الأربعاء، 23 فبراير 2022

إمام علي الرضا ورسالته في الطب النبوي - محمد علي البار - الصفحة

مقدمة الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على حبيبه المصطفى وآله النجباء، ومن بهم اهتدى واقتدى.
أما بعد.
فهذا كتاب عن الامام الجليل أبي الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين السجاد بن الإمام السبط الحسين شهيد كربلاء ابن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وابن فاطمة الزهراء بنت خير البرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد بدأت الكتاب بفصل عن فضائل أهل البيت النبوي الذين طهرهم الله تطهيرا، والذين قال فيهم عز من قائل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (1) وأوردت فيها ما ذكره الامام شيخ الاسلام ابن تيمية والإمام ابن جرير الطبري في تفسيره، والإمام ابن كثير والامام القرطبي.
ثم ذكرت بعض الأحاديث التي وردت في فضل آل البيت، وابتدأتها بفضائل الإمام علي ثم الزهراء ثم سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين، ثم العترة وآل البيت عامة... وأكثرت من النقل عن شيخ الاسلام ابن تيمية وخاصة رسالته (فضل أهل البيت وحقوقهم) التي أخرجها وعلق عليها الشيخ أبو تراب الظاهري، وهي رسالة قيمة، صغيرة الحجم جليلة القدر، وألحق بها الشيخ أبو تراب بعض ما ورد

 من أحاديث في فضل آل البيت النبوي الكريم. ثم ذكرت موقف أهل السنة والجماعة من محبة آل البيت، وخاصة موقف الأئمة الأربعة: مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، رحمهم الله، وأجزل مثوبتهم عن الاسلام والمسلمين وعن آل بيت النبي الذين أحبوهم أشد الحب، وتحملوا في سبيل محبتهم الضرب بالسياط والتعذيب والسجن. وكاد الشافعي رحمه الله أن يقتل بسبب مناصرته للعلويين، وسيق مكبلا بالحديد إلى بغداد... ولولا وساطة محمد بن الحسن لدى الرشيد لبطش به... وموقف الامام النسائي، الذي فقد حياته بالفعل بسبب حبه للإمام علي وفاطمة الزهراء والعترة الطاهرة الزكية، يستحق كل إكبار وإجلال.
ثم ذكرت موقف أهل السنة من أحاديث المهدي التي بلغت حد التواتر المعنوي. ونقلت ما ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية والشوكاني وابن حجر الهيثمي المكي وابن خلدون وغيرهم من أكابر العلماء، وختمت أقوالهم بما ذكره سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في موضوع أحاديث المهدي وأنها بلغت حد التواتر وأن خروجه حق وأنه من ذرية فاطمة رضي الله عنها. واعتبر إنكار أحاديث المهدي إنكارا للحديث النبوي الشريف. ثم ختمت الفصل بما يجب على من ينتسبون إلى هذا البيت الكريم من الاقتداء بجدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وسلفهم الصالح، وأن هذا النسب الشريف يحتاج إلى مزيد عمل، وإلا فالخطر عليهم عظيم، وكما قال الإمام زين العابدين بن علي بن الحسين: (إني لأرجو أن يعطي الله للمحسن منا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسئ منا وزرين) وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يقول لنساء النبي رضي الله عنهن:
﴿يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا. ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين، وأعتدنا لها رزقا كريما﴾ (1) ثم ذكرت ما يجب على المسلمين من مودة أهل البيت، والنصح لهم وإعطائهم نصيبهم من الخمس والفئ. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي)

 وحرم عليهم الصدقة التي هي أوساخ الناس. وجعل حبهم دليل الايمان وبغضهم دليل الكفر والنفاق.
قال ابن تيمية: (ومن قصد منهم أهل البيت بذلك أو غيره، أو فرح أو استشفى بمصائبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي)، لما شكا إليه العباس أن بعض قريش يجفون بني هاشم. وقال: (إن الله اصطفى قريشا من بني كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم). وروي عنه أنه قال:
(وأحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي) ا. ه‍. كلام ابن تيمية.
ثم انتقلت إلى الباب الثاني وهو ترجمة الإمام علي الرضا ومولده بالمدينة المنورة سنة 153 وأمه أم ولد (حبشية أو نوبية). وذكرت علمه وفضله وما مدحه به الشعراء وما ذكره المأمون العباسي عنه من أنه أفضل أهل البيت في زمنه، ولذا ولاه ولاية العهد، وزوجه ابنته. وذكرت شيئا من كراماته ومؤلفاته ومنها الرسالة الذهبية فذكرت سبب تأليفها وتقريض المأمون والأطباء لها ومخطوطات هذه الرسالة القيمة ومطبوعاتها وشروحها وقيمة الرسالة العلمية وميزاتها.
ثم وضعت فصلا بعنوان المدخل إلى فهم كتب الطب النبوي وكتب الطب القديم عامة وأنه لا بد من فهم نظريات الطب اليوناني حول العناصر الأربعة والأركان والأمزجة الأربعة، وقد اعتمدت في ذلك على رسالة موجزة لأبي بكر الرازي، شيخ أطباء المسلمين وهي بعنوان (المدخل الصغير إلى علم الطب)، وقد حققها ونشرها الدكتور عبد اللطيف محمد العبد. وكل من كتب في الطب أو الطب النبوي اعتمد على هذه النظريات التي أبان الزمن زيفها وخطلها. ولذا فإن كتب الطب النبوي تحتوي على جانبين مهمين:
أولهما: ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله في الطب. وهذا حق وصدق متى صح عنه صلى الله عليه وسلم. وقد أثبت الطب الحديث أن كلامه في ذلك معجزة من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم.

 والثاني: معلومات زمن الكاتب الطبية وما فيها من صواب وخطأ. وهذه معرضة للخطأ، لأنها تعتمد معلومات العصر وثقافة البيئة والزمان. ونحن لا نحاكم هؤلاء الكتاب إلى معلومات عصرنا وزماننا في الطب. والحق أن نحاكمهم إلى معلومات عصرهم وزمانهم. وقد وجدنا كثيرا منهم سابقا لعصره وزمانه وخاصة عندما يلتزم بما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من معلومات معاكسة ومضادة لمعلومات عصره في كثير من الأحيان.
ثم أوردت نص الرسالة الذهبية وهي رسالة صغيرة كتبها الإمام الرضا للمأمون، بناء على طلبه، وهي في حفظ الصحة. وقد قمت بشرح الرسالة والتعليق عليها بإيجاز، لأن الإمام الرضا لا يورد الأحاديث النبوية وإنما يشير إليها ضمنا في كلامه الفذ العجيب المختصر. كما يذكر معلومات الأطباء في زمنه باختصار واقتدار. ويضمنها تجاربه الشخصية وموروثاته عن آبائه الكرام.
لذا تتميز الرسالة بما يلي:
1 - أنها أول رسالة في الطب النبوي حيث كتبت سنة 200 ه‍ أو ما حولها.
2 - أنها أول رسالة في الطب الوقائي وحفظ الصحة باللغة العربية.
3 - أنها أول كتاب في الطب يكتبه عربي مسلم... ولم يسبقه إلا إسحاق بن حنين وبختيشوع وأضرابه من السريان والنصارى الذين ترجموا كتب أبوقراط وجالينوس.
4 - أنها مزجت معلومات الطب الموجودة في عصره مع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي يشير إليها دون أن يذكر نصها، مزجا عجيبا فذا.
5 - أنها تحتوي على معلومات واسعة في الطب الوقائي وحفظ الصحة تتعدى معلومات العصر والزمان الذي عاش فيه.. وتظل قيمتها باقية على مرور الزمان وكر الأيام.
6 - تحتوي الرسالة على معلومات الطب اليوناني القديم وبعضها أثبت الزمن خطأه. وهو قليل على أي حال، وقد نبهت إليه. وبعضه لم يتحدث فيه الطب الحديث ولم يبحثه فأشرت إليه.

 وبعد، فهذا جهد المقل. وأرجو أن ينفع الله به كاتبه وناشره وقارئه. فإن أصبت فالحمد لله، وإن أخطأت فأستغفر الله العظيم وأتوب إليه. عليه أتوكل وإليه أنيب. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتب في جدة 14 صفر 1411 ه‍ الموافق 3 سبتمبر 1990 م.

 الباب الأول فضائل أهل البيت النبوي

 

ذكر بعض فضائل أهل البيت النبوي الكريم إن فضائل أهل البيت النبوي مذكورة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم... والله سبحانه وتعالى يصطفي ويختار من خلقه من شاء فله الحكمة البالغة والمنة السابغة. قال تعالى، (الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير) (1) وقال تعالى: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون) (2) وقال تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم) (4) وفي رواية: (أنا خيار من خيار). وهو القائل صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) (5). وهو صاحب الحوض المورود واللواء المحمود والشفاعة الكبرى.
وقد كتب في فضل أهل البيت كثيرون. وأحاديث فضلهم موجودة في البخاري ومسلم والسنن والمسانيد والمعاجم والمصنفات.. وقد نشر الشيخ

(1) سورة الحج آية 75.
(2) سورة القصص آية 68.
(3) سورة الأنعام آية 128.
(4) أخرجه مسلم في صحيحه.
(5) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري، وهو بلفظ (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) عند مسلم وأبي داود عن أبي هريرة. وهو عند البخاري (أنا سيد الناس يوم القيامة) رواه عن أبي هريرة. وهو عند البيهقي بلفظ (أنا سيد العالمين).
 :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
أبو تراب الظاهري رسالة قيمة للإمام ابن تيمية استخرجها من فتاواه ومن رسائله وعلق عليها وخرج أحاديثها وجعل لها ضميمة من الأحاديث التي وردت في كتب السنة في أهل البيت وسمى تلك الرسالة: (فضل أهل البيت وحقوقهم) (1).
وقد نقلت الكثير من أقوال الإمام ابن تيمية في هذه الرسالة الموجزة القيمة المفيدة لعدة أسباب، أولها: أن ابن تيمية بحر زخار يأتي بالأقوال والأحاديث من حفظه، بحجة دامغة وعبارة قوية. وثانيها: أن فريقا من الناس في هذا الزمان لا يقبلون قولا ولا حجة إلا إذا أتيت لهم بما ذكره ابن تيمية، فأحببنا أن نؤلف قلوبهم بما ذكره هذا الإمام الحجة الثبت...
وقد وردت في آل البيت النبوي الكريم آيات من الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وصحت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في فضلهم وأن حبهم دليل الايمان وأن بغضهم دليل النفاق... ونقلت في ذلك نقولا كثيرة أكثرها عن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
تفسير قوله تعالى:
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا سورة الأحزاب 22 كلام ابن تيمية في شرحها:
قال الإمام ابن تيمية في شرح هذه الآية الكريمة: (2) (ولما بين سبحانه أنه يريد أن يذهب الرجس عن أهل بيته ويطهرهم تطهيرا، دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصا به وهم: علي وفاطمة (رضي الله عنهما) وسيدا شباب أهل الجنة، جمع الله لهم بين أن قضى لهم بالتطهير، وبين أن قضى لهم بكمال دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك ما دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من

(1) الناشر: دار القبلة جدة 1405 ه‍ / 1984 م.
(2) (رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم، تعليق أبي تراب الظاهري، دار القبلة جدة 1405 ه‍. وهي في الفتاوى الكبرى ج 3: 154.
 
الله ليسبغها عليهم، ورحمة من الله وفضلا.
قال ابن تيمية: (وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح أن الله لما أنزل عليه (إن الله وملائكته يصلون على النبي. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) سأل الصحابة: كيف يصلون عليه فقال: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وفي حديث صحيح: (اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته).
وقال شيخ الاسلام الإمام ابن تيمية: (وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أم سلمة رضي الله عنها: أن هذه الآية لما نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، أدار النبي صلى الله عليه وسلم كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). وسنته صلى الله عليه وسلم تفسر كتاب الله وتبينه، وتدل عليه وتعبر عنه. فلما قال: (هؤلاء أهل بيتي مع أن سياق القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه، علمنا أن أزواجه، وإن كن من أهل بيته كما دل عليه القرآن، فهؤلاء أحق بأن يكونوا أهل بيته لأن صلة النسب أقوى من صلة الصهر. والعرب تطلق هذا البيان للاختصاص بالكمال، لا للاختصاص بأصل الحكم، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، وإنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يتفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس إلحافا). بين بذلك: (أن هذا مختص بكمال المسكنة، بخلاف الطواف فإنه لا تكمل فيه المسكنة) ثم أورد العبارة المذكورة أعلاه.
ابن جرير الطبري:
وقد ذكر الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره (1) يقول الله تعالى: (إنما

(١) ابن جرير (أبو جعفر محمد بن جرير الطبري): جامع البيان في تفسير القرآن، دار المعرفة (سورة الأحزاب) ج 22: 5.
 
يريد الله ليذهب عنكم الرجس) أي السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله. وذكر بسنده عن قتادة في تفسير هذه الآية قال: فهم أهل بيت طهرهم الله من السوء وخصهم برحمة منه.
ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نزلت هذه الآية في خمسة: في وفي علي وحسن وحسين وفاطمة).
ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم غداة وعليه مرط مرحل (1) من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله معه ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر كلما خرج إلى الصلاة فيقول: (الصلاة أهل البيت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ثم ذكر حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم عندي، وعلي وفاطمة والحسن والحسين فجعلت لهم خزيرة (2)، فأكلوا وناموا وغطى عليهم كساء أو قطيفة ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وذكر بسنده عن أبي الحمراء، قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة رضي الله عنهما فقال:
الصلاة.... الصلاة.. (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
ثم ذكر حديث واثلة بن الأسقع قال: إني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه علي

(1) المرط المرحل: كساء من صوف أو من خز عليه تصاوير الرحال.
(2) الخزيرة: اللحم يقطع ويطبخ ويذر عليه الدقيق.
 وفاطمة وحسن وحسين فألقى عليهم كساء له ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وعن واثلة بن الأسقع قال: سألت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في منزله، فقالت فاطمة رضي الله عنها: قد ذهب يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلت فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه وعليا عن يساره وحسنا وحسينا رضوان الله عليهم بين يديه، فلفع عليهم بثوبه وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). اللهم هؤلاء أهلي، اللهم أهلي أحق).
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (لما نزلت هذه الآية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فجلل عليهم (أي غطاهم) بكساء خيبري (نسبة إلى خيبر) وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، اللهم أذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: ألست منهم؟ قال: أنت إلى خير).
وعن أبي هريرة عن أم سلمة رضي الله عنهما قالت: جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق فوضعتها بين يديه، فقال: أين ابن عمك وابناك؟ قالت: في البيت، فقال: ادعيهم.
فجاءت عليا فقالت: أجب النبي صلى الله عليه وسلم أنت وابناك. قالت أم سلمة: فلما رآهم مقبلين مد يده إلى كساء كان على المنامة فمده وبسطه، فأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمه فوق رؤوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
وأورد بسنده عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة رضي الله عنها أن هذه الآية نزلت في بيتها: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قالت: (وأنا جالسة على باب البيت، فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت قال: إنك إلى خير، أنت من أزواج النبي، قالت: وفي البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين).
 وأورد بسنده عن عبد الله بن وهب بن زمعة قال: أخبرتني أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله تعالى وقال: (هؤلاء أهل بيتي). فقالت أم سلمة: يا رسول الله أدخلني معهم: قال: إنك من أهلي).
وعن عمر بن أبي سلمة (ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة. فدعا حسنا وحسينا وفاطمة فأجلسهم بين يديه ودعا عليا فأجلسه خلفه فتجلل هو وهم بالكساء ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) قالت أم سلمة: أنا معهم قال: أنت على مكانك وأنت على خير).
وبسنده عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحي، فأخذ عليا وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ثم قال: (رب هؤلاء أهلي وأهل بيتي) وعن حكيم بن سعد قال: (ذكرنا علي بن أبي طالب عند أم سلمة رضي الله عنها فقالت: في بيتي نزلت (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) قالت أم سلمة: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيتي فقال: لا تأذني لأحد. فجاءت فاطمة رضي الله عنها فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن رضي الله عنه فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبي صلى الله عليه وسلم على بساط فجللهم النبي صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه، ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط.
فقلت: يا رسول الله وأنا؟ قالت: فوالله ما أنعم (أي ما قال نعم) وقال:
إنك إلى خير.
كلام القرطبي:
وأورد القرطبي في تفسيره (1) الأقوال المختلفة في تعيين أهل البيت وأن
 
زوجاته صلى الله عليه وسلم داخلون فيهم. وذكر قول الكلبي وغيره أنها خاصة بعلي وفاطمة والحسن والحسين وأورد في ذلك أحاديث كثيرة. وذكر قول من قال أنها في نسائه صلى الله عليه وسلم خاصة. ثم عقب على ذلك بقوله: (والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم وإنما قال: (ويطهركم تطهيرا) لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليا وحسنا وحسينا كانوا فيهم. وإذا اجتمع المذكر والمؤنث: غلب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت، لأن الآية فيهن، والمخاطبة لهن يدل عليه سياق الكلام، والله سبحانه وتعالى أعلم).
كلام ابن كثير:
وذكر الحافظ ابن كثير (1) في تفسيره لهذه الآية الحديث الذي رواه الترمذي والبزار عن ابن حوشب قال: (دخلت مع أبي على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن علي رضي الله عنه فقالت: (تسألني عن رجل كان من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت تحته ابنته وأحب الناس إليه. لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليا وفاطمة وحسنا وحسينا رضي الله عنهم فألقى عليهم ثوبا، وقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). قالت فدنوت منهم فقلت: يا رسول الله وأنا من أهل بيتك فقال صلى الله عليه وسلم (تنحي فإنك على خير) وأخرج نحوه عن واثلة بن الأسقع (أخرجه البيهقي) وقال عنه ابن كثير صحيح الاسناد.
حديث الثقلين:
وقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة (2)، فحمد الله

(1) تفسير ابن كثير.
(2) حديث غدير خم من الأحاديث الصحيحة التي وردت في صحيح الإمام مسلم وفي السنن والمسانيد. والغريب حقا أن جماعة من مدعي العلم ومبغضي آل البيت ينكرونه. فإذا أنكروه فعليهم أن ينكروا أحاديث البخاري ومسلم وكتب السنة كلها. ولا علينا أن اتخذه الشيعة الاثني عشرية عيدا فليس ذلك بقادح في الحديث.. والاحتفال به مثل الاحتفال بغيره من المناسبات.
فإذا كان الناس يحتفلون بتولية فلان الملك، فهذا من باب أولى.
 وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال:
نعم. وفي رواية عن زيد أنه قال: ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل، وهو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة. وفيه قلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها. وأهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده).
وحديث الثقلين هذا قد ورد في سنن الترمذي. عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أثقل من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود بين السماء إلى الأرض، وعترتي، أهل بيتي.
ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
وقد أورد حديث الثقلين أيضا الحاكم النيسابوري في المستدرك والإمام أحمد في مسنده: عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن: فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض. ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن. ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه).
وعن بريدة الأسلمي قال: غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فقدمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت عليا فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله
 
فقال (من كنت مولاه فعلي مولاه). وهو أيضا في قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (المائدة 55). قيل نزلت في علي، تصدق بخاتمه وهو راكع.
والغريب حقا أن حديث الثقلين هذا، رغم وروده في صحيح مسلم وفي سنن الترمذي وحسنه الحاكم النيسابوري في المستدرك ومسند الإمام أحمد، إلا أن معظم المعاصرين من العلماء والخطباء يجهله أو يتجاهله... ويوردون بدلا عنه حديث (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي)، وهو في موطأ الامام مالك، وفي سنده ضعف وانقطاع، وإن كان متنه ومعناه صحيحا. وكان من الواجب إيراد الحديثين كلاهما معا لأهميتهما في الباب، أما كتمان هذا الحديث الشريف الصحيح فهو من كتمان العلم الذي هدد الله ورسوله فاعله، قال تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) (البقرة 159 - 160) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة) فليحذر هؤلاء الذين يكتمون ما أنزل الله من الفضل على آل بيته، ولا ينكرونه مثلما فعل أحبار يهود، كتموا علمهم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم حسدا له وبغضا فباؤوا بالخسران المبين.
آية المباهلة قال تعالى في سورة آل عمران (1): (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. الحق من ربك فلا تكن من الممترين.
فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
نزلت هذه الآيات الكريمة في وفد نجران يرأسهم العاقب والسيد جاءوا إلى

(1) سورة آل عمران آية 59 - 61.
 
المدينة في السنة التاسعة في منظر فريد، فدعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ترك عبادة عيسى عليه السلام والقول بأنه ابن الله، ولكنهم أصروا على دعواهم مع علمهم بخطأ معتقدهم وزيف ما انتحلوه من بنوة عيسى لله ووضوح الحجة عليهم. فأنزل الله سبحانه وتعالى آية المباهلة لقطع اللجاج ولإيضاح الحق.
كلام ابن جرير:
قال ابن جرير الطبري في تفسيره (1):
(فلما غدوا غدا النبي صلى الله عليه وسلم محتضنا حسنا، آخذا بيد حسين وفاطمة تمشي خلفه فدعاهم إلى الذي فارقوه عليه بالأمس فقالوا نعوذ بالله (أي من مباهلتك لأنهم قد علموا أنهم لو باهلوه لهلكوا جميعا). ثم دعاهم فقالوا نعوذ بالله مرارا.
قال فإن أبيتم فأسلموا ولكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين كما قال الله عز وجل، فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون.
وأخرج بسنده عن زيد بن علي في قوله تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين. أي الذين خرجوا للمباهلة فنكص نصارى نجران.
وأخرج ابن جرير بسنده: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وفاطمة وقال لعلي اتبعنا، فخرج معهم للمباهلة فنكص النصارى...).
وأصل كلمة المباهلة الملاعنة ويقال بهله الله أي لعنه الله، والبهل: اللعن وصارت الكلمة تطلق على التضرع في الدعاء وخاصة إذا كان باللعن.
تفسير القرطبي (2).
قال: قوله تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا): دليل على أن أبناء البنات

(١) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن، دار المعرفة ج ٣: ٢٠٩ - ٢١٥.
(٢) أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (سورة آل عمران آية 61) مجلد 4:
130 وما بعدها.
 
يسمون أبناء، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالحسن والحسين، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها، وهو يقول: (إن أنا دعوت فأمنوا). وهو معنى قوله: (ثم نبتهل) أي نتضرع في الدعاء... عن ابن عباس رضي الله عنهما نلتعن. وأصل الابتهال: الاجتهاد في الدعاء باللعن وغيره... يقال بهله الله أي لعنه، والبهل اللعن).
ثم قال: (قال كثير من العلماء أن قوله صلى الله عليه وسلم في الحسن والحسين لما باهل:
(ندع أبناءنا وأبناءكم) وقوله في الحسن: (إن ابني هذا سيد) مخصوص بالحسن والحسين أن سميا ابني النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي).
تفسير ابن كثير (1):
قال: عن جابر رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والطيب (رؤساء وفد نجران) فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه أن يلاعناه الغداة (أي بعد أن حاججهما في عبادتهما عيسى عليه السلام وادعاءهما بنوته لله تعالى كما قد مر). قال فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما (أي العاقب والطيب) فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(والذي بعثني بالحق لو قالا لا، لأمطر عليهم الوادي نارا..) وفيهم نزلت (قل تعالوا ندع أبناءنا وأنباءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) رواه ابن مردويه والحاكم في المستدرك ورواه الطيالسي عن الشعبي مرسلا. قال ابن كثير: وهذا أصح.
تفسير قوله تعالى: قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى سورة الشورى 23 تفسير ابن جرير:
قال ابن جرير الطبري في تفسيره (2): (يقول الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. قل

(١) الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير: تفسير القرآن العظيم.
(٢) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: جامع البيان في تفسير القرآن سورة الشورى دار المعرفة، بيروت.
 يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك: قل لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم - ثوابا وجزاء وعوضا من أموالكم تعطونيه إلا المودة في القربى، فاختلف أهل التأويل ما يعني بقوله: (إلا المودة في القربى) فقال بعضهم: معناه إلا أن تودوني في قرابتي منكم وتصلوا رحمي بيني وبينكم. ثم ذكر بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابة فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.
(وعن طاووس في قوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) فقال: سئل عنها ابن عباس رضي الله عنهما فقال سعيد بن جبير: هي قربى آل محمد. فقال: عجلت. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله قرابة. قال: فنزلت (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قال: إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها.
وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة في جميع قريش فلما كذبوه وأبوا أن يتابعوه قال: يا قوم إن أبيتم أن تتابعوني فاحفظوا قرابتي فيكم، لا يكن غيركم من العرب أولى أن يحفظني وينصرني منكم).
وروى مثله عن عكرمة وقتادة ومجاهد والسدي والضحاك.
قال ابن جرير: (وقال آخرون بل معنى ذلك: قل لمن اتبعك من المؤمنين لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودوا قرابتي... ثم ذكر السدي عن أبي الديلم قال: لما جئ بعلي بن الحسين أسيرا، وأقيم على درج (طريق) دمشق قام رجل من أهل الشام فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قرن الفتنة. فقال له علي: أقرأت القرآن؟ قال: نعم: قال: قرأت (آل حم)؟ قال:
قرأت القرآن ولم أقرأ (آل حم) قال: ما قرأت: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قال: فإنكم لإياها؟ قال: نعم).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما. قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا كأنهم فخروا. فقال العباس: لنا الفضل عليكم. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم في
 مجالسهم فقال: يا معشر الأنصار، ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: أفلا تجيبوني؟ قالوا: ما نقول يا رسول الله؟ قال: ألا تقولون:
أو لم يخرجك قومك فآويناك؟ أو لم يكذبوك فصدقناك؟ أو لم يخذلوك فنصرناك؟
قال: فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله قال: فنزلت: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).
وعن سعيد ابن جبير (إلا المودة في القربى) قال: هي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى مثلها عن عمرو بن شعيب. ثم ذكر أقوالا أخرى.
قال الطبري: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال: معناه قل لا أسألكم عليه أجرا يا معشر قريش إلا أن تودوني في قرابتي منكم وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم).
تفسير ابن عطية:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: قيل: يا رسول الله، من قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ (فقال: علي وفاطمة وابناهما).
وقيل: هم ولد عبد المطلب. قال ابن عطية: وقريش كلها عندي قربى وإن كانت تتفاضل. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ومن مات على بغضهم لم يشم رائحة الجنة) بعض الأحاديث التي وردت في آل البيت وقد وردت في آل البيت أحاديث كثيرة. وأول آل البيت علي كرم الله وجهه، صهر النبي المصطفى وختنه وأخوه في الدنيا والآخرة. وسنكتفي ببعض الأحاديث التي وردت في الصحيحين والسنن.
من مناقب علي (رضي الله عنه وكرم وجهه) مناقب الإمام علي في صحيح البخاري: عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه) قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها. فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم
 يرجون أن يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله. قال: فأرسلوا إليه فأتوني به. فلما جاء بصق في عينيه، فدعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الاسلام.
وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه. فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم).
عن سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأعطين الراية، أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله، أو قال: يحب الله ورسوله، يفتح الله عليه. فإذا نحن بعلي وما نرجوه. فقالوا: هذا علي فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الله عليهم.
عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى).
عن سهل بن سعد قال: دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد، فخرج إليه، فوجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره، فجعل صلى الله عليه وسلم يمسح عن ظهره فيقول: اجلس يا أبا تراب... مرتين.
مناقب الإمام علي في صحيح مسلم: الأحاديث المذكورة أعلاه وأحاديث أخرى ومنها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه: لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له، خلفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي) وسمعته يقول يوم خيبر:
(لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) قال: فتطاولنا لها.
فقال: ادعوا لي عليا فأتي به أرمد، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه. ولما نزلت هذه الآية (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول
 الله صلى الله عليه وسلم: عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: (اللهم هؤلاء أهلي).
ثم أورد الإمام مسلم حديث غدير خم الذي رواه زيد بن أرقم وهو حديث الثقلين والولاية لعلي وقد تقدم.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
مناقب الإمام علي في سنن النسائي: عن زر بن حبيش قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: (والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمين إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق).
مناقب الإمام علي في سنن الترمذي: حديث زيد بن أرقم (الثقلين والولاية لعلي) وقد تقدم. وحديث عمر بن أبي سلمة في قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقد تقدم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمة وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي بحبي).
عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين:
(أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم).
عن بريدة قال: (كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ومن الرجال علي).
عن عائشة رضي الله عنها سئلت: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة. فقيل: من الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمت صواما قواما.
مناقب الإمام علي في سنن ابن ماجة: عن علي كرم الله وجهه قال: (عهد إلي النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق).
 عن البراء بن عازب قال: (أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق فأمر بالصلاة جامعة، فأخذ بيد علي فقال: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) قالوا: بلى. قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟
قالوا: بلى. قال: (فهذا ولي من أنا مولاه. اللهم وال من والاه. اللهم عاد من عاداه).
عن علي رضي الله عنه قال: (إن رسول الله بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، قلت: يا رسول الله إني أرمد العين فتفل في عيني، ثم قال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد. قال فما وجدت حرا ولا بردا بعد يومئذ. وقال: لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار). فتشرف له الناس فبعث إلى علي فأعطاها إياه.
عن حبيش بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا علي) (فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسورة براءة).
عن زيد بن أرقم قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين: (أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم). وقد تقدم من رواية الترمذي.
مناقب الإمام علي في المستدرك للحاكم: حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: حديث الثقلين ومن كنت مولاه فعلي مولاه. وقد تقدم.
وحديث بريدة الأسلمي: من كنت مولاه فعلي مولاه. وقد تقدم.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى علي في السرية فأصاب جارية، فأنكروا ذلك عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا لقينا النبي صلى الله عليه وسلم أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظروا إليه وسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم. فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا، فأعرض عنه: ثم قام الثاني فقال مثل ذلك، ثم قام
 الثالث فقال مثل ذلك، فأعرض عنه. ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله ألم تر عليا صنع كذا وكذا، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب في وجهه فقال: (ما تريدون من علي. إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن).
عن علي رضي الله عنه قال: (إني عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب).
عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على أم سلمة رضي الله عنها فقالت:
(أيسب رسول الله فيكم؟ فقلت: معاذ الله، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سب عليا فقد سبني). وأورده بروايات عدة.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله. ومن عصى عليا فقد عصاني).
عن عمرو بن شاس الأسلمي، وكان من أصحاب الحديبية، قال: خرجنا مع علي رضي الله عنه إلى اليمن فجفاني في سفره ذلك حتى وجدت في نفسي، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد، حتى بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال: يا عمرو أما والله لقد آذيتني، فقلت: أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله. قال: بلى، من أذى عليا فقد آذاني).
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (علي مع القرآن، والقرآن مع علي. لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض).
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله عليا: اللهم أدر الحق معه حيث دار).
عن زيد بن أرقم قال: (كانت لنفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد، فقال يوما: سدوا هذه الأبواب إلا علي. قال: فتكلم في ذلك ناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئا ولا فتحته ولكن أمرت بشئ فاتبعته).
عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لقد أعطي
 علي بن أبي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن أعطى حمر النعم. قيل وما هن يا أمير المؤمنين؟ قال: تزوجه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكناه المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال: (يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة. حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله. وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي).
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله والتخلف عن الصلوات والبغض لعلي بن أبي طالب).
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول: (هذا أمير البررة قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)، ثم مد بها صوته.
قال رجل لسلمان (الفارسي رضي الله عنه): ما أشد حبك لعلي. قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحب عليا فقد أحبني، ومن أبغض عليا فقد أبغضني).
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرخ مشوي فقال: (اللهم آتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار. فجاء علي رضي الله عنه فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة، ثم جاء فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم على حاجة، ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، افتح فدخل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حبسك علي؟ فقال: إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس يزعم أنك على حاجة.
فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل قد يحب قومه).
وروى الحديث أعلاه بعدة طرق كلها عن أنس رضي الله عنه.
 عن ابن عباس رضي الله عنهما من حديث طويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: (أنت ولي في الدنيا والآخرة). قال ابن عباس: وكان علي أول من آمن بعد خديجة رضي الله عنها. قال وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه).
عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك).
ولما بعثه إلى اليمن وولاه القضاء وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال:
اللهم ثبت لسانه واهد قلبه. قال علي فما شككت في قضاء بعده.
عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أولكم واردا علي الحوض أولكم إسلاما، علي بن أبي طالب).
عن سعد بن زرارة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوحي إلي في علي ثلاث:
أنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين).
عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي. من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني وإن هذه ستخضب من هذا) يعني لحيته من رأسه.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار).
عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت: (أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة، قيل: فمن الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمته صواما قواما).
عن زيد بن أرقم قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس، دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم
 عشية ثم قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول ثم قال: (أيها الناس إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا إن اتبعتموهما وهما كتاب الله وأهل بيتي عترتي. ثم قال: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ ثلاث مرات، قالوا: نعم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه).
عن إسحاق قال: سألت قثم بن العباس رضي الله عنهما، كيف ورث علي رسول الله دونكم؟ قال: (لأنه كان أولنا به لحوقا وأشدنا به لزوقا).
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: (إن أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه (بعد خديجة رضي الله عنها لأنها كانت أول الناس إسلاما قاطبة).
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (النظر إلى وجه علي عبادة).
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: (من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك فقد فارقني).
هذه بعض الأحاديث الواردة عن الإمام علي كرم الله وجهه وقد أوجزنا خشية الإطالة.
بعض الأحاديث الواردة في فاطمة وبنيها (رضي الله عنهم أجمعين) عن المسور بن مخرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني).
أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما والترمذي في سننه وأحمد في مسنده بألفاظ متقاربة.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة).
أخرجه البخاري في صحيحه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية
 رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فلما رآها رحب بها فقال: (مرحبا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدا، فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت. فقلت لها: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار ثم أنت تبكين!! فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: (ما كنت أفشي على رسول الله سره، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما حدثتني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أما الآن فنعم.
أما حين سارني في المرة الأولى، فأخبرني أن جبريل كان يعارضه في كل سنة مرة وأنه عارضه الآن مرتين، وإني لا أرى الاجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية فقال: (يا فاطمة أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة. قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت).
عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).
أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك عن عبد الله بن الزبير يرفعه: (إن فاطمة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها). رواه الترمذي وقد تقدم من رواية المسور بن مخرمة مثله.
عن عائشة رضي الله عنها: (ما رأيت أحدا أشبه سمتا ولا هديا برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته مجلسها. فلما مرض النبي صلى الله عليه وسلم دخلت فاطمة فأكبت عليه فقبلته، ثم رفعت رأسها فبكت، ثم أكبت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت فقلت: إني كنت لأظن أن هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قلت لها: أرأيت حين أكببت على النبي صلى الله عليه وسلم فرفعت رأسك فبكيت، ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت، ما حملك على
 ذلك؟ قالت: إني أذن لبذرة، أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت ثم أخبرني إني أسرع أهله لحوقا به، وذلك حين ضحكت).
أخرجه الترمذي.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة رضي الله عنها فقال: إني وإياك وهذا النائم، يعني عليا، وهما، يعني الحسن والحسين، لفي مكان واحد يوم القيامة).
أخرجه المستدرك.
وهو في الآية الكريمة من قوله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم (وفي قراءة ذرياتهم) بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ) (سورة الطور آية 21).
قال أهل التفسير: يلحق الله سبحانه وتعالى الأبناء والذرية بالآباء وإن كانوا أعلى منهم مقاما يوم القيامة فيجعلهم معهم وفي درجتهم إكراما للآباء.
وهو أيضا في قوله تعالى (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) (سورة الرعد 23). يلحق الله الآباء والذرية بالصالحين من الجنة هم وأزواجهم يحبرون، فضلا من الله ونعمة، وإن كانوا أقل منهم في العمل والدرجة.
وقد تقدم ما ورد من أحاديث عن أم سلمة وابنها عمر وعائشة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين في قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) كما تقدم ما ورد من أحاديث في آية المباهلة (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) فلا حاجة لإعادته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: (أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم) وقد تقدم برواياته المختلفة.
 عن بريدة رضي الله عنه قال: كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ومن الرجال علي.
أخرجه الحاكم في المستدرك.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في مرضه الذي توفي فيه:
(يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة).
أخرجه الحاكم في المستدرك.
وعنها رضي الله عنها أنها سئلت: (أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة: قيل فمن الرجال؟ قالت: زوجها، إن كان ما علمته صواما قواما). أخرجه الحاكم في المستدرك وعنها رضي الله عنها قالت: (ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة وكانت إذا دخلت عليه قام فقبلها ورحب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه وكانت هي إذا دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت إليه مستقبلة وقبلت يده).
أخرجه الحاكم في المستدرك.
وعنها رضي الله عنها: أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما رأيت أحدا كان أصدقه لهجة منها إلا أن يكون والدها.
أخرجه الحاكم في المستدرك.
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حسبك من نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد).
أخرجه الحاكم في المستدرك.
بعض مناقب الحسن والحسين (رضي الله عنهما) عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذه والحسن ويقول: (اللهم إني أحبهما فأحبهما).
رواه البخاري في صحيحه عن أبي بكرة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه، ينظر
 إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول: (ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين).
أخرجه البخاري والترمذي.
عن البراء رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه يقول: (اللهم إني أحبه فأحبه) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.
عن ابن عمر قال: قال أبو بكر (رضي الله عنهم أجمعين): (ارقبوا محمدا من أهل بيته).
أخرجه البخاري.
عن أنس: (لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي).
أخرجه البخاري.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أهل العراق يسألون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هما ريحانتاي من الدنيا) أخرجه البخاري والترمذي.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للحسن: (اللهم إني أحبه فأحبه وأحبب من يحبه). وروي مثله عن البراء بن عازب.
وعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حامل حسنا أو حسينا فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الناس:
يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمرا أو أنه يوحى إليك. قال: (كل ذلك لم يكن ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته).
أخرجه النسائي في سننه.
 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).
أخرجه الترمذي وابن ماجة.
عن ابن عمر وزاد فيه (وأبوهما خير منهما).
عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: طرقت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة فخرج النبي وهو مشتمل على شئ لا أدري ما هو فلما فرغت من حاجتي، قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه فإذا حسن وحسين على وركيه فقال: (هذان ابناي وابنا ابنتي. اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما) أخرجه الترمذي.
عن أنس بن مالك قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي أهل بيتك أحب إليك قال: الحسن والحسين. وكان يقول لفاطمة: ادعي لي ابني فيشمهما ويضمهما إليه).
أخرجه الترمذي.
عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسين مني وأنا من حسين.
أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط).
أخرجه الترمذي وابن ماجة.
عن علي كرم الله وجهه قال: (الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك).
أخرجه الترمذي.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملا الحسن ابن علي على عاتقه فقال رجل: نعم المركب يا غلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(ونعم الراكب هو).
أخرجه الترمذي.
أحاديث في آل البيت عامة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: (يا أيها الناس إني تركت
 فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
أخرجه الترمذي.
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أثقل من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
أخرجه مسلم والترمذي والحاكم وأحمد وقد تقدم برواياته المختلفة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمته وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي).
أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم.
عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين:
(أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم).
أخرجه الترمذي، وابن ماجة والحاكم.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار).
أخرجه الحاكم، رواه عن ابن عباس وجاء فيه (فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي ليلة زفافه بفاطمة: (لا تحدث شيئا حتى تلقاني، فدعا صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي وفاطمة رضي الله عنهما وقال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما).
أخرجه النسائي.
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي).
رواه الحاكم في المستدرك وأبو يعلى في مسنده والطبراني في الكبير وابن عساكر.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النجوم أمان لأهل
 
الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب الشيطان).
أخرجه الحاكم وصححه الذهبي.
عن أبي ذر رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تخلف عنها أغرق).
أخرجه الحاكم في المستدرك واحمد في مسنده وابن جرير والطبراني في الكبير.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار).
أخرجه الحاكم من المستدرك.
عن علي بن الحسين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب إلى علي رضي الله عنه أم كلثوم فقال علي: إني أرصدها لابن أخي عبد الله بن جعفر. فقال عمر: أنكحنيها، ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده. فأنكحه علي، فأتى عمر المهاجرين، فقال ألا تهنئوني؟ فقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ فقال: بأم كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا ما كان من سببي ونسبي، فأحببت أن يكون بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب وسبب).
أخرجه الحاكم في المستدرك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال عليا من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي وعملي فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي).
رواه الطبراني والرافعي (1).

(1) أبو تراب الظاهري: ملحق رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم لشيخ الاسلام ابن تيمية ص 130.
دار القبلة.
 
 
عن عبد المطلب بن ربيعة مرفوعا: (والله لا يدخل قلب امرئ إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي).
أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
عن الحسن بن علي رضي الله عنهما: لا يبغضنا أحد ولا يحسدنا أحد إلا ذيد يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار).
أخرجه الطبراني.
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يتحدثون، فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم. والذي نفسي بيده لا يدخل قلب امرئ الايمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم مني).
رآه الروياني والطبراني وابن عساكر.
من أصول الاسلام محبة آل البيت كلام شيخ الاسلام ابن تيمية في وجوب محبة آل البيت وتوقيرهم وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في: (رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم (1)).
(فهذه أصول الاسلام التي هي الكتاب والحكمة والاعتصام بحبل الله جميعا، على أهل الايمان الاستمساك بها. ولا ريب أن الله قد أوجب فيها من حرمة خلفائه وأهل بيته والسابقين الأولين والتابعين لهم بإحسان ما أوجب. قال الله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا، وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما).
(وقد روى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أم سلمة: أن هذه الآية لما نزلت (2) أدار النبي صلى الله عليه وسلم كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم

(1) رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم لشيخ الاسلام ابن تيمية تعليق أبي تراب الظاهري ص 20 - 23.
(2) الآية المقصودة: (إنما يريد الله ليذهب الله عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
 
فقال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). وسنته تفسر كتاب الله وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه. فلما قال: (هؤلاء أهل بيتي) مع أن سياق القرآن يدل على أن الخطاب مع أزواجه، علمنا أن أزواجه وإن كن من أهل بيته كما دل عليه القرآن، فهؤلاء أحق بأن يكونوا أهل بيته، لأن صلة النسب أقوى من صلة الصهر، والعرب تطلق هذا البيان للاختصاص بالكمال، لا للاختصاص بأصل الحكم).
ثم قال: (ولما بين الله سبحانه أنه يريد أن يذهب الرجس عن أهل بيته ويطهرهم تطهيرا، دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأقرب أهل بيته وأعظمهم اختصاصا به وهم:
علي وفاطمة رضي الله عنهما، وسيدا شباب أهل الجنة، جمع الله لهم بين أن قضي لهم بالتطهير، وبين أن قضي لهم بكمال دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من ذلك ما دلنا على أن إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم نعمة من الله ليسبغها عليهم ورحمة من الله وفضلا.
ثم قال: (ولأجل ما دلت عليه هذه الآيات من مضاعفة الأجور والوزر بلغنا عن الإمام علي بن الحسين، زين العابدين وقرة عين الاسلام أنه قال: (إني لأرجو أن يعطي الله للمحسن منا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسئ منا وزرين).
(وثبت في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعى خم بين مكة والمدينة. فقال: (وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي). قيل لزيد بن أرقم: ومن أهل بيته؟ قال: الذين حرموا الصدقة: آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس. قيل لزيد: أكل هؤلاء أهل بيته قال: نعم) (1).
(وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح أن الله لما أنزل عليه: (إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)

(1) الحديث رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والنسائي في سننه والترمذي في جامعه.
 
 
سأل الصحابة: كيف يصلون عليه فقال: (قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد). وفي حديث صحيح:
(اللهم صلى على محمد وأزواجه وذريته).
وثبت عنه أن ابنه الحسن لما تناول تمرة من تمر الصدقة قاله له: (كخ، كخ، أما علمت أنا آل بيت لا تحل لنا الصدقة) (1) وقال: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد) (2).
(وهذا والله أعلم من التطهير الذي شرعه الله لهم، فإن الصدقة أوساخ الناس، فطهرهم الله من الأوساخ، وعوضهم بما يقيتهم من خمس الغنائم، ومن الفئ الذي جعل منه رزق محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وغيره: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري. ومن تشبه بقوم فهو منهم) ولهذا ينبغي أن يكون اهتمامهم (أي المسلمين) بكفاية أهل البيت الذين حرمت عليه الصدقة أكثر من اهتمامهم بكفاية الآخرين من الصدقة، لا سيما إذا تعذر أخذهم من الخمس والفئ، إما لقلة ذلك، وإنا لظلم من يستولي على حقوقهم، فيمنعهم إياها من ولاة الظلم، فيعطون من الصدقة المفروضة ما يكفيهم إذا لم تحصل كفايتهم من الخمس والفئ) (3).
ثم قال: (وأما العالم العادل فلا يقول إلا الحق (في آل البيت) ولا يتبع إلا إياه، ولهذا من يتبع المنقول، الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه وأصحابه وأئمة أهل بيته، مثل الإمام علي بن الحسين زين العابدين وابنه الامام أبي جعفر محمد ابن علي الباقر وابنه الامام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق شيخ علماء الأمة، ومثل مالك بن أنس (*) (إمام دار الهجرة) والثوري وطبقتهما، وجد ذلك جميعه متفقا مجتمعا في أصول دينهم وجماع شرائعهم، ووجد في ذلك ما يشغله وما يغنيه عما
 
(1) رواه الشيخان عن أبي هريرة.
(2) رواه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده.
(3) رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم لشيخ الاسلام ابن تيمية ص 24 - 25.
* كتبت خطأ أنس بن مالك، والسياق يدل على أنه الامام مالك بن أنس لأنه قرنه بالثوري.
 
أحدثه كثير من المتأخرين من أنواع المقالات التي تخالف ما كان عليه أولئك السلف (وهؤلاء المتأخرون) ممن ينتصب لعداوة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبخسهم حقوقهم ويؤذيهم أو ممن يغلو فيهم غير الحق ويفتري عليهم الكذب ويبخس السابقين والطائعين حقوقهم) (1).
ثم قال: (ومن ذلك أن اليوم الذي هو يوم عاشوراء الذي أكرم الله فيه سبط نبيه وأحد سيدي شباب أهل الجنة بالشهادة على أيدي من قتله من الفجرة الأشقياء، وكان ذلك مصيبة من أعظم المصائب الواقعة في الاسلام. وقد روى الإمام أحمد وغيره عن فاطمة بنت الحسين، وقد كانت شهدت مصرع أبيها، عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنهم جميعا، عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الاجر يوم أصيب بها). فقد علم الله أن مثل هذه المصيبة العظيمة سيتجدد ذكرها مع تقادم العهد، فكان من محاسن الاسلام أن روى هذا الحديث صاحب المصيبة والمصاب به أولا، ولا ريب أن ذلك إنما فعله الله كرامة للحسين رضي الله عنه، ورفعا لدرجته ومنزلته عند الله وتبليغا له منازل الشهداء وإلحاقا له بأهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء، ولم يكن الحسن والحسين حصل لهما من الابتلاء ما حصل لجدهما ولأمهما وعمهما (وأبيهما) لأنهما ولدا في عز الاسلام وتربيا في حجور المؤمنين، فأتم الله نعمته عليهما بالشهادة: أحدهما مسموما (وهو الحسن بن علي رضي الله عنه) والآخر مقتولا (وهو الإمام الحسين)، لأن الله عنده من المنازل العالية في دار كرامته ما لا ينالها إلا أهل البلاء كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقد سئل أي الناس أشد بلاء؟ فقال: (الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل. يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة).
(وشقي بقتله من أعان عليه أو رضي به، فالذي شرعه الله للمؤمنين عند الإصابة بالمصائب وإن عظمت أن يقولوا: إنا لله وإنا إليه راجعون. وقد روى

(1) المصدر السابق ص 35، 36.
 
الشافعي في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات وأصاب أهل بيته من المصيبة ما أصابهم، سمعوا قائلا يقول: يا آل بيت رسول الله، إن في الله عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا، وإياه فأرجوا، فإن المصاب من حرم الثواب. فكانوا يرونه الخضر جاء يعزيهم بالنبي صلى الله عليه وسلم) (1).
ثم قال: (وقد يجمع الله في الوقت شخصا أو نوعا من النعمة التي توجب شكرا أو المحنة التي توجب صبرا. كما أن سابع عشر من شهر رمضان فيه كانت موقعة بدر، وفيه كان مقتل علي رضي الله عنه، وأبلغ من ذلك: أن يوم الاثنين في ربيع الأول مولد النبي صلى الله عليه وسلم وفيه هجرته وفيه وفاته) (2).
ثم قال: (ويستحب صوم التاسع والعاشر (من شهر المحرم) ولا يستحب الكحل، والذين يصنعونه من الكحل من أهل الدين لا يقصدون به مناصبة أهل البيت، وإن كانوا مخطئين في فعلهم، ومن قصد منهم أهل البيت بذلك أو غيره، أو فرح، أو استشفى بمصائبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي) لما شكا إليه العباس أن بعض قريش يجفون بني هاشم. وقال: (إن الله اصطفى قريشا من بني كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم). وروي عنه أنه قال: (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله (إياي)، وأحبوا أهل بيتي لحبي) وهذا باب واسع يطول القول فيه).
كلام ابن تيمية في حقوق آل البيت وأن بغضهم علامة الكفر والنفاق قال ابن تيمية في الفتاوي الكبرى (4):

(1) المصدر السابق ص 39 - 41. وفيه دلالة على أن الإمام الشافعي وابن تيمية كانا يعتقدان بحياة الخضر، والخضر قد كان في زمن موسى عليه السلام وبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرابة ألفي عام... وممن يقول بحياة الخضر الامام النووي وغيره من كبار علماء الأمة الاسلامية.
(2) المصدر السابق ص 43.
(3) المصدر السابق ص 43، 44.
(4) الفتاوي الكبرى ج 3: 154 وهو أيضا في العقيدة الواسطية بلفظ مقارب.
 (ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم:
(أذكركم الله في أهل بيتي). وقال للعباس، عمه، وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم).
وقال في الفتاوي (1): (آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها، فإن الله جعل لهم حقا من الخمس والفئ، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال لنا (قولوا: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد). وآل محمد هم الذي حرمت عليهم الصدقة. هكذا قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما من العلماء رحمهم الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد). وقد قال الله في كتابه: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وحرم الله عليهم الصدقة لأنها أوساخ الناس. وفي المسانيد والسنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس لما شكا إليه جفوة قوم لهم: (والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم من أجلي). وفي الصحيح أنه قال: (إن الله اصطفى... الحديث)).
ولا شك أن عقيدة أهل السنة والجماعة هي محبة آل بيت النبي وتوقيرهم واحترامهم والاحسان إلى محسنهم والتجاوز عن مسيئهم.. والكتب في ذلك طافحة بمحبتهم واعتقادهم وتوقيرهم اتباعا لأمر الله وأمر رسوله. ومن أبغضهم فهو كافر أو منافق كما ورد في الأحاديث.. وهم الخوارج الذين وردت فيهم الأحاديث الصحيحة وأنهم يمرقون من الدين كما تمرق الرمية من السهم. وأنهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم.. وهم الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم.
 
قال الإمام ابن تيمية في كتابه (فضل أهل البيت وحقوقهم):
(وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح أنه قال: تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفين بالحق. وهذه المارقة هم أهل حروراء (الخوارج). الذين قتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه لما مرقوا من الاسلام، وخرجوا عليه، فكفروه وكفروا سائر المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم.
(وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة أنه وصفهم وأمر بقتالهم فقال:
(يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقرآنه مع قرآنهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الذين يقتلونهم ما لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل).
فقتلهم علي رضي الله عنه وأصحابه. وسر أمير المؤمنين بقتلهم سرورا شديدا وسجد لله شكرا، لما ظهر فيهم علامتهم وهو المخدج اليد، الذي على يده البضعة من اللحم، عليها شعرات، فاتفق جميع الصحابة على استحلال قتالهم. وندم كثير منهم كابن عمر وغيره ألا يكونوا شهدوا قتالهم مع أمير المؤمنين).
وندد ابن تيمية بالذين لا يلعنون الخوارج ولا يبغضونهم ولا يحاربونهم.
موقف أهل السنة من آل البيت النبوي الكريم وأهل السنة على هذا القول الذي قاله الإمام ابن تيمية رحمه الله.
موقف الامام مالك بن أنس (93 - 179 ه‍) (مالك بن أنس بن عامر الأصبحي نسبة إلى أصبح قبيلة من حمير في اليمن).
كان موقف الامام مالك صلبا قويا في تأييده لذرية فاطمة رضي الله عنها.
وهو لم يكتف فقط بلعن الخوارج ومحبة أهل البيت عامة وتوقيرهم، ولكنه وقف موقفا شجاعا جريئا في تأييده لمحمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (1).

(1) محمد النفس الزكية (93 - 145 ه‍) ولد ونشأ بالمدينة. كان يقال له صريح قريش لأن أمه وجداته لم يكن فيهن أم ولد وكن كلهن من قريش، وكان غزير العلم سخيا شجاعا. وقد تمت له البيعة سرا في أواخر العهد الأموي وممن بايعه السفاح والمنصور وكانا من ضمن دعاته.. وكانت الدعوة للرضا من آل محمد، فلما ظهر أبو مسلم الخراساني. نكث محمد بن عبد الله السفاح وأبو جعفر المنصور بيعتهما وقاما بالملك. فلما تولى المنصور طلب البيعة لنفسه من محمد النفس الزكية ووالده وأهله وقبض على والده عبد الله بن الحسن فقتله المنصور واثني عشر من عشيرته. وخرج محمد النفس الزكية على المنصور وبايعه أهل المدينة بالخلافة، ثم انتصر عليه المنصور العباسي وقتله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
قال الامام الطبري في تاريخه (ج 7 / 539، 560): (أخبرنا غير واحد أن مالك بن أنس أستفتي في الخروج مع محمد عبد الله بن الحسن (صاحب النفس الزكية)، وقيل له: إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر فقال: (إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين) فأسرع الناس إلى محمد. ولزم مالك بيته).
وذكر مثله ابن كثير في البداية والنهاية ج 10 / 174 وابن الأثير في (الكامل في التاريخ) وقال عبد الغني الدقر في كتابه الامام مالك بن أنس (1): (فلقد سعي بمالك إلى جعفر بن سليمان بن علي عم أبي جعفر المنصور وقيل له: إنه لا يرى خلافتكم، فغضب، واستشار قاضي المدينة محمد بن عبد العزيز بن عمر، فأشار عليه بضربه، فدعا به، وجرده (من الثياب)، وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلع كتفه، وكان ذلك سنة ست وأربعين ومائة. وفي الانتقاء، سنة أربعين ومائة، ولكنه لم يزل بعد ذلك في رفعة وعلو فكأنما كانت تلك السياط حليا له، ولكنه أوذي في جسده حتى كان يحمل يده اليمنى باليسرى أو بالعكس).
(لقد خشي أوائل الخلفاء العباسيين أن تزلزل ملكهم فتوى مالك، فتوى واحدة، (ليس على مستكره طلاق) فقاموا وقعدوا. وهنا تبرز قوة مالك. أقض مضاجع العباسيين الأول بكلمة، بفتوى، وقد كانوا أمضى قوة من ملوك الأرض، زمنهم.
هنا يظهر سلطان العلم والشرع في مالك. وأنه فوق عظم الخلافة والملك.
ولولا أن الناس تخشى بطش السلطان لطرد السلطان وبقي العالم.
(وفي الحلية (أي حلية الأولياء لأبي نعيم) عن ابن وهب أن مالكا لما ضرب

(1) دار القلم. سلسلة أعلام المسلمين (23) بيروت - دمشق: ص 372 وما بعدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 حلق (شعر رأسه) وحمل على بعير فقيل له: ناد على نفسك: فقال: ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني، فأنا مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، وأنا أقول:
طلاق المكره ليس بشئ. قال: فبلغ جعفر بن سليمان أنه ينادي على نفسه بذلك فقال: أدركوه، أنزلوه).
وكان مالك رضي الله عنه يعتقد أن بيعة المنصور باطلة، وأن صاحبها هو محمد النفس الزكية. وكان المنصور وولاته قد أخذوا الايمان على الناس ببيعته، وكان من تلك الايمان أن تطلق زوجة الرجل إذا هو نكث بيعة المنصور. فقام الامام مالك بإصدار فتواه: (ليس على مكره يمين) وأن (طلاق المكره لا يقع).
فانطلق الناس يبايعون محمد النفس الزكية، وقد كانوا يتحرجون من أيمانهم التي أكرهوا عليها عند مبايعتهم للمنصور. وقال مالك: (ليس على مستكره طلاق).
وخرجت الفتوى وانطلق الناس في المدينة إلى محمد النفس الزكية يبايعونه..
وجن جنون السلطة العباسية فقام والي المدينة جعفر بن سليمان العباسي وضرب مالك ضربا مبرحا وحلق شعره وطاف به على دابة مجللا بالسواد ووجهه إلى ذيل الدابة.
واعتزل مالك الناس بعد فشل ثورة النفس الزكية وبقي في بيته. قال الواقدي: كان مالك يحضر المسجد ويشهد الجمعة والجنائز ويعود المرضى ويجيب الدعوة ويقضي الحقوق زمانا، ثم ترك الجلوس في فناء المسجد، فكان يصلي وينصرف، ثم ترك عيادة المرضى وشهود الجنائز، فكان يأتي أصحابها ويعزيهم، ثم ترك مجالسة الناس ومخالطتهم، والصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم حتى الجمعة، ولا يعزي أحدا ولا يقضي له حقا، فكان يقال له في ذلك فيقول: (ما يتهيأ لكل أحد أن يذكر ما فيه، فاحتمل الناس له كل ذلك حتى مات على ذلك).
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: (ومن وقت خروج محمد بن عبد الله بن حسن لزم مالك بيته فلم يأتي أحدا لا لعزاء ولا لهناء، ولا يخرج لجمعة ولا جماعة، ويقول: ما كل ما يعلم يقال، وليس كل أحد يقدر على الاعتذار).
ويقال أن المنصور لما حج بعد أن استتب له الأمر زار المدينة وأراد أن يظهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 براءته من ضرب الامام مالك فأقاد مالكا من جعفر بن سليمان العباسي (عم المنصور وواليه على المدينة الذي أمر بضرب مالك) فقال مالك: أعوذ بالله، والله ما ارتفع منها سوط على جسمي إلا وأنا أجعله في حل من ذلك لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الذراوردي: سمعته يقول، حين ضربه: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
وهو موقف نبيل من الامام مالك، يتشبه فيه بموقف الحبيب الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم.
وهكذا كان هذا الطود العظيم والعلم الشامخ، منافحا عن آل بيت النبي، فضرب وأهين وخلع كتفه وهو ثابت على ولائه للنفس الزكية حفيد الحسن بن علي وفاطمة بنت محمد رضي الله عن الجميع.
ومع هذا لم يحقد على من ضربه بل عفا عنه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورغم هذا كله فقد عرف عن الامام مالك عزوفه عن السياسة والمشاركة فيها، إلا أنه لم يملك نفسه عندما رأى النفس الزكية قد خرج من أن يشجع الناس بفتواه على الانخراط في ثورته ضد المنصور العباسي، وأن يتحللوا من أيمانهم المغلظة التي أخذها منهم والي المنصور العباس كرها.. فقال قولته المشهورة (ليس على مستكره يمين) وقال: (ليس على مستكره طلاق). وقد كانت تلك الايمان التي أخذها ولاة المنصور، يذكر فيها أن زوجة المرء تطلق إذا هو نكث بيعة المنصور.
ورغم هذه الظروف القاسية والمحنة التي مر بها الامام مالك إلا أنه ثبت لها. ولما انتهت ثورة النفس الزكية بالفشل وقتل هو وأنصاره، وتم الامر للمنصور اعتزل الامام مالك الناس في بيته.. ومع هذا كان يخرج لهم في داره يعلمهم الفقه والحديث.. ويعظ الملوك والولاة. ويأتيه المنصور ويعتذر إليه عما فعله عمه جعفر والي المدينة.. ويقول له: (ضع للناس كتابا أحملهم عليه.. ضعه فما أحد اليوم أعلم منك). ويعتذر مالك عن حمل الناس على كتابه الموطأ. ويموت المنصور والمهدي من بعده، ومالك لا يزال يراجع كتابه الموطأ. حتى إذا أتى الرشيد ذكر لمالك ما قاله جده المنصور فيأبى مالك أن يفرض كتابه على الناس ويقول: إن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
أصحاب رسول الله تفرقوا في البلاد.. وأفتى أهل كل مصر بما وصل لديهم ورأوه. فلا تحمل الناس على الموطأ.
وهكذا كان هذا العلم شامخا في علمه وتواضعه وصبره وحلمه وجهاده.
وكان شديدا في الفتيا وكثيرا ما كان يسأل عن المسألة فيقول: لا أدري. وقد اشتهرت قصة الرجل الذي جاءه من المغرب في مسألة يستفتيه فقال له مالك: لا أدري. فقال الرجل: أتقول لا أدري وأنت أعلم أهل الأرض اليوم وقد جئتك من بلاد بعيدة وسافرت إليك ستة أشهر؟ فقال مالك: إذهب إلى بلادك وقل لهم:
مالك يقول لا أدري.
ولقد استفاد الامام مالك من صحبة الإمام جعفر الصادق. وكان كلا منهما يحب صاحبه ويوقره. قال مالك: (كنت آتي جعفر بن محمد، وكان كثير المزاح والتبسم، فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اخضر واصفر. ولقد اختلفت إليه زمانا، فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال: إما مصليا وإما صائما وإما يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدث عن رسول الله إلا على الطهارة ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان من العلماء الزهاد العباد الذين يخشون الله. وما رأيته قط، إلا يخرج الوسادة من تحته ويجعلها تحتي).
أبو حنيفة النعمان (80 - 151) (النعمان بن ثابت بن زوطي بن تباه الكوفي المولد. فارسي الأب والام. أصله من بلخ (شمال أفغانستان). لقي ستة من الصحابة منهم أنس بن مالك. وسمع من التابعين.
وقد أفاد الامام مالك من الإمام جعفر الصادق ومن أبيه الإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين، رحم الله الجميع.
كان الإمام أبو حنيفة النعمان من أشد الناس حبا لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد تتلمذ الإمام أبو حنيفة لمجموعة من أعلام البيت النبوي منهم الإمام محمد الباقر بن علي زين العابدين (1). وقد ذهب إليه الإمام أبو حنيفة إلى المدينة المنورة

(١) محمد بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب: أبو جعفر الباقر: (٥٧ - ١١٤ ه‍) ولد بالمدينة وتوفي بها. أخذ العلم عن أبيه علي زين العابدين وآل بيته الكرام وبهم تأدب. كان ناسكا عالما زاهدا. سمي بالباقر، من بقر الأرض أو بقر البطن أي شقها، لأنه بقر العلم وأظهر مخبآت كنوز المعارف وحقائق الاحكام. وقد روى ابن المديني عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنهما) أنه قال لمحمد بن علي وهو صغير: رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عليك فقيل له: وكيف ذلك؟ قال:
كنت جالسا عنده والحسين في حجره يلاعبه. فقال صلى الله عليه وسلم يا جابر يولد له مولود اسمه علي، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد فإذا أدركته يا جابر فاقرئه مني السلام. وهو علوي من جهة أبيه وأمه. قال الامام الحداد:
والباقر السجاد خير مهذب العالم الرباني المتورع
،،،،،ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
وأخذ عنه. كما أخذ عن أخيه الامام زيد بن علي لمدة سنتين في العراق. وكان من مناصريه ومؤيديه. وأخذ أبو حنيفة أيضا عن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي كرم الله وجهه وهو والد محمد، المعروف بالنفس الزكية، والذي قام بالثورة ضد المنصور العباسي وناصره الامام مالك حتى عذب فيه وأهين وضرب بالسياط من أجل تشجيعه لأهل المدينة لنقض بيعة المنصور التي أخذت قسرا.
وكان عبد الله بن الحسن كما يقول الشيخ محمد أبو زهرة (1) (محدثا ثقة صدوقا، روى عن التابعين وعن ابن عم أبيه علي زين العابدين، وروى عنه جمع من المحدثين، منهم سفيان الثوري ومالك رضي الله عنه، وكان معظما عند العلماء، وكان عابدا زاهدا وفد على عمر بن عبد العزيز في خلافته فأكرمه...
وتتلمذ عليه أبو حنيفة، وكانت له به مودة خاصة. وقد توفي عبد الله في محبس أبي جعفر المنصور سنة 145 ه‍ وذلك عندما هجم المنصور على المدينة واقتاد عبد الله بن الحسن وأخاه إبراهيم وسجنهما وعذبهما وماتا في السجن انتقاما من ثورة محمد النفس الزكية بن عبد الله بن الحسن.
وكانت صلة الامام أبي حنيفة قوية ووطيدة بالامام زيد بن علي وقد تلقى عنه العلم وقد قال أبو حنيفة لمن سأله عمن تلقى علمه فقال: (كنت في معدن العلم ولزمت فقيها من فقهائهم) (1) يقصد الامام زيد بن علي زين العابدين ابن

(١) محمد أبو زهرة: الامام زيد، حياته وعصره، دار الفكر العربي، القاهرة ص ٣٨.
(٢) تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٣٢٣ كما ينقله عنه أبو زهرة المصدر السابق ص 41.
ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق