الأشياء الجسمانية. وأبدع المولى من هذه الطبائع البسيطة الأربع، العناصر الأربعة وهي مركبة هكذا.
1 - ازدوج البرد مع الرطوبة فصار ماء. ولذا كان الماء أول المخلوقات الجسمانية والعناصر الأرضية.
2 - ازدوجت الحرارة مع اليبوسة فصارت نارا.
3 - وارتفعت النار لخفتها ورسب الماء لثقله سفلا فصار بينهما تضاد وتباعد ونتج عن هذا التضاد والتباعد الهواء.
4 - وحرك الباري الهواء بقدرته فصار ريحا. وحرك الريح الماء حتى تلاطمت
أمواجه وأرغى زبده. وصار الزبد طبقات بعضها فوق بعض، فجمد بالقدرة وصار
ترابا وأرضا.
فهذه هي العناصر الأربعة: الماء والنار والهواء والتراب، ولكل منها صفات:
فالماء بارد رطب ثقيل سيال، والنار حارة يابسة خفيفة، والهواء حار رطب لطيف والتراب (الأرض) بارد يابس ثقيل.
الأمزجة الأربعة في جسم الانسان:
وفي جسم الانسان تمثيل لهذه الطبائع الأربع والعناصر الأربعة، وهي الأمزجة
الأربعة: الدم والبلغم والمرة الصفراء والمرة السوداء. ولكل واحد منها صفات
ومكان ينبع منه ولها تأثير على مزاج الانسان وحركته وسكونه.
ونفصل ذلك فيما يلي:
1 - الدم: وهو سكن الرطوبة والحرارة وينبوعه الكبد. ومكانه العروق (الأوعية
الدموية) وسلطانه في سطح البدن ومقدم الرأس. والذي يلحق النفس من أعراضه:
قوة الشهوة للنساء مع غزارة الجماع وغزارة الشعر ونعومته، وكثرة الدم،
وخاصية طبعه في المعدة سرعة الهضم وسهولته ونفوذ الغذاء وتغيره وإجادته
وإحالته إلى جوهر الدم واللحم.
وصاحب الطبع الدموي Sanguineous Temperament قوي الشكيمة، كثير الحركة،
سريع الغضب. وخلق الله عز وجل كما يقول الرازي اللحم والدم والعصب والعروق
والقلب والصدر والكلى والأنثيين (الخصيتين) والعضلات واللسان واللوزتين
واللهاة من جوهر الدم. وكذلك ما كان رطبا من الجلد.
2 - البلغم Phlegm: وهو سكن البرودة والرطوبة. وخلق الله (كما يقول الرازي)
الدماغ والرئة، وكل ما في البدن من الأعضاء الباردة والرطبة من البلغم...
فجميع ما نتعارف اليوم عليه بأنه الجهاز العصبي مخلوق حسب هذه النظرية من
البلغم وكذلك الجهاز التنفسي لأن من القصبات الهوائية والأنف يخرج البلغم
(النفث والبصاق). والبلغم قسمين: قسم من الدماغ وهو ينصب كما ينصب الندى من
الجو وسلطانه في مؤخر الصدر وتجتمع أثقاله في مغارة الصلب والظهر كما يقول
الرازي.
وقسم من الرئة ويطفو من الرئة إلى أعلى حتى يخرج من الحلق والأنف.
ويلحق النفس من أعراضه (المزاج البلغمي) Phlegmatic Temperament وعلاماته:
العجز والكسل والفتور والثقل والنسيان وإبطاء الجواب والسكون وقلة الحركة
والحلم واللين. ويلحق الجسم من أعراضه:
السعال وقلة الشهوة للنساء والسلاسة، والارتعاش والفالج (الشلل) وخاصية
طبعه في المعدة: تزيد الوهج الكائن عند مرارة الأغذية والأشربة والأدوية
وسائر المواد الواردة على البدن. وذلك أن المعدة تتقوى به إذا هو شكلها كما
يتقوى النظر بالنظر والجنس بالجنس.
ومسكن البلغم في الرئة. ويتصل برده بنسيم الآناف (جمع أنف) الداخل من الحلق
على أنابيب الرئة ثم توصله إلى القلب، إذ هي متصلة به. فيستريح بذلك القلب
ويندفع عنه حدوث الحرارة الدخانية (النابعة من جوهر الدم) وتنتبه بذلك قوى
النفس والحرارة الغريزية.
3 - المرة الصفراء Yellow Bile: المرة الصفراء حارة يابسة نارية وتفرز من
وجعل الله سلطان المرة الصفراء في اليافوخ Fontanelle، لخفتها ولطافتها وارتفاعها. والأذنان من قسمتها وطبعها.
ولها من البدن ما هو حار ويابس وهي تجري مع الدم لازدواجها ومشاكلتها له كالدهن للسراج. ومن خاصية طبعها في المعدة هضم الطعام وطبخه وكذلك حكمها في الكبد.
ويلحق النفس من أعراضها المزاج الصفراوي Bilious Temperament وعلاماته: الحدة والطيش والضجر واللطافة والذكاء والنباهة والشجاعة والاقدام وشهوة النساء والحيطة وسرعة الجواب وكثرة الكلام والحركة. وتطلق لفظ Bilious في اللغة الإنجليزية على الشخص الضجر السئم المتشائم. وكذلك تطلق على من يشعر بالغثيان والضيق (1).
ويلحق الجسم من أعراضها كل ما ظهر من دلائل الحار واليابس ولها في المعدة والكبد والأمعاء خاصية العون على نضج الطعام وهضمه.
4 - المرة السوداء: (Black Bile) Melancholy: مكونة من الأرض ومسكنها الطحال وسلطانها في البصر من الجانب الأيسر من البدن. وبها يكون الصمت والتفكير والحزن والثقل والابطاء والتثبت والنظر في العواقب. ولها من المعدة خاصية الدفع وإمساك الطعام وانتباه الشهوة.
ومنها المزاج السوداوي Melancholic Temperament والمقصود به الكئيب الحزين المتشائم المنقبض المسبب للكآبة. ومنه كلمة الملانخوليا Melancholia وهي حالة سوداوية قد تعتري الانسان وتسبب له كآبة شديدة ويكون ذلك مصحوبا ببعض الهلوسات السمعية والبصرية والاعتقادات الزائفة مع آلام متوهمة في الجسم ولا يزال هذا الاسم يستخدم في الطب النفسي إلى اليوم وفي لغة
باختصار هناك طبائع أربع وهي:
الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
وهناك عناصر أربعة صدرت عن تفاعلها وهي:
الماء والنار والهواء والتراب.
ولهذه الطبائع والعناصر تمثيل في جسم الانسان وهو ما يعبر عنه بالأمزجة الأربعة or Temperaments (Four Humors) وهي:
المرة الصفراء (حارة ويابسة).
المرة السوداء (باردة ويابسة).
البلغم (بارد ورطب).
الدم (حار ورطب).
خصائص الأمزجة ومراحل العمر:
ولكل واحد من هذه الأربعة خصائص... وهي جميعا موجودة في جسم الانسان، فإذا اعتدلت هذه الطبائع أو الأمزجة الأربعة كانت الصحة وإذا انحرفت بزيادة أو نقصان أو تغلب أحدها على الآخر كان المرض.
وتكون وظيفة الطبيب هي تعديل هذه الطبائع أو الأمزجة حتى تعود لسابق عهدها.
وتنقسم مراحل عمر الانسان إلى أربعة مراحل وفي كل مرحلة من هذه المراحل تكون الغلبة لأحد هذه الأمزجة كالآتي:
ففي سن الشباب والطفولة تكون الغلبة للدم حيث تتكون الأعضاء الدموية ويكثر النشاط ويعمل الكبد (مركز الدم) بهمة ونشاط، ويكون الاندفاع وعدم التروي.
وفي سن الكهولة (35 - 55) تظهر الغلبة للمرة السوداء: وفيها الصمت والتفكير والتثبت والنظر في العواقب.
وفي سن الشيخوخة (ما بعد الخامسة والخمسين إلى أرذل العمر) تكون الغلبة للبلغم وعلاماته العجز والفتور والثقل والنسيان والسكون والحلم واللين.
وتحتوي الأطعمة والأشربة على هذه العناصر الأربعة أيضا فبعضها يغلب عليه الحرارة ويسمى حارا، وبعضها يغلب عليه البرودة ويسمى باردا، وهكذا... ولهذا وجب تعديل الطعام بحيث يكسر الحار البارد والعكس...
وبحيث يناسب كل سن وكل فصل من فصول السنة لأن فصول السنة أيضا تتبع العناصر الأربعة والطبائع الأربع، والطبيب الماهر هو الذي يعطي لكل حالة لبوسها فطعام المريض غير طعام الناقة، وطعام الصحيح غير طعام السقيم، وطعام الرضيع غير طعام الفطيم وهكذا... وطعام الانسان في السفر غير طعامه في الحضر... وطعامه أثناء فصل الربيع ينبغي أن يختلف عن طعامه أثناء فصل الخريف... وطعامه في الصيف لا بد أن يختلف عن طعامه في الشتاء.
ولهذا عقد الإمام علي الرضا فصلا لموضوع الغذاء في رسالته وقال للمأمون: (واعلم يا أمير المؤمنين أن كل واحدة من هذه الطبائع يحب ما يشاكلها فاغتذ ما يشاكل جسدك.
ومن أخذ من الطعام زيادة لم يفده، ومن أخذ بقدر لا زيادة عليه ولا نقص نفعه.. واعلم يا أمير المؤمنين: كل البارد في الصيف والحار في الشتاء والمعتدل في الفصلين (أي الربيع والخريف لاعتدالهما) على قدر قوتك وشهوتك..
وابدأ بأول الطعام بأخف الأغذية التي تغتذي بها بدنك..) ثم ذكر بعد ذلك فصول السنة وأشهرها شهرا شهرا بالتقويم الشمسي وابتدأ بشهر آذار (مارس) لأنه أول الربيع وذكر فيه ما ينبغي أن يؤكل فيه وما يجتذب من الطعام والدواء، ثم نيسان (إبريل) وهكذا حتى انتهى إلى شباط
وكذلك الحجامة والفصد وأنواع الأدوية.
كلمة أخيرة: إن الطب الحديث والعلم الحديث قد ألغى فكرة العناصر الأربعة والطبائع الأربع والأمزجة الأربعة. واستبدلها بأمور أكثر تعقيدا بكثير مما كان يظن. والعناصر الأربعة لم تعد عناصر بل هي مركبات وحالات فالماء مركب والهواء مركب والتراب مركب والنار حالة تعتري المواد كلها وهي حالة الاحتراق بواسطة الأوكسجين..
وعدد العناصر قد جاوز المائة عنصر... والطبائع الأربع الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة لم تعد أساسية وإنما هي تعبر عن درجة الحرارة (الحرارة والبرودة) التي يمكن أن تقاس بمختلف الأجهزة المعقدة والبسيطة (ميزان الحرارة الترمومتر) والرطوبة واليبوسة عبارة عن درجة وجود الماء في الأشياء فإذا زادت نسبة الماء زادت الرطوبة وإذا قلت النسبة كانت اليبوسة.
وما يسمى الأمزجة في جسم الانسان قد تغير مفهومه كثيرا. والدم سائل من سوائل الجسم... صحيح أنه يتكون في الكبد في أثناء نمو الجنين ولكن هذه مرحلة فقط من المراحل ثم يتكون في نقي العظام..
وأما الطحال فلا تفرز المرة السوداء كما يقولون بل تحطم خلايا الدم الحمراء التي انتهى أجلها.
وتفسيرات الدم والبلغم والمرة السوداء والصفراء مضحكة بالنسبة للطب الحديث... وأغلب ما ذكر في ذلك أثبت العلم خطأه وخطله. وقد يبقى منه فتات أو شذرات تصح منه الإشارات.
وتبدلت الحال وظهرت الهرمونات والمواد الكيمياوية المعقدة وظهر تأثيرها على جسم الانسان وعلى سلوكه كذلك. ومع هذا بقيت تعبيرات المزاج الصفراوي والمزاج السوداوي والمزاج الدموي والمزاج البلغمي في جميع اللغات الحية إلى اليوم.
ولا ننكر أننا يمكن أن نستفيد من لفتة بارعة أو منهج تفكير نجده لدى القدماء وأهمله المحدثون.
فليس كل قديم لا نفع فيه، ولا كل جديد فيه الخير كله... بل قد يكون في الجديد ما يحتاج إلى معاودة النظر في قيمته، ولعله من الغثاء الذي ينبغي طرحه.. ولعل في القديم من الجواهر والدرر ما ينبغي الكشف عنه ومعاودة استخدامه وإن كان بأسلوب وطريقة مناسبة للعصر الذي نعيش فيه.
ورسالة الإمام علي الرضا تفتح لنا كثيرا من هذه الآفاق.. وقيمتها ليست فحسب في كونها أول رسالة في حفظ الصحة باللغة العربية، وإنما تكمن قيمتها أيضا في منهج مؤلفها الذي جمع فيها ما ورثه من طب النبوة عن آبائه وما تعلمه من طب اليونان ومزج ذلك كله مزجا فذا غريبا، وصاغه بلغة أدبية رائعة، واستطاع أن يوجز تلك المعلومات الكثيرة والمتباينة في 14 صفحة مطبوعة من الحجم الصغير.
إن هذه الرسالة الموجزة الصغيرة تحمل في طياتها علما كثيرا، استطاع الإمام علي الرضا أن يوجزه في صفحات قليلة تميزت بالدقة وسلاسة العبارة ووضوح المعنى.
وهو أمر عسير وشاق دون ريب، إذ إن الايجاز الشديد يقتضي في كثير من الأحيان غموض المعنى وصعوبة العبارة. ولا كذلك رسالة الرضا.
علم الجفر:
(أما بعد. قال إمام الأنام غرة وجه الاسلام، مظهر الغموض بالرواية اللامعة، كاشف الرموز بالجفر (1) والجامعة، أقضى من قضى بعد جده المصطفى (2)، وأغزى من غزى بعد أبيه علي المرتضى (3)، إمام الإنس والجن - .
(1) الجفر: من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر والجفر ولد الشاة. والأنثى جفرة. والجفر البئر الواسعة لم تطو ومنه جفر الهباءة: مستنقع ببلاد غطفان. والجفرة بالضم: سعة من الأرض مستديرة والجمع جفار، ومنه قيل للجوف جفرة. وفرس مجفر وناقة مجفرة: أي عظيمة الجفرة وهي وسطه. وجفر الفحل عن الضراب يجفر جفورا، وذلك إذا أكثر الضراب حتى حسر وانقطع وعدل عنه، والصوم مجفرة أي مقطعة للنكاح. وأجفرت ما كنت فيه تركته وأجفرت فلانا قطعته وتركت زيارته (الأصحاح لإسماعيل بن حماد الجوهري).
وعلم الجفر: يزعمون أنهم يعرفون به الحوادث، ويسمى أيضا علم الحروف. وقد سمي الجفر لأنه كتب ثم أودع في جلد جفر (أي ولد شاة أو معز). ويزعمون أن الإمام علي كرم الله وجهه كتبه، وأن الإمام جعفر الصادق استخرجه، وعلمه خاصة تلاميذه، وعنه اشتهر كما قيل. والله أعلم. وقال أبو العلاء المعري:
لقد عجبوا لأهل البيت لما غدوا وعلومهم في جلد جفر فمرآة المنجم وهي صغرى تريه كل عامرة وقفر وهو بذلك يؤكد علم الجفر هذا ويرد على من أنكره.
(2) لم يتول الإمام علي الرضا القضاء، ولا شك في علمه ونزاهته. ولكن جده الامام عليا أقضى منه بلا ريب ثم هناك عدد من مشاهير القضاة من الصحابة والتابعين وغيرهم.
(3) لم يعرف في سيرة الإمام علي الرضا أنه غزى، فهذه دعوى تحتاج إلى إثبات.
وواضح أن ناسخ الرسالة وكاتب هذه الأسطر هو من الشيعة الإمامية الجعفرية، وإطنابه في وصف الإمام علي الرضا، على طريقتهم المعهودة.
وتبدأ رسالة الإمام علي الرضا دون ديباجة، كما هو معهود في مثل هذه الرسائل. ويرجع ذلك في رأينا إلى أن الديباجة قد حذفها الناسخ الامامي الشيعي لأن فيها مدحا للمأمون. والشيعة الامامية يبغضون المأمون ويزعمون أنه لم يقرب الرضا ويزوجه ابنته ويكتب له ولاية العهد إلا خديعة ويتهمونه بأنه هو الذي أمر بسم الإمام علي الرضا في قطف من عنب، وقد سبق أن ناقشنا هذه المزاعم وبطلانها فلا حاجة لإعادتها.
إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء:
تبدأ رسالة الرضا هكذا: (اعلم يا أمير المؤمنين أن الله تعالى لم يبتل عبده المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت (1).
* أخرج البخاري (في كتاب الطب) والنسائي (في السنن الكبرى) وابن ماجة (في السنن) وأبو نعيم في الطب النبوي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء) وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك.
* وأخرج مسلم (في كتاب الطب) وابن السني (في الطب النبوي) وأبو نعيم (في الطب النبوي) عن جابر رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله تعالى).
* وأخرج البزار (في مسنده) والحاكم (في المستدرك) وابن السني (في الطب النبوي) وأبو نعيم (في الطب النبوي) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء علم ذلك من علمه وجهله من جهله إلا السام وهو الموت).
* وأخرج ابن ماجة (في سننه) والحاكم وابن السني وأبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله من داء إلا وقد أنزل معه شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله.
* وأخرج أبو داود (كتاب الطب من السنن) والترمذي والحاكم وصححاه والنسائي وابن ماجة وابن السني وأبو نعيم عن أسامة بن شريك رضي الله عنه. قال: (قالوا يا رسول الله. هل علينا من جناح أن لا نتداوى؟ قال: تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد، الهرم).
* وأخرج عبد بن حميد في مسنده وأبو نعيم (في الطب النبوي) عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تداووا فإن الله لم يخلق داء إلا خلق له شفاء إلا السام وهو الموت).
* وأخرج الحاكم (في المستدرك) وصححه، وابن السني وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أصيب رجل من الأنصار يوم أحد، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيبين بالمدينة فقال: عالجاه.
فقالا: يا رسول الله إنما كنا نعالج ونحتال في الجاهلية، فلما جاء الاسلام فما هو إلا التوكل.
فقال: عالجاه، فإن الذي إنزل الداء أنزل الدواء، ثم جعل فيه شفاء) فعالجاه فبرأ.
* وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي خزامة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله: أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله.
* وأخرج الحاكم وصححه عن صفوان بن عسال رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله أنتداوى؟
قال: تعلمن أن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء غير داء واحد قالوا: وما هو؟ قال: الهرم.
* وأخرج مالك في الموطأ وأبو نعيم عن زيد بن أسلم أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح فحقن الدم فدعا له رجلين من بني أنمار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكما أطب؟ فقال أحدهما: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فقال: إن الذي أنزل الداء هو الذي أنزل الدواء) وهو حديث مرسل أرسله زيد بن أسلم المدني من كبار التابعين ثقة. وفاته سنة ١٣٦ ه بالمدينة.
* وأخرج أحمد (في مسنده) عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به جرح، فقال: ادعوا لي طبيب بني فلان فدعوه فجاء، فقالوا: يا رسول الله، ويغني الدواء شيئا؟ فقال:
سبحان الله، وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء.
* وأخرج ابن السني (في الطب النبوي) وأبو نعيم (في الطب النبوي) عن هلال بن يساف. قال:
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده فقال: أرسلوا إلى الطبيب فقال له قائل: وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، لم ينزل الله داء إلا أنزل له دواء.
* وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله حيث خلق الداء خلق الدواء فتداووا.
* وأخرج أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعت الأدواء ونعت الدواء، وأن الله يشفي من شاء بما شاء.
* وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا قال يا رسول الله: هل ينفع الدواء من القدر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدواء من القدر وهو تعالى ينفع من شاء بما يشاء). وفي لفظ أبي نعيم (وقد ينفع بإذن الله تعالى).
هذه ستة عشر حديثا أخرجها الامام السيوطي في كتابه الجامع المانع في هذا الصدد (المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي) الذي حققه الدكتور حسن المقبولي الأهدل).
وقد أشار إليها كلها الإمام علي الرضا بكلمته القصيرة (إن الله تعالى لم يبتل المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به. ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت) وهذه هي طريقة الرضا في رسالته الذهبية يوجز القول ويشير إشارات إلى الأحاديث النبوية دون أن يذكرها كما يشير إلى أقوال الأطباء دون أن يفصل أو ينسبها إلى أحد من الأطباء وقد يذكر تجاربه الشخصية في عبارة موجزة.
(وذلك أن الأجسام الانسانية جعلت على مثال الملك فملك الجسد هو القلب (1) والعمال العروق والأوصال والدماغ. وبيت الملك قلبه وأرضه الجسد، والأعوان يداه ورجلاه وعيناه وشفتاه ولسانه وأذناه، وخزانته معدته وبطنه، وحجابه صدره، فاليدان عونان يقربان ويبعدان ويعملان على ما يوحي إليهما الملك، والرجلان ينقلان الملك حيث يشاء. والعينان يدلان على ما يغيب عنه لأن الملك وراء حجاب لا يوصل إليه إلا بهما، وهما سراجاه أيضا وحصن الجسد وحرزه.
وأخرج ابن السني (في الطب النبوي) وأبو نعيم (في الطب النبوي) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا طاب قلب المرء طاب جسده، وإذا خبث القلب خبث الجسد) قال محقق كتاب السيوطي الدكتور حسن الأهدل: في إسناده رشدين بن سعد المهري وهو ضعيف.
وأخرج ابن السني (في الطب النبوي) وأبو نعيم (في الطب النبوي) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (القلب ملك وله جنود، فإذا صلح الملك صلحت جنوده وإذا فسد الملك فسدت جنوده. الأذنان قمع، والعينان مسلحة، واللسان ترجمان، واليدان جناحان والرجلان بريدان، والكبد رحمة، والطحال ضحك والكليتان مكر والرئة نفس). قال المحقق الأهدل وهو حديث ضعيف فقد أورده الذهبي في الميزان (ج ١ / ٥٧٨) واستنكره. وهو في اللآلي (ج ١ / ٩٥ - ٩٦) فأورد طرقه كلها وهي ضعيفة. وفي فيض القدير (ج ٤ / ٥٣٩) يسنده إلى الإمام أحمد: هكذا جاء موقوفا (أي على أبي هريرة) ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. وهذا الحديث أورده بلفظ مقارب الإمام علي الرضا المذكور أعلاه.
واخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم (في الطب النبوي) عن كعب قال: أتيت عائشة رضي الله عنها فقلت: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الانسان؟، وانظري هل يوافق نعتي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (انعت. قال: عيناه هاديان وأذناه قمع، ولسانه ترجمان، ويداه جناحان، ورجلاه بريدان، وكبده رحمة أو قال: رأفة، ورئتاه نفس، وطحاله ضحك، وكليتاه مكر، والقلب ملك، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده. قالت:
هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الانسان).
قال المحقق الدكتور حسن المقبولي الأهدل (الحديث من رواية بقية بن الوليد، وهو مدلس عن الضعفاء، وبقية يرويه عن عتبة بن أبي حكيم الهمداني، أبي العباس الأردني صدوق يخطئ كثيرا) ثم ذكر رواته وانتهى إلى القول: والحديث ضعيف.
وهذا الحديث موافق لما ذكره الإمام علي الرضا إلا أن الرضا لم يذكر الكبد والطحال والكلى والرئتين.
وأخرج أبو نعيم في الحلية (ج 3 / 197) عن جعفر الصادق بن محمد الباقر عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان، ولولا ذلك لذابتا، وجعل المرارة في الاذنين حجابا من الدواب ولولا ذلك ما دخلت الرأس دابة إلا التمست الوصول إلى الدماغ فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج، وجعل الحرارة في المنخرين فيستنشق بها الريح ولولا ذلك لأنتن الدماغ وجعل العذوبة في الشفتين يجد بهما طعم كل شئ ويسمع الناس حلاوة منطقه.
وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير وأبو الشيخ في العظمة عن جعفر بن محمد قوله.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبزار، والبيهقي في شعب الايمان، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لا تسألن رجلا حاجة بليل ولا تسألن أعمى حاجة، فإن الحياء في العينين).. وأخرج الحكيم الترمذي والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إذا سألت رجلا حاجة فألقه بوجهك، فإن الحياء في العينين).
(2) وحي الملك كناية عن إرادة السماع وتوجه النفس إليه.
(والكلام لا يحسن إلا بترجيعه في الانف لأن الانف يزين الكلام كما يزين النفخ المزمار (2)، وكذلك المنخران هما ثقبتا الانف يدخلان على الملك مما يحب من الريح الطيبة، فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك وتلك الريح، وللملك مع هذا ثواب وعقاب، فعذابه أشد من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا، وثوابه أفضل من ثوابهم. فأما عذابه فالحزن، وأما ثوابه فالفرح. وأصل الحزن في الطحال وأصل الفرح في الثرب (الخاصرة وما حولها) والكليتين (3). ومنهما يوصلان إلى الوجه فمن هناك يظهر الفرح والحزن فيرى علامتهما في الوجه. وهذه العروق كلها طرق من العمال إلى الملك ومن الملك إلى العمال. ومصداق ذلك أنه إذا تناولت الدواء أدته العروق إلى موضع الداء بإعانتها (4).
عمارة الجسم مثل عمارة الأرض الطيبة، وأهمية الاعتدال في الطعام:
واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق ولا ينقص منه فتعطش، دامت عمارتها، وكثر ريعها وزكى زرعها، وإن تغوفل فسدت ولم ينبت فيها العشب، فالجسد بهذه المنزلة، وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصح وتزكو العافية (5).
فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك ويوافق معدتك، ويقوى عليه بدنك ويستمرء به من الطعام فقدره لنفسك واجعله غذاك.
(2) هذا الكلام فيه شئ من الصحة. فالصوت يخرج من الحنجرة بتأثير مرور الهواء بين الحبال الصوتية. ويتم ظهور الحروف حسب أنواعها حلقية وشفهية.. الخ بتحرك اللسان والشفتين.
وتعمل الجيوب الأنفية على تزخيم الصوت وترجيعه.
(3) هذا الكلام عن أصل الحزن في الطحال وأصل الفرح في الثرب والكلى لا يقرء الطب الحديث.
(4) هذه لفتة جيدة بارعة من الإمام الرضا في دخول الدواء الدورة الدموية وتوزيعه على الأعضاء.
(5) تشبيه جميل وجيد وصحيح.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده (ج ٤ / ١٣٢) والترمذي في سننه (ج ٧ / ٥١، ٥٢) وحسنه والنسائي وابن ماجة وابن حبان وابن السني (في الطب النبوي) والحاكم (في المستدرك) وصححه وأبو نعيم في الطب النبوي والبيهقي في شعب الايمان، عن المقدام بن معديكرب، رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه. حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه).
وأخرج البيهقي في شعب الايمان عن عائشة رضي الله عنها قالت: (رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آكل في يوم مرتين فقال: يا عائشة اتخذت الدنيا بطنك! أكثر من أكلة كل يوم سرف، والله لا يحب المسرفين). قال البيهقي في إسناده ضعف. وأخرج أبو نعيم (في الطب النبوي) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (إياكم والبطنة من الطعام والشراب فإنها مفسدة للجسد مورثة للسقم وعليكم القصد فيهما، فإنهما أصلح للجسد).
(*) في كتاب رمز الصحة: (في أيامه).
(* *) في كتاب رمز الصحة: وارفع يديك منه وبك إليه قرم (أي الميل).
وأخرج ابن السني (في الطب النبوي) وأبو نعيم (في الطب النبوي) عن عبد الرحمن بن المرقع قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يخلق وعاء إذا ملئ شر من بطن، فإذا كان ولا بد فاجعلوها ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس (وفي رواية للريح). قال الدكتور حسن الأهدل في تحقيقه لكتاب المنهج السوي والمنهل الروي للسيوطي إن عبد الرحمن بن المرقع مجهول. وفي مجمع الزوائد قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه المحبر بن هارون ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
وأخرج ابن السني وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصل كل داء البردة) والبردة: التخمة وثقل الطعام على المعدة. وروي أيضا عن أبي سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهم جميعا.
وأخرج البيهقي في شعب الايمان من طريق الحميدي عن سفيان بن أبجر عن أبيه قال: المعدة حوض الجسد والعروق تشرع فيه، فما ورد فيها بصحة صدر بصحة وما ورد فيها بسقم صدر بسقم.. وروى البيهقي بسنده مثله مرفوعا عن أبي هريرة إلا أنه قال: (المعدة حوص البدن والعروق إليها واردة، فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة، وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم).
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن السني في اليوم والليلة وفي الطب النبوي وأبو نعيم (في الطب النبوي) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم).
وقد أمر الاسلام بصيام شهر رمضان وندب إلى صيام أيام كثيرة. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون، أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون) (البقرة ١٨٣، ١٨٤).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا وسافروا تستغنوا) أخرجه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لكل شئ زكاة وزكاة الجسد الصوم والصيام نصف الصبر) أخرجه البزار وابن ماجة.
وقال ابن القيم في الطب النبوي: (الأمراض نوعان: أمراض مادية تكون عن زيادة مادة أفرطت في البدن حتى أضرت بأفعاله الطبيعية، وهي أمراض الأكثرية.. وسببها إدخال الطعام على البدن قبل هضم الأول، والاكثار من الأغذية المختلفة التراكيب المتنوعة، وتناول الأغذية القليلة النفع، البطيئة الهضم.
(فإذا ملأ الآدمي بطنه من هذه الأغذية واعتاد ذلك، أورثته أمراضا متنوعة منها بطن الزوال أو سريعه).
(ومراتب الغذاء ثلاثة: الأول: مرتبة الحاجة، والثاني: مرتبة الكفاية، والثالث: مرتبة الفضلة.
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته، ولا تضعف معها (فهذه مرحلة الحاجة) فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطنه، وليدع الثلث الآخر للماء والثالث للنفس (وهذه مرتبة الكفاية).
(وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عليه الشراب، فإذا أورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب، وصار بمنزلة حامل الحمل الثقيل..
هذا إلى ما يلزم من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع. فامتلاء البطن من الطعام للقلب والبدن).
وقال ابن القيم وهو يشرح قوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) (فأرشد (سبحانه) عباده إلى إدخال ما يقيم البدن من الطعام والشراب عوض ما تحلل منه، وأن يكون بقدر ما ينتفع به البدن في الكمية والكيفية، فمتى جاوز ذلك كان إسرافا. وكلاهما مانع من الصحة، جالب للمرض، أعني عدم الأكل والشرب أو الاسراف فيه).
وهو كلام دقيق كل الدقة. فالطعام بعد هضمه وامتصاصه يتحلل إلى طاقة أو يتحول إلى أنسجة وخلايا لاستبدال التالف منها وللنمو وخاصة عند الأطفال. ولا بد للبدن من الأكل والشرب ليعوض ما تحلل من الطعام بالقدر الذي فقد (Catabolism). ثم ليبني الأنسجة والخلايا (Anabolism). ثم لا بد من الانتباه للكيفية إذ لا تكفي الكمية فقط فلا بد أن يحتوي الطعام على المواد المختلفة من النشويات والسكريات والبروتينات والدهنيات والأملاح والفيتامينات بحيث تكتمل عناصر الغذاء بمقاديرها التي يحتاج إليها الجسم دون زيادة ولا نقصان. وكلاهما يؤدي إلى الاختلال والمرض.
وبما أن الصيف حار كان من المنطقي أن يأكل البارد وعكسه في الشتاء، والمعتدل في الخريف والربيع لاعتدال الجو فيهما).
وابدأ أول الطعام بأخف الأغذية التي تغتذي بها بدنك بقدر عادتك وبحسب طاقتك ونشاطك وزمانك الذي يجب أن يكون أكلك في كل يوم عندما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة أو ثلاث أكلات في يومين. تتغذى باكرا في أول يوم ثم تتعشى فإذا كان اليوم الثاني فعند مضي ثمان ساعات من النهار أكلت أكلة واحدة، ولم تحتج إلى العشاء، كذا أمر جدي محمد صلى الله عليه وسلم عليا عليه السلام في كل يوم وجبة، وفي غده وجبتين. وليكن ذلك بقدر لا يزيد ولا ينقص. وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه، وليكن شرابك على أثر طعامك من الشراب الصافي العتيق مما يحل شربه، والذي أنا واصفه فيما بعد.
فصول السنة:
ونذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة وشهورها الرومية الواقعة فيها، في كل فصل على حدة، وما يستعمل من الأطعمة والأشربة، وما يجتنب منه، وكيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء.
أما فصل الربيع فإنه من روح الزمان. وأوله:
مارس (آذار) وعدة أيامه ثلاثون يوما. وفيه يطيب الليل والنهار، ويلين الأرض، وتذهب سلطان البلغم، ويهيج الدم. ويستعمل من الغذاء اللطيف
إبريل (نيسان): ثلاثون يوما يطول النهار، ويقوى مزاج الفصل، ويتحرك الدم، ويهب فيه الرياح الشرقية، ويستعمل فيه من المآكل المشوية، وما يعمل بالخل ولحوم الصيد. وتعالج بالجماع والتمريخ بالدهن في الحمام. ويشرب الماء على الريق (2) ويشم الرياحين والطيب.
مايو (أيار): واحد وثلاثون يوما، تصفو فيه الرياح وهو آخر فصل الربيع، وقد نهي فيه عن أكل الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحوم البقر واللبن.
وينفع فيه دخول الحمام أول النهار وتكره فيه الرياضة قبل الغذاء.
يونية (حزيران): ثلاثون يوما، يذهب فيه سلطان الدم ويقبل زمان المرة الصفراء. وينهى فيه عن التعب وأكل اللحم دائما والاكثار منه وشم المسك والعنبر، وينفع فيه أكل البقول الباردة كالهندباء والبقلة الحمقا. وأكل الخضار والقثا والشيرخشت والفاكهة الرطبة واستعمال المحمضات، ومن اللحوم المعز الثني والجدي (3)، ومن الطيور الدجاج والطيهوج والدراج والألبان والسمك الطري.
يولية (تموز): أحد وثلاثون يوما فيه شدة الحرارة وتغور المياه، ويستعمل فيه شرب الماء البارد على الريق. وتؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة. وتؤكل فيه الأغذية السريعة الهضم كما ذكر في حزيران ويستعمل فيه من الشموم والرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة.
أغسطس (آب): أحد وثلاثون يوما. وفيه تشتد السموم، ويهيج الزكام بالليل، ويهب الشمال ويصلح المزاج بالتبريد والترطيب، وينفع فيه شرب اللبن
(٢) في كتاب رمز الصحة: (ولا يشرب الماء على الريق).
(٣) في كتاب رمز الصحة: والجذع بدلا من (والجدي).
سبتمبر (أيلول): ثلاثون يوما فيه يطيب الهواء، وتقوى سلطان المرة السوداء: ويصلح شرب المسهل، وينفع فيه أكل الحلاوات وأصناف اللحوم المعتدلة كالجداوى الحولي من الضأن ويجتنب لحم البقر والاكثار من لحم الشواء، ودخول الحمام. ويستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج ويجتنب فيه أكل البطيخ والقثاء (1).
أكتوبر (تشرين الأول): أحد وثلاثون يوما، فيه تهب الرياح المختلفة ويتنفس فيه الريح الصبا. ويجتنب فيه الفصد وشرب الدواء ويحمد فيه الجماع وينفع فيه أكل اللحم بالتوابل ويقلل فيه شرب الماء ويحمد فيه الرياضة.
نوفمبر: (تشرين الثاني): ثلاثون يوما فيه يقع المطر الموسمي ونهي فيه عن شرب الماء بالليل. ويقلل من دخول الحمام والجماع. ويشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعنع والجرجير.
ديسمبر (كانون الأول): أحد وثلاثون يوما، وتقوى فيه العواصف ويشتد فيه البرد، وينفع فيه كل ما ذكر في (تشرين الثاني)، ويحذر فيه أكل الطعام البارد، ويتقى فيه الحجامة والفصد ويستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة والفعل.
يناير (كانون الثاني): أحد وثلاثون يوما يقوى فيه غلبة البلغم، ينبغي أن يتجرع فيه الماء الحار بالريق ويحمد فيه الجماع. وينفع الأحساء (2) فيه مثل البقول الحارة كالكرفس والجرجير والكراث، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار والتمريخ بدهن الخيري، وما ناسبه ويحذر فيه الحلو وأكل السمك الطري واللبن.
فبراير (شباط): ثمانية وعشرون يوما تختلف فيه الرياح وتكثر الأمطار
(٢) في كتاب رمز الصحة: (الأحشاء) وفسرها الشارح بأنها من حشى حشوا، الوسادة بالقطن، والسياق يدل على أنها جمع حساء وهو الشوربة وتوضع فيها البقول الحارة كالكرفس والجرجير.
لم يذكر السيد الخرسان في كتابه: طب الإمام الرضا وصف الشراب الحلال بل حذفه. وقد ذكره كاملا السيد محمود الموسوي الأصفهاني في كتابه رمز الصحة في طب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام فقال: (صفة الشراب الذي يحل شربه واستعماله بعد الطعام، وقد تقدم ذكر نفعه في ابتدائنا بالقول على فصول السنة وما يعتمد فيها من حفظ الصحة.
(وصفته: هو أن يؤخذ من الزبيب المنقى عشرة أرطال فيغسل وينقع في ماء صاف في غمرة، وزيادة عليه أربع أصابع، ويترك في إنائه ذلك ثلاثة أيام في الشتاء، وفي الصيف يوما وليلة (كما ورد في الحديث أنه كان ينتبذ له ثلاثة أيام، وفي رواية يوم وليلة. وتعليله ثلاثة أيام في الشتاء لعدم سرعة التخمر. وأما في الصيف فيوم وليلة فقط بسبب سرعة التخمر). ثم يجعل في قدر نظيفة، وليكن الماء ماء السماء إن قدر عليه (أي ماء المطر النازل مباشرة من السماء). وإلا فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية الشرق، ماء براقا أبيض خفيفا، وهو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة والبرودة، وتلك دلالة على صفاء الماء، ويطبخ حتى ينتفخ الزبيب وينضج، ثم يعصر ويصفى ماؤه، ويبرد ثم يرد إلى القدر ثانيا. ويؤخذ مقداره بعود ويغلى بنار لينة غليانا لينا رقيقا حتى يمضي ثلثاه. ثم يؤخذ من عسل النحل المصفى رطل فيلقى عليه، ويؤخذ مقداره مقدار الماء إلى أين كان من القدر (أي إلى مستوى الماء في القدر سابقا). ويغلى حتى يذهب قدر العسل ويعود إلى حده.
(كثرة الغليان تؤدي إلى طرد أي كحول يتكون بعملية التخمر) ويؤخذ خرقة صفيقة فيجعل فيها زنجبيل وزن درهم، ومن القرنفل نصف درهم، ومن الدار صيني نصف درهم، ومن الزعفران درهم، ومن الهندباء مثله، ومن المصطكي نصف درهم، بعد أن يسحق الجميع كل واحد على حدة ويجعل في الخرقة، ويشد بخيط شدا جيدا. وتلقى فيه وتمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها. ولا يزال يعاهد بالتحريك على نار لينة برفق حتى يذهب عنه مقدار العسل. ويرفع القدر ويؤخذ مدة ثلاثة أشهر حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض وحينئذ يستعمل.
(ومقدار ما يشرب منه أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح (أي تضاف أوقتان من الماء، والأوقية تساوي ٣٠ مليلتر). فإذا أكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك، فإذا فعلت فقد أمنت بإذن الله يومك وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس والرياح وغير ذلك من أوجاع العصب والدماغ والمعدة وبعض أوجاع الكبد والمعاء (الأمعاء) والاحشاء. فإن صدقت بعد ذلك بشهوة الماء، فليشرب منه مقدار النصف مما كان يشرب قبله، فإنه أصلح لبدن أمير المؤمنين، وأكثر لجماعه وأشد لضبطه وحفظه، فإن صلاح البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب، وفساده يكون بهما، فإن أصلحتهما صلح البدن، وإن أفسدتهما فسد البدن). انتهى كلام الإمام علي الرضا في الرسالة الذهبية في موضوع صفة الشراب.
واعلم يا أمير المؤمنين أن قوة النفس تابعة لأمزجة الأبدان، وأن الأمزجة تابعة للهواء ويتغير بحسب تغير الهواء في الأمكنة (1).
(النوم سلطان الدماغ):
واعلم يا أمير المؤمنين أن النوم سلطان الدماغ وهو قوام الجسد، وقوته فإذا أردت النوم فليكن اضطجاعك أولا على شقك الأيمن (2) ثم انقلب على الأيسر (3) * *
وبالجملة حاران وباردان قد خولف بينهما، فجعل الحارين لينا ويابسا، وكذلك الباردين رطبا ويابسا). يقصد الإمام الرضا أن الدم حار ورطب وأن المرة الصفراء حارة ويابسة. وأما الباردان فيقصد بهما البلغم وهو بارد ورطب والمرة السوداء وهي باردة ويابسة.
ثم يقول الرضا: (ثم فرق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد: على الرأس والصدر والشراسيف وأسفل البطن. واعلم يا أمير المؤمنين أن الرأس والأذنين والعينين والمنخر والفم من الدم وأن الصدر من البلغم والريح. وأن الشراسيف من المرة الصفراء. وأن أسفل البطن من المرة السوداء). الشراسيف هي الأضلاع المعلقة المشرفة على البطن وما تحتويه.
وهذا الكلام كما أسلفنا مبني على نظرية الطبائع الأربع والعناصر الأربعة والأمزجة الأربعة التي أظهر الطب الحديث خطأها.
(٢) النوم على الشق الأيمن قد أمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد أخرج البخاري ومسلم عن البراء رضي الله عنه أنه قال: إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن.
(٣) ثم ينقلب بعد ذلك على شقه الأيسر ليقع الكبد على المعدة ويصير سببا لكثرة حرارتها فيقوى الهضم). هذا هو التفسير الذي وضعه الأطباء في الماضي. أما الطب الحديث فيؤيد النوم على الشق الأيمن لأن الكبد فيه فتبقى المعدة في الأعلى ويسهل نزول الطعام إلى أسفل ولا تنضغط المعدة بثقل الكبد.
وقد ذكر الامام السيوطي في كتابه المنهج السوي والمنهل الروي تعليلا للاتكاء على الجنب الأيسر قال: وأخرج الدينوري في المجالسة عن إياس بن معاوية قال: إذا أكلت فاتكئ على يسارك، فإن الكبد يقع على المعدة فينهضم ما فيها.
وقال السيد محمود الموسوي الأصفهاني في كتابه رمز الصحة في تعليل كلام الإمام الرضا: (قال الأطباء ليقع الكبد على المعدة ويصير سببا لكثرة حرارتها فيقوى الهضم).
السواك (3)
(١) المقصود من هذه العبارة هو أن تقوم من النوم وأنت على الشق الأيمن الذي بدأت به النوم والاضطجاع. قال الموسوي الأصفهاني في كتابه رمز الصحة (وهذا أيضا موافق لقول الأطباء، وعللوه بانحدار الكيلوس وهو الغذاء المهضوم إلى الكبد). وهو كلام يوافقه الطب الحديث. ثم قال معلقا على موضوع النوم: (وهذا التفصيل مخالف لظواهر كثير من الأخبار الدالة على أن النوم على اليمين أفضل مطلقا، ولو كان هذا الخبر معادلا لها في السند، لأمكن حملها عليه).
وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم نوم المنبطح. فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل نائم في المسجد منبطح على وجهه فضربه برجله وقال: (قم). والنوم على البطن منبطحا هو أسوأ طرق النوم ويضغط على المعدة وعلى الصدر. ولا ينصح به الأطباء اليوم.
(٢) لا علاقة لداء الفيل بالمكث في الخلاء إلا بطريق غير مباشر. فمن المعلوم أن داء الفيل سببه طفيلي الفلاريا الذي تنقله البعوضة. وتعتبر أماكن الخلاء من أماكن تواجد الناموس (البعوض) وتكاثره.
فإذا انكشف الساق والفخذ وخزته البعوضة ونقلت بذلك طفيلي الفلاريا الذي يسكن في الأوعية للمفاوية فيسدها ويؤدي بذلك إلى تضخم الساق والقدم والفخذ أو كيس الصفن حتى تصير مثل قدم أو ساق الفيل في الضخامة، ولذا دعي هذا الداء: داء الفيل.
(٣) السواك: بالكسر (أفصح) وهو يطلق على الفعل أي على عملية الاستياك وعلى الآلة: أي المسواك.
وقد وردت في فضائل السواك أحاديث كثيرة نذكر منها ما يلي:
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) رواه البخاري ومسلم. وابن حيان في صحيحه إلا أنه قال: (مع الوضوء عند كل صلاة). ورواه أحمد وابن خزيمة في صحيحه ولفظه (لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء).
* عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) رواه الطبراني في الأوسط.
* عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضؤون) رواه أحمد بإسناد جيد.
* ورواه الطبراني في الكبير والبزار من حديث العباس بن عبد المطلب.
* عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يذكر السواك حتى خشيت أن ينزل فيه قرآن) أخرجه أبو يعلى.
* عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي) رواه الطبراني.
* عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك) رواه أبو نعيم بإسناد حسن.
* عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن أصلي ركعتين بسواك أحب إلي من أن أصلي سبعين ركعة بغير سواك). رواه أبو نعيم بإسناد جيد.
* عن أبي أمامة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب، ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض على أمتي. ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته عليهم. وإني لأستاك حتى خشيت أن أحفي مقادم فمي) أخرجه ابن ماجة.
* عن عائشة رضي الله عنها ترفعه: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) رواه النسائي وابن خزيمة ومثله عن ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه البخاري في صحيحه، والطبراني في الأوسط الكبير وزاد فيه (ومجلاة للبصر).
* عن حذيفة بن اليمان قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ويشوص أي يدلك.
* عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري، ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به، فأبد رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقضمته ورطبته ثم رفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن أحسن منه، فما غدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه، ثم قال: (إلى الرفيق الاعلى.. ثلاثا) ثم قضى. وفي لفظ (فرأيته ينظر إليه فعرفت أنه يحب السواك. فقلت آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم). أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
* عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك بسواك رطب قال:
وطرف السواك على لسانه، وهو يقول: أع أع والسواك في فيه، كأنه يتهوع) أخرجه الشيخان البخاري ومسلم (متفق عليه).
* عن أنس رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثرت عليكم بالسواك) رواه البخاري.
* عن عائشة رضي الله عنها ترفعه: فضل الصلاة بسواك على الصلاة بغير سواك سبعين صلاة) أخرجه احمد والبزار وأبو يعلى والحاكم وصححه.
* عن خزيمة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من النوم يشوص فاه بالسواك) أخرجه الشيخان (متفق عليه).
* عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بت عند النبي صلى الله عليه وسلم فاستن) أخرجه البخاري.
* عن أبي بردة عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته يستن بسواك بيده يقول أع أع، والسواك في فيه كأنه يتهوع. أخرجه البخاري.
* عن عامر بن ربيعة قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم) رواه البخاري.
وساك الشئ دلكه وفمه بالعود. والعود مسواك وسواك بكسرهما. وطلق لفظ السواك على الآلة (أي العود) وعلى الفعل أي عملية الاستياك.
وجاء في شرح النووي على صحيح مسلم (ج ٣: ١٤٢) (والسنة هي الاستياك بالسواك أو بما يشبهه من أدوات خشنة تنظف الأسنان بدليل أن الابهام يقوم مقام السواك حين فقده).
قال ابن القيم في الطب النبوي (مادة سواك): (وأصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه.
ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة فربما كانت سما). ثم قال: (وفي السواك عدة منافع يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويجلو البصر، ويذهب بالحفر، ويصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة والذكر والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات).
(ويستحب كل وقت ويتأكد عند الصلاة والوضوء، والانتباه من النوم، وتغير رائحة الفم، ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت (خلاف الشافعية الذين يقولون بكراهته بعد الزوال للصائم)).
وقد وضع الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد كتابا نافعا شاملا في السواك وسماه (السواك والعناية بالأسنان) تحدث فيه بإسهاب عن فوائد السواك المأخوذ من عود الأراك بعد أن ذكر تركيبه النباتي والكيميائي وفوائده الطبية العديدة وما به من مواد قاتلة للميكروبات، فنحيل القارئ الكريم عليه. وهو من إصدار الدار السعودية، جدة 1402 ه / 1982
(٢) جاء في كتاب رمز الصحة أنها تشبه الخزف تركب على أصول الأسنان وتتحجر عليها. ومن الواضح أنه يتحدث عن القلح Calculus وهذه اللفظة تعني الحجر. وهو عبارة عن رواسب مواد عضوية وغير عضوية مثل كربونات وفوسفات الكالسيوم وفوسفات الماغنيسيوم ومواد أخرى بكميات ضئيلة بالإضافة إلى فضلات الاكل والجراثيم، تتراكم على أسطح الأسنان وإن تركت ولم تنظف تصبح صلدة قاسية تصعب إزالتها، وتسبب التهاب اللثة ونخر الأسنان (انظر لمزيد من التفصيل كتاب السواك والعناية بالأسنان للدكتور عبد الله الرزاق السعيد، إصدار الدار السعودية، جدة 1402 ه / 1982 م).
ومن أراد أن يبيض أسنانه فليأخذ من ملح الاندراني ومثله زبد البحر فيسحقهما ناعما ويستن به.
بعض المآكل والممارسات وما يضر الجمع بينها:
ومما قاله عليه السلام للمأمون: احذر أن يجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت واحد فإنهما متى اجتمعا في جوف انسان ولدا علة النقرس والقولنج والبواسير ووجع الأضراس (6)، ومداومة أكل البصل يعرض فيه الكلف في الوجه (7)، وأكل الملوحة واللحمان المملوحة وأكل السمك المملوح بعد الفصد والحجامة يعرض منه البهق والجرب، وأكل كلية الغنم وأجواف الغنم يعكر المثانة (8)، ودخول الحمام على البطنة يولد القولنج، والاغتسال بالماء البارد بعد أكل السمك يورث الفالج (9)، وأكل الأترج في الليل يقلب العين ويوجب الحول (10)، .
(٢) الأيل: تيس الجبل.
(٣) الكزماج: ثمرة الأشجار الصغار من الطرفاء.
(٤) الأثل: هو الطرفاء.
(٥) الملح الاندراني نسبة إلى محلة. وهو كالبلور في صفائه يشد اللثة.
(٦) يكثر الكلام عن أضرار الجمع بين البيض والسمك في وقت واحد. وهذا الكلام لا أصل له في الطب الحديث سوى ما قد يحدث من حساسية وهي غير نادرة. وزيادة البروتين في الطعام تزيد من نسبة حدوث النقرس لمن لديهم استعداد للإصابة به. والسمك والبيض يحتويان على كمية كبيرة من البروتين. ولكن ذلك قد يكون أيضا مع اللحم والبيض.
(٧ - ١٠) كلها لا أصل لها في الطب الحديث. وهي منقولة عن كتاب يوحنا بن ماسويه (المحاذير) ونقله ابن القيم في الطب النبوي.
وقال عليه السلام: وشرب الماء البارد عقب الشئ الحار أو الحلاوة يذهب بالأسنان (8)، والاكثار من لحوم الوحش والبقر يورث تغير العقل وتحير الفهم وتبلد الذهن وكثرة النسيان (9).
الحمام:
وإذا أردت دخول الحمام ولا تجد في رأسك ما يؤذيك، فابدأ عند دخول الماء بخمس جرع من الماء الفاتر فإنك تسلم بإذن الله تعالى من وجع الرأس والشقيقة، وتصب خمس مرات الماء الحار على رأسك (10).
(٢) ينصح القدماء بالتبول بعد الجماع وهو أمر كان الطب الحديث قد أهمله. وقد ظهرت بعض الأبحاث التي تنصح بذلك بالنسبة للمرأة وأن هذا التبول يقلل من حدوث التهابات المجاري البولية. والامر كذلك بالنسبة للرجل.
(٣ - ٤) لا أصل له في الطب الحديث.
(٥) أكل البيض (مسلوقا أو غير مسلوق) قد يسبب حدوث نوبة ربو لمن لديهم حساسية. ويقصد المصنف بالابتهار: ضيق النفس (النهج ويطلق عليه العامة النهجان والكتمة).
(٦) أكل لحم البقر غير المطهو جيدا قد يسبب الدودة الشريطية. أما لحم الخنزير فيسبب الدودة الشريطية من نوع أخبث ويسبب أنواعا أخرى من الديدان (انظر كتابنا: الاسرار الطبية والاحكام الفقهية في تحريم الخنزير، إصدار الدار السعودية جدة).
(٧) غير صحيح.
(٨) هذا أمر صحيح ولا شك فيه.
(٩) لا أصل له في الطب الحديث.
(١٠) وردت إضافة في كتاب رمز الصحة للسيد محمود الموسوي وهي غير موجودة في كتاب السيد مهدي الخرسان: طب الرضا ونصها: (اعلم يا أمير المؤمنين أن الحمام ركب على تركيب الجسد. للحمام أربعة بيوت مثل أربع طبايع الجسد: البيت الأول: بارد يابس (مثل المرة السوداء)، والثاني: بارد رطب، (مثل البلغم)، والثالث، حار رطب (مثل الدم)، والرابع حار يابس (مثل المرة الصفراء). ومنفعة الحمام عظيمة: يؤدي إلى الاعتدال وينقي الدرن (الوسخ)، ويلين العصب والعروق، ويقوي الأعضاء الكبار (كالرأس والفخذ والرجل واليد) ويذيب الفضول، ويذهب العفن. وإذا أردت أن لا يظهر في بدنك بثرة ولا غيرها، فابدأ عند دخول الحمام بدهن البنفسج.
وإذا أردت استعمال النورة ولا يصيبك قروح ولا شقاق ولا سواد، فاغتسل بالماء البارد قبل أن تتنور. ومن أراد دخول الحمام للنورة فيجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة. وهو تمام يوم، وليطرح في النورة شيئا من الصبر (Aloe Vera) والأقاقيا والحضيض (أسماء لنباتات)، ويجمع ذلك ويأخذ منه اليسير إذا كان مجتمعا أو متفرقا. ولا يلقي في النورة شيئا من ذلك حتى تماث (أي تخلط بالماء) النورة بالماء الحار الذي طبخ فيه بابونج (عشب طبي معروف) ومرزنجوش (عشب طبي)، أو ورد بنفسج يابس، أو جميع ذلك أجزاء يسيرة مجموعة أو متفرقة بقدر ما يشرب الماء. وليكن الزرنيخ (مادة سامة Cyanide) مثل سدس النورة. ويدلك الجسد بعد الخروج منها بشئ يقلع رائحتها كورق الخوخ وثجير (أي خليط) العصفر والحناء والورد والسنبل، مفردة أو مجتمعة.
(ومن أراد أن يأمن إحراق النورة فليقلل من تقليبها (أي عند عملها لأنها تشتد حرارتها بالتقليب)، وليبادر إذا عمل (أي طلى بها جسده) في غسلها، وأن يمسح البدن بشئ من دهن الورد. فإن أحرقت النورة يؤخذ عدس مقشر، بسحق ناعما ويداف (يخلط) في ماء ورد وخل. ويطلي به الموضع الذي أثرت فيه النورة فإنه يبرأ بإذن الله تعالى. والذي يمنع من آثار النورة في الجسد هو أن يدلك الموضع بخل ،،
فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشرة ليلة من الهلال إلى خمسة عشر فإنه أصلح لبدنك. فإذا نقص الشهر فلا تحتجم إلا أن تكون مضطرا إلى ذلك لأن الدم ينقص في نقصان الهلال ويزيد في زيادته.
وقد وردت أحاديث كثيرة في الحجامة ذكرها ابن القيم في كتابه الطب النبوي، وذكرها بتوسع أكثر الامام السيوطي في كتابه (المنهج السوي والمنهل الروي في الطب النبوي) الذي حققه الدكتور حسن مقبولي الأهدل. وقد ذكرها أيضا موفق الدين البغدادي في كتابه الطب من الكتاب والسنة الذي حققه الدكتور عبد المعطي قلعجي. وسنذكر فيما يلي نبذة من هذه الأحاديث ثم نذكر بعض المعلومات الطبية عن الحجامة.
* أخرج أبو داود في سننه وأبو نعيم في الطب النبوي وابن ماجة في كتاب الطب من سننه باب الحجامة والإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن كان في شئ مما تداويتم به خيرا، فالحجامة).
* وأخرج البخاري في تاريخه، والحاكم في المستدرك وصححه عن أبي هريرة يرفعه: أن جبريل أخبره أن الحجم أنفع ما تداوى به الناس.
* وعن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: (ما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قال: عليك بالحجامة. وقال: إن خير ما تحتجمون فيه يوم سبع عشرة ويوم تسع عشرة، ويوم إحدى وعشرين).
أخرجه الترمذي في سننه كتاب الطب وقال عنه حديث حسن غريب وابن ماجة والحاكم وصححه.
والحديث معلول قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري (ج ١٠ / ١٥٠) وعلته عباد بن منصور.
* وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن جابر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن في الحجم شفاء).
وأخرج الحاكم وصححه عن سمرة رضي الله عنه، قال: دخل أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم فقال: ما هذا يا رسول الله؟ قال: الحجم، وهو خير ما تداويتم به.
ومثله أن القائل هو أبو هريرة فقال: الحجم وهو خير ما تداوى به العرب (أخرجه ابن السني وأبو نعيم).
* وأخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن كان في شئ من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم، أو لعقة عسل أو كية تصيب، وما أحبه إذا اكتوى.
* وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى عشرين، كان له شفاء من كل داء.
* عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احتجموا لخمس عشرة أو سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين لا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله) أخرجه الطبراني والبزار في مسنده، ورواه الترمذي مرفوعا خلا قوله يتبيغ بأحدكم الدم.
وقد قال الإمام الرضا: (فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشرة ليلة من الهلال إلى خمسة عشر) وقال ابن سينا في القانون: (ويأمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر لأن الأخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت، ولا في آخره لأنها تكون قد نقصت، بل في وسط الشهر حين تكون الأخلاط هائجة بالغة في تزايدها، لتزايد النور في جرم القمر، وتزيد الدماغ في الاقحاف، والمياه في الأنهار ذوات المد والجزر).
ويقول ابن القيم في الطب النبوي: (وتستحب الحجامة في وسط الشهر لأن الدم في أول الشهر لم يكن بعد قد هاج وتبيغ، وفي آخره يكون قد سكن.. أما في وسطه فيكون في نهاية التزايد).
وقد ظهرت في العصر الحديث أبحاث مفادها أن القمر عندما يكون بدرا، أي في الثالث عشر الرابع عشر والخامس عشر، يزداد التهييج العصبي والتوتر النفسي إلى درجة بالغة. ويقول الدكتور ليبر عالم النفس بميامي في الولايات المتحدة: (إن هناك علاقة قوية بين العدوان البشري والدورة القمرية وخاصة بين مدمني الكحول والميالين إلى الحوادث وذوي النزعات الاجرامية...). ويشرح نظريته قائلا: (إن جسم الانسان مثل سطح الأرض يتكون من 80 بالمئة من الماء والباقي هو من المواد الصلبة). ومن ثم فهو يعتقد بأن قوة الجاذبية القمرية التي تسبب المد والجزر في البحار والمحيطات تسبب أيضا هذا المد في أجسامنا عندما يبلغ القمر أوج اكتماله في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. وهو نفسه ما عبر عنه القدماء بتهيج الأخلاط وتبيغ الدم.. وكما يحدث المد في البحر عند اكتمال البدر يحدث هياج الدم وتبيغه في الجسم عند اكتمال القمر أي في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. وهو بالضبط ما ذكره الإمام علي الرضا، والرضا نقله عن جده المصطفى صلى الله عليه وسلم كما ورد في الأحاديث التي نقلنا بعضا منها ورغم أن الطب الحديث لم يعد يهتم بالحجامة إلا أن الطب الشعبي لا يزال يذكر استخدام كاسات الهواء Cupping حيث يسخن الهواء بداخل الكأس فيتمدد بالحرارة وعند ملامسته للجلد يبرد الهواء فينكمش ويقل حجمه فيحدث فراغا داخل الكأس، مما يجذب الجلد إلى داخل الكأس. وقد يقوم الشخص بإحداث جروح سطحية بالمشرط ثم توضع الكأس بالطريقة السابقة نفسها وذلك يؤدي إلى خروج كمية من الدم من الأوعية الدموية السطحية.
وكانت الحجامة تستخدم لعلاج التهابات المفاصل والآلام الروماتيزمية، وضغط الدم، ولتخفيف آلام الذبحة الصدرية والتهاب غشاء القلب والتهاب عضلة القلب، وآلام الرقبة والرأس والبطن وأوجاع العيون.
ويزعم الدكتور عبد المعطي قلعجي أن كل النشرات الطبية والمجلات الطبية والكتب الطبية كانت تذكر الحجامة وفوائدها حتى عام 1960 وذلك في تحقيقه لكتاب موفق الدين البغدادي (الطب من الكتاب والسنة) ص 41 - 44. ولا شك أن كلامه هذا مبالغ فيه جدا..
ولا تزال الحجامة تستخدم في الطب الشعبي في مختلف أقطار الدنيا وخاصة لمعالجة آلام الروماتيزم الشديد. ويذكر الدكتور قلعجي كتابا للدكتور Forsterling (دون أن يذكر اسم الكتاب ولا الناشر) وأنه أشار إلى فائدة الحجامة في علاج أمراض الروماتيزم. كما ذكر كتاب الأستاذ الدكتور محمد زكي سويدان (التمريض والاسعاف) وأنه ذكر فيه فوائد الحجامة لعلاج حالات هبوط القلب المصاحب بارتشاح في الرئتين وفي أمراض القلب والصدر وآلام المفاصل. وذكر أن الأستاذ الدكتور عبد العظيم رفعت ذكر استخدام الحجامة في علاج عسر البول الناتج عن التهاب الكلية وأن الحجامة تكون على الخاصرة.
ورغم أني مارست الطب لمدة تزيد على ربع قرن إلا أني لم أشاهد أي طبيب يستخدم الحجامة ولم اقرأ عن الحجامة في أي كتاب طبي. ولا شك أن الأطباء اليوم مبتعدون عن الحجامة وأن مجالها في الوقت الحاضر الطب الشعبي. ولا يمنع هذا من إجراء البحوث والتجارب عليها، بل ينبغي ذلك، وخاصة في مراكز البحث العلمي والجامعات.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الحجامة إنما تأخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم ومصداق ذلك ما ذكرته أنها لا تضعف القوة كما يوجد من الضعف عند الفصد (1)، وحجامة النقرة (2) تنفع من ثقل الرأس، وحجامة الأخدعين (3)، تخفف عن الرأس والوجه والعينين وهي نافعة لوجع الأضراس وربما ناب الفصد عن جميع ذلك وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع (4) في الفم ومن فساد اللثة وغير ذلك من أوجاع الفم وكذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء والحرارة. والذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصانا بينا وينفع من الأوجاع المزمنة في الكلي والمثانة والأرحام. ويدر الطمث (أي الحيض) غير أنها تنهك الجسد.
أما الفصد Venesection فهو استنزاف الدم من العروق (الأوردة) الكبيرة. ويتم الفصد في العصور الحديثة بوساطة إبرة واسعة القناة (المجرى) ويؤخذ الدم مباشرة وتتراوح كمية الدم المفصود ما بين 250 - 500 مليلتر. ويستخدم الفصد في حالات مرضية خاصة مثل زيادة كرات الدم الحمراء (كثرة الحمر Polycythemia). وفي حالات هبوط القلب الشديد (وإن كان هذا السبب الأخير يعالج الآن بكفاءة بالعقاقير دون الحاجة إلى الفصد) وارتفاع ضغط الدم الشديد (كذلك لا يعالج الآن بالفصد).. وبطبيعة الحال فإن التبرع بالدم ليس إلا نوعا من الفصد وهو يتم يوميا في مختلف أرجاء العالم حيث يتم التبرع بآلاف اللترات من الدم يوميا.
وقد صدق الإمام الرضا في أن الحجامة لا تضعف القوة لأن ما يؤخذ من الدم لا يزيد عما تأخذه المختبرات الطبية لتحليل الدم (أي بضعة مليلترات) وهو من العروق الصغيرة كما ذكر الإمام الرضا . أما الفصد فيؤخذ من العروق الكبيرة ويتم فيه أخذ كمية كبيرة من الدم ولذا يسبب الوهن بعده مباشرة. وإن كان الجسم يعوض الدم المفقود خلال أسبوع أو أقل.
(2) النقرة: في أعلى الفقرات العنقية وتحت الجمجمة مباشرة Occiput.
(3) الأخدعان: عرقان في صفحتي العنق قد خفيا وبطنا.
(4) القلاع في كتب الطب قرحة تكون في جلد الفم واللسان مع انتشار واتساع ويعرض للصبيان كثير.
وليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم لأن في قلة اللحم من فوق العروق قلة الألم. وأكثر العروق ألما إذا فصد حبل الذراع، والقيفال (5)، لاتصالهما بالعضل (6)، وصلابة الجلد، فأما الباسليق (7)، والأكحل (8)، فإنهما في الفصد أقل ألما إذ لم يكن فوقهما لحم.
والواجب تكميد (9) موضع الفصد بالماء الحار ليظهر الدم وخاصة في الشتاء فإنه يلين الجلد ويقلل الألم ويسهل الفصد. ويجب في كل ما ذكرناه من إخراج
(2) أي بمسحه عليها ويمسح الموضع لأنه يصير الموضع لينا فلا يتألم كثيرا من الشرط.
(3) المبضع وهو آلة يشق بها الجلد.
(4) أي وليضع على الموضع الذي يريد أن يفصده من العرق قطرة من الدهن لئلا يشتبه عند البضع.
(5) قيل هو العرق الذي وقع في مقابل الابهام وقيل هو الوريد الذي يظهر عند المرق على الجانب الوحشي وقيل هو عرق في الذراع يفصد وقيل هو بالكسر عرق في اليدين يفصد معرب. Cephalic vein.
(6) العضل: كل عصبة معها لحم مجتمع Basilic vein.
(7) والباسليق هو الوريد الظاهر من المرفق إلى الساعد وقيل هو عرق مقابل الوسطى.
(8) والأكحل هو المعروف بالبدن بين الباسليق والقيفال وقيل هو عرق في اليد. وقيل هو عرق وقع مقابل السبابة.
(9) هو أن يبل خرقة بالماء الحار ويضعها عليه وقيل أي يبخر الموضع ببخار الماء الحار.
وخذ قدر حمصة من الترياق الأكبر (3)، واشربه إن كان شتاء، وإن كان صيفا فاشرب السكنجبين العنصلي (4)، وامزجه بالشراب المفرح المعتدل (5)، وتناوله، أو بشراب الفاكهة وإن تعذر ذلك فشراب الأترج فإن لم تجد شيئا فتناوله بعد علكه (أي بعد مضغه) (أي علك الترياق الأكبر) ناعما تحت الأسنان واشرب عليه جرع الماء الفاتر. وإن كان ذلك في زمان الشتاء والبرد فاشرب عليه السكنجبين العسلي فإنك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة والبرص والبهق والجذام بإذن الله تعالى.
وامتص من الرمان المز فإنه يقوي النفس ويجلي الدم، ولا تأكل طعاما مالحا بعد ذلك بثلاث ساعات فإنه يخاف أن يعرض من ذلك الجرب وإن شئت فكل من الطياهيج إذا احتجمت واشرب عليه من الشراب المزكي الذي ذكرته أولا وادهن بدهن الخيري أو شئ من المسك وماء الورد وصب منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة.
وأما في الصيف فإذا احتجمت فكل السكباج (شورباج الخل) والهلام (6).
(2) والقز: نوع من الإبريسم وقد يقال لا يطلق عليه الإبريسم قز يعني الحرير.
(3) الترياق الأكبر والترياق. الفاروق. من الأدوية القديمة وفي البحار الظاهر أن الترياق الأكبر هو الفاروق ولا بد من حمله على ما إذا لم يكن مشتملا على الحرام كالخمر ولحم الأفاعي ونحوه.
(4) العنصل: نوع من البصل البري. ومنه نوع يستخدم في أمراض القلب.
(5) مثل شراب التفاح.
(6) الهلام: طعام من لحم العجل أو البقر. وتستخرج المادة الهلامية من العظم والكوارع.
نصائح عامة:
عدم حبس البول: ومن أراد أن لا يشتكي من مثانته فلا يحبس البول ولو على ظهر دابة (2).
(٢) هذا أمر هام يستحق الاهتمام من الأطباء والعامة. وحبس البول قد يسبب ارتجاع البول من المثانة إلى الكلى. وذلك يؤدي إلى التهابات المجاري البولية والكلى، كما يؤدي إلى زيادة نسبة تولد الحصى.
وقد وردت أحاديث كثيرة تنهى عن حقن البول.
فقد أخرج أبو داود في سننه (كتاب الطهارة، باب أيصلي الرجل وهو حاقن ج ١ الحديث رقم ٨٨) عن عبد الله بن الأرقم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أراد أحدكم ان يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء). والمقصود بالخلاء أن يذهب إلى مكان خال ليتغوط أو يتبول.
والحديث أخرجه أيضا الترمذي في سننه في أبواب الطهارة، باب إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء (سنن الترمذي ج ١ الحديث رقم 142، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر). قال الترمذي: (حديث حسن صحيح. وفي الباب (أي مثله): عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة، (رضي الله عنهم أجمعين). قال الترمذي: (وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين. وبه يقول أحمد (بن حنبل) وإسحاق (بن راهويه)، قالا: لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئا من الغائط والبول. وقالا: إن دخل في الصلاة فوجد شيئا من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله. وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يصلي به وغائط أو بول، ما لم يشغله ذلك عن الصلاة).
وهكذا أوضح الامام الترمذي في سننه الأقوال بعد إيراد الحديث الذي قال عنه حديث حسن صحيح... فبعض العلماء من يرى حرمة الدخول في الصلاة إذا كان به البول والغائط. وبعضهم يرى أن النهي في الحديث إنما يدل على كراهة التنزيه لا الحرمة.
وقد أخرج أبو داود في الباب حديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يصلي بحضرة الطعام ولا هو يدافعه الأخبثان).
وحديث ثوبان رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف) وحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف).
وقد أخرجهما أيضا الإمام أحمد في مسنده (ج 5: 250، 260، 261، 280)، وابن ماجة في سننه (في كتاب الطهارة 114).
ومن فعل ذلك رطب بدنه وضعفت معدته ولم تأخذ العروق قوة الطعام فإنه يصير في المعدة فجا (1) إذا صب الماء على الطعام أولا.
ومن أراد أن لا يجد الحصاة وعسر البول فلا يحبس المني عند نزول الشهوة ولا يطيل المكث على النساء.
أكل التمر يقي من البواسير: ومن أراد أن يأمن من وجع السفل ولا يظهر وبه رياح البواسير فليأكل كل ليلة سبع تمرات برني بسمن البقر ويدهن بين أنثييه بدهن الزنبق خالص (2).
(٢) يشير الإمام علي الرضا ها هنا إلى فوائد التمر في معالجة البواسير. وقد أثبتت الأبحاث الطبية الكثيرة فوائد التمر كمادة ملينة تليينا طبيعيا. والامساك من أهم أسباب حدوث البواسير ونزفها وحدوث شرخ في الشرج Anal Fissure.
يقول الدكتور محمد على الحاج في كتابه (غذاؤك حياتك): والتمر يساعد على تليين الأمعاء. ويقول الدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد في كتابه القيم: (الاعجاز الطبي في القرآن والأحاديث النبوية: الرطب والنخلة) (إصدار الدار السعودية جدة ١٩٨٥): (والتمور تحتوي على الألياف السيليولوزية وكذلك الرطب. وتختلف نسبة السيليولوز باختلاف أنواع التمور...) ويوجد عادة في الاجزاء الخشبية للنباتات وأغلفة الحبوب... ولكن الألياف السيليولوزية لا يهضمها الانسان، لكنها ذات نفع كبير له، إذ تنشط حركة الأمعاء فيسير الغذاء فيها وما تبقى من فضلات يخرج برازا. والألياف السيليولوزية غير المنهضمة تكون سواغا وحجما للبراز مما يساعد على تليين الأمعاء...
(من هذا نرى أن الرطب ملين طبيعي جيد، وعادة تنصح الحامل بأخذ الملينات وذلك لتأمين وتسهيل عملية الولادة، وليس المسهلات القوية. والألياف السيليولوزية تعتبر ملينا أمينا للحوامل وتفضل على الملينات الكيميائية التي تؤخذ على أشكال مختلفة، ولربما تسبب تخرش الغشاء المخاطي ومن ثم التهاب القولون. وهذه الملينات تسبب حركات اصطناعية للأمعاء بعكس الألياف السيليولوزية التي تنظف القولون، وهذا بدوره يساعد على تسهيل وسلامة الولادة).
وقد ذكر الدكتور عبد الحميد دياب والدكتور أحمد قرقوز في كتابهما (مع الطب في القرآن) فوائد الرطب ومن ذلك كونه من المواد الملينة، وأنه يحتوي على مادة مشابهة لمادة الأوكسي توسن Oxy Tocin التي تساعد على الولادة وانقباض الرحم ومنع النزف بعد الولادة في فترة النفاس.
وإذا صح ذلك فإنه يمكن أن ينطبق أيضا على البواسير التي تنزف فيساعد الرطب والتمر بما يحويه من مواد مانعة للنزف.
وربما كانت في التمر والرطب مواد قابضة للأوعية الدموية Vasoconstrictor ومقوية لهذه الأوردة التي تتجمع في الشرج فتنزل مسببة البواسير.
ولا مجال ها هنا للحديث عن فوائد التمر وما يحتويه من عناصر غذائية هامة مثل السكريات والنشويات والبروتينات والأملاح والمعادن والفيتامينات والماء والسيليولوز... ولكن ننبه هنا إلى أهمية فيتامين ج خاصة في تقوية جدر الأوعية الدموية ومادة الكالسيوم والفيتامينات الأخرى في منع النزف أو التقليل من حدوثه... وهو أمر متعلق بموضوع البواسير الذي أشار إليه الإمام علي الرضا.
وقد تحدث القرآن الكريم في آيات كثيرة عن النخل وتمرها بل ذكر الله سبحانه وتعالى نواة التمر وغلافها الخفيف (القطمير) وذكر النقرة الموجودة في النواة (النقير) ونوه بفوائد الرطب وخاصة للنفساء قال تعالى في سورة مريم (فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا. فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا. وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا. فكلي واشربي وقري عينا...) (مريم ٢٣ - ٢٦).
كما وردت أحاديث نبوية كثيرة جدا في التمر وفوائده وأهميته الغذائية نذكر منها على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم: (بيت لا تمر فيه جياع أهله) أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده وأبو داود والترمذي وابن ماجة في سننهم كلهم عن عائشة رضي الله عنها.
وفي سنن النسائي وابن ماجة من حديث جابر وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(العجوة من الجنة وهي شفاء السم) وثبت في الصحيحين البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (من تصبح بسبع تمرات (وفي لفظ من تمر العالية) لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر). وروى مسلم في صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم: (من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها (أي المدينة) حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي). وفي لفظ له (من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر). والعجوة من أفضل تمر المدينة.
وكان صلى الله عليه وسلم يحنك المواليد من أهل المدينة بالتمر ويدعو لهم بالبركة وبعض هؤلاء المواليد يتلمض التمرة في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك: (أبت الأنصار إلا حب التمر) (أخرج البخاري في كتاب العقيقة أحاديث عدة في هذا الباب). وشبه النبي صلى الله عليه وسلم المسلم بالنخلة (من الشجرة شجرة تكون مثل المسلم وهي النخلة). أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، لكثرة بركتها وخيرها. وثبت أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يعيش هو وأهل بيته الشهر والشهرين على الأسودين التمر والماء. (أخرجه البخاري في صحيحه وأحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها). وأمر صلى الله عليه وسلم أن يفطر على رطبات فإن لم يكن فتمرات فإن لم يجد فيحسو الماء، وكان ذلك فعله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور).
ولا مجال ها هنا للتوسع في ذكر فوائد التمر ويكفي أن نحيل القارئ الكريم إلى كتاب جامع في هذا الباب وهو كتاب (الاعجاز الطبي في القرآن والأحاديث النبوية: الرطب والنخلة) للدكتور عبد الله عبد الرزاق السعيد إصدار الدار السعودية، جدة ١٩٨٥، وكتاب فسلجة وتشريح ومورفولجي نخلة التمر للدكتور جبار حسن النعيمي والدكتور الأمير عباس جعفر، كلية الزراعة جامعة البصرة وكتاب (النخيل) إصدار وزارة الزراعة، المملكة العربية السعودية وكتاب (النخيل) لعبد اللطيف واكد، القاهرة. وكتاب نخلة التمر للدكتور عبد الجبار البكر، العراق وكتاب (غذاؤك حياتك) للدكتور محمد علي الحاج وكتاب (مع الطب في القرآن) للدكتور عبد الحميد دياب والدكتور أحمد قرقوز. وفيما ذكرنا غنية والكتب والمقالات في موضوع النخلة وثمرها في ازدياد كل يوم، ويعسر حصرها.
ومن أراد أن يقل نسيانه ويكون حافظا فليأكل ثلاث قطعات زنجبيل مربا بعسل ويصطنع بالخردل مع طعامه في كل يوم (1).
ومن أراد أن يزيد في عقله يتناول كل يوم ثلاث هليلجات بسكر إبلوج.
وقد مدح الله سبحانه وتعالى الشراب الممزوج بالزنجبيل وهو من شراب أهل الجنة قال تعالى:
(ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا) (الانسان ١٧). وذكر ابن القيم في الطب النبوي فوائد الزنجبيل نقلا عن كتب الأطباء فقال: (الزنجبيل معين على هضم الطعام ملين للبطن تليينا معتدلا. نافع من سدد الكبد، معين على الجماع. وهو محلل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة. ويقع في المعجونات التي تحلل البلغم. والمزي منه حار يابس، يهيج الجماع ويزيد المني ويعين على الاستمراء وينشف البلغم ويطيب النكهة ويدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة).
ويستخدم الزنجبيل في الطب الصيني لمداواة السعال وانتفاخ البطن والحرارة وآلام أسفل الظهر، ويشربه الأفارقة كمقو جنسي وفي غينيا الجديدة يستعمله النساء كمانع للحمل (أنظر كتاب قبسات من الطب النبوي للدكتور حسان شمس باشا، مكتبة السوادي جدة).
وفي الطب الحديث أظهرت الدراسات العلمية كما يقول الدكتور حسان شمس باشا (أن للزنجبيل الطازج تأثيرات دوائية عديدة فهو مضاد للاقياء (القئ) ومقو للقلب، ومضاد للمغص ومسيل للعاب والافرازات المعدية ومضاد للهستامين. وذكر غوجرال (١٩٧٨) أن للزنجبيل تأثيرا مضادا للاختلاج وهو خافض للكوليسترول. وقد وصف هيكينو (Hikino) عام ١٩٨٣ أن للزنجبيل المعامل المبخر تأثيرات فسيوليجية أيضا فهو مسكن وله تأثير مضاد للاقياء (القئ) ومحرض للقلب.
(ويتركب الزنجبيل من السينيول Cineole، والجنجبرين Gingiberene والزنجبرول Zingiberol والجنجبرول والشاغول (Shagool). والمادتان الأخيرتان مسؤولتان عن الطعم اللاذع للزنجبيل، ولهما أيضا الخصائص المهدئة المركزية للدماغ والمضادة للحرارة.
ولعل هذه النقطة الأخيرة هي التي أشار إليها الإمام علي الرضا بقوله (ومن أراد أن يقل نسيانه فليأكل ثلاث قطعات زنجبيل مربا بالعسل ويصطنع بالخردل مع طعامه كل يوم).
وتذكر بعض الأبحاث الحديثة (نقلا عن الدكتور حسان شمس باشا) أن للزنجبيل تأثيرا مشابها لتأثير دواء القلب المشهور الديجوكسين digoxin وأن الزنجبيل يضاد البروستا جلاندين وهو بذلك مماثل للاسبرين وأدوية الروماتيزم مثل الفولتارين والاندوسين. الخ. ولذا فهو مهم في علاج الرثية وآلام المفاصل وهو كذلك مفيد لعلاج دوار السفر، بل أثبتت التجربة أنه أفضل من حبوب الدرامامين Dramamine التي تعطى لمعالجة دوار السفر، وقد نشرت ذلك مجلت اللانست الطبية البريطانية المشهورة. وقد أكد كاتب المقال في ختام حديثه ذلك بقوله: (ليس هناك شك في فعالية الزنجبيل في علاج دوار السفر).
ونشرت مجلة Medical Hypothesis عام ١٩٨٦، كما ينقله عنها الدكتور حسان شمس باشا، مقالا جاء فيه أن الزنجبيل لا يمنع تجمع صفائح الدم Platlets فحسب ولكنه أيضا يمنع الأنزيم - Thrombox ane Synthetase الذي يساعد على تخثر الدم. وبالتالي فإن الزنجبيل يساعد على منع حدوث جلطات الدماغ والقلب والأطراف. وأكد ذلك كثير من الأبحاث السابقة واللاحقة ومنها مقال نشرته مجلة of Medicine New England J ٠ الأمريكية المشهورة كتبه الباحث الدكتور دورسو (انظر كتاب قبسات من الطب النبوي للدكتور حسان شمس باشا).
ومن أراد أن لا تؤلمه أذنه فليجعل فيها عند النوم قطنة (1).
أكل الشهد وقاية من الزكام:
ومن أراد ردع الزكام مدة أيام الشتاء فليأكل كل يوم ثلاث لقم من الشهد (2).
(٢) يعتبر العسل من أفضل الأدوية والأغذية فهو، كما يقول ابن القيم في الطب النبوي، غذاء مع الأغذية ودواء مع الأدوية، وشراب مع الأشربة، وحلو مع الحلو، وطلاء مع الأطلية، ومفرح مع المفرحات. فما خلق لنا شئ في معناه: أفضل منه ولا مثله ولا قريب منه. ولم يكن معول القدماء إلا عليه. وأكثر كتب القدماء لا ذكر فيها للسكر البتة ولا يعرفونه، فإنه حديث العهد، حدث قريبا).
ويكفي أنه قد ورد فيه قول الله تعالى (فيه شفاء للناس). ووردت فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها قوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن) أخرجه ابن ماجة قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد إسناده صحيح ورجاله ثقات... وقوله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة يرفعه: (من لعق ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم البلاء). أخرجه ابن ماجة.
وفي الصحيحين (البخاري ومسلم) أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي يشتكي بطنه، وفي رواية استطلق بطنه فقال: اسقه عسلا. فذهب ثم رجع. فقال: قد سقيته فلم يغن عنه شيئا. مرتين أو ثلاثا. كل ذلك يقول له: اسقه عسلا. فقال في الثالثة أو الرابعة: صدق الله وكذب بطن أخيك) فاستمسك بطنه.
والغريب حقا أن الأطباء في الأزمنة الغابرة كانوا يرون أن العسل يسبب تليين البطن ولذا لا يصلح لمعالجة الاسهال... وقد استنكر ابن خلدون في المقدمة مداواة المبطون بالعسل، واعتبر حدوث الشفاء من التأثير النفسي لايمان الصحابي وليس ذلك راجعا لخصائص العسل. وقد أثبت الطب الحديث فائدة العسل لمعالجة الاسهال ونشرت المجلة الطبية البريطانية BMJ عام 1985 دراسة عن استخدام العسل في معالجة التهاب المعدة والأمعاء (النزلات المعوية) عند الأطفال Gasteroenteritis فتبين من الدراسة فائدة العسل في علاج الناتج عن غزو بكتيري وكانت النتائج جيدة في هذا الصدد Honey in the treatment of Infantile: Moosa A, Haffegee l 7 _ 1866: 290, gastero enteritis BMG 1985.
ونشر الدكتور سالم نجم وزملاؤه دراسة عن استعمال العسل في علاج الاسهال في أعمال مؤتمر الطب الاسلامي عام 1982. وكانت النتائج جيدة جدا حيث اختفى الاسهال أو خفت حدته عند 83 بالمئة من المرضى. (المؤتمر الثاني للطب الاسلامي مجلد 2 / 575، الكويت، 1982)، بحث علاج الاسهال المزمن بالعسل.
وهذه النتائج تؤكد فائدة العسل في علاج المبطون (المصاب بالاسهال). كما في الحديث الشريف الذي أخرجه الشيخان (البخاري ومسلم) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وقد أخرج البخاري في صحيحه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن كان في شئ من أدويتكم، أو يكون شئ من أدويتكم خير. ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لدغة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه.
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الشفاء في ثلاثة:
في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار، وأنهي أمتي عن الكي).... وليس المقصود تحديد الشفاء في ثلاثة أمور فقط بل هو التنبيه على أهميتها كما قال صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة) ولا شك أن أعمال الحج كثيرة وليست مقتصرة على شهود يوم عرفة وإنما قال ذلك لتوضيح مدى أهميته. وكذلك الحديث ها هنا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجعل العسل في الماء ويشربه بكرة (على الريق) ويسمى ذلك الطنوب. وليس المقصود استعراض فوائد العسل ها هنا فالمجال واسع وهناك كتب كثيرة في هذا الصدد نذكر منها (العسل فيه شفاء للناس) للدكتور محمد نزار الدقر، و (عسل النحل شفاء نزل به الوحي) للدكتور عبد الكريم الخطيب)، و (التداوي بعسل النحل) لعبد اللطيف عاشور و (نحل العسل) للدكتور محمد علي البنبي، و (العلاج بعسل النحل) للدكتور يويريش (ترجمة د. محمد الحلوجي) و (طبيبتنا النحلة) لبول أوكوسيتش (ترجمة دار الاسلام والغرب) وأحدثها وأوسعها في المراجع الحديثة كتاب الاستشفاء بالعسل والغذاء الملكي حقائق وبراهين للدكتور حسان شمس باشا.
ومعالجة العسل للزكام والوقاية منه ومعالجة أمراض الجهاز التنفسي معروفة ومشهورة. وقد كتب الدكتور حسان شمس باشا فصلا جيدا عن فائدة العسل في الربو والتهاب الأنف التحسسي) ذكر فيه المراجع العلمية الحديثة التي تؤكد فوائد العسل في علاج حمى القش Hay fever والتهاب الانف التحسسي والربو. واقترح الدكتور جارفس إعطاء ملعقة صغيرة من العسل ثلاث مرات يوميا للمصابين بحمى القش والتهاب الانف التحسسي على أن يبدأ ذلك حوالي أربعة أشهر قبل موسم الإصابة بهذا المرض.
ويستخدم العسل لالتهابات الانف والبلعوم والحنجرة بصورة أقراص مص Lozenges أو بوساطة الاستنشاق الأنفي والغرغرة بمحلول العسل وبعض الأزهار. كما يستخدم العسل منذ أقدم الأزمنة في أدوية السعال..
وهكذا يؤكد الطب الحديث نصيحة الإمام علي الرضا بأكل ثلاث لقم من الشهد كل يوم مدة الشتاء للوقاية من الزكام ونزلات البرد والتهاب الانف التحسسي. الخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق