الأحد، 10 أكتوبر 2021

لغضب

 

 مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ به تعالي من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه من يهدِ الله فلا مضل له ومن 

  يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاتهِ ولا تموتُن إلا وأنتم مسلمون)(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلُون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا) (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً *يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً) أما بعد:

 الغضب : ذمة ومدحه وأسبابه وعلاجه وخطورته

أولاً : كلمة عامة عن الأخلاق :

الأخلاق هي الصفات الراسخة في الإنسان التي يتعامل بها مع غيره ولا تزال تظهر آثارها بحسب الظروف والوقائع المختلفة ؛ كالشجاعة والتهور والجبن والحِلم والطيش والأناة والعَجَلَة والجود والإسراف . . . إلخ .

فكأن هذه الصفات مخلوقة مع الإنسان لا تفارقه، ومن ثم أُطِلقَ على الصفة : كلمة خُلُق حيث بينها وبين كلمة خَلق اشتقاق أصغر.

 (نفس الأحرف والترتيب مع اختلاف الضبط.خُلُقٌ ـ خَلْقٌ) وكما أن الإنسان يستطيع أن يكتسب بالتدريبات الرياضية عضلات مفتولة مخلوقة، فكذلك يستطيع الإنسان أن يكتسب بالتخلق والتكلف أخلاقاً حتى تصير له سجية ومَلَكَة . 

تعريف الغضب

الغضب هو انفعال وقيل هو تغير يحصل عند غليان دم القلب؛ ليحصل عنه التشفي للصدر. ويشمل التاثير الجسدي للغضب زيادة في معدل ضربات القلب وضغط الدم، ومستويات الادرينالين والنورادرينالين. بعضهم وضح الغضب كجزء من شجار أو حركة استجابة سريعة من المخ لتهديد محتمل من الضرر. ... يمكن أن يؤدي الغضب إلى أشياء كثيرة جسديا وعقليا.
 
 

مفهوم الغضب

إنّ الغضب في اللغة هو مصدر الفعل غضِب، ويُقال للرجل غضبان أمّا المرأة فهي غضبى، وهو نقيض الرضا، ويُطلق عادةً على الانفعال والغيظ،[١] وقد بيّن ابن فارس أنّ الجذر الثلاثي لكلمة الغضب يدلّ على الشدّة والقوّة، وأصل اشتقاقه من كلمة غضبة وهي الصخرة، حيث إنّ الغضب هو اشتداد السخط، أمّا المعنى الاصطلاحي للغضب فقد عرّفه الجرجاني بأنّه: "تغيّر يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التّشفي للصدر"، كما عرّفه الراغب الأصفهاني بأنّه: "ثوران القلب إرادة الانتقام"، أمّا الغزالي فقد قال بأنّ الغضب هو: "غليان دم القلب بطلب الانتقام"، فهذه المعاني جميعها متقاربة ولكنّ الغضب أنواع فهناك صنف من الناس ليس لديهم حميّة ولا يتملكهم شعور الغضب مهما كان السبب عظيمًا؛ فهذا هو التفريط أمّا الإفراط فيمثل الصنف الذي يغضب ويثور لأتفه الأسباب، كما أنّ الغضب منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود وهو ما سيّتم بيانه في هذا المقال.[٢]

 ا

أنا غاضب! متى تقولها؟ 

متى تشعر بها؟

 ماذا تفعل عندما تغضب؟ 

 هل تحاول عادةً تفادي الغضب؟

 هل تنزعج من غضب الآخرين؟ 

هل تشعر أثناء الغضب بأنك ترتكب خطأ ما؟

 هل تغضب سريعاً ومن دون أسباب وجيهة؟ 

هل تفكر عندها وتتريث قبل القيام بأي رد فعل كان؟ 

هل تصمت وتنعزل؟

 هل تغضب من الانتقادات التي توجه إليك، حتى تلك التي تدرك أنها في محلها؟ هل تدعي الغضب؟

 هل تبتز الآخرين به لتصل إلى مرادك؟

 هل تحب المشاعر التي ترافق غضبك؟ 

هل يعتبرك الآخرون شديد الحساسية وتنزعج بسهولة؟

 هل تفقد السيطرة على أعصابك ولا تتحكم بأي من أفعالك؟

 هل تشعر بغضب دائم؟

 هل تشعر بالغضب وأنت تدافع عن مبادئك وقناعاتك؟

 هل تعتبر دوماً أنك على حق؟ 

هل يستمر غضبك طويلاً؟ 

هل يصعب عليك مسامحة الآخرين؟

 وهل تحقد على الأشخاص الذين يؤذونك؟

أسئلة لا تتردد في طرحها على نفسك حتى تفهم أكثر طبيعة غضبك وما يعكسه من معالم شخصيتك. بعد أن تقوم بذلك، ستتمكن بسهولة أكبر من تحديد الفئة التي تنتمي إليها من بين الخيارات التي سنتطرق لها، إذ غالباً ما يكون غضبنا مغلفاً بطبيعة ما، فإما يكون غضباً مقنعاً، أو متفجراً، مزمناً أو ببساطة يحمل سمات عدة مشتركة من مختلف أنواع الغضب.

انواع الغضب

أولاً- الغضب المقنّع وينقسم هذا النوع إلى قسمين هما:

  • الغضب المكبوت: ويُسمى هذا النوع من الغضب أيضاً بالغضب الداخلي، أي أنّ الشخص يقوم بإخفاء غضبه عن الناس وكبتهِ في داخلهِ، وذلك لكي لا يتلقى الملاحظات السلبيّة من الغير، أو لأنّه يخشى من غضب الآخرين عليهِ أيضاً.
  • الغضب الإرتيابي: وهو الغضب الذي يحمله الشخص في داخلهِ طوال الوقت، وذلك لعدة أسباب أهمها شعورهُ الدّائم بعدم الرضى عن محيطه، وبأنّ كل الناس تُدبّر له المكائد ولا تريد له الخير، إذن فإنّ أصحاب الغضب الإرتيابي يستخدمون الغضب كسلاحٍ قوي للدفاع عن النفس في أوقات الحاجة والضرورة.

 

ثانيّاً- الغضب المُتفجّر وينقسم هذا النوع إلى قسمين هما:

  • الغضب المفاجئ: وهو الغضب الذي يأتي بشكلٍ مفاجئ وعاصف وفي وقت غير متوقع، ولكن سرعان ما يزول وينتهي، والشخص الذي يُعاني من مشكلة الغضب المفاجئ هو شخص يُعبر عن مايزعجهُ بسرعة كبيرة ويرتاح بشكل مباشر بمجرد أن أخرج كل ما يُزعجهُ من داخلهِ، ولكن في أغلب الأحيان يترك هذا النوع من الغضب العديد من الآثار السلبيّة للإنسان.
  • الغضب المبالغ فيه: ويُسمى هذا النوع من الغضب بالغضب المدروس أي أن صاحبه يعرف تماماً متى يُظهر هذا الغضب ومتى يُخفيه، أي أنُهُ يستخدمه فقط عندما يُريد تحقيق غاية معينة أو الحصول على شيء ما، وبمجرد حصولهِ على مايريد فإنّ هذا الغضب يزول وكأنّ شيئاً لم يكن، وعادةً ما يكون هذا النوع من الغضب موجود عند الأشخاص الذين يُحبون السيطرة والإستملاك.

ثالثاً- الغضب المزمن وينقسم هذا النوع إلى قسمين هما:

  • الغضب الإعتيادي: وهو نوع من الغضب الملازم للإنسان والذي لايستطيع التخلص منه مهما حاول، لذلك فإنّ الشخص الذي يُعاني من الغضب الإعتيادي دائماً مانجده يصرخ ويغضب لأسباب تافهة ولا تتطلب الغضب، لذلك فهم يشعرون دائماً بتأنيب الضمير بسبب انفعالاتهم هذه.
  • الغضب الحاقد: وهو من أخطر أنواع الغضب الذي الإنسان، حيث أنّ صاحب هذا النوع من الغضب يحمل في قلبهِ شتى أنواع الحقد والضغينة، ولا ينسى أي إساءة وجهت إليه، لذلك كثيراً ما يدفعه غضبه إلى التخطيط الدّائم للانتقام من كل مايزعجه أو يُسيئ له.


- غضب مكبوت
يكبت كثيرون غضبهم لأنهم يخشون منه ومن غضب الآخرين. يعتبرون أنه سيظهر جوانب بشعة من شخصيتهم فيخفونه، ربما لأنهم لطالما سمعوا منذ الصغر أنه من الخطأ أن نغضب، وأن الأشخاص الهادئين هم أكثر لطفاً، لذا يسيرون وفق مبدأ "تحاشى الغضب لكي يحبك الناس". يرتاح هؤلاء الأشخاص بوضعهم هذا ويشعرون بأنهم أناس جيدون، إلا أن كبتهم لمشاعرهم يجعلهم لا يدركون إشارة الخطر التي تنبئ بأن أمراً ما لا يسير على ما يرام، فلا يقومون بالخطوات المناسبة لحماية أنفسهم من الانتهاكات.

- غضب ارتيابي
يحملون الكثير من الغضب في داخلهم، لا لشيء سوى لكونهم يشعرون بأنهم مهددون دوماً من الآخرين وأن الآخرين لا يريدون لهم الخير. ينتابهم الشك باستمرار من دون أي أسباب مقنعة، وريبتهم تلك تجعلهم في غضب دائم، يكون في نظرهم رد فعل مبرراً على انتهاكات الآخرين. إنه غطاء يستخدمونه لشرعنة عدم شعورهم بالرضى. غضبهم هذا يصبح في رأيهم دفاعياً، فهو نتيجة ما يحملونه من غضب في داخلهم.

الغضب المتفجر

- غضب مفاجئ
يأتي غضب بعض الناس كعاصفة سريعة ومفاجئة غير متوقعة أبداً. ينفجرون بلمحة بصر ويتلاشى غضبهم بسرعة غريبة. فورتهم تلك تكون سطحية ولا تعبر عن عمق وقوة في المشاعر التي يحملها الغاضب، فهو يعبر بسرعة عما يزعجه وبالتالي يرتاح وتتلاشى آثار الانزعاج بسرعة، لكن النتائج على الآخرين تكون سلبية في غالبية الأحيان، فهم الذين يتحملون النتائج.

- غضب مبالغ به
بعض الأشخاص يعرفون متى يغضبون ومتى يمتنعون عن ذلك، وغالباً ما يكون غضبهم مدروساً. المشاعر التي يظهرونها لا تكون بالقوة التي تبدو عليها، لكنهم يستخدمونها كوسيلة للحصول على ما يريدون. كم مرة صادفنا أشخاصاً غضبوا بقسوة لأنهم لم يحصلوا على شيء ما أرادوه وفي اللحظة عينها التي حصلوا فيها عليه تلاشى غضبهم هذا بلحظة واحدة وكأن شيئاً لم يكن؟ غالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص محبين للسيطرة ويرغبون في امتلاك القليل من السلطة ولكن استراتجيتهم تلك قد تصلح في المرحلة الأولى ولكن ما يلبث أن يتلاشى تأثيرها مع الوقت.

- إدمان الغضب
يحتاج البعض بشدة إلى مشاعر قوية يوفرها الغضب، لتلك الدفعة من الأدرينالين التي تساعدهم على الاستمرار. هم في حالة دائمة من عدم الرضى ويعبرون عن ذلك في الانفجار من حين إلى آخر أمام أول شخص يمر أمامهم. يصرون على تأمين حاجتهم تلك بمنأى عن كل المشاكل التي قد تنتج عنها.

الغضب المزمن

- الغضب الاعتيادي
هناك أشخاص يعتادون على الغضب بسرعة ولا يستطيعون التوقف عنه حتى لو أرادوا ذلك ولو شعروا بأن لا جدوى منه ولا ضرورة له. يغضبون أحياناً من تفاصيل لا يلتفت إليها الآخرون ولا يتوقف عندها أحد. ينامون أحياناً منزعجين مع أنهم يؤنبون أنفسهم على ذلك.

- الغضب المبدئي
يتأثر البعض كثيراً بطريقة سير العالم وتزعجهم المشاكل التي تعاني منها البشرية. يملكون دوماً قضيةً ما يغضبون لأجلها، وبينما يعتاد الآخرون على الأمر ويتعاملون معه كواقع، إلا أنه يؤثر بشكل كبير في أصحاب تلك المبادئ. في بالهم، غالباً ما يجول شرير يفرغون فيه غضبهم ولو بشكل وهمي.

- الحقد
في حين يتمكن الكثير من الأشخاص من نسيان الأذى الذي تعرضوا له ومسامحة من تسبب لهم به، يعجز البعض الآخر عن القيام بذلك وتبقى ضغينتهم مشتعلة إلى أجل غير مسمى. يعتبرون أنفسهم الضحية وقد يخططون أحياناً للانتقام أو يقطعون علاقتهم نهائياً بالمسبب، الذي يبقى في نظرهم مصدراً للغضب.

الغضب السليم

قد نملك كلنا إحدى أو بعض السمات التي ذكرناها سابقاً، إلا أننا يجب أن نلتفت جيداً إلى كون الغضب طاقة قد تكون إيجابية إذا ما أحسنا استخدامها، وسلبية ما لم نعرف كيف ومتى نوجهها. هذه الطاقة هي جزء طبيعي من حياتنا ولا يمكننا التغاضي عنها، لأنها المنبه الذي ينبئنا بما قد يؤذينا وبالتالي يحمينا. الأمثل أن نعرف كيف نخرج غضبنا بطاقة إيجابية لا بهدف إخراجه فحسب بل للوصول إلى حلول من خلال تصرفنا هذا ولجعل الآخر يدرك المغزى من غضبنا من دون أن نؤذيه.

ما هو الغضب المحمود والمذموم

إنّ الغضب هو إحدى الانفعالات الإنسانية التي يختلف تصنيفها باختلاف أسبابها وطريقة التعبير عنها، فالغضب المحمود هو ما يكون لله -عزّ وجلّ- ومضبوطًا بالقرآن الكريم والأحكام الشرعية، فلا يتضمّن هذا الغضب منكر بحجة كونه لله وبسبب انتهاك حرماته، فالمسلم لا يسكت عن المنكر ويُظهر غضبه بالقدر المناسب والطريقة الحسنة، فالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- قد غضب لله ولكنّ غضبه هذا لم يخرجه عن المنهج القرآني المستقيم فهو خير البشر وأخلاقه ما هي إلّا تطبيق عملي للقرآن الكريم والتزام بأحكامه، كما كان يسأل الله كلمة الحق في الغضب والرضا، ومن الهدي النبوي في إظهار الغضب المحمود الابتعاد عن الكلام الفاحش والبذيء فالأخلاق الإسلامية تتنافى مع قول الكلمات البذيئة وتلتزم الكلام الطيّب في كلّ الأحوال وجميع الظروف.[٣]

كما أنّ الغضب المحمود أنواع ومنه الغضب لحماية الدين، والغضب لسماع ما يكره الله عزّ وجلّ، والغضب لرؤية ما يكره الله، والغضب عند العلم بما يغضب الله، والغضب لحماية النفس من القتل والمال من السرقة والعرض من الانتهاك، وجميع ما ذُكر من أنواع يجب أن يُضبط بالقرآن الكريم والسنّة المطهرة ووفقًا للمناهج الإسلامية المستقيمة في التعبير عن الانفعالات وإظهارها، وذلك من خلال الابتعاد عن السب والشتم والاستهزاء والسخرية بحجة الغضب والقول بلا علم ولا معرفة، وقد أمر الله -عزّ وجلّ- بقتال الأعداء والشدّة عليهم، حيث قال في سورة التوبة: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ* وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}،[٤] فغضب المسلمين على أعدائهم في ساحات القتال والجهاد من الغضب المحمود، كما حثّ الإسلام على حماية العرض والنفس والمال وبيّن رسول الله أنّ هذا الجهاد والدفاع هو في سبيل الله وأنّ المسلم إذا قُتل وهو في حالة الدفاع هذه فإنّه في زمرة الشهداء بإذن الله تعالى.[٣]

وقد قالت السيدة عائشة: "ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ، إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"،[٥] كما غضب رسول الله عند سماع ما يكرهه الله سبحانه من اللعن والسب والشتم، وفي الحديث: "بيْنَما رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ علَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذلكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: خُذُوا ما عَلَيْهَا وَدَعُوهَا، فإنَّهَا مَلْعُونَةٌ"،[٦] فرسول الله هو خير مثال وقدوة يقتدي به المسلم في كلّ أحواله وشؤونه.[٣]

ومن غضب رسول الله عند علمه ما يكرهه الله تعالى؛ غضبه عندما سمع أنّ أحد الصحابة يُطيل الصلاة بالمسلمين فيشقّ ذلك عليهم، حيث قال أبو مسعود الأنصاري: "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: إنِّي لأَتَأَخَّرُ عن صَلَاةِ الصُّبْحِ مِن أجْلِ فُلَانٍ، ممَّا يُطِيلُ بنَا فَما رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غَضِبَ في مَوْعِظَةٍ قَطُّ أشَدَّ ممَّا غَضِبَ يَومَئذٍ فَقالَ: يا أيُّها النَّاسُ إنَّ مِنكُم مُنَفِّرِينَ، فأيُّكُمْ أمَّ النَّاسَ، فَلْيُوجِزْ فإنَّ مِن ورَائِهِ الكَبِيرَ، والضَّعِيفَ وذَا الحَاجَةِ"،[٧] فبيّن رسول الله الحكم وأنكر الفعل دون أن يتطرّق إلى اسم الفاعل وشخصه.[٣]

أمّا الغضب المذموم فهو الغضب للخلق ولانتصار للنفس وليس للحق ولدين الله، وهو أنواع ومنه الغضب للنفس والغضب للعصبية والغضب للحمية والغضب للدين بما يُخالف التعاليم الإسلامية، والغضب غيرةً لله ولكن مع حصول المخالفة للقرآن والسنة والغضب للعاطفة، فرسول الله لم يكن ينتقم لنفسه ويغضب لمصلحته وإنّما كان يغضب للحق وبالحق، كما نهى عن القتال بدافع العصبية والانتصار للقبيلة حيث قال: "مَن قاتَلَ تَحْتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أوْ يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ، أوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ"،[٨] كما أنّ الحمية التي تجعل الإنسان في مواجهة الحق وأهله منهيّ عنها وجاءت في معرض الذم في القرآن الكريم؛ حيث قال تعالى في سورة الفتح: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}،[٩] فالمسلم لا ينتصر للظالمين ولا يُحارب أهل الحق بحجة القرابة وبسبب التمسك بالعادات والتقاليد.[١٠]

كما يجب على المسلم أن يعلم ما يقول عند غضبه فلا يُطلق الأحكام بلا علم وعن غير هدى، وفي الحديث: "أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، أوْ كما قالَ"،[١١] فتعدّي هذا الرجل بإطلاق الحكم قد أغضب الله تعالى، وفي هذا السياق يقول عطاء بن أبي رباح: "مَا أَبْكَى العَالِمَ كَغَضْبَةٍ؛ غَضِبَهَا أَحْبَطَتْ عَلَيْهِ عَمَلَ خَمْسِيْنَ سَنَةً"، فالغضب غير المدروس والذي يكون مخالف للشريعة قد يُحبط العمل ويبطله، كما لا يجوز للمسلم أن يستحل من الكفّار والعصاة ما لا يجوز له بحجة الغضب لله، فالحرام يبقى حرامًا في الغضب والرضا والأنفس والأموال والأعراض مصونة ومحفوظة من الانتهاك والتعدّي بغير الحق.[١٠]

حكم الغضب في الإسلام

إنّ حكم الغضب في الإسلام راجع لنوع الغضب، فالغضب المحمود مطلوب شرعًا وصاحبه مثاب ومجزيّ بغضبه، فمن الواجب الغضب عند رؤية حرمات الله تُنتهك، ومن الإثم أن لا يُحرّك الإنسان ساكنًا ولا يقوم بإنكار المنكر عند رؤيته له ومعرفته به، فالمسلم يعمل على إنكار المنكر ويغضب لمشاهدته إذا علم أنّ إنكاره هذا لن يؤدي إلى منكرٍ أكبر منه، وقد حثّ الإسلام على التغيير وبيّن أنّ عدم الإقدام على إزالة المنكرات هو من ضعف الإيمان، أمّا الغضب المحمود فهو دليلٌ على قوّة الإيمان وثباته في النفس الإنسانية، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ"،[١٢] فالغضب المحمود يحفظ حدود الله ويقي من الفساد الذي بسببه استحقّت الأقوام السابقة العقوبات الإلهية، فقد بيّن الله -عزّ وجلّ- في كتابه العزيز أنّ وجود أهل الصلاح في الأمم هو أحد أسباب بقائها فهم الأمرون بالمعروف الناهون عن المنكر الحافظون لحدود الله العاملون على الحد من الرذائل والبدع وجميع الشرور والآفات المجتمعية الخطيرة.[١٣]

أمّا الغضب المذموم فقد جاء في معرض الذم والنهي فهو خلق سيئ ويعمل على إخراج العقل عن حدوده، فلا يبقى للإنسان نظرٌ ولا فكرٌ ولا تدبّر ويرتكب الحماقات ويقع في المعاصي والذنوب دون أن يُدرك ذلك،[١٤] ومن طُرق علاج هذا النوع من الغضب الابتعاد عن أسبابه؛ أي أنّ المسلم إذا لمس من نفسه أنّه يغضب بسبب أمرٍ ما وغضبه هذا من النوع المذموم فيجب عليه أن يبتعد عن هذه الأمور التي تسبب له الغضب وتخرجه عن طوره، كما أنّ التزام الإرشادات النبوية عند الغضب كالوضوء وتغيير وضعية الجلوس والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم يُعالج الغضب ويُخفّف من آثاره السيئة، بالإضافة إلى توطين النفس على التحمّل والصبر واستحضار جزيل الأجر والثواب الذي أعدّه الله لعباده الصابرين والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس غير المنتصرين لأنفسهم بسبب الأغراض الدنيوية والأمور المادية.[١٥]

مواضع النهي عن الغضب في الكتاب والسنة

إنّ النهي عن الغضب المذموم وسرعة الانفعال قد جاء في الكثير من النصوص الشرعية، كما امتدح الله -عزّ وجلّ- عباده الذين يكظمون غيظهم ولا يُظهرون غضبهم، حيث قال تعالى في سورة آل عمران: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}،[١٦] كما أثنى على أهل المغفرة بعد الغضب حيث قال: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}،[١٧][١٨] وفيما يأتي ذكرٌ لبعض الأحاديث النبوية في النهي عن الغضب:[١٩]

  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ".[٢٠]
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ".[٢١]

أقوال العلماء والسلف في الغضب

إنّ علماء المسلمين وسلفهم الصالح هم منارات هدى فكلامهم وأقوالهم ممّا يعين على الحق ويدعو إلى حُسن الخلق، ولهم في الغضب أقوالٌ نافعة من التزمها وعمل بها حاز شرفًا وحصّل مجدًا، وفيما يأتي بعضٌ من أقوالهم في هذا السياق:[٢٢]

  • قال عمر بن عبد العزيز: "قد أفلح من عُصِم من الهوى والغضب والطمع".
  • قال الحسن البصري: "أربعٌ من كُنّ فيه عصمه الله من الشيطان وحرّمه على النار: من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب".
  • قال ميمون بن مهران: "جاء رجلٌ إلى سلمان، فقال: يا أبا عبد الله أوصني، قال: لا تغضب، قال: أمرتني أن لا أغضب وإنَّه ليغشاني ما لا أملِك، قال: فإن غضبت فاملِك لسانك ويدك".

أثر الغضب على الفرد والمجتمع

إنّ للغضب آثار سلبية على الفرد والمجتمع، فالإنسان سريع الغضب قد يكون خلقه سيئ ومعاملته مزعجة، فالغضب يؤثر في قلب الإنسان الغاضب ولسانه وجوارحه، كما أنّه يؤثر على المجتمع والبيئة المحيطة به، فمن آثاره على القلب زرع الحقد والحسد والكراهية والبغضاء وإضمار الشر والسوء للمغضوب عليه، ومن آثاره على اللسان: أنّ الغاضب قد يلجأ إلى السبّ والشتم وقول الكلام الفاحش والبذيء كي يُرضي نفسه وينتقم لغضبه ويُهدأ من ثورته كما يمكن أن يستهزأ ويعيب المغضوب عليه فيدخل بمخالفات ونواهٍ شرعية خطيرة، أمّا آثاره على الجوارح فتكون من خلال اللجوء أحيانًا إلى الضرب والقتل والتعذيب والتصرفات غير الواعية التي يكون فيها ظلم لأقرب الناس كالزوجة والأبناء، أمّا آثار الغضب على المجتمع ففيما يأتي بيانٌ لها ولمخاطرها:[٢٣]

  • الخصومة والمنازعة والعداء بين أفراد المجتمع الواحد ممّا يؤدي لحصول التفكّك والشقاق والضعف.
  • تفشي العداوة وظهور البغض والكراهية بين الأفراد وزوال قيم المحبة والتعاون والتآخي فيما بينهم.
  • التمزق والشتات والقلق والاضطراب لأنّ المجتمع الذي يحقد أفراده على بعضهم البعض هو مجتمع مشتت وعُرضة للاضطراب والتمزّق.
  • الخروج عن الآداب العامة المتمثلة بالأخلاق القويمة؛ لأنّ الغاضب قد يُسي لغيره بالقول أو بالفعل فيرّد الآخر بالمثل؛ ويقوم بشتمه أو ضربه وغير ذلك من الأفعال الشائنة التي يجب أن يرتقي أفراد المجتمع الإسلامي عن فعلها
  •  
أنواع الغضب يمكن تصنيف الغضب إلى أربعة أنواع تختلف وفقاً لمسببات الغضب، والحالة النفسيّة للإنسان، وهيَ كما يلي:[٣] الغضب المبرر: (بالإنجليزية: Justifiable Anger)؛ وهو غضب أخلاقي ناتج عن الشعور بالظلم، كالمشاعر التي تظهر بسبب قمع حقوق الإنسان، أو العنف في المجتمع وغيرها، حيث يمكن توجيه هذه العاطفة لتحدث تغييراً إيجابياً، إلا أنّ بقاؤها لفترة طويلة يحرم الإنسان من الراحة النفسية، وتُسبب له المعاناة. غضب الإنزعاج: (بالإنجليزية: Annoyance Anger)؛ هو أكثر أنواع الغضب شيوعاً، ويحدث نتيجة التعرض للإحباط، والمواقف المزعجة المختلفة في الحياة اليومية، كالشعور بالغضب بسبب مدير العمل، أو شريك الحياة، وغير ذلك، وغالباً ما ينتج هذا الغضب بسبب التركيز على الجوانب السلبية في المواقف اليومية. الغضب العدواني: (بالإنجليزية: Aggressive Anger)؛ هو نوع مدمّر من أنواع الغضب يحدث نتيجة رغبة الإنسان بالسيطرة على الآخرين، أو تخويفهم، أو التلاعب بهم، ويجدر الذكر أنّ الغضب العداوني المتكرر يتحوّل ليُصبح تنمراً على الآخرين، فيُعرضهم للقمع، والعنف النفسيّ، وغالباً يغضب الأشخاص بهذه الطريقة لإخفاء مشاعر كالضعف، والخوف، أو لإخفاء عيوبهم عبر فرض سيطرتهم على الآخرين. نوبات الغضب المزاجيّة: (بالإنجليزية: Temper Tantrums)؛ وهو الغضب الناتج عن عدم تلبية احتياجات الفرد الأنانية، والتي تكون غير معقولة، أو غير مناسبة، وغالباً ما يبدأ هذا النوع من الغضب بالظهور في مرحلة الطفولة، فيشرع الطفل بالغضب عندما لا يُلبّي البالغون طلباته، وتؤثر نوبات الغضب المزاجية المزمنة سلباً على قدرة الشخص على تكوين علاقاتٍ صحية وناجحة مع الآخرين.

إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B6%D8%A8
 
أنواع الغضب يمكن تصنيف الغضب إلى أربعة أنواع تختلف وفقاً لمسببات الغضب، والحالة النفسيّة للإنسان، وهيَ كما يلي:[٣] الغضب المبرر: (بالإنجليزية: Justifiable Anger)؛ وهو غضب أخلاقي ناتج عن الشعور بالظلم، كالمشاعر التي تظهر بسبب قمع حقوق الإنسان، أو العنف في المجتمع وغيرها، حيث يمكن توجيه هذه العاطفة لتحدث تغييراً إيجابياً، إلا أنّ بقاؤها لفترة طويلة يحرم الإنسان من الراحة النفسية، وتُسبب له المعاناة. غضب الإنزعاج: (بالإنجليزية: Annoyance Anger)؛ هو أكثر أنواع الغضب شيوعاً، ويحدث نتيجة التعرض للإحباط، والمواقف المزعجة المختلفة في الحياة اليومية، كالشعور بالغضب بسبب مدير العمل، أو شريك الحياة، وغير ذلك، وغالباً ما ينتج هذا الغضب بسبب التركيز على الجوانب السلبية في المواقف اليومية. الغضب العدواني: (بالإنجليزية: Aggressive Anger)؛ هو نوع مدمّر من أنواع الغضب يحدث نتيجة رغبة الإنسان بالسيطرة على الآخرين، أو تخويفهم، أو التلاعب بهم، ويجدر الذكر أنّ الغضب العداوني المتكرر يتحوّل ليُصبح تنمراً على الآخرين، فيُعرضهم للقمع، والعنف النفسيّ، وغالباً يغضب الأشخاص بهذه الطريقة لإخفاء مشاعر كالضعف، والخوف، أو لإخفاء عيوبهم عبر فرض سيطرتهم على الآخرين. نوبات الغضب المزاجيّة: (بالإنجليزية: Temper Tantrums)؛ وهو الغضب الناتج عن عدم تلبية احتياجات الفرد الأنانية، والتي تكون غير معقولة، أو غير مناسبة، وغالباً ما يبدأ هذا النوع من الغضب بالظهور في مرحلة الطفولة، فيشرع الطفل بالغضب عندما لا يُلبّي البالغون طلباته، وتؤثر نوبات الغضب المزاجية المزمنة سلباً على قدرة الشخص على تكوين علاقاتٍ صحية وناجحة مع الآخرين.

إقرأ المزيد على موضوع.كوم: https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B6%D8%A8

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق