الخميس، 1 أبريل 2021

لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد أمر الله الإنسان أن يسير في الأرض ليبحث وينظر في بداية الخلق والكون، فقال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [العنكبوت:19]

 

لحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد أمر الله الإنسان أن يسير في الأرض ليبحث وينظر في بداية الخلق والكون، فقال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [العنكبوت:19] . ثم بين الله أن طريق هذه المعرفة هو السير في الأرض مع النظر والتفكر، فقال في الآية التي تليها: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [العنكبوت:20] ، فلما سار الإنسان وصل إلى بعض الحقائق والنتائج:
ففي عام 1927م عرض العالم البلجيكي جورج لوميتر نظرية الانفجار العظيم (والنظرية فوق الفرضية ودون الحقيقية) والتي تقول: بأن الكون كان في بدء نشأته كتلة غازية عظيمة الكثافة واللمعان والحرارة، ثم بتأثير الضغط الهائل المتأتي من شدة حرارتها حدث انفجار عظيم فتق الكتلة الغازية، وقذف بأجزائها في كل اتجاه، فتكونت مع مرور الوقت الكواكب والنجوم والمجرات.
وفي عام 1964م اكتشف العالمان باتريس وويلسون موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون لها نفس الميزات الفيزيائية في أي مكان سجلت فيه، سميت بالنور المتحجر وهو النور الآتي من الأزمنة السحيقة، ومن بقايا الانفجار العظيم الذي حصل في الثواني التي تلت نشأة الكون.
وفي عام 1989م أرسلت وكالة الفضاء الأميريكية (ناسا) قمرها الصناعي، والذي أرسل بعد ثلاث سنوات معلومات دقيقة تؤكد نظرية الانفجار العظيم.
وفي سنة 1986م أرسلت المحطات الفضائية السوفياتية معلومات تؤيد نظرية الانفجار العظيم.
ولعل هذه النتائج التي وصلوا إليها بعد جهد جهيد، وزمن مديد هي التي أشار إليها القرآن في سياق دعوة الكافرين إلى الإيمان، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) ][الأنبياء:30] . ومعنى الآية: أن الأرض والسموات بما تحويه من مجرات وكواكب ونجوم، والتي تشكل بمجموعها الكون الذي نعيش فيه كانت في الأصل عبارة عن كتلة واحدة ملتصقة، وقوله (رَتْقاً) أي: ملتصقتين، إذ الرتق هو الالتصاق، ثم حدث لهذه الكتلة الواحدة فتق أي انفصال وانفجار تكونت بعده المجرات والكواكب والنجوم، وهذا ما كشف عنه علماء الفلك في نهاية القرن العشرين، وأدق وصف للمادة التي نشأ منها الكون أنها دخان، كما قال الله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت:11] .
ويقرر علماء الفيزياء النظرية والفلكية أن الدخان الكوني كان خليطاً من الغازات الحارة المعتمة التي تتخللها بعض الجسيمات الأولية للمادة وأضداد المادة، قال الدكتور زغلول النجار : في الثامن من نوفمبر سنة 1989م أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية مركبة باسم (مكتشف الخلفية الإشعاعية للكون) ارتفعت إلى مدار حول الأرض يبلغ ارتفاعه ستمائة كيلو متر فوق مستوى سطح البحر، وذلك لقياس درجة حرارة الخلفية الإشعاعية للكون، وقياس كل من الكثافة المادية والضوئية والموجات الدقيقة في الكون المدرك، بعيداً عن تأثير كل من السحب والملوثات في المناطق الدنيا من الغلاف الغازي للأرض، وقام هذا القمر الصناعي المستكشف بإرسال قدر هائل من المعلومات وملايين الصور لآثار الدخان الكوني الأول الذي نتج عن عملية الانفجار العظيم للكون من على بعد عشرة مليارات من السنين الضوئية، وأثبتت تلك الصور أن هذا الدخان الكوني في حالة معتمة تماماً، تمثل حالة الإظلام التي سادت الكون في مراحله الأولى.
وكذا أخبرنا الله في كتابه عن اتساع الكون فقال: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذريات:47] .
والآية تشير إلى أن الكون المعبر عنه بلفظ السماء هو في حالة توسع دائم، يدل على ذلك لفظ (لَمُوسِعُونَ) فهو اسم فاعل بصيغة الجمع لفعل أوسع، وهو يفيد الاستمرار، لكن القرآن لم يبين تفاصيل الاتساع، وإنما أورده مجملاً، وهذا ما أثبته العلم الحديث.
ووجه الإعجاز في الآية لفظ (لَمُوسِعُونَ) الذي يفيد أن الكون في حالة توسع مستمر في الماضي والحال والاستقبال.
والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق