التمسوا القدر في ليلة القدر
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه، الحمد لله عدد خلقه ورِضا نفسه وزِنَةَ عرشه ومِداد كلماته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يصطفي من الملائكة رُسُلًا ومن الناس، ويصطفي من الأماكن أطهرَها ومن الزمان أفضلَه، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وصفيُّه من خلقه وخليله، سيِّد الأولين والآخرين، وإمام المتقين.
• إنَّنا نعيش في هذه الأيام المباركات نَفحة وبداخلها نفحات كثيرة؛ فالنفحة الكُبرى والمِنَّة العُظمى هي شهر رمضان، وبداخله الرحمات والنفحات التي يجب على كلِّ مسلم لَبيب أن يتعرَّض لها؛ عسى أن يُرزق القبول والعِتق من النيران؛ ومن بين هذه النَّفحات هذه الليلةُ المباركة التي هي خَير من ألف شهر، ألا وهي ليلة القدر.
تأتينا ليلة القدر هذا العام وجسد الأمة قد أُنهك ومُزِّق، تأتينا وحالنا كحال الأغنام في الليلة الممطِرة، وكحال الأيتام على موائد اللِّئام، تأتينا وقد تداعَت علينا الأمم كما تَداعى الأكلة على قَصعتها، ندعو اللهَ عزَّ وجل أن تكون ليلتنا هذه علاجًا لهذه النكبات، وتضميدًا لهذه الجروح، وتطييبًا لهذه النفوس.
• قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5].
أولًا: سبب نزول سورة القدر:
• عن مجاهد قال: ذَكر النَّبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألفَ شهر، فتعجَّب المسلمون من ذلك، فأنزل الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 1 - 3]، قال: ((خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل))[1].
ثانيًا: سبب تسمية الليلة بـ "ليلة القدر":
• لقد سمِّيَت هذه الليلة المباركة بليلة القدر؛ وذلك لأمور عدَّة، نذكر منها:
1- لأنه نزَل فيها كتابٌ ذو قَدر، بواسطة ملَكٍ ذي قَدر، على رسول ذي قدر، لأمَّةٍ ذات قدر.
2- وقيل: لأنه مَن أتى فيها بفعل الطَّاعات، صار ذا قَدر وشرَف عند الله تبارك وتعالى.
3- وقيل: سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّه في هذه الليلة يُفصَل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السَّنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها؛ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: "أن الله يقدر فيها ويقضي ما يكون في تلك السَّنة من مطر ورِزق، وإحياءٍ وإماتة، إلى السَّنة القابلة"؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 3، 4]، والمراد من التقدير: إظهاره تبارك وتعالى ذلك للملائكة عليهم السلام المأمورين بالحوادث الكونية، والمعنيين بشؤون الخلق، وإلا فتقديره تعالى بجميع الأشياء أزَلي قَبل خلق السموات والأرض.
4- وقيل: المراد بها التعظيم، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الأنعام: 91].
5- وقيل: (ليلة القَدر) تعني: ليلة الضِّيق، قاله الخليل بن أحمد مستدلًّا بقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾ [الطلاق: 7]؛ أي: ضُيِّقَ، وسُمِّيت بذلك لأنَّ الأرض تَضيق بها الملائكة النازلة إليها في تلك الليلة، ونزول الملائكة كله خير وبرَكة، وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإنَّ الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثَر من عدَد الحصى))؛ (رواه أحمد عن قتادة).
• وليس هناك ما يَمنع أن يكون معنى ليلة القدر مُتضمنًا لكلِّ هذه المعاني؛ فهي الليلة ذات الشرف والقَدر؛ لِما حدث فيها من تنزُّل القرآن الكريم، ولِما يتنزَّل فيها ملائكة الله الأكرمين، ولِما يُظهر الله فيها لملائكته ما قدَّره في شأن العباد أجمعين لعامهم الجديد...، والله أعلى وأعلم.
ثالثًا: علامات ليلة القدر:
إنَّ هذه العلامات بشارة لِمن أحيا هذه الليلة، وهناك علامات أخرى لكنها لا تَثبت، مثل: أنه لا تَنبح فيها الكلاب، ولا يُرمى فيها بنجم، أو أن ينزل فيها مطر؛ ومن هذه العلامات:
1- قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة.
2- سكون الرِّياح واعتدال الجوِّ.
3- طُمأنينة القلب وانشِراح الصدر.
4- الشعور بلذَّة العبادة في هذه الليلة عن غيرها.
5- قد يراها العبد في المنام؛ كما كان يحدث لبعض الصحابة.
6- الشمس تطلع في صَبيحتها ليس لها شُعاع، والسماء صافية ليست كباقي الأيام.
• عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه أنه قال: "أخبَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها تَطلع يومئذٍ لا شعاع لها"؛ (رواه مسلم).
• عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: ((ليلة سمحة طلقة، لا حارَّة ولا باردة، وتصبح شمس صبيحتها ضَعيفة حمراء))؛ (أخرجه الطيالسي).
• عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنِّي رأيتُ ليلة القدر فأُنسيتُها، وهي في العشر الأواخر من لياليها، وهي طلقة بلجة[2]، لا حارَّة ولا باردة، كأنَّ فيها قمرًا، لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها)).
• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى))؛ (رواه ابن خزيمة، وحسَّن إسناده الألباني).
• وليلة القدر ليست خاصَّة بهذه الأمَّة، بل هي عامَّة لهذه الأمَّة، وللأمم السابقة كلها، وفي حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، هل تكون ليلة القدر مع الأنبياء، فإذا ماتوا رُفِعَت، قال عليه الصلاة والسلام: ((بل هي إلى يوم القيامة))؛ (خرَّجه أحمد وغيره، وهو صحيح).
• وكل هذه العلامات لا تُعطي يقينًا بها، ولا يمكن أن تَطَّرد؛ لأن ليلة القدر في بلاد مختلفة في مناخها، وفي فصول مختلفة أيضًا، وقد يوجد في بلاد المسلمين بلَد لا ينقطع عنه المطَر، وآخر يصلِّي أهله صلاةَ الاستسقاء مما يعاني من المَحْل، وتختلف البلاد في الحرارة والبرودة، وظهور الشمس وغيابها، وقوَّة شعاعها وضعفه، فهيهات أن تتَّفق العلامات في كلِّ أقطار الدنيا.
رابعًا: فضل ليلة القدر:
يا لها من ليلة وقتها قصير وخيرها وفير! مَن أدركها كُتب من الفائزين، ومن ضيَّعها كُتب من الخاسرين الهالكين.
1) عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه))؛ (أخرجه الشيخان).
2) روي في الحديث الصَّحيح في فضائل رمضان قال صلى الله عليه وسلم: ((فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، مَن حُرِمَ خيرَها فقد حُرم))؛ (أخرجه أحمد والنسائي).
3) قال سفيان الثوري: بلغني عن مجاهد ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3] قال: عملها وصيامها وقيامها خيرٌ من ألف شهر، وعن مجاهد: ليلة القدر خير من ألف شَهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر، وقال عمرو بن قيس: عملٌ فيها خير من ألف شهر؛ وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر هو اختيار ابن جرير، وهو الصَّواب؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: ((رِباط ليلة في سَبيل الله خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل))؛ (أخرجه أحمد).
4) روى ابن أبي حاتم عن مجاهد أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلًا من بني إسرائيل لبس السلاحَ في سبيل الله ألف شهر، قال: فعجب المسلمون من ذلك، قال: فأنزل الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ [القدر: 1 - 5]، التي لبس ذلك الرَّجل السلاحَ في سبيل الله ألف شهر؛ (أخرجه ابن أبي حاتم).
5)
روى ابن جرير عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يُصبح،
ثم يجاهد العدوَّ بالنَّهار حتى يُمسي، ففعل ذلك ألفَ شهر، فأنزل الله هذه
الآية: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3] قيام تِلك الليلة، خيرٌ من عمَل ذلك الرجل؛ (أخرجه ابن جرير عن مجاهد موقوفًا).
خامسًا: تحرِّي ليلة القدر:
عن أبي سلمة رضي الله عنه قال: "انطلقتُ إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقلت: ألا تَخرج بنا إلى الَّنخل نتحدَّث، فخرج فقال: قلتُ: حدِّثني ما سمعتَ من النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر؟ قال: اعتكف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: ((إنَّ الذي تَطلب أمامك))، فاعتكف العشرَ الأوسط فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: ((إنَّ الذي تَطلب أمامك))، فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان فقال: ((مَن كان اعتكف مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، فليرجِع؛ فإنِّي أُرِيتُ ليلةَ القدر، وإني نُسِّيتُها، وإنها في العشر الأواخر، وفي وِتْرٍ، وإنِّي رأيت كأنِّي أسجد في طين وماء))، وكان سقف المسجد جريد النَّخل، وما نرى في السماء شيئًا، فجاءت قزعة[3]، فأمطرنا، فصلَّى بنا النَّبي صلى الله عليه وسلم، حتى رأيتُ أثَرَ الطِّين والماء على جَبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبَتِه[4]؛ تصديق رؤياه"؛ (رواه البخاري).
2) روى الإمام أحمد بن حنبل عن عُبادة بن الصَّامت أنه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القَدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في رمضان، فالتمِسوها في العَشر الأواخر؛ فإنها وِتر إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو في آخر ليلة))؛ (أخرجه أحمد).
3) وفي الصحيحين أيضًا عن عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تحرَّوا ليلةَ القدر في الوِتر من العشر الأواخر من رمضان))؛ (أخرجه الشيخان، واللفظ للبخاري).
4) روى البخاري في صحيحه عن عُبادة بن الصَّامت قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان[5] من المسلمين، فقال: ((خرجتُ لأخبركم بليلة القَدر، فتلاحى فلان وفلان، فرُفِعَت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة))؛ (أخرجه البخاري).
5) ثبت في الصحيحين عن عبدالله بن عمر أنَّ رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلةَ القدر في المنام في السَّبع الأواخر من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرى رؤياكم قد تَواطأَت[6] في السَّبع الأواخر، فمَن كان متحرِّيها، فليتحرَّها في السَّبع الأواخر))؛ (أخرجاه في الصحيحين).
6) عن أبي هريرة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: ((إنَّها في ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، وإنَّ الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى))؛ (أخرجه أحمد).
7) روى الترمذي والنسائي من حديث عُيَيْنة بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي بكر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((في تِسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو ثلاث يبقين، أو آخر ليلة))؛ يعني: التمسوا ليلة القَدر؛ (أخرجه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح)، وفي المسند من طريق أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: ((إنَّها آخر ليلة)).
سادسًا: سبب عدم تحديد ليلة القدر بليلة معينة:
إنَّ سبب عدم تحديد ليلة القدر بلَيلة معيَّنة أنها إذا كانت مُبهمة اجتهد طلَّابها في ابتغائها في جميع مَحالِّ رجائها؛ فكان أكثر للعِبادة، بخلاف ما إذا علِموا عينَها، فإنها كانت الهمم تَقتصر على قيامها فقط، وإنَّما اقتضَت الحكمة إبهامها لتعمَّ العبادة جميعَ الشهر في ابتغائها، ويكون الاجتهاد في العَشر الأواخر أكثر؛ ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشرَ الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله عزَّ وجلَّ[7].
• عن عبدالله بن أُنيس أنه قال: يا رسول الله، أخبرني في أيِّ ليلة تبتغى فيها ليلة القدر؟ فقال: ((لولا أن يترك الناس الصَّلاة إلا تلك الليلة، لأخبرتُك)).
سابعًا: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر:
• روى الإمام أحمد عن عبدالله بن بريدة، أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسولَ الله، إن وافقتُ ليلةَ القَدر، فما أدعو؟ قال: ((قولي: اللهمَّ إنَّك عفوٌّ تحبُّ العفو، فاعف عنِّي))؛ (أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه).
• قال الشافعي: "استحب أن يكون اجتهاده في نهارها، كاجتهاده في ليلها"، وقال سفيان الثوري: "الدعاء في الليلة أحب إليَّ من الصَّلاة".
• قال النووي: "ويُستحب أن يُكثر فيها من الدَّعوات بمهمات المسلمين؛ فهذا شعار الصالحين، وعباد الله العارفين".
ثامنًا: توصيات وضوابط لإحياء ليلة القدر:
ليلة القدر هي من نَفحات الدَّهر التي يتفضَّل الله تعالى بها على عِباده، فيغدق عليهم من فضله ورحمتِه وبركته في هذه الليلة أضعافًا مُضاعفة عمَّا يَحدث طوال العام؛ لذا يشمِّر لها المشمِّرون، وينتظرها العارفون، لينهلوا من هذا الفيض الربَّاني ما استطاعوا.
ومن مظاهر الاستعداد لهذه الليلة المباركة:
1) استحضر نيَّةَ إحياء هذه الليلة، واقرأ عنها وعن فضلها وآدابها.
2) خذ قسطًا من الرَّاحة وقت القيلولة لتنشط ليلًا.
3) تناول وجبةَ الإفطار الخفيفة، ولا تثقل فلا تقوى عندها على الطَّاعة.
4) اطلب من الوالدين ومَن يُعرف عنهم الصَّلاح ألَّا ينسوك من صالح دعائهم في هذه الليلة، وإن كان والداك قد توفَّاهما الله أو أحدهما، فلا تَنس الدُّعاء لهما بالمغفرة والرَّحمة والعتق من النار.
5) احرص على إخراج صدَقة في هذه الليلة، راجيًا من الله تعالى القبول ومضاعفة الأجر.
6) احرص على إصلاح ذات البَين وسلامة الصَّدر، وابتعد عن المشاحنة؛ فإنها (الحالقة) التي تَحلق الدِّين.
7) احرص على اصطحاب (المكلفين) من أبنائك معك للمسجد في هذه الليلة؛ ليشهدوا خيرها.
8) إن لم تكن مُعتكفًا، فاحرص على اعتكاف هذه الليلة، واحرص على الوجود في المسجد من أول النهار إن استطعتَ إلى ذلك سبيلًا، أو من بعد صلاة المغرب على الأقل.
9) كُن عازمًا على التوبة قبل الإحياء وبعده.
10) احرص على نيَّة التخلية والتحلية؛ بأن تتخلَّى عن صفات وذنوب، وتتحلَّى بصفات وطاعات.
11) احرص على آداب المسجد، واستشعر معيَّةَ الله تعالى، وأنك ضيف على الله تعالى في بيته، واحرص كذلك على الانقِطاع التامِّ عن الدنيا، وعدم اصطحاب الهاتف أو أي شيء من شأنه شغلك وإلهاؤك عن الخشوع في العبادة هذه الليلة.
12) إذا كنتَ في صحبة من الناس، فاحرص على مرافقة ذوي الهمَّة العالية والعلم والصلاح والتقوى.
13) احرص على الطَّهارة طوال هذه الليلة.
14) احرص على استثمار كل لَحظة، وإيَّاك والتقصير، ولا تقنع بالقليل؛ فإن نفحات الدَّهر لا تعوَّض، وإنَّ سلعَةَ الله التي ترغبها غالية.
15) احرص على الخشوع والتفكُّر والتدبُّر، فما فائدة العبادة والقلبُ لاهٍ وفي كل وادٍ منشغل؟
16) احرص على التوجُّه القلبي والإلحاح والتذلُّل وباقي آداب الدعاء.
17) تيقَّن من إجابة دعائك وقبول طاعتك بفضل الله تعالى؛ لتنشط هِمتك.
18) الإكثار من الدعاء وطلب كل شيء مهما كان بسيطًا؛ ((فإنَّ الله تعالى لا يَمَل حتى تملُّوا)).
19) ناجِ الله تعالى بقلبٍ حزين، واستحضر كلَّ سيئة وعمل قبيح وتفريط وتهاون صدَر منك.
20) أكثِر من الدعاء والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
21) أكثِر من الاستغفار بدعاء سيِّد الاستغفار.
22) أكثِر من الصلاة على النَّبي صلى الله عليه وسلم بصيغة الصلاة الإبراهيمية.
23) أكثِر من الدعاء بتفريج همِّ المسلمين، ورفع الظلم عن الأمَّة وعن المظلومين.
24) ((إذا سألتم اللهَ تعالى، فاسألوه الفردوسَ الأعلى))، فاسأل الله تعالى العتقَ من النار، والقرب من الله تعالى في الجنَّة، وأكثِر كذلك من دعاء: "اللهمَّ إنك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عنَّا".
25) اطلب حاجتك التي فيها نفع الدنيا والآخرة؛ (كالرزق الحلال، والزوجة الصالحة، والولد الصالح... وغيرها) مما يعينك على دنياك وآخرتك.
26) لتكن لك سَجدة طويلة، تناجي فيها اللهَ تعالى بدعائك، وتبكي أو تتباكى فيها خاشعًا متذلِّلًا لله تعالى، راجيًا المغفرة والقبول.
27) احرص على أن يكون لك وقت كافٍ مع كتاب الله تعالى؛ تاليًا، خاشعًا، مُتدبرًا، متَّبعًا آداب التلاوة.
28) احرص على إحياء هذه الليلة حتى مَطلع الفجر.
29) راجع هذه الضوابط مُبكرًا مع الأهل، وتأكَّد من مشاركتهم في قيام هذه الليلة.
30) اشكر اللهَ تعالى على نِعمة إحياء ليلة القدر؛ فإن هناك من الناس مَن يغفل عنها، وآخرون على سرير المرض، فلتكن لك سَجدة شكر في نهايتها بأن وفَّقك الله لهذه الطاعة.
• هذه بعض النَّصائح التي تخص هذه الليلة، ومن المؤكد أنَّ هناك غيرها الكثير والكثير، ممَّا يفتح الله تعالى على عباده، كلٌّ على قَدر نيَّته وعزيمته وتوجُّهه لله تعالى.
وختامًا:
أسأل اللهَ عز وجل في عليائه أن يجعلنا وإيَّاكم من أهلها ومن شهودها، وأن يتقبَّل فيها دعاءنا، وأن يبدل فيها أحوالنا وأحوال أمَّتنا بهلاك أعدائنا، وأن يجعلهم الله تعالى عِبرةً لكلِّ مُعتبر، ونسأله تعالى أن يتولَّى أمرنا، وأن يدبِّره لما فيه خيرَا الدنيا والآخرة، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق