الاثنين، 25 أبريل 2022

مضاعفة الأجر في غير ليلة القدر

 

مضاعفة الأجر في غير ليلة القدر


يجتهدُ المسلمون في تحرِّي ليلة القدر؛ لقيامها والاجتهاد في العبادة فيها؛ طلبًا لأجرها، فقد أنزل الله تعالى فيها سورةً كاملة، وقال فيها سبحانه: ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ [القدر: 3]، وقال عنها رسولُه صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم رمضانُ شهرٌ مبارك، فرَض اللهُ عليكم صيامَه، تُفتَح فيه أبوابُ السماء، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدةُ الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ مِن ألف شهرٍ، مَن حُرِم خيرها فقد حُرِم))؛ صحيح الجامع.

 

فالعمل الصالح في هذه الليلة أفضلُ مِن عبادة ألف شهرٍ؛ أي: أكثر من 83 سنةً، ليس فيها هذه الليلة، وهذا مِن فضل الله على هذه الأمَّة، ولكن فضلَ الله الواسعَ ليس محصورًا في يومٍ من السنة، بل يستطيع المسلم المسدَّد أن ينال مثلَ هذا الأجر العظيم أو أكثر، في كل يوم، وفي كل جمعة، وفي كل شهر، وفي كل سنة؛ فقد ثبت في السنة المطهَّرة تفضيلُ بعضِ الأيام على بعضٍ، وبعض العبادات على بعض، وبعض الأحوال على بعض، وبعض الأمكنة على بعض؛ منها:

1- الصلاة في المسجد الحرام:

عن جابر رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاةٌ في مسجدي أفضلُ من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضلُ من مائةِ ألف صلاة فيما سواه))؛ صحيح الترغيب والترهيب.

 

فصلاةٌ واحدة في المسجد الحرام أفضلُ من صلاة 56 سنةً (هجرية) فيما سواه من المساجد، وأداءُ الصلوات الخمسِ في المسجد الحرام في يوم واحدٍ أفضلُ مِن صلاة 282 سنة فيما سواه من المساجد.

فطُوبى لجيرانِ هذا المسجد العظيم، وطوبى لمن قصدوه ابتغاءَ نَيْل أجر الصلاة فيه، وليحذروا الظلمَ والعدوان فيه، فإنه كما يُضاعَف الأجر يضاعف الوِزْر فيه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].

 

وعن سعيد بن عمرو قال: أتى عبدُالله بن عمرٍو رضي الله عنهما ابنَ الزبير وهو جالسٌ في الحِجْر، فقال: يا بنَ الزبير، إياك والإلحادَ في حرم الله؛ فإني أَشهدُ لسمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يحلُّها - يعني مكة - ويحلُّ به - يعني الحرم المكي- رجلٌ من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت))؛ الصحيحة.

 

2-المبالغة في التبكير لصلاةِ الجمعة مع موافاةِ بعضِ الشروط:

عن أوسِ بن أوسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن غسل يوم الجمعة واغتَسَل، وبكَّر وابتكر، ومشَى ولم يركب، ودنا من الإمامِ واستمع ولم يلغُ - كان له بكل خطوةٍ عملُ سنةٍ؛ أجرُ صيامها وقيامها))؛ صحيح ابن ماجه.

فقوله: ((مَن غسل)): أي غسل رأسه، كما دل عليه الحديث الذي رواه أبو داود - وصححه الألبانيُّ، عن أوس الثقفيِّ - بلفظ: ((مَن غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل...))، وساق نحوه.

 

أما قوله: ((ودنا من الإمام))؛ أي: في الصف الأول، وليس كما فهِمه البعض من الاقتراب من المنبر، ولو في الصف الثاني والثالث، وترك الصف الأول فارغًا لبُعد المسافة عن المنبر!

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال قومٌ يتأخَّرون عن الصف الأوَّل حتى يُؤخِّرهم الله))؛ صحيح أبي داود.

 

قال الشوكانيُّ في نيل الأوطار: "والحديث يدلُّ على مشروعية الغسل يوم الجمعة، وعلى مشروعية التبكير، والمشي، والدُّنُوِّ من الإمام، والاستماع، وترك اللغو، وإن الجمع بين هذه الأمور سببٌ لاستحقاق ذلك الثواب الجزيل".

فبهذه العبادةِ اليسيرة التي خصَّ بها الله سبحانه هذه الأمَّة، ينال المسلمُ المسدَّد أجرَ صيام وقيام مئات السنوات في ساعات.

 

3- موت المسلم في طريقه للحجِّ والعمرة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن خرج حاجًّا فمات، كُتِب له أجر الحاجِّ إلى يوم القيامة، ومَن خرج معتمرًا فمات، كُتِب له أجرُ المعتمر إلى يوم القيامة، ومَن خرج غازيًا فمات، كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة))؛ الصحيحة.

 

4- التمسُّك بالدين عند الفتنة:

عن عتبة بن غزوان - أخي بني مازن بن صعصعة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن مِن ورائكم أيامَ الصبرِ، للمتمسِّك فيهن يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم))، قالوا: يا نبيَّ الله، أَوْ منهم؟ قال: ((بل منكم))؛ الصحيحة.

وعن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((العبادةُ في الهَرْجِ كهجرةٍ إليَّ))؛ رواه مسلم.

قال النوويُّ: "المراد بالهَرْج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس... وسبب كثرة فضلِ العبادة في الهَرْج أن الناس يغفُلُون عنها، ويشتَغِلُون عنها، ولا يتفرَّغ لها إلا أفرادٌ".

 

5- الرباط في سبيل الله: عن مجاهد قال:

كان أبو هريرة رضي الله عنه في الرباطِ، ففزعوا إلى الساحل، ثم قيل: لا بأسَ، فانصرف الناس، وأبو هريرة واقفٌ، فمرَّ به إنسانٌ، فقال: ما يُوقِفك يا أبا هريرة؟ فقال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((موقفُ ساعةٍ في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود))؛ صحيح الترغيب والترهيب.

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَلَا أُنبِّئُكم بليلةٍ أفضلَ من ليلةِ القدر؟ حارسٌ حرَس في أرض خوفٍ؛ لعله ألّا يرجع إلى أهله))؛ صحيح الترغيب والترهيب.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((رِباطُ شهرٍ خيرٌ من صيامِ دهرٍ، ومَن مات مرابطًا في سبيل الله أمِن من الفزع الأكبر، وغُدي عليه برزقه، ورِيحَ من الجنة، ويُجرَى عليه أجر المرابط، حتى يبعثه الله عز وجل))؛ صحيح الترغيب والترهيب.

 

6- الجهاد في سبيل الله:

عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مقامُ الرجل في الصفِّ في سبيل الله أفضلُ عند الله من عبادةِ الرجل ستين سنةً))؛ صحيح الترغيب والترهيب.

 

وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن امرأةً أتَتْه فقالت: يا رسول الله، انطلق زوجي غازيًا، وكنت أقتدي بصلاتِه إذا صلَّى، وبفعله كله، فأخبرني بعملٍ يبلغني عمله حتى يرجع، قال لها: ((أتستطيعين أن تقومي ولا تقعدي، وتصومي ولا تُفطِري، وتَذْكري الله تعالى ولا تَفْتُري حتى يرجع؟))، قالت: ما أُطِيق هذا يا رسول الله، فقال: ((والذي نفسي بيده، لو طُوِّقتيه ما بلغتِ العشرَ مِن عمله))؛ صحيح الترغيب والترهيب.

 

7- الاجتهاد في العشر من ذي الحجة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيامٍ العملُ الصالح فيها أحبُّ إلى الله عز وجل من هذه الأيام))؛ يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجِعْ من ذلك بشيء))؛ رواه البخاري.

 

وفي رواية للدارمِيِّ بسند صحيح، بلفظ: ((ما مِن عملٍ أزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرًا مِن خيرٍ يعمَلُه في عشر الأضحى))، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء))، وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادًا شديدًا حتى ما يكاد يقدر عليه.

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أفضلَ أيامِ الدنيا أيامُ العشر))، قالوا: يا رسول الله، ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ((ولا مثلهن في سبيل الله، إلا مَن عفَّر وجهه في الترابِ))؛ صحيح الترغيب والترهيب.

 

فلله الحمد عدد خلقه، ورضا نفسه، وزِنَة عرشه، ومداد كلماته، الذي قال: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وقال: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، القائلِ: ((ما بقي شيءٌ يُقرِّب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم))؛ الصحيحة.

 

فالسعيد مَن اغتنم فضائلَ الأمكنة والمواقف، ومواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، عسى أن تُصيبَه نفحةٌ من النفحات، يسعَدُ بها سعادةً لا يشقى بعدها أبدًا، ويأمَنُ بعدها من النار وما فيها من اللفحات.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق