الأربعاء، 7 يوليو 2021

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية “إتيكيت فن التفاوض”

 

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية “إتيكيت فن التفاوض”

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة بروتوكول وإتيكيت فن التفاوض، وكيف يتبارون في وضع المراسم والخطوات التي تبدي أهمية التفاوض ومدى تقبّله عند الطرفين، سواء من كبار الشخصيات والوفود الرسمية أم في الأنشطة الرسمية أم غير الرسمية، والفردية منها أم من وفد أم تجمع أشخاص بمناسبة خاصة، حيث درست المدارس الدبلوماسية تأثير التفاوض ونتائجه من ناحية الربح أو الخسارة وتاثيره على نفسية الأشخاص والمجتمعات والدول وسلوكهم، وكانت نظريات علم النفس والاجتماع تقوم بدورٍ مهمٍ في وضع استراتيجيات هذا النوع من إتيكيت فن التفاوض. وفي البداية إن المفاوض البارع هو الذي يعتمد على التشاور والمشورة مع زملائه قبل التفاوض. ومن أهم صفات التفاوض الناجح للوصول إلى أفضل النتائج، التخطيط العلمي لحل المشكلات وتحقيق الأهداف وجمع المعلومات ذات العلاقة، وتحليلها ووضع تصورٍ للحلول الممكنة وتقويمها وتقديم المقترحات التي من شأنها أن تسهم في خلق جو من التعاون.

التَّفاوض الناجح يعتمد على الإقناع؛ لأنه يعتمد على اللباقة وحسن الحوار، ولأنه مستند على معلومات مهمة فهو يحتاج إلى الفراسة وسرعة البديهة وحسن الكلام والمنطق والإقناع والتَّلاعب بالكلمات، بما يتناسب مع الموقف، والتشاور مع المختصين لإيضاح الموقف من التفاوض.

والكثيرون منا قد يقعون في مواقف صعبة إذا لم يمتلكوا مهارات التَّفاوض وهي فقرة التشاور، وإذا تحققت المشاورة على وجهها الصحيح قبل التفاوض فإن لها من الآثار الإيجابية ما لا يخفى. وإن من أهداف التفاوض هو التشاور قبل المباحثات وهو للقضاء على الفردية والدكتاتورية والارتجال، وتجنيب الأمة آثار المواقف والقرارات الفردية.

وقد تحدَّث القرآن الكريم عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التفصيل والعُمق منذ نشوء الدعوة الإسلامية المباركة؛ فإن بروتوكول وإتيكيت التفاوض في كثير من الآيات القرآنية الكريمة يعطينا درساً للاقتداء به وممارسته في حياتنا العملية، وكان رسولنا الكريم -صلّى الله عليه وسلم- يحث على هذا النسق الراقي في الحياة والدعوة إلى التعرف على بعض المفاهيم والحقائق عن التفاوض والتي تم سردها في آيات القرآن الكريم، فالله -سبحانه وتعالى- يعلم أن خير وسيلة لتربية الأمة وإعدادها للقيادة الرشيدة أن تُربَّى بالتفاوض وتبادل الآراء والمشورة للوصول إلى أفضل الحلول، والتدرب على خاصية الإقناع والتفاوض.

قال تعالى : "فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا " 233 سورة البقرة ، هذه الآية الكريمة تعطينا درسًا في كيفية التفاوض والوصول إلى أفضل النتائج بعد التشاور والتباحث بالأمر مما كانت المشكلة، وقال تعالى" وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ .. " (46 سورة الأنفال)، وهذه إحدى نقاط ضعف وسلبيات فريق التفاوض إذ حصل خلاف في الآراء وكيفية طرق التفاوض بين المجموعة وإن فشلوا بالوصول إلى هدف المفاوضات وبالتالي فإن النتائج سوف تكون مدمرة وتؤدي إلى الشقاق وضياع الهدف المرجو، وأن هذا الشتات واختلاف الرأي في الفريق الواحد يعطي القوة للطرف الثاني المفاوض المتماسك. قال تعالى "وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله "( 159 آل عمران ) ، وهي آية كريمة واضحة على الوصول بأعلى النتائج في التفاوض بعد اعتماد مبدأ المشورة والمناقشة مع الفريق المفاوض، والعزيمة تعني الثقة بالمعلومات وبالأهداف الواجب الوصول لها ثم النقطة الثالثة وهي التوكل على الله لأن الإيمان أعلى درجات قوة المفاوض.

الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- قدوتنا في فن التفاوض وعلينا الاقتداء به والتعلم منه، حيث أثبت في كل المواقف مدى براعته في التَّفاوض، ونذكر هنا صلح الحديبية، وقدرته العالية على التَّفاوض مع أهل قريش، وتمكَّن بذكائه من حلِّ الكثير من المشكلات أثناء كتابة التَّفاوض بينهم، لافتة إلى أنَّ مهارات التَّفاوض، التي استخدمها النَّبي، صلى الله عليه وسلم، يمكننا الاستفادة منها وتطبيقها بدلا من الركض خلف المدارس الأجنبية وهي الصبر، الاستماع إلى الطرف الآخر بكل احترام وتقدير، الفراسة وفهم منطق المقابل، عدم النبش فيما مضى،البدء بحسن النية، تقبل النصيحة من الشركاء، انتهاز الفرص، وأخيرًا التنازل في بعض النقاط لا يعني الخسارة (مبدأ خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام) وهو أحد بنود فن التفاوض في المدارس الدبلوماسية، ومثال ذلك التفاوض النبوي في صلح الحديبية حيث أفصح عن دبلوماسية عالية جداً تمتع بها رسولنا الكريم، فعندما جاء" سهيل بن عمرو " للتفاوض على شروط الحديبية لم يتنازل عن هدف التفاوض الاستراتيجي بأداء مناسك العمرة، بل تنازل عن رتوش وصغائر دون أن يُغير الثوابت، فلم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أية مشكلة في كتابة «بسمك اللهم» بدلاً من «بسم الله الرحمن الرحيم» كما أنه لم يجد أية مشكلة في كتابة «محمد بن عبدالله» بدلاً من «محمد رسول الله» ؛ لأن الثوابت باقية، فهو لم يكتب مثلاً بسم آلهة قريش، كما أنَّ هذا التغيير في الخطاب لم يُخسر المسلمين الهدف التفاوضي الأساسي كما ذكرت آنفاً، حيث ركز على جوهر التفاوض وأهدافه الاستراتيجية وجعل الطرف الآخر يشعر بأنه شريك له وليس نداً.

إن السيرة النبوية مدرسة غنية وثرية في فن المفاوضات معتمدة على القرآن الكريم وكان من أشهر المفاوضات في التاريخ الاسلامي تلك التي تمت بين صلاح الدين الأيوبي وريتشارد قلب الأسد، ملك بريطانيا في أثناء الحملة الصليبية الثالثة على الشرق (1191 ـ 1192م). وقد وضعت النهاية في صلح الرملة، الذي وقع بينهما، في 2 سبتمبر/أيلول 1192م وكان للفريقين مسوغاتهما في دخول المفاوضات، وتوقيع هذا الصلح، كما أنهما أظهرا مهارات جمة في التفاوض والصبر واحترام الطرف الثاني واستبعاد النية في مراكز القوى وتقديم أفضلية الشعب والأمة على الأهداف الفردية السلطوية، والوقوف على ما يفيد منها في توضيح الأسس، التي تقوم عليها الدبلوماسية.

و في الختام ، إن التفاوض وفن الإقناع يبدأ من العائلة (من الأب والأم والأولاد) والزوج والزوجة وأغلب مشاكل الطلاق التي تقع كل يوم لهي دليل على عدم وجود فن التفاوض والإقناع بين الاثنين لتصبح أصغر مشكلة هي أكبر مشكلة تهدد وتدمر كيان العائلة؛ لذلك علينا جميعا الاقتداء بذكاء وأخلاق الرسول الكريم التي هي مستمدة من القرآن الكريم بدلًا من الركض خلف المدارس الأجنبية في تطبيق مبادئ التفاوض والتي هي أصلا مستوحاة من القرآن الكريم وسيرة النبي محمد والصحابة وآل بيته الكرام.

- منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التفاوض

 

الرسول صلى الله عليه وسلم مفاوضا ومستشيرا

1- تعريف التفاوض وعناصره

أ- مفهوم التفاوض
  • لغة : من فوض الأمر، أي رده وأوكله لشخص أخر، ونقول فاوضه مفاوضة أي بادله الرأي للوصول إلى تسوية واتفاق.
  • اصطلاحا : أسلوب من أساليب حل النزاعات وتسوية الصراعات بين المختلفين حول قضايا معقدة تتداخل فيها المصالح المادية مع قضايا الهوية والكرامة والعقيدة.
ب- عناصر التفاوض
  • القضية التفاوضية : موضوع التفاوض.
  • أطراف التفاوض : لابد للتفاوض أن يكون بين طرفين أو أكثر ويستحسن وجود عنصر محايد.
  • الموقف التفاوضي : يجب على المتفاوض أن يكون مرنا و عالما بالقضية التفاوضية لكي يكون سريع التكيف مع مستجدات التفاوض.

2- منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في التفاوض

أ- مميزات أسلوب تفاوض الرسول صلى الله عليه وسلم

تميز أسلوب تفاوض رسول الله صلى الله عليه وسلمبمميزات منها:

  • اختيار عثمان بن عفان رضي الله عنه مبعوثا لمكانته عند قريش قبل دخوله الإسلام.
  • تقوية البيعة لموقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند التفاوض: و ذلك ببيعة الرضوان التي بايع المسلمون فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الثبات.
  • إرباك الخصوم باستمالة بعض سادة قريش لصفه، كسيد الأحابش« الحليس بن علقمة » لما أظهر الرسول صلى الله عليه وسلم أمامه الهدي، فتأكد أنه قدم للعبادة، فعاد إلى قريش ليهددها أنه سيقف ضدا عليها إن منعت عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
  • فرض الاحترام لقواعد التفاوض و ذلك باشتراط إطلاق سراح عثمان رضي الله عنه مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم لقريش ثمنا للسلم.
  • كفاءة الانسحاب التفاوضي بقبول الرسول صلى الله عليه وسلم شرط عدم كتابة البسملة، و شرط محو صفة رسول الله ، حفظا لماء وجه قريش، مما يعكس حكمة ومرونة الرسول صلى الله عليه و سلم في تجاوز الأمور الثانوية، والثبات على المبادئ الأساسية لإنجاح التفاوض.

3- الشورى منهج الرسول صلى الله عليه وسلم

أ- مفهوم التشاور
  • لغة : مشتقة من أشار عليه، واستشاره أي طلب رأيه في أمر يهمه.
  • اصطلاحا : إشراك أهل الرأي السديد و العلم المجيد في اتخاذ القرار الرشيد.
ب- فوائد التشاور
  • توحيد الرؤى بين الناس وتدبير الاختلاف بينهم لاختيار القرار المناسب.
  • تدبير الشؤون الاجتماعية و السياسة و الاقتصادية بالشكل الصحيح.
  • الاستفادة من تجربة و خبرة الآخرين.
  • التعبير عن التواضع وخفض الجانب للغير.

4- الشورى مبدأ أصيل في الاسلام

  • اعتمد الرسول صلى الله عليه و سلم مبدأ الشورى في تسييره لأمور المسلمين، امتثالا لقوله تعالى : ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفر لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي  الْأَمر فَإِذَا عَزَمتَُّْ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِۚنَّ اللَّهَ يُحِب الْمُتَوَكِّلِننَ ﴾ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثِر مِن مُشاورة أصحابه في قضايا الحروب والسلْم حتَّى قال أبو هريرة رضي الله عنه : "ما رأيت أحدًا أكثر مُشاورةً لأصحابه مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أ- استشارته صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة بدر
  • استشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في غزوة بدر، فأشار عليه أبو بكر وعمر والمِقداد رضي الله عنهم، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُريد الأنصارَ بهذه الاستِشارة، ففطن سعد بن معاذ لمراد الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف وقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله، قال: أجل قال: قد آمنا بك، وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك.
ب- استشارته صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة أحد
  • عِندما عَلِم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ قريشًا قد جاءت لحرْبِه ووصلَتْ إلى مَشارف المدينة، فاستشار أصحابه، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم الدفاعَ في المدينة وعدم الخروج إلى أحد، ولكن أغلبيَّة المسلمين وخاصَّةً مَن فاتَهم القِتالُ في بدر أرادوا الخروج إلى أُحُد ومُنازَلة المُشركين هناك، فوافَق النبيُّ صلى الله عليه وسلم على رأي الأغلبيَّة، وقرَّر مغادَرة المدينة والخروج إلى أُحُد.
ج- مشاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة
  • في صلح الحديبية حيث استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في شأن مخالفة الصحابة لأمره بنحر هديهم وحلق رؤوسهم، فأشارت عليه أن يخرج دون أن يكلم أحدا منهم، وينحر هديه، ثم يحلق شعره، وعندما رآه الصحابة قاموا فنحروا وحلقوا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم .
  • ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  • التَّفاوض هو درب من دروب الفن، قليلون هم من يمتلكون مهاراته ومقوِّماته، فهو يحتاج إلى الفراسة وسرعة البديهة وحسن الكلام والمنطق والإقناع والتَّلاعب بالكلمات، بما يتناسب مع الموقف، والكثيرون منا قد يقعون في مواقف صعبة، وبالرغم من أنَّ لديهم دوافع قويَّة، إلا أنَّهم قد يخسرون المعركة؛ إذا لم يمتلكوا إحدى مهارات التَّفاوض، والتي قد تجعل الطَّرف الآخر هو المنتصر؛ نظرًا لقدرته على التَّفاوض بطريقة تضمن انتصاره وحقوقه.
    وهنا ترشدك «سيِّدتي» إلى كيفيَّة تعلُّم التَّفاوض الإيجابي؛ من خلال نصائح الأخصائيَّة النفسيَّة والاجتماعيَّة «مها الصويغ».
    إذا أردنا تعلُّم التَّفاوض الإيجابي، فليكن قدوتنا الأول هو الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي أثبت في عدَّة مواقف مدى براعته في التَّفاوض، ونذكر هنا صلح الحديبية، حيث أثبت الرَّسول الكريم قدرة عالية على التَّفاوض مع أهل قريش، وتمكَّن بذكائه من حلِّ الكثير من المشكلات أثناء كتابة التَّفاوض بينهم، لافتة إلى أنَّ مهارات التَّفاوض، التي استخدمها النَّبي، صلى الله عليه وسلم، يمكننا الاستفادة منها، وتتمثَّل فيما يلي:
    - الصَّبر والاستماع للطَّرف الآخر: انتظر النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن تأتي قريش برسولها، ولم يبادر، وهو أمر جيِّد في التَّفاوض أن تستمع للطَّرف الآخر أوَّلا.
    - الفراسة وفهم منطق الآخرين: عامل النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم- رسل قريش بعقليَّتهم، وهو أمر جيِّد أن تعامل الآخر بمنطقه لكي تغلبه.
    - الفعل أقوى من الكلام: يجب استعمال الحكمة لكسب التَّفاوض دون التحدُّث، كما حدث مع الحُلَيس بن عَلقَمة، والذي كان يعظِّم شعائر البيت، فعندما رأى الذَّبائح، التي يستعد المسلمون لذَبْحها لوجه الله تعالى، رجع إلى قومه.
    - عدم النَّبش فيما مضى: تجنَّب النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- الحديث أو التَّذكير بما فعلته قريش به هو وأصحابه فيما مضى، ولعلَّ ذلك لكي لا تحدث نتائج سلبيَّة في المفاوضات.
    - البدء بالمفاوضة: بعدما استمع النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- للطَّرف الآخر، وكوَّن فكرة عما يفكِّر فيه، قام بإرسال مفاوضه ليؤكِّد على نيَّته الحسنة.
    - إبداء حسن النيَّة: عندما أرسلت قريش خمسين رجلا لمشاغبة أصحاب النَّبي واستفزازهم، تمَّ الإمساك بهم جميعًا، ثمَّ تمَّ تسليمهم لقريش بدون أن يصاب أحدهم بسوء، وهو فعل يبدي حسن النيَّة.
    - تقبُّل النَّصيحة من الشُّركاء: عندما رفض عمر بن الخطاب طلب النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- للذَّهاب للمفاوضة، ورشَّح عثمان بن عفان؛ لما يرى فيه من شأن له عند قريش، وافق النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكان له في ذلك رأي صائب.
    - الولاء للجميع: بعدما ذهب عثمان بن عفان إلى قريش، وأدلى بالشُّروط، حاولت قريش رشوة عثمان بن عفان والسَّماح له منفردًا بالطَّواف بالبيت، لكنَّه رفض، ورجع إلى قومه مؤكدًا على موقفه.
    - انتهاز الفرص: عندما أتى سُهَيلِ بن عمرٍو لِيَكتب شروط الصُّلح، وافق النَّبي على ذلك؛ نظرًا لما يتمتَّع به سهيل من هدوء وحكمة، فالفرصة قد لا تأتي مرَّة أخرى، ولكنَّه أيضًا أدلى بشروطه هو الآخر.
    - التَّنازل لا يضرُّ أحيانًا: قبول التَّنازل عما ليس في ضرر قد يكون في مصلحة التَّفاوض، فعندما اعترض سهيل بن عمرو على عبارة «بسم الله الرَّحمن الرَّحيم»، أبدلها بـ«اكتب باسمك اللهم»، وعندما رفض كتابة لفظ رسول الله، أبدلها باسمه واسم ابيه، وبذلك كان الرِّبح أكثر من أنَّه تنازل وأعاد الصِّياغة بما يراه مناسبًا.
    وهنا نرى أنَّ النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ضرب لنا في مفاوضته أحد أروع النَّماذج، التي يمكن أن نحتذي به فيها، ونتعلَّم منه المفاوضة دون اللجوء لإهانة أنفسنا أو إهانة الآخرين، وفي نفس الوقت كسب نقطة من شأنها أن تكون في الصَّالح العام مستقبلا، وذلك هو ما حدث، وبسبب تلك المعاهدة، كان فتح مكَّة العام التَّالي لها.

قصص فى التفاوض لرسولنا الكريم

 

قصص فى التفاوض لرسولنا الكريم
عن أبي أمامة أن فتى شابا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا (مه، مه) فقال: ادن، فدنا منه قريبا.
قال: فجلس.
قال: أتحبه لأمك ؟
قال: لا والله، جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم.
قال: أتحبه لأختك ؟
قال: لا والله جعلني الله فداءك.
قال: والناس لا يحبونه لأخواتهم.
قال: أتحبه لعمتك؟
قال: لا والله ، جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم.
قال: أتحبه لخالتك؟
قال: لا والله، جعلني الله فداءك.
قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.
قال: فوضع يده عليه وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وأحصن فرجه".
فلم يكن من الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء. رواه أحمد
ألم تلاحظوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يستخدم أسلوب اللوم أو العقاب، وإنما استخدم أسلوب الحوار والمناقشة، وطرح الأسئلة، ليدع المجال للأخر للتفكير في أمره. ولاحظوا معي هذه النقاط بالنسبة لهذا الموقف:
المجالسة
الرفق
الاحتواء
الحوار
السؤال
الاستماع
الاختيار
الذات
القناعة
الحوافز
الدعاء
واللمسة الأبوية.
في الحديث يظهر أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم
في إرشاد من يسأل رائع ومميز وملفت
لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى
علمنا فيه كيف نتعامل مع من يخطأ العــمل
 

فن التفاوض النبوي

فكرت مليَّاً في كتابة مقال يشرح التفاوض من ناحية عملية مستنداً إلى أحداث واقعية، وقلبت التاريخ العربي والأعجمي وعثرت على الكثير من المواقف القديمة والحديثة التي يمكن من خلالها إستنباط وإستشفاف مهارات تفوق ما نقرأه في كتب اليوم، وفي الحقيقية، لم أجد أفضل من البدء في المواقف التفاوضية الموجودة في السيرة العطرة لرسولنا الشريف محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم والتي تحمل في طيَّاتها عِبَر أخلاقية عظيمة ومهارات إدارية عالية ممزوجة بواقعية الموقف دون مبالغة، كما جسَّد رسول الله من خلال تفاوضاته دروساً سجلها التاريخ على أنها كانت فعلاً في صالح الإسلام والمسلمين، وإلى أبعد من ذلك، فعندما نقرأ سيرة الرسول الكريم من يوم بعثته إلى وفاته نجد أنه كان مفاوضاً مُحنكاً بالفعل، فقد كان صلى الله عليه وسلم يفاوض في كل ما يحتمل التفاوض، وكان يُقدِّر وضعه وقوته قبل أن يُصدر أي قرار يترتب عليه نتائج مهمة.

لو نظرنا في تفاوض الرسول الكريم في « صلح الحديبية » عندما تحرك من المدينة المنورة إلى مكة معتمراً واعترضه كفار مكة، الجميع يعلم هذه الواقعة ولا مجال لسرد القصة هنا، ولكن سأسلط الضوء على الجزء الأهم في تفاوض الحديبية، فعندما جاء « سهيل بن عمرو » للتفاوض وعقد الصلح مع المسلمين، إتفق مع رسول الله على الشروط التالية:

  1. رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من عامه وعدم دخول مكة، وإذا كان العام القادم دخلها المسلمون بسلاح الراكب، فأقاموا بها ثلاثاً.
  2. وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس.
  3. من أحب أن يدخل في عقد مع محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد مع قريش وعهدهم دخل فيه.
  4. من أتى محمداً من قريش من غير إذن وليه رده إليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يرد إليه.

موقف رأى فيه المسلمون أنه إذلال لهم وهزيمة رغم قدرتهم على القتال، وكان على رأسهم الفاروق رضي الله عنه، ولكن الرسول الكريم كان يعلم أين الحكمة، كما علم نتائج الحروب والغزوات المستمرة، التي قد لا تأتي بثمار الدعوة المرجوة بنشرها ودخول أكبر عدد من الناس في الإسلام، فالأوقات العصيبة المشحونة تهيج العواطف والعصبيات لِتُهيمن على صوت العقل الذي يهدي بدوره إلى الحق. إذا راجعت شروط الحديبية، تجد أنَّ رسول الله قد أنجز ما أراد دون سفك للدماء، وحتى إن تأخر ما أراده عاماً كاملاً، إلاَّ أنه أنجزه بالفعل، فرسولنا عندما تفاوض على شروط الحديبية لم يتنازل عن هدف التفاوض الإستراتيجي بأداء مناسك العمرة، بل تنازل عن رتوش وصغائر دون أن يُغير الثوابت، فلم يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مشكلة في كتابة « بسمك اللهم » بدلاً من « بسم الله الرحمن الرحيم »، كما أنه لم يجد أي مشكلة في كتابة « محمد بن عبدالله » بدلاً من « محمد رسول الله »، لأن الثوابت باقية، فهو لم يكتب مثلاً بسم آلهة قريش، كما أنَّ هذا التغيير في الخطاب لم يُخسر المسلمين الهدف التفاوضي الأساسي كما ذكرت آنفاً … أداء مناسك العمرة بأمن وسلام وحراسة كاملة، أضف إلى أنَّ المسلمين كانوا بحاجة إلى هدنة مدتها عشرة أعوام بدون حروب للتفرغ للدعوة بأمان ونشر الإسلام في أرجاء الجزيرة العربية، وقد أجمع علماء المسلمين على أنَّ هذه الفترة كانت الفترة الذهبية للدعوة.

التفاوض النبوي في صلح الحديبية أفصح عن دبلوماسية عالية جداً تمتع بها رسولنا الكريم، وحتى لمن يقول أنه كان نبياً يتصرف بأمر الله ولم يكن بشراً عادياً، أقول أنظر إلى تلك التجربة نفسها على أنها درس رائع لك وتعلم من أحداثها كيف تفاوض من حولك، كم مرة في اليوم الواحد أو الأسبوع الواحد نصطدم بمثل تلك الحالات مع عملاءنا ومديرينا؟ ألا نسعى دائماً أن نحصل على كلمة ( نعم ) ولكننا في النهاية نحصل على كلمة ( لا )؟ أليس عملائنا دائماً يفضلون حل رابح لهم وخاسر لنا؟ ما ضرَّ قريش السماح للنبي والمسلمين بأداء مناسك العمرة في عام الحديبية؟ لماذا أصروا على أن يتم إرجاء العمرة للعام المُقبل؟ أليس من أجل الشعور بالنصر؟ ألم ترغب قريش بألاَّ يُقال أنها إنصاعت لمحمد؟ كذلك عملاؤنا لا يحبون أن يشعروا أنهم قد انصاعوا لنا؟ أليس من أهم قوانين التفاوض أن تترك المائدة والطرف الآخر يشعر بأنه قد ربح؟ لقد حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء وجه قريش بهذا الصلح وضمن أموراً كثيرة لم يستوعبها المسلمون في بادئ الأمر.

دعوني ألخص نقاط التفاوض الرائعة في الحديبية حسب ما قرأت وفهمت:

  1. ركز على جوهر التفاوض وأهدافه الإستراتيجية واترك سفائف الأمور وصغائرها.
  2. إحكِم ردة فعلك ولا تتعصب لرأيك حتى وإن كان الحق معك، فلا تكن شديد التسامح ولا مُفرط التشدد.
  3. إصغ إلى وجهة نظر الطرف الآخر واحترمها بدلاً من المخاصمة.
  4. أنظر إلى المسألة المتفاوض عليها من الأعلى، واجعل الطرف الآخر يشعر أنك شريك له ولست نداً.
  5. بدلاً من الصياح وتبادل الإتهامات، اجعل الطرف الآخر يفهم أنَّ هنالك مشكلة مشتركة لابد من التعاون في حلها للوصول إلى ( نعم ) أو ( رابح / رابح ) والتعنت لن يوصل إلى شيء.
  6. دع الطرف الآخر يشعر أنك لا تفرض عليه شيئاً هو لا يريده، وأنَّ الأمر في صالحه أيضاً.
  7. أترك الفرصة للطرف الآخر لتحقيق أغراضه بأسلوبك أنت.
  8. لا تجعل الحل يصدر منك لأن الطرف الآخر سيرفضه بإعتباره نصر لك، إجعله وكأنه صادر منه واحفظ ماء وجهه واتركه يشعر بأنه إنتصر.
     ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
     

    قد ورد في تفصيل قصة مفاوضات قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهمَّة رواياتٌ كثيرة؛ أهمُّها ثلاث روايات، وسنذكر هذه الروايات أولًا، ثُمَّ نقف بعدها على بعض المواطن في القصَّة، لتحصل لنا أكبر الفوائد بإذن الله.

    جاءت الرواية الأولى في سيرة ابن إسحاق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ سَيِّدًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَى مُحَمَّدٍ فَأُكَلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أمورًا لَعَلَّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا فَنُعْطِيهِ أَيَّهَا شَاءَ، وَيَكُفُّ عَنَّا؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ، فَقَالُوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قُمْ إلَيْهِ فَكَلِّمْهُ. فَقَامَ إلَيْهِ عُتْبَةُ حَتَّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَابْنَ أَخِي؛ إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنَ السِّطَةِ[1] فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرِ عَظِيمٍ فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلَامَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ، وَكَفَّرْتَ بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عَلَيْكَ أمورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَسْمَعْ». قَالَ: يَابْنَ أَخِي؛ إنْ كُنْتَ إنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا[2] تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ[3] عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُدَاوَى مِنْهُ. أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ.

    حَتَّى إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَمِعُ مِنْهُ، قَالَ: «أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاسْمَعْ مِنِّي». قَالَ: أَفْعَلُ. فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا * فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت: 1-5]، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ، أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ، ثُمَّ انْتَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ: «قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ، فَأَنْتَ وَذَاكَ». فَقَامَ عُتْبَةُ إلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: نَحْلِفُ بالله لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ. فَلَمَّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟ قَالَ: وَرَائِي أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاللهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاللهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وَخَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاللهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ. قَالُوا: سَحَرَكَ وَاللهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ. قَالَ: هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ[4].

    أمَّا الرواية الثانية فقد جاءت عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في أكثر من مصدر، وفيها قال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما: «اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ يومًا، فَقَالُوا: انْظُرُوا أَعْلَمَكُمْ بِالسِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ، فَلْيَأْتِ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتْ أَمْرَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، فَلْيُكَلِّمْهُ، وَلْيَنْظُرْ مَاذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ. فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا غَيْرَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. فَقَالُوا: أَنْتَ يَا أَبَا الْوَلِيد. فَأَتَاهُ عُتْبَةُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ خَيْرٌ، أَمْ عَبْدُ اللهِ؟ -يقصد أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم- فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قَالَ: أَنْتَ خَيْرٌ، أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنْكَ، فَقَدْ عَبَدُوا الآلِهَةَ الَّتِي عِبْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّك خَيْرٌ مِنْهُمْ فَتَكَلَّمْ حَتَّى نَسْمَعَ قَوْلَكَ، إِنَّا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا سَخْلَةً[5] قَطُّ أَشْأَمَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْكَ، فَرَّقْتَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَعِبْتَ دِينَنَا، وَفَضَحْتَنَا فِي الْعَرَبِ، حَتَّى لَقَدْ طَارَ فِيهِمْ أَنَّ فِي قُرَيْشٍ سَاحِرًا، وَأَنَّ فِي قُرَيْشٍ كَاهِنًا، وَاللهِ مَا نَنْتَظِرُ إِلَّا مِثْلَ صَيْحَةِ الْحُبْلَى[6]، أَنْ يَقُومَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ بِالسُّيُوفِ حَتَّى نَتَفَانَى؛ أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْبَاءَةُ، فَاخْتَرْ أَيَّ نِسَاءِ قُرَيْشٍ فَلْنُزَوِّجُك عَشْرًا، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا بِكَ الْحَاجَةُ، جَمَعْنَا لَكَ حَتَّى تَكُونَ أَغْنَى قُرَيْشٍ رَجُلًا وَاحِدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفَرَغْتَ؟» قَالَ: نَعَمْ. فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرَّحْمَن الرحيم ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [فصلت: 1، 2]، حَتَّى بَلَغَ: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: 13]، فَقَالَ لَهُ عُتْبَةُ: حَسْبُكَ حَسْبُكَ، مَا عِنْدَكَ غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: «لَا». فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ شَيْئًا أَرَى أَنَّكُمْ تُكَلِّمُونَهُ بِهِ إِلَّا وَقَدْ كَلَّمْتُهُ بِهِ. فَقَالُوا: فَهَلْ أَجَابَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: لَا، وَالَّذِي نَصَبَهَا بَنِيَّةً[7] مَا فَهِمْتُ شيئًا مِمَا قَالَ، غَيْرَ أَنَّهُ أَنْذَرَكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ. قَالُوا: وَيْلَكَ! يُكَلِّمُكَ رَجُلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لَا تَدْرِي مَا قَالَ. قَالَ: لَا وَاللهِ، مَا فَهِمْتُ شيئًا مِمَا قَالَ غَيْرَ ذِكْرِ الصَّاعِقَةِ»[8].

    وأمَّا الرواية الثالثة، فهي تكاد تتطابق مع الرواية السابقة، وهي كذلك عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، إلا أن فيها زيادة مهمَّة، لها دلالة عميقة نودُّ أن نقف عندها، وقد وردت هذه الرواية عند البيهقي رحمه الله في دلائل النبوة.

    قال البيهقي: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، وأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّلَمِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الأَجْلَحُ، عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «قَالَ أبو جَهْلٍ وَالْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ: لَقَدِ انْتَشَرَ عَلَيْنَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ، فَلَوِ الْتَمَسْتُمْ رَجُلًا عَالِمًا بِالسِّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ فَكَلَّمَهُ ثُمَّ أَتَانَا بِبَيَانٍ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ عُتْبَةُ: لَقَدْ سَمِعْتُ بِقَوْلِ السَّحَرَةِ وَالْكِهَانَةِ وَالشِّعْرِ، وَعَلِمْتُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمًا، وَمَا يَخْفَى عَلَيَّ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَأَتَاهُ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ عُتْبَةُ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ هَاشِمٌ؟ أَنْتَ خَيْرٌ أَمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ؟ أَنْتَ خَيْرُ أَمْ عَبْدُ اللهِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ، قَالَ: فِيمَ تَشْتُمُ آلِهَتَنَا، وَتُضَلِّلُ آبَاءَنَا؟ فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا بِكَ الرِّئَاسَةُ عَقَدْنَا أَلْوِيَتَنَا لَكَ فَكُنْتَ رَأْسَنَا مَا بَقِيتَ، وَإِنْ كَانَ بِكَ الْبَاءَةُ زَوَّجْنَاكَ عَشْرَ نِسْوَةٍ تَخْتَارُ مِنْ أَيِّ أَبْيَاتِ قُرَيْشٍ شِئْتَ، وَإِنْ كَانَ بِكَ الْمَالُ جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا تَسْتَغْنِي بِهَا أَنْتَ وَعَقِبُكَ مِنْ بَعْدِكَ. وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [ فصلت: 1-13]، فَأَمْسَكَ عُتْبَةُ عَلَى فِيهِ وَنَاشَدَهُ الرَّحِمَ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى أَهْلِهِ وَاحْتَبَسَ عَنْهُمْ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللهِ مَا نَرَى عُتْبَةَ إِلَّا قَدْ صَبَا إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَعْجَبَهُ طَعَامَهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ أَصَابَتْهُ، انْطَلِقُوا بِنَا إِلَيْهِ. فَأَتَوْهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاللهِ يَا عُتْبَةُ مَا حَسِبْنَا إِلَّا أَنَّكَ صَبَوْتَ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَأَعْجَبَكَ أَمْرُهُ، فَإِنْ كَانَتْ بِكَ حَاجَةٌ جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا يُغْنِيكَ عَنْ طَعَامِ مُحَمَّدٍ. فَغَضِبَ وَأَقْسَمَ بِاللهِ لَا يُكَلِّمُ مُحَمَّدًا أَبَدًا. قَالَ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا، وَلَكِنِّي أَتَيْتُهُ -فَقَصَّ عَلَيْهِمُ الْقِصَّةَ- فَأَجَابَنِي بِشَيْءٍ وَاللهِ مَا هُوَ بِسِحْرٍ وَلَا شِعْرٍ وَلَا كَهَانَةٍ؛ قرأ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ[9]﴾. قَالَ يَحْيَى: كَذَا قَالَ: يَعْقِلُونَ. حَتَّى بَلَغَ فَقَالَ: ﴿أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾. فَأَمْسَكْتُ بِفِيهِ وَنَاشَدْتُهُ الرَّحِمَ أَنْ يَكُفَّ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا قَالَ شَيْئًا لَمْ يَكْذِبْ، فَخِفْتُ أَنْ يَنْزِلَ بِكُمُ الْعَذَابُ»[10].

    لقد وضح لنا في هذه الروايات أنَّ قريشًا هي التي تطلب التفاوض؛ بل تطمع أن يقبل محمد صلى الله عليه وسلم بأطروحاتها؛ فقد قال زعيمهم عتبة بن ربيعة: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَى مُحَمَّدٍ فَأُكَلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أمورًا لَعَلَّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا فَنُعْطِيهِ أَيَّهَا شَاءَ، وَيَكُفُّ عَنَّا؟

    وكان هذا تنازلًا كبيرًا من زعماء قريش، وهو وإن دلَّ على شيءٍ فإنَّما يُفَسِّر الوضع الذي أصبحت فيه مكة بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، ومع أنَّ هذا العرض كان على غير هوى الكثير من الزعماء فإنَّهم وافقوا مضطرين، فقالوا: بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قُمْ إلَيْهِ فَكَلِّمْهُ.

    وفي المسجد الحرام حيث كان يجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمفرده، ذهب عتبة وجلس معه وبدأ حواره؛ ولأنَّه كان ذكيًّا فقد بدأ عتبة بن ربيعة الكلام، وقد رتَّبه ونظَّمه، ونوَّع فيه بين الإغراء والتهديد، وبين مخاطبة العقل ومناجاة القلب، ولا غرو فهو -كما يقولون- كان من الحكماء.

    بدأ عتبة كلامه بالتودُّد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع قدره بقصد إحراجه نفسيًّا قائلًا: يَابْنَ أَخِي؛ إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنَ السِّطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ.

    لكنَّه أتبع ذلك بالتلويح بما يعتبره جرائم ضخمة، لا يجب في رأيه أن تأتي من هذا الإنسان رفيع القدر قائلًا: وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرِ عَظِيمٍ، فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ، وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلَامَهُمْ، وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ، وَكَفَّرْتَ بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ.

    يُريد عتبة وبمنتهى الوضوح أن يُشعِر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه متَّهم بزعزعة الاستقرار في مكة، وبتهديد نظام الحُكْم فيها، فما لك أنت والدين؟! دع الدين لأهل الدين، كان عليك أن تدعه للكهَّان وسدنة الأصنام! ولكنَّك أقدمت على هذا العمل، وقد تسبَّب عنه لقومك كذا وكذا وكذا، وقد يكون ما أقدمتَ عليه هذا مجرَّد خطأ غير مقصود؛ ومن ثَمَّ -ولمنزلتك عندنا- سنعرض عليك أمورًا فاختر منها ما شئت.

    بهذه الطريقة الثُّعبانية يُريد عتبة أن يُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ هذه الاقتراحات التي سنطرحها عليك ليست فقط مجرَّد عروض مغرية؛ بل إنَّ مجرَّد رفض هذه الاقتراحات معناه توجيه وإثبات التهم الخطيرة عليك، والذي عقابه أنت تتوقَّعه، ولن أذكره لك.

    بهذه الطريقة شنَّ عتبة حربًا نفسية شديدة، وإن كانت مغلَّفة بابتسامة واسعة، واحترام كبير، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتفهَّم مثل هذا الأسلوب جيدًا، وكان يعلم أنَّ هذا مساومةٌ على الدين؛ لكنَّه صلى الله عليه وسلم كان في غاية الأدب مع عتبة المشرك الكافر، فقال له في سعة صدر، وفي رقَّة قلب، مُدَلِّلًا له، ومناديًا إياه بكنيته، وبأحب الأسماء إليه: «قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَسْمَعْ».

    فالرسول صلى الله عليه وسلم يُريد أن يستوعب عتبة بن ربيعة، ويُريد أن يُعطيه فرصةً كاملةً للكلام، حتى يُعطيه بعد ذلك بدوره فرصةً للسماع؛ قال عتبة يعرض مجموعةً من العروض غايةً في الإغراء لأهل الدنيا:

    أمَّا العرض الأول فهو: إنْ كُنْتَ إنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا.

    والعرض الثاني: وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا، حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ.

    والعرض الثالث: وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا.

    أمَّا العرض الرابع، فكان عرضًا غير مهذَّب؛ لكنه حاول أن يُخرجه في صورة مهذَّبة! حيث قال عتبة: وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُدَاوَى مِنْهُ.

    وهذا العرض الأخير فيه من التلميح من أنَّ الذي لا يقبل العروض السابقة فإنَّه ولا شكَّ -في عرف قريش- مجنون.

    كانت هذه عروضًا أربعة من ممثل قريش الرسمي في المفاوضات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عتبة يُقَدِّم هذه العروض وهو يرى أنه يُقَدِّم أكبر تنازلٍ قد حدث في تاريخ مكة كلِّها.

    وفي رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما زاد عرضًا خامسًا، وهو تزويج الرسول صلى الله عليه وسلم بعشر من نساء قريش!

    وإنَّ هذا التنازل الكبير لا بُدَّ أن يكون في مقابل، وقد كان المقابل هو: السكوت عن الحقِّ، وترك أمر الدعوة، وعدم الخوض إلَّا فيما يُرضِي الزعماء والأسياد في مكة.

    لقد كانت هذه عروضًا لشراء الضمائر والذمم، ولا شكَّ أنَّ مَنْ يقبل بمثلها فإنَّ عليه أولًا أنْ يُنَحِّيَ الدين جانبًا، ثُمَّ يبدأ في التنازل، وقد تكون التنازلاتُ الأولى بسيطةً؛ لكنَّها ستكبر بعد ذلك، فالتنازلات الضخمة في حياة الدعاة يكون مبدؤها عادةً تنازلًا صغيرًا؛ ولأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخفى عليه مثل هذا فكان من الضروري ألَّا يتنازل.

    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سياسيًّا بارعًا محنَّكًا، يُحاور ويُفاوض؛ لكن وفق ضوابط شرعيَّة قد سنَّها وحدَّدها، فما قَبِلَه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الحدُّ الذي يجب أن يأخذ به الدعاة من بعده، وما رفضه صلى الله عليه وسلم فهو الأمر الذي لا يجب أن يقبله أو يتخطَّاه أيُّ داعية بعد ذلك.

    ومع أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم منذ أول كلمةٍ تفوَّه بها عتبة أنَّ كلَّ ما سيعرضه عليه ما هو إلَّا مساومات لا قيمة لها، وعلى الرغم من أنَّه -ومنذ أول الحديث- كان عازمًا تمامًا على رفض كلِّ هذه العروض الدنيويَّة المغرية والسفيهة جدًّا في نظر الدعاة الصادقين، مع كلِّ ذلك فإنَّه صلى الله عليه وسلم لم يُقاطع عتبة مرَّة واحدة، وقد تركه حتى فرغ تمامًا من حديثه، وبعد أن انتهى، وفي هدوءٍ تامٍّ، وعدم انفعال، قال له صلى الله عليه وسلم: «أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟»

    أجابه عتبة: نَعَمْ.

    وهنا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَاسْمَعْ مِنِّي».

    قال عتبة: أَفْعَلُ.

    وكان هذا هو الذي يُريده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عتبة ليستطيع أن يرفض السماع بعد كلِّ هذا الأدب العظيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان مضطرًّا إلى أن يسمع، حتى إن كان على غير مراده، وفي محاولة جادَّة للوصول إلى الهدف بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث، فلم يتكلَّم بكلامه هو، إنما تكلَّم بكلام الله عزَّ وجل، تكلَّم بالقرآن، وليتنا نتخيَّل هذا الموقف، ونُحاول أن نسمع بأُذن عتبة بن ربيعة، ونتدبَّر في كلِّ آية؛ لنُحاول أن نفهم مشاعر عتبة عندما سمع هذه الرسالة الإلهية، ومن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم!

    قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة فُصِّلَتْ:

    بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [فصلت: 1-7].

    كلمات معجزة عجيبة تنزل على عتبة كما الصاعقة، تكشف كلَّ ما بداخله، وهو يزداد خوفًا ولا يستطيع القيام. ونشعر عند قراءة هذه الآيات تحديدًا وكأنها تتكلَّم عن العلاقة المباشرة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتبة بن ربيعة نفسه! فالآيات تَذْكُر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾، فهذا هو التوصيف الذي يرفضه عتبة، فهو يرفض مبدأ الوحي والرسالة، ثم تذكر الآيات موقف المشركين الذي أعرضوا بشكل سفيه لا يتناسب مع العقل الذي حباهم الله به، فكان حالهم كمن وضع في أذنيه شيئًا يمنع السماع، ووضع قلبَه في غلاف أصمَّ يمنع التأثُّر بالقرآن؛ بل وضع حجابًا بينه وبين الحقيقة حتى يتجاهل وجودها بهذه الطريقة الساذجة! إن الآيات تُخبر عتبة أنه ليس حكيمًا كما يظنُّ الناس، أو كما يظنُّ هو، إنما في الحقيقة هو ضعيف للغاية، وخائف تمامًا، ولا يقوى بحال على مناظرة القرآن، أو الحديث المباشر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذلك أدرك عتبة والمشركون حجمهم فوضعوا كل هذه الحواجز بينهم وبين الحقائق معتبرين ذلك هو الحل الأمثل!

    أيُّ عقلية طفوليَّة هذه التي يُحَاجُّ بها المشركون كتابَ الله وسُنَّةَ رسوله صلى الله عليه وسلم!

    ثم أكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءته، وعتبة يستمع في وجوم:

    ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ. [فصلت: 8-12].

    ما أروع هذه الآيات وهي تكشف دواخل عتبة، وتفضحه أمام نفسه! انظر إلى هذا التعجُّب الشديد من أفعال الكافرين: «قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا؟ ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ»! أليس أمرك عجيبًا يا عتبة؟! وماذا فَعَلَتْ آلهتكم أيها المشركون في هذا الكون؟! هل تعتقدون أن هبل أو اللات أو العزى لها دورٌ في خلق السماوات أو الأرض؟ أم هل تعتقدون أنَّها تُوَزِّع الأرزاق على العباد؟ أم أنَّها شاركت في تزيين السماء بالنجوم؟!

    إنَّنا -نحن المسلمين- نعبد العزيزَ العليم، الذي خلق الكون وأبدعه؛ والذي أنزل الرزق وقَسَّمه، والذي زيَّن السماء وحفظها؛ هذا إلهنا الذي نعبد، فمَنْ تعبد أنت يا عتبة؟!

    ثم يُكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءته: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ. [فصلت: 13].

    إنَّه التحذير المخوِّف!

    إنَّ المحاورة والإقناع لن يستمرَّا طويلًا! فالإعراض المتكرِّر، والإنكار الدائم، لن يُقْبَل منكم أبد الدهر! إنَّ أمامكم فرصة إذا اغتنمتموها ربحتم، وإذا ضاعت من أيديكم فلا يلومنَّ أحدٌ منكم إلَّا نفسه! إنَّ الصاعقة التي أصابت المكذِّبين أمثالكم ليست بعيدة عنكم.. اقرءوا التاريخ، واستعيدوا ذكريات عاد وثمود.. إنَّهما من القرى التي كذَّبت، فكيف كانت العاقبة؟

    كان التحذير مخوِّفًا حقًّا! ولم يتمالك عتبة نفسه، وقد أخذه الرعب والهلع كلَّ مأخذٍ، وكاد قلبه ينخلع، وشعر كأن الصاعقة ستنزل عليه في مجلسه هذا! وفي لحظة نسي فيها أمر عدائه، ونسي أمر المفاوضات؛ بل نسي مكانته وهيبته، قام فَزِعًا وقد وضع يده على فم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول: أنشدك الله والرحم، أنشدك الله والرحم.

    ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استمرَّ في القراءة حتى وصل إلى السجدة، فسجد ثم قال: «قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ، فَأَنْتَ وَذَاكَ».

    ومن فوره قام عتبة يجرُّ ثوبه، يتعثَّر فيه، مهرولًا إلى قومه، لا ينظر خلفه، عيناه زائغتان، أنفاسه منقطعة، حتى دخل على زعماء قريش.

    لم يكن الأمر يحتاج إلى كثيرِ ذكاء حتى يعرف الجمع ما حدث، لقد كان وجهه ينطق بشيء، حتى لقد قال بعضهم: نَحْلِفُ بالله لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ.

    وحين جلس إليهم قالوا: مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟!

    وبلسانٍ عجيب، وفي غاية الصدق، بدأ أبو الوليد عتبة يحكي تجربته، بدأ يتحدَّث وكأنه أحد الدعاة للإسلام! فقال: وَرَائِي أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاللهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاللهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وَخَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاللهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ.

    وفي ذهول تامٍّ ردُّوا عليه وقالوا: سَحَرَكَ وَاللهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ.

    فأجابهم متمسِّكًا برأيه: هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ.

    أيُّ حماقةٍ تلك التي يعيشها هؤلاء الناس؟!

    فبعد كلِّ هذا رأيناه يُقْسِم بالله! على أيِّ شيء أَقْسَمَ؟! لقد أقسم ألا يُكَلِّم محمدًا أبدًا!!


    [1] السطة: الشرف، وقيل: السطة أي من الوسط حسبًا ونسبًا.

    [2] الرَّئِيُّ والرِّئِيُّ: الجِنِّيُّ يراه الإِنسان، وقيل: له رَئيٌّ من الجن إِذا كان يحبه ويُؤَالِفُه. وقيل: جنِّيٌّ يتعرض للرجل يُريه كهانة وطِبًّا. وقيل: هو الذي يعتاد الإنسان من الجنِّ. ابن منظور: لسان العرب، مادة (رأى) 14/291.

    [3] التابع: من يتبع من الجن.

    [4] ابن إسحاق: السير والمغازي ص206-208، وابن هشام: السيرة النبوية 1/293، والبيهقي: دلائل النبوة، 2/204، 205، وابن عساكر: تاريخ دمشق 38/246، وسعد المرصفي: الجامع الصحيح للسيرة النبوية 4/1008، 1009، والفالوذة: الموسوعة في صحيح السيرة النبوية (العهد المكي) ص411، 412، وقال الصوياني: حديث حسن رواه ابن إسحاق (ابن هشام) بسند صحيح مرسلًا. ثم ذكر طرقًا للحديث ثم قال: فالحديث بهذه الطرق حسن. انظر: الصوياني: السيرة النبوية 1/111، 112، والصحيح من أحاديث السيرة النبوية، ص113.

    [5] السخلة: ولد الشاة، والسَّخْل: المولود المُحَبَّب إِلى أَبويه، وهو في الأَصل ولد الغنم، وقيل: وهو أَيضًا ما لم يُتَمَّم من كل شيء.

    [6] ما ينتظرون إِلاَّ مثل صيحة الحُبْلى: من أمثال العرب ويضرب في الخطر؛ أي أن شَرًّا سيعاجلهم، وهي صحية شديدة عند المصيبة أو غيرها.

    [7] البَنِيَّة: الكعبة؛ وسُمِّيَتْ بذلك لشرفها؛ إذ هي أشرف مبْنِيٍّ، يقال: لا وربِّ هذه البَنِيَّة ما كان كذا وكذا. وكانت تُدْعَى بَنِيَّةَ إبراهيم عليه السلام لأنه بناها، وقد كثر قَسَمُهم: برب هذه البَنِيَّة. انظر: ابن منظور: لسان العرب، 14/89.

    [8] أبو يعلى (1818)، والحاكم (3002)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وابن أبي شيبة: المصنف، (36560)، والمنتخب من مسند عبد بن حميد (1123)، وأبو نعيم الأصبهاني: دلائل النبوة ص231، والبيهقي: دلائل النبوة 2/202-204، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى، وفيه الأجلح الكندي، وثقه ابن معين، وغيره، وضعفه النسائي، وغيره، وبقية رجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد 6/20. والألباني: صحيح السيرة النبوية ص159، 160، والفالوذة: الموسوعة في صحيح السيرة النبوية (العهد المكي) ص410، ومجموعة من المؤلفين: صحيح الأثر وجميل العبر من سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم ص110، وحسن إسناده إبراهيم العلي، انظر: صحيح السيرة النبوية ص63، 64، وسعيد المرصفي: الجامع الصحيح للسيرة النبوية 4/1009، 1010.

    [9] قال محقق تاريخ دمشق: وبالأصل يعقلون بدل يعلمون. ابن عساكر: تاريخ دمشق 38/242، 243.

    [10] البيهقي: دلائل النبوة 2/202-204، وابن عساكر: تاريخ دمشق 38/242، 243.

من أشهر عمليات التفاوض في التاريخ

 

النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من أشهر عمليات التفاوض في التاريخ

 

إنَّ مِن أشهر عمليات التفاوض في التاريخ: عمليةَ التفاوض التي جرَت بين قُريش - ولَمَّا يُسلموا بعد - وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فيما عُرفَ بـ (صلح الحديبية)، وفي صلح الحديبية مجموعةٌ كبيرةٌ من دروس وأسُسِ التفاوض التي تم تطبيقها عمليًّا، ويُشار هنا إلى نقطة مهمة؛ وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُفاوض فريقَين في نفس الوقت، والفريقان هما: المشركون من جهة، وبعضُ أصحابه رضي الله عنهم من جهة أخرى.

 

فحين رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم رؤياه الشهيرة؛ أنه وأصحابَه سيَدخلون المسجد الحرام (الكعبة) إن شاء الله آمِنين مُحلِّقين رؤوسهم ومقصِّرين لا يخافون؛ أي: إنهم سيؤدون مناسك العمرة، وذلك في غير تحديدٍ للزمان، ولا تعيينٍ للشهر والعام، فأخبَر الرسولُ صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فاستبشروا به خيرًا، وزاد شوقُهم لزيارة البيت العتيق، واعتقَدوا أن هذه الرؤيا ستتحقَّق في نفس العام، فعَقَدوا النية وأعَدوا العُدة للسفر، وقرَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم السفرَ في ذي القَعدة، وهو مِن الأشهر الحرُم؛ حتى لا تتَوجَّس قريشٌ من المسلمين خِيفة؛ لأن العُرف عند العرب أن لا يكون قتالٌ في الأشهر الحرم؛ وهي أربعة أشهر: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرَّم، رجب.

 

فخرج النبي صلى الله عليه وسلم باتجاه مكة معتمِرًا لا يُريد حربًا، وكان عدد الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ألفًا وأربعَمائة رجلٍ، خرَجوا في ثياب الإحرام البِيض، وساقوا معهم الهَدْي (البهائم التي تُذبَح)، وأحرَموا بالعُمرة؛ ليَعلم الناس أنهم جاؤوا زائرين للبيت العتيق معظِّمين له، وحتى لا تفكر قريش في صدِّهم عن الكعبة المشرفة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عُزْلاً مِن السلاح إلا ما يَحملُه كلُّ مسافر وهو سيفٌ للدفاع عن نفسه، وركب الرسول محمدٌ صلى الله عليه وسلم ناقتَه القصواء، وسار، وأصحابه خلفَه.

 

ما إن سمعَت قريشٌ أن المسلمين يقصدون مكة حتى أخذَت وبشكل مباشر في جهود الاستعداد للحرب، ولم يصدِّقوا أن هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أداء العمرة، وعقَدوا النية المسبقة على صد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابِه عن مكة، مهما كلَّفَهم الأمر، وهكذا كان هذا الموقف من قريش دليلاً على عنادهم وصلَفِهم، وتماديهم في الاعتداء على المسلمين، ومصادرة حرياتهم، ومنعهم من أبسط حقوقهم.

 

ثم إن قريشًا بدأَت مباشرةً باستفزاز النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه؛ لجرِّهم إلى طريق المواجهة والحرب، وبلغ المسلمين أن خالدَ بن الوليد خرج في خيلٍ لقُريش بلغَت مائتي فارس؛ يُريد النبيَّ وأصحابَه، ولكي يتجنَّب الرسولُ محمدٌ صلى الله عليه وسلم الاصطدامَ بقريش، وتَماشيًا مع رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم في السلم والتفاوض والابتعاد عن مبدأ المواجهة - أمام هذا الموقف طلَب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من أحد أصحابه أن يَخرج بهم في طريقٍ غير طريقهم التي هم بها، فسلَك بهم رجلٌ مِن أسلمَ طريقًا وعرًا غيرَ الطريق المعهود، حتَّى وصَلوا إلى الحُديبية على طرَفِ حدود أراضي مكة.

 

ويُلاحَظُ هنا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ابتعَد عن أسلوب المواجهة؛ لأن لديه أهدافًا أخرى رغم ما قدَّم مِن تكاليفَ إضافيَّة، فمنَع منْحَ الفرصة للطَّرَف الآخر لجرِّه لأسلوب المواجهة.

 

وما إن استقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية حتى بدأَت عملية التفاوض؛ ففي البداية لم يَبعَث النبيُّ صلى الله عليه وسلم شخصًا أو وفدًا ليُفاوض قريشًا، وانتظر أن تبعَث قريشٌ رَسولها، وهو شيءٌ مستحسَن في عمليات التفاوض؛ أن تَستمع في البداية للطرف الآخر وتَرى ما بجَعْبته، قبل أن تُدليَ أنت بدَلوِك، وكان أوَّلَ مَن جاء مِن قريش للتفاوض رجلٌ يُدعى (بُدَيل بن وَرْقاءَ الخُزاعي) ومعَه نفَرٌ مِن خُزاعة، وهم يُمثِّلون الوفد الأول وفريقَ التفاوض، فلمَّا رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رئيسَ الوفد وهو (بُديل) قال عنه: ((إنه رجل عاقل))؛ فلذلك فقد كلَّمه بمنطق العقل، وأخبَره أنه لم يَأتِ يُريد حربًا، وإنما جاء زائرًا للبيت الحرام، ومُعظِّمًا لحُرمته، وأمام هذا العرض المنطقيِّ والعقلاني اقتنع الوفد المفاوض بأحقِّية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه في زيارة بيت الله وتعظيمِه، فرجَعوا إلى قُريش فقالوا: يا معشر قريش، إنَّكم تَعجَلون على محمد (صلى الله عليه وسلم)؛ إنَّ محمدًا لم يأتِ لقِتال، وإنما جاء زائرًا هذا البيت. ولكنَّ قريشًا رفضَت الاستماع إلى رجُلِها ومُفاوِضِها العاقل.

 

ثم أرسلَت قريشٌ رجلاً آخرَ فعاد إليهِم بنفس قَناعات بُديلِ بن ورقاء، ثم أرسَلَت قريشٌ مفاوضًا آخرَ هو "مِكْرَزُ بن حَفْص"، فقال النبيُّ حين رآه: ((هذا رجل غادر))، وفي ذلك دلالةٌ واضحة أن النبي صلى الله عليه وسلم يَعرِف خُصومه جيدًا؛ فقد جمَع عنهم المعلومات كاملةً ولدَيه تصوُّر واضحٌ لشخصياتهم، فبَلَّغه بنفس الأشياء التي قالها للذي قبلَه.

 

ثم جاء دَور مُفاوضٍ آخَر هو (الحُلَيس بن عَلقَمة) وكان يومئذٍ سيِّدَ الأحابيش، فلمَّا رآه الرسول قال: ((إن هذا مِن قومٍ يتَألَّهون))؛ أي: مِن قوم تَعْنيهم العبادة، فأمر أصحابه أن يَبعَثوا الهديَ في وِجْهته حتى يَراه (أي: خاطبه بما يفهم)، (والهَدْي هي البهائم التي يَسوقها الحجيج لذَبْحها لوجه الله تعالى)، فلمَّا رأى (سيدُ الأحابيش) الهديَ يسيل عليه من عُرْض الوادي (جانِبِه)، رجَع إلى قريش دون أن يَصِل إلى الرسول؛ إعظامًا لما رأى، (وهنا يكسب النبي صلى الله عليه وسلم الجولةَ مِن غير تفاوض).

 

ثم بَعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً رابعًا هو "عُروةُ بن مَسعود الثقفي" سيِّد أهل الطائف، فكلمه الرسول بنحوِ ما كلَّم به أصحابَه، وأخبره أنه لم يأتِ يريد حربًا، وإنما يُريد أن يَزور البيت كما يَزوره غيره فلا يَلْقى صادًّا ولا رادًّا.

 

ويُلاحظ هنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يُذكِّره بما فعَلوه يومَ جاء إليهم في الطائف يأمُل دعمَهم فأغرَوْا به غِلمانَهم وضرَبوه حتى أدمَوْه؛ لأن الموضوع صار مِن الماضي، وإثارته قد تجرُّ إلى نتائجَ سلبية.

 

وانتبهَ هنا عروةُ إلى أمور كانت تحدث بين الصحابة والرسول الكريمِ صلى الله عليه وسلم، فقام مِن عند الرسول صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يَصنع به أصحابُه؛ لا يتَوضَّأ إلا ابتَدَروا وَضوءَه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخَذوه! فرجَع إلى قريش فقال لهم: "أيْ قوم، والله لقد وفَدتُ على الملوك؛ على قيصرَ وكِسرى والنجاشي، والله ما رأيتُ مَلكًا يُعظِّمه أصحابُه كما يعظم أصحابُ محمد محمدًا"... إلى أن قال: "وإذا أمَرَهم ابتَدَروا أمره، وإذا توضأ كادوا يَقتتِلون على وَضوئه، وإذا تكلَّم خفَضوا أصواتهم عنده، وما يُحدُّون إليه النظر؛ تعظيمًا له، ولقد رأيتُ قومًا لا يُسْلِمونه لشيء أبدًا".

 

وبعد انتهاء هذه المرحلة مِن التفاوض لاحَظَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن الطرف الآخر قد بعَث العديدَ من المفاوضين، وقد أصبحَت الصورة الآن أكثرَ وضوحًا للطَّرَفين، وقد آنَ الأوان ليَبعَث هو بِمُفاوض، فبعَث خِرَاشَ بن أميَّة الخزاعيَّ رضي الله عنه مُفاوضًا، يوضِّح موقف الرسول صلى الله عليه وسلم السِّلميَّ، ويؤكِّد مبدَأ الحِلم الذي بلَغ غايته، ولِيَعرف أخبارَ الطرف الآخر، وأين وصَل بهم الحال، فبعَثه إلى قريشٍ بمكة، وحمله على ناقته الخاصة، وكانت تُعرف بالقصواء، (وفي ذلك دلالة تفاوضيَّة خاصة)؛ ليبلِّغَ أشراف مكَّة ما أمره به الرسولُ صلى الله عليه وسلم، ولكن الطرف الآخر لم يفهَم الرسالة جيدًا، وأرادوا قتلَ خِراش بن أمية، وهي محاولة جديدة منهم لِسَحب المفاوضات إلى نقطةِ المواجهة.

 

ولم يكتفوا بذلك؛ بل أرسلوا أربعين أو خمسين رجلاً، وأمَروهم أن يَدوروا بجَمْع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليُصيبوا لهم من أصحابه أحدًا، فأمسك المسلمون بهم جميعًا، وأُتي بهم إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فعَفا عنهم وخلَّى سبيلهم، (وهذه نقطة أخرى مهمة في عمليَّة التفاوض؛ بتقديم ما يُثبِت صحةَ قول المفاوض، وثباته على الأمر الذي جاء من أجله)، وهو ما فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وبذلك استطاع أن يَكبَح جِماح الطَّرَف الآخر ورغبته العارمة في المواجهة.

 

وكَرِه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تَجري الأمور نحو المواجهة وأن يتَصاعد الموقف نحو القتال مرَّة أخرى، فدعا عُمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه؛ ليبعَثه إلى مكة، فيُبلِّغ عنه أشرافَ قريش ما جاء له، وقد اختار النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسبب مكانة عُمر الرفيعة وقُربِه من النبي صلى الله عليه وسلم، وذَكائه وقوَّته، ووقوفه مع الحق دون أن تأخذه في الله لومةُ لائم، وهي مواصَفات تفاوضية فَريدة، فقال له عُمر رضي الله عنه: يا رسول الله، إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بمكَّة مِن عَديِّ بن كعبٍ أحدٌ يَمنعُني، وقد عرَفَت قريشٌ عُدواني إياها وغِلظَتي عليها، ولكن أدلُّك على رجلٍ أعزَّ بها منِّي؛ عثمان بن عفَّان رضي الله عنه.

 

وهنا التفاتةٌ كبيرة من سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صُلب العملية التفاوضيَّة؛ لأن التفاوض سيَنتقل الآن في قلب أرض الخَصْم، والخَصم هنا متهوِّر، ولديه مواقفُ سلبيَّة من الشخص المفاوض، فليس مِن المستحسَن أن يُرسل عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه بالرغم مِن مواصفاته الجيدة، وحين يتم اختيار البديل يَكون على نفس الأساس الذي مُنع منه المفاوض الأول.

 

فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمانَ بن عفان رضي الله عنه، فبعثه إلى أبي سفيان بن حرب (قبل إسلامه) وإلى أشراف قريش؛ يُخبِرهم أنه لم يأتِ لحرب، وأنه إنما جاء زائرًا البيتَ معظِّمًا لحرمته، فانطلق عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى أتى أبا سفيان وعُظماءَ قريش، فبَلَّغهم عن رسول الله ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرَغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتَ أن تَطوف بالبيت فطُف، (وهنا يَلفِت النظرَ محاولةُ الخصم لتقديمٍ أشبهَ بالرِّشوة، أو تحقيق مصلحةٍ شخصيَّة للفرد دون فريق العمل)، فقال: ما كنتُ لأفعل حتى يَطوف به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقال عثمان حين رجَع وقال له المسلمون: اشتَفَيتَ يا أبا عبد الله مِن الطواف بالبيت؟ فقال لهم: بئسَ ما ظنَنتُم بي! والذي نفسي بيده، لو مكَثتُ بها سنَةً ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم مقيمٌ بالحديبية ما طُفتُ بها حتى يَطوفَ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم! (وهذا الأمر في غاية الأهمية؛ فوَلاء المفاوض يكون للقضيَّة وللفريق، وليس لمصالِحَ شخصية).

 

ثم بَعثَت قريشٌ بسُهَيلِ بن عمرٍو، وعَقَد صلح الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لِيَكتب شروط الصلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اكتُب "بسم الله الرحمن الرحيم")) فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم، فقال رسول الله: ((اكتب باسمك اللهم))، فكتبَها. (وهنا أعطى النبيُّ صلى الله عليه وسلم رِبحًا لسُهيل بن عمرو بتنفيذِ ما طلبه ولم يتأثَّر المعنى).

 

ثم قال: ((اكتب هذا ما صالَح عليه محمدٌ رسولُ الله سهيلَ بن عمرٍو))، فاعترض سُهيلٌ وقال: لو شَهدتُ أنَّك رسولُ الله لم أُقاتِلْك، ولكن اكتب اسمَك واسم أبيك.

 

فقال رسول الله: ((اكتب هذا ما صالح عليه محمدُ بنُ عبداللهِ سهيلَ بنَ عمرٍو))، (وهنا نفس الموضوع في إعطاء ربحٍ للمفاوض مقابلَ أرباحٍ أكبرَ دون الضَّرر بجوهر القضية)؛ ففي هذه المرحلة خَطا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الخطوة المهمة في عملية التفاوض؛ بأنه تَقبَّل كلَّ ما كان يَقوله سُهيل بن عمرو وأن يُعيد صياغته؛ حيث تَصرَّف الرسول كشَريكٍ وليس كخَصْم، حين لاحظَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم تمسُّكَ سُهيلِ بن عمرٍو بموقفه في التفاوض مع النبي؛ فقد تنازل الرسول صلى الله عليه وسلم عن جزئيات ولم يتَنازل عن الأهداف الإستراتيجيَّة. وماذا لو لم يَكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، وكتَب بدلاً عنها: (باسمك اللهم)؟ وماذا لو كتب: محمد بن عبدالله، ولم يكتب: محمد رسول الله؟

 

وكان صلح الحديبية يتضمن من البنود ما يأتي:

1 - يعود النبي محمَّد صلى الله عليه وسلم والمسلمون هذا العامَ إلى المدينة، ولا يَدخلون مكَّة لأداء العمرة، ولهم أن يَعودوا في العام القادم، وأن يَدخلوا مكة بدون سلاح.

 

2 - الإعلان عن انتهاء حالة الحرب، وإعلان هُدنةٍ بين المسلمين وقريشٍ، ويكون أمَدُ هذه الهدنة عشْرَ سنين.

 

3 - يلتزم النبيُّ محمد صلى الله عليه وسلم برَدِّ كل مَن يُسلم من أهل مكة، ويُهاجر إلى المدينة بعد هذا الاتفاق.

 

4 - لا تلتزم قريشٌ بردِّ مَن يأتيها مرتدًّا عن الإسلام، فلا ترجعه للمسلمين في المدينة المنورة.

 

5 - للقبائل العربية في جزيرة العرب وغيرها أن تَدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم وعهدِه، أو إذا أرادَت أن تَدخل في حِلفٍ وعَهدٍ مع قريش فلَها ذلك.

 

وهذا هو مُلخَّصٌ لبنود صلح الحديبية، أما نَصُّ الاتفاقية فقد كان:

"باسمك اللهم، هذا ما صالَح عليه محمدُ بن عبدالله سهيلَ بن عمرو، واصطَلَحا على وضعِ الحرب بين الناس عشرَ سنين يَأمَن فيها الناسُ ويَكفُّ بعضُهم عن بعض؛ على أنه مَن قَدِمَ مكة مِن أصحاب محمَّد حاجًّا أو مُعتمِرًا، أو يَبتغي مِن فضل الله فهو آمِنٌ على دمِه وماله، ومن قدم المدينةَ من قُريش مجتازًا إلى مِصر أو إلى الشام يَبتغي من فضل الله فهو آمِن على دمه وماله، وعلى أنه مَن أتى محمدًا مِن قريش بغير إذنِ وليِّه ردَّه عليهم، ومن جاء قريشًا ممَّن مع محمد لم يَردُّوه عليه. وأنَّ بيننا عَيْبةً مكفوفة، وأنه لا إسلالَ ولا إغلالَ [1]، وأنه مَن أحبَّ أن يَدخل في عَقدِ محمد وعهده دخلَه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدِهم دخَل فيه. وأنك تَرجع عنَّا عامَك هذا، فلا تَدخل علينا مكَّة، وأنه إذا كان عامُ قابِل خرَجْنا عنك، فدَخَلتَها بأصحابك فأقمتَ بها ثلاثًا، معك سِلاحُ الراكب؛ السيوف في القُرُب، ولا تَدخُلها بغيرها، وعلى أنَّ الهديَ ما جِئناه ومَحِلَّه، فلا تُقْدِمْه علينا، أُشهِدَ على الصلح رجالٌ من المسلمين، ورجالٌ من قريش".

 

وقد بَدا في بداية الأمر لبعض ِالصحابة رضي الله عنهم أنَّ الاتفاقية فيها إذلالٌ وإجحافٌ بالمسلمين، أو أنهم يُعطون الدَّنية في دينهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم - على غير عادته - لَم يُشاورهم فيها؛ لهذا كانت هناك مُفاوضاتٌ بين الفريق الواحد؛ لإقناع بعضِهم البعض بوجهة نظره، وكان أشدَّهم تأثرًا بنتيجة المفاوضات عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه.

 

فقد ذهَب إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر، أليس برسول الله؟

قال: بلى.

فقال: أوَلَسنا بالمسلمين؟

قال: بلى.

قال: أوليسوا بالمشركين؟

قال: بلى.

قال عمر: فعَلام نُعطي الدنيةَ في ديننا.

قال أبو بكر: يا عُمر، الزَم غرزَه (الزَم أمرَه)؛ فإني أشهد أنه رسولُ الله، قال عمر: وأنا أشهد أنه رسول الله.

 

ثم أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ألستَ برسول الله؟ قال: بلى.

 

قال: أوَلسنا بالمسلمين؟

قال: بلى.

قال: أو ليسوا بالمشركين؟

قال: بلى.

قال فعلام نعطي الدنيَّة في ديننا؟

قال: أنا عبد الله ورسولُه، لن أُخالِفَ أمره، ولن يضيعني.

 

فانصاع عمرُ رضي الله عنه، وانصاع مَن كان في نفسه شيءٌ من الصحابة وأذعنوا، فحقَّق بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نجاحَين تفاوُضيَّين؛ مع الخَصم، ومع أصحابه.

الاثنين، 5 يوليو 2021

دروس في علم التفاوض

 

دروس في علم التفاوض

 

 

يتطرق البحث وبإختصار الى :

أهمية علم التفاوض

مفهوم التفاوض

عناصر التفاوض الرئيسية :

 أولا: الموقف التفاوضي وعناصر الموقف التفاوضي

ثانيا: أطراف التفاوض:

ثالثا: القضية التفاوضية:

رابعا: الهدف التفاوضي:

شروط التفاوض

أولا: القوة التفاوضية

ثانيا: المعلومات التفاوضية

ثالثا: القدرة التفاوضية

رابعا: الرغبة المشتركة

خامسا: المناخ المحيط:

خطوات التفاوض

الخطوة الأولى: تحديد وتشخيص القضية التفاوضية

الخطوة الثانية: تهيئة المناخ للتفاوض

الخطوة الثالثة: قبول الخصم للتفاوض

الخطوة الخامسة: بدء جلسات التفاوض الفعلية

الخطوة السادسة: الوصول إلى الاتفاق الختامي وتوقيعه

مناهج واستراتيجيات التفاوض :

أولا: استراتيجيات منهج المصلحة المشتركة

 1. استراتيجية التكامل:

2. استراتيجية تطوير التعاون الحالي:

3. استراتيجية تعميق العلاقة القائمة:

4. استراتيجية توسيع نطاق التعاون بمده إلى مجالات جديدة:

ثانيا:استراتيجيات منهج الصراع:

الاستراتيجية الأولى: استراتيجية (الإنهاك)

الاستراتيجية الثانية: إستراتيجية التشتيت (التفتيت)

الاستراتيجية الثالثة: استراتيجية إحكام السيطرة (الإخضاع)

الاستراتيجية الرابعة: استراتيجية الدحر (الغزو المنظم):

الاستراتيجية الخامسة: استراتيجية التدمير الذاتي (الانتحار):

 سياسات التفاوض

خصائص ومواصفات المفاوض المحترف

مبادئ التفاوض

تنشا أهمية علم التفاوض من زاويتين أساسيتين:

الأولى: ضرورته.

الثانية: حتميته.

فنحن نعيش عصر المفاوضات، سواء بين الأفراد أو الدول أو الشعوب فكافة جوانب حياتنا هي سلسلة من المواقف التفاوضية. وتظهر ضرورة علم التفاوض ومدى الأهمية التي يستمدها من العلاقة التفاوضية القائمة بين أطرافه أي ما يتعلق بالقضية التفاوضية التي يتم التفاوض بشأنها وتلك هي الزاوية الأولى.

أهمية علم التفاوض

تنشا أهمية علم التفاوض من زاويتين أساسيتين:

الأولى: ضرورته.

الثانية: حتميته.

فنحن نعيش عصر المفاوضات، سواء بين الأفراد أو الدول أو الشعوب فكافة جوانب حياتنا هي سلسلة من المواقف التفاوضية. وتظهر ضرورة علم التفاوض ومدى الأهمية التي يستمدها من العلاقة التفاوضية القائمة بين أطرافه أي ما يتعلق بالقضية التفاوضية التي يتم التفاوض بشأنها وتلك هي الزاوية الأولى.

أما إذا نظرنا إلى الزاوية الثانية وهي زاوية الحتمية. نجد أن علم التفاوض يستمد حتميته من كونه المخرج أو المنفذ الوحيد الممكن استخدامه لمعالجة القضية التفاوضية والوصول إلى حل للمشكلة المتنازع بشأنها.

فكل طرف من أطراف القضية التفاوضية لديه درجة معينة من السلطة والقوة والنفوذ لكنه في الوقت نفسه ليس لديه كل السلطة أو النفوذ أو القوة الكاملة لإملاء إرادته وفرضها إجباريا على الطرف الآخر ومن ثم يصبح التفاوض هو الأسلوب الوحيد المتاح إمام الأطراف التي لها علاقة بالقضية وتريد الوصول إلى حل لها.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن التفاوض يمثل مرحلة من مراحل حل القضية محل نزاع إذ يستخدم في أكثر من مرحلة وغالبا ما يكون تتويجا كاملا لهذه المراحل. فالتفاوض كأداة للحوار يكون اشد تأثيرا من الوسائل الأخرى لحل المشاكل.

فالعمل العسكري أو الحرب وإن كانت أسرع في فرض الإرادة إلا أنها لا تمثل نهاية المطاف فالحرب لا تؤثر في قهر الخصم وتدمير عزيمته. لذا يعد التفاوض مخرجا نهائيا نحو الاستقرار وإن كان يجب التحفظ قليلا للتأكد من صدق النوايا والتأكد من القدرات والقوى التوازنية التي تملكها الأطراف المتفاوضة. وهو كذلك انتصار للعقلانية المدركة لكافة الأمور والأبعاد تستخدم فيها أسلحة الحوار ومقارعة الرأي والحجة بالحجة والدليل بالدليل ومن ثم يكون الوصول إلى نتائج نهائية يقنع بها الأطراف.

مفهوم التفاوض

التفاوض هو موقف تعبيري حركي قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا يتم من خلاله عرض وتبادل وتقريب ومواءمة وتكييف وجهات النظر واستخدام كافة أساليب الإقناع للحفاظ على المصالح القائمة أو للحصول على منفعة جديدة بإجبار الخصم بالقيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين في إطار علاقة الارتباط بين أطراف العملية التفاوضية تجاه أنفسهم أو تجاه الغير.

عناصر التفاوض الرئيسية

أولا: الموقف التفاوضي:

يعد التفاوض موقف ديناميكي أي حركي يقوم على الحركة والفعل ورد الفعل إيجابا وسلبا وتأثير أو تأثرا. والتفاوض موقف مرن يتطلب قدرات هائلة للتكيف السريع والمستمر وللمواءمة الكاملة مع المتغيرات المحيطة بالعملية التفاوضية.

وبصفة عامة فان الموقف التفاوضي يتضمن مجموعة عناصر يجب:

1. الترابط:

وهذا يستدعي أن يكون هناك ترابط على المستوى الكلي لعناصر القضية التي يتم التفاوض بشأنها أي أن يصبح للموقف التفاوضي (كل) عام مترابط وإن كان يسهل الوصول إلى عناصره وجزئياته.

2. التركيب:

حيث يجب أن يتركب الموقف التفاوضي من جزيئات وعناصر ينقسم إليها ويسهل تناولها في إطارها الجزئي وكما يسهل تناولها في إطارها الكلي.

3. إمكانية التعرف والتمييز:

يجب أن يتصف الموقف التفاوضي بصفة إمكانية التعرف عليه وتمييزه دون أي غموض أو لبس أو دون فقد لأي من أجزائه أو بعد من أبعاده أو معالمه.

4. الاتساع المكاني والزماني:

ويقصد به المرحلة التاريخية التي يتم التفاوض فيها والمكان الجغرافي الذي تشمله القضية عند التفاوض عليها.

5. التعقيد:

الموقف التفاوضي هو موقف معقد حيث تتفاعل داخله مجموعة من العوامل وله العديد من الأبعاد والجوانب التي يتشكل منها هذا الموقف ومن ثم يجب الإلمام بهذا كله حتى يتسنى التعامل مع هذا الموقف ببراعة ونجاح.

6. الغموض:

ويطلق البعض على هذا الموقف (الشك) حيث يجب أن يحيط بالموقف التفاوضي ظلال من الشك والغموض النسبي الذي يدفع المفاوض إلى تقليل دائرة عدم التأكد عن طريق جمع كافة المعلومات والبيانات التي تكفل توضيح التفاوضي خاصة وإن الشك دائما يرتبط بنوايا ودوافع واتجاهات ومعتقدات وراء الطرف المفاوض الآخر.

ثانيا: أطراف التفاوض:

يتم التفاوض في العادة بين طرفين، وقد يتسع نطاقه ليشمل أكثر من طرفين نظرا لتشابك المصالح وتعارضها بين الأطراف المتفاوضة. ومن هنا فان أطراف التفاوض يمكن تقسيمها أيضا إلى أطراف مباشرة، وهي الأطراف التي تجلس فعلا إلى مائدة المفاوضات وتباشر عملية التفاوض. وإلى أطراف غير مباشرة وهي الأطراف التي تشكل قوى ضاغطة لاعتبارات المصلحة أو التي لها علاقة قريبة أو بعيدة بعملية التفاوض.

ثالثا: القضية التفاوضية:

لابد أن يدور حول (قضية معينة) أو (موضوع معين) يمثل محور العملية التفاوضية وميدانها الذي يتبارز فيه المتفاوضون، وقد تكون القضية، قضية إنسانية عامة، أو قضية شخصية خاصة وتكون قضية اجتماعية، أو اقتصادية أو سياسية، أو أخلاقية... الخ. ومن خلال القضية المتفاوض بشأنها يتحدد الهدف التفاوضي، وكذا غرض كل مرحلة من مراحل التفاوض، بل والنقاط والأجزاء والعناصر التي يتعين تناولها في كل مرحلة من المراحل والتكتيكات والأدوات والاستراتيجيات المتعين استخدامها في كل مرحلة من المراحل.

رابعا: الهدف التفاوضي:

لا تتم أي عملية تفاوض بدون هدف أساسي تسعى إلى تحقيقه أو الوصول إليه وتوضع من أجله الخطط والسياسيات. فبناء على الهدف التفاوضي يتم قياس مدى تقدم الجهود التفاوضية في جلسات التفاوض وتعمل الحسابات الدقيقة، وتجري التحليلات العميقة لكل خطوة.

ويتم تقسيم الهدف التفاوضي العام أو النهائي إلى الهداف مرحلية وجزئية وفقا لمدى أهمية كل منها ومدى اتصالها بتحقيق الهدف الإجمالي أو العام أو النهائي.

ومن ناحية أخرى فان الهدف التفاوضي ، يدور في الغالب حول تحقيق أي من الآتي:

القيام بعمل محدد يتفق عليه الأطراف.

الامتناع عن القيام بعمل معين يتفق على عدم القيام به بين أطراف التفاوض.

تحقيق مزيجا من الهدفين السابقين معا.

شروط التفاوض

أولا: القوة التفاوضية:

ترتبط القوة التفاوضية بحدود أو مدى السلطة والتفويض الذي تم منحه للفرد التفاوض وإطار الحركة المسموح له بالسير فيه وعدم تعديه أو اختراقه فيما يتصل بالموضوع أو القضية المتفاوض بشأنها.

ثانيا: المعلومات التفاوضية:

هي أن يملك فريق التفاوض المعلومات التي تتيح له الإجابة على الأسئلة الآتية:

من نحن؟

من خصمنا؟

ماذا نريد؟

كيف نستطيع تحقيق ما نريد؟

هل يمكن تحقيق ما نريده دفعة واحدة ؟

أم يتعين أن نحققه على دفعات وتجزئته للوصول إليه على مراحل؟

وإذا كان ذلك يسير ،فما هي تلك الأهداف المرحلية ،وكيفية تحقيقها ؟

ما الذي نحتاجه من دعم وأدوات ووسائل وأفراد للوصول إلى تلك الأهداف؟  

وبناء على هذه المعلومات يتم وضع برنامج التفاوض محدد المهام ومحدد الأهداف وتتاح له الإمكانيات وتوفر له الموارد.

ثالثا: القدرة التفاوضية:

يتصل هذا الشرط أساسا بأعضاء الفريق. ومدى البراعة والمهارة والكفاءة التي يتمتع بها أو يحوزها أفراد هذا الفريق ومن ثم من الضروري الاهتمام بالقدرة التفاوضية لهذا الفريق وهذا يتأتى عن طريق الآتي :

الاختيار الجيد لأعضاء هذا الفريق من الأفراد الذين يتوفر فيهم القدرة والمهارة والرغبة والخصائص والمواصفات التي يجب أن يتحلى بها أعضاء هذا الفريق.

تحقيق الانسجام والتوافق والتلاؤم والتكييف المستمر بين أعضاء الفريق ليصبح وحدة متجانسة،محددة المهام ،ليس بينها أي تعارض أو انقسام في الرأي أوالميول أو الرغبات.

تدريب وتثقيف وحشذ وتحفيز وإعداد أعضاء الفريق المفاوض إعدادا عاليا يتم خلاله تزويدهم بكافة البيانات والمعلومات التفصيلة الخاصة بالقضية التفاوضية.

المتابعة الدقيقة والحثيثة لأداء الفريق المفاوض ولأي تطورات تحدث لأعضائه.

توفير كافة التسهيلات المادية وغير المادية التي من شانها تيسير العملية التفاوضية.

رابعا: الرغبة المشتركة:

ويتصل هذا الشرط أساسا بتوافر رغبة حقيقية مشتركة لدى الأطراف المتفاوضة لحل مشاكلها أو منازعاتها بالتفاوض واقتناع كل منهم بان التفاوض الوسيلة الحيدة أو الأفضل لحل هذا النزاع أو وضع حدا له.

خامسا: المناخ المحيط:

ويتصل المناخ التفاوضي بجانبين أساسيين هما:

1. القضية التفاوضية ذاتها:

وفي هذا الجانب يتعين أن تكون القضية التفاوضية ساخنة وبالتالي فان القضية كلما كانت ساخنة كلما أمكن أن يحظى التفاوض باهتمام ومشاركة الأطراف المختلفة وبفعالية؟

2. أن تكون المصالح متوازنة بين أطراف التفاوض :

يجب لتهيئة المناخ الفعال أن يتم التفاوض في إطار من توازن المصالح والقوى بين الأطراف المتفاوضة حتى يأخذ التفاوض دوره وتكون نتائجه أكثر استقرارا وتقبلا وعدالة واحتراما بين هؤلاء الأطراف فإذا لم يكن هناك هذا التوازن فانه لن يكون هناك تفاوضا بالمعنى السليم بل سيكون هناك استسلاما وتسليما وإجحافا بأحد الأطراف الذي لا يملك القوة اللازمة لتأييد حقه أو للتدليل عليه أو لفرض رأيه وإجبار الخصم الآخر على تقبله واحترامه والعمل به أو بما سيتم التوصل بالتفاوض إليه.

خطوات التفاوض

للتفاوض العملي خطوات عملية يتعين القيام بها والسير على هداها وهذه الخطوات تمثل سلسلة تراكمية منطقية تتم كل منها بهدف تقديم نتائج محددة تستخدم في إعداد وتنفيذ الخطوة التالية. وإن تراكمات كل مرحلة تبنى على ما تم الحصول عليه من ناتج المرحلة السابقة وما تم تشغيله بالتفاوض عليه واكتسابه خلال المرحلة الحالية ذاتها قبل الانتقال إلى المرحلة التالية الجديدة، وبهذا الشكل تصبح العملي التفاوضية تأخذ شكل جهد تفاوضي تشغيلي متراكم النتائج بحيث تصبح مخرجات كل مرحلة التالية لها وهكذا.

الخطوة الأولى: تحديد وتشخيص القضية التفاوضية:

وهي أولى خطوات العملية التفاوضية حيث يتعين معرفة وتحديد وتشخيص القضية المتفاوض بشأنها ومعرفة كافة عناصرها وعواملها المتغيرة ومرتكزاتها الثابتة. وتحديد كل طرف من أطراف القضية والذين سيتم التفاوض معهم. وتحديد الموقف التفاوضي بدقة لكل طرف من أطراف التفاوض ومعرفة ماذا يرغب أو يهدف من التفاوض.

ويتعين إجراء مفاوضات أو مباحثات تمهيدية لاستكشاف نوايا واتجاهات هذا الطرف وتحديد موقفه التفاوضي بدقة وبعد هذا التحديد يتم التوصل إلى نقطة أو نقاط التقاء أو فهم مشترك.

كما يتعين تحديد نقاط الاتفاق بين الطرفين المتفاوضين لتصبح الأرضية المشتركة أو الأساس المشترك لبدء العملية التفاوضية ويساعد في تحديد نقاط معرفة المصالح المشتركة التي تربط بين الطرفين المتفاوضين.

ومن ثم يتم تحديد مركز دائرة المصلحة المشتركة أو الاتفاق بين الأطراف ليمثل نقطة الارتكاز في التعامل مع وبهذه الدائرة حيث يتم في التفاوض نقل ذا المركز تدريجيا لتوسيع نقاط الاتفاق التي يوافق عليه الطرف الآخر وتصبح حقا مكتسبا.

وتستخدم في هذا المجال المفاوضات التمهيدية بهدف تحديد المواقف التفاوضية ومعرفة حقيقة ونوايا الطرف الآخر بالإضافة إلى:

تغيير اتجاهات وراء الطرف الآخر.

كسب تأييد ودعم الطرف الآخر والقوى المؤثرة عليه.

دفع الطرف الآخر إلى القيام بسلوك معين وفقا لخطة محددة.

الاستفادة من رد فعل الطرف الآخر.

وبصفة عامة يتم في المفاوضات التمهيدية تحديد نقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف بين الأطراف وتوضيح أبعاد كل منهما. ومن ثم يمكن تحديد النقاط الأشد تطرفا بالنسبة لكل طرف من الأطراف التي لا يمكن التأثير عليها والتي لن يتنازل عنها في الفترة الحالية على الأقل. وأكثر النقاط قبولا منه أو نقطة الالتقاء المشتركة التي يوافق عليها دون تردد. ومن ثم يقوم بالابتعاد عن أشد نقاط الاختلاف والتعامل فقط مع تلك النقاط التي تقع في منطقة التأرجح بين الموافقة والاعتراض والتي يمكن عن طريق التفاوض كسب النقاط التفاوضية بنجاح ويسر.

الخطوة الثانية: تهيئة المناخ للتفاوض:

إن هذه الخطوة هي خطوة مستمرة وممتدة تشمل وتغطى كافة الفترات الأخرى التي يتم الاتفاق النهائي عليها وجنى المكاسب النجمة عن عملية التفاوض.

وفي هذه المرحلة يحاول كل من الطرفين المتفاوضين خلق جو من التجاوب والتفاهم مع الطرف الآخر بهدف تكوين انطباع مبدئي عنه واكتشاف استراتيجيته التي سوف يسير على هداها في المفاوضات وردود أفعاله أمام مبادراتنا وجهودنا التفاوضية.

وتكون هذه المرحلة عادة قصيرة وبعيدة عن الرسميات وتقتصر عادة على لقاءات النادي أو على حفلات التعارف يتم فيها التبادل عبارات المجاملة والترحيب .

الخطوة الثالثة: قبول الخصم للتفاوض:

وهي عملية أساسية من عمليات وخطوات التفاوض لقبول الطرف الآخر وقبول الجلوس إلى مائدة المفاوضات. ومن ثم تنجح المفاوضات أو تكون أكثر يسرا خاصة مع اقتناع الطرف الآخر بأن التفاوض هو الطريق الوحيد ، بل والممكن لحل النزاع القائم أو للحصول على المنفعة المطلوبة أو لجنى المكاسب والمزايا التي يسعى إلى الوصول إليها. ويجب علينا أن نتأكد من صدق رغبة وحقيقة نوايا الطرف الأخر، وان قبوله للتفاوض ليس من قبيل المناورات أو لكسب الوقت أو لتحجيمها عن استخدام الوسائل الأخرى.

الخطوة الرابعة: التمهيد لعملية التفاوض الفعلية والإعداد لها تنفيذيا:

اختيار أعضاء فريق التفاوض وإعدادهم وتدريبهم على القيام بعملية التفاوض المطلوبة وإعطائهم خطاب التفويض الذي يحدد صلاحياتهم للتفاوض.

وضع الاستراتيجيات التفاوضية واختيار السياسات التفاوضية المناسبة لكل مرحلة من مراحل التفاوض.

الاتفاق على أجندة المفاوضات ، وما تتضمنه من موضوعات أو نقاط أو عناصر سيتم التفاوض بشأنها وأولويات تناول كل منها بالتفاوض.

اختيار مكان التفاوض وتجهيزه وإعداده وجعله صالحا ومناسبا للجلسات التفاوضية ، وتوفير كافة التسهيلات الخاصة به.

الخطوة الخامسة: بدء جلسات التفاوض الفعلية:

حيث تشمل هذه الخطوة من العمليات الأساسية التي لا يتم التفاوض إلا بها:

اختيار التكتيكات التفاوضية المناسبة من حيث تناول كل عنصر من عناصر القضية التفاوضية أثناء التفاوض على القضية وداخل كل جلسة من جلسات التفاوض.

الاستعانة بالأدوات التفاوضية المناسبة وبصفة خاصة تجهيز المستندات والبيانات والحجج والأسانيد المؤيدة لوجهات نظرنا والمعارضة لوجهات نظر الطرف الآخر.

ممارسة الضغوط التفاوضية على الطرف الآخر سواء داخل جلسة التفاوض أو خارجها. وتشمل هذه الضغوط عوامل:

الوقت.

التكلفة.

الجهد.

عدم الوصول إلى نتيجة.

الضغط الإعلامي.

الضغط النفسي.

تبادل الاقتراحات وعرض وجهات النظر في إطار الخطوط العريضة لعملية التفاوض وفي الوقت نفسه دراسة الخيارات المعروضة والانتقاء التفضيلي منها.

استخدام كافة العوامل الأخرى المؤثرة على الطرف الآخر لإجباره إلى اتخاذ موقف معين أو القيام بسلوك معين يتطلبه كسبنا للقضية التفاوضية أو إحراز نصر أو الوصول إلى اتفاق بشأنها أو بشان أحد عناصرها أو جزيئاتها.

الخطوة السادسة: الوصول إلى الاتفاق الختامي وتوقيعه:

لا قيمة لأي اتفاق من الناحية القانونية إذا لم يتم توقيعه في شكل اتفاقية موقعة وملزمة للطرفين المتفاوضين. ويجب الاهتمام بأن تكون الاتفاقية شاملة وتفصيلية تحتوي على كل الجوانب ومراعي فيها اعتبارات الشكل والمضمون ومن حيث جودة وصحة ودقة اختيار الألفاظ والتعبيرات لا تنشأ أي عقبات أثناء التنفيذ الفعلي للاتفاق التفاوضي.

مناهج واستراتيجيات التفاوض

أولا: استراتيجيات منهج المصلحة المشتركة:

يقوم هذا المنهج على علاقة تعاون بين طرفين أو أكثر يعمل كل طرف منهم على تعميق وزيادة هذا التعاون وإثماره لمصلحة كافة الأطراف. واستراتيجيات هذا المنهج هي :

1. استراتيجية التكامل:

هو تطوير العلاقة بين طرفي التفاوض إلى درجة أن يصبح كل منهما مكملا للآخر في كل شيء بل قد يصل الأمر إلى أنهما يصبحان شخصا واحدا مندمج المصالح والفوائد والكيان القانوني أحيانا وذلك بهدف تعظيم الاستفادة من الفرص المتاحة أمام كل منهما. ويمكن تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال:

التكامل الخلفي.

التكامل الأمامي.

التكامل الأفقي.

2. استراتيجية تطوير التعاون الحالي:

وتقوم هذه الإستراتيجية التفاوضية على الوصول إلى تحقيق مجموعة من الأهداف العليا التي تعمل على تطوير المصلحة المشتركة بين طرفي التفاوض وتوثيق أوجه التعاون بينهما. ويمكن تنفيذ هذه الاستراتيجية من خلال:

توسيع مجالات التعاون: وتتم هذه الاستراتيجية عن طريق إقناع الطرفين المتفاوضين بمد مجال التعاون إلى مجالات جديدة لم يكن التعاون بينهما قد وصل إليها من قبل.

الارتقاء بدرجة التعاون: وتقوم هذه الاستراتيجية على الارتقاء بالمرحلة التعاونية التي يعيشها طرفي التفاوض خاصة أن التعاون يمر بعدة مراحل أهمها المراحل الآتية:

1. مرحلة التفهم المشترك أو التعرف على مصالح كل الأطراف.

2. مرحلة الاتفاق في الرأي أو لقضاء المصالح.

3. مرحلة العمل على تنفيذه أو مرحلة تنفيذ المنفعة المشتركة.

4. مرحلة اقتسام عائده أو دخله أو مرحلة تنفيذ المنفعة المشتركة.

وفي كل هذه المراحل يقوم العمل التفاوضي بدور هام في تطوير التعاون بين الأطراف المتفاوضة والارتقاء بالمرحلة التي يمر بها.

3. استراتيجية تعميق العلاقة القائمة:

تقوم هذه الاستراتيجية على الوصول لمدى اكبر من التعاون بي طرفين أو أكثر تجمعهم مصلحة ما.

4. استراتيجية توسيع نطاق التعاون بمده إلى مجالات جديدة:

تعتمد هذه الإستراتيجية أساسا على الواقع التاريخي الطويل الممتد بين طرفي التفاوض من حيث التعاون القائم بينهما وتعدد وسائله وتعدد مراحله وفقا للظرف والمتغيرات التي مر بها وفقا لقدرات وطاقات كل منهما .

وهناك أسلوبين لهذه الاستراتيجية هما: 

1. توسيع نطاق التعاون بمده إلى مجال زمني جديد: ويقوم هذا الأسلوب على الاتفاق بين الأطراف المتفاوضة على فترة زمنية جديدة مستقبلة ،أو تكثيف وزيادة التعاون وجني التعاون خلال هذه الفترة المقبلة.

2. توسيع نطاق التعاون بمده إلى مجال مكاني جديد: ويتم هذا الأسلوب عن طريق الاتفاق على الانتقال بالتعاون إلى مكان جغرافي آخر جديد.

ثانيا:استراتيجيات منهج الصراع :

على الرغم من أن جميع من يمارسون استراتيجيات الصراع في مفاوضاتهم سواء على المستوى الفردي للأشخاص أو على المستوى الجماعي، وتبنيهم لها واعتمادهم عليها إلا أنهم يمارسونها دائما سرا وفي الخفاء، بل أنهم في ممارستهم للتفاوض بمنهج الصراع يعلنون أنهم يرغبون في تعميق المصالح المشتركة. إذ أن جزء كبير من مكونات هذه الاستراتيجيات يعتمد على الخداع والتمويه.

الاستراتيجية الأولى: استراتيجية (الإنهاك):

وتقوم هذه الاستراتيجية على الآتي :

1. استنزاف وقت الطرف الآخر.

ويتم ذلك عن طريق تطويل فترة التفاوض لتغطي أطول وقت ممكن دون أن تصل المفاوضات إلا إلى نتائج محدودة لا قيمة لها. ويستخدم الأسلوب الآتي لتحقيق ذلك:

التفاوض حول مبدأ التفاوض ذاته ومدى إمكانية استخدامه واستعداد الطرف الآخر للتعامل به ومدى إمكانية تنفيذه لتعهداته التي يمكن الوصول إليها.

التفاوض في جولة أو جولات أخرى حول التوقيت والميعاد المناسب للقيام بالجولات التفاوضية التي تم الاتفاق أو جاري الاتفاق عليها.

التفاوض في جولة أو جولات جديدة حول مكان التفاوض أو أماكن التفاوض المحتملة والأماكن البديلة.

التفاوض في جولات جديدة حول الموضوعات التي سوف يتم التفاوض عليها.

التفاوض حول كل موضوع من الموضوعات التي حددت لها أولويات وفي ضوء كل موضوع من الموضوعات التي يمكن تقسيمه إلى عناصر وأفرع متفرعة يتم كل منها في جلسة أو أكثر من جلسات التفاوض.

2. استنزاف جهد الطرف الآخر إلى أشد درجة ممكنة.

ويتم ذلك عن طريق تكثيف وحفز طاقاته واستنفار كافة خبراته وتخصصاته وشغلهم بعناصر القضية التفاوضية الشكلية التي لا قيمة لها عن طريق:

إثارة العقبات القانونية المفتعلة حول كل عنصر من العناصر القضايا المتفاوض عليها وحول مسميات كل موضوع والتعبيرات والجمل والكلمات والألفاظ التي تصاغ بها عبارات واسم كل موضوع التفاوض.

وضع برنامج حافل للاستقبالات والحفلات والمؤتمرات الصحفية وحفلات التعارف وزيارة الأماكن التاريخية.

زيادة الاهتمام بالنواحي الفنية شديدة التشعب كالنواحي الهندسية والجغرافية والتجارية والاقتصادية والبيئية والعسكرية ...الخ، وإرجاء البت فيها إلى حين يصل رأي الخبراء والفنيين الذين سيتم مخاطبتهم واستشاراتهم فيها ومن ثم تنتهي جلسات التفاوض دون نتيجة حاسمة بل وهناك أمور كثيرة معلقة لم يبت فيها وهي أمور شكلية في اغلب الأحيان وترتبط بها وتعلق عليها الأمور الجوهرية الأخرى بل والشكلية الأخرى أحيانا.

3. استنزاف أموال الطرف الآخر.

وذلك عن طريق زيادة معدلات إنفاقه وتكاليف إقامته وأتعاب مستشاريه طوال العملية التفاوضية فضلا عن ما يمثله ذلك من تضييع باقي الفرص المالية والاقتصادية البديلة التي كان يمكن له أن يحصل عليها لو لم يجلس معنا إلى مائدة التفاوض وينشغل بها.

الاستراتيجية الثانية: إستراتيجية التشتيت (التفتيت):

وهي من أهم استراتيجيات منهج الصراع التفاوضية حيث تعتمد عليها بشكل كبير الأطراف المتصارعة إذا ما جلست إلى مائدة التفاوض. وتقوم هذه الاستراتيجية على فحص وتشخيص وتحديد أهم نقاط الضعف والقوة في طريق التفاوض الذي أوفده الطرف الآخر للتفاوض وتحديد انتماءاتهم وعقائدهم ومستواهم العلمي والفني والطبقي والدخلي وكل ما من شانه أن يصبغهم إلى شرائح وطبقات ذات خصائص محددة مقدما.

وبناء على هذه الخصائص يتم رسم سياسة ماكرة لتفتيت وحدة وتكامل فريق التفاوض الذي أوفده الطرف الآخر للتفاوض معنا والقضاء على وحدته وائتلافه وتماسكه وعلى الاحترام ليصبح فريق مفت متعارض تدب بين أعضائه الخلافات والصراعات ومن ثم يصبح جهدهم غير منسجما.

وتمتاز هذه الاستراتيجية بأنها من ضمن استراتيجيات الدفاع المنظم في حالة التعرض لضغط تفاوضي عنيف أو مبادرة تفاوضية جديدة لم نكن نتوقعها ولم نحسب حساب لها.

الاستراتيجية الثالثة: استراتيجية إحكام السيطرة (الإخضاع):

تعد العملية التفاوضية وفقا لمنهج الصراع معركة شرسة أو مباراة ذهنية ذكية بين طرفين.

لذا تقوم هذه الاستراتيجية على حشذ كافة الإمكانيات التي تكفل السيطرة الكاملة على جلسات التفاوض. عن طريق:

القدرة على التنويع والتشكيل والتعديل والتبديل للمبادرات التفاوضية التي يتم طرحها على مائدة المفاوضات بحيث يكون لنا سبق التعامل مع الطرف الآخر وسبق البدء في الحركة فضلا عن إجبار الطرف الآخر على أن يتعامل مع مبادرة من صنعنا نعرف كل شيء عنها ومن ثم فان عليه أن يسير وفقا للطريق الذي رسمناه له والذي يسهل علينا السيطرة عليه فيه.

القدرة على الحركة السريعة والاستجابة التلقائية والفورية والاستعداد الدائم للتفاوض فور قيام الطرف الآخر بإبداء رغبته في ذلك لتفويت الفرصة عليه في اخذ زمام المبادرة والسيطرة على عملية التفاوض من أولها إلى آخرها.

الحرص على إبقاء الطرف الآخر في مركز التابع والذي عليه أن يقبع ساكنا انتظارا للإشارة التي نعطيها له أو أن تكون حركته في نطاق الإطار الذي تم وضعه ليحيطه.

الاستراتيجية الرابعة: استراتيجية الدحر (الغزو المنظم):

وهي استراتيجية يتم استخدامها بغض النظرعن ندرة أو قلة المعلومات عن الطرف الآخر الذي يتم معه الصراع التفاوضي.

وفقا لهذه الاستراتيجية يتم استخدام التفاوض التدريجي خطوة خطوة ليصبح عملية غزو منظم للطرف الآخر حيث تبدأ العملية باختراق حاجز الصمت أو ندرة المعلومات بتجميع كافة البيانات والمعلومات الممكنة من خلال التفاوض التمهيدي مع هذا الطرف. ثم معرفة أهم المجالات التي يمتلك فيها ميزات تنافسية خطيرة تهدد منتجاتها والتفاوض معه على أن يترك لنا المجال فيها وان يتجه إلى مجالات أخرى تستغرق وتستنزف قدراته وإمكانياته. وفي الوقت نفسه جعله ينحسر تدريجيا عن الأسواق التقليدية التي كان يتعامل معها إلى أن يفقد أسواقه الخارجية بشكل كامل وينحصر عمله فقط في داخل بلاده.

وفي المرحلة التالية يتم اختراق السوق ببلده عن طريق عقود التصنيع المشتركة التي تتضمن توريد كافة المكونات الخاصة بالسلعة المصنعة أو المجمعة عن طريقنا ويقتصر عمله هو فقط على إقامة بعض خطوط التجميع.

وفي مرحلة لاحقة يصرف نظره عن هذه الخطوط ليقتصر عمله هو فقط على التوزيع ثم في مرحلة لاحقه نقوم نحن بالتوزيع. ويتطلب التفاوض وفقا لهذه الاستراتيجية قدرات غير عادية من فريق المفاوضين.

الاستراتيجية الخامسة: استراتيجية التدمير الذاتي (الانتحار):

لكل طرف من أطراف التفاوض: أهداف، آمال وأحلام وتطلعات وهي جميعا تواجهها: محددات، عقبات، ومشاكل، وصعاب، وكلما كانت هذه العقبات شديدة كلما ازداد يأس هذا الطرف وإحساسه باستحالة الوصول إليها وأنه مهما بذل من جهد فانه لن يصل إليها. وهنا عليه أن يختار بين بديلين هما:

1. صرف النظر عن هذه الطموحات والأهداف وارتضاء ما يمكن تحقيقه منها واعتباره الهدف النهائي له.

2. البحث عن وسائل أخرى جديدة غير مرئية أو منظورة حاليا تمكنه من تحقيق هذه الأهداف في المستقبل.

سياسات التفاوض

1. سياسة الاختراق التفاوضية / سياسة الجدار الحديدي.

2. سياسة التعميق التفاوضية (التأكيد) / سياسة التعتيم التفاوضية (التشكيك).

3. سياسة التوسيع والانتشار التفاوضية / سياسة التضييق والحصار التفاوضية.

4. سياسة أحداث التوتر التفاوضي/ سياسة الاسترخاء التفاوضي.

5. سياسة الهجوم التفاوضي/ سياسة الدفاع التفاوضي.

6. سياسة التناول المتدرج للقضية التفاوضية / سياسة الصفقة التفاوضية الواحدة.

7. سياسة المواجهة المباشرة والصريحة / سياسة المراوغة والالتفاف.

8. سياسة التطوير التفاوضية / سياسة التجميد التفاوضية.

خصائص ومواصفات المفاوض المحترف

هناك عدد من الخصائص والمواصفات التي يجب أن تتوافر في رجل التفاوض المحترف حتى يستطيع أن يقوم بوظيفته التفاوضية خير قيام. وهذه الخصائص تتكامل مع بعضها البعض لتضع الإطار العام والخاص لشخصية رجل التفاوض وتجعل منه صالحا للقيام بعملية التفاوض التي تستند إليه.

وإن كان يجب القول أن كل عملية تفاوض تحتاج إلى خصائص ومهارات معينة في من يقوم بها ولعل هذا يفسر لنا أن كل موقف تفاوضي يحتاج إلى طريقة معينة لمعالجته والتعامل معه. ومن هنا فقد أصبحت عملية التفاوض عملية احتراف متعددة الجوانب والأبعاد يتم داخلها تخصص معين.

مبادئ التفاوض

وتلخص في (23) مبدأ:

1. كن على استعداد دائم للتفاوض،وفي أي وقت.

2. أن لا تتفاوض أبدا دون أن تكون مستعدا.

3. التمسك بالثبات الدائم وهدوء الأعصاب.

4. عدم الاستهانة بالخصم أو بالطرف المتفاوض معه.

5. لا تتسرع في اتخاذ قرار واكسب وقتا للتفكير.

6. أن تستمع أكثر من أن تتكلم وإذا تكلمت فلا تقل شيئا له قيمة خلال المفاوضات التمهيدية.

7. ليست هناك صداقة دائمة،ولكن هناك دائما مصالح دائمة.

8. الإيمان بصدق وعدالة القضية التفاوضية.

9. الحظر والحرص وعدم إفشاء ما لديك دفعة واحدة.

10. لا أحد يحفظ أسرارك سوى شفتيك.

11. تبنى تحليلاتك ومن ثم قراراتك على الوقائع والأحداث الحقيقية ولا يجب أن تبنى على التمنيات.

12. أن نتفاوض من مركز قوة.

13. الاقتناع بالرأي قبل إقناع الآخرين به.

14. استخدام الأساليب غير المباشرة في التفاوض وكسب النقاط التفاوضية كلما أمكن ذلك.

15. ضرورة تهيئة الطرف الآخر وإعداده نفسيا لتقبل الاقتناع بالرأي الذي تتبناه.

16. هدوء الأعصاب والابتسامة مفتاح النجاح في التفاوض.

17. التفاؤل الدائم ومقابلة الثورات العارمة والانتقادات الظالمة برباط الجأش والهدوء المطلق والعقلانية الرشيدة.

18. التجديد المستمر في طرق وأساليب تناول الموضوعات المتفاوض بشأنها وفي أسلوب عمل الفريق التفاوضي.

19. عدم البدء في الحوار التفاوضي بجملة استفزازية أو بنظرة عدوانية أو بحركة تعبر عن الكراهية والتحدي والعدوان.

20. التحلي بالمظهر الأنيق المتناسق الوقور المحترم في جميع عمليات التفاوض وفي كافة جلساته الرسمية.

21. الاستمتاع بالعمل التفاوضي.

22. لا يأس في التفاوض ولا هزيمة مطلقة نهائية ودائمة فيه.

23. عدم الانخداع بمظاهر الأمور والاحتياط دائما من عكسها.

المصدر : http://www.sst5.com – نقلا من نقلا من موقع مفاتيح المستقبل

 

مبادئ التفاوض

 

 

وتلخص في (23) مبدأ:

1. كن على استعداد دائم للتفاوض،وفي أي وقت.

2. أن لا تتفاوض أبدا دون أن تكون مستعدا.

3. التمسك بالثبات الدائم وهدوء الأعصاب.

4. عدم الاستهانة بالخصم أو بالطرف المتفاوض معه.

5. لا تتسرع في اتخاذ قرار واكسب وقتا للتفكير.

6. أن تستمع أكثر من أن تتكلم وإذا تكلمت فلا تقل شيئا له قيمة خلال المفاوضات التمهيدية.

7. ليست هناك صداقة دائمة،ولكن هناك دائما مصالح دائمة.

8. الإيمان بصدق وعدالة القضية التفاوضية.

9. الحظر والحرص وعدم إفشاء ما لديك دفعة واحدة.

10. لا أحد يحفظ أسرارك سوى شفتيك.

11. تبنى تحليلاتك ومن ثم قراراتك على الوقائع والأحداث الحقيقية ولا يجب أن تبنى على التمنيات.

12. أن نتفاوض من مركز قوة.

13. الاقتناع بالرأي قبل إقناع الآخرين به.

14. استخدام الأساليب غير المباشرة في التفاوض وكسب النقاط التفاوضية كلما أمكن ذلك.

15. ضرورة تهيئة الطرف الآخر وإعداده نفسيا لتقبل الاقتناع بالرأي الذي تتبناه.

16. هدوء الأعصاب والابتسامة مفتاح النجاح في التفاوض.

17. التفاؤل الدائم ومقابلة الثورات العارمة والانتقادات الظالمة برباط الجأش والهدوء المطلق والعقلانية الرشيدة.

18. التجديد المستمر في طرق وأساليب تناول الموضوعات المتفاوض بشأنها وفي أسلوب عمل الفريق التفاوضي.

19. عدم البدء في الحوار التفاوضي بجملة استفزازية أو بنظرة عدوانية أو بحركة تعبر عن الكراهية والتحدي والعدوان.

20. التحلي بالمظهر الأنيق المتناسق الوقور المحترم في جميع عمليات التفاوض وفي كافة جلساته الرسمية.

21. الاستمتاع بالعمل التفاوضي.

22. لا يأس في التفاوض ولا هزيمة مطلقة نهائية ودائمة فيه.

23. عدم الانخداع بمظاهر الأمور والاحتياط دائما من عكسها.