني لهذا الفصل ، وسأحرص على أخذ أحكامهم من خلال الواقع النقدي عند الإمام البخاري – رحمه الله – وقد قسمت هذا المبحث إلى قسمين :

          القسم الأول : الاختلاف في سياق الإسناد ، ويشمل المطالب التالية : الاختلاف في الوصل والإرسال ، الاختلاف في الرفع والوقف ، الاختلاف في تسمية شيخ الراوي ، الاختلاف في زيادة راو واحد وحذفه .

          القسم الثاني : الاختلاف في سياق المتن : ويشمل المطالب التالية : الاختصار ، الرواية بالمعنى ، الإدراج .


القسم الأول

الاختلاف في سياق الإسناد

المطلب الأول

الاختلاف في الوصل والإرسال

المثال الأول :

          قال البخاري – رحمه الله - : "حدثنا محمد بن خالد حدثنا محمد بن وهب بن عطية الدمشقي حدثنا محمد بن حرب حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير عن زيد بن سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال : "استرقوا لها فإن بها النظرة" .

          وقال عقيل عن الزهري : أخبرني عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، تابعه عبد الله بن سالم عن الزبيدي"([713]) .

          ورواه مسلم أيضاً قال : حدثني أبو الربيع سليمان بن داود حدثنا محمد بن حرب قال محمد بن الوليد به سنداً ومتناً([714]) .

          وقد ذكر الدارقطني هذا الحديث في كتابه التتبع وحكى الاختلاف في سنده وصلاً وإرسالاً ولم يحكم فيه بشيء([715]) .

          والاختلاف في الوصل والإرسال دائر بين محمد بن الوليد الزبيدي([716]) فقد وصل الحديث وعقيل([717]) فقد رواه مرسلاً ، والإمام البخاري هنا قد رجح الموصول وأشار المرسل وكذلك الإمام مسلم .

          فما هي القرائن التي اعتمد عليها الشيخان في ترجيح الطريق الموصولة على المرسلة ؟ .

          لقد أشار الحافظ – رحمه الله – إلى هذه القرائن في شرحه لهذا الحديث فقال :

          "واعتمد الشيخان في هذا الحديث على رواية الزبيدي لسلامتها من الاضطراب ، ولم يلتفتا إلى تقصير عقيل (*) فيه ، وقد روى الترمذي من طريق الوليد مسلم أنه سمع الأوزاعي يفضل الزبيدي على جميع أصحاب الزهري ، يعني في الضبط ، وذلك أنه كان يلازمه كيراً حضراً وسفراً ن وقد تمسك بهذا من رغم أن العمدة لمن وصل على من أرسل لاتفاق الشيخين على تصحيح الموصول هنا ، والتحقيق أنهما ليس لهما في تقديم الوصل عمل مطرد بل هو دائر مع القرينة ، فمهما ترجح بها اعتمداه ، وإلا فكم حديث أعرضا عن تصحيحه للاختلاف في وصله وإرساله"([718]) .

          وتتمثل هذه القرائن فيما يلي :

1-      سلامة رواية الزبيدي من الاضطراب وذلك لأنها وردت من طريق محمد بن حرب وهو حافظ ، وتابعه عليها عبد الله بن سالم الحمصي ، وهو حافظ أيضاً .

2-      إضافة إلى ذلك يعدّ الزبيدي من أثبت أصحاب الزهري – رحمه الله – وقد سئل الدار قطني عن اثبت أصحاب الزهري قال : "مالك ، وشعيب بن أبي حمزة وابن عيينة ، ويونس بن يزيد وعقيل والزبيدي"([719]) ، وإنما عد الزبيدي من اثبتهم لأنه كان طويل الملازمة للزهري سنداً وحفظاً .

3-      إن تقصير عقيل في إسناد هذا الحديث يمكن أن يكون سببه الوهم والنسيان ، ويمكن أن يكون سببه الشك وهذا الأخير أرجح وذلك أن الحفاظ المتقنين إذا شكوا قصورا في الأسانيد .

المثال الثاني :

          قال البخاري – رحمه الله - : "حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثني محمد بن مقاتل ، أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال : لما قلنا من حنين سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم ن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بوفاته.

          وقال بعضهم : حماد عن أيوب نافع عن ابن عمر .

          ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم"([720]) .

          وقد ذكر الدارقطني – رحمه الله – هذا الحديث في كتابه التتبع وذكر الاختلاف فيه ، ولم يحكم فيه بشيء قال رحمه الله : "وأخرجه البخاري عن أبي النعمان عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال : نذرت نذراً مرسلاً ووصله حماد بن سلمة وجرير بن حازم ومعمر عن أيوب.

          ووصله عبد الله عن نافع"([721]) .

          فهذا الحديث فيه اختلاف بين أصحاب أيوب فقد أرسله حماد بن زيد ، ووصله حماد بن سلمة وجرير بن حازم ومعمر .

          والبخاري – رحمه الله - : "إنما أورد طريق حماد بن زيد المرسلة للإشارة إلى أن رواية مرجوحة لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه فوصلوه ، بل بعض أصحاب حماد بن زيد رواه موصولاً كما أشار إليه البخاري هنا "([722]) .

          والقرائن التي اعتمد عليها البخاري في ترجيح الرواية المتصلة على المرسلة تتمثل فيما يلي :

          1- وجود الاضطراب في رواية حماد بن زيد فقد رواه عنه أبو النعمان ، مرسلاً كما هو عند البخاري ، وكذا أورده الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب ، وأبي الربيع الزهراني ، وخلف بن هشام كلهم عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر كان عليه اعتكاف في الجاهلية([723]) .

          ويرويه بعض أصحاب حماد بن زيد موصلاً ، وهو أحمد بن عبيد الضبي ، كما هو في رواية الإسماعيلي وعند مسلم – ولم يسق لفظه([724]) – وعند ابن حزيمة([725]) .

          فأصحاب حماد بعضهم يرويه مرسلاً وبعضهم يرويه موصولاً ، وهذا مما يوهن رواية حماد بن زيد .

          2- إذا سلمنا أن هذه الطريق إنما وردت عن حماد بن زيد مرسلة لكثرة من رواها كذلك فهي معارضة برواية غيره ممن رواه عن أيوب مسنداً وهم أكثر عدداً ممن رواه موصولاً، وهذه الروايات المعارضة لرواية حماد بن زيد هي :

1-      رواية جرير بن حازم أشار إليها البخاري وقد وصلها مسلم وغيره من رواية ابن وهب عن جرير بن حازم أن أيوب حدثه أن نافعاً حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه أن عمراً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ...

2-      رواية حماد بن سلمة وقد أشار إليه البخاري أيضاً ووصله مسلم من طريق حجاج بن منهال قال حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب مقرونة برواية محمد بن إسحاق كلاهما عن نافع عن ابن عمر([726]) .

3-             رواية معمر وقد وصلها البخاري ومسلم([727]) .

4-             رواية سفيان الثوري وقد وصلها النسائي([728]) .

فتكون رواية هؤلاء الجماعة أرجح ، لا لكونهم جماعة ولكن بانضمام القرائن ، وهي في رواية حماد بن زيد والقرينة الثالثة .

3- إن حماد صاحب حفظ وليس صاحب كتاب ، ومن عادته أنه ينقص من الحديث إذا طرأ له شك .

4- القرينة الرابعة التي ترجح الطريق الموصولة على المرسلة هي كون الحديث محفوظاً عن نافع موصولاً وقد تابع أيوب على وصله عبيد بن عمر وقد اخرج روايته البخاري وغيره([729]).

المثال الثالث :

          حديث " لا نكاح إلا بولي " الذي يرويه أبو إسحاق السبيعي([730]) .

          هذا الحديث اختلف في وصله وإرساله ، فقد رواه إسرائيل بن يونس([731]) في آخرين : عن جدة أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن أبيه أبي موسى الأشعري عن الرسول صلى الله عليه وسلم مسنداً متصلاً .

          ورواه سفيان الثوري([732]) وشعبة([733]) عن أبي إسحاق عن بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً وسئل البخاري – رحمه الله – عن هذا الحديث ، فحكم لمن وصله وقال : الزيادة من الثقة مقبولة([734]) .

          وقد احتج الخطب البغدادي بهذا على أنه إذا ورد الحديث مرسلاً ومتصلاً فالحكم لمن أوصله إذا كان ثقة وتبعه على ذلك ابن الصلاح في مقدمته ، محتجاً بصنيع الإمام البخاري في ترجيح الموصول على المرسل هنا ، مع أن من أرسله شعبة وسفيان ، وهما جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية([735]) .

          فهل يصح أن نأخذ من هذا حكماً كلياً ننسبه إلى الإمام البخاري ونعده منهجاً له كما فعل الخطيب رحمه الله وتبعه على ذلك ابن الصلاح وكثير من المتأخرين ؟

          لقد تعقب الحفاظ ابن رجب الخطيب في هذه المسألة وتبين أنها لا تأخذ كحكم كلي مطرد وهذا من خلال الاستقراء لصنيع الإمام البخاري في كتابه التاريخي الكبير فقال : "وهذه الحكاية إن صحت فإنما مراده الزيادة في هذا الحديث ، وإلا فمن تأمل كتاب تاريخ البخاري، تبين له قطعاً أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة"([736]) .

          وبين ابن رجب أن هذا ليس منهجاً للبخاري فحسب بل هو منهج غيره من الأئمة النقاد فقال: "وهكذا الدارقطني يذكر في بعض المواضع أن الزيادة من الثقة مقبولة ، ثم يرد في اكثر المواضع زيادات كثيرة من الثقات ، ويرجح الإرسال على الإسناد فدل على أن مرادهم زيادة في تلك المواضع الخاصة وهي إذا كان الثقة مبرزاً في الحفظ"([737]) .

          فالحافظ رد على الخطيب ومن تبعه رداً مجملاً مبيناً أن قبول زيادة الوصل إنما هو لقرائن خاصة في مواضع خاصة ولم يفصل في ذكر تلك القرائن في هذا الحديث .

          وقد رد أيضاً على الخطيب ومن تبعه كابن الصلاح ، الحافظ ابن حجر –رحمه الله- فقال:

          "لكن الاستدلال بأن الحكم للواصل دائماً على العموم من صنيع البخاري في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم ، لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة، وإنما حكم عليه بالاتصال لمعان أخرى رجحت عناه حكم الوصل"([738]) .

ثم ذكر هذه القرائن فقال :

"منها : أن يونس ابن أبي إسحاق([739]) وابنيه إسرائيل([740]) وعيسى([741]) رووه عن ابن إسحاق موصولاً ، ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيره .

ووافقهم على ذلك أبو عوانة([742]) وشريك النخعي([743]) وزهير بن معاوية([744]) وتمام العشرة من أصحاب أبي إسحاق ، مع اختلاف مجالسهم في الأخذ وسماعهم إياه من لفظه .

وأما رواية من أرسله وهما شعبة وسفيان ، فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد، فقد رواه الترمذي فقال :

حديث محمود بن غيلان ، ثنا أبو داود ثنا شعبة قال : سمعت سفيان يسأل أبا إسحاق سمعت أبا بردة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا نكاح إلا بولي" فقال : نعم([745]).

فشعبة وسفيان إنما أخذاه معاً في مجلس واحد ، كما ترى ، ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجلس متعددة على ما أخذ عنه عرضاً في مجلس واحد .

هذا إذا قلنا حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين ، مع أن الشافعي رضي الله عنه يقال : "العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد" .

فبين أن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ليست مع المرسل بل لما يظهر من قرائن الترجيح ، ويزيد ذلك ظهوراً تقديمه للإرسال في مواضع أخرى([746]) .

ثم ذكر حديثاً قال فيه البخاري : الصواب قول مالك مع إرساله ، ثم قال عقبه : "فصوب الإرسال هنا لقرينة ظهرت له فيه ، وصوب المتصل هناك لقرينة ظهرت له فيه ، فتبين أنه ليس له عمل مطرد في ذلك والله أعلم"([747]) .

وممن صحح الوصل ي هذا الحديث الترمذي – رحمه الله – في جامعه وعلله ، وصححه أيضاً ابن حبان والحاكم .

وأسند الحاكم من طريق علي ابن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث إسرائيل([748]) وقال الحافظ ، بعد أن ذكر كلام الترمذي على هذا الحديث :

"ومن تأمل ما ذكرته عرف أن الذين صححوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كوه زيادة ثقة فقط ، بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل على غيره"([749]) .

سبق أن ذكرت أن الإمام الترمذي قد صحح وسل هذا الحديث في جامعة وعلله الكبير معتمداً على القرائن السابقة التي فصلها الحافظ – رحمه الله – لكن محقق العلل الكبير تحامل على الترمذي ومن وافقه من الأئمة في تصحيح الطريق الموصولة على المرسلة ورماهم بالتعصب المذهبي واتباع الهوى قال : "قد حاول كثيرون تصحيح هذا الحديث ووصله وسلكوا في ذلك كل مسلك لحاجة في أنفسهم أساسها التعصب المذهبي والعياذ بالله"([750]) .

وقال أيضاً : "ما صحح هذا الحديث أحد إلا لهوى في نفسه والعياذ بالله"([751]) .

وما حجته في ذلك إلا مجرد أن هؤلاء الذين خالفوا شعبة وسفيان فيهم بعض الضعف واللين ، وأما الثقات منهم فقد رووا عن أبي إسحاق لما تغير ، وأن إسرائيل ومن تابعه على وصل الحديث ولو كان معهم أمثالهم لا يقفون بجانب شعبة وحده ، فكيف ومعه سفيان الثوري .

هذه هي حجته ، ويا ليته كف لسانه عن الخوض في أعراض هؤلاء الأئمة والطعن في نياتهم ، ورواءه الطعن في عملهم ومنهجهم .

أقول : إن الترمذي ومن معه من الأئمة الأعلام كالبخاري والحاكم وابن المديني والذهلي وغيرهم ممن صحح وصل هذا الحديث قد علموا أن شعبة والثوري أحفظ من هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث ، وهذا قد صرح به الترمذي نفسه في جامعه([752]) لكن شريك وإسرائيل هما من اثبت أصحاب أبي إسحاق بعد شعبة والثوري([753]) .

فهؤلاء الحفاظ النقاد الذين لا شك في صدقهم وأمانتهم على الدين ، لما صحوا هذا الحديث لم يكن بناء على ظاهر الإسناد وأحوال الرواة  لأن الثقة قد يخطئ كما أن الضعيف قد يصيب فكيف لو كانوا عشرة أو أكثر فيهم الثقات والضعفاء وسمعوا في مجالس متعددة وأوقات مختلفة . نعم منهم من روى عن أبي إسحاق بعد الاختلاط والتغير ولكن اتفاقهم على وصل هذا الحديث مع كثرة عددهم وأخذهم في أوقات ومجالس متعددة مما يدل على أن أبا إسحاق كان يروي هذا الحديث موصولاً ، ويمكن أن يكون أرسله أحياناً فسمعه منه شعبة وسفيان فروياه كما سمعاه ، فيكون الحكم لمن أوصله ، وهو العلم والعدل ، وليس هو التعصب والهوى .

ثم قال : "وقد أراح البخاري ومسلم نفسيهما وأراحا الناس بعدم ذكر مثل هذا الحديث في كتابيهما"([754]) .

نعم لم يذكر البخاري هذا الحديث في كتابه مسنداً ولكن ترجم لما يدل عليه صراحة فقال في كتاب النكاح : "باب من قال لا نكاح إلا بولي" وذكر فيه آيات وأحاديث تدل على اشتراط الولي في النكاح ، قال الحافظ – رحمه الله – في شرحه لهذه الترجمة :

"استنبط المصنف هذا الحكم من الآيات والأحاديث التي ساقها لكون الحديث الوارد بلفظ الترجمة ليس على شرطه"([755]) .

والظاهر أن المعلق لم يدرك أن النقاد إذا حكموا بترجيح الموصول على المرسل أو العكس، فإن ذلك لا يقتضي صحة الحديث في نفس الأمر ، وإنما هو حكم بما هو الصواب المطابق للواقع ، أي كيف حدث هذا الراوي المختلف عليه في الحديث ، ثم الحكم على الحديث بعد ذلك قوة أو ضعفاً متوقف على النظر في كل شروط الصحة الأخرى .

ولعل البخاري لم يخرج هذا الحديث مسنداً ، لضعف بعض رواته ، أو لوجوه الاختلاف فيه، وإخراج ما هو مجمع على صحته أولى ، إذا كان في نفس معناه ، كما هو الحال في هذه المسالة فقد أورد فيها الإمام البخاري ثلاث آيات وأربعة أحاديث صحيحة .

وعلى العموم حديث " لا نكاح إلا بولي " أقل أحواله أن يكون حسناً مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكثرة شواهده وقد أشار إليها الترمذي بقوله : "وفي الباب عن عائشة وابن عباس وأبي هريرة وعمران بن حصين وأنس"([756]) والجمهور على العمل به ومنهم سفيان الثوري رحمه الله ولم يخالف في ذلك إلا أبو حنيفة – رحمه الله - .

أمثلة لأحاديث رجح فيها الإمام البخاري الإرسال على الوصل :

          ذكرت في الأمثلة السابقة أحاديث رجح فيها الإمام البخاري الوصل على الإرسال وقد نقلت من أقوال الحافظ المتأخرين ما يدل على أن هذا ليس عملاً مطرداً للإمام البخاري ، وادعم تلك النقول بهذين المثالين مما رجح فيه البخاري الإرسال على الوصل بالرغم من أن الواصل ثقة.

المثال الأول :

          ما رواه الثوري عن محمد بن أبي بكر بن حزم عن الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن شئت سبعت لك"([757]) .

          ورواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها : "ليس بك على أهلك هوان ، إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن ، وإن شئت ثلثت عندك ودرت" فقالت : ثلث([758]) .

          فالخلاف بين مالك والثوري ، فالثوري أوصله ، ومالك أرسله ، والثوري ثقة إمام حافظ ومع ذلك قال الإمام البخاري في تاريخه :

          "الصواب قول مالك مع إرساله"([759]) .

          ويظهر أن الثوري سلك فيه الجادة ، والله أعلم .

المثال الثاني :

          حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : "قضى باليمين مع الشاهد" فهذا الحديث اختلف فيه على جعفر بن محمد .

          قال عبد الوهاب الثقفي : عن جعفر عن أبيه ، عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قضى باليمين مع الشاهد"([760]) وتابعه إبراهيم بن أبي حية([761]) .

          وقال يحيى بن سليم وعبد العزيز بن سلمة ، رواية شبابة بن سوار عنه ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم "قضى باليمين والشاهد"([762]) .

          قال الترمذي – رحمه الله - :

          " سألت محمداً عن هذا الحديث ، فقلت : أي الروايات أصح ؟ فقال : أصحه حديث جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ومرسلاً"([763]) .

          وقد تبع الإمام الترمذي البخاري في هذا الحكم ، فقد قال في جامعه بعد روايته هذا الحديث وذكر الاختلاف فيه "حدثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين والشاهد الواحد ، قال : وقضى بها على فيكم ، وهذا أصح ، وهكذا روى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً"([764]) .

          وقد وافقهم على ترجيح الإرسال في هذا الحديث الإمامان أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان –رحمهما الله تعالى- قال ابن أبي حاتم : "وسألتهما عن حديث رواه عبد الوهاب الثقفي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين ، فقالا : أخطأ عبد الوهاب في هذا الحديث ، إنما هو عن جعفر عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم : مرسلاً"([765]) .

          فلماذا رجح البخاري وغيره من الأئمة الإرسال في هذا الحديث بالرغم من أن الذي وصله ثقة فإن عبد الوهاب الثقفي الذي وصله ثقة روى له البخاري وسائر الجماعة([766]) .

          وقد تابعه على الوصل جماعة هم :

          السري بن عبد الله السلمي ، وعبد النور بن عبد الله بن سنان ، وحميد بن الأسود ، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير وغيرهم([767]) .

          وقال الترمذي بعد روايته لهذا الحديث عن عبد الوهاب الثقفي ، وتابعه إبراهيم بن أبي  حية([768]) ولم يصح هنا أن تقبل زيادة عبد الوهاب الثقفي ومن تابعه في وصل هذا الحديث ، لأنهم خالفوا من هو أوثق وأثبت منهم في هذا .

          وهم : مالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، وابن جريج ، والدراوردي ، وإسماعيل بن جعفر، وعبد الله بن جعفر ، فكل هؤلاء رووه مرسلاً([769]) .

          تنبيه : لقد خالف بعض الأئمة النقاد في هذا الحكم ورجحوا الرواية المتصلة على المرسلة فمن هؤلاء الدارقطني – رحمه الله – فقد قال بعد روايته طريق الثقفي ومن تابعه :

          "والحكم يوجب أن يكون القول قولهم، لأنهم زادوا وهم ثقات وزيادة الثقة مقبولة"([770]) .

          وقال الشافعي والبيهقي : "عبد الوهاب وصله وهو ثقة"([771]) .

          ولقد صحح حديث جابر الموصول أبو عوانة وابن خزيمة أيضاً([772]) .

          وليس المقام هنا مقام مناقشة هؤلاء الأئمة فيها ذهبوا إليه ، وإنما القصد بيان أنه ليس لإمام البخاري طريقة مطردة في ترجيح الوصل على الإرسال أو العكس ، وإنما الأمر تابع للقرائن دون مجرد الاكتفاء بالنظر في ظاهر الإسناد وأحوال الرجال .

          وإن كنت أميل إلى ما رجحه البخاري والترمذي وأبو حاتم وأبو زرعة بتصويب الحكم بالإرسال ي هذا الحديث على الوصل ، للقرائن السابقة والكل مأجور على اجتهاده ، والله أعلم.

 

المطلب الثاني

الاختلاف في الرفع والوقف

          قد يختلف الرواة فيما بينهم فيرفع أحدهم حديثاً ويقفه الآخر أو العكس . وقد سبق في كلام الأئمة ما يفيد أنه لا يحكم في هذه المسألة بحكم كلي مطرد من تقديم الرفع على الوقف على اعتبار أن الرفع زيادة من الثقة فتقبل كما ذهب إليه كثير من المتأخرين ، وإنما الأمر دائر مع القرائن والمرجحات فتارة يرجع الوقف وتارة يرجح الرفع ، وهذه أمثلة من صنيع الإمام البخاري توضح هذا الأمر .

أمثلة لأحاديث رجح فيها البخاري الرفع على الوقف :

المثال الأول :

          قال الإمام البخاري "حدثنا أحمد بن يونس حديثنا ابن أبي ذنب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إنكم ستحرصون على الإمارة وتكون ندامة يوم القيامة ، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة" .

          وقال محمد بن بشار : حدثنا عبد الله بن حمران حدثنا عبد الحميد بن جعفر بن سعيد المقبري عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة ... قوله"([773]) .

          وقد ذكر الإمام الدارقطني – رحمه الله – هذا الحديث في كتابه "التتبع" فقال :

          "وأخرج البخاري حديث ابن أبي ذنب عن سعيد عن أبي هريرة : "سترحصون على الإمارة وتكون خزي وندامة ، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة" .

          وقد رواه عبد الحميد بن جعفر بن سعيد المقبري عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة موقوفاً غير مرفوع"([774]) .

          فالدارقطني – رحمه الله – ذكر الخلاف الذي ذكره البخاري ولم يحكم بشيء .

          والخلاف هنا بين ابن أبي ذنب([775]) وعبد الحميد بن جعفر([776]) فقد اختلفا عن شيخهما سعيد المقبري قابن أبي ذنب يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الحميد زاد فيه رجلاً ووقفه على أبي هريرة .

          والإمام البخاري رجح هنا رواية ابن أبي ذنب على رواية عبد الحميد بن جعفر لأنه روى الأولى مسندة تامة ، ثم عقبها بالرواية الثانية .

          قال الحافظ – رحمه الله - :

          "وابن أبي ذئب أتقن من عبد الحميد وأعرف بحديث المقبري منه ، فروايته هي المعتمدة، وعقبه البخاري بطريق عبد الحميد إشارة منه إلى إمكان تصحيح القولين"([777]) .

          فالترجيح هنا رواية ابن أبي  ذنب باعتبار أنه أتقن واثبت وأعرف بحديث المقبري من عبد الحميد بن جعفر .

          قال ابن معين : "أثبت الناس في سعيد ابن أبي ذئب"([778]) .

          وقال ابن المديني : "الليث وابن أبي ذئب ثبتان في حديث سعيد المقبري"([779]) .

          وقد مال الحافظ إلى أن البخاري يشير إلى إمكان تصحيح الروايتين معاً ، وذكر لذلك أوجهاً كلها مبنية على مجرد الاحتمال والتجويز العقلي .

          قال – رحمه الله - : "فلعله كان عند سعيد عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة موقوفاً ، على ما رواه عبد الحميد ، وكان عنده عن أبي هريرة بغير واسطة مرفوعاً ، إذ وجدت عند كل من الروايتين عن سعيد زيادة ، ورواية الوقف لا تعارض رواية الرفع لأن الراوي قد ينشط فيسند وقد لا ينشط فيقف"([780]) .

          إن احتمال وجود هذا الحديث عن سعيد مرفوعاً وموقوفاً احتمال ضعيف ، لأن مبنى هذا الاحتمال على رواية هذا عبد الحميد وهي مخالفة لرواية من هو أثبت وأتقن وأعرف منه بحديث سعيد ، فتكون روايته خاطئة وشاذة ، ومما يقوي الخطأ في روايته أنه زاد فيها رجلاً لم يذكره ابن أبي  ذنب .

          وقول الحافظ " إذا وحدت عند كل من الروايتين زيادة" لا يبرر قبول زيادة عبد الحميد في الإسناد رجلاً ، والواقع أن ابن أبي ذئب حدث كما سمع ولم يزد شيئاً وإنما عبد الحميد هو الذي زاد ونقص .

          وعلى التسليم بقبول زيادة ابن أبي ذنب الرفع في هذا الحديث ، لا يبرر قبول زيادة عبد الحميد رجلاً في الإسناد ، لأنه ليس عنده من الوثاقة والحفظ ما يرشحه لقبول زيادته ، وخاصة وقد خالف فيها من هو أثبت منه واحفظ .

          وقول الحافظ : "ورواية الرفع لا تعارض رواية الوقف" .

          كلا بل الوقف يعارض الرفع ، لأن الوقف معناه أن الحديث من قول الصحابي ، والرفع معناه من قول النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون الحديث الواحد بالإسناد الواحد قولاً للصحابي وقولاً للرسول صلى الله عليه وسلم في آن واحد .

ثم قال الحافظ : "لأن الراوي قد ينشط فيسند ، وقد لا ينشط فيقف" . ليس هذا فحسب بل هناك أسباب أخرى منها :

-                   أن الراوي قد يخطئ ويهم ، فيرفع ما يقفه غيره ، أو يقف ما يرفعه غيره .

-        ومنها أن الراوي قد يشك فيقف الحديث وهذا دأب كثير من الثقات فإنهم إذا شكوا في الحديث وقفوا أو أرسلوه ، والظاهر هنا في هذا الحديث أن عبد الحميد أخطأ في وقفه ، والله تعالى أعلم .

المثال الثاني :

          قال البخاري – رحمه الله - :

          " حدثنا مطر بن الفضل حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا العوام ، حدثنا إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي قال : سمعت أبا بريدة واصطحب هو يزيد بن أبي  كبشة في سفر ، فكان يزيد يصوم في السفر ، فقال له أبو بريدة : سمعت أبا موسى مراراً يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذ مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً"([781]) .

          وقد ذكر الحافظ الدارقطني هذا الحديث في "التتبع" وبين الاختلاف في رفعه ووقفه فقال: "وأخرج البخاري حديث العوام بن حوشب عن إبراهيم السكسكي عن أبي بريدة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل يعمل صحيحاً مقيماً" لم يسنده غير العوام ، وخالفه مسعر : رواه عن إبراهيم السكسكي عن أبي بردة قوله ولم يذكر أبا موسى ولا النبي صلى الله عليه وسلم([782]) .

          وقد أجاب الحافظ عن انتقاد الدارقطني وبين القرائن التي من أجلها رجح البخاري رواية العوام المسندة المرفوعة على رواية مسعر الموقوفة فقال :

          "مسعر أحفظ من العوام بلا شك ، إلا أن مثل هذا لا يقال بالرأي فهو في حكم المرفوع، وفي السياق قصة تدل على أن العوام حفظه ، فإن فيه اصطحب يزيد بن أبي كبشة ، وأبو بردة في سفر فكان يزيد يصوم في السفر فقال له أبو بردة : أفطر فإني سمعت أبا موسى مراراً فذكره . وقد قال أحمد بن حنبل : إذا كان في الحديث قصة دل على أن رواية حفظه ، والله أعلم"([783]) .

          فالقرائن المعتمدة في ترجيح الرفع هي ما يلي :

1-             إن هذا الحديث ليس من بل الرأي فيعطي حكم الرفع ز

2-             في الحديث قصة تدل على أن العوام حفظ الرفع في هذا الحديث .

فالترجيح لم يكن لمجرد أحوال الرجال لأن مسعراً([784]) أحفظ من العوام([785]) فلو كان الترجيح لمجرد حال الإسناد لكان الحكم لرواية مسعر لكن لوجود هذه القرائن رجحت رواية العوام وإن كان دون مسعر في الحفظ .

أمثلة لأحاديث رجح فيها البخاري الوقف على الرفع :

     هناك أمثلة كثيرة لأحاديث رجح فيها الإمام البخاري الوقف على الرفع ، لقرائن معتبرة منها الأحفظية أو كثرة العدد أو غيرها ، وفيما يلي مثالين على ذلك :

المثال الأول :

     ما رواه أبو كريب ، حدثنا يحيى بن آدم عن أبي  بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : "صلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل"([786]) .

     قال الترمذي في علله الكبير :

     " سألت محمد عن هذا الحديث فقال : رواه إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً"([787]) .

     وقال الترمذي في جامعة :

     " وحديث أبي حصين ، عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم غريب"([788]) .        

فهذا الحديث اختلف فيه أبو بكر بن عياش([789]) مع إسرائيل([790]) فالأول رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والثاني وقفه على أبي هريرة .

وقد رجح البخاري – رحمه الله – رواية إسرائيل الموقوفة ، على رواية أبي بكر بن عياش المرفوعة مما يخشى أن يكون أبو بكر بن عياش وهم فيه لأنه لما كبر ساء حفظه .

المثال الثاني :

          ما رواه إبراهيم بن سعيد ، حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن سفيان ، عن خالد الحذاء ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم([791]) .

          قال الترمذي – رحمه الله - :

          " سألت محمداً عن هذا الحديث فقال : حديث إسحاق الأزرق ، عن سفيان هو خطأ"([792]).

          وهذا يبين أنا الإمام الترمذي حكم على الرواية المرفوعة بالوهم .

          ثم قال الترمذي : "وحديث أبي  المتوكل عن أبي سعيد موقوفاً أصح ، هكذا روى قتادة وغير واحد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قوله .

          حدثنا إبراهيم بن سعيد ، حدثنا ابن علية ، عن حميد (وهو الطويل) عن أبي  المتوكل عن أبي سعيد مثله ولم يرفعه"([793]) .

          وقال البزار : لا نعلم أحداً رفعه إلا إحساق([794]) عن الثوري .

          وقال ابن خزيمة : إنما هو من قول أبي  سعيد الخدري لا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الحديث قد رواه قتادة([795]) وحميد الطويل([796]) وغيرهما من الثقات عن أبي المتوكل عن أبي سعيد موقوفاً عليه .

          فالإمام البخاري حكم على الرواية المرفوعة بالخطأ لأنها مخالفة لرواية جامعة من الحفاظ .

          ولم يتفرد الإمام البخاري بهذا الحكم فقد تبعه عليه كل من الإمام الترمذي –رحمه الله- والبزار وابن خزيمة وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين .

          قال ابن أبي حاتم : "سألت أبي  عن حديث رواه معتمر ابن سليمان عن حميد الطويل عن أبي المتوكل عن أبي سعيد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرخص في الحجامة والمباشرة للصائم .

          فقال (أبو حاتم ، وأبو زراعة) : هذا خطأ إنما هو عن أبي سعيد قوله ، رواه قتادة وجماعة من الحفاظ عن حميد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد قوله .

          قلت : إن إسحاق الأرزق ، رواه عن الثوري عن حميد عن أبي  المتوكل عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم .

          قالا : وهم إسحاق في الحديث .

          قلت : قد تابعة معتمر .

          قالا : وهم فيه أيضاً معتمر"([797]) .

          في الأمثلة السابقة أمكن ترجيح الرفع على الوقف أو العكس حسب القرائن والمرجحات، لكن هناك أحاديث تختلف في الرفع والوقف ، فيرجح بعض النقاد الوقف ، بعضهم يرجع الرفع ويرجح آخرون صحة الطرفين معاً .

          وأضرب لذلك مثلاً من صنيع الإمام البخاري – رحمه الله - .

          حديث الزهري عن سالم ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "من باع عبداً ..." فهذا الحديث اختلف فيه على ابن عمر . فسالم يرويه هكذا : "من باع عبداً ، وله مال ، فماله للمبتاع ، ومن باع نخلاً مؤبراً فتمره للبائع إلا أن يشترط المبتاع"([798]) .

          بينما نافع يقول عن ابن عمر قال : "من باع عبداً ، وله مال ، فماله للبائع إلا أن يشترطه المباع "([799]) فقد اتفقنا – رضي الله عنهما – على رفع ما جاء في النخل أما ما جاء في العبد فقد اختلفا في رفعه ووقفه فرفعه سالم ، ووقفه نافع .

          وقد ذكر الترمذي أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فقال : "سألت محمداً عن هذا الحديث وقلت له : حديث الزهري عن سالم عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : "من باع عبدا ..." وقال نافع ابن عمر عن عمر ، أيهما اصح .

          فقال : إن نافع يخالف سالماً في أحاديث ، وهذا من تلك الأحاديث . وروى سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال نافع عن ابن عمر عن عمر كأنه رأى الحديثين صحيحين ، أنه يحتمل عنهما جميعاً"([800]) .

          فهذا النص من الإمام الترمذي يفيد إمكان صحة الحديثين جمعياً عند الإمام البخاري ، لكن ذكر الترمذي في جامعه عند رواية هذا الحديث .

          " وقال محمد بن إسماعيل البخاري ، حديث الزهري ، عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح"([801]) .

          فهذا النص يفيد أن البخاري يرجح رواية سلالم وهو معارض للنص الأول الذي يفيد صحة الروايتين معاً .

          والذي يظهر لي أن الإمام البخاري كان يرى صحة طريق سالم كما يراه بعض الأئمة كما سيأتي ثم تراجع عن ذلك ورأي صحة الطريقين معاً ، ومما يزيد هذا الاحتمال أن النص الذي يفيد صحة الطريقين ، جاء في "العلل الكبير" ومعلوم أن الترمذي ألفه بعد جامعه ، بل جرده وأفرده منه حتى إن كثيراً من العلماء يسميه بـ "العلل المفردة" .

          أما بالنسبة لصنيع الإمام البخاري في صحيحه فلا يستبعد منه أيضاً أنه يرى صحة الطريقين معاً ، إذا إنه ذكر رواية سالم مسنده مرفوعة في كتاب الشرب والمساقاة([802]) ثم ذكر عقبه: وعن مالك عن نافع عن ابن عمر في العبد .

          وأما رواية نافع عن ابن عمر فقد أخرجها في كتاب البيوع ، باب إذا باع نخلاً قد أبرت([803]) وباب بيع النخل بأصله([804]) في كتاب الشروط باب إذا باع نخلاً قد أبرت([805]) .

          فهذا الحديث قد اختلف فيه نظر النقاد فمنهم من رجح رواية سالم ، ومنهم من رجح رواية نافع ، ومنه من يرى صحة الطرفين معاً .

          وهو أحد الأحاديث الأربعة التي اختلفت فيها نافع مع سالم ، وقفها نافع ورفعها سالم([806]) فمن الأئمة من رجح أحدهما على الآخر فيها ومنهم من لم يرجح أحدهما على الآخر ومن هؤلاء الإمام أحمد فقد سئل – فيما نقله عنه المروزي – إذا اختلف فلأيهما تقضي ؟ قال : كلاهما ثبت، ولم ير أن يقضي لأحدهما على الآخر([807]) ونقل عثمان الدرامي عن ابن معين نحوه([808]) .

          أما بالنسبة لخصوص هذا الحديث فقد رجح جماعة من العلماء رواية نافع منهم مسلم والنسائي([809]) .

          والإمام أحمد رجح في هذا الحديث قول نافع فيما نقله عنه المروزي([810]) .

          وكذلك رجح الدارقطني رواية نافع ، قال – رحمه الله – بعد أن ساق رواية سالم وقال نافع :

          " قال النسائي : سالم أجل في القلب والقول قول نافع"([811]) .

          ومقتضى هذا أن رواية سالم في رفع العبد وهم عندهم .

          وأما القرائن التي رجح بها هؤلاء النقاد رواية نافع وحكموا على سالم بالوهم ، فتمثل فيما يلي:

1-             إن نافعاً ميز بين المرفوع والموقوف مما يدل على حفظه .

2-             إن سالماً سلك فيه الجادة .

قال الحافظ السخاوي – رحمه الله - : "وكان سبب حكمهم عليه بذلك (أي بالوهم) كون سالم أو من دونه سلك الجادة ، فإن العادة في الغالب أن الإسناد إذا انتهى إلى الصحابي قيل بعده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء هنا بعد الصحابي ذكر صحابي آخر والحديث من قوله كان ظناً غالباً على أن ضبطه هكذا أتقن ضبطاً"([812]) .

وهناك من النقاد من رجح رواية سالم من هؤلاء :

ابن المديني فيما حكاه الترمذي في جامعه وابن عبد البر([813]) .

وكذلك صححها بعض المتأخرين كالنووي والداودي وغيرهما .

قال النووي : "لم تقع هذه الزيادة في حديث نافع عن ابن عمر ، ولذلك لا يضر فإن سالماً ثقة ، بل هو أجل من نافع فزيادته مقبولة"([814]) .

ونقل ابن التين عن الداودي : "هو وهم من نافع والصحيح ما رواه سالم مرفوعاً في العبد والثمرة"([815]) .

قال ابن التين معقباً على قول الداودي : "لا أدري من أين أدخل الوهم على نافع ، مع إمكان عمر أن يكون قال ذلك على جهة الفتوى مستنداً إلى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وقد سبق نقل الترمذي عن البخاري تصحيح الطريقين معاً([816]) .

وعلى كل ليس القصد الخروج بحكم فاصل في هذا الحديث – وإن كنت أميل إلى إمكان تصحيح الروايتين معاً – ولكن القصد بيان أن نقاد الحديث قد تختلف أنظارهم واجتهاداتهم في ترجيح الوقف على الرفع أو العكس أو تصحيح الطريقين معاً .

بل قد يحصل أن الناقد الواحد يختلف اجتهاده من حين إلى آخر ، كما وقع للبخاري في هذا الحديث .

والنتيجة التي نستخلصها في هذا المطلب أنه ليس للإمام البخاري حكم مطرد في مسالة اختلاف الرفع والوقف فتارة يرجح الوقف وتارة يرجح الرفع ، وتارة يصحح الطرفين معاً، بحسب القرائن ظهوراً وخفاءً والله أعلم .

المطلب الثالث

الاختلاف في تسمية شيخ الراوي

          قد يختلف الرواة فيما بينهم في تسمية من روى عنه شيخهم ، أو من فوقه فيكون الترجيح بينهم خاضعاً للقرائن بغض النظر عن أحوالهم .

          مثال ذلك ، ما رواه البخاري في صحيحه قال : "حدثنا عياش بن الوليد أخبرنا عبد الأعلى حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يتقارب الزمان ، وينقص العلم ، ويلقى الشح ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج" قالوا : يا رسول الله أيما هو ؟ قال : "القتل القتل" .

          وقال شعيب ، ويونس ، والليث ، وابن أخي الزهري ، عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة"([817]) .

          وقد ذكر الإمام الدارقطني هذا الحديث في كتابه "التتبع" وأشار إلى ترجيح رواية من خالف معمراً فقال :

          "أخرج البخاري حديث عبد الأعلى عن معمر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يتقارب الزمان ، ويلقى الشح ، وتظهر الفتن ، ويكثر الهرج..." وقد تابع حماد بن زيد عبد الأعلى ، وقد خالفهما عبد الرزاق فلم يذكر أبا هريرة وأرسله .

          ويقال إن معمراً حدث به بالبصرة من حفظه بأحاديث وهم في بعضها ، وقد خالفه فيه شعيب ، ويونس ، والليث بن سعد ، وابن أخي الزهري ، رووه عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة ، وقد أخرجا جميعاً حديث حميد أيضا"([818]) .

          وقال الحافظ ابن حجر مبيناً قول البخاري : (وقال شعيب ، ويونس والليث وابن أخي الزهري عن حميد عن أبي هريرة) .

          " يعني أن هؤلاء الأربعة خالفوا معمراً في قوله عن الزهري عن سعيد فجعلوا شيخ الزهري حميداً لا سعيداً ، وصنيع البخاري يقتضي أن الطريقين صحيحان ، فإنه وصل طريق معمر هنا ، ووصل طريق شعيب في كتاب الأدب ، وكأنه رأى أن ذلك لا يقدح لأن الزهري صاحب حديث فيكون عنده عن شيخين ، ولا يلزم من ذلك اطراده في كل من اختلف عليه في شيخه ، إلا أن يكون مثل الزهري في كثرة الحديث والشيوخ ، ولولا ذلك لكانت رواية يونس، ومن تابعة أرجح . وليست رواية معمر مدفوعة عن الصحة لما ذكرته"([819]) .

 

          فواضح مما سبق ذكره من كلام الدارقطني : أن معمراً يروي هذا الحديث عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الطريق محفوظ عنه إذ رواه اثنان من أصحابه هما : حماد بن زيد ، وعبد الأعلى .

          ويعتبر طريق عبد الرزاق المرسل وهم منه ، إذ إنه خالف فيه من هم أكثر وأحفظ . أي أن معمراً كان يروي هذا الحديث مسنداً غير مرسل ، والإرسال وهم يلزق بعبد الرزاق .

          إذن لم يكن معمر يسنده تارة ويرسله تارة ، كما فهم ذلك الشيخ مقبل –حفظه الله- في تعليقه على التتبع([820]) وجعل هذا قرينة لتعليل رواية معمر ، أي أنه اضطرب فيه فتارة كان رسله وتارة يسنده .

          ومن القرائن التي اعتمد عليها أيضاً لتعليل رواية معمر ، وهو أن معمراً كان تارة يحدث به عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتارة يحدث به عن همام عن أبي  هريرة([821]) .

          وهذه القرينة – فيما أرى – غير صحيحة ، وذلك لأن الحديث الذي يرويه معمر عن همام عن أبي هريرة ، هو حديث آخر مخالف لهذا الحديث في نصه .

          وهذا نصه كما في صحيح مسلم : "حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقوم الساعة حتى تقتل فئتان عظيمتان، وتكون مقتلة عظيمة دعواهما واحدة"([822]) .

          فهذا كما ترى حديث آخر مختلف عن الأول في متنه وسنده ، فلا يصح أن نقول إن معمراً كان يرويه تارة عن سعيد عن أبي هريرة ، وتارة يرويه عن همام عن أبي هريرة ، إذن فما هي القرائن التي تفيد ترجيح رواية شعيب ومن معه على رواية معمر ؟

          هذه القرائن أشار إليها الدارقطني – رحمه الله – وهي :

1-      إن معمراً حدث بهذا الحديث بالبصرة ، وكان قد وهم في بعض أحاديثه التي حدث بها هناك، لأنه كان يحدثهم بالبصرة من حفظه .

2-      ومما يقوي أن الوهم من معمر أنه خالف هذا العدد من الرواة ، وكلهم من الثقات وهم : شعيب ، ويونس ، والليث ، وابن أخي الزهري ، وهؤلاء كلهم قد اتفقوا في سنده ، ويروونه عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة ، فهذا العدد أولى بالحفظ من الراوي المنفرد ، ولو كان ثقة .

ثم قال الدارقطني : وقد أخرجا جميعاً حديث حميد" .

يشير بذلك إلى أن حديث حميد متفق على صحته ، إذا أخرجه البخاري ومسلم .

أما حديث سعيد فقد رواه البخاري وأشار إلى علته ، وكذلك صنع الإمام مسلم في صحيحه ، فقد أورد طرق هذا الحديث في كتاب العلم من صحيحه([823]) .

1-      قال : حدثنا حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يتقارب الزمان..." .

2-      حدثنا أبو بكر بن أبي  شيبة حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يتقارب الزمان ويقبض العلم" ثم ذكر مثل حديثهما .

فواضح أن الإمام مسلم لما ذكر طرق هذا الحديث عن الزهري قدم حديث يونس ثم حديث شعيب لأنهما الأصح ثم ذكر في آخر الباب حديث معمر إشارة إلى تعليمه ، لأن هؤلاء أحفظ واتفقوا على سنده .

وقد صرح الإمام الدارقطني أيضاً في علله ، بتعليل حديث معمر حيث قال : "حديث يتقارب الزمان يرويه الزهري ، واختلف عنه :

          فرواه معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة .

وخالفه يونس بن يزيد وإسحاق بن يحيى : فروياه عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة .

وكذلك قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة ، والمحفوظ حديث حميد"([824]) .

إذاً تأكدنا من خلال هذه القرائن من صحة حديث شعيب ويونس ومن وافقهما ، وخطأ حديث معمر .

لكن هل البخاري يصحح الطريقين معاً ؟ كما نص عليه الحافظ لما قال : "وصنيع البخاري يقتضي أن الطريقين صحيحان ، فإنه وصل طريق معمر هنا ، ووصل طريق شعيب في كتاب الأدب ..." .

الظاهر أن الإمام البخاري ذكر طريق معمر معللاً لها ، ولا يقتضي أنه لما وصلها أنه يصححها لأنه ذكر الخلاف عقبها ، فهذا الخلاف مع انضمام القرائن السابقة يقدح في صحة رواية معمر أما طريق شعيب فلا غبار على صحتها سواء أوصلها أم أشار إليها .

وقول الحافظ : "كأنه ذلك لا يقدح لأن الزهري صاحب حديث ، فيكون عنده عن الشيخين ..." .

هذا كله مبني على التجويز العقلي المجرد ، والقرائن السابقة تدل على بطلانه .

 

المطلب الرابع

الاختلاف في زيادة راو في الإسناد وحذفه

          قد يجئ الحديث الواحد من طريقين ، ولكن في أحدهما زيادة راو ، ليس هو في الطريق الأخرى ، فتارة يحكم النقاد على أن الزيادة راجحة ، بكثرة الراوين لها أو بضبطهم وإتقانهم أو غيرها من القرائن ، وتارة يحكم بأن راوي الزيادة وهم فيها ، تبعاً للقرائن والمرجحات، وأحياناً يظهر صواب الطريقين ، وصحة الوجهين الزائد والناقص على حد سواء ، وفي أحيان أخرى يتوقف الناقد في ترجيح إحدى الطريقين على الأخرى أو الحكم بصحتها معاً .

          فالأئمة النقاد ليس لهم عمل مطرد في الحكم على هذا النوع من الاختلاف من الرواة .

          وسأذكر فيما يلي نماذج وشواهد من صنيع الإمام البخاري توضح كل حالة من الحالات الأربع السابقة .

الحالة الأول : ترجيح الناقصة والحكم على الزيادة بالوهم .

المثال الأول :

          حديث خزيمة بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "في الاستطابة ثلاثة أحجار ليس فيه رجيع" .

          رواه عبده عن هشام بن عروة ، عن عمرو بن خزيمة المدني ، عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت([825]) .

          وقال وكيع عن هشام ، عن أبي خزيمة ، عن عمارة بن خزيمة([826]) ، عن خزيمة بن ثابت([827]).

          وقال أبو معاوية عن هشام بن عروة ، عن عبد الرحمن بن سعد ، عن عمر بن خزيمة ، عن خزيمة بن ثابت([828]) .

          قال الترمذي : "سألت محمداً عن هذا الحديث فقال : الصحيح ، ما روى عبدة ووكيع، وأبو معاوية أخطأ في هذا الحديث إذ زاد عن عبد الرحمن بن سعد"([829]) .

          وقال أبو زرعة – رحمه الله - : "الحديث حديث وكيع وعبدة"([830]) .

          فهذا الحديث يرويه عبدة ووكيع ، وأبو أسامة وابن نمير([831]) كلهم يقولون هشام بن عروة عن عمر بن خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت .

          إلا أن أبا معاوية خالفهم في روايته إذ زاد عبد الرحمن بن سعد بين هشام بن عروة وعمرو بن خزيمة .

          إلا أن أبا معاوية خالفهم في روايته إذ زاد عبد الرحمن بن سعد بين هشام بن عروة وعمرو بن خزيمة .

          وقد حكم البخاري على رواية أبي معاوية بالوهم والخطأ وذلك لما يلي :

1- أبو معاوية ضعيف في هشام بن عروة .

          قال الأثرم قلت لأبي عبد الله (أي الإمام أحمد) : أبو معاوية صحيح الحديث عن هشام؟ قال : لا ما هو بصحيح الحديث عنه([832]) .

2- خالف من هو أكثر وأحفظ وأثبت في هشام .

          قال الدار قطني – رحمه الله - : "أثبت الرواة عن هشام بن عروة : الثوري ، ومالك ، ويحيى القطان ، وعبد الله بن نمير ، والليث بن سعد"([833]) .

3-     لأبي معاوية رواية([834]) يوافق فيها الحفاظ الأثبات عن هشام بن عروة مما يدل على وهمه في الرواية المخالفة لهم .

          لهذه القرائن حكم الإمام البخاري وغيره من النقاد على رواية أبي معاوية الزائدة بالوهم.

المثال الثاني :

          حديث أبي مرثد الغنوي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" .

          هذا الحديث يرويه الوليد بن مسلم([835]) ، وعيسى بن يونس([836]) ، وصدقة بن خالد([837]) كلهم عن بسر بن عبد الله عن واثلة بن الأسقع عن أبي مرثد .

          وخالفهم عبد الله بن المبارك فزاد يه أبا إدريس الخولاني بين بسر وواثلة([838]) وقد رجح الإمام البخاري الطريق الناقصة على الزائدة .

          قال الترمذي : "سألت محمداً عن هذا الحديث فقال : حديث الوليد بن مسلم أصح ، وهكذا روى غير واحد ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن بسر بن عبيد الله ، عن واثلة بن الأسقع .

          قال محمد : "ويسر بن عبيد الله سمع من واثلة ، وحديث ابن المبارك خطأ إذ زاد فيه عن أبي إدريس الخولاني"([839]) .

          ولم ينفرد البخاري بهذا الحكم فقد وافقه فيه نقاد آخرون كأبي حاتم الرازي والدارقطني وغيرهما .

          قال ابن أبي حاتم : "قال أبي  : يرون أن ابن المبارك ، وهم في هذا الحديث ، أدخل أبا إدريس الخولاني بين بسر بن عبيد الله وبين واثلة .

          ورواه عيسى بن يونس وصدقة بن خالد ، والوليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، عن بسر بن عبيد الله ، قال : سمعت واثلة يحدث عن أبي مرثد الغنوي عن النبي صلى الله عليه وسلم .

          قال أبو حاتم بسر قد سمع واثلة ، وكثيراً ما يحدث بسر عن أبي إدريس ، فغلط ابن المبارك فظن أن هذا مما روي عن أبي إدريس عن واثلة ، وقد سمع هذا الحديث بسر من واثلة نفسه ، لأن أهل الشام أعرف بحديثهم"([840]) .

الحالة الثانية : ترجيح الطريق الزائدة والحكم على الناقصة بالوهم :

المثال الأول :

          حديث ابن عباس قال : مر رسول الله على قبرين فقال : "إنهما ليعذبان..." ([841]) .

هذا الحديث قد ورد من طريقين :

الطريق الأولى : منصور عن مجاهد عن عباس .

الطريق الثانية : الأعمش عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس .

فالطريق الأخيرة فيها زيادة طاووس فهل هذه الزيادة صحيحة أم لا ؟

قال الترمذي :

"سالت محمداً عن حديث مجاهد ، عن طاووس ، عن ابن عباس مر رسول الله على قبرين.

فقال : الأعمش يقول عن مجاهد عن طاووس عن ابن عباس .

ومنصور يقول : عن مجاهد عن ابن عباس ، ولا يذكر فيه : عن طاووس .

قلت أيهما أصح . قال : حديث الأعمش"([842]) .

لكن الإمام البخاري خرج حديث منصور أيضاً في صحيحه فهل تغير اجتهاده أم أخرجه ليبين علته .

ذهب الحافظ ابن حجر إلى أنه يصح الطريق معاً ، قال :

"وإخراجه له على الوجهين يقتضي صحتهما عندما ، فيحمل على أن مجاهداً سمعه من طاووس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس"([843]) .

وقد ذكر الدارقطني هذا الحديث في كتابه التتبع وحكى الخلاف فيه ، ولم يحكم بشيء([844]).

والظاهر من صنيع البخاري في صحيحه أنه كان يرى صحة الطريين إذ إنه أخرج طريق منصور الناقصة في كتاب الطهارة ، باب الكبائر أن لا يستتر من بوله معتمداً عليه وحده ، ورواه أيضاً في كتاب الأدب ، باب من الكبائر ، معتمداً عليه وحده .

وأما طريق الأعمش فلا شك في صحتها لإطباق الشيخين على تخريجها وباقي الأئمة الستة، ثم حكم البخاري لطريق الأعمش ، وذلك لتصريحه الذي نقله عنه الترمذي في علله الكبير ، وكتاب العلل أصله مأخوذ من كتاب الجامع للترمذي، أي أنه صنف الجامع أولاً ، وكان يسأل فيه البخاري عن العلل ثم أفرده عن الجامع ، ولذلك يسميه البعض بـ"العلل المفردة" وجامع الترمذي كان بعد تصنيف صحيح البخاري ، فيكون هذا النص متأخراً وهو يقتضي ترجيح رواية الأعمش الزائدة .

المثال الثاني :

          حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب" .

          قال البخاري – رحمه الله - :

          "حدثنا عبد الله ابن يوسف : حدثنا الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أنه سمعه يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا زنت الأمة ، فتبين زناها ، فليلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرب ، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر" .

          تابعه إسماعيل بن أمية عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم"([845]) .

          وقد وقع في هذا الحديث اختلاف بين الرواة على أبي سعيد المقبري .

          وقد وقع في هذا الحديث اختلاف بين الرواة على أبي سعيد المقبري .

          وحاصل هذا الاختلاف ما يلي :

          الليث يقول : عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ، وقد وافقه على زيادة "أبيه" محمد بن إسحاق"([846]) .

          وإسماعيل بن أمية يقول : عن سعيد عن أبي هريرة ، وقد وافقه على حذف "أبيه" عبيد الله بن عمر العمري([847]) وأيوب بن موسى ([848]) وأسامة بن زيد([849]) ومحمد بن عجلان ، وعبد الرحمن بن إسحاق([850]) فأي الطريق اصح ، الطريق الزائدة أم الناقصة ، وما هي قرائن الترجيح .

          لقد انتقد هذا الحديث الحافظ الدارقطني في "التتبع" وذكر الخلاف ولم يحكم فيه بشيء.

          والظاهر عند تأمل صنيع البخاري – رحمه الله – أنه يرجح طريق الليث الزائدة وذلك لأنه أوردها متصلة معتمداً عليها في أول الباب ، ثم أورد طريق إسماعيل بن أمية تعليقاً ، وهذه قاعدة منهجية عند الإمام البخاري ، نبه إليها الحافظ – رحمه الله – فقال :

          " من عادة البخاري إذا كان في بعض الأسانيد التي يحتج بها خلاف على بعض رواتها، ساق الطريق الراجحة عنده مسندة متصلة ، وعلق الطريق الأخرى إشعاراً بأن هذا الاختلاف يضر .

          إما أن يكون للراوي فيه طريقان فيحدث فيه تارة عن هذا ، وتارة عن هذا ، فلا يكون ذلك اختلافاً يلزم منه اضطراب يوجب الضعف .

          وإما أن لا يكون له فيه إلا طريق واحدة ، والذي أتى عنه بالطريق الأخرى واهم عليه ، ولا يضر الطريق الصيحة الراجحة ، وجود الطريق الضعيفة المرجوحة"([851]) .

          وكذلك بالنسبة لصنيع الإمام مسلم في صحيحه فالظاهر منه أن يرجح طريق الليث الزائد على الطريق الناقصة . وذلك لأنه أوردها أولاً مصدراً بها الباب ومعتمداً عليها ، ثم أورد بعدها الطريق الناقصة ليشير إلى الخلاف ، ويبين العلة . وهذه الطريقة – رحمه الله – في صحيحه فقد قال : "ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت وتأليفه على شريطة سوف اذكرها لك وهو أن نعتمد إلى جملة ما اسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها على ثلاثة أقسام ثلاثة طبقات من الناس على غير تكرار إلا أن يأتي موضع لا يستغني فيه عن ترداد حديث فيه زيادة معنى ، أو إسناد يقع إلى جنب إسناد ، لعلة تكون هناك"([852]) .

          ولم ينفرد الشيخان بهذا ، فقد سبقهما إلى تعليل الطريق الناقصة وترجيح الطريق الزائدة –الإمام ابن المديني رحمه الله – حيث قال :

          "حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها" رواه إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة .

          رواه عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد ، قال : سمعت أبا هريرة ، فنظرت فإذا سعيد لم يسمعه من أبي هريرة .

          ورواه إسحاق والليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة .

          ورواه أيوب بن موسى عن سعيد عن أبي هريرة .

          والحديث عندي حديث سعيد عن أبيه عن أبي هريرة .

          وحديث عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد قال : سمعت أبا هريرة يقول : ....

          وهم وأخاف ألا يكون حفظه"([853]) .

          فالخلاف في هذا الحديث على سعيد المقبري ، والنقاد رجحوا رواية الليث بناء على أنه أثبت أصحابه وأحفظ لحديثه فيقدم عند الخلاف .

          قال الإمام أحمد : "اصح الناس عن سعيد المقبري : ليث بن سعد ، يفصل ما روى عن أبي هريرة ، وما رواه عن أبي عن أبي هريرة ، وهو ثبت في حديثه جداً"([854]) .

          وقال ابن المديني : "الليث وابن أبي ذنب : ثبتان في حديث سعيد المقبري"([855]) .

          فلكون الليث اثبت أصحاب سعيد المقبري وخاصة أنه يميز بين ما رواه سعيد المقبري عن أبي هريرة مباشرة ، وما يرويه عن أبي هريرة بواسطة "أبيه" قدم النقاد روايته المتصلة على الطريق الناقصة .

الحالة الثالثة : ما يحكم فيه بصحة الطريقين معاً الزائدة والناقصة :

          أحياناً يرد الحديث من طريقين إحداهما زائدة ، والأخرى ناقصة من حيث السند، فيظهر عند الراوي بالوجهين ظهوراً بيناً ، بتصريحه بذلك ونحوه ، وتارة يكون الحكم بصحة الطريقين معاً بحسب الظن القوي الذي يكون عند الناقد ، وفيما يلي أمثلة توضح ما ذكرت ، من صنيع الإمام البخاري .

المثال الأول :

          حديث المسيء صلاته ، يرويه أبو هريرة ، وهو يدور على الطرق التالية :

1-             يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة([856]).

2-             عبد الله بن نمر عن عبد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة([857]) .

3-             أبو أسامة بن عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة([858]) .

4-             ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة([859]) .

5-             عيسى ابن يونس عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة([860]).

نلاحظ أن هذه الطرق كلها – ما عدا الأولى – تتفق في أن الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة .

بينما الطريق الأولى عن يحيى تجعل الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة فأي الطريقين اصح ، أم كلاهما صحيح ؟

لقد حكم الأئمة النقاد بصحة الطريقين معاً ، ومن هؤلاء الإمام الدارقطني –رحمه الله- قال : "قد خالف يحيى أصحاب عبيد الله كلهم ، منهم : أبو أسامة ، وعبد الله بن نمير، وعيسى بن يونس ، وغيرهم ، رووه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة ، فلم يذكروا أباه ، ورواه معتمر عن عبيد الله عن سعيد مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحيى حافظ ويشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين"([861]) .

وقال الحافظ بعد أن نقل كلام الدار قطني السابق :

" وقال البزار : لم يتابع يحيى عليه ، ورجح الترمذي رواية يحيى .

قلت : لكل من الروايتين وجه مرجح ، أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ، وأما الرواية الأخرى فللكثرة ، ولأن سعيداً لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة ، ومن ثم أخرج الشيخان الطريقتين"([862]) .

يستخلص من كلام الحافظ أن النقاد قد اختلفوا في الحكم على هذا الحديث :

-                   فالإمام البزار يرجح رواية الجماعة ، ويرى أن يحيى خالف هؤلاء الحافظ بشيء لم يتابع عليه .

-                   والإمام الترمذي يرجح رواية يحيى على رواية غيره ، قال في جامعة – بعد روايته للحديث من طريق يحيى .

"وروى ابن نمير هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة، ولم يذكر فيه عن أبيه عن أبي هريرة ، ورواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر أصح ، وسعيد قد سمع من أبي هريرة ، وروى عن أبيه عن أبي هريرة"([863]) .

ووجه ترجيح رواية يحيى أنه حافظ وقد زاد فتقبل زيادته .

ويرى البخاري ومسلم والدار قني صحة الطريقين معاً ، للقرائن التي أشار إليها الحافظ –رحمه الله - .

المثال الثاني :

          حديث أبي هريرة "قيل يا رسول الله من أكر الناس ؟ ..." .

          هذا الحديث رواه البخاري بإسنادين ناقص وزائد .

          قال : "حدثنا إسحاق بن إبراهيم سمع المعتمر عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم من أكرم الناس ..." ([864]) .

          وقال "حدثني عبد الله بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله قال : أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة  رضي الله عنه – قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا"([865]) .

          ورواه أيضاً من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله قال : حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة – رضي الله عنه الله عنه – قال:قيل يا رسول الله من أكرم الناس..." ([866]) .

          وحاصل الاختلاف في هذا الحديث ما يلي :

-                   أبو أسامة ، وعبده ومعتمر يروونه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة .

-                   ويحيى القطان خالفهم ورواه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ، فزاد عن "أبيه" .

والظاهر من صنيع الإمام البخاري تصحيح الطريقين معاً ، وقد أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر([867]) والحافظ العلائي([868]) أيضاً .

لكن الإمام الدار قطني مال في علله إلى ترجيح طريق يحيى ، فقال بعد أن ذكر اختلاف الرواة : "ويحيى يقول ، والقول قول يحيى"([869]) .

وقد ذكر في التتبع وبين الخلاف ولم يرجح شيئاً([870]) .

الحالة الرابعة :

          وهو ما لا يترجح فيه إحدى الطريقين على الأخرى ، ولا يغلب على الظن صحتها معاً، لكن يحتمل أن تكون صحيحتين معاً .

          قال – رحمه الله - : "حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا شعبة قال : أخبرني علقمة بن مرثد سمعت سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان – رضي الله عنه الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه".

          وحدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه"([871]) .

          وقد ذكر الدار قطني هذا الحديث في كتاب التتبع ، وبين الخلاف فيه وحاصله ما يلي :

          أن هذا الحديث يرويه شعبة عن علقمة عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان ، وقد تابع شعبة على زيادة سعد بن عبيدة بين علقمة وأبي عبد الرحمن كل من : عبيد الله بن عيسى ، ومحمد بن جحادة ، وموسى بن قيس الحضرمي ، والنصر بن إسحاق السلمي، ومحمد بن جابر وغيرهم عن علقمة .

          رواه سفيان الثوري عن علقمة عن أبي عبد الرحمن بإسقاط سعد بن عبيدة ، وقد تابعه علي روايته على كل من : عمرو بن قيس ، ومسعر ، وأبو اليسع ، وعمر بن النعمان ، ومحمد بن طلحة ، وأبو حماد ، وحفص بن سليمان ، وأيوب بن جابر ، وسلمة الأحمر، وغياث([872]).

          فما موقف الحفاظ من هذين الطريقين ؟ وهل كلاهما صحيح ، أم يرجح أحدهما على الآخر ، أم يحتمل أن يكون كلاهما صحيح ؟

          لقد مال بعض الحفاظ المتأخرين إلى احتمال صحة الطريقين معاً ، ومن هؤلاء الحافظ العلائي .

          قال بعد أن ساق اختلاف سفيان وشعبة فيه : "أخرجه البخاري من الطريقين ، وهو لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء ، وقد تابع كلاً من شعبة وسفيان جماعة على ما قال : فيحتمل أن يكون الحديث عند علقمة على الوجهين ، ويحتمل أن يكون أرسله عن إسقاط سعد بن عبيدة"([873]).

          وقال الحافظ : "إن مثل هذا يخرجه البخاري على الاحتمال ، لأن رواية الثوري عند جماعة من الحفاظ هي المحفوظة ، وشعبة زاد رجلاً فأمكن أن يكون علقمة سمعه من سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن ثم لقي عبد الرحمن فسمعه منه"([874]) .

          فاحتمال صحة الطريقين غير مستبعد ، لأن كلاً من سفيان وشعبة قد تابعها جماعة من الثقات ، ولم تقم قرينة على ترجيح أحدهما على الآخر .

          وفي تمام هذا المطلب نخلص إلى أن الترجيح بين الرواة إذا اختلفوا في زيادة راو في إسناد و حذفه ، لا يلزم حالة واحدة مطردة بل يدور مع القرائن والمرجحات ، فتارة يكون الحكم للزائد ، وتارة يكون الحكم للناقص ، وتارة يكون كلا الطرفين صحيحاً ، وتارة لا يستطيع الناقد أن يرجح أحد الطريقين على الآخر مع احتمال كونهما صحيحين معاً .

          وأما ما يسلكه كثير من الفقهاء والأصوليين والمتكلمين ومتأخري المحدثين من ترجيح الرواية الزائدة على الناقصة دائماً اعتماداً على أن الراوي الثقة إذا زاد تقبل زيادته ، واحتمال أنه سمع من الشيخ بالواسطة ثم سمع منه مباشرة ، كل هذا مخالف لمنهج النقاد القائم على النظر في الواقع الحديثي المدعوم بالقرائن والدلائل ، ويحصل بالاتساع في الرواية والحفظ والفهم ، وليس بالاحتمالات والتجويزات العقلية المجردة .


القسم الثاني

الاختلاف في سياق المتن

قد سبق بيان الاختلاف الذي يقع بين الرواة في إسناد حديث من الأحاديث وأوجه هذا الاختلاف ، وكيفية الحكم في كل حالة .

وفي هذا المبحث نتعرض للاختلاف في المتن ونذكر أسباب هذا الاختلاف ، مما يكون له أثر كبير في الحكم على الحديث صحة وتعليلاً ، وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي :

الاختصار والرواية بالمعنى ، والإدراج ، وسأتناول هذه القضايا بأمثلة تطبيقية من صنيع الإمام البخاري .

المطلب الأول

الاختصار وأثره في تغيير سياق المتن

قد يختلف الرواة فيما بينهم في سياق متن حديث ما ، ويكون سبب هذا الاختلاف أن بعض الرواة ساق الحديث مختصراً ، والآخر ساقه بتمامه ، فهذا الاختلاف لا يقدح في الطريق التامة ، وأما الطريق المختصرة فأحياناً تكون هي أيضاً صحيحة ، وقد تكون خاطئة إذا كان الاختصار سبباً لتغيير معنى الحديث وفيما يلي أمثلة توضح ذلك .

قال الإمام البخاري في صحيحه :

"حدثنا أحمد بن أبي رجاء حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت قتادة قال : حدثني النضر بن أنس بن مالك عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من أعتق شقيصاً من عبد ..." .

حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من أعتق نصيباً أو شقيصاً في مملوك فخلاصة عليه ، إن كان له مال وإلا قوم عليه فاستسعى به غير مشقوق عليه".

تابعه حجاج بن حجاج ، وأبان ، وموسى بن خلف عن قتادة ... اختصره شعبة"([875]) .

وقد انتقد الإمام الدار قطني هذا الحديث فقال بعد أن ساق هذا الحديث من صحيح البخاري:

"وقد روى هذا الحديث شعبة وهشام وهما أثبت من روى عن قتادة ، ولم يذكرا في الحديث الاستسعاء ، ووافقهما همام ، وفصل الاستسعاء من الحديث فجعله من رواية     قتادة..." ([876]).

فهذا الحديث قد اختلف فيه على قتادة .

يرويه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وذكر فيه الاستسعاء ، وتابعه على ذلك كل من : جدير بن حازم ، وحجاج بن حجاج ، وأبان ، وموسى بن خلف .

ورواه شعبة ، وهشام الدستوائي ، ولم يذكرا فيه الاستسعاء ، ووافقهما همام، فقد فصل الاستسعاء من الحديث فلم يرفعه ، ووقفه على قتادة .

وقد اختلفت أنظار النقاد في الحكم على هذا الحديث .

وقد نقل الإمام النووي بعض أقوال من رجح رواية شعبة وهشام لموافقة همام لهما فقال :

" ... قال أبو بكر النيسابوري : ما أحسن ما رواه همام وضبطه ففصل قول قتادة عن الحديث.

وقال ابن عبد البر : الذين لم يذكروا السعاية أثبت من الذين ذكروها"([877]) .

وقال أبو مسعود الدمشقي :

"حديث همام حسن عندي ، إنه لم يقع للبخاري ولا مسلم ، ولو وقع لهما حكماً بقوله"([878]) .

وقال الحاكم – بعد أن ساق الحديث بسنده عن سعيد عن قتادة ، وذكر فيه الاستسعاء-: "حديث العتق ثابت صحيح وذكر الاستسعاء فيه من قول قتادة ، وقد وهم من أدرجة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم "([879]) ثم ذكره من حديث همام مفصلاً ثم قال : "فهذا أظهر من الأول أن القول الزائد المبين المميز ، وقد ميز همام ، وهو ثبت"([880]) .

وقد ذكر الحافظ أيضاً بعض من رجح رواية هشام وشعبة ، فقال :

"ونقل الخلال في العلل عن أحمد أنه ضعف رواية سعيد في الاستسعاء ، وضعفها أيضاً الأثرم عن سليمان بن حرب .

فقال النسائي : بلغني أن هماماً رواه فجعل هذا الكلام (أي الاستسعاء) من قول قتادة.

وقال الإسماعيلي : قوله (ثم استسعى) ليس في الخبر مسنداً ، وإنما هو قول قتادة مدرج في الخبر على ما رواه همام .

وقال ابن المنذر والخطابي : هذا الكلام الأخير من فتيا قتادة ليس في المتن"([881]) .

          فهؤلاء الحافظ يرون أن ذكر الاستسعاء مدرج في الحديث من قبل سعيد، وليس هو بمرفوع ، وإنما هو قول قتادة .

والقرائن التي استند إليها هؤلاء النقاد هي :

-                   مخالفة سعيد لمن هو أحفظ منه وهما : شعبة وهشام .

-                   تفرد سعيد بهذا الحديث .

-                   اختلاط سعيد في آخر عمره .

-        قد ورد هذا الحديث من طريق همام مفصلاً ، فجعل الحديث مرفوعاً ، وجعل ذكر الاستسعاء فيه من قول قتادة ، وهمام ثقة .

وقد أجاب الحافظ ابن حجر على هذه التعليلات([882]) ، ونلخصها فيما يلي :

1-      سعيد بن أبي عروة ، أعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له ، وكثرة أخذه عنه من همام وغيره ، وهشام وشعبة وإن كانا أحفظ من سعيد لكنهما لم ينفيا ما رواه ، وإنما اقتصر من الحديث على بعضه([883]) وليس المجلس متحداً حتى يتوقف في زيادة سعيد، فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره .

2-      سعيد لم ينفرد بهذا الحديث فقد تابعه عليه جرير بن حازم ، وحجاج بن حجاج ، وموسى بن خلف ، وحجاج بن أرطأه([884]) .

3-      أما تعليل الحديث بكون سعيد بن أبي  عروبة اختلط فلا يصح الاعتماد عليه لأن هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع .

4-      أما بالنسبة لرواية همام المفصلة ، فهمام قد انفرد بهذا التفصيل ، وخالف الجميع في القدر المتفق على رفعه ، فإنه جعله واقعة عين([885]) وهم جعلوه حكماً عاماً فدل على أنه لم يضبطه كما ينبغي .

هذه أهم الردود على القرائن التي اعتمد عليها من أعل حديث سعيد .

ولكن الإمام البخاري لم يعل هذا الحديث ، ورأى صحة الطريقين معاً ، كما نقل عنه الإمام الترمذي قال : "وسألت محمداً عن هذا الحديث (يعني حديث السعاية) فقلت أي الروايتين أصح ؟ فقال : الحديثنا جميعاً صحيحان ، والمعنى فيه قائم ، وذكر فيه عامتهم عن قتادة السعاية إلا شعبة ، وكأنه قوى حديث سعيد بن أبي  عروبة ، في أمره بالسعاية"([886]) .

وقد ذكر الحافظ بعض القرائن التي اعتمد عليها البخاري في تصحيح رواية سعيد فقال:

" وكأن البخاري خشي من الطعن في رواية سعيد بن أبي عروبة ، أشار إلى ثبوتها بإشارات خفية كعادته ، فإنه أخرجه من رواية يزيد بن زريع وهو من أثبت الناس فيه وسمع منه قبل الاختلاط .

          ثم استظهر له برواية جرير بن حازم بمتابعته لينفي عنه التفرد .

          ثم أشار إلى أن غيرهما تابعهما .

          ثم قال : اختصره شعبة ، وكأنه جواب على سؤال مقدر وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة ، فكيف لم يذكر الاستسعاء(*) فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفاً لأنه أورده مختصراً، وغيره ساقه بتمامه ، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد"([887]) .

          والمقصود هنا بيان أن هذا الاختلاف الذي وقع بين أصحاب قتادة : شعبة وهشام من جهة ، وسعيد بن أبي عروبة ، ومن تابعه من جهة أخرى ، ليس سببه الوهم والخطأ المحتمل من أحد الجانبين ، وإنما سببه أن بعض الرواة اختصر الحديث فخالف من ساقه بتمامه فلا تكون روايته سبباً في تعليل رواية من ساق الحديث بتمامه ، ولو كان الذي اختصره أثبت وأحفظ إن كان اختصاره لا يغير معنى الحديث أي أنه يقتصر على بعضه ويترك بعضه ، وأما إذا اختصر الراوي الحديث بحيث يتغير عن المعنى الأصلي ، فإنه يكون سبباً لتعليل الرواية المختصرة ، وإليك مثلاً من صنيع الإمام البخاري .

          قال البخاري – رحمه الله - : "حدثني محمود حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة بمائة امرأة ، تلد كل امرأة غلاماً يقاتل في سبيل الله فقال له الملك : قل إن شاء الله فلم يقل ونسي . فأطاف بهن ، ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم "لو قال : إن شاء الله لم يحنث ، وكان أرجى لحاجته"([888]) .

          وقد رواه غير البخاري عن محمود بن غيلان ، قال : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا محمد على ابن طاوس عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث"([889]) .

          فهذا المتن مغاير للمتن الأول ، فأيهما الصحيح ؟

          قال الترمذي : "حدثنا محمد بن غيلان ، حدثنا عبد الرزاق عن معمر ابن طاوس ، عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "م حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" .

          سألت محمد عن هذا الحديث فقال : جاء مثل هذا من قبل عبد الرزاق وهو غلط إنما اختصره عبد الرزاق من حديث معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سيمان بن داود حين قال : "لأطوفن الليلة على سبعين امرأة"([890]) .

          فالحديث المحفوظ بهذا الإسناد هو الحديث الوارد في قصة سليمان – عليه السلام – وعبد الرزاق كان يرويه تارة تاماً كما سمعه وتارة يختصره . فلما اختصره جاء بمتن مخالف ومغاير في سياقه للحديث الأصلي ، ورفعه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله : "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" فهذا المتن بهذا الإسناد لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .

          نعم قد ورد هذا الكلام بغير هذا السند في حديث نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من حلف فقال إن شاء الله فلا حنث عليه"([891]) .

          واختلف في وقفه ورفعه والأرجح الوقف([892]) .

          ولقد اعترض ابن العربي على الحكم على عبد الرزاق بالخطأ بسبب اختصاره لهذا الحديث وذلك لأن ما جاء به عبد الرزاق في هذه الرواية لا يناقض غيرها لأن ألفاظ الحديث تختلف باختلاف أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في التعبير عنها ، أي يخاطب كل قوم بما يكون أوصل لأفهامهم ، وإنما ينقل الحديث على المعنى([893]) .

          قال الحافظ : "وأجاب شيخنا ، في شرح الترمذي بأن الذي جاء به عبد الرزاق في هذه الرواية ليس وافياً بالمعنى الذي تضمنته الرواية التي اختصره منها ، فإنه لا يلزم من قوله صلى الله عليه وسلم : "لو قال سليمان إن شاء الله لم يحنث ..." أن يكون الحكم كذلك في حق كل أحد غير سليمان وشرط الرواية بالمعنى عدم التخالف ، وهنا تخالف بالخصوص والعموم"([894]) .

المطلب الثاني

الرواية بالمعنى وأثرها في التعليل

          كثيراً ما تختلف متون الأحاديث النبوية بسبب الرواية بالمعنى ، وأحياناً لا يؤثر ذلك الاختلاف ولا يقدح في صحة الحديث ، وأحياناً يؤثر في صحة الحديث ويكون سبباً لتعليله ، وأضرب لذلك أمثلة من صنيع الإمام البخاري – رحمه الله - .

أمثلة لما تكون فيه الرواية بالمعنى سبباً للتعليل :

المثال الأول :

          قال البخاري : "حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن شهاب عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يرث مسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم"([895]) .

          فهذا الحديث يرويه مالك([896]) وابن جريح([897]) وابن عيينة([898]) ، ويونس([899]) ومعمر([900]) كلهم عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم" .

          إلا أن هشيماً رواه عن الزهري بالإسناد المذكور بلفظ : "لا يتوارث أهل ملتين"([901]) .

          قال الحافظ : " وقد حكم النسائي وغيره على هشيم بالخطأ فيه ، وعندي أنه رواه من حفظه بلفظ ظن أنه يؤدي معناه ، فلم يصب ، فإن اللفظ الذي أتى به أعم من اللفظ الذي سمعه، وسبب ذلك أن هشيماً سمع من الزهري بمكة أحاديث ولم يكتبها وعلق بحفظه بعضها فلم يكن من الضابطين عنه ، ولذلك لم يخرج الشيخان عنه شيئاً"([902]) .

          فالبخاري ومسلم لم يخرجا هذا الحديث لأنه معلول ، وظهرت علته بمخالفة هشيم لسائر أصحاب الزهري ليست قوية ، لأنه لم يكتب الأحاديث التي سمعها من الزهري ، وإنما اعتمد على حفظه فكان أحياناً يروي على سبيل التوهم ، أي يروي الشيء ويظن أنه يؤديه بالمعنى فيقع في الوهم والخطأ .

          وينبغي التنبيه هنا إلى أن هذا المتن " لا يتوارث أهل ملتين" قد ورد من غير هذا الطريق (فقد رواه الترمذي من حديث جابر([903]) ، ورواه أبو يعلى من حديث عائشة ، ورواه أصحاب السنن الأربعة([904]) من طريقة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وسند أبي داود فيه إلى عمر صحيح"([905]) .

المثال الثاني :

          قال البخاري : "حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس : "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر – رضي الله عنهما " كانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين"([906]).

          فهذا الحديث رواه أنس جماعة من الرواة منهم : قتادة([907]) ، وحميد الطويل([908]) ، وإسحاق بن أبي طلحة([909]) وغيرهم بهذا اللفظ .

          وفي رواية لمسلم من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن قتادة أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه قال : صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون باسم الله الرحمن الرحيم ، في أول القراءة ، ولا في آخرها"([910]) .

          فهذه الرواية مخالفة للرواية الأولى في سياق متنها ، إذ في الأولى إخبار بأن افتتاح القراءة كان بالحمد لله رب العالمين دون تعرض لنفي قراءة البسملة أو إثباتها ، أما الرواية الثانية فهي نافية لرواية قراءة البسملة .

          فرواية الأوزاعي : من طريق الوليد بن مسلم مخالفة لرواية غيره كشعبة وأيوب وأبي عوانة وقد حكم كثير من الأئمة على رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بالوهم .

          قال الدار قطني : "إن المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس أنهم كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ، ليس فيه تعرض لنفي البسملة"([911]) .

          وقال البيهقي : "إن أكثر أصحاب قتادة رووه عن قتادة كذلك ، وهكذا رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وثابت البناني عن أنس"([912]) .

          وقال ابن عبد البر ، بعد أن روى هذا الحديث من طريق أيوب وشعبة ، وهشام الدستوائي وشيبان بن عبد الرحمن وسعيد بن أبي عروبة ، وأبي عوانة "فهؤلاء حافظ أصحاب قتادة ليس في روايتهم لهذا الحديث ما يوجب سقوط باسم الله الرحمن الرحيم من أول فاتحة الكتاب"([913]) .

          فهذه الرواية معلولة لأنها مخالفة للروايات الأخرى ، مع قرائن انضمت إلى ذلك ، وقد أشار إلى هذه القرائن بعض المتأخرين .

          قال العراقي : "إن رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي التي أخرجها مسلم معلولة لأن الوليد يدلس تدليس تسوية"([914]) .

          وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في ذلك ، بأنه قد ورد تصريح الوليد بن مسلم بالسماع في طريق أخرى ، وبين أن الأقوى تعليله بأن قتادة ولد أكمه ، وهو لا يكتب ، فيكون قد أمر غيره بالكتابة له وحينئذ فذلك الغير مجهول الحال عندنا ، ولو كان قتادة يثق به ، فلا يكفي ذلك في ثبوت عدالته إلا عند من يقبل التزكية على الإبهام"([915]) .

          وقال السيوطي : "إن لحديث مسلم السابق (حديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعي) تسع علل : المخالفة من الحفاظ والأكثرين ، والانقطاع ، وتدليس التسوية من الوليد ، والكتابة ، وجهالة الكاتب ، والاضطراب في لفظه ، والإدراج ، وثبوت ما يخالفه عن صحابه ، ومخالفة لما رواه عدد التواتر"([916]) .

          إذن فرواية الوليد بن مسلم وهم ، والسبب في وقوع هذا الوهم هو أن الراوي روى هذا الحديث بالمعنى الذي فهمه (فالراوي ظن حين سمع قول أنس – رضي الله عنه – صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ، نفيها بذلك فنقله مصرحاً بما فهمه ، وقال ا يذكون باسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها ، وفي لفظ فلم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله ، وصار بمقتضى ذلك حديثاً مرفوعاً ، والراوي لذلك مخطئ في ظنه"([917]) .

          وممن صرح بأن سبب الوهم من الراوي هو روايته لهذا الحديث بالمعنى ، الإمام ابن الصلاح([918]) والحافظ ابن حجر([919]) .

          فهذا المعنى الذي فهمه الراوي خطأ ، والمعنى الصحيح هو كما بينه الشافعي –رحمه الله- قال : "معناه : أنهم كانوا يبتدئون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة ، وليس معناه أنهم لا يقرؤون باسم الله الرحمن الرحيم"([920]) .

          وقد ورد في رواية مسلم من طريق شعبة عن قتادة فلم أسمع أحداً منهم يقرأ باسم الله الرحمن الرحيم([921]) ولا يلزم من نفي السماع عدم الوقوع ، بخلاف الرواية المتقدمة([922]) .

          ومن القرائن التي ذكرها الإمام ابن الصلاح وغيره من العلماء على أن رواية الوليد بن مسلم وقع فيها وهم (أنه ثبت عن أنس أنه سئل عن الافتتاح بالتسمية فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ([923]) .

          وهكذا يتضح لنا كيف تكون الرواية بالمعنى سبباً لوقوع الراوي في الوهم ، فيكون حديثه معلولاً ، لذا نرى أن الإمام البخاري تجنب رواية هذا الحديث في صحيحه .

          أما بالنسبة للإمام مسلم فإنه أورد هذا الحديث من طريق شعبة أولاً ، مما يدل على أنه الأصح عنده ثم أورد حديث قتادة من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي .

أمثلة لما لا تكون فيه الرواية بالمعنى سبباً للتعيل :

          هنا أحاديث رويت بالمعنى ، ولم تتطرق إليها العلة ، وذلك أن الرواية بالمعنى لم تغيرها عن سياقها ، وهذا النوع الذي يختلف فيه الرواة ، ولا يكون فيه تغيير للمعنى ، وإثبات لحكم جديد، يورده الإمام البخاري في صحيحه ، وفيما يلي أمثلة لذلك :

المثال الأول :

          حديث ابن عمر – رضي الله عنه – أنه كان نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره صلى الله عليه وسلم أن يفي بنذره ، وفي رواية اعتكاف يوم ، وهذه روايات هذا الحديث ي صحيح البخاري .

قال البخاري :

" حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله أخبرني نافع عن ابن عمر – رضي الله عنه – أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال : أوف بنذرك"([924]) .

وقال أيضاً :

"حدثنا عبد الله بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام قال : أراه قال ليلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أوف بنذرك"([925]) .

وقال البخاري أيضاً :

" حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن ، أخبرنا عبد الله أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر قال : يا رسو الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: أوف بنذرك"([926]) .

وقال أيضاً :

"حدثنا أبو النعمان حدثنا محمد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : يا رسول الله إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية ، فأمره أن يفي به .

ورواه معمر عن أيوب عن ابن عمر في النذر ، ولم يقل (يوم)" ([927]) .

وحديث معمر هذا أورده البخاري في صحيحه قال :

"حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله ، أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر –رضي الله عنه – قال : لما قفلنا من حنين سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بوفائه"([928]) .

فقد اختلف على نافع في هذا الحديث ، فعبيد الله بن عمر يقول : اعتكاف ليلة ، وأيوب يقول : اعتكاف يوم في رواية حماد بن زيد عنه .

أما معمر في روايته عن أيوب مجملة لم يذكر مدة الاعتكاف وهو اختصار لا يضر بأصل الحديث وكل من أيوب ، وعبيد الله بن عمر من ثقات أصحاب نافع .

وقد سئل الدار قطني عن اثبت أصحاب نافع فقال :

"عبيد الله بن عمر ، ومالك ، وأيوب السخيتاني"([929]) .

فلما كان المختلفان حافظين ساق البخاري رواية كل منهما لأنه لا تعارض في المعنى بينهما. وبين الحافظ ابن حجر كيفية الجمع بين هاتين الروايتين فقال :

"والتحقيق في الجمع بين هاتين الروايتين أن عمر – رضي الله عنه – كان عليه نذر اعتكاف يوم بليلته فسال النبي صلى الله عليه وسلم عنه فأمره بالوفاء به ، فعبر بعض الرواة بيوم وأراد بليلته ، وعبر بعضهم بليلته ، وأراد يومها .

والتعبير بكل واحد من هذين عن المجموع من المجاز الشائع الكثير من الاستعمال ، فالحمل عليه أول من جعل القصة متعددة"([930]) .

وقد ذهب الإمام النووي إلى أنها واقعتان : كان على عمر نذران ، ليلة بمفردها، ويوماً بمفرده ، فسأل عن هذا مرة ، والآخر أخرى([931]) . وقد رد هذا على النووي كل من الحافظ العلائي وابن حجر وحملا ذلك على الرواية بالمعنى([932]) ، وهو الصواب – إن شاء الله - .

المثال الثاني :

          قال البخاري : "حدثنا عبيد الله بن موسى قال : أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان"([933]) .

هذا أحد ألفاظ الحديث التي ساقها البخاري .

وساقه بلفظ آخر ونصه كما يلي : "... عن نافع أن رجلاً أتى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً ، وتترك الجهاد في سبيل الله عز وجل ، وقد علمت ما رغب الله فيه ؟ قال : يا ابن أخي بني الإسلام على خمس : إيمان بالله ورسوله ، والصلوات الخمس ، وصيام رمضان ، وأداء الزكاة ، وحج البيت ..." ([934]) .

          هذه ألفاظ هذا الحديث في صحيح البخاري ، ويلاحظ أن فيها تغايراً في الألفاظ والعبارات كما يلاحظ اختلاف في التقديم والتأخير ، حيث قدم الحج على الصوم في الرواية الأولى ، بينما آخر في الرواية الثانية ، وقدمت الزكاة عن الحج والصوم في الرواية الثانية، بينما أخرت على الصوم وقدمت على الحج في الرواية الثانية .

          وأما الإمام مسلم فقد ذكر هذا الحديث من طرق مختلفة :

1-      عن أبي ملك الأشجعي عن سعيد بن عبيدة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "بني الإسلام على خمسة : على أو يوجد الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان، والحج" ، فقال رجال : الحج وصيام رمضان ، قال : "لا ، صيام رمضان والحج" هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2-      ... عن سعيد بن طارق قال حدثني : سعد بن عبيدة السلمي ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "بني الإسلام على خمس على أن يعبد الله ويكفر  بما دونه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان" .

3-      ... وعن عاصم (هو ابن محمد بن زيد بن عبيد الله ابن عمر) عن أبيه قال : قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان .

4-             ثم ساقه من رواية عكرمة بن خالد ، ولفظه مثل لفظ البخاري([935]) .

ونلاحظ أيضاً أن فيها اختلافاً في الألفاظ ، واختلافاً في التقديم والتأخير بين الحج والصيام .

وقد حاول الإمام النووي كعادته أن يوفق بين هذه الروايات بتعدد الواقعة أي أن ابن عمر سمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجهين([936]) .

وقد استبعد الحافظ هذا الحل فقال :

"ولا شك ي أن مثل هذا هنا بعيد جداً ، فإنه لو سمعه على الوجهين ، لم ينكر على من قال أحدهما ، إلا أن يكون حينئذ ناسياً أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله على الوجه الذي أنكره والظاهر القوي أن راوي هذه الطريق قدم فيها الحج على الصيام ، ورواه بالمعنى فقدم وآخر ولم يبلغه نهي ابن عمر – رضي الله عنه – عن ذلك محافظة على كيفية ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الحمل – وهو رواية بعض الرواة لهذه الطريق على المعنى أولى من تطرق النسيان إلى ابن عمر – رضي الله عنه – أو الإنكار للفظ الذي سمعه النبي صلى الله عليه وسلم"([937]) .

          وقال الحافظ في الفتح في شرح لحديث ابن عمر من طري حنظلة عن عكرمة :

          "ووقع هنا تقديم الحج على الصوم ، وعليه بنى البخاري ترتيبه ، لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة ، عن ابن عمر ، بتقديم الصوم على الحج ، قال : فقال رجل والحج وصيام رمضان ، فقال ابن عمر : لا ، صيام رمضان والحج ، هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

          ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى ، إما أنه لما يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس ، أو حضر ذلك ثم نسيه ، ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجهين ، ونسي أحدهما عند رده على الرجل .

          ووجه بعده أن طرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي ، كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج ، ولأبي عوانة من وجه آخر عن حنظلة أنه جعل صوم رمضان قبل ، فتنويعه دال على أن روى بالمعنى .

 

المطلب الثالث

الإدراج وأثره في التعليل

          قبل بيان أثر الإدراج في تعليل الأحاديث ، نتحدث عن تعريفه لغة واصطلاحاً، ثم دوافعه، ثم نتطرق إلى كيفية تعامل الإمام البخاري مع الأحاديث المدرجة في صحيحه .

تعريف الإدراج لغة :

          الإدراج : لف الشيء بالشيء ، والدرج لف الشيء ، يقال : درجته ، وأدرجته ، والرباعي أفصحها ، ودرج الشيء في الشيء درجاً ، وأدرجه : طواه وأدخله([938]) .

تعريفه اصطلاحاً :

          " هو أن يدخل في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من كلام بعض الرواة فيتوهم من سمع الحديث أن هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم "([939]) .

دوافع الإدراج :

          الذي يحمل الرواة على الإدراج أمور كثيرة من أهمها([940]) :

1-             بيان حكم شرعي .

2-             استنباط حكم شرعي .

3-             شرح لفظ غريب في الحديث .

ويعرف الإدراك بأمور([941]) منها :

1-             أن يستحيل إضافة ذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

2-             أن يصرح الصحابي أنه لم يسمع تلك الجملة من النبي صلى الله عليه وسلم .

3-             أن يصرح بعض الرواة بفصل المدرج عن المتن المرفوع ، بإضافة اللفظ المدرج إلى قائله .

فالإدراج إذن سبب لغير سياق الحديث سواء في سنده أو متنه ، ويكون سبباً للاختلاف بين الرواة ، فبعض الرواة يميز الحديث المرفوع عما فيه من إدراج ، والبعض يتوهم أن الألفاظ المدرجة من متن الحديث فيرويه كذلك دون تمييز ، فيكون لذلك حديثه معلولاً .

كيفية تعامل الإمام البخاري مع الأحاديث المدرجة في صحيحه :

          إن الأحاديث المدرجة نوع من أنواع الأحاديث المعلولة ، وبما أن الإمام البخاري قصد من "كتابه" جمع الأحاديث الصحيحة السليمة من العلل على اختلاف أنواعها وأجناسها، فهو من هذا المنطلق يستبعد الأحاديث المعلولة ، ومن ذلك الأحاديث المدرجة ، ومع ذلك نجد الإمام البخاري يخرج في صحيحه الأحاديث التي وقع فيها الإدراج بكيفيات مختلفة نحصرها فيما يلي :

1-             تخريج الحديث المرفوع دون ما وقع فيه من إدراج .

2-             تخريج الحديث من الطريق المميز فيها الإدراج .

3-             تخريج الأحاديث المدرجة لوضوح الإدراج فيها ، أو مع الإشارة إليه إذا كان خفياً.

ونضرب أمثلة لكل حالة من الحالات من صحيح البخاري .

تخريج الحديث المرفوع دون ما فيه من إدراج :

          هذا هو الأصل عند الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه هو تخريج الأحاديث الصحيحة دون ما فيها من أوهام سواء أكانت تلك الأوهام في الأسانيد أم في المتون ، وسواء أكان الوهم بسب الإدراج أم الاختصار ، أم الرواية بالمعنى ، أم غير ذلك من الأسباب ، هنا بأحاديث وقع فيها إدراج ، أخرج البخاري الحديث المرفوع منها فقط دون المدرج .

المثال الأول :

          حديث أبو مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يعلمه التشهد: "التحيات لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ، ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ، محمد عبده ورسوله"([942]) .

          فهذا الحديث يرويه البخاري وبقية الستة هكذا .

          وأخرجه الدرامي وفي آخره "... فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك ، فإن شئت فقم ، وإن شئت فاقعد"([943]) .

          فهذه الزيادة ليست من المرفوع ، بين ذلك شبابة بن سوار فيما أخرجه الدار قطني وغيره وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، فيما أخرجه أبو يعلى والطبراني في الأوسط([944]) .

المثال الثاني :

          حديث عثمان – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"([945]) .

          هكذا رواه البخاري ومسلم ، ورواه الخطيب وزاد في آخره (وفضل القرآن على سائر الكلام تفضل الله على خلقه ، وذلك أنه منه) .

          فالمرفوع منه إلى قوله " وعلمه " وأما قوله "وفضل القرآن ... إلى آخره" مدرج من كلام أبي عبد الرحمن السلمي ، ميزه جماعة من الرواة منهم : ابن راهويه ، وأبو مسعود ، وأحمد بن الفرات الرازي ، ويحيى بن أبي طالب([946]) .

المثال الثالث :

          حديث أبي جحيفة – رضي الله عنه – قال : "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكان الحسن يشبهه"([947]) .

          هكذا روى البخاري ومسلم وغيرهما هذا الحديث .

          ورواه الخطيب وزاد في آخره وأتى بثوب من النصاب مكتوب عليه صورة شيطان فرمى به وقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

          وقصة الثوب مدرجة لأن أبا جحيفة هو الذي أتى بالثوب ، فقد رواها عنه مفردة إبراهيم بن حميد الرواسي([948]) .

          وقد يخرج البخاري أحياناً ببعض الأحاديث التي وقع فيها الإدراج من طريق يميز فيها رواتها المرفوع من المدرج . ولذلك أمثلة نذكر منها ما يلي :

المثال الأول :

          حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من مات وهو يشرك بالله شيئاً دخل النار ، ومن مات وهو لا يشرك بالله دخل الجنة"([949]) .

          هذا الحديث وهم فيه أحمد بن عبد الجبار العطاردي([950]) والمرفوع منه الجملة الأولى فقط، والثانية موقوفة . كذا ميزه جماعة من الرواة منهم الأعمش أخرجه الشيخان والنسائي([951]).

          فهذا الحديث رواه البخاري من طريق الأعمش عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار" وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة"([952]) .

المثال الثاني :

          حديث ابن عباس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر ، فأفطر الناس ، فكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه الشيخان .

          وقوله فكانوا يأخذون بالأحدث  ... ليس من قول ابن عباس ، بل هو مدرج من قول الزهري بينه معمر فيما أخرجه البخاري([953]) وابن إسحاق فيما أخرجه أحمد ، ورواه ابن خزيمة من طريق ابن عيينة فقال : لا أدري هل هو من قول ابن عباس أو من قوله عبد الله أو من قول الزهري([954]) .

المثال الثالث :

          حديث ابن عمر : إن رسول الله نهى عن القران إلا أن يستأذن الرجل أخاه قال الخطيب : الاستثناء بالاستئذان من قول ابن عمر لا مرفوع ، بينه آدم بن أبي إياس عن شعبة أخرجه البخاري([955]) وتابع آدم على فصل الوقوف من المرفوع شبابة بن سوار عن شعبة أخرجه الخطيب وعاصم بن علي عن شعبة ، أخرجه الطيب ، وقد فصله أيضاً عن شعبة سعيد بن عامر الضبعي([956]).

          والحاصل أن أصحاب شعبة اختلفوا فأكثرهم رواه عنه مدرجاً ، وطائفة منهم رووا عنه التردد في كون هذه الزيادة مرفوعة أو موقوفة ، وشبابة فصل عنه ، وآدم جزم عنه بأن الزيادة من قول ابن عمر ، وتابعه سعيد بن عامر .

          وقد رجح الحافظ أنه لا إدراج في هذا الحديث واستدل لذلك بأن البخاري اعتمد هذه الزيادة وترجم عليها في كتاب المظالم([957]) ، وفي الشركة ، ولا يلزم من كون ابن عمر ذكر الإذن مرة غير مرفوع ، أن لا يكون مستنده فيه الرفع([958]) .

          وقد يخرج البخاري الأحاديث التي وقع فيها الإدراج ولا يبينه إذا كان واضحاً ، أو يشير إليه ويصرح به إذا كان خفياً . وفيما يلي أمثلة على ذلك :

المثال الأول :

          حديث عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي "... وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه ، وهو التعبد الليالي ذوات العدد ..." ([959]) .

          فتفسير التحنث ليس من قول عائشة وإنما هو مدرج من كلام الزهري([960]) ولم يصرح البخاري بذلك لوضوح الإدراج فيه .

المثال الثاني :

          حدث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة : وهي طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه . ونهى عن الملامسة ، والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه([961]) .

          فتفسير المنابذة والملامسة من قول الصحابي([962]) .

المثال الثالث :

          حديث ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة ، والمزابنة اشتراء التمر بالتمر كيلاً ، وبيع الكرم بالزبيب كيلاً([963]) .

          وتفسير المزابنة من كلام الصحابي([964]) .

          هذه أمثلة لأحاديث كثيرة([965]) وقع فيها الإدراج ورواها البخاري في صحيحه دون بيان له لوضوحه وأكثر هذه الأحاديث مما وقع فيه الإدراج لتفسير كلمات غريبة في المتن من الصحابي، أو ممن دونه وأحياناً يبين الإمام البخاري الإدراج – وهو أمر قليل جداً – فمن ذلك : ما رواه البخاري في صحيحه قال :

          " حدثنا عبد الله بن الصباح حديثنا المعتمر ، قال : سمعت عوفاً قال : حدثنا محمد بن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب روؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة . وما كان من النبوة، فإنه لا يكذب" قال محمد : وأنا أقول هذه . قال : وكان يقال الرؤيا ثلاث : حديث النفس ، وتخويف الشيطان ، وبشرى الله . فمن رأى شيئاً يكرهه فلا يقصه على أحد ، وليقم فليصل، قال: وروى قتادة ويونس وهشام ، وأبو هلال عن أبي سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأدرجه بعضهم كله في الحديث عوف أبين .

وقال يونس : لا أحسبه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم في القيد([966]) .

فقد أشار البخاري إلى الاختلاف الواقع في هذا الحديث من أصحاب ابن سيرين . فقتادة ويونس بن عبيد وهشام بن حسان ، وأبو هلال محمد بن سلم الراسبي رووا أصل الحديث ومنهم من رواه منهم من اقتصر على بعضه . وهشام في روايته عن أدرج الموقوف في المرفوع . وأما عوف الأعرابي فقد ميز في رواته الموقف عن المرفوع([967]) .

المبحث الرابع

زيادات الثقات وموقف البخاري منها

المطلب الأول : موقف العلماء والطوائف من زيادة الثقة .

المطلب الثاني : نماذج لزيادات مقبولة عند الإمام البخاري .

المطلب الثالث : نماذج لزيادات مردودة عند الإمام البخاري .

تمهيد :

          إن من أهم المسائل التي لها علاقة مباشرة بتعليل الأحاديث مسألة "زيادة الثقات" ، وفي واقع الأمر أن هذه المسألة هي فرع عن مسألة المخالفة ، لأن الراوي ، إذا خالف غيره ، فتارة ينقص عليهم ، وتارة يزيد في السند أو في المتن .

          وقد اعتنى المحدثون والفقهاء بزيادات الثقات اعتناءً بالغاً ، فجمعوا الطرق ، وفتشوا الأسانيد والروايات . ليتمكنوا من الوقوف على تلك الزيادات لما لها من آثار مهمة في الفقه والحديث . ولأهمية المسألة أفردتها بمبحث خاص حتى أساهم في الإجابة على إشكال كبير طالما يواجهه المشتغلون بالحديث والتخريج ، فكثيراً ما يجدون في الأحاديث المروية أصولها في الصحيحين زيادات من طرف رواة ثقات ويترت على هذه الزيادات مسائل فقهية مهمة . لكن يفاجؤون لعدم ورودها في الصحيحين ، رغم صحة أسانيدها ، وأهمية متونها . فيقعون في الحيرة والتذبذب ، فمنهم من يبادر إلى قبولها بناء على صحة ظاهر الإسناد ، وحال الراوي الذي انفرد بتلك الزيادة مدعمين موقفهم هذا بأن الشيخين لم يقصدا استيعاب كل الأحاديث الصحية . ومنهم من يردها ويرتاب في صحتها على أساس عدم ورودها في أصول دواوين الإسلام . ومنهم من يتلون فيقبلها تارة إذا وافقت مذهبه ومشربه ويردها إذا خالفت هواه . ويجد كل واحد من هؤلاء في كتب الحديث ومصطلحه ما يدعم به موقفه من الآراء المختلفة المنقولة عن العلماء. وأصبحت القواعد المقررة في علوم الحديث لا تكفي لرفع الخلاف لأن (القواعد المقررة في مصطلح الحديث ، منها ما يذكر فيه خلاف ، ولا يحقق الحق فيه تحقيقاً واضحاً. وكثيراً ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيراً ، وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل مع حسن الفهم وصلاح النية) ([968]) .

          فمن الصعوبة بمكان الوقوف على قواعد المحدثين في مسألة ما من هذا العلم دون النظر في كتبهم المصنفة في الصحيح والعلل ، ودراسة ذلك دراسة متأنية ومتبصرة من غير مقررات مذهبية سابقة تحول دون الوصول إلى تقرير الحق .

          وقد أرشد إلى هذا الإمام الحاكم النيسابوري إذ يقول :

          " إن الصحيح لا يعرف بروايته فقط . وإنما يعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل العلم والمعرفة . ليظهر ما يخفى من علة الحديث، فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم. لزم صاحب الحديث التنقير عن علته ، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته"([969]) .

          ففي هذه الفقرة من الفوائد العلمية ما يكشف بعض الجوانب عن منهج الأئمة النقاد ونذكر منها ما يلي :

1-      ليس اعتماد المحدثين في تصحيح الأحاديث على ظاهر الأسانيد فقط ، بل يضاف إليه النظر فيما يمكن أن يدخل الحديث من أوهام وأخطاء .

2-      إدراك العلل والأوهام في الأحاديث يحتاج إلى سعة الحفظ والاطلاع على مختلف الطرق والروايات للحديث الواحد ، مع سلامة الفهم ، وحسن القصد .

3-             الاهتمام البالغ بالصحيحين من قبل الأئمة ، واعتبارها المعيار الذي تحاكم إليه الأحاديث الأخرى .

4-      لا يفهم من كلام الحاكم أن الأحاديث التي لم تخرج في الصحيحين كلها معلولة، وإنما المراد بذلك الطرق التي تشتمل على زيادات أو تفردات وكان ظاهر إسنادها صحيح .

وهذا الفهم ضروري إذ لو كان المتبادر أن الأحاديث التي خارج الصحيحين كلها سقيمة ومعلولة ، ما ساغ للحاكم نفسه أن يصنف "المستدرك على الصحيحين" ولما ساغ أيضاً لمن جاء بعده كابن حبان ، وابن خزيمة ، وابن السكن وغيرهم أن يسموا كتبهم بالصحيح .

ومن هنا يمكن القول بأن مراده تلك الطرق والزيادات التي يتركها الشيخان ، مع معرفتهما بها وحاجتهما إليها . إذ غالباً ما يتعلق بها فقه عظيم ، مع صحة سندها وتخريجهما لأصل الحديث دون تلك الزيادات . فما هي مبررات هذا الترك ؟ وهل دائماً الزيادة التي ينفرد بها الثقة مرفوضة ؟ وما هي معايير الرفض والقبول ؟

هذا ما سأحاول بمشيئة الله – توضيحيه في هذا المبحث من خلال نماذج مدروسة من صحيح البخاري .

وقبل الإجابة على هذه الأسئلة يحسن بنا أن نذكر بمذاهب العلماء والطوائف حول "زيادة الثقة" .

المطلب الأول

موقف العلماء والطوائف من زيادة الثقة

          لقد اختلفت أنظار العلماء وتباينت مواقفهم كثيراً ، من زيادات الثقات . واختلطت فيها أقوال المحدثين بأقوال الأصوليين وعلماء الكلام ، ونعرض في هذا المطلب لبيان تلك الآراء – على سبيل الاختصار – دون التعرض لذكر الأدلة ومناقشتها .

          وبما أن الزيادات قد تكون في الأسانيد كما تكون في المتون . فأقدم الحديث على زيادات الأسانيد وموقف العلماء منها ثم زيادات المتون .

القسم الأول : الزيادة في السند :

          تتمثل في اختلاف الوصل والإرسال والرفع والوقف أو زيادة راو في الإسناد وحذفه. وقد اختلف العلماء في هذا النوع على أربعة أقوال :

القول الأول : ترجيح الوصل على الإرسال ، والرفع على الوقف :

          وإلى هذا الرأي ذهب كثير من الأئمة المتأخرين .

          قال الخطيب البغدادي : "وهذا القول هو الصحيح عندما لأن إرسال الحديث ليس بجرح لمن وصله ، ولا تكذيب له ، ولعله أيضاً مسند عند الذين رووه مرسلاً ، أو عند بعضهم، إلا أنهم أرسلوه لغرض أو نسيان ، والناسي لا يقضي على الذاكر وكذا حال راوي الخبر إذا أرسله مرة، ووصله أخرى ؛ لا يضعف ذلك إيصاله لأنه قد ينسى فيرسله ، ثم يذكر بعد فيسنده ، أو يفعل الأمرين معاً عن قصد منه لغرض له فيه"([970]) .

          وقال ابن الصلاح: "وما صححه – أي الخطيب – هو الصحيح في الفقه والأصول"([971]) .

          وقال الإمام النووي : "الصحيح بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين أنه روي الحديث مرفوعاً وموقوفاً ، أو موصولاً ومرسلاً حكم بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة ، وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد"([972]) .

القول الثاني : ترجيح الإرسال على الوصل والوقف على الرفع :

          وقد حكاه الخطيب البغدادي عن أكثر أصحاب الحديث . بالنسبة لترجيح الإرسال على الوصل([973]) ، وأما ترجيح الوقف على الرفع فهو مثله فيأخذ حكمه .

القول الثالث : الحكم للأكثر :

          فإن كان من أرسله أكثر ممن وصله فالحكم للإرسال . وإن كان من وصله أكثر ممن أرسله فالحكم للوصل ، وكذا الرفع والوقف .

          لأن تطرق السهو والخطأ إلى الأكثر أبعد ، وقد حكى هذا القول الحاكم النيسابوري في "المدخل" عن أئمة الحديث([974]) .

القول الرابع :

          إن المعتبر ما قاله الأحفظ من وصل أو إرسال . فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله، فالحكم لمن أرسله . وإن كان من وصل أحفظ ، فالحكم له([975]) .

          وهذه الأقوال كلها نظرية فقط . وقد سبق أن نقلت في "مبحث المخالفة" أقوال بعض الحفاظ المتأخرين التي تبين أن منهج المحدثين على خلاف هذه الأقوال وبينت بالأمثلة المدروسة أن الترجيح خاضع للقرائن .

القسم الثاني : الزيادة في المتن :

          الخلاف في هذا النوع من الزيادة أكثر من النوع الأول . ولقد نقلت فيه أقوال كثيرة هذه أهمها :

القول الأول :

          ذهب الجمهور من الفقهاء وبعض المحدثين كابن حبان والحاكم وجماعة من الأصوليين منهم الغزالي في "المستصفى" وجرى عليه النووي في مصنفاته إلى أن زيادة الثقة مقبولة مطلقاً([976])".

القول الثاني :

          أنها لا تقبل مطلقاً ، لا ممن رواه ناقصاً ولا من غيره .

          حكاه الخطيب في "الكفاية" عن قوم ، المحدثين([977]) ، وابن الصباغ في "العدة"([978]) .

القول الثالث :

          قبول الزيادة إذا كان الراوي لها غير الذي روى الحديث بدونها ، فأما إن كان راوي الحديث بدون الزيادة هو راويه مع الزيادة فإن هذه الزيادة لا تقبل وإلى هذا القول ذهبت فرقة من الشافعية([979]) .

القول الرابع :

          إن غيرت الإعراب لم تقبل ، وإن لم تغير الإعراب . وكان عدد من مرات ذكر الزيادة أكثر من الإمساك عنها قبلت . وإن كان العكس ردت وإن تساويا قبلت أيضاً .

          وقد ذهب إلى هذا فخر الدين الرازي([980]) .

القول الخامس :

          إن كان من لم يرو الزيادة قد انتهوا إلى عدد لا يتصور في العادة غفلة مثلهم عن سماع تلك الزيادة وفهمها . فإن هذه الزيادة لا تقبل ، سواء أبلغ الرواة للحديث بدونها حد التواتر أم لم يبلغوه ، وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد قبلت .

          وإليه ذهب ابن الصباغ([981]) والآمدي([982]) وابن الحاجب([983]) والسمعاني([984]) .

القول السادس :

          تقبل الزيادة إذا سكت الباقون ممن لم يروها عن نفيها ، أما إذا صرحوا بنفي ما نقله عند إمكان اطلاعهم على نقله ، فهذا يعارض قول المثبت ويوهنه .

          وإليه ذهب إمام الحرمين الجويني([985]) .

القول السابع :

          إن الزيادة تقبل إذا أفادت حكما شرعياً ، وإلا فلا تقبل .

          ذكر الخطيب في الكفاية ولم ينسبه لمعين([986]) .

القول الثامن :

          وجوب قبول الزيادة من جهة اللفظ دون المعنى .

          وهذا القول أيضاً حكاه الخطيب في الكفاية ولم ينسبه لمعين([987]) .

القول التاسع :

          تقبل الزيادة في المتون في الفقهاء ولا تقبل من المحدثين الذين لا يهتمون بالفقه، وأن الزيادة في الإسناد فتقبل من المحدثين ولا تقبل من الفقهاء الذين لا يهتمون بالإسناد .

          وإلى هذا القول ذهب الإمام ابن حبان في مقدمة "صحيحه"([988]) .

          هذه أهم مذاهب العلماء من محدثين وفقهاء وأصوليين ومتكلمين في زيادة الثقة. وأكثرها شهرة واستعمالاً القول بقبول زيادة الثقة مطلقاً . وقد نسبه كثير من العلماء إلى جمهور المحدثين ولكن الواقع العلمي النقدي لأئمة الحديث يرده . وقد نبه على هذا الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فقال :

          "اشتهر عن جمع مع العلماء القول بقبول الزيادة مطلقاً ، من غير تفصيل ، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذاً ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه ، والعجب ممن أغفل منهم مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح ، وكذلك الحسن .

          والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني والبخاري ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، والنسائي ، والدار قطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها ، ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة([989]) .

          إذن فمنهج الأئمة ليس هو قبول الزيادة من الثقة مطلقاً ، أو ردها مطلقاً ، وإنما الأمر يدور مع القرائن والمرجحات .

          وفيما يلي نماذج لزيادات ثقات ردها الإمام البخاري ، وأخرى قبلها موضحاً القرائن التي اعتمد في القبول أو الرد . ومشيراً إلى أثر تلك الزيادات في الأحكام الفقهية .

المطلب الثاني

نماذج لزيادات مقبولة عند الإمام البخاري

المثال الأول :

          قال البخاري – رحمه الله - :

          "حدثنا محمد (هو ابن سلام) ، قال : حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : جاء فاطمة ابنة أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني امرأة أستحاض فلا أطهر . أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا إنما ذلك عرق وليس بحيض . فإذا أقبلت حيضك فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي" .

          قال : وقال أبي : "ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت"([990]) .

          وقال البخاري أيضاً :

          حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة –رضي الله عنها- قالت : قالت فاطمة بنت حبيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إني لا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما ذلك عرق ليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي"([991]) .

          وقال البخاري أيضاً :

          حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي"([992]) .

          وقال أيضاً :

          حدثنا أحمد بن أبي رجاء ، قال : حدثنا أبو أسامة قال : سمعت هشام بن عروة قال: أخبرني أبي  عن عائشة أن فاطمة بنت حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت : إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال : "لا إن ذلك عرق ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين ، ثم اغتسلي وصلي"([993]) .

          وقال أيضاً :

          حدثنا أحمد بن يونس عن زهير ، قال : حدثنا هشام بن عروة عن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي"([994]) .

          هذه طرق هذا الحديث في صحيح البخاري ، ونلاحظ أنها متفقة في سياق المتن إلا أن في الطريق الأولى زيادة تفرد بها أبو معاوية وهي (ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) فهل هذه الزيادة محفوظة ، وما موقف البخاري منها ؟

          وقد أدعى بعضهم بأن أبا معاوية فقد انفرد بهذه الزيادة .

          ولم ينفرد أبو معاوية بذلك فقد رواه النسائي عن طريق حماد بن زيد عن هشام ، وأدعى أن حماداً تفرد بهذه الزيادة .

          قال أبو عبد الرحمن : لا أعلم أحداً ذكر في هذا الحديث "وتوضئ" غير حماد بن زيد وقد روى غير واحد عن هشام ، ولم يذكر فيه "وتوضئ"([995]) .

          وأومأ مسلم إلى ذلك أيضاً حيث قال بعد روايته لهذا الحديث من طريق حماد بن زيد وغيره في حدث حماد زيادة حرف تركنا ذكره([996]) .

          والظاهر من صنيع الإمام البخاري أنه يصحح هذه الزيادة وذلك الأمور التالية :

1-             أبو معاوية راوي هذه الزيادة ثقة([997]) .

2-      لم ينفرد أبو معاوية بهذه الزيادة فقد تابعه عليها كل من حماد بن زيد عند مسلم والنسائي ، وحماد بن سلمة عند الدرامي ، ويحيى بن سليم عند السراج([998]) .

3-             وجود بعض الشواهد لهذا الحديث .

منها ما رواه شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جدة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة : "تدع الصلاة أيام اقرائها التي كانت تحيض فيها ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة ، وتصوم وتصلي"([999]) .

          قال أبو عيسى : هذا حديث تفرد به عن أبي اليقظان ، وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت : عدي بن ثابت عن أبيه عن جده . عدي ما اسمه فلم يعرف اسمه ، وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين اسمه دينار فلم يعبأ به([1000]) . فهذا الشاهد ضعيف ، لضعف شريك وتفرده به، وأبو اليقظان هو عثمان بن عميرة الكوفي لا يحتج بحديثه ، ثم جهالة جد عدي بن ثابت .

          وقال أبو داود في سننه :

          " وروى عبد الملك بن ميسرة ، وبيان والمغيرة ، وفراس ، ومجالد عن الشعبي عن قمير عن عائشة : توضئي لكل صلاة" .

          ورواية داود وعاصم عن الشعبي عن قمير عن عائشة تغتسل كل يوم مرة .

          وروى هشام بن عروة عن أبيه ، المستحاضة تتوضأ لكل صلاة .

          وهذا الأحاديث كلها ضعيفة إلا حدث قمير وحديث عمار مولى بني هاشم ، وحديث هشام بن عروة عن أبيه"([1001]) .

فقه الحديث :

          في الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض، وتعمل على إقباله وإدباره . فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه . ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث ، فتتوضأ لكل صلاة . لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقضية ، لظاهر قوله : "ثم توضئي لكل صلاة" وبهذا قال الجمهور ، وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بالوقت فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ، ما لم يخرج وقت الحاضرة ، وعلى قولهم المراد بقوله : "ثم توضئي لكل صلاة" أي لوقت كل صلاة ، ففيه مجاز الحذف ، ويحتاج إلى دليل .

وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر .

وقال أحمد وإسحاق : "إن اغتسلت لكل فرض هو أحوط "([1002]) .

وفي هذه الزيادة دليل صريح على أن المستحاضة يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة .

المثال الثاني :

          زيادة " من المسلمين " في حديث زكاة الفطر .

          قال البخاري : "حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين"([1003]) .

          فهذا الحديث رواه مالك عن نافع وذكر فيه " من المسلمين " .

          ورواه أيوب عن نافع ولم يذكر فيه "من المسلمين"([1004]) .

          ورواه عبيد الله عن نافع ولم يذكر فيه "من المسلمين"([1005]) .

          ورواه الليث عن نافع ولم يذكر فيه " من المسلمين "([1006]) .

          قال الترمذي ك "روى أيوب وعبيد الله بن عمر وغير واحد من الأئمة هذا الحديث عن نافع . ولم يذكر فيه من المسلمين ، وروى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك من لا يعتمد على حفظه .

          وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك واحتجوا به ، منهم الشافعي وأحمد بن حنبل قالا : إذا كان للرجل عبيد غير مسلمين ، لم يؤد زكاة الفطر ، واحتجاً بحديث مالك ، فإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه قبل ذلك عنه"([1007]) .

          وممن صح هذه الزيادة واحتج بها الإمام البخاري – في صحيحه – حيث ترجم بما يدل على ذلك في باب صدقة الفطرة على العبد وغيره من المسلمين .

          وقد اعتمد البخاري في تصحيح هذه الزيادة على :

1-             ثقة مالك وحفظه وإتقانه .

2-      عدم انفراده بهذه الزيادة فقد تابعه عليها عمر بن نافع وحديثه أورده البخاري في الباب قبله([1008]) ، والضحاك بن عثمان عند مسلم([1009]) .

ورواه عبد الله العمري عن نافع فقال : " على كل مسلم "([1010]) .

ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبد الله بن عمر عن نافع فقال فيه : "من المسلمين"([1011]) .

قال الإمام أحمد في رواية عنه : "كنت أتهيب حديث مالك (من المسلمين) حتى وجدته من حديث العمريين . قيل له فمحفوظ هو عندك (من المسلمين) ؟ قال : نعم" .

وهذه الرواية تدل على توقفه في زيادة واحدة من الثقات ، ولو كان مثل مالك حتى يتابع على تلك الزيادة([1012]) . لهذه المتابعات صحح الإمام البخاري والترمذي وأحمد وغيرهم هذه الزيادة وعملوا بها.

المطلب الثالث

نماذج لزيادات مردودة عند البخاري

المثال الأول :

          حديث عثمان – رضي الله عنه – في صفة وضوئه عليه السلام .

          قال البخاري رحمه الله : "حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، قال : حدثني إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب بن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران مولى عثمان ، أخبره أنه رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاثة مرار فغسلها ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً ، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار ثم مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين ، ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى الله عليه وسلم ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه"([1013]) .

          وقال البخاري أيضاً : "... حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني عطاء بن يزيد عن حمران مولى عثمان ... ثم مسح برأسه ..." ([1014]) .

          وقال البخاري أيضاً : "... حدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا معمر قال : حدثني الزهرري عن عطاء بن يزيد عن حمران مولى عثمان رأيت عثمان .. ثم مسح برأسه ..." ([1015]) .

          هذه طرق هذا الحديث عن الإمام البخاري .

          وأخرجه مسلم في الطهارة ، باب صفة الوضوء وكماله ، عن أبي طاهر بن السرح وحرملة بن يحيى كلاهما عن ابن وهب عن يوسف ، وعن زهير بن حرب عن يعقوب بن إبراهيم بن سلامة عن أبيه ثلاثتهم عن الزهري([1016]) .

          ولفظه مثل لفظ البخاري .

          فهذه طرق حديث عثمان في صفة وضوئه عليه السلام ليس في شيء منها في الصحيحين ذكر عدد مسح الرأس .

          لكن روى أبو داود في سننه([1017]) بإسناد جيد في بعض طرق هذا الحديث زيادة لفظ (ثلاثاً) عند قوله ومسح رأسه ، وهي تفيد تثليث مسح الرأس .

          فما حكم هذه الزيادة ؟ وهل هي محفوظة أم لا ؟ ولماذا تركها الشيخان ؟ وما الحكم الفقهي المستفاد منها ؟

          لو نظرنا إلى ظاهر السند الذي رويت به هذه الزيادة ، ما ترددنا في قبولها لكن كثيراً من الأئمة لم يصححوها ومن هؤلاء :

          الإمام أبو داود راوي هذه الزيادة .

          يقول في سننه : "أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة واحدة"([1018]) .

          وقال ابن المنذر : "إن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح واحدة"([1019]) .

          وقال الدار قطني في سننه : "إن السنة في الوضوء مسح الرأس مرة واحدة"([1020]) .

          وقال العلامة ابن القيم : "والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه بل كان إذا كرر غسل الأعضاء أفرد مسح الرأس ، هكذا جاء عنه صريحاً ، ولم يصح عنه خلافه البتة"([1021]) .

          أما الإمام البخاري – رحمه الله – فصنيعه يشعر ويدل دلالة واضحة ، أنه لا يصحح تلك الزيادة إذ أنه روى هذا الحديث في مواضع متعددة من صحيحه ، ولم يورد تلك الزيادة وترجم على الحديث في كل مرة مستنبطاً منه مسائل فقهية .

-        ترجم عليه أولاً بما يدل على سنة التثليث عموماً في الوضوء (باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً) بعد أن أورد ما يدل على مشروعية المرة الواحدة والمرتين (باب الوضوء مرة مرة) و (باب الوضوء مرتين مرتين) .

-        ثم ترجم له بما يدل على مشروعية غسل الرجلين ، وعدم مشروعية المسح على القدمين بقوله (باب غسل الرجلين ، ولا يمسح على القدمين) .

-                   ثم أورده في كتاب الصيام مستدلاً به على مشروعية السلواك للصائم سواء أكان رطباً أم يابساً .

-        ومما يدل على عدم ثبوت تلك الزيادة عنده أنه ترجم صريحاً بما يخالفها في نفس الباب الذي أورد فيه حديث عثمان الآنف الذكر ، فقد روى في كتاب الوضوء (باب مسح الرأس مرة) وفي بعض ورايات الصحيح (باب مسح الرأس مسحة).

من حديث عبد الله بن زيد – رضي الله عنه الله عنه - .

فهذه القرائن تدل على أن الإمام البخاري لا يرى صحة تلك الزيادة لانفرادها ومخالفتها لما هو ثابت عن عثمان – رضي الله عنه الله عنه - .

أما ما يتعلق بالزيادة من الناحية الفقهية ، فيتمثل في مشروعية تثليث مسرح الرأس .

قد أفاض العلامة العيني في هذه المسألة ، فأنقل كلامه ملخصاً ، ثم نناقشه فيه، قال –رحمه الله- :

"إن قوله (ثم مسح برأسه) يقتضي مرة واحدة ، كذا فهمه غير واحد من العلماء، وإليه ذهب أبو حنيفة ومال وأحمد ، وقال الشافعي : يستحب التثليث لغيرها من الأعضاء وهو مشهور مذهبه .

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : لا نعلم أحداً من السلف جاء عنه استعمال الثلاث إلا إبراهيم التيمي .

قلت : فيه نظر ، لأن ابن أبي شيبة حكى ذلك عن أنس بن مالك ، وسعيد بن جبير وعطاء ، وزاذان ، وميسرة ، أنهم كانوا إذا توضؤوا مسحوا رؤوسهم ثلاثاً .

ووردت أحاديث كثيرة بالمسح ثلاثاً ، ففي سنن أبي داود بسند صحيح من حديث عبد الرحمن بن وردان عن حمران ، وفيه (مسح رأسه ثلاثاً) .

وفي سنن ابن ماجه ما يدل على أن سائر وضوئه عليه السلام كان ثلاثاً ، والرأس داخل فيه ، وهو بسند صحيح .

وفي علل الترمذي أنه سأل البخاري عن حديث سعيد بن الحارث عن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت ، أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ، فقال هو حديث حسن ، وقال أبو عيسى : هو غريب من هذا الوجه .

وفي مسند أحمد بن منيع عمن رأى عثمان – رضي الله عنه – أنه دعا بوضوء وعنده الزبير ، وسعد بن أبي وقاص فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً ، ثم قال : أنشدكما الله أتعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ كما توضأت ؟ قالا : نعم .

وفي سنن أبي داود من حديث علي – رضي الله عنه – رفعه "ومسح برأسه ثلاثاً" وسنده صحيح .

وفي سنن الدار قطني بسند فيه البيلماني ، عن عمر – رضي الله عنه – وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ومسح برأسه ثلاثاً" .

وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي رافع مرفوعاً "مسح برأسه وأذنيه وغسل رجليه ثلاثاً" وقال : لا يروي عن أبي رافع إلا بهذا الإسناد ، تفرد به الداروردي عن عمر بن أبي عمرو عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي  رافع عنه .

وروى الدار قطني في سننه عن محمد بن محمود الواسطي عن شعيب بن أيوب عن أبي يحيى الحماني عن أبي حنيفة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي- رضي الله عنه – أنه توضأ وفيه "ومسح برأسه ثلاثاً" ثم قال : هكذا رواه أبو حنيفة عن علقمة بن خالد وخالفه جماعة من الحفاظ الثقات ، فرووه عن خالد بن علقمة ، فقالوا فيه : ومسح رأسه مرة واحدة ، ومع خلافهم إياهم قال : إن السنة في الوضوء مسح الرأس مرة واحدة .

قلت (القاتل العيني) : الزيادة من الثقة مقبولة ، ولا سيما من أبي حنيفة ، وأما قوله فقد خالف في الحكم المسح فغير صحيح لأن تكرار المسح عنده مسنون أيضاً لكل بماء واحد.

وقد وردت الأحاديث في المسح مرتين : منها ما رواه ابن ماجة بسند لا بأس به عن الربيع "توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على رأسه مرتين" .

ومنها ما رواه النسائي من حديث عبد الله بن زيد "ومسح برأسه مرتين" وسنده صحيح.

فكل ما أورده العلامة العيني – رحمه الله – ليستدل به على مشروعة التثليث لمسح الرأس لا ينهض للاحتجاج وذلك لأن بعض ما أورده صحيح غير صريح والبعض الآخر صريح غير صحيح . أما لصحيح غير الصريح فهي تلك الأحاديث التي تدل على مشروعية التثليث في الوضوء بصفة عامة ، وهذا ليس هو محل النزاع إذ أخرج بعضها البخاري ومسلم – في صحيحيهما - .

وأما ما يدل على التثليث في مسح الرأس خاصة فهو صريح غير صحيح ، فما رواه أبو داود فقد صرح بأن أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة .

وما رواه الدار قطني في سننه([1022]) من حديث ابن البيلماني عن أبيه عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من توضأ فغسل كفيه ثلاثاً ... " ثم قال ... ومسح برأسه ثلاثاً .

فهذا لا يحتج به لحال ابن البيلماني وابيه وإن كان الأب أحسن حالاً .

وأما ما رواه الطبراني في الأوسط ، فقد عقبه بقوله : تفرد به الدراوردي أي أنه غريب غير مشهور . وأما حديث علي الذي رواه الدار قطني أيضاً في سننه من طريق أبي حنيفة فقد نص الدار قطني على أنه شاذ إذا إن أبا حنيفة خالف جماعة من الحفاظ الثقات .

وأما قول العيني "بأنه زيادة ثقة وزيادة الثقة مقبولة" فهذا الحكم ليس على إطلاقه ، بل هو دائر مع القرائن والمرجحات ، فإذا ثبت عندنا أن هذا الثقة قد حفظ ، ولم يخالفه من هو أوثق وأحفظ وأكثر عدداً منه وغير ذلك من القرائن قبلت زيادته .

وأما ما ورد في بعض الروايات من أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه مرتين([1023]) فيحمل على أنه رواية بالمعنى ، لأنه ورد أنه كان يمسح رأسه بيديه يقبل بهما ويدبر .

قال ابن القيم : "وكان يمسح رأسه كله ، وتارة يقبل بيديه ويدبر ، وعليه يحمل حديث من قال مسح برأسه مرتين ، والصحيح أنه لم يكرر مسح رأسه"([1024]) .

مما سبق يتضح لنا عدم مشروعية التثليث لمسح الرأس وهذا ما ذهب إليه البخاري –رحمه الله – ولم يصحح تلك الزيادة ، لأنها ليست لها متابعات ولا شواهد صحيحة .

ولم ينفرد الإمام البخاري بترك هذه الزيادة بل قد شاركه في ذلك مسلم – رحمه الله – وأعلها أبو داود والدار قطني وغيرهما .

المثال الثاني :

          زيادة "فليرقه" في حديث ولوغ الكلب .

          قال البخاري : "حدثني عبد الله بن يوسف عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً"([1025]) .

وقد روى الإمام مسلم والنسائي هذا الحديث من طريق علي بن حجر السعدي عن علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي رزين وأبي صالح عن أبي  هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات" .

قال أبو عبد الرحمن : لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على قوله فليرقه([1026]) .

يؤخذ من هذه الزيادة أن الماء الذي يلغ فيه الكلب نجس ، وأن الغسل لتطهير الإناء لا لمجرد التعبد ، ويؤخذ منه نجاسة لعاب الكلب ، وهذه الأحكام الفقهية متوقفة على صحة تلك الزيادة .

قد صحح هذه الزيادة بعض الأئمة منهم :

الإمام الدار قطني ، فإنه قال بعد أن ساق الحديث بسنده إلى أبي  هريرة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه ، وليغسله سبع مرات" صحيح : إسناده صحيح ، رواته كلهم ثقات([1027]) .

وقد أورده ان خزيمة في صحيحه وكذلك ابن حبان .

وقال العراقي – رحمه الله – بعد أن نقل أقوال بعض الأئمة في تعليل زيادة "فليرقه" : "قلت وهذا غير قادح فيه فإن زيادة الثقة مقبولة عند العلماء والفقهاء والأصوليين والمحدثين، وعلي بن مسهر قد وثقه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، والعجلي ، وغيرهم ، وهو أحد الحفاظ الذين احتج بهم الشيخان ، وما علمت أحداً تكلم فيه ، فلا يضره تفرده به"([1028]) .

وقد صحح هذه الزيادة أيضاً الإمام الشوكاني في النيل([1029]) .

وابن دقيق العيد في شرحه على عمدة الأحكام([1030]) .

ونلاحظ أن هؤلاء الأئمة اعتمدوا في تصحيح هذه الزيادة على ظاهر الإسناد فالراوي المتفرد بها ثقة فتقبل زيادته .

لكن هناك من الأئمة من أشار على عدم صحتها فمن هؤلاء :

-                   الإمام النسائي ، قال : لا أعلم أحداً تابع علي بن مسهر على زيادة فليرقه([1031]) .

-                   وقال حمزة الكناني : إنها غير محفوظة([1032]) .

-                   وقال ابن منده : لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه إلا علي بن مسهر بهذا الإسناد([1033]) .

وقال ابن عبد البر: "لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الأعمش كأبي معاوية وشعبة"([1034]).

          ويعتبر شعبة وسفيان وأبو معاوية من أثبت الناس في حديث الأعمش([1035]) وهؤلاء لم يذكروا هذه اللفظة .

          وعلي بن مسهر ثقة حافظ خلط في آخر عمره .

          وقد ذكره الحافظ ابن رجب في أمثلة الثقات الذين ضعف حديثهم في بعض الأوقات دون بعض ، وهم الثقات الذين خلطوا في آخر عمرهم .

          وقال فيه :وعلي بن مسهر له مفاريد ، ومنها في حديث : "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليرقه" وقد خرجه مسلم .

          وذكر الأثرم أيضاً عن أحمد أنه أنكر حديثاً ، فقيل له : رواه علي بن مسهر ، فقال : إن علي بن مسهر ، كانت كتبه قد ذهبت فكتب بعد ، فإذا روى هذا غيره ، وإلا فليس بشيء يعتمد"([1036]) .

          فهذه القرائن تدل على أن علي بن مسهر وهم في هذه الزيادة .

          أما بالنسبة لمشروعية الإراقة ، فلا يصح الاعتماد على هذه الزيادة ، لكن (قد ورد الأمر بالإراقة من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعاً ، أخرجه ابن عدي مرفوعاً ، لكن في رفعه نظر، والصحيح أنه موقوف وكذا ذكر الإراقة ماد ، زيد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً وإسناده صحيح أخرجه الدار قطني وغيره) .

          إذن الصواب أن الأمر بالإراقة موقوف على أبي هريرة ، ويمكن أن يكون ابن مسهر قد أدخل الموقف في المرفوع .

          أما بالنسبة للإمام البخاري فإنه ترك هذه الزيادة رغم إخراجه لأصل الحديث ، مما يدل على أنها غير ثابتة عنده ، وقد ترجم بما يدل على ذلك "باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، وسؤر الكلاب وممرهما في المسجد" ومن خلال ما أورده في هذا الباب من أحاديث وآثار يبين أنه يذهب إلى طهارة الكلب ، وطهارة سؤره .

          وفي نهاية هذا المبحث نلخص إلى النتيجة التالية :

          إن زيادة الثقة ليست مقبولة دائماً عند الإمام البخاري ، وليست مردودة دائماً ، وإنما يكون القبول والرد بناء على القرائن .

          والغالب على أكثر الزيادات التي تتعلق بها مسائل فقهية مهمة ، ولم يخرجها الشيخان ، مع تخريجهما لأصل الحديث ، أن تكون شاذة أو منكرة .


الخاتمة

          إن الإمام البخاري من المحدثين النقاد الذين تركوا لنا رصيداً علمياً كبيراً ومتنوعاً فينبغي أن يهتم بهذا الإنتاج ، ويدرس دراسة علمية متخصصة ، ولا يكفي لبحث واحد – مهما بذل فيه صاحب من جهد – أن يبرد جميع الجوانب النقدية عند هذا الإمام .

          والنتيجة التي انتهيت إليها أن كل جزئية من هذا الموضوع تحتاج إلى بحث خاص، حتى تكون النتائج أدق وأعمق ، ومع ذلك فقد حررت كثيراً من المسائل ، وحللت كثيراً من الأمثلة والنماذج ، وناقشت بعض المسلمات والآراء ، مما يكون له أثر طيب – إن شاء الله – في تحريك همم الباحثين في مواصلة الطريق والتعمق أكثر .

          وهذه أهم النتائج التي توصلت إليها :

1-      عبقرية الإمام البخاري ، ودقة الصناعة الحديثية عنده ، خلاف ماهو شائع أن صحيح البخاري لا يشتمل على الدقائق الإسنادية ، وأن مسلماً هو المتفرد بذلك ، نعم هي موجودة وبكثرة ، لكنها متفرقة وغامضة .

2-             إن الجامع الصحيح سلسلة من حلقة متواصلة من جهود المحدثين في التأليف والتصنيف ، والنقد والتمحيص .

3-      تنوع مجالات الثقافة عند الإمام البخاري ، وغزارة عمله ، ودقة فقه ، ومتانة دينه، وسلامة عقيدته ، ومما يؤهله لأن يكون أحد أئمة المسلمين .

4-      التأثير العلمي لصحيح البخاري في عصره وفيما بعده ، وظهر هذا التأثير في إحداث حركة علمية نشيطة في النسج على منواله ، أو انتقاده والاستدراك عليه ، أو في شرحه والتعليق عليه .

5-      لم ألاحظ خلال بحثي هذا تبايناً في منهج النقد عند الأئمة ، وهذا من خلال المقارنة بين موقف الإمام البخاري ، ومواقف غيره من الأئمة في الحكم على الأحاديث تصحيحاً وتعليلاً ، مما يدل دلالة واضحة على وحدة المنهج ، أما الاختلافات فهي جزئية تتباين فيها أنظار النقاد في التطبيق والتفريع .

6-      وجود خلافات كبيرة وجوهرية بين النقاد من المحدثين وغيرهم من المتكلمين والأصوليين والفقهاء ، حيث يغلب على هؤلاء البعد عن طريقة المحدثين ، واطلاعهم على الواقع الحديثي ، والاكتفاء بالأحكام العامة والنظريات المجردة .

7-      اعتبار شرط العدالة في صحة حديث الراوي ، عند الإمام البخاري وسائر الأئمة، وتأثر شروطها عند كثير من المتأخرين بشروط الشهادة .

8-      هناك بعض الأمور لا تقدح في العدالة عند الإمام البخاري منها ، إذا روى الثقة حديثاً فسئل عنه فنفاه ، أو إذا كان الراوي يغشى السلطان ، أو كان يأخذ الأجرة على التحديث ، كل ذلك لا يقدح في عدالته إذا تبين صدقه وحفظه .

9-      إن الإمام البخاري لا يرى البدعة غير المكفرة جرحاً في الراوي ، لذلك روى لكثير من المبتدعة في المتابعات وأحياناً في الأصول ، والعبرة عنده صدقة اللهجة ، وإتقان الحفظ ، وخاصة إذا انفرد بشيء ليس عنده غيره .

10-   إن الإمام البخاري لم يرو في صحيحه عن مجهول قط ؛ لأن الجهالة لا يتحقق معها وصف العدالة ، التي هي شرط أساسي في صحة الحديث .

أما بالنسبة للرواة غير المشهورين فالبخاري لم يعتمد على أحاديثهم ، وإنما روى لهم أحاديث يسيرة لها طرق وشواهد كثيرة .

11-        ليس في صحيح البخاري حديث اصل من رواية من ليس له إلا راو واحد .

12-        يروي الإمام البخاري عن الضعفاء في صحيحه لكنه ينتقي من أحاديثهم ما صح.

13-   كثيراً من أحاديث الصحيح لا يمكن الحكم عليها بالصحة لخصوص أسانيدها ولكن يحكم عليها بالصحة بمجموع طرقها . فالتصحيح قائم على أساس تتبع الطرق والروايات .

14-        تخريج الإمام البخاري الأحاديث الصيحة من طرق ضعيفة لأغراض إسنادية مثل العلو والشهرة وغيرها .

15-   إن الطرق المعتبرة عند الإمام البخاري في التحمل والأداء هي : السماع من لفظ الشيخ والقراءة عليه ، والمناولة والمكاتبة ، أما باقي أنواع التحمل فهي من توسع من جاء بعد عصر الرواية إبقاء على سلسلة الإسناد في الأمة .

16-   لقد شاع عند الكثير أن الإمام البخاري يشترط ثبوت اللقاء مع المعاصرة وأن الإمام مسلم يكتفي بمجرد إمكان اللقاء ، لكن ليس هناك ما يدل دلالة قاطعة على هذا الأمر .

17-   عدم فهم منهج الإمام مسلم في السند المعنعن عند الكثير من الدارسين وتحميله ما لا يحتمل ، ونصب خلاف موهوم بينه وبين الإمام البخاري وابن المديني وغيرهما من أئمة النقد .

18-   اعتبار الإمام البخاري لشرط الاتصال في صحة الأحاديث . أما الأحاديث التي انتقدت من طرف بعض الأئمة وادعوا أنها منقطعة فالتحقيق أنها متصلة .

19-   إن التدليس ليس بجرح عند الإمام البخاري ، ويعرف صحة حديث المدلس بطرق كثيرة ، وليس بمجرد تصريحه بالسماع فقط .

20-   وجود بعض الأحاديث المعلولة في صحيح البخاري ، وهي قليلة لا تقلل من وفاء الإمام البخاري بشرطه . والكثير من تلك الأحاديث قد أشار البخاري نفسه إلى علتها بذكر الخلاف فيها .

21-   إن أحاديث الجامع الصحيح جلها أحاديث مشهورة . وفيها نسبة قليلة من الغرائب التي كانت محل نقد واستنكار من قبل بعض النقاد ، وللبخاري أدلة على صحتها وعذر في روايتها مما يدل على أن التفرد ليس دائماً سبباً في تعليل الأحاديث .

22-        اعتماد البخاري على التفرد والاستدلال به على العلة مع انضمام قرائن أخرى .

23-        إن الاختلاف بين الرواة من أهم دلائل العلة ، لكن الحكم بين الرواة يحتاج إلى فحص كل القرائن ، ولا يتخذ شكلاً ثابتاً .

24-   إن للاختصار ، وللرواية بالمعنى ، وللإدراج أثراً كبيراً في تغيير متن الحديث . مما يكون سبباً في تعليله في بعض الأحيان وهذا إذا خالف المتن الأصلي الحديث .

25-        أن الإمام البخاري لا يقبل زيادة الثقة مطلقاً ، ولا يردها مطلقاً بل الأمر عنده دائر مع القرائن والمرجحات .

26-   أكثر الزيادات الفقهية التي وردت أصولها في الصحيحين شاذة أو منكرة . ومن هنا ينبغي اعتبار الصحيحين هما المعيار في التعرف على صحة الأحاديث وعللها .

هذا ما توصلت إليها فما كان فيه من صواب فمن الله وحده ، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان .

والله أسأل أن ينفعني به ، وسائر المسلمين ، وأن يهدينا إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وخدمتها والدفاع عنها ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .

 



([1])     شرح تراجم البخاري ص7، نقلاً عن كتب السنة دراسة توثيقية للدكتور رفعت فوزي عبد المطلب ط أولى سنة 1979م – مكتبة الخانجي، ص 78.

([2])     محمد بن جعفر الكتاني : الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، مكتبة الكليات الأزهرية، ص 25. قلت : هذا الذي ذكره العلامة الكتاني يخالف الواقع. وكتب السنن تشمل كثيراً من الموقوفات والمقطوعات تذكر على سبيل التبع، لا أصالة ولا رواية، وعددها قليل مقارنة بالمصنفات والموطآت.

([3])     عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم أبو الوليد المكي، أحد الأئمة الأعلام، له كتاب السنن ذكره ابن النديم في الفهرست : ص 330، الكتاني في الرسالة المستطرفة ص 26. ترجمته في تاريخ بغداد : ج106 ص 40، تذكرة الحفاظ : ج1 ص 169، تهذيب التهذيب ج6 ص 402، والتقريب : ص 362 تحقيق محمد عوامة.

([4])     هو سعيد بن منصور بن شعبة، أبو عثمان الخرساني. نزيل مكة، ثقة مصنف، وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوقه به، مات سنة سبع وعشرين ومائتين وقيل بعدها وروى عنه الجماعة، التقريب ص 241. وانظر ترجمته في : التاريخ الكبير ج2 ص 472، والصغير ص 240 وطبقات ابن سعد ج6 ص 367، الجرح والتعديل : ج2 ص 68، تذكرة الحفاظ : ج2 ص5، والتهذيب : ج4 ص 89 – 90.

([5])     هو محمد بن الصباح البزار الدولابي، أبو جعفر البغدادي، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة سبع وعشرين ومائتين، وكان مولده سنة خمسين ومائة. روى له الجماعة التقريب ص 484.

([6])     الرسالة المستطرفة ص 28.

([7])     هو الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل التيمي السمرقندي. الدارمي نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير بن تميم. توفي يوم التروية ودفن يوم عرفة سنة خمس وخمسين ومائتين ومولده سنة 181هـ. ترجمته في : تاريخ بغداد : ج10 ص 29، تذكرة الحفاظ : ج2 ص 534.

([8])     انظر فتح المغيث للسخاوي : ج1 ص 100.

([9])     نقله الصنعاني في توضيح الأفكار : ج1 ص 231.

([10])     الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، ص 30 فما بعدها.

([11])     معمر بن راشد بن عمرو الأزدي البصري : أحد الأعلام وحفاظ الحديث، ولد في البصرة وانتقل إلى اليمن واستقر بها. له كتاب الجامع مخطوط نسخة منه في مكتبة فيض الله وأخرى في أنقره، حققه الأستاذ فؤاد سزكين ولم يطبع إلى الآن، له ترجمة في : طبقات ابن سعد : ج5 ص 397، تذكرة الحفاظ : ج1 ص 190.

([12])     هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، كان إماماً مجتهداً، أجمع الناس على دينه وورعه وزهده، وثقته في الرواية، راوده المنصور ثم المهدي على أن يلي القضاء فأبى، وتوارى، وانتقل إلى البصرة ومات فيها سنة 161هـ – ترجمته في : التاريخ الكبير للبخاري : ج2 ق2 ص 92 – 93، تاريخ بغداد : ج9 ص 151 – 174 وتهذيب التهذيب : ج4 ص 111 – 115.

([13])     حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة، ثقة حافظ عابد، أخرج له مسلم وأصحاب السنن. مات سنة 167هـ ترجمته في : التاريخ الكبير : ق1 ص 22، حلية الأولياء : ج6 ص 249، تذكرة الحفاظ : ج1 ص 502، تهذيب التهذيب : ج3 ص 11.

([14])     هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، أبو محمد الكوفي المكي، أحد أئمة الإسلام وحفاظ السنة. ترجمته في مقدمة الجرح والتعديل : ص 32، الطبقات الكبرى : ج5 ص 364، تاريخ بغداد : ج9 ص 174، تذكرة الحفاظ : ج1 ص 262.

([15])     الرسالة المستطرفة ص 46 إلى ص 57.

([16])     هو أحد الأعلام الحفاظ روى عن ابن عون وهشام بن أبي عبد الله عباد بن منصور وحرب بن شداد وروى عنه جرير بن عبد الحميد شيخه وابن بشار وابن رافع وخلق، أثنى عليه ابن مهدي وأحمد ووكيع وروى أنه حدث بأربعين ألف حديث من حفظه – ترجمته في الخلاصة للخزرجي : ج1 ص 101، التقريب ص 250.

([17])     الرسالة المستطرفة ص 46. وانظر الفضل المبين على عقد الجوهر الثمين للقاسمي ص 308 وأما راوي المسند فهو يونس بن حبيب أبو بشر العجلي. ثقة ذو صلاح وجلالة (ت 267هـ).

([18])     هو عبيد الله بن موسى ابن أبي المختار العبسي الكوفي أبو محمد، ثقة، قال الحاكم : هو أول من صنف المسند على تراجم الرجال. مات سنة 213هـ. ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج1 ص 353، طبقات القراء لابن الجزري : ج1 ص 494، التقريب ص 375.

([19])     المصدر السابق ص 37.

([20])     هو أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي، أسد السنة صدوق يغرب وفيه نصب. مات سنة 212هـ وله ثمانون سنة، روى له البخاري تعليقاً وأبو داود والنسائي، التقريب ص 104.

([21])     مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي البصري، أبو الحسن، ثقة حافظ، يقال عنه أول من صنف المسند بالبصرة، مات سنة 221هـ ويقال اسمه عبد الملك بن عبد العزيز ومسدد لقب، روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، التقريب 561.

([22])     هو إسحاق بن راهوية بن مخلد أبو يعقوب المروزي، نزيل نيسابور أحد أئمة المسلمين وفقهاء الحديث، صاحب الإمام أحمد في بغداد، ومسنده ما يزال مخطوطاً المجلد الرابع منه في دار الكتب المصرية، وله مسائل فقهية هو والإمام أحمد رواها عنهما إسحاق الكوسج. مات سنة 238هـ. ترجمة : في تذكرة الحفاظ ج2 ص 433، التقريب ص 99.

([23])     هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، ثقة حافظ صاحب تصانيف، مات سنة خمس وثلاثين ومائتين، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة، التقريب ص 320.

([24])     هو عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان العبسي، أبو الحسن بن أبي شيبة الكوفي، ثقة حافظ شهير، وله أوهام، وقيل : كان لا يحفظ القرآن، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين وله ثلاث وثمانون سنة، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، التقريب ص 386.

([25])     هو عبد الله بن الزبير بن عيسى الأسدي الحميدي، ثقة حافظ فقيه أجل أصحاب ابن عيينة، مات بمكة سنة مائتين وتسعة عشر، وقيل بعدها. قال الحاكم : كان البخاري إذا وجد الحديث عند الحميدي لا يعدوه إلى غيره، التقريب ص 303.

ومسند الحميدي قد طبع في مجلدين بتحقيق وتعليق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي ويشتمل على (1300) حديثاً.

([26])     الطبقات الكبرى : ج5 ص 156.

([27])     هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني شيخ مالك والسفيانيين روى عن أنس وجماعة، وكان كثير العلم، روى عن الجماعة ترجمته في التقريب ص 297، وشذرات الذهب : ج1 ص 192.

([28])     عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري المدني ثقة حافظ عالم المغازي، أخرج له الجماعة ترجمته في : طبقات ابن سعد : ج 3 ص 452، تهذيب التهذيب : ج5 ص53، والتقريب ص286، وشذرات الذخب : ج1 ص157.

([29])     هو الإمام الحافظ المتفق على جلالته وإتقانه : أحد أكابر الفقهاء، رأى عشرى من الصحابة، نزل الشام واستقر بها وصنف في الحديث والمغازي، ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج1 ص108، التهذيب : ج9 ص445، التقريب ص506.

([30])     ثقة فقيه إمام في المغازي، روى عن صحابية وعدة من التابعين. له ترجمة في التقريب ص552، وشذرات الذهب : ج1 ص209 – 210.

([31])     الرسالة المستطرفة ص 82.

([32])     الجامع الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق : ج7 ص453 (مع الفتح) ط – دار الريان سنة 1407هـ – 1986م.

([33])     المصدر نفسه ص 494.

([34])     المصدر نفسه ص 639.

([35])     هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، بالولاء المدني، من حفاظ الحديث، ومن أقدم مؤرخي العرب إمام في المغازي، قال الشافعي : " من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق " وقال فيه الذهبي : " كان أحد أوعية العلم، خبيراً في معرفة المغازي والسير وليس بذاك المتقن " ترجمته في : تاريخ بغداد : ج1 ص214، تذكرة الحفاظ : ج1 ص182، ميزان الاعتدال : ج3 ص468.

([36])     انظر : كتاب المغازي من الجامع الصحيح  ، باب غزوة العشيرة : ج7 ص 326، وباب حديث بني النضير ص382، وباب غزوة الرجيع ورعل وذكوان ص437، وغزوة ذات الرقاع 481، وباب غزوة بني المصطلق ص494، كلها في الجزء السابع من الفتح ط – دار الريان -.

([37])     هو عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، كان عالماً بالأنساب واللغة وأشعار العرب (ت 218هـ) ترجمته في : وفيات الأعيان : ج2 ص349 – 350، الشذرات : ج2 ص45، البداية والنهاية : ج10 ص267.

([38])     هو الإمام الحبر أبو عبد الله محمد بن سعد الحافظ : كاتب الواقدي، صاحب الطبقات والتاريخ، توفي ببغداد وله اثنان وستون سنة. روى عن سفيان بن عيينة وهشيم وخلق كثير، ترجمته في : شذرات الذهب : ج2 ص69.

([39])     هو الحافظ أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب النسائي ثم البغدادي، مصنف التاريخ الكبير. سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما. قال الدارقطني : ثقة مأمون، شذرات الذهب : ج2 ص174.

([40])     هو أبو عمرو خليفة بن خياط العُصفري، لقبه شباب، صدوق ربما أخطأ، وكان إخبارياً علامة، ترجمته في التقريب ص190، وشذرات الذهب : ج2 ص94.

([41])     انظر الرسالة المستطرفة ص57، والفهرست لابن النديم ص163 – 166، ت مصطفى الشويمي.

([42])     مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المخزومي مولاهم، المكي ثقة إمام في التفسير وفي العلم، مات وله ثلاث وثمانون سنة، روى له الجماعة، ترجمته في التقريب ص520، وشذرات الذهب : ج1 ص125.

([43])     هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، مولاهم، أبو بكر الصنعاني، حافظ محدث ثقة، روى عن الأوزاعي وابن جريج ومعمر، له مصنفات كثيرة، ترجمته في : تهذيب التهذيب : ج6 ص310، شذرات الذهب : ج2 ص27.

([44])     انظر الرسالة المستطرفة ص 39 – 45.

([45])     هدي الساري ص514، ط دار الريان.

([46])     الحافظ ابن حجر : هدي الساري مقدمة فتح الباري – دار الريان للتراث القاهرة – الطبعة الأولى سنة 1407هـ – 1986م، ص514.

([47])     المصدر نفسه ص514.

([48])     انظر : عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح للدكتور حمزة عبد الله المليباري، وهو مطبوع.

([49])     مرتضى الزبيدي : تاج العروس من جواهر القاموس : ج2 ص516.

([50])     محمد بن أبي بكر الرازي : مختار الصحاح – ت الدكتور مصطفى البغ – دار الهدي عين مليلة الجزائر – ط4 – سنة 1990م، ص426.

([51])     أحمد محمد نور سيف : مقدمة تحقيق تاريخ ابن معين – طبع مركز البحث العلمي وإحياء التراث بمكة – سنة 1979م – 1399هـ، ص6.

([52])     أحمد محمد نور سيف : مقدمة تحقيق تاريخ ابن معين – ص7 وما بعدها.

([53])     هو الحافظ أبو يوسف السدوسي البصري نزيل بغداد، صاحب المسند الكبير المعلل ما صنف مسند أحسن منه لكنه لم يتم، طبع جزء منه.

([54])     وهو مطبوع في 9 مجلدات مع مقدمته بتحقيق العلامة عبد الرحمن المعلمي.

([55])     وهو مطبوع في مجلدين اشتمل على أكثر من ألفي حديث معلول.

([56])     الذهبي : سير أعلام النبلاء – تحقيق شعيب الأرناؤوط ومن معه : ج12 ص392.

([57])     الحافظ الأمير بن هب الله أبي نصر بن ماكولا : الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب – دار الكتب العلمية – بيروت لبنان – ط أولى 1411هـ – 1990م، ج8 ص259.

([58])     الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني : هدي الساري مقدمة الفتح الباري – راجعه قصي محب الدين الخطيب – طبع دار الريان – القاهرة – طبعة أولى 1417هـ – 1986م ص501.

([59])     وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : ج4 ص190.

([60])     سير أعلام النبلاء : ج12 ص391.

([61])     تهذيب الكمال في أسماء الرجال : للمزي (ت 744هـ)، تحقيق د. بشار عواد معروف ج24 ص431.

([62])     هدي الساري ص501.

([63])     أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني (ت 562هـ) : الأنساب – تقديم وتعليق عبد الله عمر البارودي – مؤسسة الكتب الثقافية، ج1 ص292.

([64])     أحمد بن علي الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد – مصورة دار الكتاب العربي في بيروت، ج5 ص6.

([65])     سير أعلام النبلاء : ج13 ص393، ومقدمة الفتح ص502.

([66])     السير : ج12 ص393، تاريخ بغداد : ج2 ص7، مقدمة الفتح ص502.

([67])     تهذيب الكمال : ج24 ص431.

([68])     سير أعلام النبلاء : ج12 ص394.

([69])     المصدر نفسه : ج12 ص395.

([70])     هدي الساري ص503.

([71])     ذكره الذهبي في المسير : ج12 ص395، الحافظ في مقدمة الفتح ص503.

([72])     سير أعلام النبلاء : ج12 ص397.

([73])     انظر هدي الساري مقدمة فتح الباري ص510.

([74])     السير : ج12 ص410، ومقدمة الفتح ص512.

([75])     السير : ج12 ص412.

([76])     المصدر نفسه ج12 ص413.

([77])     سير أعلام النبلاء : ج12 ص 420 – 422.

([78])     المصدر نفسه : ج12 ص449، وهدي الساري ص505.

([79])     تاريخ بغداد : ج2 ص12 – 13، السير : ج12 ص42. مقدمة الفتح ص505.

([80])     تاريخ بغداد : ج2 ص13، السير : ج12 ص439، مقدمة الفتح ص505.

([81])     السير : ج12 ص443.

([82])     السير : ج12 ص402، مقدمة الفتح ص504.

([83])     سير أعلام النبلاء : ج12 ص452، ومقدمة الفتح ص504.

([84])     تاريخ بغداد : ج2 ص30، السير : ج12 ص453، ومقدمة الفتح ص515.

([85])     السير : ج12 ص404، مقدمة الفتح ص515.

([86])     تاريخ بغداد : ج2 ص30، السير : ج12 ص404.

([87])     السير : ج12 ص457.

([88])     سورة النساء، الآية : 75.

([89])     سورة فاطر : الآية : 43.

([90])     أخرجه البخاري من حديث أسيد بن خضير، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : " اصبروا حتى تلقوني على الحوض " رقم (3792)، ج7 ص146، وفي كتاب الفتن، باب قول النبي : " سترون أموراً بعدي تذكرونها " رقم (7057)، ج13 ص7، مع الفتح.

([91])     أخرجه الترمذي من حديث عائشة في كتاب الدعوات حديث رقم (3552) وفي سنده أبو حمزة ميمون الأعور وهو ضعيف.

([92])     أخرجه مالك في الموطأ، باب ما يكره من الكلام ج2 ص984، ومن طريقة الإمام أحمد ج2 ص113 والبخاري في كتاب الأدب، باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال حديث رقم (6103)، ج10 ص531 مع الفتح.

([93])     سورة آل عمران، الآية : 160.

([94])     سورة غافر، الآية : 44.

([95])     سير أعلام النبلاء : ج12 ص459، مقدمة الفتح ص516.

([96])     السير : ج462.

([97])     لجرح والتعديل، مصورة دار الكتب العلمية في بيروت عن طبعة دار المعارف العثمانية في الهند 1371هـ، ج7 ص191.

([98])     سير أعلام النبلاء : ج12 ص463.

([99])     السير : ج12 ص463، ومقدمة الفتح ص518.

([100])     حديث صحيح أخرجه من حديث أبي هريرة أحمد ج2 ص263 و 305 و 344 و 353 و 495، وأبو داود (3658) والترمذي (2651)، وابن ماجة (261) و (266) وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان (75) وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، صححه ابن حبان (96) والحاكم ج1 ص102، ووافقه الذهبي.

([101])     تاريخ بغداد : ج2 ص33، السير ج12 ص464.

([102])     تاريخ بغداد : ج2 ص34، وفيات الأعيان : ج4 ص191، السير : ج12 ص466، مقدمة الفتح ص518.

([103])     هدي الساري مقدمة فتح الباري ص516 – 517.

([104])     مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية – جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم – مكتبة المعارف – الرباط، المغرب، ج18 ص73، 74.

([105])     هدي الساري مقدمة فتح الباري ص9.

([106])     هم الذين أنكروا على علي رضي الله عنه التحكيم، وتبرؤوا منه، ومن عثمان، وذريته وقاتلوهم وهم فرق كثيرة. انظر : الملل والنحل للشهرستاني – دار الفكر 1400 – 1980م ج1 ص155 فما بعدها.

([107])     الناصبة هم الذين يبغضون علياً ويقدمون غيره عليه. هدي الساري ص483.

([108])     القدرية من يزعم أن الشر فعل العبد وحده، هدي الساري ص483.

([109])     المعتزلة هم أتباع وأصل بن عطاء، يقولون بخلق القرآن، ونفي صفات الله عز وجل وتأويل ما ورد منها، وأن العبد خالق لأفعاله، وأن أصحاب الكبائر يخلدون في النار، ويسمون أنفسهم أصحاب العدل والتوحيد. انظر : الملل والنحل : ج1 ص54 فما بعدها.

([110])     التشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه، ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي فإن أنضاف إلى ذلك السبب أو التجريح بالبغض فغالى في الرفض وإن اعتقد الرجعة  فأشد في الغلو، هدي الساري ص483، وانظر الملل والنحل : ج1 ص195 فما بعدها.

([111])     هم أتباع الجهم بن صفوان. وهو أول من ابتدع القول بخلق القرآن. وتعطيل الله عن صفاته وغيرها من الضلالات. انظر الملل والنحل  : ج1 ص109 فما بعدها.

([112])     فقيه مالكي، من أهل هراة نزل بمكة ومات بها سنة 435 أو 434هـ. عالم بالحديث من الحفاظ الثقات، له تصانيف منها " تفسير القرآن "، " المستدرك على الصحيحين "، " السنة والصفات "، " دلائل النبوة " وغيرها، ترجمته في الشذرات : ج3 ص254، شجرة النور الزكية ص104، هدية العارفين : ج1 ص437 – 438.

([113])     من حفاظ الحديث، نزل بمصر وتوفي بها، قال ابن ناصر الدين : " كان أحد الأئمة الحفاظ، والمصنفين، الأيقاظ، رحل وطوف، وجمع وصنف، له " الصحيح المنتقي "، تهذيب ابن عساكر ج6 ص154، وتذكرة الحفاظ : ج3 ص140، والرسالة المستطرفة ص20.

([114])     محدث فقيه من أهل  أصيلة (غربي طنجة في المغرب)، له " كتاب الدلائل على أمهات المسائل " في اختلاف مالك والشافعي وأبي حنيفة ت 392هـ. تاريخ علماء الأندلس ص249، المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب ص111.

([115])     قاضي نسف، وعالمها، صاحب التفسير، والمسند، كان بصيراً بالحديث عارفاً بالفقه ت 290هـ، ترجمته في : شذرات الذهب : ج2 ص218.

([116])     هو أبو عبد الله، محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري، صاحب الإمام البخاري، كان ثقة ورعاً، ولد سنة 231 و ت 320هـ رحل إليه الناس وسمعوا منه صحيح البخاري. ترجمته في : وفيات الأعيان : ج3 ص417 وشذرات الذهب : ج2 ص386.

([117])     ولد ببعلبك سنة 621هـ كان حافظاً، سمع منه خلق من الحفاظ والأئمة وأكثر عنه البرزالي والذهبي. توفي شهيداً ببعلبك سنة 701هـ : ترجمته في شذرات الذهب : ج6 ص4.

([118])     هو أبو عبد الله محمد بن مالك الطائي الأندلسي، كان إماماً في النحو والقراءات، متبحراً في معرفة اللغة، له مصفنات كثيرة منها " الألفية "، " الكافية الشافية "، " لامية الأفعال "، " تسهيل الفوائد " وغيرها (ت 672هـ) ترجمته في : غاية النهاية : ج2 ص180 والشذرات : ج5 ص339 والنجوم الزاهرة : ج7 ص243.

([119])     د . رفعت فوزي عبد المطلب : كتب السنة دراسة توثيقية – طبعة أولى سنة 1979م – نشر مكتبة الخانجي، ص 159 – 166.

([120])     المصدر نفسه ص166، وانظر : حاجي خليفة : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، دار الفكر 1402هـ 1976م، ج1 ص545 – 554.

([121])     ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج3 ص940، والبداية والنهاية : ج11 ص273، شذرات الذهب : ج3 ص51.

([122])     حافظ ثقة من أهل كلاباذ محلة ببخاري ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج3 ص216، والشذرات : ج3 ص151.

([123])     ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج3 ص991 – 995، والبداية والنهاية : ج11 ص317 – 318، ووفيات الأعيان : ج3 ص297 – 299.

([124])     ترجمته في : تاريخ بغداد : ج5 ص473، وتذكرة الحفاظ : ج3 ص1039، وشذرات الذهب : ج3 ص176.

([125])     من جهابذة المحدثين، وكبار علماء قرطبة، ويعرف بالجياني لأن أباه نزلها مدة، له ترجمة في : الوفيات لابن قنفد القسنطيني ص262، ووفيات الأعيان : ج1 ص435، وشذرات الذهب : ج3 ص409.

([126])     أحد الأئمة الحفاظ، ذو رحلة واسعة وتصانيف كثيرة من أشهرها " شروط الأئمة الستة " ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج4 ص1242، طبقات الحفاظ ص 452، والعبر : ج4 ص14، والشذرات : ج4 ص18.

([127])     عالم بالرجال، أندلسي من أهل أونبة (في غربي الأندلس). ترجمته في : التذكرة : ج4 ص186، والأعلام : ج6 ص36.

([128])     محدث، مفسر، من أهل مصر، كردي الأصل، من كتبه " تفسير القرآن " له ترجمة في : الدرر الكامنة : ج1 ص104، وهدية العارفين : ج1 ص112، وحسن المحاضرة : ج1 ص203، ومعجم المفسرين ج1 ص28.

([129])     عبد الغني بن أحمد البحراني الشافعي : نسبته إلى " البحرين " عالم برجال الحديث، ترجمته في الأعلام للزركلي : ج4 ص32.

([130])     هدي الساري ص502.

([131])     المصدر نفسه ص512.

([132])     المصدر نفسه.

(*)     بالنسبة للأبحاث العلمية حول التاريخ الكبير هناك رسالتان : الأولى بعنوان " الأحاديث التي أعلها البخاري في كتابه التاريخ الكبير جمعاً ودراسة وتخريجاً " : من أول الكتاب إلى نهاية ترجمة سعيد بن عمير الأنصاري، رسالة ماجستير نوقشت عام 1416هـ تقديم عادل عبد الشكور الزقي، جامعة محمد بن سعود الإسلامية، والرسالة الثانية بعنوان " منهج الإمام البخاري في التاريخ الكبير "، رسالة ماجستير مسجلة بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، مازالت لم تناقش بعد.

([133])     انظر التاريخ الكبير للبخاري – طبع دار الكتب العلمية، بيروت، ج1 ص11.

([134])     مقدمة تحقيق كتاب الضعفاء للعقيلي، ص35.

([135])     انظر : تهذيب التهذيب : ج1 ص461 وج2 ص159 و385، 409.

([136])     هدي الساري ص517.

([137])     انظر كتاب الكنى في الجزء 8 من التاريخ الكبير – دار الكتب العلمية – بيروت – ص94 – 97.

([138])     الفهرست لابن النديم – مطبعة الاستقامة – ص36.

([139])     الجامع الصحيح، كتاب بدء الآذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت، بحاشية السندي، دار الكتاب المصري، القاهرة، ج1 ص137.

([140])     هدي الساري ص517.

([141])     العلل الصغير (مع تحفة الأحوذي) – دار الكتاب العربي – بيروت – الطبعة الثالثة – 1404هـ – 1914م. ج4 ص380.

([142])     انظر : ابن منظور : لسان العرب – طبعة دار صادر – بيروت – مادة (عدل) ج11 ص430 – 437.

مرتضى الزبيدي : تاج العروس من جواهر القاموس – مصور دار مكتبة الحياة – مادة (عدل) ج8 ص9 – 13.

محمد بن أبي بكر الرازي : مختار الصحاح – ضبط وتخريج وتعليق – د. مصطفى ديب البغا – دار الهدى – عين مليلة – الجزائر، الطبعة الرابعة 1990م، ص 273.

([143])     مجد الدين الفيروزآبادي : القاموس المحيط – دار الجيل – بيروت – ج4 ص13.

([144])     الخطيب البغدادي : الكفاية في علم الرواية – تحقيق د. أحمد عمر هاشم – دار الكتاب العربي – الطبعة الثانية 1406هـ – 1989م، ص102.

([145])     ابن حزم : الإحكام في أصول الأحكام. تحقيق أحمد شاكر – منشورات دار الآفاق الجديدة – بيروت الطبعة الثانية 1403هـ – 1983م، ج1 ص144.

([146])     أبو حامد محمد بن محمد الغزالي : المستصفى من علم الأصول – دار الفكر – بيروت ج1 ص157.

([147])     أبو بكر بن موسى الحازمي : شروط الأئمة الخمسة – دار الكتب العلمية – بيروت – ط أولى 1405هـ – 1984م، ص55.

([148])     أبو عمرو عثمان بن الصلاح : علوم الحديث – تحقيق نور الدين عتر – المكتبة العلمية – بيروت 1401هـ – 1981م، ص94.

([149])     ابن حجر العسقلاني : نزهة النظر بشرح نخبة الفكر – شركة الشهاب، الجزائر، ص18.

([150])     انظر : فتح المغيث شرح ألفية الحديث – شرح وتخريج وتعليق محمد محمد عويضة – دار الكتب العلمية – بيروت – الطبعة الأولى 1414هـ – 1993م، ج1 ص269.

([151])     المستصفى من علم الأصول – دار الفكر – بيروت – ج1 ص156.

([152])     المحصول في علم أصول الفقه : تحقيق د. طه جابر فياض العلواني – ط1 – مطبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض 1400هـ، ج2 ص567.

([153])     سورة الحجرات، الآية : 6.

([154])     الكفاية في علم الرواية ص99.

([155])     المصدر نفسه.

([156])     أخرجه البخاري في كتاب صفة الصلاة، باب الجهر في المغرب، رقم (765)، ج2 ص289 مع الفتح ط دار الريان.

([157])     أحمد بن حجر العسقلاني : فتح الباري بشرح صحيح البخاري – تحقيق محب الدين الخطيب – دار الريان للتراث – الطبعة الأولى 1407- 1986م بالقاهرة، ج2 ص290.

([158])     أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الوقوف بعرفة، رقم (1664) ج3 ص602 مع الفتح ط دار الريان.

([159])     المصدر السابق ج3 ص603.

([160])     أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب 6 حديث رقم (7)، ج1 ص42 – 44 مع الفتح ط الريان.

([161])     الكفاية في علم الرواية – تحقيق د. أحمد عمر هاشم – دار الكتاب العربي – ط2 – 1406هـ – 1986م، ص73.

([162])     أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير حديث رقم (76) ج1 ص205.

([163])     أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير حديث رقم (77) ج1 ص207.

([164])     فتح الباري بشرح صحيح البخاري : ج1 ص205.

([165])     بدر الدين العيني : عمدة القاري شرح صحيح البخاري – دار الفكر، ج2 ص68.

([166])     ابن الصلاح : علوم الحديث – تحقيق د. نور الدين عتر – ط المكتبة العلمية – بيروت 1401هـ – 1981م، ص117.

([167])     شمس الدين محمد أحمد الذهبي : الموقظة " في علم مصطلح الحديث " – اعتنى به عبد الفتاح أبو غدة – مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، ص61.

([168])     انظر السخاوي : فتح المغيث تحقيق محمد محمد عويضة، ج2 ص14 – 15.

([169])     انظر الكفاية ص99، وشروط الأئمة الخمسة ص53، وتدريب الراوي : ج1 ص300.

([170])     رواه أبو داود بنفس لفظ الخطيب من طريق علي رضي الله عنه – في كتاب الحدود، باب المجنون يسرق أو يصيب حداً ج4 ص560، رقم (4403) بإسناد حسن، وهو حديث صحيح بطرقه.

([171])     الكفاية ص99.

([172])     السخاوي : فتح المغيث ج1 ص315.

([173])     انظر : مدارج السالكين : ج1 ص321، وقواعد الأحكام في مصالح الأنام : ج1 ص19، والكبائر للذهبي، والزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي، وهما خاصان بهذا الموضوع.

([174])     شروط الأئمة الخمسة للحازمي ص53، وفتح المغيث للسخاوي : ج1 ص365 – 369.

([175])     محيي الدين النووي : شرح صحيح مسلم – الطبعة المصرية دون تاريخ، ج1 ص70.

([176])     فتح المغيث : ج1 ص366.

([177])     شرح صحيح مسلم – الطبعة المصرية – دون تاريخ، ج1 ص70.

([178])     خلدون الأحدب : أسباب اختلاف المحدثين – الدار السعودية للنشر والتوزيع – الطبعة الأولى 1405هـ – 1980م – ج1 ص73.

([179])     تهذيب التهذيب – دار صادر – ج1 ص311.

([180])     انظر هدي الساري، ط- دار الريان، ص410 وعمدة القاري، ط – دار الفكر، ج1 ص169.

([181])     الحافظ ابن حجر العسقلاني : تقريب التهذيب، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد – سوريا – حلب الطبعة الرابعة 1412هـ – 1992م، ص108.

([182])     هدي الساري مقدمة فتح البخاري، طبعة دار الريان ص410.

([183])     أخرجه البخاري في صحيحه، عن المغيرة بن شعبة، كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت، حديث رقم (1291)، ج3 ص191 مع الفتح ط دار الريان. ورواه مسلم في مقدمة صحيحه ج1 ص10 حديث رقم (4).

([184])     زكريا الأنصاري : فتح الباقي شرح ألفية العراقي – مطبوع بذيل شرح العراقي لألفيته – طبعة فاس 1354هـ، ج1 ص335.

([185])     انظر ابن الصلاح : علوم الحديث. ط المكتبة العلمية، ص104 – 105.

([186])     طاهر الجزائري : توجيه النظر إلى أصول الأثر – طبعة دار المعرفة – بيروت ص28 – 29.

([187])     المرجع نفسه ص 29.

([188])     انظر هذه الاعتراضات والجواب عليها في : التقييد والإيضاح ص114 – 115 وفتح المغيث : ج1 ص316 – 317، وشرح العراقة لألفيته : ج1 ص300 – 303، وتدريب الراوي : ج1 ص305 – 306.

(*) وردت في المطبوع (الخرق) ولعل الصواب ما أثبته.

([189])     الخطيب البغدادي : الكفاية علم الرواية – تحقيق أحمد عمر هاشم – دار الكتاب العربي، ص139.

([190])     الخطيب البغدادي : الكفاية علم الرواية – تحقيق أحمد عمر هاشم – دار الكتاب العربي، ص143.

([191])     المصدر نفسه ص140.

([192])     فتح المغيث : ج1 ص329.

([193])     المرجع نفسه ص330.

([194])     المرجع نفسه ص 330.

([195])     أخرجه البخاري في : كتاب أحاديث الأنبياء، في قصة إبراهيم. حديث رقم (3371) ج6 ص470 مع الفتح، طبعة دار الريان.

([196])     أخرجه البخاري في : كتاب التفسير، سورة حم السجدة ج8 ص418 مع الفتح ط دار الريان.

([197])     أخرجه البخاري في : كتاب الذبائح والصيد، باب ما يكره من المثلة والمصبورة والمجثمة، حديث رقم (5515)، ج9 ص558.

([198])     الكفاية ص139.

([199])     المرجع نفسه ص 100.

([200])     بهز بن أسد العمي، أبو الأسود البصري، ثقة كثير الحديث، مات بعد سنة 200هـ ، ترجمته في : تهذيب التهذيب ج1 ص47، والتقريب ص128.

([201])     المرجع السابق ص99.

([202])     1/ 29.

([203])     للتفصيل ينظر : مقدمة ابن الصلاح (علوم الحديث) ص105 – 106، وفتح المغيث للسخاوي ج1 ص315، وتدريب الراوي : ج1 ص334 – 335.

([204])     أخرجه البخاري في كتاب الآذان، باب الذكر بعد الصلاة حديث رقم (841) ورقم (842) ج2 ص378 مع الفتح ط دار الريان.

([205])     صحيح مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الذكر بعد الصلاة حديث رقم (121) دار الكتاب المصري – القاهرة – ج1 ص410.

([206])     أحمد بن علي بن حجر العسقلاني : هدي الساري – دار الريان للتراث – القاهرة – ط الأولى 1407هـ – 1986م، ص404.

([207])     المصدر نفسه ص406.

([208])     المصدر نفسه ص419.

([209])     المصدر نفسه ص419.

([210])     المصدر نفسه ص420.

([211])     هدي الساري ص432.

([212])     المصدر نفسه ص433.

([213])     المصدر نفسه ص466.

([214])     انظر : الكفاية ص184 – 186، وعلوم الحديث ص107.

([215])     انظر : الكفاية ص187 – 188، وعلوم الحديث ص107، وفتح المغيث : ج1 ص378.

([216])     فتح المغيث : ج1 ص378.

([217])     اسمه : عمرو بن حماد بن زهير بن درهم التميمي، أحد الأئمة، من شيوخ البخاري، مات سنة 218هـ ترجمته في : تهذيب التهذيب ج8 ص243. وتاريخ بغداد ج6 ص346، والعبر : ج1 ص377.

([218])     أحد الأعلام، قال العجلي : ثقة ثبت صاحب سنة. مات سنة 219هـ، ترجمته في : تاريخ بغداد : ج12 ص269، وتذكرة الحفاظ : ج1 ص379، وشذرات الذهب : ج2 ص47.

([219])     كان أحد الحفاظ المتقنين، صنف " المسند "، مات سنة 252هـ، ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج2 ص505.

([220])     أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد حديث رقم (97) مطولاً، وأخرجه النسائي في كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه حديث رقم (221)، وفي كتاب المياه، باب النهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم حديث رقم (330)، وفي كتاب الغسل والتيمم، باب ذكر نهي الجنب عن الاغتسال في الماء الدائم حديث رقم (494)، وأخرجه ابن ماجة في الطهارة وسننها، باب الجنب ينغمس في الماء الدائم أيجزئه حديث رقم (605).

([221])     فتح المغيث : ج1 ص379، ولم أجده في سنن النسائي.

([222])     هشام بن عمار بن نصير بن مسيرة الدمشقي، روى عن مالك وخلق، وروى عنه البخاري وغيره. مات سنة (245هـ). ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج2 ص451 – وشذرات الذهب : ج2 ص109.

([223])     صالح بن محمد بن عمر بن حبيب الأسدي مولاهم البغدادي المعروف بصالح جزرة، نزيل بخاري. قال الإدريسي : ما أعلم في عصره بالعراق ولا بخرسان مثله في الحفظ. مات سنة (293هـ)، ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج2 ص641 وتاريخ بغداد : ج9 ص322.

([224])     فتح المغيث : ج3 ص379.

([225])     ابن حجر العسقلاني : نخبة الفكر مع شرحه نزهة النظر – شركة الشهاب الجزائر، ص40.

([226])     ابن حجر العسقلاني : هدي الساري – ط دار الريان – القاهرة، ص381.

([227])     سورة الأحقاف، الآية : 9.

([228])     محمد بن أبي بكر الرازي : مختار الصحاح – ت مصطفى البغا – دار الهدى للطباعة والنشر ص36.

([229])     انظر : الدكتور عزت علي عطية : البدعة تحديدها وموقف الإسلام منها – مطبعة المدني – القاهرة 1973م ص195 – 220.

([230])     أبو إسحاق الشاطبي : الاعتصام – ضبطه وصححه الأستاذ أحمد عبد الشافي – دار اشريفة، ج1 ص28.

([231])     شمس الدين السخاوي : فتح المغيث – ت محمد عويضة – ج1 ص356.

([232])     المصدر نفسه ص364، وهدي الساري ص404.

([233])     مقدمة صحيح مسلم – تحقيق فؤاد عبد الباقي – دار الكتاب المصري – القاهرة ص8.

([234])     انظر الكفاية ص148.

([235])     انظر كتابه : المعتمد في أصول الفقه – تحقيق د . محمد حميد الله – المطبعة الكاثوليكية بيروت 1385هـ، ج2 ص617 –619.

([236])      انظر كتابه : المحصول في علم أصول الفقه، تحقيق طه جابر فياض العلواني، ق1 ج2 ص567 – 571.

([237])     انظر كتابه : منهاج الوصول في علم الأصول بشرح البدخشي والأسنوي – مطبعة محمد علي صبيح – القاهرة، ج2 ص241.

([238])     التقريب مع شرحه التدريب للسيوطي – تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ج1 ص324.

([239])     نزهة النظر ص53.

([240])     ابن رجب الحنبلي : شرح علل الترمذي – حققه وعلق عليه صبحي السامرائي – عالم الكتب – ط الثانية 1405هـ – 1985م، ص65.

([241])     الكفاية ص148 – 149.

([242])     فتح المغيث : ج1 ص361.

([243])     انظر تفصيل ذلك في ميزان الاعتدال ج1 ص605، وتهذيب التهذيب ج1 ص94 في ترجمة أبان بن تغلب الشيعي.

([244])     الكفاية ص149، وفتح المغيث : ج1 ص360، وعلوم الحديث ص103.

([245])     هدي الساري ص483 – 484.

([246])     انظر ترجمة : عمران بن حطان في هدي الساري ص404، وترجمة شبابه بن سوار في الهدي ص469، وترجمة : عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني في الهدي ص437.

([247])     الكفاية ص153 – 154.

([248])     المصدر نفسه ص157.

([249])     انظر ابن فارس : معجم مقاييس اللغة ج1 ص489، الزمخشري : الأساس في البلاغة ص67 – 68، الفيروزآبادي : القاموس المحيط ج3 ص353.

([250])     الكفاية ص111.

([251])     نخبة الفكر مع شرحها نزهة النظر ص51 – 52.

([252])     انظر : مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح ص148 – والتقريب مع التدريب ج1 ص318 والتبصرة والتذكرة ج1 ص328.

([253])     انظر : شرح العلل ص81.

([254])     المصدر نفسه ص82.

([255])     الكفاية ص111.

([256])     المصدر نفسه ص111.

([257])     النكت على كتاب ابن الصلاح ص41.

([258])     هدي الساري ص403.

([259])     المصدر نفسه ص406.

([260])     هدي الساري ص408.

([261])     فتح الباري : ج9 ص479.

([262])     الجامع الصحيح : كتاب الأطعمة، باب الرطب والتمر، حديث رقم (5343)، ج9 ص477، مع الفتح.

([263])     انظر : فتح الباري : ج6 ص686.

([264])     أخرجه البخاري في كتاب الذبائح، باب ذبيحة الأعراب ونحوهم حديث رقم (5507)، ج9 ص550 مع الفتح.

([265])     هدي الساري ص408 انظر ميزان الاعتدال : ج1 ص174.

([266])     التاريخ الكبير : ق2، ج1 ص23.

([267])     فتح الباري : ج9 ص550.

([268])     المصدر نفسه : ج9 ص550.

([269])     هدي الساري ص408.

([270])     المصدر نفسه ص413.

([271])     المصدر نفسه ص417.

([272])     الجامع الصحيح، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة رقم (1415)، ج3 ص332 مع الفتح.

([273])     سورة التوبة، الآية : 79.

([274])     هدي الساري ص418.

([275])     المصدر نفسه ص433.

([276])     المصدر نفسه ص460.

([277])     كتاب الطب، باب الحبة السوداء رقم (5687)، ج10 ص150 مع الفتح.

([278])     هدي الساري ص420.

([279])     محمد بن أبي بكر الرازي : مختار الصحاح، ص449.

([280])     نزهة النظر بشرح نخبة الفكر ص52.

([281])     المصدر نفسه ص52.

([282])     معرفة علوم الحديث : تحقيق لجنة إحياء التراث العربي – منشورات دار الآفاق الجديدة – بيروت، ص157 – 161.

([283])     علوم الحديث ص287 – 290.

([284])     الحاكم النيسابوري : المدخل في أصول الحديث – دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ص150.

([285])     أخرجه أبو داود في المناسك، باب من لم يدرك عرفة (الحديث 1950)، وأخرجه الترمذي في الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (الحديث 891)، وأخرجه النسائي في مناسك الحج، في من لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة (الأحاديث 3039، 3040، 3041، 3042، 3043)، وأخرجه ابن ماجه في المناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع (الحديث 3016).

([286])     المدخل في أصول الحديث ص153.

([287])     رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب ذهاب الصالحين (الحديث 6434)، ج11 ص256، وفي كتاب المغازي باب غزوة الحديبية (الحديث 4156) ج7 ص509 مع الفتح، وأحمد في مسنده : ج4 ص192 مع اختلاف في اللفظ والسند، والدارمي في سننه ج2 ص301 مع اختلاف في اللفظ واختصار وزيادة.

([288])     رواه البخاري في مناقب الأنصار، باب قصة أبي طالب (الحديث 3883) ج7 ص232، وفي كتاب التفسير، في تفسير براءة وتفسير القصص، ومسلم في كتاب الإيمان في باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت (الحديث 24) ج1 ص54.

([289])     سورة التوبة، الآية : 113.

([290])     سورة القصص، الآية : 56.

([291])     رواه البخاري في كتاب الخمس، باب ما كان يعطي المؤلفة قلوبهم الحديث (3145) : ج6 ص290 مع الفتح.

([292])     شروط الأئمة الستة : دار الكتب العلمية – بيروت، ص 22 – 23.

([293])     المصدر نفسه ص17 – 18.

([294])     شروط الأئمة الخمسة : مطبوع مع شروط الأئمة الستة بدار الكتب العلمية – بيروت، ص43 – 49.

([295])     ابن الأثير الجزري : جامع الأصول من أحاديث الرسول – تحقيق عبد القادر الأرناؤوط – ط1، دمشق 1969م، ج1 ص92 – 94.

([296])     النكت على كتاب ابن الصلاح – حققه وعلق عليه مسعود عبد الحميد السعدني، ومحمد فارس – دار الكتب العلمية 

([297])     سنن البيهقي : ج4 ص105.

([298])     نقله السخاوي في فتح المغيث، ج1 ص61.

([299])     الحاكم النيسابوري : المستدرك على الصحيحين – مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في حيدر آباد، الدكن، الهند، طبعة أولى 1341هـ ج1 ص23.

([300])     فتح المغيث : ج1 ص62.

([301])     الذهبي : سير أعلام النبلاء : ج12 ص47.

([302])     ابن الصلاح : علوم الحديث ص102 وص211.

([303])     النووي التقريب مع شرحه التدريب – تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف – مطبعة السعادة القاهرة، ط2 – 1388 هك، ص211.

([304])     العراقي : التقييد والإيضاح – تصحيح وتعليق محمد راغب الطباخ – دار الحديث – ط ثانية، 1405هـ – 1984م، ص125.

([305])     انظر تراجم هؤلاء الصحابة والأحاديث التي رووها في الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر.

مرداس الأسلمي : ج3/ 381. حزن المخزومي : 1/ 324. زاهد بن الأسود : 1/ 523. عبد الله بن هشام بن زهيرة : 2/ 369 – 370. عمرو بن تغلب : 2/ 519. عبد الله بن ثعلبة بن صغير : 2/ 276. سنن أبو جميلة السلمي : 2/ 84. أبو سعيد بن المعلى الأنصاري : 4/ 90. سويد بن النعمان : 2/ 99. خولة بنت ثامر : 4/ 282.

([306])     عداب محمود الحمش : رواة الحديث الذين سكت عنهم أئمة الجرح والتعديل – دار حسان للنشر والتوزيع الرياض – الطبعة الثانية 1407هـ – 1987م، ص200 – 201.

([307])     انظر ترجمته في : التاريخ الكبير ج3 ترجمة 23. والجرح والتعديل : ج3 ترجمة 850. تهذيب الكمال : ج6 ص539. وميزان الاعتدال ج1 ترجمة 2092. والكاشف ج1 ص238. تهذيب التهذيب : ج2 ص390. والتقريب ص171. والخلاصة : ج1 ترجمة 1484. والإصابة : ج1 ترجمة 2099 في (القسم الرابع) وغيرها.

([308])     أي خيارهم، وهو جمع سري وهو المرتفع القدر (الفتح 1/ 622).

([309])     المصدر نفسه : ج1 ص622.

([310])     أخرجه البخاري بتمامه في كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت، الحديث (425)، ج1 ص618 مع الفتح ثم قطعة في أكثر من عشرة مواضع من صحيحه، ورواه الإمام مسلم في الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، الحديث (263)، والنسائي في كتاب الإمامة إمامة الأعمى الحديث (787) وابن ماجة في المساجد والجماعات باب المساجد في الدور الحديث (754) وذكر تصديق حصين لمحمود بن الربيع رواه البخاري ومسلم والنسائي في عمل اليوم والليلة.

([311])     التقريب ص352.

([312])     تاريخ يحي بن معين : ج2 ص361.

([313])     سؤالات ابن الجنيد ص11.

([314])     لجرح والتعديل : ج5 ت1397.

([315])     الثقات ج7 ص82.

([316])     انظر تهذيب الكمال ج17 ص460 – 462، والتهذيب : ج6 ص288.

([317])     فتح الباري : ج6 ص639.

([318])     كتاب الكسوف، باب الجهر بالقراءة في الكسوف، حديث رقم (1065) وحديث رقم (1066)، ج3 ص638 – 639 مع الفتح.

([319])     المصدر السابق : ج2 ص639.

([320])     الفتح : ج2 ص639.

([321])     التقريب ص416 وانظر : التاريخ الكبير ج6 ت 2136 والجرح والتعديل ج6 ت 717 والثقات ج7 ص166 وتهذيب الكمال ج21 ص495 والكاشف ج2 ت 4169 والميزان ج3 ت 6196 وتهذيب التهذيب ج7 ص494، والخلاصة ج2 ت 5226.

([322])     كتاب الجهاد والسير، باب الشجاعة في الحرب والجبن رقم (2821) ج6 ص42 وكتاب فرض الخمس باب ما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعطي المؤلفة قلوبهم أو غيرهم من الخمس وغيرهم، رقم (3148) ج6 ص289.

([323])     الفتح : ج6 ص42.

([324])     انظر نزهة النظر ص11.

([325])     المرجع السابق : ج6 ص293.

([326])     فتح الباري : ج13 ص153.

([327])     الجامع الصحيح، كتاب الأحكام، باب الشهادة على الخط المختوم : ج13 ص150 مع الفتح.

([328])     التهذيب : ج7 ص219. وانظر : تهذيب الكمال ج20 ص131 – 132. والكشاف 2 ت 3866، والتقريب ص392 والخلاصة : ج2 ت 4869.

([329])     سورة النساء، الآية 19.

([330])     رواه البخاري في كتاب باب لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً … الحديث (4579) وأبو داود في سننه الحديث (2089) والنسائي في الكبرى، كما في تحفة الأشراف.

([331])     التقريب ص28.

([332])     تهذيب الكمال : ج14 ص77.

([333])     رواه بهذا الإسناد البخاري في كتاب البيوع، باب التجارة في البز وغيره، الحديث (2061) ج4 ص348، والنسائي في كتاب البيوع أيضاً باب بيع الفضة بالذهب نسيئة الحديث (4590).

([334])     الفتح : ج4 ص349.

([335])     تهذيب الكمال : ج24 ص360 – 366.

([336])     كتاب الدعوات : باب فضل التهليل، حديث رقم (6404)، ج11 ص204 مع الفتح.

([337])     الفتح : ج11 ص208.

([338])     المصدر نفسه : ج11 ص208.

([339])     تهذيب الكمال : ج24 ص343.

([340])     الجرح والتعديل : ج9 ت 2278.

([341])     كتاب النكاح، باب ما يحل من النساء وما يحرم، ج9 ص57 مع الفتح.

([342])     نقله السخاوي في فتح المغيث : ج1 ص61.

([343])     لسان العرب : مادة (ضبط) ج7 ص340 ومختار الصحاح : مادة (ضبط) ص245.

([344])     نزهة النظر ص19.

([345])     علوم الحديث ص107 – 108.

([346])     المصدر نفسه ص108.

([347])     محمد بن إدريس الشافعي : الرسالة – تحقيق أحمد شاكر – مطبعة مصطفى البابي الحلبي – القاهرة – ط1 سنة 1358هـ، ص153.

([348])     رواه الدارمي في سننه : ج1 ص153.

([349])     الخطيب البغدادي : الجامع  لأخلاق الراوي وآداب السامع – تحقيق د. محمد رأفت سعيد – مكتبة الفلاح – الكويت سنة 1401هـ، ج2 ص354.

([350])     مقدمة صحيح مسلم ص4.

([351])     شرح العلل ص92 – باختصار.

([352])     هدي الساري ص411.

([353])     المصدر نفسه ص412.

([354])     هدي الساري ص412.

([355])     هدي الساري ص422.

([356])     المصدر نفسه ص428 – 429.

([357])     المصدر نفسه ص467.

([358])     المصدر نفسه ص414.

([359])     هدي الساري ص415.

([360])     المصدر نفسه ص417 – 418.

([361])     المصدر نفسه ص411.

([362])     المصدر نفسه ص414.

([363])     المصدر نفسه ص418.

([364])     هدي الساري ص420.

([365])     المصدر نفسه ص485.

([366])     التقريب ص207.

([367])     المصدر نفسه ص462.

([368])     عبد الرحمن بن يحي المعلمي : التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل – بتخريج الألباني وتعليقات زهير الشاويش – المكتب الإسلامي – الطبعة الثانية، سنة 1406هـ – 1986م، ص692.

([369])     الموقظة ص79 – 81.

([370])     شروط الأئمة الخمسة ص69 – 70.

([371])     انظر ص45 من هذه الرسالة.

([372])     ابن القيم الجوزية : زاد المعاد في هدي خير العباد – تحقيق شعيب الأرنائوط وعبد القادر الأرناؤوط – مؤسسة الرسالة – الطبعة الثامنة، سنة 1405هـ – 1985م، ج1 ص364.

([373])     أبو عمرو بن الصلاح : صيانة صحيح مسلم – دراسة وتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر – دار الغرب الإسلامي – الطبعة الأولى، سنة 1404هـ – 1984م، ص72 – 74.

([374])     النكت على كتاب ابن الصلاح ص134.

([375])     المصدر نفسه ص134.

([376])     فيه ضعف من السابعة. انظر التقريب ص96، وهدي الساري ص408.

([377])     ثقة، مات في حدود (120هـ) وقيل قبل ذلك، انظر التقريب ص293.

([378])     أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب اسم الفرس والحمار الحديث (2800)، ج6 ص69 مع الفتح.

([379])     ضعيف من الثامنة، مات بعد السبعين ومائة روى له الترمذي وابن ماجه، انظر التقريب ص366.

([380])     النكت ص134.

([381])     أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب جهاد النساء رقم (2875) ج6 ص85.

([382])     انظر الكاشف : ج3 ص156 وهدي الساري ص466.

([383])     حبيب بن أبي عمرة القصاب أبو عبد الله الحماني، بكسر المهمة، الكوفي، ثقة مات سنة (142هـ) ترجمته في : التقريب ص151.

([384])     أخرج البخاري حديثه عقيب حديث معاوية بن إسحاق السابق، رقم (2876)، ج6 ص89.

([385])     هدي الساري ص403.

([386])     انظر : التاريخ الكبير : ج1 ت465، والجرح والتعديل : ج7 ت 1747، والثقات : ج7 ص442، وتاريخ بغداد : ج2 ص308، وتهذيب الكمال : ج25 ص652، والميزان : ج3 ت 783، وتهذيب التهذيب : ج9 ص309، والتقريب ص493، وهدي الساري ص463 والخلاصة : ج2 ت 6446.

([387])     رواه البخاري في كتاب البيوع، باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات، رقم (2057) ج4 ص345 مع الفتح.

([388])     انظر ترجمته في الجرح والتعديل : ج4 ت 477، وتاريخ بغداد : ج9 ص21، والسير : ج9 ص19، وتهذيب الكمال : ج11 ص394، والتهذيب : ج4 ص181، وهدي الساري ص427.

([389])     رواه البخاري في كتاب التوحيد، باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها رقم (7398)، ج13 ص391 مع الفتح.

([390])     ميزان الاعتدال : ج2 ص200.

([391])     التقريب ص250.

([392])     الضعفاء : ج2 ص124.

([393])     أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، رقم (5507) ج9 ص550 مع الفتح.

([394])     التاريخ الكبير : ق2 ج1 ص23.

([395])     ميزان الاعتدال : ج1 ص174.

([396])     الفتح : ج9 ص550.

([397])     رواه البخاري في كتاب التعبير، باب رؤيا الليل، رقم (6998)، ج12 ص406.

([398])     نقله الحافظ في فتح الباري : ج9 ص407.

([399])     رواه البخاري في كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " بعثت بجوامع الكلم " رقم (7273)، ج13 ص261 مع الفتح.

([400])     كتاب الجهاد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " نصرت بالرعب مسيرة شهر " رقم (2977) ج6 ص149.

([401])     رواه البخاري كتاب الرقاق باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " رقم (6416) ج11 ص237.

([402])     هدي الساري ص463.

([403])     فتح الباري : ج11 ص238.

([404])     انظر : هدي الساري ص456 – 457.

([405])     التقريب ص447.

([406])     كتاب الحرث والمزارعة، باب إذا قال رب الأرض أقرك، ما أقرك الله … رقم (2838)، ج265.

([407])     الفتح : ج5 ص27.

([408])     كتاب الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيره من الخمس وغيره رقم (3134)، ج6 ص290.

([409])     كتاب مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل رقم (3826)، ج7 ص176.

([410])     هدي الساري ص457.

([411])     المصدر نفسه ص457.

([412])     كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الأحكام التي تعرف بالدلائل رقم (7357)، ج13 ص341.

([413])     متابعة ابن عيينة في كتاب الحيض، باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من الحيض رقم (314)، ومتابعة وهيب في كتاب الحيض أيضاً، باب غسل الحيض رقم (315)، ج1 ص494 و 496.

([414])     كتاب الرقاق، باب ما جاء في الرقاق، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة رقم (6414)، ج11 ص233.

([415])     كتاب مناقب الأنصار، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " أصلح الأنصار والمهاجرة " رقم (3797)، ج7 ص148.

([416])     كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة رقم (3247)، ج6 ص367.

([417])     كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار رقم (6553)، ج11 ص324.

([418])     هو الإمام العلم الحافظ أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد القرشي المخزومي الرازي، روى عنه مسلم، والترمذي، والنسائي، قال إسحاق بن راهوية : كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل، توفي سنة (264هـ)، ترجمته في : تذكرة الحفاظ : ج2 ص557، والعبر : ج2 ص28.

([419])     " … صدوق كثير الخطأ، يغرب، من الثامنة / خ ت م4 " التقريب ص98.

([420])     " … صدوق يخطيء، من العاشرة / م د ت " التقريب 456.

([421])     " … صدوق تكلم في بعض سماعاته، قال الخطيب : بلا حجة، من العاشرة / خ م س ق " التقريب ص83.

([422])     صيانة صحيح مسلم ص94 – 98.

([423])     انظر : لسان العرب مادة (سند).

([424])     انظر : تدريب الراوي ص 5 – 6، وشرح الزرقاني على البيقونية ص9.

([425])     هدي الساري ص13.

([426])     صحيح مسلم بشرح النووي : ج1 ص77.

([427])     رواه ابن حبان في كتاب المجروحين : ج1 ص27.

([428])     الحافظ صلاح الدين العلائي : بغية الملتمس، حققه وعلق عليه – حمدي عبد المجيد السلفي – عالم الكتب، طبعة أولى، 1405هـ – 1985م، ص36.

([429])     هذا التعليق طرف من الحديث المشهور الذي يرويه ابن مسعود، أوصله البخاري في كتاب القدر.

([430])     هذا التعليق رواه أبو وائل شقيق عن عبد الله بن مسعود، أوصله البخاري في كتاب الجنائز.

([431])     هذا التعليق رواه حذيفه بن اليمان، أو صله البخاري في كتاب الرقاق.

([432])     رواه البخاري في كتاب العلم، باب قول المحدث " حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا " رقم (61) ج1 ص175.

(*) تعقب العلامة العيني الحافظ ابن حجر في هذا وبين أن هناك فرقاً من جهة اللغة حاصلة : أن الخبر يرجع إلى العلم، وإنما استواء هذه الألفاظ من حيث الاصطلاح (عمدة القارئ 2/ 11).

وهذا التعقيب ليس بشيء، فقد قال الخطيب في الكفاية ص287 " وقد قال بعض أهل العلم بالعربية هذه الألفاظ الثلاثة بمنزلة واحدة في المعنى، ثم ذكر بالسند عن ثعلب إمام اللغة أو حدثنا وأخبرنا وأنبأنا في اللغة سواءً ".

([433])     سورة الزلزلة، الآية : 4.

([434])     سورة فاطر، الآية : 14.

([435])     فتح الباري : ج1 ص175، وانظر : الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع – للقاضي عياض – تحقيق السيد أحمد صقر، ط أولى – مكتبة دار التراث – القاهرة، ص69، والكفاية، للخطيب البغدادي، ط دار الكتب العلمية، سنة 1409هـ – 1988م، ص283 – 286.

([436])     فتح الباري : ج1 ص179 – 180.

([437])     عمدة القارئ : ج2 ص16 – 17.

([438])     معرفة علوم الحديث ص256.

([439])     المصدر نفسه ص258.

([440])     المصدر نفسه ص259.

([441])     الكفاية ص296.

([442])     الإلماع ص71.

([443])     صحيح البخاري كتاب العلم، باب القراءة والعرض على المحدث ج1 ص179 مع الفتح.

([444])     المصدر نفسه : وانظر أيضاً الإلماع ص73، والكفاية ص296 – 306.

([445])     فتح المغيث : ج2 ص100.

([446])     فتح الباري : ج1 ص185 – 186.

([447])     المصدر نفسه.

([448])     انظر : معرفة علوم الحديث ص318 وما بعدها، والإلماع ص79 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص146 وما بعدها، فتح المغيث : ج 107 وما بعدها، توضيح الأفكار : ج2 ص333 وما بعدها، شرح العلل ص166 وما بعدها.

([449])     صحيح البخاري (مع الفتح) : ج1 ص185.

([450])     فتح الباري : ج1 ص185.

([451])     انظر : علوم الحديث ص153 – 155 وفتح الغيث : ج2 ص122 والإلماع ص 83 – 84 وتدريب الراوي : ج2 ص55 – 56.

([452])     صحيح البخاري (مع الفتح) : ج1 ص185.

([453])     فتح الباري : ج1 ص186.

([454])     صحيح البخاري (مع الفتح) : ج1 ص185.

([455])     فتح الباري : ج1 ص186.

([456])     هو عبد الله بن يزد المعافري أبو عبد الرحمن الحبلى، بضم المهملة والموحدة، ثقة من الثالثة مات سنة مائة بإفريقية روى له البخاري تعليقاً ومسلم  والأربعة، (التقريب ص329).

(*) هو الحميدي (الفتح 1/ 186).

([457])     صحيح البخاري (مع الفتح) : ج1 ص185.

([458])     عبد الرحمن السهيلي : الروض الأنف – المطبعة الجمالية القاهرة 1332هـ، ج2 ص59 وقد نقله السيوطي في التدريب : ج2 ص44.

([459])     الفتح : ج1 ص187 وانظر عمدة القاري : ج2 ص27.

([460])     صحيح البخاري (مع الفتح) : ج1 ص187.

([461])     فتح الباري : ج1 ص187.

([462])     فتح الباري : ج1 ص187.

([463])     أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن رشيد الفهري السبتي : السنن الأبين والمورد الأمعن – تحقيق د. محمد الحبيب ابن الخوجة – الدار التونسية للنشر ص54 – 55 وانظر وعلوم الحديث ص13.

([464])     المصدر نفسه ص61 – 62.

([465])     المصدر نفسه ص62.

(*) اختلف العلماء في كيفية التعبير عن التحمل بالإجازة فمنهم من يجوز إطلاق حدينا وأخبرنا والجمهور على المنع، إلا عند التقيد كأن يقول حدثنا فلان إجازة، أو أخبرنا إجازة للتوسع انظر : علوم الحديث ص150 والإلماع ص128.

([466])     فتح الباري : ج1 ص188.

([467])     ميزان الاعتدال : ج1 ص265.

([468])     مجموع الفتاوى : ج18 ص8.

(*) اختصار أخبرنا.

([469])     شمس الدين الذهبي : تذكرة الحافظ – دار إحياء التراث العربي – ج1 ص412.

([470])     هدي الساري ص418.

([471])     الحكم بن نافع أبو اليمان الحمصي، الإمام الحافظ شيخ البخاري، روى عنه البخاري وأخرج له البقية. مات سنة 222هـ، ترجمته في : تهذيب التهذيب : ج2 ص441، تذكرة الحافظ : ج1 ص412.

([472])     شعيب بن أبي حمزة، أبو بشر الحمصي أحد الأئمة الأثبات، أخرج له الستة. مات سنة 162هـ ترجمته في تهذيب التهذيب : ج4 ص315.

([473])     شرح العلل ص168.

([474])     توضيح الأفكار : ج1 ص330.

([475])     شرح العراقي لألفيته : ج1 ص162 – 163.

([476])     علوم الحديث ص56.

([477])     المحدث الفاصل ص450.

([478])     جامع التحصيل ص136.

([479])     مقدمة صحيح مسلم ص14.

([480])     المرجع نفسه ص15.

([481])     السنن الأبين ص21 – 25.

([482])     انظر : مقدمة ابن الصلاح ص62، وجامع التحصيل ص134، والسنن الأبين ص31.

([483])     انظر : مقدمة ابن الصلاح ص60، وشرح العراقي لألفيته : ج1 ص164.

([484])     انظر : نفس المصادر.

([485])     من هؤلاء : العلائي في جامع التحصيل ص134، وابن رجب في شرح العلل ص212، وابن رشيد في السنن الأبين ص31، والسخاوي في فتح المغيث : ج1 ص157، وابن كثير في اختصار علوم الحديث ص56، والبلقيني في محاسن الاصطلاح ص158، والسيوطي في التدريب : ج1 ص216، وغير هؤلاء كثير.

([486])     شرح العلل ص214.

([487])     جامع التحصيل ص135.

([488])     انظر : التمهيد لابن عبد البر : ج1 ص12 – 13 والكفاية ص421 ومعرفة علوم الحديث ص43.

([489])     شرح العلل ص212.

([490])     المصدر نفسه ص214 – 215.

([491])     المصدر نفسه ص217.

([492])     مقدمة صحيح مسلم ص130 بشرح النووي – ط دار الفكر.

([493])     المصدر نفسه ص216.

([494])     شرح العلل ص220.

([495])     المصدر نفسه ص221.

([496])     سير أعلام النبلاء : ج12 ص573.

([497])     توضيح الأفكار : ج1 ص44.

([498])     الحافظ بن كثير : اختصار علوم الحديث – تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر – دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى 1403 – 1983م، ص49.

([499])     سراج الدين البلقيني : محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح : تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن – مطبعة دار الكتب القاهرة – 1974م، ص158.

([500])     من كتاب " النكت الوفية على شرح الألفية " والكتاب ما يزال مخطوطاً وما نقلته فبواسطة عبد الفتاح أبي غدة في تتماته على الموقطة ص136.

([501])     الكتاب ما يزال مخطوطاً، ونقلته بواسطة نفس المرجع.

([502])     التتمات على الموقظة ص    .

([503])     النكت ص230، وانظر : التنكيل ص269 – 270.

([504])     شرح النووي على مسلم : ج1 ص14.

([505])     التنكيل ص269.

([506])     تدريب الراوي : ج1 ص59.

([507])     هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري، أبو زرارة المدني، ثقة، من الثالثة، أرسل عن عكرمة بن أبي جهل. مات سنة ثلاث ومائة روى له الجماعة (التقريب ص533).

([508])     رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير – باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب رقم (2896) ج6 ص104 (مع الفتح).

([509])     التتبع ص194.

([510])     المصدر السابق.

([511])     حلية الأولياء : ج5 ص100.

([512])     هدي الساري ص381.

([513])     التتبع ص222.

([514])     الحسن بن أبي الحسن البصري، تابعي، فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلس. مات سنة 110 وقد قارب التسعين. ترجمته في التقريب ص160، والشذرات : ج1 ص139، وحلية الأولياء : ج2 ص131 – 160.

([515])     هو نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي، صحابي، مشهور بكنيته، أسلم بالطائف ثم نزل البصرة ومات بها سنة إحدى أو اثنين وخمسين، ترجمته في : التقريب ص565.

([516])     هدي الساري ص386.

([517])     الفتح : ج13 ص71.

([518])     المصدر نفسه ص71.

([519])     الجرح والتعديل : ج3 ترجمة 177.

([520])     هو بهز بن أسد العمي تقدمت ترجمته.

([521])     ابن أبي حاتم المراسيل : دار الكتب العلمية – بيروت ص44.

([522])     العلل ومعرفة الرجال. تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي. دار الوعي. حلب. ط الأولى ص60.

([523])     تهذيب الكمال : ج6 ص99.

([524])     سير أعلام النبلاء : ج4 ص566.

([525])     تاريخ يحي ابن معين – رواية الدوري عنه – تحقيق أحمد نور السيف، ج4 ص322.

([526])     تاريخ الإسلام : تحقيق د. عمر عبد السلام تدمري – دار الكتاب العربي – ط سنة 1410هـ – 1990م – ج7 ص48.

([527])     انظر العلل ومعرفة الرجال ص60 – 74.

([528])     التقريب ص519.

([529])     تهذيب الكمال : ج28 ص184، والجرح والتعديل : ج8 ت 1557.

([530])     أخرجه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين – رضي الله عنهما – رقم (3746) ج7 ص118.

([531])     هدي الساري ص372.

([532])     انظر تحفة الإشراف للمزي – تحقيق عبد الصمد شرف الدين – مطبعة المكتب الإسلامي – الدار القيمة. الطبعة الثانية 1303هـ، 1973م – ج9 ص38 – 42.

([533])     فتح الباري : ج2 ص213.

([534])     انظر تحفة الأشراف : ج9 ص38 – 42.

([535])     كتاب الفتن، باب إذا التقى مسلمان بسيفهما، حديث رقم (7083) ج13 ص35 (مع الفتح).

([536])     رواه البخاري في كتاب اللباس، باب لبس الحرير للرجال، وقدر ما يجوز منه حديث رقم (5833) وعقبه بروايتي : أبي ذبيان خليفة بن كعب، وأم عمرو بنت عبد الله بن الزبير، وفيهما يقول ابن الزبير : سمعت عمر يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من لبس الحرير " رقم (5834) ج10 ص296 (مع الفتح).

([537])     هو خليفة بن كعب التميمي، البصري، ثقة من الرابعة، روى له البخاري ومسلم والنسائي (التقريب ص195).

([538])     هي أم عمرو بنت عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدية مقبولة، روى لها البخاري تعليقاً والنسائي (التقريب ص757).

([539])     التتبع – دراسة وتحقيق : مقبل بن هادي الوادعي – دار الكتب العلمية – الطبعة الثانية 1405هـ – 1985م، ص306.

([540])     هدي الساري ص397 وانظر تفصيل القول في مراسيل الصحابة في أسباب اختلاف المحدثين لخلدون الأحدب ج1 ص220 – 224.

([541])     الفتح : ج10 ص301.

([542])     لسان العرب والقاموس المحيط مادة (دلس).

([543])     معرفة علوم الحديث ص128 - …. 12.

([544])     شرح العراقي المسمى فتح المغيث : ج1 ص179 – 191.

([545])     التقييد والإيضاح ص78.

([546])     علوم الحديث ص66.

([547])     التقريب (مع التدريب) : ج1 ص223.

([548])     اختصار علوم الحديث ص50.

([549])     الخلاصة في أصول الحديث ص74.

([550])     النكت على كتاب ابن الصلاح ص244.

([551])     فتح المغيث : ج1 ص169.

([552])     محاسن الاصطلاح ص168.

([553])     فتح المغيث : ج1 ص197، وشرح العراقي لألفيته : ج1 ص180.

([554])     فتح المغيث : ج1 ص197، والنكت ص242.

([555])     انظر التمهيد : ج1 ص15.

([556])     علوم الحديث ص66.

([557])     التقريب ص223 – 224.

([558])     اختصار علوم الحديث ص50.

([559])     التقييد والإيضاح ص80.

([560])     نزهة النظر ص39 – 40.

([561])     علوم الحديث ص66.

([562])     الكفاية ص395.

([563])     علوم الحديث ص67 – 68.

([564])     جامع التحصيل في أحكام المراسيل – حققه وقدم له وخرّج أحاديثه : حمدي عبد المجيد السلفي – عالم الكتب. الطبعة الثانية 1407هـ – 1986م، ص98 – 99.

([565])     نزهة النظر ص39.

([566])     النكت على كتاب ابن الصلاح ص255 – 256.

([567])     هدي الساري ص419.

([568])     المصدر نفسه ص418.

([569])     النكت ص257.

([570])     شرح العلل ص389.

([571])     نفس المصدر ص389، وفتح المغيث : ج1 ص219 والنكت ص253.

([572])     ميزان الاعتدال : ج2 ص224.

([573])     التنكيل : ج2 ص100.

([574])     الجرح والتعديل : ج1 ص68.

([575])     النكت على ابن الصلاح ص252.

([576])     المصدر نفسه ص252.

([577])     المصدر نفسه.

([578])     المصدر نفسه. وانظر : الموازنة في تصحيح الأحاديث وتعليلها – للدكتور حمزة المليباري – ط2 بقسنطينة ص120 – 124.

([579])     القاموس المحيط : ج4 ص21 .

([580])     علوم الحديث ص81 .

([581])    التقريب مع شرحه التدريب : ج1 ص251 .

([582])    المصباح المنير ص426 .

([583])    التقييد والإيضاح ص96 .

([584])    مختار الصحاح ص291 .

([585])     فتح المغيث ، ج1 ص244 .

([586])     مختار الصحاح ص291 .

([587])     التقييد والإيضاح ص96 .

([588])     علوما لحديث ص81 .

([589])     الدكتور حمزة عبد الله المليباري : الحديث المعلول قواعد وضوابط – دار الهدى عين مليلة . الجزائر ص13.

([590])     المصدر السابق .

([591])     علوم الحديث ص82

(*)      انظر لمزيد من التفصيل في هذه المسألة "الحديث المعلول" ص22 .

([592])     المصدر نفسه ص83 .

([593])    فتح المغيث ، ج1 ص244-245 .

(*)      لقد حقق هذا الجزء بعنوان "التنبيه على الأوهام الواقعة في الصحيحين" من قبل الرواة "قسم البخاري" من طرف محمد صادق آيدان – رسالة ماجستير في كلية أصول الدين . جامعة محمد بن سعود الإسلامية – نوقشت عام 1404هـ

([594])    انظر مقدمة تحقيق "الإلزامات والتتبع" ص58-59 .

([595])     هدي الساري ص364 .

([596])    الحديث الأول هو حديث أبي بن العباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم فرس يقال له اللحيف ، وقد سبق تخريجه .

          الحديث الثاني حديث إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمى أورده البخاري في كتاب الجهاد ، باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم حديث رقم (3058) ج6 ص202 مع الفتح .

([597])     الموقظة ص52 .

([598])    الإلزامات والتتبع ص120 .

([599])    انظر : الدكتور حمزة المليباري: عبقرية الإمام مسلم في ترتيب أحاديث مسنده الصحيح . 

(*)       انظر هذه الاحاديث في التتبع : الأرقام التالية (110) و (111) و (119) و (143) و (152).

([600])     الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين ص14 .

([601])    مقدمة ابن الصلاح ص243 .

([602])    نزهة النظر ص17 .

([603])     انظر : مقدمة ابن الصلاح ص 80-81 ، والنكت ص291 – 295 ، ونزهة النظر ص17 – 18 ، وتيسير مصطلح الحديث ص17 .

([604])    الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين ص26 – 27 ملخصاً . 

([605])     المصدر نفسه ص27 – 28 ،وقد أشار إليه الذهبي في الموقظة ص77 .

([606])     انظر علوم الحديث ص70 – 71 .

([607])     الوازنة ص27 – 28 وانظر أيضاً "الحديث المعلول" ص122-125 .

([608])     شرح العلل ص208 .

([609])     المصدر نفسه ص234 – 235 .

([610])     علوم الحديث ص81 .

([611])     انظر مقدمة صحيح مسلم ص3 .

([612])    المدخل في أصول الحديث ص154 .

([613])    هو الإمام الحجة ضياء أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الصالحي الحنبلي : حافظ متقن ثبت ثقة عالم بالحديث وأحوال الرجال ، له مؤلفات وتخريجات كثيرة من أشهرا "الأحاديث المختارة" ولم تكمل ، وكان أعلم أهل عصره بالحديث والرجال : توفي سنة (643هـ) . ترجمة في : شذرات الذهب ج5 ص224، وتذكرة الحافظ ج4 ص1405 .

([614])    النكت ص110 .

([615])    أخرجه البخاري ، في كتاب الرقاق ، باب التواضع حديث رقم (6502) ، ج11 ص348 (مع الفتح) ، وأبو نعيم في الحيلة : ج1 ص4 ، والبيهقي في "الزهد" (690) و "السنن) : ج3 ص346 وج10 ص219 ، والبغوي في "شرح السنة" (1248) .

([616])    جامع العلوم والحكم – تحقيق شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس – دار الهدى عين مليلة . الجزائر ، ج2 ص330 – 331 .

([617])    فتح الباري : ج11 ص349 .

([618])    التقريب ص496

([619])    انظر : هدي الساري ص421 .

([620])    هدي الساري ص321 .

([621])    التقريب ص190 .

([622])    التنكيل : ج1 ص321 .

([623])    المصدر نفسه .

([624])    انظر هذه الشواهد في : جامع العلوم والحكم: ج2 ص331 – 333 ، وفتح الباري : ج11 ص349 ، وسلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (1641) .

([625])    الجامع الصحيح ، كتاب الحدود ، باب إذا أقر بالحد ولم يبين ، هل للإمام أن يستر عليه ، حديث رقم (6823) ، ج12 ص136 .

([626])    كتاب التوبة ، باب إن الحسنات يذهبن السيئات ، حديث رقم (2764) ، ج4 ص2117 .

([627])    هو الإمام الحافظ الثبت ، أبو أحمد بن هارون بن روح البرديجي ، نزيل بغدد ، له مصنفات منها الأسماء المفردة وقد طبع ، وكتاب معرفة المتصل من الحديث والمرسل والمقطوع وبيان الطرق الصحيحة، مات سنة (301هـ)، ترجمته في الأنسا ج2 ص148، وتذكرة الحافظ : ج2 ص746 .

([628])    شرح العلل ص253 .

([629])    المصدر نفسه : وانظر أيضاً "علل الحديث" لابن أبي حاتم : ج2 ص454 .

([630])    شرح العلل ص253 .

([631])    فتح الباري : ج12 ص137 .

([632])    عمرو بن عاصم بن عبيد الهل الكلابي القيسي ، أبو عثمان البصري ، صدوق في حفظه شيء، من صغار التاسعة ، مات سنة (213هـ) ، التقريب ص423 ، والتهذيب : ج6 ص58 .

([633])    انظر : علوم الحديث لابن الصلاح ص72 ، واختصاراً علوم الحديث ص55 ، والتقريب للنووي مع شرحه تدريب الراوي : ج1 ص239 ، وشرح العراقي لألفيته : ج1 ص197 .

([634])    شرح العلل ص252 .

([635])    رواه مسلم : في الحج رقم 412 : ج2 ص975 ورقم 414 و 417 : ج2 ص975-976، ورواه الترمذي عن أبي سعيد : السنن : ج3 ص473 .

([636])    شرح العلل ص254 .

([637])    المصدر نفسه ص253 .

([638])    الكفاية ص172 .

([639])    الحديث المعلول ص97 .

(*)       هكذا وردت هذه العبارة في شرح العلل وهكذا نقلها شيخنا ، وهي مضطربة ويظهر لي أنها على هذا النحو " "ولا من طريق آخر عن أنس إلا من رواية .." والله أعلم .

([640])    شرح العلل ص253 .

([641])    المصدر السابق ص98 – 99 .

([642])    صحيح مسلم ، كتاب التوبة ، باب قوله تعالى : {إن الحسنات يذهبن السيئات} حديث رقم          (2765) ج4 ص2117 .

([643])    أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب العتق ، باب بيع الولاء وهبته ، رقم (2536) ج5 ص189 (مع الفتح) ، وفي كتاب الفرائض ، باب إثم من تبرأ من مواليه رقم (6756) ، ج12 ص43 (مع الفتح) ، ومسلم في كتاب الفتن ، باب النهي عن بيع الولاء وهبته ، رقم (16) ، وأبو داود          (2919) وابن ماجه (2747) والترمذي (1236 و 2126) والنسائي ج7 ص306 ، ومالك في الموطأ ، كتاب العتق ، باب مصير الولاء لمن أعتق ج2 ص780 ، والحميدي في مسنده (639) ، وأحمد في مسنده
ج2 ص9 و79.

([644])    فتح الباري : ج12 ص44 .

([645])    أخرجه مسنداً ابن ماجه في سننه (2748) .

([646])    العلل الكبير للترمذي ص182 .

([647])    جامع الترمذي (مع التحفة) : ج2 ص238 .

([648])    أخرجه البخاري في كتاب الفرائض ، باب لولاء لمن اعتق رقم (6752) ج12 ص40 (مع الفتح) .

([649])    شرح العلل ص238 – 239 .

([650])    نقله الحافظ ابن حجر في الفتح : ج12 ص45 .

(*)       الولاء بالفتح والمد : حق ميراث المعتق من المعتق ، (الفتح : ج5 ص198) .

([651])    الفتح : ج5 ص198 .

([652])    جامع الترمذي (مع التحفة) : ج2 ص238 .

([653])    الفتح : ج12 ص45 .

([654])    المصدر نفسه .

([655])    هو الإمام الحافظ أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حمدا العقيلي ، صاحب كتاب الضعفاء وهو مطبوع في أربعة مجلدات يشمل على (2101) ترجمة وعلى أكثر من (1500) حديث صحيح وضعيف ومعلول . توفى سنة (322هـ) ترجمته في تذكرة الحافظ : ج3 ص940 .

([656])    شرح العلل ص261 .

([657])    المصدر نفسه ص262 .

([658])    رواه البخاري في كتاب الإيمان ، باب أمور الإيمان ، حديث رقم 9 ن ج1 ص67 (مع الفتح) ومسلم في الإيمان أيضاً ، باب عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها .. رقم (57) (58) ج1 ص63، وأبو داود في كتاب السنة ، باب في رد الإرجاء ج2 ص268 – ط دار الكتاب العربي ، والترمذي في كتاب الإيمان ، ج3 ص358 (مع التحفة) ، والنسائي ، في كتاب الإيمان ، باب شعب الإيمان      ( 5019) و (5020) و (5021) ج8 ص483 طبعة دار المعرفة ، وابن ماجة في مقدمة سننه ، باب في الإيمان رقم (57) ج1 ص22.

(*)       لم أجد في الرواة من أسمه سهيل بن عجلان ، وأظنه تصحيفاً ، والصواب سهيلاً وابن عجلان .

([659])    شرح العلل ص262 .

([660])    المصدر نفسه .

(*)       الشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم عبارة عمن دون الأئمة الحفاظ وقد يكون فيهم الثقة وغيره (شرح العلل ص256) .

([661])    التقريب ص259 .

([662])    المصدر نفسه ص259 .

([663])    المصدر نفسه ص496 .

([664])    المصدر نفسه ص250 .

([665])    المصدر نفسه ص602 .

([666])    عمدة القاري : ج1 ص135 .

([667])    رواه البخاري في كتاب الوكالة باب وكالة المرأة الإمام في النكاح : ج4 ص567 رقم (2310) ، ثم كرره في مواضع كثيرة من صحيحه .

([668])    النكت ص345 .

([669])    فتح الباري : ج1 ص67 .

([670])    سورة البقرة ، الآية : 177 .

([671])    سورة المؤمنون ، الآيات : من 1 إلى 11 .

([672])    الفتح : ج1 ص66 .

([673])    شرح العلل ، ص255 .

([674])    المصدر نفسه انظر مقدمة صحيح مسلم ص7 .

([675])    رواه البخاري ، في كتاب الأطعمة ، باب المؤن يأكل في معي واحد ، ج9 ص446-447 (مع الفتح) ، ورواه مسلم ، في كتاب الأشربة ، باب المؤمن يأكل في معي واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء، ج3 ص1631 .

([676])    أخرجه مسلم في صحيحه : ج3 ص1636 ، وابن ماجه في سننه ، حديث رقم (3258) من رواية أبي كريب ، وأخرجه الترمذي في العلل الصغير : ج5 ص760 (مع الجامع) ، والعلل الكبير ص303 .

([677])    شرح العلل ص248 .

([678])    هو محمد بن العلاء بن كريب الهمذاني ، أبو كريب الكوفي ، مشهور بكنيته ، ثقة حافظ ، من العاشرة، مات سنة (5247) وهو ابن تسع وثمانين سنة ، ترجمته في التقريب ص500 .

([679])    العلل الصغير (مع الجامع) : ج5 ص760 ، والعلل الكبير ص303 .

([680])    الحسين بن علي بن الأسود العجلي الكوفي ، صدوق يخطئ كثيراً ، مات سنة 5254، ترجمته في : التقريب ص167 ، والتهذيب ج2 ص343 ، والميزان : ج1 ص543 .

([681])    محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي ، أبو هشام الرفاعي الكوفي ، قاضي بغداد ، ضعفه البخاري والنسائي وغيرهما ، مات سنة 5248 ، ترجمة في : الضعفاء الصغير 236 ، الميزان ج4 ص68 .

([682])    شرح العلل ص248 .

([683])    المصدر نفسه ص249 .

([684])    رواه البخاري في كتاب الإيمان : باب أداء الخمس من الإيمان ، رقم (53) ج1 ص157 (مع الفتح)، عن ابن عباس ورواه في كتب العلم ، والمواقيت ، والأثرية عن ابن عمر ، ورواه مسلم في كتاب الإيمان، ج1 ص46 – 50 عن ابن عباس وأبي سعيد ، ورواه في الاثرية : ج3 ص1577-1585 عن أنس وأبي هريرة وعلي وعائشة وغيرهم .

([685])    أخرجه ابن ماجه في سننه رقم (34049) والنسائي : ج8 ص305 ، وأخرجه الترمذي على العلل الصغير : ج5 ص761 (مع الجامع) والعلل الكبير ص309 .

([686])    شرح العلل ص249 .

([687])    العلل الصغير : ج5 ص791 ، والعلل الكبير ص309 .

([688])    العلل الصغير : ج5 ص760 .

([689])    شبابه بن سوار الفزاري : ثقة ، رمي بالإرجاء . مات سنة 254 ترجمته في تهذيب التهذيب : ج4   ص300 .

([690])    انظر : سؤالات ابن بكير للداقطني ص43 وشرح العلل ص286 – 288 .

([691])    حدث رقم (53) ج1 ص157 .

([692])    حديث رقم (87) ج1 ص221 .

([693])    حديث رقم (7266 ج13 ص256 .

([694])    صحيح مسلم : ج3 ص1578 – 1586 .

([695])    رواه الإمام أحمد في مسنده ، ج4 ص309 و 335 ، والترمذي : ج1 ص885 وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك والبيهقي .

(*)      لم اعتبر بالتعارض كما هو مستعمل عند بعض العلماء لأن التغاير أعم وأشمل ، والتعارض أخص ، ومن الاختلاف ما ليس فيه تعارض

([696])    انظر مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح ص94 وص117 . ط : دار الكتاب العربي . بتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان .

([697])    النكت : تحقيق ربيع بن هادي : ج1 ص405 .

([698])    الحديث المعلول ص36 .

([699])    المصدر السابق : ج2 ص777 – 778 .

([700])    انظر علوم الحديث ص64 – 65 .

([701])    النكت ص286 .

([702])    المصدر نفسه ص314 .

([703])    المصدر نفسه ص236 وقد نقله الصنعاني في توضيح الأفكار : ج1 ص343 .

([704])    المصدر نفسه ص237 وقد نقله الصنعاني في توضيح الأفكار : ج1 ص344 .

([705])    فتح المغيث : ج1 218 .

([706])    علوم الحديث ص81 – 82 .

([707])    المصدر نفسه .

([708])    مقدمة صحيح مسلم ص7 .

([709])    التمييز ص162 .

([710])    الخطيب البغدادي : الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ج2 ص212 .

([711])    المصدر نفسه .

([712])    المصدر نفسه .

([713])    كتاب الطب ، باب رقية العين ، حديث رقم (5739) ج10 ص210 (مع الفتح) .

([714])    كتاب السلام ، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة حديث رقم (2198) ج4 ص1725 .

([715])    التتبع ص247 – 248 .

([716])    هو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي أبو الهذيل الحمصي القاضي ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي . مات سنة 136 أو 147 ، وكان من الحفاظ المتقنين ، أقام مع الزهري عشر سنين، له ترجمة في التاريخ الكبير قسم 1 ج1 ص254 وتهذيب التهذيب : ج9 ص502 .

([717])   

(*)      ورد في الأصل يونس وهو خطأ ظاهر والصواب ما أثبته .

([718])    الفتح م ج10 ص213 .

([719])    سؤالات ابن بكير للدارقطني ص49 – 50 .

([720])    كتاب المغازي ، باب قول الله تعالى : {ويوم حنين ...} حديث رقم (14320) ج1 ص640 (مع الفتح).

([721])    التتبع ص253 .

([722])    الفتح : ج7 ص630 .

([723])    الفتح : ج7 ص630 .

([724])    صحيح مسلم : ج3 ص1278 .

([725])    المصدر السابق .

([726])    صحيح مسلم ج3 ص1277 .

([727])    المصدر نفسه .

([728])    كتاب الإيمان والنذر ، باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفيء رقم (3829) و (3830) ج7 ص20 دار المعرفة.

([729])    رواه البخاري في كتاب الاعتكاف باب الاعتكاف ليلاً رقم (2032) ج3 ص321، ورواه مسلم في الإيمان ، باب نذر الكفار وما يفعل فيه إذا اسلم رقم (237) وأخرجه أبو داود في الإيمان والنذور ، باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام (3325) والترمذي في النذور والإيمان ، باب ما جاء في وفاء النذر (1539) والنسائي في الإيمان والنذور ، باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي (3830) وابن ماجه في الصيام ، باب في اعتكاف يوم وليلة (1772) وفي الكفارات ، باب الوفاء بالنذر (2129) وأحمد في مسنده ج2 ص2 وص82 .

([730])    هو عمرو بن عبد الله بن عبيد ، أبو إسحاق الكوفي من أعلام التابعين ، ثقة مكثر عابد، اختلط بآخرة. مات سنة (129هـ) له ترجمة في : تذكرة الحفاظ : ج1 ص114 ، تاريخ الإسلام : ج5 ص116 ، التقريب ص423 .

([731])    هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، أبو يوسف الكوفي ، حفيد أبي إسحاق ثقة، تكلم فيه بلا حجة ، روى له الجماعة ، مات سنة (160هـ) ترجمته في التقريب ص104 وروايته أخرجها أحمد ج4 ص394 و 413 وأبو داود (2085) ، والترمذي (1101) والدرامي (2188) والبراز (كشف الأستار 1422)، وأبن حبان (4070) والدارقطني ج4 ص208، والبيهقي ج7 ص107.

([732])    رواية سفيان الثوري عن أبي إسحاق أخرجا عبد الرزاق في المصنف حديث رقم (10475) .

([733])    رواية شعبة أخرجها الترمذي .

([734])    أورد هذه القصة الخطيب البغدادي بالسند في الكفاية ، باب القول فيما روى من الأخبار مرسلاً ومتصلاً ص452 .

([735])    علوم الحديث ص65 .

([736])    شرح العلل ص244 .

([737])    المصدر نفسه .

([738])    النكت ص238 .

([739])    هو يونس بن أبي  إسحاق السبيعي ، أبو إسرائيل الكوفي ، صدوق يهم قليلاً ، من الخامسة ، مات سنة (152) (التقريب ص613) ، وقد ضعف الإمام أحمد حديثه عن أبيه (الضعفاء للعقيلي ج4 ت2111) وروايته أخرجها الترمذي (1101) والبيهقي ج7 ص109 .

([740])    تقدمت ترجمته ، وروايته .

([741])    هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، أخو إسرائيل ، كوفي نزل الشام مرابطاً ، ثقة مأمون ، مات سنة (187هـ) وقيل (191هـ) روى له الجماعة (التقريب ص441) ، ولم أقف على روايته مع طول البحث .

([742])    هو وضاح اليشكري الواسطي البزار ، أبو عوانة مشهور بكنيته ، ثقة ثبت ، مات سنة (75هـ) أو (76هـ) روى له الجماعة ، قال يحيى القطان : أبو عوانة من كتابه أحب إلى من شعبه من حفظه .

          وقال يحيى القطان : ما أشبه حديثه بحديث سفيان وشعبة ، وقال عفان : هو عندنا أصح حديثاً من شعبة : التقريب ص580 ، والشذرات : ج1 ص287 ، وروايته أخرجها ابن ماجه (1881) والترمذي (1101) والبيهقي ج7 ص107 .

([743])    شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ، القاضي بواسط ، ثم الكوفة ، أبو عبد الله ، صدوق ، يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ، وكان عادلاً فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع . مات سنة (177هـ) أو (187هـ) . روى له البخاري تعليقاً ومسلم وبقية الجامعة .

          (التقريب ص266) وروايته أخرجها الدارمي (2189) والترمذي (1101) وابن حبان (4066) و (4078) والبيهقي : ج7 ص108 .

([744])    هو زهير بن معاوية بن حديج الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة ، ثقت ثبت ، مات سنة (173هـ) (التقريب ص218) وروايته أخرجها ابن حبان (4065) ، والبيهقي : ج7 ص107 .

([745])    كتاب النكاح ، باب لا نكاح إلا بولي : ج2 ص176 (مع التحفة) .

([746])     النكت ص239 .

([747])    المصدر نفسه .

([748])    الفتح ج9 ص89 .

([749])    المصدر نفسه .

([750])    العلل الكبير ص156 (مع التحفة) .

([751])    المصدر نفسه .

([752])    الجامع : ج2 ص156 (مع التحفة) .

([753])    العلل الكبير ص156 .

([754])    العلل الكبير (الحاشية) ص157 .

([755])    الفتح : ج9 ص98 .

([756])    جامع الترمذي : ج2 ص175 ، وانظر تخريجها في التحفة في نفس الموضوع .

([757])    أخرجه ملم في صحيحه ، كتاب الرضاع ، باب قدر ما تستحقه البكر والثبت من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف رقم (41) ج2 ص1083 ، وأبو داود (2122) ، وابن ماجه (1917) ، وغيرهم.

([758])    رواه مالك في الموطأ كتاب النكاح ، باب الإقامة عند البكر والأيم رقم (14) ج2 ص529، ورواه مسلم أيضاً ، في نفس الكتاب والباب .

([759])    انظر النكت ص239 .

([760])    أخرجه أحمد ج3 ص305 ، وابن ماجه (2369) والترمذي (1344) والدار قطني ج4 ص212 والبيهقي ج10 ص170 .

([761])    عند البيهقي ج10 ص170 .

([762])    أخرجه الترمذي ، في كتاب الأحكام ، باب ما جاء في اليمين مع الشاهد ج2 ص281 (مع التحفة) والبيهقي ج10 ص169 و 173 .

([763])    العلل الكبير ص202 .

([764])    جامع الترمذي : ج1 ص180 (مع التحفة) .

([765])    علل الحديث رقم 1402 .

([766])    التقريب ص368 .

([767])    العلل للدارقطني : ج3 ص94 – 98 .

([768])     العلل الكبير ص202 .

([769])    المصدر السابق .

([770])    المصدر نفسه .

([771])    تحفة الأحوذي : ج2 ص281 .

([772])    المرجع نفسه .

([773])    الجامع الصحيح ، كتاب الأحكام ، باب ما يكره من الحرص على الإمارة حديث رقم (7148)    ج13 ص133 .

([774])    التتبع ص135 – 136 .

([775])    ابن أبي ذنب : هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة ن أبي  ذنب ، أبو الحارث المدني العامري ، أحد فقهاء الأمة . مات بالكوفة سنة (5159) ترجمته في التذكرة ج1 ص191 وتهذيب التهذيب : ج9 ص303 ، والتقريب ص493 .

([776])    عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصار ، أي صدوق رمي بالقدر، وربما وهم ، مات سنة ثلاث وخمسين . روى له البخاري تعليقاً ومسلم وسائر الجماعة (التقريب ص333) .

([777])    الفتح : ج13 ص134 .

([778])    تهذيب التهذيب : ج4 ص40 .

([779])    شرح العلل ص263 .

([780])    الفتح : ج13 ص134 .

([781])    الجامع الصحيح ، كتاب الجهاد والسير ، باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة حديث رقم (2996) ج2 ص158 (مع الفتح) .

([782])    التتبع ص165 .

([783])    هدي الساري ص382 .

([784])    العوام بن حوشب بن يزيد الشيباني ، أبو عيسى الواسطي ، ثقة ثبت فاضل ، مات سنة (148هـ) رواه له الجماعة ، ترجمته في التقريب ص433 .

([785])    مسعر بن كدام ، بكسر أوله وتخفيف ثانيه ، ابن ظهر الهلالي ، أبو سلمة الكوفي ، ثقة ثبت فاضل ، مات سنة (153هـ) روى له الجماعة ، ترجمته في التقريب ص528 .

([786])    أخرجه الترمذي ، في أبواب الصلاة ، باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم وأعطان الإبل رقم (349) ج1 ص282 (مع التحفة) ، ورواه ابن خزيمة رقم (796) .

([787])    العلل الكبير ص87 .

([788])     المصدر السابق .

([789])    أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرئ ، مشهور بكنيته ، والأصح أنها اسمه ، واختلف في اسمه على عشرة أقوال ، ثقة عابد ، إلا أنه لما كبر ساء حفظه ، وكتابه صحيح . مات سنة (194هـ) روى له الجماعة ، ترجمته في التقريب ص104 .

([790])    هو إسرائيل بن يوسف بن إسحاق السبيعي تقدمت ترجمته .

([791])    أخرجه البزار (كشف الأستار عن زوائد البزار 1012) ، وابن خزيمة رقم (1976) و (1968) و (1969) و (2005) .

([792])    العلل الكبير ص126 .

([793])    المصدر نفسه .

([794])    هو إسحاق بن يوسف بن مرداس المخزومي الواسطي ، المعروف بالأزرق ، ثقة من التاسعة ، مات سنة خمس وتسعين وله ثمان وسبعون (التقريب 104) .

([795])    رواية قتادة أخرجها البزار من طري شعبة "كشف الأستار" ج1 ص476 – 477 .

([796])    رواية حميد الطويل أخرجها أيضاً البزار من طريق حماد بن سلمة "كشف الأستار" (1013) وأوردها الترمذي في علله الكبير من طريق ابن علية ص126 .

([797])    علل الحديث : رقم (676) .

([798])    أخرجه البخاري في كتاب الشرب والمساقاة ، بل الرجل يكون أن ممراً أو شرب في حائط أو في نخل، حديث رقم (2379) ج5 ص60 (مع الفتح) ، ومسلم في صحيحه ج5 ص17 ، وأبو داود (3433) وابن ماجه (2311) والنسائي (4650) .

([799])    أخرجه البخاري في كتاب البيوع ، باب من باغ نخلاً قد أبرت رقم (2203) ج4 ص469 ، ورواه ملك في الموطأ وعبد الرزاق في مصنفه (14623) .

([800])    العلل الكبير ص185 .

([801])    كتاب البيوع ، باب ما جاء ي ابتياع النخل بعد التأبير ، والعبد وله مال : ج2 ص243 (مع التحفة) .

([802])    الجامع الصحيح (مع الفتح) : ج5 ص60 .

([803])    المصدر نفسه ج4 ص469 .

([804])    المصدر نفسه ج4 ص481 .

([805])    المصدر نفسه ج5 ص369 .

([806])    انظر هذه الأحاديث في شرح العلل ص259 .

([807])    المصدر نفسه .

([808])    المصدر نفسه .

([809])    نقل عنهم ذلك البيهقي في سننه (5/335) والحافظ في الفتح (4/470) .

([810])    شرح العلل ص259 .

([811])    التتبع ص294 .

([812])    فتح المغيث : ج1 ص247 .

([813])    انظر الفتح : ج4 ص470 ، والاستذكار : ج19 ص29 .

([814])    نقله الحافظ في الفتح : ج5 ص63 .

([815])    الفتح : ج5 ص63 .

([816])    العلل الكبير ص185 .

          ود وهم الحافظ في الفتح (5/63) فذكر أن الترمذي نقل في الجامع عن البخاري تصحيح الروايتين، ونقل عنه في "العلل" ترجيح قول سالم ، والصواب أنه نقل تصحيح الروايتين في "العللط وترجيح قول سالم في الجامع ، وقد نقل كلام الحافظ هنا الشيخ مقبل في تعليقه على التتبع (ص295) ولم ينبه عليه والله أعلم .

([817])    كتاب الفتن ، باب ظهور الفتن ، حديث رقم (7061) ج13 ص16 (مع الفتح) ، ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شبية عن عبد الأعلى به ج16 ص322 (مع شرح النووي) .

([818])    التتبع ص121 .

([819])    فتح الباري : ج13 ص18 .

([820])    التتبع ص122 (مع الحاشية) .

([821])    المصدر نفسه .

([822])    كتاب الفتن وأشراط الساعة ، باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما ، حديث رقم (2214) ج4 ص157 .

([823])    كتاب العلم ، باب رفع العلم وقبضة وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ، ج4 ص2057 .

([824])    علل الدارقطني : ج3 ص80 .

([825])    أخرجه أحمد في مسنده : ج5 ص213 و 214 ، والدرامي (677) ، وأبو داود (41) .

([826])    هو عمرو بن خزيمة ، مقبول من السادسة ، د ق (التقريب ص421) .

([827])    أخرجه الحميدي (433) وأحمد : ج5 ص213 ، وابن ماجه (315) .

([828])    أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3724) .

([829])    العلل الكبير ص26 .

([830])    علل الحديث : رقم (139) .

([831])    روايتي أبي أسامة وابن نمير أشار إليهما أبو داود في سننه : ج1 ص7 حديث رقم (41) .

([832])    شرح العلل ص271 .

([833])    سؤالات ابن بكير للدارقطني .

([834])    سنن أبي داود : ج1 ص7 حديث رقم (41) .

([835])    أخرجه أحمد : ج4 ص135 ، ومسلم : ج3 ص62 ، والترمذي (1051) والنسائي : ج2 ص67 وابن خزيمة (793) .

([836])    أخرجها أبو داود في سننه (3229) .

([837])    ذكر ذلك ابن أبي حاتم في علله حديث رقم (213) .

([838])    أخرجه أحمد : ج4 ص135 ، ومسلم : ج3 ص63 ، والترمذي (1050) وابن خزيمة (794) .

([839])    العلل الكبير ص151 .

([840])    علل الحديث رقم (213) .

([841])    أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب الطهارة ، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله رقم (216) ج1 ص(379) مع الفتح ، وانظر الأرقام التالية (217) و (1361) و (1378) و (6052) و      (6055) ، ومسلم ج1 ص126 وأبو داود (20) وابن ماجه (347) والترمذي (70) والنسائي   (31) وابن خزيمة (56) وأحمد في مسنده ج1 ص225 ، والدرامي (745) .

([842])    العلل الكبير ص42 .

([843])    فتح الباري : ج1 ص379 .

([844])    التتبع ص334 – 335 .

([845])    أخرجه البخاري في كتاب الحدود ، باب لا يثرب على الأمة إذا زنت ولا تنفي ، رقم (6839) ج12 ص171 (مع الفتح) .

([846])    روايته أخرجها الإمام مسلم في صحيحها كتاب الحدود ، باب رجم اليهود وأهل الذمة في الزنى ج3 ص1328 .

([847])    المصدر نفسه .

([848])    المصدر نفسه .

([849])    المصدر نفسه .

([850])    عزاها الحافظ في الفتح (ج12 ص172) إلى النسائي ولم أحدها في السنن الصغرى ولعلها في الكبرى.

([851])    النكت ص107 .

([852])    مقدمة صحيح مسلم ص4 .

([853])    العلل ومعرفة الرجال ص98 – 99 .

([854])    شرح العلل ص263 .

([855])    المصدر نفسه .

([856])    أخرجه البخاري ، في كتاب الأذان ، باب الوجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها..، رقم (755) ج3 ص276 (مع الفتح) ، ومسلم في كتاب الصلاة ، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ... رقم (394) ج1 ص295 ، والنسائي في سننه ج2 ص124 وأبو داود ج1 ص218، مع (عون المعبود) والترمذي ج1 ص248 مع التحفة ، وأحمد ج3 ص124 (مع الفتح الرباني) ، وأبو عوانة في صحيحه (2/103) وابن حبان (3/83 مع الإحسان) والبيهقي أيضاً في جزء القراءة (ص13) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/233) وأبو نعيم في الحلية (8/382) .

([857])    أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان ، باب من رد فقال : عليك السلام ، رقم (6251)، ج11   ص38 (مع الفتح) ، ومسلم (397) ، والترمذي (3/685) مع التحفة ، وابن ماجه (1060) والبيهقي في السنن الكبرى (2/15) .

([858])    أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور ، باب إذا حنث ناسياً في الأيمان (6667) ج11 ص55، ومسلم (397) وابن أبي شبية في مصنفه (1/287) .

([859])    أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/373) .

([860])    ذكره الدارقطني في "التتبع" ص132 ، حديث رقم (9) .

([861])    المصدر نفسه .

([862])    فتح الباري ، ج2 ص324 .

([863])    جامع الترمذي : ج1 ص249 مع التحفة .

([864])    رواه البخاري في كتاب الأنبياء ، باب قول الله تعالى : {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت...} رقم (3374) ج6 ص477 .

([865])    رواه البخاري في كتاب الأنبياء ، باب قوله تعالى : {لقد كان في يوسف واخوته آيات للسائلين} رقم (4689) ج8 ص212 وفي كتاب التفسير رقم (4689) ج8 ص212 .

([866])    رواه البخاري في كتاب المناقب ، باب قوله تعالى : {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى...} رقم (3490) ج6 ص607 .

([867])    هدي الساري ص382 .

([868])    جامع التحصيل ص135 .

([869])    العلل للدار قطني : ج3 ص14 .

([870])    التتبع ص132 .

([871])    أخرجه البخاري في فضائل القرآن ، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه رقم (5027) و (5028) ج8 ص692 .

([872])    جامع التحصيل ص136 .

([873])    جامع التحصيل ص136 .

([874])    هي الساري ص393 .

([875])    كتاب العتق ، باب إذا أعتق نصيباً في عبد وليس له مال استسعى العبد غير مشقوق عليه ، على نحو الكتابة رقم (2526) ج5 ص185 (مع الفتح) .

([876])    التتبع ص150 .

([877])    شرح النووي لصحيح مسلم : ج10 ص197.

([878])    نقله الشيخ مقبل بن هادي في تعليقه على "التتبع" ص149 .

([879])    معرفة علوم الحديث ص40 .

([880])    المصدر نفسه .

([881])    الفتح : ج5 ص188 .

([882])    فتح الباري : ج5 ص188 .

([883])    حديث شعبة عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "في المملوك بين رجلين" فيعتق أحدهما قال : "يضمن" ، وفي رواية أخرى لشعبة: "من أعتق شقيصاً من مملوك ، فهو حر من ماله" أخرجه مسلم 5/96 ، وأبو داود (3935) ، والدار قطني 4/125 ، وأما رواية هشام الدستوائي ، فأخرجها أحمد 2/531، وأبو داود (393)، والدار قطني 4/126 .

([884])    انظر تخريج هذه الروايات في الفتح : ج5 ص188 .

([885])    رواية همام أخرجها أبو داود في سننه (3934) ، والدار قطني 4/127 ، ولفظه : "أن رجلاً أعتق شقيصاً من غلام ، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه ، وغرمه بقية ثمنه ، وهكذا ورد من رواية محمد بن كثير عن همام عن قتادة ، وقد رواه اعبد الله بن يزيد المقرىء عن همام عن قتادة ، وزاد : وقال قتادة : إن لم يكن له مال استسعى العبد" رواه هكذا الإسماعيلي ، وابن المنذر ، والدار قطني ، والخطابي ، والحاكم ، والبيهقي ، والخطيب . انظر الفتح 5/188 .

([886])    العلل الكبير ص204 – 205 .

(*)       معنى الاستسعاء أ، العبد يكلف الاكتساب والطلب حتى يحصل قيمة الشريك الآخر . فإذا دفعها إليه عتق . هكذا فسره جمهور القائلين بالاستسعاء ، وقال بعضهم : هو أن يخدم سيده الذي لم يعتق بقدر ماله فيه من الرق ولا يكلف ما يشق عليه . وقد اختلف العلماء في مشروعيته . انظر : (الفتح 5/189 – 191 ، وتحفة الأحوذي 2/212) .

([887])    الفتح : ج5 ص189 .

([888])    كتاب النكاح ، باب قول الرجل: لأطوفن الليلة على نسائي . حديث رقم (5232) ج9 ص250.

([889])    أخرجه أحمد 30912 وابن ماجه (2104) والترمذي (1532) والنسائي (7/20) . 

([890])    العلل الكبير ص252 .

([891])    أخرجه الحميدي (690) وأحمد 2/10 و 68 و 126 و 127 والدرامي (2347) و (2348) وأبو داود (3262) و (3262) وابن ماجه (2105) و (1106) والترمذي (1531) والنسائي 7/12 و 25 .

([892])    انظر المصدر السابق ص253 .

([893])    فتح الباري : ج11 ص613 .

([894])    المصدر نفسه .

([895])    رواه البخاري في كتاب الفرائض ، باب لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم رقم (6764) ، ج12 ص51 (مع الفتح) .

([896])    رواية مالك في الموطأ ، كتاب الفرائض ، باب ميراث أهل الملل رقم (10) ص519 .

([897])    رواية ابن جريج سبق تخريجها .

([898])    رواية ابن عيينة أخرجها مسلم في أول كتاب الفرائض رقم (1614) ج3 ص1233، وأبو داود في كتاب الفرائض ، باب هل يرث المسلم الكافر ج2 ص19 ، والترمذي في كتاب الفرائض ، باب إبطال الميراث بين المسلم والكافر ، ج3 ص183 (مع التحفة) وابن ماجه ، في كتاب الفرائض، باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك رقم (2729) ، ج1 ص911 .

([899])    رواية يونس أخرجها البخاري في كتاب الحج ، باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها ، رقم (158) ج3 ص526 ، وابن ماجه في كتاب الفرائض ، باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك رقم         (2830) ، ج2 ص912 .

([900])    رواية معمر أخرجها أبو داود ، في كتاب الفرائض ، باب هل يرث المسلم الكافر ، ج2 ص19 .

([901])    عزاها الحافظ في الفتح إلى النسائي ، ولم أجدها فيه مع طول البحث ، والسنن الصغرى ليس فيها كتاب الفرائض أصلاً ، فلعلها في الكبرى .

([902])    النكت ص275 .

([903])    أخرجه الترمذي في سننه في كتاب الفرائض ، باب إبطال ميراث المسلم من الكافر ، وقال عقبه : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ليلي ج3 ص183 (مع التحفة) وابن أبي ليلى قال فيه الحافظ في التقريب : صدوق سيء الحفظ جداً .

([904])    رواه أبو داود في سننه ، كتاب الفرائض ، باب هل يرث المسلم الكافر ج2 ص19 ، وسنده صحيح إلى عمرو ، ورواه ابن ماجه في كتاب الفرائض ، باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك (3731) ج2 ص912 ، وفي سنده عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف .

([905])    فتح الباري : ج5 ص52 .

([906])    الجامع الصحيح ، كتاب الآذان، باب ما يقول بعد التكبير ، رقم (743) ج2 ص265 (مع الفتح).

([907])    رواية قتادة أخرجها البخاري ، ومسلم (50) من طريق شعبة ، ج1 ص299 ، والترمذي من طريق أبي  عوانة ، في كتاب الصلاة ، باب افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين ج1 ص205 (مع التحفة)، والنسائي ، في كتاب الافتتاح ، باب البداءة بفاتحة الكتاب قبل السورة (901) ج2 ص470 . ط دار المعرفة ، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها (813) ج1 ص267 .

([908])    أخرجها مالك في الموطأ موقوفة ، كتاب الصلاة باب العمل في القراءة (30) ج1 ص81 .

([909])    ساق مسلم سندها ولم يسق لفظها ج1 ص300 ، وساقها البخاري في جزء القراءة خلف الإمام رقم (120) ص32 من طريق الوليد بن مسلم وليس فيه زيادة (لا يذكرون باسم الله ...) .

([910])    صحيح مسلم ، كتاب الصلاة ، باب من قال لا يجهر بالبسملة (52) ، ج1 ص299 .

([911])    سنن الدار قطني : ج1 ص316 .

([912])    السنن الكبرى : ج2 ص51 .

([913])    نقله العراقي في التقييد والإيضاح ص99 .

([914])    المصدر نفسه ص100 .

([915])    النكت ص319 .

([916])    تدريب الراوي :ج1 ص255 .

([917])    فتح المغيث ج1 ص249 .

([918])    علوم الحديث ص83 .

([919])    النكت ص324 .

([920])    نقله الترمذي في جامعه : ج1 ص206 (مع التحفة) .

([921])    صحيح مسلم كتاب الصلاة ، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة (50) ج1 ص299 .

([922])    التقيد والإيضاح ص100 .

([923])    علوم الحديث ص73 .

([924])    كتاب الاعتكاف ، باب الاعتكاف ليلاً (2036) ، ج4 ص321 .

([925])    كتاب الاعتكاف أيضاً ، باب إذا نذر في الجاهلية أن يعتكف ثم أسلم (2034) ، ج4 ص333 .

([926])    كتاب الإيمان والنذور ، باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنساناً في الجاهلية ، ثم أسلم (6697)، ج11 ص590 .

([927])    كتاب الخمس، باب كان يعطي النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم من الخمس ونحوه (3144).

([928])    كتاب المغازي ، باب قوله تعالى : {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ...} (4320، ج7 ص630 .

([929])    سؤالات ابن بكير للدار قطني ص54 .

([930])    النكت ص341 .

([931])    شرح النووي لصحيح مسلم : ج11 ص124 .

([932])    المصدر السابق .

([933])    أخرجه البخاري في كتاب الإيمان ، باب دعاؤكم إيمانكم ، رقم (8) ، ج1 ص64 .

([934])    كتاب التفسير، باب {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله..} رقم (4514) ج8 ص32 .

([935])    الجامع الصحيح للإمام مسلم : ج1 ص45 .

([936])    شرح النووي لصحيح مسلم : ج    ص.

([937])    النكت ص342 .

([938])    لسان العرب : ج1 ص269 .

([939])    انظر نزهة النظر ص54 .

([940])    تيسير مصطلح الحديث ص115 ، وانظر تدريب الراوي ص177 .

([941])    النكت ص347 .

([942])    رواه البخاري في كتاب الأذان ، باب التشهد في الأخير رقم (831) ج2 ص362 ثم كرره في مواضع كثيرة من صحيحه . انظر الأرقام التالية (835) و (1202) و (6230) و (6265) و (6328) و (7381) ، وأخرجه مسلم في الصلاة باب التشهد في الصلاة رقم (55) و (56) و (57) و (58) ، وأخرجه أبو داود في الصلاة ، باب التشهد رقم (928) وأخرجه النسائي في التطبيق ، كيف التشهد الأول (1164) و (1167) وأخرجه ابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيهما ، باب ما جاء في التشهد رقم (889) .

([943])    ووقعت الرواية المدرجة أيضاً في سنن أبي داود في كتاب الصلاة ، باب التشهد رقم (970) .

([944])    السيوطي : المدرج إلى المدرج – تحقيق صبحي البدري السامرائي ، الدار السلفية لنشر – الجزائر ، ص20 .

([945])    سبق تخريجه .

([946])    المصدر السابق ص32 .

([947])    رواه البخاري في كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم (3543) ج6 ص651 (مع الفتح) ومسلم في كتاب الفضائل ، باب شبيهه صلى الله عليه وسلم حديث رقم (2343) ج4 ص1822 ، والترمذي رقم (2827) ج5 ص129 ورقم (3777) ج5 ص659 ، وأحمد في مسنده ج4 ص307 .

([948])    المدرج إلى المدرج ، ص35 .

([949])    أخرجه النسائي في السنن الكرى . انظر تحفة الأشراف ج7 ص41 .

([950])    هو أحمد بن عبد الجبار بن محمد العطاردي ، وأبو عمر الكوفي ، ضعيف ، وسماعه للسيرة صحيح ، مات سنة 272 ، وله خمس وتسعون سنة ، روى له أبو داود : ترجمته في التقريب ص18 وميزان الاعتدال : ج1 ص112 .

([951])    المدرج إلى المدرج ص17 .

([952])    أخرجه البخاري في كتاب الجنائز ، باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله رقم (1238) ج3 ص133 .

([953])    أخرجه البخاري في كتاب المغازي ، باب غزوة الفتح في رمضان رقم (4276) ج7 ص595 (مع الفتح) .

([954])    المدرج إلى المدرج ص25 .

([955])    كتاب الأطعمة باب القرآن في التمر حديث رقم (5446) ج9 482 (مع الفتح) .

([956])    انظر الفتح : ج9 ص483 والمدرج ص31 .

([957])    باب إذا أذن إنسان لآخر شيئاً جاز رقم (2455) ج5 ص128 .

([958])    الفتح : ج9 ص482 .

([959])    كتاب بدء الوحي ، باب (3) ج1 ص30 (مع الفتح) .

([960])    المصدر نفسه ص31 والمدرج ص38 .

([961])    أخرجه البخاري في كتاب البيوع ، باب بيع الملامسة ، رقم (2144) ج4 ص420 .

([962])    أخرجه لبخاري في كتاب البيوع ، باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام رقم (2171) ج4 ص441 .

([963])    أخرجه البخاري في كتاب البيوع / باب بيع بيع الزبيب بالزبيب ، والطعام بالطعام رقم (2171) رقم (2171) ج4 ص441 ورواه مسلم رقم (1542) ج3 ص1171 .

([964])    الفتح : ج4 ص450 .

([965])    انظر أمثلة في المدرج إلى المدرج للسيوطي ص39 – 43 .

([966])    كتاب التعبير ، باب القرد في المنام ج12 ص422 .

([967])    انظر تخريج هذه الروايات في الفتح ص422 .

([968])    عبد الرحمن المعلمي : مقدمة تحقيق الفوائد المجموعة ص (ح) .

([969])    علوم الحديث ص59 – 60 .

([970])    الكفاية ص451 .

([971])    علوم الحديث ص65 .

([972])    شرح صحيح مسلم : ج6 ص29 .

([973])    الكفاية ص450 .

([974])    انظر : فتح المغيث ك ج1 ص193 .

([975])    علوم الحديث ص64 ، وشرح العراقي لألفيته : ج1 ص177 .

([976])    الكفاية ص464 ، وفتح المغيث : ج1 ص233 .

([977])    الكافية ص465 .

([978])    فتح المغيث ، ج1 ص235 .

([979])    المصدر السابق .

([980])    المحصول في علم أصول الفقه : ق1 ج2 ص680 – 681 بتحقيق طه جابر العلواني .

([981])    تدريب الراوي : ج1 ص246 .

([982])    الإحكام في أصول الأحكام : ج2 ص155 .

([983])    في مختصره ج2 ص71 بشرح الإيجي .

([984])    فتح المغيث : ج1 ص234 .

([985])    البرهان في أصول الفقه : بتحقيق د. عبد العظيم الذيب . ط1 – مطابع الدوحة الحديثة قطر ، سنة 1399هـ. ج1 ص664 – 665 ، ونقله السخاوي في فتح المغيث : ج1 ص234 .

([986])    الكفاية ص465 .

([987])    المصدر نفسه .

([988])    صحيح ابن حبان : بترتيب الأمير علاء الدين الفارسي ، وتحقيق الشيخ أحمد شاكر ، مطبعة المعارف– القاهرة سنة 1372هـ ، ج1 ص120 .

([989])    نزهة النظر ص27 .

([990])    كتاب الوضوء ، باب غسل الدم حديث رقم (227) ، ج1 ص396 .

([991])    كتاب الحيض ، باب الاستحاضة حديث رقم (306) ج1 ص487 .

([992])    كتاب الحيض ، باب إقبال المحيض وإدباره حديث رقم (320) ج1 ص500 .

([993])    كتاب الحيض : إذا حاضت في الشهر ثلاث حيض ، حديث رقم (325) ج1 ص507 .

([994])    كتاب الحيض ، باب إذا رأت المستحاضة الطهر ، حديث رقم (331) ج1 ص510 .

([995])    سنن النسائي : ج1 ص134 ، وص202 ط . دار المعرفة .

([996])    نقله الصنعاني في سبل السلام . ت . فواز زمرلي . دار الكتاب العربي . ط الخامسة سنة 1990 ج1 ص133 .

([997])    هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير . ثقة أحفظ الناس لحدي الأعمش وقد يهم في حديث غيره. مات سنة 295 ، وروى له الجماعة ، ترجمته في التقريب ص475 .

([998])    انظر الفتح : ج1 ص411 .

([999])    أخرجه الدرامي (898) وأبو داود (297) وابن ماجه (625) والترمذي (126) و (127) .

([1000])   العلل الكبير ص57 .

([1001])   سنن أبي داود : ج1 ص48 – 49 .

([1002])   الفتح : ج1 ص488 ، وانظر بداية المجتهد : ج1 ص60 – 63 ، وسبل السلام : ج1 ص133، ونيل الأوطار : ج1 ص273 .

([1003])   كتاب الزكاة ، باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين ، حديث رقم (1504) ج3 ص432 .

([1004])   أخرجه البخاري في الزكاة ، باب صدقة الفطر على الحر والمملوك حديث رقم (1511) وأخرجه مسلم في الزكاة ، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير رقم (14) وأخرجه الترمذي، في الزكاة باب ما جاء في صدقة الفطر رقم (675) وأخرجه النسائي في الزكاة باب فرض زكاة رمضان (2499) ، وأبو داود في الزكاة ، باب كم يؤدي في صدقة الفطر رقم (1615) .

([1005])   انفرد به النسائي ، رواه في كتاب الزكاة باب كم فرض رقم (2504) ج5 ص51 ط. دار المعرفة.

([1006])   رواه مسلم في كتاب الزكاة ، باب زكاة فطر على المسلمين من التمر والشعير ، حديث رقم (15) ج2 ص678 .

([1007])   العلل الصغير (مع الجامع) ص759 .

([1008])   كتاب الزكاة باب فرض صدقة الفطر حديث رقم (1503) ج3 ص430 .

([1009])   صحيح مسلم كتاب الزكاة ، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير رقم (16) ج2 ص678 .

([1010])   رواه أبو داود في سننه ، كتاب الزكاة ، باب كم يؤدي في صدقة الفطر ج1 ص255 .

([1011])   المصدر نفسه .

([1012])  

([1013])   أخرجه البخاري في كتاب الوضوء ، باب الوضوء ثلاثاً حديث رقم (159) ج1 ص311 (مع التفح) .

([1014])   أخرجه في نفس الكتاب ، والباب حديث رقم (164) ج1 ص321 (مع الفتح) .

([1015])   أخرجه في كتاب الصوم ، باب السواك الرطب واليابس للصائم ، حديث رقم (1934) ج4 ص187 .

([1016])   صحيح مسلم ، حديث رقم (226) ج1 ص304 .

([1017])   أخرجه في كتاب الطهارة ، باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من طريق محمد بن المثنى ، عن الضمان بن مخلد عن عبد الرحمن بن وردان ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : رأيت عثمان ... ومسح رأسه ثلاثاً ... (السنن ج1 ص17) ، وفي صحيح ابن خزيمة من نفس الطريق وغيره .

([1018])  

([1019])  

([1020])  

([1021])  

([1022])   سنن الدار قطني : ج1 ص93 وفي سنده صالح بن عبد الجبار ، قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية. لا أعرفه إلا من هذا الحديث ، وهو مجهول الحال ، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني ، قال الترمذي : قال البخاري : منكر الحديث .

([1023])   أخرجه النسائي في سننه ، كتاب الطهارة ، باب عدد مسح الرأس رقم (99) ج1 ص76 .

([1024])   زاد المعاد : ج1 ص193 .

([1025])   كتاب الوضوء ، باب الماء الذي يغتسل به شعر الإنسان ، وسؤر الكلاب وممرهما في المسجد ، حديث رقم (172) ج1 ص330 .

([1026])   رواه مسلم في كتاب الطهارة ، باب حكم ولوغ الكلب حديث رقم (89) ج1 ص234 ، ورواه النسائي في كتاب الطهارة ، باب الأمر بإراقة الإناء إذا ولغ فيه الكلب ، حديث رقم (66) ، ج1 ص56 .

([1027])   السنن : ج1 ص64 .

([1028])   طرح التثريب : ج2 ص121 .

([1029])   نيل الأوطار ، ج1 ص34 .

([1030])   إحكام الأحكام : ج1 ص30 .

([1031])   سنن النسائي : ج1 ص56 .

([1032])   الفتح : ج1 ص330 ، والتلخيص الحبير : ج1 ص25 .

([1033])   المصدر نفسه .

([1034])   الفتح : ج1 ص330 .

([1035])   انظر شرح العلل ص295 .

([1036])  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق