الأربعاء، 27 أبريل 2022

مقدمة من أروع مقدمات الخُطَب

 

مقدمة من أروع مقدمات الخُطَب

 

 

الحمد لله الذي زين قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابًا لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجَل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كتب ولا في أيِّ الفريقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدلِه، ولا اعتراض على الملك الخلاق.


وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، إلهٌ عزَّ مَن اعتز به فلا يضام، وذلَّ مَن تكبر عن أمره ولقي الآثام.


وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، خاتم أنبيائه، وسيد أصفيائه، المخصوص بالمقام المحمود، في اليوم المشهود، الذي جُمع فيه الأنبياء تحت لوائه.

آياتُ أحمدَ لا تحدُّ لواصف
ولوَ انَّه أُمليْ وعاش دهورَا
بشراكمُ يا أمة المختار في
يوم القيامة جنة وحريرَا
فُضِّلتمُ حقًّا بأشرف مرسَل
خير البرية باديًا وحضورَا
صلى عليه الله ربي دائمًا
ما دامت الدنيا وزاد كثيرَا

 

 

وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه، وتمسَّك بسنته، واقتدى بهديه، واتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين.


ثم أما بعد:

 فهذه مجموعة من مقدمات الخطب، جمعتها من بطون المواقع والكتب، وقمت بتنسيقها؛ ليستفيد منها كل داعية إلى الله، يريد أن ينوع بين مقدمات خطبه؛ ليجذب القلوب إليه، سائلين الله تعالى أن يحظى بالقبول، ونسأله سبحانه أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.

كتبه ونسقه:

أحمد أحمد سلطان

إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية.

 

مقدمه رقم (1)

الحمد لله رب الأرض ورب السماء، خلق آدم وعلمه الأسماء..

وأسجد له ملائكته، وأسكنه الجنة دار البقاء...

وحذره من الشيطان ألد الأعداء، ثم أنفذ فيه ما سبق به القضاء، فأهبطه إلى دار الابتلاء...

وجعل الدنيا لذريته دار عمل لا دار جزاء، وتجلت رحمته بهم فتوالت الرسل والأنبياء...

وما منهم أحد إلا جاء معه بفرقان وضياء، ثم ختمت الرسالات بالشريعة الغراء...

ونزل القرآن لما في الصدور شفاء، فأضاءت به قلوب العارفين والأتقياء...

وترطبت بآياته ألسنة الذاكرين والأولياء، ونهل من فيض نوره العلماء والحكماء...

نحمده تبارك وتعالى على النعماء والسراء، ونستعينه على البأساء والضراء...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من جَهد البلاء، ودرك الشقاء، وعضال الداء، وشماتة الأعداء...

ونسأله عيش السعداء، وموت الشهداء، والفوز في القضاء، وأن يسلك بنا طريق الأولياء الأصفياء...

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ليس له أنداد ولا أشباه ولا شركاء...

خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء...

خلق الخلق فمنهم السعداء ومنهم الأشقياء...

محيط بخلقه فليس لهارب منه نجاء...

قادر مقتدر فكل الممكنات في قدرته سواء...

سميع بصير يرى النملة السوداء في الليلة الظلماء...

ويسمع دبيبها على الصخرة الصماء...

أجرى الأمور بحكمته وقسم الأرزاق وفق مشيئته بغير عناء...

لا يشغله شأن عن شأن، فكل شيء خُلق بقدَر، وكل أمر جرى بقضاء...

وأشهد أن سيدنا محمدًا خاتم الرسل والأنبياء...

وإمام المجاهدين والأتقياء...

والشهيد يوم القيامة على الشهداء...

المعصوم صلى الله عليه وسلم فما أخطأ قطُّ وما أساء...

دعا أصحابه إلى الهدى فلبَّوُا النداء...

فإذا ذاته رحمة لهم ونور، وإذا سلوكه إشراق وضياء...

هو القدوة النيرة في الصبر على البلاء، والعمل لدار البقاء...

وهو الأسوة المشرقة في الزهد في دار الفَناء...

فكم مرت شهور ولا طعام له ولأهل بيته إلا التمر والماء...

اشتهر من قبل البعثة بالصدق، فلم يعرف عنه كذب ولا نفاق ولا رياء...

لم يؤثر عنه غدر، بل إخلاص وأمانة ووفاء...

صلى الله عليه قديمًا، وكذا الملائكة في السماء...

وصلى هو في المسجد الأقصى بالرسل والأنبياء...

سبح الحصى في كفه بخير الأسماء...

وحين ظمئ أصحابه نبع من بين أصابعه الماء..

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحابته الأجلاء...

وعلى السائرين على دربه والداعين بدعوته إلى يوم اللقاء...

ما تعاقب الصبح والمساء، وما دام في الكون ظلمة وضياء...

• • •

 

المقدمة رقم (2)

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب...

أظهر الحق بالحق وأخزى الأحزاب...

وأتمَّ نوره، وجعل كيد الكافرين في تباب...

أرسل الرياح بشرًى بين يدي رحمته وأجرى بفضله السحاب...

وأنزل من السماء ماء، فمنه شجر، ومنه شراب...

جعل الليل والنهار خلفة فتذكر أولو الألباب...

نحمَده تبارك وتعالى على المسببات والأسباب...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من المؤاخذة والعتاب...

ونسأله السلامة من العذاب وسوء الحساب...

وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الوهاب...

الملك فوق كل الملوك ورب الأرباب...

الحكم العدل يوم يُكشف عن ساق وتوضع الأنساب...

غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب...

خلق الناس من آدم وخلق آدم من تراب...

خلق الموت والحياة ليبلونا وإليه المآب...

فمن عمل صالحًا فلنفسه، والله عنده حسن الثواب...

ومن أساء فعليها، وما متاع الدنيا إلا سراب...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المستغفِر التواب...

المعصوم صلى الله عليه وسلم في الشيبة والشباب...

خُلُقه الكتاب، ورأيه الصواب، وقوله فصل الخطاب...

قدوة الأمم، وقمة الهِمَم، ودرة المقربين والأحباب...

عُرضت عليه الدنيا بكنوزها، فكان بلاغه منها كزاد الركاب...

ركب البعير، ونام على الحصير، وخصف نعله ورتق الثياب...

أضاء الدنيا بسنته، وأنقذ الأمة بشفاعته، وملأ للمؤمنين براحته من حوضه الأكواب...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب...

ما هبت الرياح بالبشرى وجرى بالخير السحاب...

وكلما نبت من الأرض زرع، أو أينع ثمر وطاب...

• • •

 

المقدمة رقم (3)

الحمد لله رب المشارق والمغارب، خلق الإنسان من طين لازب...

ثم جعله نطفة بين الصلب والترائب...خلق منه زوجه وجعل منهما الأبناء والأقارب...

تلطف به، فنوع له المطاعم والمشارب...

وحمله في البَرِّ على الدواب، وفي البحر على القوارب...

نحمَده تبارك وتعالى حمد الطامع في المزيد والطالب...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من شر العواقب...

وندعوه دعاء المستغفر الوجل التائب، أن يحفظنا من كل شر حاضر أو غائب...

وأشهد أن لا إله إلا الله القوي الغالب...

شهادة متيقن بأن الوحدانية لله أمر لازم لازب...

أرأيت الأرض في دورانها كيف تمسكت بكل ثابت وسائب؟!

أرأيت الشموس في أفلاكها كيف تعلقت بنجم ثاقب؟!

أرأيت الرياح كيف سخِّرت فمنها الكريم ومنها المعاقِب؟!

أرأيت الأرزاق كيف دبرت وهل في الطيور زارع أو كاسب؟!

أرأيت الأنعام كيف ذُلِّلت وجادت بألبانها لكل حالب؟!

أرأيت النحل كيف رشف رحيق الزهور فأخرج الشفاء مشارب؟!

أرأيت النمل كيف خزن طعامه وهل للنمل كاتب أو حاسب؟!

أرأيت الفرخ كيف نقر بيضه وخرج في الوقت المناسب؟!

أرأيت العنكبوت كيف نسجت وفي الخيوط مصائد ومصائب؟!

أرأيت الوليد كيف التقم ثدي الأم دون علم سابق أو تجارِب؟!

أرأيت الإنسان إذا ضحك؟! أرأيت كيف تثاءب؟!

أرأيت نفسك نائمًا وقد ذهبت بك الأحلام مذاهب؟!

إذا رأيت ذلك كله فاخشع فلا نجاة لهارب...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُ الله ورسول الملك الواهب...

ما من عاقل إلا علم أن الإيمان به حق وواجب...

سل العدول، وسل هل عابه في الحقِّ عائب؟

سل الشهداء عنه هل كانت له في الدنيا مآرب؟!

سل صناديد قريش في قليب بدر عن الصادق ومن الكاذب...

سَلِ السيوف، سل الرماح: هل حملها مثله محارب...

سل سراقة عن قوائم بعيره كيف ساخت في الصخر حتى المناكب...

سل أم معبد كيف سقاها اللبن والشاة مجهدة وعازب...

سل الشمس، سل القمر عن نوره وضيائه إذ الكل غارب...

سل النجوم متى صلت وسلمت عليه في المسارب...

سل المسجد الأقصى عن قرآنه والرسل تسمع والملائكة مواكب...

سل الزمان متى توقف وسل المكان كيف تقارب...

سل السموات السبع هل وطئها قبله راجل أو راكب...

سل أبوابها كيف تفتحت ومن استقبله على كل جانب...

سل الملائكة أين اصطفَّت لتحيتِه كما تصطف الكتائب...

سل الروح الأمين لماذا توقف عند الحجاب ومن الحاجب...

سل العشاق عن حبهم والناس فيما يعشقون مذاهب...

سل سدرة المنتهى عن كأس المحبة مَن الساقي ومن الشارب...

يا رب، صلِّ على الحبيب المصطفى أهل الفضائل والمواهب...

وعلى الصحب والآل ومن تبع عددَ ما في الكون من عجائب وغرائب...

• • •

 

المقدمة رقم (4)

الحمد لله رب العالمين.. لا يسأم من كثرة السؤال والطلب...

سبحانه إذا سئل أعطى وأجاب.. وإذا لم يُسأَل غضب...

يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب.. ولا يعطي الدين إلا لمن أحب ورغب...

من رضي بالقليل أعطاه الكثير.. ومن سخط فالحرمان قد وجب...

رزق الأمان لمن لقضائه استكان.. ومن لم يستكن انزعج واضطرب...

من ركن إلى غيره ذلَّ وهان.. ومن اعتز به ظهر وغلب...

من تبع هواه ‎‎فَرَأْي شيطان ارتآه.. ومن تبع هدى الله فإلى الحق وثب...

نحمَده تبارك وتعالى على كل ما منح أو سلب، ونعوذ بنور وجهه الكريم من العناء والنصَب...

ونسأله الخلود في دار السلام حيث لا لغو ولا صخب...

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وإليه المنقلب...

هو المالك.. وهو الملك.. يحكم ما يريد فلا تعقيب ولا عجب...

قبض قبضتين.. فقبضة الجنة لرحمته.. وقبضة النار للغضب...

احتجب عن الخلق بنوره.. وخفي عليهم بشدة ظهوره.. أفلح من التزم الأدب...

نخاف الله ونخشاه.. ونرجوه ونطلب رضاه.. والعفو منه مرتقب...

نحب الصلاح ونتمناه.. ونكره الفساد ونتحاشاه.. فهل ذاك يكفي لبلوغ الأرب...

تساؤل في نفوسنا تساءلناه.. وبأمل في قلوبنا رجوناه.. تبارك الذي إذا شاء وهب...

وأشهد أن خاتم المرسلين هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب...

نطق بأفصح الكلام.. وجاء بأعدل الأحكام.. وما قرأ ولا كتب...

آية الآيات.. ومعجزة المعجزات.. لمن سلم عقله من العطب...

تأمل في حياته وانظر.. وتمعن بقلبك وتدبر.. وهاك بعض النسب...

الأب يموت ولا يراه.. والأم تسلمه لغريبة ترعاه.. فلا حنان ولا لعب...

عم كفله ورباه.. وعم هو أسد الله.. وعم يَصلى نارًا ذات لهب...

تمنى الإسلام لمن رعاه.. وأراد الهدى لمن عاداه.. فما أجيب لما تمنى وطلب...

زوجة حنون تكبره بأعوام.. يعيش معها في وئام وسلام.. وفجأة تغير الحال وانقلب...

رسالة لم تتحملها الجبال، وعشيرة يرى منها الأهوال.. وتتركه الوليفة إلى بيت في الجنة من قصب...

جاءه منها البنات والبنون.. فاختطفتهم منه يد المنون.. فلا وريث ولا شقيق ولا عصب...

هموم وآلام.. ونفاق من اللئام.. وليل لا ينام.. ونهار للجهاد قد اصطحب...

لم ينعم بلذيذ الحياة.. ولم ينل فيها ما تمناه.. والموت منه قد اقترب...

وُوري في التراب وجهه الأنور، وغُطِّي بالأكفان جبينه الأزهر، بعد شديد مرض وتعب...

لم يورث منه مال.. بل علم تناقلته الأجيال.. ونور في الآفاق قد ضرب...

أضاء للمؤمنين طريقهم.. أحبهم وحبَّب إليهم ربهم.. فتنوع العطاء والحب السبب...

إمام الغر المحجلين.. وخاتم الأنبياء والمرسلين.. وجهك بدر وصوتك طرب...

سيد كل قبيلة وفريق.. بالمؤمنين رحيم وشفيق....

سيدي وحبيبي.. قدوتي وشفيعي.. الشوق مشتعل والدمع للخدِّ خضب..

فهل تنعم برؤية وجهك عيناي؟ وتهنأ بلثم قدميك شفتاي؟ فالعمر ولى والزمان قد اغترب...

فيا رب يا أكرم مسؤول.. ويا خير مُرتجى ومأمول.. صلِّ على سيد الأعاجم والعرب...

على الصحب ومن تبع وكل من إليه انتسب...

ما لاح في الأفق نجم أو غرب...

أو ظهر في السماء هلال أو احتجب...

وكلما انحنى لك في الصلاة ظهر أو انتصب...

• • •

 

المقدمة رقم (5)

الحمد لله رب العالمين، يسمع دعاء الخلائق ويجيب...

يؤنس الوحيد، ويَهدي الشريد، ويُذهب الوحشة عن الغريب...

يغفر لمن استغفره، ويرحَم مَن استرحمه، ويصلح المعيب...

يستر العصاة، ويمهل البغاة، ومن تاب منهم قبل وأثيب...

يكلف بالقليل، ويجزي بالجزيل، ويعفو عن الذي بالعجز أصيب...

من أطاعه تولاه، ومن غفل عنه لا ينساه، وله من الرزق نصيب...

يرزق بلا أسباب، ويدخل الجنة بغير حساب، فلا فضح ولا تنقيب...

نحمده تبارك وتعالى ونسأله التنظيم لأحوالنا والترتيب...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من الفساد والإفساد والتخريب...

ونرجوه الأمن والأمان والرضا والرضوان في يوم يسقط الجنين فيه والصغير فيه يشيب...

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المهيمن والرقيب...

من تبع شرعه والاه، ومن تقرب إليه فاز بالتقريب...

من أوى إليه آواه، ومن استحيا منه فليس عليه تثريب...

من توكل عليه كفاه، ومن التجأ إليه فالفرج قريب...

من اعتصم به فهو مولاه، ومن ارتجاه مخلصًا لا يخيب...

من ذكره خاشعًا اجتباه، ومن تاب إليه فهو منيب...

من شكر عطاءه نماه، ومن تواضع له نجا من التعذيب...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المقرب والحبيب...

خلقه نعمة، ومبعثه رحمة، وشمس سنته لا تغيب...

نظره لحظ، وكلامه وعظ، واللفظ منه لا يريب...

نوره يخطَف الأبصار، ومسجده علم ومزار، وأنفاسه مسك وطيب...

من سلم عليه رد عليه السلام، ومن صلى عليه فهو من الجنة قريب...

من رآه في المنام فقد رآه، ومن بايعه فقد بايع الله، ومن دعا عند قبره أجيب...

من نال شفاعته اجتاز، ومن شرب من حوضه فاز، فلا عتاب ولا تأنيب...

هو تاج أولي العزائم، وقدوة لكل صائم وقائم، وباتباعه تحلو الحياة وتطيب...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه عدد ما وسعه علم الحساب من تربيع وتكعيب...

وكلما أثنى عليه شاعر أو أديب، وطالما عرف حقه عالم أو نجيب...

وعلى الصحب والآل وكل من انتسب إليه من بعيد أو قريب...

• • •

 

المقدمة رقم (6)

الحمد لله ذي الرضا المرغوب، يعفو ويصفح ويغفر الذنوب...

يملي ويمهل لعل العاصي يتوب، يعطي ويرضى ويحقق المطلوب...

يُطعم ويَسقي ويستر العيوب، يغني ويشفي ويكشف الكروب...

نحمده تبارك وتعالى حمدًا هو للذات العلية منسوب...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من شر الوسواس الكذوب...

ونسأله السلامة فيما مضى وما سوف يأتي من خطوب...

وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الجناب المرهوب...

خلق السموات والأرض في ستة أيام وما مسه من لغوب...

يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويقلب الأبصار والقلوب...

سخر الرياح بقدرته، فمنها الساكن ومنها الهبوب...

قدر الأرزاق وفق مشيئته فمن الناس ممنوح ومسلوب...

والأنعام خلقها لنا، فمأكول ومحلوب...

والخيل والبغال والحمير للحمل وللركوب...

أوجد الكائنات بحكمته، فمسلم منها ومعطوب...

كل الحادثات بإرادته وجميع الأمور محسوب...

شهدت له الكواكب في شروقها والغروب...

وأقرت به الأحياء في مطعومها والمشروب...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله ذو المقام الموهوب...

لا يأكل الصدقات، ولا يرتكب الهفوات، وخاتم النبوة بين كتفيه مضروب...

في الصلاة قرة عينيه، والخيرات كلها بين يديه، وهو الصفي المحبوب...

من خلقه مكارم الأخلاق، وباتباع سنته تتسع الأرزاق، والأمر بحبه على الوجوب...

نوره بين أتباعه قائم، وشرعه على مر الدهور دائم، وما عداه من الشرائع مشطوب...

من أطاعه فقد أطاع الله، ومن تبع نهجه فقد أرضاه، ومن عصاه في النار مكبوب...

أول الخلائق بعد النفخة يُفيق، وأول من يحشر على التحقيق، وحديثه غير مكذوب...

أول من يسجد على البساط، وأول من يجوز على الصراط، والكل من الهول مكروب...

صاحب لواء الحمد، والمنفرد بالثناء حين الجد، حيث الفلاح أو الرسوب...

صاحب الشفاعة العظمى، وله المقام الأسمى، واسمه على أبواب الجنة مكتوب...

صاحب الحوض الأوفى، وكأس الرواء الأشفى، والماء من نبع الجنان مسكوب...

تتعلق به الآمال، وتشد إلى مسجده الرحال، وبالصلاة عليه تنفرج الكروب...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه عدد الرمال والحصى، وكلما أطاعه عبد أو عصى...

ونور بصلاتنا عليه بصائرنا والقلوب...

• • •

 

المقدمة رقم (7)

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات...

جعل الأرض قرارًا وأحاطها بسبع سموات...

جعل فيها أنهارًا وفجاجًا وجبالًا راسيات...

أخرج منها نبات كل شيء وقدر فيها الأقوات...

أنزل الغيث مباركًا والفلك بالخير في البحر جاريات...

سخر الشمس والقمر دائبين والنجوم بالليل بازغات...

خلق الحياة ليبلونا وكتب علينا الممات...

نحمَده تبارك وتعالى حمدًا يليق بجلال الذات وكمال الصفات...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من السيئات والهفوات...

ونسأله من نوره نورًا ننجو به من العثرات وحالك الظلمات...

وأشهد أن لا إله إلا الله ذو العرش رفيع الدرجات...

المنزه الذات عن الاختصاص بالجهات...

المحدِث لكل الحوادث والمحدَثات...

حكيم خبير أوجد على مراده الكائنات، وما لها من حركات وسكنات...

عليم قدير تندرج تحت علمه جميع المدركات...وتخضع لسلطان قهره كل الموجودات...

سميع بصير تستوي في كمال سمعه الأصوات...

ولا تختلف عليه اللغات، ولا تحجب رؤيته الظلمات...

عليٌّ كبير لا تضره المعاصي ولا تنفعه الطاعات...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المعصوم من كل الشهوات...

المبرأ من الهوى والمنزه عن النزغات والخطرات...

مغلاق الشرور كلها ومفتاح جماع الخيرات...

شمس الدجى وقمر الليالي الحالكات...

الفصيح لسانه وبلسانه يتكلم أهل الجنات...

القوي بيانه وبتبيانه تندفع المعضلات...

الفريد حياؤه وحياؤه لم تحظَ بمثله البنات...

المعدوم مثله، ومثله قط لم تلد الأمهات...

المحمود اسمه وباسمه تستمطر الرحمات...

العظيم خلقه، وبخلقه يتجسد التنزيل ومحكم الآيات...

المرفوع ذكره، وبذكره تحل عقد المشكلات...

المأمول حبه، وبحبه تتضاعف الحسنات...

المرضي حمده، وبحمده يوم الفزع تكشف الكربات...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على أكمل المخلوقات...

عدد ما في الكون من معلومات، ومداد ما خطه القلم من كلمات...

ما دامت الكواكب في أفلاكها والنجوم سابحات...

• • •

 

المقدمة رقم (8)

الحمد لله الكريم الجواد، خلق الإنسان من نطفة وجعل له السمع والبصر والفؤاد...

أنزل الغيث مباركًا فأحيا به البلاد، وأخرج به نبات كل شيء رزقًا للعباد...

نحمده تبارك وتعالى حمد الطائعين العبَّاد، ونتوكل عليه توكل المخبتين الزهاد...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من الوعيد بسوء المهاد...

ونرجوه تحقيق الأمل في الوعد والمعاد...

ونسأله النصر في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد...

وأشهد أن لا إله إلا الله المضل الهاد...

المنزه الذات عن الأشباه والأنداد...

الفعال لما يريد ولا يقع في ملكه إلا ما أراد...

خلق سبع سموات طباقًا بغير عماد...

ومن الأرض مثلهن وأرسى الجبال كالأوتاد...

سبقت كلمته أن من أطاعه عز في الأرض وساد، ومن كفر أمهله وهو له بالمرصاد...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد الأسياد...

سيد الأولين والآخرين من حاضرٍ وبادٍ، خير من دعا وهدى وبالخير العظيم جاد...

المبعوث رحمة فينا وبشفاعته يغاث العباد...

المبشر بالأخوة والمحبة ونبذ الغل والأحقاد...

أشجع الناس قاطبة إذا دعا داعي الجهاد...

وأكرم الناس طرًّا إذا عز مال أو قل زاد...

بُعث والقوم في ذل الشرك قد ساد فيهم الأوغاد...

ودعاهم إلى الهدى فلم يجِد منهم إلا العناد...

أراد بهم خيرًا وتربصوا به الدوائر على كل جبل ووادٍ...

وحين خضعت أعناقهم بفتح مكة وأصبحوا كالرماد...

نادى بعفوه وبالصفح الجميل من قبله المناد...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه حيث الصلاة عليه لنا خير زاد...

ما نادى للصلاة مناد، وكلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون إلى يوم التناد...

• • •

 

المقدمة رقم (9)

الحمد لله الملك المعبود.. ذي العطاء والمن والجود.. واهب الحياة وخالق الوجود...

الذي اتصف بالصمدية وتفرد بالوحدانية والملائكة وأولو العلم على ذلك شهود...

الحمد له لا نُحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه حيث كان ولم يكن هناك وجود...

نحمده تبارك وتعالى ونستعينه فهو الرحيم الودود...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من فكر محدود، وذهن مكدود، وقلب مسدود...

ونسأله الهداية والرعاية والعناية، وأن يجعلنا بفضله من الركَّع السجود...

وأشهد أن لا إله إلا الله الحي الحميد...

ذو العرش المجيد، الفعال لما يريد...

المحصي المبدئ المعيد.. خلق الخلق فمنهم شقي ومنهم سعيد...

قدم للعاصين بالوعيد، وبشر الطائعين بالجنة وبالمزيد...

حكَمٌ عدل ليس بظلام للعبيد...

لا يَشغَله شأن عن شأن، كل يوم هو في شأن جديد...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله ذو الخلق الحميد...

والرأي الرشيد، والقول السديد...

بلَّغ الرسالة على التحديد، وأدى الأمانة دون نقص أو مزيد...

أرشدنا إلى طريق الهداية والتسديد...

وحذرنا من التردي في الغَواية والضلال البعيد...

حمل السلاح في سبيل أشرف غاية بعزم من حديد...

وجمع الأمة تحت لواء أجلِّ راية.. راية التوحيد...

فاختصه ربه بالوسيلة والفضيلة وبشَّره بالمقام المحمود...

والظل الممدود، والحوض المورود، واللواء المعقود...

وجعله يوم القيامة شهيدًا على الشهود...

اللهم إنا نسألك كما أمرتنا أن تُصلي وتسلم وتبارك عليه وعلى آله...

كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وآله في العالمين إنك حميد مجيد..

• • •

 

المقدمة رقم (10)

الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا...

الذي له ملك السموات والأرض وخلق كل شيء فقدره تقديرًا...

خلق الإنسان من نطفة أمشاج يَبتليه فجعله سميعًا بصيرًا...

ثم هداه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا...

فمن شكر كان جزاؤه جنة وحريرًا ونعيمًا وملكًا كبيرًا...

ومَن كفر لم يجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا...

نحمده تبارك وتعالى حمدًا كثيرًا، ونعوذ بنور وجهه الكريم من يوم كان شره مستطيرًا...

ونسأله أن يُلقِّينا يوم الحشر نَضرة وسرورًا...

وأن يُظلنا بظل عرشه حيث لا نرى شمسًا ولا زمهريرًا...

وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تجعل الظلمة نورًا...

وتحول موات القلب بعثًا ونشورًا، وتحيل ضيق الصدر انشراحًا وحبورًا...

وكيف لا وقد أتى علينا حين من الدهر لم نكن شيئًا مذكورًا...

فخلَقَنا وصوَّرنا ورزقنا وكان فضله علينا كبيرًا...

أرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته، وأنزل من السماء ماء طهورًا...

فأحيا به الأرض الميتة، وأخرج منها حبًّا ونباتًا وفاكهة وزهورًا...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده المرسل مبشِّرًا ونذيرًا...

وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا...

قُرئ عليه القرآن ففاضت بالدمع عيناه، وكان ما تقدم وما تأخر من الذنب مغفورًا...

قام الليل حتى تورَّمت قدماه، وقال: أفلا أكون عبدًا شكورًا...

أكل ورَق الشجر حتى تشقَّقت شفتاه، وكان لله محتسبًا صبورًا...

حمل سيفه، وغزى ماشيًا في الفلاة، والعشرة يتعاقبون بعيرًا...

جاهد الشرك والمشركين، وما لانت له قناة، وقال مقالة الحق وما نطق زورًا...

فاز بالحسنى مَن آمن وشاهد محياه، وكل طائع له بات مأجورًا...

ضل مَن شذ عن طريقه وعصاه، ومن كفر به مات مثبورًا...

حلت البركة وعم الخير ما لمست يداه، وأصبح القليل من الطعام وفيرًا...

عز من لاذ بسنته واحتمى بهداه، وأضحى في كنفه مهضوم الحق منصورًا...

طابت الأرض التي شهدت من الحبيب مسراه، ووقره أنبياء الرحمن توقيرًا...

تعطَّرت الأجواء التي كان خلالها مرقاه، وتنوَّرت بضيائه الأكوان تنويرًا...

جادت بألبانها مِن أجله الشياه، وأعطته المَسمومةُ من نفسها تحذيرًا...

سبَّحت لله في كفِّه الحصاة، ودمرت أعداءه بحنين تدميرًا...

تأوَّه جذع النخلة لما تركه وقلاه، وكان الأنين والنشيج مريرًا...

فلمسَه بيدَيه الحانيتين واحتواه، وبشَّره بالجنة دون النخيل تبشيرًا...

كانت لموسى اليد البيضاء وعصاه، ونصيب يوسف من الحسن كان موفورًا...

وأعاد عيسى ابن مريم للأموات الحياة، وكان يحيى سيدًا ومصدِّقًا وحصورًا...

وسفينة نوح انحسرت عنها المياه، وسبَّح ذو النون في بطن الحوت مستغفرًا مجبورًا...

ولهيب النار بالسلام على إبراهيم كان مأمورًا...

وضياء الحبيب قد عمَّ الوجودَ سناه، والدرة العصماء وقف الزمان حيالها مبهورًا...

وعبير أحمد قد فاق الورود شذاه، وبمسك الختام أصبح اتباع غيره محظورًا...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى من فاز بنسبه وصحباه...

عدد أنفاس مخلوقاتك شهيقًا وزفيرًا...

• • •

 

المقدمة رقم (11)

الحمد لله العزيز الغفار، خلق الإنسان من صلصال كالفخار...

وخلق الجان من مارج من نار، أرسى الجبال وأجرى الأنهار...

وأنزل الغيث وأنبت الأشجار، سخر لنا الفُلك ومهد لها أمواه البحار...

وخلق الشمس والقمر وقلب الليل والنهار...

صورنا فأحسن صورنا، وجعل لنا السمع والأفئدة والأبصار...

﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]...

نحمده تبارك وتعالى حمد المتقين الأبرار...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من خلق الأشرار...

ونسأله السلامة من دار البوار...

ونرجوه أن ينير لنا الطريق فنتبين النافع من الضار...

وأن يجعلنا بفضله من المطهرين الأطهار...

وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار...

الملك فوق كل الملوك القوي الجبار...

المستوي على عرشه دون حلول أو مماسَّة أو استقرار...

العظمة رداؤه والكبرياء له إزار...

ليس كمثله شيء، فلا تصل إلى كُنه ذاته العقول والأفكار...

اللطيف الخبير، فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار...

السميع البصير فلا تحجب رؤيتَه الظلمات والأستار...

ويستوي في كمال سمعِه الجهر بالقول والإسرار...

القادر على كل شيء وكل شيء عنده بمقدار...

المحيط بكل شيء؛ فلا هروب ولا فرار...

التائب على كل نادم قد أثقلته الأوزار...

والباسط كف رحمته للمستغفرين بالأسحار، والمبشِّر للطائعين بعُقبى الدار...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المختار.. إمام المتقين والأبرار...

المسلَّم من العيوب والمطهَّر مِن الأوضار...

المنصور بالرعب على مسيرة شهر في كل الأمصار...

إذا جاهد فالسيف في يده بتار، وإذا سالم استوى في أمانه المسلمون والكفار...

إذا سئل شيئا أعطاه بغير انتظار، إذا سكت علاه البهاء والوقار...

وإذا تكلم خرج من فمه نور كنور الفجر وقت الإسفار...

وإذا تبسَّم أشرق وجهه كشروق الشمس في وضح النهار...

إذا عرق فالريح أطيب من أريج الورود والأزهار، وإذا نام فالحرس ملائكة أطهار...

وإذا مشى سلَّمَتْ عليه الصخور والأحجار...

وإذا ركب سعَتِ الركائب باختيال وافتخار، وإذا جلس انحنت عليه لتُظِلَّه الأشجار...

أسري به عبر الفيافي والقفار، وعرج به فوق السحاب والبخار...

وزج به على حظيرة القدس في بحر الأنوار...

فما زاغ البصر وما طغى بل رأى من آيات ربه الكبار...

ومُنح ما منح من الكنوز والأسرار...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الأخيار...

ما تعاقب الليل والنهار، وما دامت الشمس في فلكها والقمر في المدار...

• • •

 

المقدمة رقم (12)

الحمد لله الذي أحاط ملكه بسياج القدرة والقهر...

وتعددت أبسطة رحمته فكان منها البر والجو والبحر...

وتسربلت في مكنون غيبه أسرار إيجاده للحصى والدر...

وتلوَّنت أطياف رحمانيته بخلقه فكان النفع والضر...

ومكن التمييز في إدراك الكائنات معاشها بالحلو والمر...

توجهت قلوبنا إليه بالشكر واللسان بالحمد أقر...

ورفعنا الأكف إليه ضراعة أن يرزقنا حين البلاء الصبر...

وأشهد أن لا إله إلا الله المنزه عن خواطر العقل وأوهام الفكر...

المتفضل بإعلامنا أن من جملة أسمائه البر...

المسبغ نعماءه على خلقه سواء ما خفي منها وما ظهر...

الممتن على عباده بالدلالة على سبيل الخير وسبل الضرر...

الباسط كف رحمته للمستغفرين بالسحَر...

بشر المتقين بجنات ونهر، ومقعد صدق عند مليك مقتدر...

وحذَّر الكافرين من عذاب نار ترمي بالشرر...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله خير البشر...

تفضل الله عليه فأجرى على لسانه بيان ما نهى وما أمر...

وجعل طاعته واتباع نهجه سبيلًا إلى جنة ذات أنهار وثمر...

وجعل عصيانه ومخالفة أمره سببًا لمسِّ سقر...

أسرى به إلى المسجد الأقصى وعلى الأنبياء ظهر...

وعرج به إلى السموات العلى فما زاغ البصر...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه السادة الغرر...

ما تعاقب الليل والنهار وكلما أشرقت الشمس أو بزغ القمر...

• • •

 

المقدمة رقم (13)

الحمد لله العفو الغفور، لا تَنقضي نعمه، ولا تحصى على مر الدهور...

وسع الخلائق حِلمه مهما ارتكبوا من شرور...

سبقت رحمته غضبه من قبل خلق الأيام والشهور...

يتوب على من تاب ويغفر لمن أناب ويجبر المكسور...

نحمده تبارك وتعالى حمد القانع الشكور...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من الكفر والفجور...

ونسأله السلامة مما يُورث الملالة أو النفور...

ونرجوه العصمة فيما بقي من أعمارنا، وأن ينور قلوبنا والقبور...

وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الظلمات والنور...

خلق سبع سموات طباقًا ما ترى فيها من تفاوت أو فطور...

أنزل من السماء ماء فمنه أنهار وآبار وبحور...

وفي الأرض قطع متجاورات منها الخصبة ومنها البور...

جعل الليل لباسًا والنوم سباتًا وفي النهار نشور...

ميز الأشياء بأضدادها فبالظل عُرف الحَرُور...

ولولا الأعمى ما اعتبر البصير.. ولولا الحزن ما عُرف السرور...

ولولا السقيم ما شكر السليم.. ولولا السَّفه ما مُدح للعقل حضور...

ولولا القحط ما طُلب الرخاء.. ولولا الخوف ما كان للأمان ظهور...

ولولا الظلم ما كان للعدل فضيلة.. ولولا الفِسْق ما كان للطائعين أجور...

ولولا القُبح ما مُدح الجمال.. ولولا الحمائم ما توحَّشت الصقور...

ولولا النقص ما عُرف الكمال.. ولولا الجبن ما انتصر الجَسُور...

ولولا الطمع ما رجونا، ولولا الخوف ما انتهينا، ولولا الله ما اهتدينا، وإلى الله ترجع الأمور...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله كامل النور...

المرفوع ذكره في التوراة والإنجيل وكذلك في الزبور...

المزمل بالفضيلة، والمدثر بالطهر والعفاف، والمبرأ من الشرور...

ما كان سبابًا، وما كان صخابًا، ولا دعا بالويل أو الثبور...

ما كان خداعًا، وما كان مرتابًا، ولا سلب بالحيلة أهل الدثور...

ما لبس الحرير، وما نام على الوثير، ولا شيدت لسكناه القصور...

ما هيئت له الوسائد، وما مدت لأجله الموائد، ولا امتلأت بألوان طعامه القدور...

ما جمع له المال، وما استذل أعناق الرجال، ولا هدمت ببطشه القرى والدور...

ما اصطكت بالرعب منه أسنان، وما ارتعدت من هيبته الأبدان، ولا امتلأت بالخوف منه الصدور...

ما زيفت له الحقائق، وما رفعت لتحيته البيارق، ولا صفَّق له مأجور...

ما مشت أمامه الأحراس، وما دقت لأجله الأجراس، ولا تغنَّت بأمجادِه الحور...

ما رفع الشعارات، وما استقبل بالهتافات، ولا نثرت في طريقه الزهور...

ما أثاب على النفاق، وما أجاز لأمته الشقاق، ولا قيل من أجله الزور...

ما احتجب عن رعيتِه، وما انتصر لقبيلتِه، ولا أباح لنفسه المحظور...

ما وهنت عزيمته، وما تغيَّرت سجيتُه، ولا أصابه من المديح غرور...

إذا تكلم وعى سامعوه، وإذا عمل قلَّده تابعوه، بالإخلاص وليس من أجل الظهور...

هو الرحمة المهداة، وهو النعمة المسداة، ولو تبِعْنا سنَّته ما اختلطت علينا الأمور...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا بدر البدور...

وعلى الصحب والآل ومن تبِع، وقِنا بحبهم كل الشرور...

• • •

 

المقدمة رقم (14)

الحمد لله العلي الكبير، يخلُق ما يشاء ويختار، وما كان للإنسان في الخلق تخيير...

رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات ليبلوهم، فهذا غني وذاك فقير...

خلق الشر وقدره، وخلق الخير وقدره، وما لأحد في الأمور تدبير...

أرسل رسله تترى، ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ [فاطر: 24]...

فمَن أراد الهدى رُزق في سبيله التسخير، ومن اختار الضلالة وجد في طرقها التيسير...

نحمَده تبارك وتعالى الحمد الكثير...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من الخسف والتدمير...

ونسأله النصر والولاية؛ فهو نعم المولى ونعم النصير...

وأشهد أن لا إله إلا الله العليم القدير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير...

﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]...

يُحوِّل ولا يَتحول، ويغيِّر ولا يعتريه تغيير، يبدأ الخلق ثم يعيده، ﴿ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7]...

كتب السعادة لمن أطاعه ووقاه عذاب السعير...

وحقت على الكافرين الشقاوة، وما زادهم غير تخسير...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله البشير النذير...

النور المبين صلى الله عليه وسلم والسراج المنير...

أُعطيَ مجامع الكلم فما أخطأ التعبير...

أنزل الناس منازلهم فوقر منهم الكبير...

وخاطبهم على قدر عقولهم ورحم منهم الصغير...

ما رد منهم سائلًا قطُّ، بل جاد بالقليل وبالكثير...

هجر الفواحش كلها، وعفَّ عن الحَرام وهو صغير...

ذاق طعم اليُتْم فما حسد ولا حقد على من لبس الحرير...

لبس من الثياب الخشن وما نام على الوثير...

وربط الأحجار على بطنه وما شبع من خبز الشعير...

دعا قومه لنجاتهم فتطاول عليه كل مَهِين وحقير...

ودارت الأيام دورتها وبرك الطغاة بروك البعير...

فأشار إليهم إشارة راحم ولم يعتب ولم يطلب التبرير...

ومسح الجراح برأفة ودموع ندمهم على الخدود غزير...

فالتأم شمل الجميع وقد علا صوت المؤذن على صوت النفير...

الله أكبر الله أكبر الله أكبر فوق كل كبير...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى أصحابه ما تردد نفَس بين شهيق وزفير...

وكلما عسعس الليل وتنفس الصبح وفاح من الورود عبير...

• • •

 

المقدمة رقم (15)

الحمد لله الخافض الرافع، حجب الجن عن غيبه بعد أن كان لهم في السماء مواضع...

أنزل القرآن نورًا يتلى فإذا الناس محجوب وسامع...

إذا قرئ على العليل ذهبت عن جسمه المواجع...

وإذا استمع له الحزين هان في عينيه كل ضائع...

نحمده تبارك وتعالى على كل حال وواقع...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من العوائق والموانع...

ونسأله أن يحفظ علينا العقول والأبصار والمسامع...

ونرجوه أن يكون عنا ضد الحاقدين والحاسدين هو المدافع...

وأشهد أن لا إله إلا الله الضار النافع...

جعل في السماء بروجًا والنجوم لها مواقع...

ومن الرياح لواقح ومنها المدمر ذو الفظائع...

ومن الجبال غرابيب سودٌ وحمرٌ وبيضٌ نواصع...

وفي البحار أمواج مهلكات وفيها طعام ولؤلؤ وقواقع...

وفي الأرض صخر وحجر ومدر وفيها الجوهر اللامع...

ومن النبات حلو ومرٌّ ومن السموم نواقع...

ومن الدواب وحوش كاسرات، وفي البهائم ركائب ومنافع...

ومن الطيور حاملات رسائل، ومن الطيور فواسق ونوازع...

ومن الناس أهل للمعروف، ومنهم من في الشر ضالع...

ومن الأيام إسعاد ومبشرات، ومنها بالفتن والشرور طوالع...

أمور حارت البرية فيها، ونور الحق للظلمات قاشع...

فالخير مراد في الأمور لذاته، والشر في بعض الأمور براقع...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله الذي أقض للمشركين المضاجع...

ولد يتيمًا فقيرًا فزهدت فيه المراضع، وشب عفيفًا كريمًا وأترابه في اللهو لهم مراتع...

رعى الأغنام صغيرًا، وعمل في التجارة أجيرًا، وظهر من بركته البدائع...

سجد للأصنام قومُه، والحق في صدره لما يعبدون منازع...

فامتلأ حراء بتأمل منه وتحنث للحق ضارع...

وفاجأه الأمين فيه بقوله: "اقرأ"؛ فإنك بالحق صادع...

فعاد يرجف من الخوف فؤاده، هل يبقى في القوم موادع...

والله لن يخزيك الله أبدًا؛ فأنت في الخيرات بارع...

صادق وأمين، وواصل ورحيم، وللمعروف زارع...

وضمته الحبيبة لصدرها؛ فكان حنانها الدواء الناجع...

وعاونَتْه على أمر المليك برفقها مع الصِّدِّيق والفاروق له خير طائع...

وحاصره الأراذل في الظلام مسالمًا من كل قبيلة صارم في يد فارع...

فنام أبو الحسَنين مكانه رمزًا للفداء من صغير يافع...

وخرج المعصوم على الأعادي مكبرًا يَحثو التراب على الرؤوس بلا ممانع...

وأشرقت شموس الأصحاب على الورى فهوى المشركون إلى المصارع...

وأضاءت الدنيا بنور الحقيقة وأمن الخلائق بعدل الشارع...

فطوبى لمن تبع سبيله وهُداه؛ فهو الطريق إلى النَّعيم الواسع...

وطوبى لنا بمَن بُعث للعالمين رحمة وهو في الآخرة خير شافع...

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه ما دام للنجوم مغارب ومطالع...

اجعل صلاتنا عليه وديعة يا من لا تضيع عنده الودائع...

• • •

 

المقدمة رقم (16)

الحمد لله ذي الفضل والإنعام على الجميع...

يخلق ويرزق ويستر ويحمد الصنيع...

يُطعم ويسقي، ويجبُرُ ويشفي الوجيع...

يُعز ويغني وينصر ويرفع الوضيع...

يكفي ويؤوي ويكسو ويكلأ الرضيع...

يعفو ويصفح، ويَمحو الخطأ الشنيع...

نحمده تَبارك وتعالى ونشكره على النعم كيلا تَضيع...

ونسأله الثبات على الإيمان والدين فإن أقبلت الدنيا لا نبيع...

ونرجوه حسن الخاتمة وأن يلحقنا بالسابقين من أصحاب البقيع...

وأشهد أن لا إله إلا الله النور الهادي البديع...

شهادة نقر بها مختارين كي ندخل الحصن المنيع...

من اعتقدها أمن العذاب ونجى عند الحساب ونال الشرف الرفيع...

ومن أنكرها ضاع وظمئ وجاع ولم يطعم إلا الضريع...

هل تنكر العيونُ مَن حفظها بالجفون؟ أم تنكر الأمعاء خروج الرجيع...

وهل تنكر السماء مَن زينها بالنجوم؟ أو ينكر السحابُ صوت الرعد الفظيع...

هل تملِك الشمس حبس ضيائها؟ أو تخرق النجوم مدارها؟ أو يأبى القمر أن يطيع...

إذا رأيت السماء أمطرت، ورأيت الأرض أنبتت، وشبع الحمل الوديع...

وإذا رأيت الزهور تفتحت، وسمعت الطيور غردت، وأقبل بعد الشتاء ربيع...

وإذا رأيت نعيم الدنيا إلى زوال، ودوام الحال من المحال، وموت الأحبة بغير توديع...

إذا حاولت أن تغير من الأمور واقعًا، أو تجد للموت عنك دافعًا، ففشلتَ الفشل الذريع...

فاعلم أن للوجود بارئًا للأمور مدبرًا، واحذر عقابه السريع...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الخاتم والشفيع...

مبعوث للإنس والجان، منور للأكوان، مبين التشريع...

مذكر غير ملوم، علمه مطابق للمعلوم، من أصل سنته التفريع...

خُلقه القرآن، تشديده الحنان، يعظ من غير تقريع...

يوقظ الضمائر، ويطهر السرائر، ويقدم بسلوكه التشجيع...

يؤلف بين قلوبهم، ويستغفر لذنوبهم، ويتعهد برعايته الجميع...

أمره بين أصحابه نافذ، يعفو ولا يؤاخذ، ولو وصَلَ الأمر للتشنيع...

هو ولي من لا ولي له، حفي بمن أقبل عليه، ليس من خلقه الترويع...

هو للمحب حبيب، وللعليل طبيب، يداوي الشهوات بالتجويع...

هو أولى بالمؤمن من نفسه، وأحب إليه من نفسه، وإلا ففي العقيدة ترقيع...

الصلاة عليه في الملأ حتمية، وهي لأمته هدية، تذهب عن القلب الصقيع...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى أصحابه بقدر ما في الخلق من تنويع...

وارزقنا شفاعته، وأوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، إنك بنا بصير، ولدعائنا مجيب وسميع...

• • •

 

المقدمة رقم (17)

الحمد لله.. أحمد الله ربي بتبتُّل.. فللحمد في الأرض والسماء ذيوع..

فما من صائح ولا مهل أو مهلل.. إلا وله حرف لتسبيحه موضوع...

وكذا الملائكة حول عرش مكلل.. بالنور تسبيحها في السما مسموع...

حتى الجوامد والسواكن وكل مهمل.. ذراتها في دورانها طاعة وخشوع...

فيا غافلًا عن نشيد الكون، ليتك مبلِّل جبينك يومًا بفيض من دموع...

فالذكر إذنٌ بالرضا من محمل.. لقلوب الذاكرين بحب مشتاق ولوع...

لو ذقت طعم الحب ما كنت بمؤجل ذكر الحبيب، ولو حوطتك من السباع جموع...

وأشهد أن لا إله إلا الله، غير معطل لصفاته العليا بكل تأدب وخضوع...

فمن الدلائل والبينات لكل متأمل صراخ الوليد باكيًا إذا أحس الجوع...

وسعي الذئب متلهفًا غير متمهل على طعام لصغاره هو عنه ممنوع...

وارتزاق الطير عفوًا غير متأثل بما هو له فوق الثرى موضوع...

وركض النهم جشعًا ركض متوصل إلى الحتوف كمعصوب العين مدفوع...

وسعي الفهم مهلًا سعيَ متوكل على الإله، قانعًا بنصيبه غير هلوع...

يسأل سؤال متأدب بتجمل.. لا متعجِّل ولا مستغن بعقله مخدوع...

فالرزق وإن بدا أنه بتوسل مقدَّر مقسوم يلائم كل مصنوع..

فأرجو الإله داعيًا برجاء مؤمل.. بخشوع قلب على الإيمان مطبوع...

وإياك والسعي على الدنيا بتبذل.. فنصيبك منها واصل إليك غير مقطوع...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، مرتلٌ مصدق لتوراة الكليم وإنجيل المطهر المرفوع..

نبراس الخلائق بالشريعة والحقيقة متزمل.. صابر على الأذى بغير ضعف أو خنوع..

مجادل الغافلين بالتي هي أحسن، متوصِّل إلى البلاغ الأمثل بغير وهن أو خضوع..

مقاتل بالسيف والرمح والعزم، متوكل مؤمِّن لمن استجاره بغير غدر أو رجوع...

محرم لما حرم الإله في الشرع، ومحلل لما أحل مثال للمؤمنين بربهم متبوع...

قائم بالليل ساجد وراكع متبتل.. نسمات أنفاسه شبع لأرواحنا من جوع...

مغفور الذنب مشروح الصدر متذلل راغب إلى الرب، ذِكره في السما مرفوع...

لين الكف باسم الثغر وجهه متهلل.. جواد بالخير كالريح غير منوع...

يا سائلًا عن شوقنا إليه متعجِّبًا، تمهَّل؛ فالحب مشتعل كالجمر بين الحنايا والضلوع...

ويا منكرًا لتبرك الصالحين بآثاره، تعقل.. أما علمت أن تبرك أصحابه ببصاقه مشروع...

ويا راكبًا فرس الجحود مكابرًا، ترجَّل عن عنادك؛ فالمحبوب قمر والأنبياء شموع...

فيا منعمًا على المحبين له باليقين، كلل سعينا إليك بالنجاح في أساسه والفروع...

وصلِّ على تاج المرسلين المتمم والمكمل لمكارم الأخلاق، واجعل لها في أمتنا الشوع...

• • •

 

المقدمة رقم (18)

الحمد لله حقًّا فهو الودود خفي الألطاف...

المنان بنعم متعددة الألوان والأصناف...

الكريم.. المجيب.. المؤمِّن لكل من ارتاع وخاف...

اللطيف في بلائه ولو كان من العبد إسراف...

القريب المحب لمن دعاه بإلحاح وإلحاف...

نحمده تبارك وتعالى ونسأله النجاة مما نخشى ونخاف...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من الجدل والإسفاف...

ونرجوه الصلاح والاستقامة دون مواربة أو التفاف...

وأن يُجنِّبنا بفضله الفساد والإتلاف...

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة حق وإنصاف...

شهادة شهدت بها شخوصنا وظلالنا والأعضاء منا والأطراف...

شهادة أقرت بها الطيور، والأسماك في البحور، وكذا اللآلئ والأصداف...

هي نشيد الموجودات، ومن أجلها قامت السموات، والإقرار بها كافٍ وشاف...

هي نور البصائر، وبحقيقتها قوام الأعراض والجواهر، وإنكارها ظلم وإجحاف...

هي نفي وإثبات، تدلُّ على وحدانية الذات، مع تعدد الأوصاف...

دليلها عبير الورود، ونسيمها أنفاس الوجود، وبالدفاع عنها عز الأسلاف...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، المتحقِّق بكمال الأوصاف...

عفيف اللسان، فائق الحنان، سريع الانعطاف...

سامق القمم، متعدد الهمم، موطأ الأكناف...

عظيم خُلقه، وحْيٌ نطقه، جعل رزقه تحت ظل الرمح والأسياف...

وطيء الفراش، بسيط اللباس، عيشه الكفاف...

مركبه البعير، سريره الحصير، يلبس النعل والخفاف...

بالقناعة قد أمر، وبالزهد قد اشتهر، وما امتلأت بطعامه الصحاف...

محسن إذا أسَر، عفوٌّ إذا قدَر، لا ينقض الأحلاف...

ابتُلي بفقد الأولاد فصبر، ورحب بالموت إذ حضر، كأنه يوم الزفاف...

كلامه در منظوم، ولمساته تسعد المحروم، وريقه شهد صاف...

حوضه زلال ورواء، وكأسه سلسل وشفاء، وشفاعته للجمع إسعاف...

سيد الكل والجميع، وأول متكلم وشفيع، ليس في ذا شك ولا خلاف...

أمرنا بالصلاة والسلام عليه، والتأدب في الوقوف بين يديه، وغضِّ الصوت بلا استخفاف...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الأشراف، فوق ما خطه قلم مادح أو أضاف...

وكلما سعى عبد إلى البيت أو طاف...

وطالما كان في الكون أضواء وأطياف...

• • •

 

المقدمة رقم (19)

الحمد لله كما ينبغي لجلاله فهو الرحيم الرؤوف...

اللطيف بعبده المؤمن في كل الظروف...

فلو أُلقي العبد في بحر زاخر وهو مكتوف...

أو طرح في الخلاء عاريًا في يوم قر عصوف...

أو ناله في قعر سجن من العذاب صنوف...

أو أُلقي في غيابة جُبٍّ مظلم وهو مكفوف...

أو أصابه من الأسقام مرض غير معروف...

أو صُلب في جذوع النخل مظلومًا والناس عنه عزوف...

لم يَعْنِ ذلك أنه من ديوان الحب محذوف...

فاللطف منه الخفي ومنه الظاهر المكشوف...

يونس وأيوب ويوسف، ويمين بالله محلوف...

على أنهم والأواه قد نالهم من البلاء صنوف...

هم الكواكب وشمسُهم أحمد على حب الإله عكوف...

فإن هوى المحب على مراد حبيبه معطوف...

وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة حريص ملهوف...

على أن يموت عليها ولو ضربًا بالسيوف...

شهادة تحمينا من الشرور وسوء الحتوف...

وتنأى بنا عن المنكر، وتسلك بنا طريق المعروف...

شهادة نبعث عليها آمنين إذا لحق بالقمر الخسوف...

وننجو بها من الفزع الأكبر والهول المخُوف...

شهادة تحقق لنا من الله وعدًا غير مخلوف...

وتلحقنا بالموحدين المخلصين لحوق الأصابع بالكفوف...

وتظلنا بظل العرش حيث الكل بين يدي الحق موقوف...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الموصوف...

نورًا كضوء الشمس من غير سحب أو كسوف...

هل سعد الزمان بمثله أو صنوه؟ إلف ألوف...

أو شرف الكلام بمثل حكمته ثمار وقطوف...

لو جاءت الأيام كلها تسعى في صفوف...

لزفت الليالي يوم مولده بالدفوف، درة الأيام على مر الزمان عطوف...

بعبير أنفاس عبقت بها جدران مكة والسقوف...

لو أن نبت الأزهار من قطر الندى مألوف، لنبت من حبات عرَقه من الورود ألوف...

لو علم جده حين كان بالبيت يطوف، مستبشرًا به كم رغمت بمبعثه أنوف...

لظل يلهج بالثناء بغير ملل أو وقوف...

ولعلم أن ما سماه به مختارًا من حروف...

قد سبق به القرآن وبشهادة الرب محفوف...

محمد رسول الله في سورة الفتح موصوف...

لو يعلم الواطئ ثرى المدينة بنعله المخصوف...

ما يحوي الثرى لمشى على الجفون كمِشية المشغوف...

بالحب، أو بالشوق، أو كرجاء طفل من أمه مخطوف...

أهو الشوق، أم هو الحب، بل كلام الصب غير مألوف...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على من زان الوجود بشخصه...

وزان القلوب بوصفه، وزان العقول بصدقه، وزان العيون برسمه...

وزان الأفواه باسمه، وبمثل طيبه أبدًا لم تحظَ الأنوف...

• • •

 

المقدمة رقم (20)

الحمد لله الحي الباقي، الذي أضاء نوره الآفاق...

ورزق المؤمنين حسن الأخلاق، وتجلت رحمته بهم إذا بلغت أرواحهم التَّرَاق...

نحمده تبارك وتعالى، ونستعينه على الصعاب والمشاق...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من ظلمات الشكِّ والشرك والشقاق...

ونسأله السلامة من النفاق وسوء الأخلاق...

وأشهد أن لا إله إلا الله القوي الرزاق، الحكم العدل يوم التلاق...

خلق الخلق فهم في ملكه أسرى مشدودو الوَثاق...

أنذر الكافرين بصيحة واحدة ما لها من فَواق...

وبشَّر الطائعين بسلام الملائكة عليهم إذا التفَّت الساقُ بالساق...

أرسل الرسل، وأنزل الكتب؛ ليعلم الناس أن إليه يومئذ المساق...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المتمم لمكارم الأخلاق...

لم يكن لعانًا ولا سبابًا ولا صخابًا في الأسواق...

خير من صلى وصام ولبَّى وركب البراق...

وأول الساجدين تحت العرش يوم يُكشَف عن ساق...

جاهد في سبيل الله منصورًا معصومًا من الإخفاق...

وترك فينا ما إن تمسَّكنا به علمنا أن ما عندنا ينفَد وما عند الله باق...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه ما تعقب العشي الإشراق...

وما دام القمر متنقلًا في منازله من التمام إلى المحاق...

• • •

 

المقدمة رقم (21)

الحمد لله الخالق لكل مخلوق، جعل الطين يرى يسمع ويشَمُّ ويذوق...

وهب له العقل وهداه الطاعة والفسوق...

وهيَّأ له الرزق وترك له الخيار في البر أو العقوق...

فمن شكر فقد نجا ومن كفر بالنار محروق...

نحمده تبارك وتعالى حمدًا يُكافئ الفضل المسوق...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من ظلم الحقوق...

ونسأله أن يظهرنا على عدونا فإذا هو متبَّر مسحوق...

ونرجوه أن يتوفانا على حبه ويرزقنا لقاء الصب المشوق...

وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة التيقن والوثوق...

شهادة الأمن إذا خسف القمر ولحق بالبصر البروق...

هو الأول بلا بداية وما عداه مسبوق، وهو الآخر بلا نهاية وما سواه ملحوق...

المهيمن على الملك والملكوت فلا شرود ولا مروق...

الماسك للسماء بحِلمه أن تقع فلا تصدُّع ولا شقوق...

المسخر للكواكب في أفلاكها؛ فليس لأحد أن يعطل أو يعوق...

المدبر للأمور من الأزل؛ فالحق يعلو وكل باطل مزهوق...

قدر الأقوات لمن أطاع ومن عصى، فالكل بفضله ومن فضله مرزوق...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الصادق المصدوق...

ما نطق عن الهوى، بل وحي على قلبه وباللسان منطوق...

لم يكن ملكًا ولا جبارًا، بل يهدي بنور سنَّته إلى الحق ويسوق...

الصفي المصطفى، والحبيب المُجتبى، والخليل المنتقى، مظهر الحقيقة والحقوق...

كريم بأصله، مطهَّر في نسله، مصُون بقبره مِن بلى اللحم والعروق...

عظيم في تواضعه، وفيٌّ فِي تعاهده، كريم في تعاقده، ليس كمثله مخلوق...

المشهود المحفود، ذو الطلعة السنية والبهاء المرموق...

أزج الحاجبين، أدعج العينين، دقيق الشَّفَتين، والشعر مفروق...

لين الكفين، أخمص القدمين، عريض المنكبين، والقَوام ممشوق...

من رآه بداهة هابه، ومن خالطه أحبه، ومن صاحبه سدت على شيطانه الفُرُج والشقوق...

حنت جذوع الأشجار له وأسرعت الخطى للقائه النوق...

لكل مقرب مقام، ومقامه على كل المقامات يفوق...

هو الأمل وهو المنى، وبحبه أسير الإثم من النار معتوق...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه...

ما دامت الكواكب في سبحها من الغروب إلى الشروق...

• • •

 

المقدمة رقم (22)

الحمد لله الكريم المجيب لكل سائل، التائب على من تاب فليس بينه وبين العباد حائل...

جعل ما على الأرض زينة لها، وكل نعيم فيها لا محالة زائل...

حذر الناس من الشيطان، وللشيطان منافذ وحبائل...

فمَن أسلم وجهه لله فذلك الكيس العاقل، ومن استسلم لهواه فذاك الضال والغافل...

نحمده تبارك وتعالى كما أثنى على نفسه، فالحمد منه وإلى جنابه واصل...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من الفتن في عاجل أمرنا والآجل...

ونسأله الفوز بالجنة ورفقة الصِّدِّيقين والمقربين الأوائل...

وأشهد أن لا إله إلا الله المنزه عن الشريك والشبيه والمُشاكل...

من للعباد غيره ومن يدبر الأمر ويعدل المائل؟

من يشفي المريض ومن يرعى الجنين في بطون الحوامل؟

من يَكلأ الناس وهم نيام؟ وهل لحمايته بدائل؟

من يرزق العصاة ولولا حِلمه لأكلوا من المزابل...

من ينصر المظلوم ولولا عدله لاستوى القتيل والقاتل...

من يُظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاةُ للباطل...

من يجيب المضطر إذا دعاه ومن استعصت على قدرته المسائل...

من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل...

من يشرح الصدور ولولا هداه لانعدم الكوامل...

من كسانا؟ من أطعمنا وسقانا؟ ومن هيأ لنا المخارج والمداخل...

من كفانا؟ من هدانا؟ ومن خلق لنا الأبناء والحلائل...

من سخر لنا جوارحنا؟ ومن طوع لنا الأعضاء والمفاصل...

من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل...

هو الله، هو الله الإله الحق، وكل ما خلا الله باطل...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله، ولرسالة الحق حامل...

العربي القرشي الأمي الذي لم تنجب مثله القبائل...

سل البلد الحرام متى أينعت الزهور وغردت البلابل...

سل الشهب النيرات لماذا هي بين الجن والسماء حوائل...

سل آمنة الشريفة حين وضعته من كن لها القوابل...

سل حليمة التي أرضعته كيف سارت ناقتها بين الرواحل...

سل صويحباتها مِن المراضع لماذا عضضن عليها من الغيظ الأنامل...

سل قومه عن صباه وهل كان يخدع أو يخاتل...

سل رمال مكة عن عفافه، وسل منها العوالي والأسافل...

سل الأعداء عن خُلقه، وسل عن حِلمه الأراذل...

سل خديجة عن حملانه الكل ومن ناءت بحمله الكواهل...

سل الهلاك من آل هاشم كيف كانوا عنده في رحمة وتواصل...

سل اليتامى من كفلهم واسأل عن حنانه الأرامل...

سل الحجر الأسود من وضعه في مكانه ومن كان للأمور الجلائل...

سل الحكماء إذا تكلم هو فهل هناك مقالة لقائل...

سل الأصحاب عن دفاعه عن الحق وكيف كان يناضل...

سل راية التوحيد من رفعها فهدمت للشرك المعاقل...

سل العدل كيف تحقق فسارت بأمانه الظعائن والقوافل...

سل الدنيا هل زانها قبله أو بعده مماثل...

لولاه لانعدَمَ الهدى وما كان في الناس عالم أو فاضل...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وقِنا بحبه شر النوازل...

وارزقنا شفاعته عند الخطوب وفي كل المنازل...

• • •

 

المقدمة رقم (23)

الحمد لله رب العالمين على كل حال، المتصف سبحانه بالعزة والعظمة والجلال...

القيوم الحق الأزلي الدائم بغير زوال، المتفضل على عباده بجلائل النعم الكبير المتعال...

نحمده تبارك وتعالى بالغدو والآصال...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من ظلمات الشك والشرك والضلال...

ونسأله السلامة من جاه أو مال هو علينا وبال...

ونرجوه العصمة من قيل وقال ومذلة السؤال...

وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد فالشبيه محال...

المعبود الحق فقد سجدت له الشخوص والظلال...

المبدع للكون بكلمة كن على غير مثال، القاهر فوق عباده، القوي شديد المحال...

خلق الخلق فريقين، فهذا مهتد وذاك ضال...

تغمَّد الطائعين برحمته، والظالمون ما لهم من دونه من وال...

كما بدأ أول خلق يعيده، فإليه المرجع وإليه المآل...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله كريم الخصال...

الطاهر المطهر الموافق فعله لما سنَّ وقال...

القاضي بالقسط والقاسم بالعدل وما عن الحق مال...

خير البرية أتقاها وأعدلها سيد الرجال...

المهاجر في سبيل الله بدينه تاركًا الأهل والمال...

المجاهد بنفسه وماله الباطلَ حتى زهق وزال...

النور الهادي لأمته والمُنقِذ لهم من الضلال...

سيد ولدِ آدمَ بحق والشفيع يوم الأهوال...

جاء قومه بعز الدارين فاتهموه بالخبال...

ولولا رحمته لأطبقت على مكذبيه الجبال...

الصبر رداؤه والحياء إزاره والحِلم تاجه ليس له مثال...

السخاء سجيته، والعفو شيمته، والمكارم له خلال...

أضاء الورى نوره، وفاض بره عن اليمين وعن الشمال...

من رآه بداهة هابه، ومن خالطه أحبه، ومن صاحبه فداه بكل غال...

حارت البرية في وصفه، فسناه قد فاق كل خيال...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى الصحب والآل...

ما دام في الكون شخوص وظلال..

• • •

 

المقدمة رقم (24)

الحمد لله في الأولى فقد نامت عيون الخلائق وما غفل...

وله الحمد في الآخرة إذا زاغت الأبصار...

أسرف الناس في كل مكان فما أهلك وما عجل...

عبدوا المال فأطغاهم، ونسوا الموت فغرهم الأمل...

ولو شاء ربك لجفت الأنهار وما أصاب النباتَ بلل...

نحمده تبارك وتعالى ونستعينه على كل أمر جلل...

ونستغفره لمن تاب منا ومن في المعاصي لم يزل...

ونرجوه رحمةً تعمُّنا ولا نطمع في سواها بدل...

ونسأله العافية فيما هو آتٍ، والعفوَ عما قد حصل...

وأشهد أن لا إله إلا الله ملَك فحكَم فعدَل...

قدر الأمور من الأزل، فلحكمة لم يفعل ولحكمة فعل...

أخبرني عن الأرض كيف بخلت، ولماذا اسودَّ الجبل؟

وخبرني عن البهائم كيف كلَّت، ولماذا أكل الذئب الحمل؟

وأخبرني عن القرون لم اندثرت؟ ولماذا كتب على المترفين الزلل؟

وخبرني عن الأقدام إن زلَّت أبكلمة جوفاء يتحقق الأمل؟

وأخبرني عن البريئة كيف ضلت وذنب الأم إذا أصابها الخبل؟

وخبرني عن المعاصي إذا تفشَّت فهل يخرج من النحل العسل؟

وأخبرني عن عقل الحكيم إذا تشتت وعن العابد كيف أصابه الملل؟

وخبرني عن ألسِنَة الحق كيف شُلَّت فطاف الباطل يزهو بغير خجل؟

وأخبرني عن الخطوب إذا ادلهمت ورأيت الفساد قد جاء على عجل؟

وخبرني عن أمة عريقة قد ضلت، فهل دعاء الصالحين يصلح الخلل؟

كلا.. إذا ما القلوب بالزيغ قد ابتُليَت فلا بأس بالموت إذا حان الأجل...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي إذا قال فعل...

ألم تر كيف اصطبر على الأذى وقد ناءت الجبال بما حمل...

أرأيت كيف بالكذب رمَوه وبالسحر اتهموه فما وهن ولا عن دعوته انفصل؟

ألا تراهم في ثقيف قد حوطوه، وبالحجارة أصابوه، فما استكان ولا فقد الأمل

ألم تسمع عن حملانه الكل فما ضجر ولا أصابه من الجحود ملل؟

ألا تراه قد أمر بكفالة الأيتام وحين ابتُلي بهم كفل؟

ألا تراه قد أمر بصلة الأرحام وحين قطعوها هم وصل؟

ألا تراه قد أمرنا بالعفو وحين أمر هو به امتثل؟

أرأيت حين أمرنا بالزهد كيف ضرب لنا أروع مثل؟

أرأيت حين أدبر أصحابه يوم حنين كيف كان هو البطل؟

أرأيته حين فقد فلذة كبده قلَّ صبره أو ترك العمل؟

أرأيته حين غفر له في التنزيل قل خوفه أو فارقه الوجل؟

أما علمت أن الرسول نور يستضاء به فكم أعطى وكم بذل؟

والله لو لم يجد مؤمنًا في عصره لظلَّ يَدعو وما اعتزل...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على من به اعوجاج الملَّة اعتدل...

وبنور سنته الشرع اكتمل، واجعله الشفيع لنا إذا ما الروح حين البعث بالجسد اتصل...

وأصبح الهلاك هو دون النجاة المحتمل...

• • •

 

المقدمة رقم (25)

الحمد لله كالذي نقول وخيرًا مما نقول...

أحسن كل شيء خلقه فالكل بالعناية مشمول...

قدَّر لكل موجود رزقه وكل على جناح النعمة محمول...

أعطى كل شيء خلقه وكل أمر إليه موكول...

له في كل أمر حكمة وإن ذهلت عنها العقول...

نحمده تبارك وتعالى حمدًا هو بالثناء عليه موصول...

ونعوذ بنور وجهه الكريم من السحت والغلول...

ونرجوه العصمة من الحرام في كل مشروب ومأكول...

وأشهد أن لا إله إلا الله الحي الذي لا يَموتُ ولا يزول...

المستوي على عرشه دون مماسَّة أو حلول...

شهد لنفسه بالوحدانية وشهد له الملائكة والعدول...

لا يَشغَله شأن عن شأن وغيره عن شأنه مشغول...

لا يُعجزه شيء وكل مراد له في الكون مفعول...

لا يُسأل عما يفعل وكل من عداه مسؤول...

لا يَخفى عليه شيء فلا حائل دون علمه يحول...

يرى ويسمع وستره على العصاة مسدول...

فتح أبواب توبته لكل أسير في الإثم مغلول...

لا يرد سائلًا ودعاء الصالحين لديه مقبول...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد لله ورسول...

دعوة الخليل وقرة عين إسماعيل وبشرى ابن البتول...

أشرق على الوجود بنوره فإذا الكواكب والشموس أفول...

أرسل والنفوس موات فحيِيَتْ، وأينعت الزهور بعد ذبول...

بعث بالحق والعقول ظلام فأفاق الناس بعد ذهول...

قالت الأعراب والكهان بالظن فإذا هو بالوحي يقول...

رسم الطريق إلى الهدى، ولولا هديه ما صح للعبد وصول...

طوبى لمن فاز برؤيته أو نال في حضرته المثول...

شُفي المريض بريقه وبلمسه نشط الكسول...

هو الحنان، هو الأمان، وبالصلاة عليه كل الهموم تزول...

أعطاه الإله شفاعة وبدونها ما كان للنجاة حصول...

هو الوسيلة ترتجى؛ إذ لولا رضاه لانعدم القبول...

له المقام الأوحد وقد أصاب المقربين خمول...

((أنا لها)) له مقالة، ونفسي ثم نفسي كل الأنبياء تقول...

قرْبٌ ونَجوى، حبٌّ وزُلفى، وبحمده لربه يتحقق المأمول...

تراه تحت العرش ساجدًا والخوف في نفوس الجمع يصول...

سل يا محمد ما بدا لك، فمن قبل المسألة أجاب المسؤول...

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على الحبيب المصطفى وعلى فروع شجرته والأصول...

وعلى الصحب والآل ومن تبع، وقِنا في حبهم شر كل عزول...

• • •

 

المقدمة رقم (26)

الحمد لله رب العرش رب العوالم، يتولى الخلائق بلطفه فنعم الوكيل...

ترى في الأناسي كل مصحح وسالم، وقد ترى فيهم الكل العليل...

وفيهم ذوات الفضل الكرائم.. وصويحبات المعروف والخلق الجميل...

وفيهم ذوات الكيد ربات الشتائم.. قد أخذن من الأدب الشيء القليل...

وأصحاب بدع قد خدعوا البراعم.. وقلة من أهل العلم والفكر الأصيل...

وقليل من أهل الجد أصحاب العزائم.. وكثرة من أرباب الجهل والرأي الهزيل...

وأرباب طمع قد احتملوا المظالم.. ضيع الفقير فيهم واليتيم وابن السبيل...

وكثرة ترعى كما ترعى البهائم.. لا الأمر ولا النهي يجدي والصبر قد عيل...

ودعاة فسق قد اقتسموا المغانم.. أفعالهم مهالك وأقوالهم تضليل...

والإله من ورائهم محيط وعالم.. قد يهدي ويصلح أو يرسل الطير الأبابيل...

فدعِ الخلق لربهم وسلِّم وسالم فله الأمر من قبل ومن بعد كما جاء في التنزيل...

وأشهد أن لا إله إلا الله الحيُّ الدائم.. يقول الحق وهو يهدي السبيل...

ألهم الإنسان من الخلق المكارم.. وحذره من الفعل والخلق الرذيل...

أمره في السلم بأن يسالم.. وبالنصر حربًا أو يكون هو القتيل...

وأباح في الغنى التنوع في المطاعم.. وحين الفقر عليه أن يقنع بالقليل...

وإن عم القحط وجب التراحم.. وفي الرخاء يجود ولو بالقليل...

وحال الصحة فعليه أن يزاحم.. مع الطائعين ويأتي بالعمل الجليل...

وفي المرض رخص ما يلائم.. كل عاجز وكذا الشيخ العليل...

وإن اجتمع الناس على المحارم.. فعليه أن يعتزل الفعل والقيل...

وإن اجتمعوا على المعروف فالعالم يذكِّر والإمام يقرأ ولا يطيل...

وإن تعارض الأمران فخيرهما يوائم.. ويتجنب في أخراه الأخذ الوبيل...

تلك أمارات على الطريق ومعالم.. فاختر لنفسك من الصلحاء الخليل...

واحذر لدى الأوقات غفوة النائم.. وإياك.. إياك لو أقبلت الدنيا أن تميل...

فكم طارت بأجنحة الغرور حمائم.. وهوت أسيرة الفخاخ بعد قليل...

وكم فاحت بطيب الأريج براعم.. صبحًا فداستها النعال بحلول الأصيل...

وقد يغدو الفحل مختالًا بين السوائم.. وصاحبه يربيه طعامًا للقبيل...

فلُذْ بمَليكِ العرش ودع عنك المزاعم.. راضيًا خاضعًا خضوع الذليل...

وجنب ظهرك ويحك حملان المآثم.. فصراط جهنم أدق من الفتيل...

وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله بالشرع قائم، مَن تبع سنته رشد، ومن تركها حُرم الدليل..

سائل كل منصف بالحق عالم.. كيف كان الناس قبيل التنزيل...

كيف والحليم منهم بالصنم هائم.. وطوافهم بالبيت صفق وعويل...

كيف والنساء فيهم للإماء توائم.. وبناتهم عليهن التراب أهيل...

تستصرخ الموءودة فيهم قلب راحم.. أو عاقلًا منهم لعثرة القوم يقيل...

وضعيفهم أمسى وليس له من الظلم عاصم.. ويتيمهم أصبح مقهورًا كالفصيل...

والبِغاء أقيمت على موائده الولائم.. لكل راغب، وكذا الضيف النزيل...

وشريفهم لفتاته مكرِهًا يساوم.. طالب المتعة في المبيت أو المقيل...

والميسر لهوهم والأنصاب لها مراسم.. والخمر من أجلها زُرع النخيل...

والوزن بخس والميزان بلا قوائم.. والغش بيع إذا نقص المكيل...

والأمن مفقود والغاصب بغير لائم.. وحق الجار قد ضيع بالأفاعيل...

تباغض وتدابر وتباعد وتظالم.. وكفر وفسق وجهل يفتقد المثيل...

فنزل الأمين والنور له ملازم.. على من بنور سنَّته تمحى الأباطيل...

فأنعم به مسكًا للنبين خاتم.. وأكرم به مبعوثًا للشرور يزيل...

فانظر إذا شئت واقرأ في التراجم.. لن تجد في الناس عذبًا كهذا السلسبيل...

لولاه ما استيقظ من غفلة الشرك نائم.. ولأصبح إحياء القلوب من المستحيل...

فيا رب، صلِّ على تاج أولي العزائم.. من ليس لشريعته شرع بديل...

وجازه عن كل قائم من أمته وصائم.. وعن نوره الذي به انقشع الليل الطويل..

• • •

 

المقدمة رقم (27)

الحمد لله الملك القدوس السلام...

الذي أعطى كل شيء خلقه على الكمال وعلى التمام...

رفع السماء بلا عمد والأرض وضعها للأنام...

فيها جنات معروشات وغير معروشات والنخل ذات الأكمام...

وجبال وظلال ولباس وشراب وطعام...

وخيل وبغال وحمير وأنعام...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق