الخميس، 25 مارس 2021

العلم الكوني في القرآن الكريم وسيلة حوار ودعوة وتواصل حضاري مع الآخر

 


العلم الكوني في القرآن الكريم

وسيلة حوار ودعوة وتواصل حضاري مع الآخر

 

في حوار الحضارات تتعدد طرائق ووسائل الحوار، وهنا نطرح العلم الكوني في القرآن الكريم كوسيلة للحوار والعالم يعيش في عصر العلم، ونحن ندعو الآخرين قبل أن يطلقوا عموميات عن ضَعف أو تخلُّف العقل المسلم حضاريًّا، أن يتأملوا حقائق علوم الكون في القرآن، فإذا كانت أصول العلم اليوم قد سطرها الخالق في القرآن - دستور المسلمين - منذ ما يزيد على 1400 سنة، منذ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذه دعوة للنظر والحوار.

 

وحتي تبدو الحقيقة جلية، ندعو إلى التأمل في موضوعات جوائز نوبل، باعتبارها أرفع الجوائز العالمية في مجال العلوم، فسنجد أن معظمها هو برهنة على علم كوني أشار إليه القرآن، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

إذا كان اتساع الكون هو أهم كشف كوني في القرن العشرين، فإن القرآن قد ذكر تلك الحقيقة بوضوح تام، وكذا الحال في اكتشاف العلم أن الكون بدأ محُيزًا، ثم حدث له انفجار، وعبر عن ذلك علميًّا بنظرية "الانفجار الأعظم"، فإن في القرآن الحقيقة التي تعين العلماء على معرفة بداية الزمان والمكان الكوني في حدث "فتق الرتق"، ولسوف تفخر نوبل مع تطور العلم حينما يكتشف العلم حقيقة المفردات العلمية القرآنية المتعلقة بالسماء ذات الحُبك، وأعمدة السموات التي لا تُرى، وطباقية الكون المعبرة عن السبع سماوات الطباق، وحقيقة الكون المطوي.

 

إن إشارات القرآن إلى نسبية الزمن سبقت نسبية العلماء، إن أسرار السماء التي ذكرت في القرآن تسوق أبحاث علماء الكون وهم يبحثون عن الغبار بين النجوم كأصل لمجرات السماء، والقرآن يساعدهم في إخباره أن السموات والأرض أصلهما دُخَان، وفي القرآن العلم الحقيقي عن تطور الكون الذي يحاول العلماء استكشاف تاريخه، ولعل آيات صورة (فُصِّلت) وغيرها تكون دليلاً أمام العلماء على رسم صورة الكون وتاريخه.

 

إن أمام العلماء في العالم أجمع علمًا كونيًّا قرآنيًّا، عرفوا بعضه، ويغيب عنهم الكثير منه؛ مثل: رجْع السماء، والنجم الثاقب، والجوار الكنس، والسقف المرفوع، والسماء المتسقة بدون تفاوت وفروج، بل إن مجرد تدبر معاني كلمة السماء في القرآن الكريم، ستفتح آفاقًا جديدة أمام العلماء، ولن أُبالغ إذا قلت: إن فَهْم سرِّ الحُبك التي هي خاصية للسماء في النص القرآني؛ ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ ﴾ [الذاريات: 7].

 

ستفتح آفاقًا جديدة في دراسة فك رموز علم الكون، وعلاقة الحُبك بالموجات التثاقلية والخلفية الكونية الميكرويفية، وحبك السماء أمل لا يعرف العلماء حقيقته اليوم، كشف أهديه إلى علماء الكون؛ حتى يتأكدوا أن علم القرآن في مجال الكون يسوق ويسبق أبحاثهم، ويحل أعقد المشاكل أمام العلماء في توحيد أنواع الطاقة الأربعة باختراع معادلة تصف القوي التي تمسك الكون، والتي عبر عنها القرآن بقوله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 7].

 

ثم إن القرآن الكريم يصف مآل الكون بمنتهى الدقة؛ من انكدار النجوم، وانتثار الكواكب، وطمس النجوم، وانكدارها، وتكوير الشمس، وقرار الشمس إلى مستقر لها، وجمع الشمس والقمر، وفي كل ذلك مساعدة للعلماء الباحثين عن حال الكون في المستقبل.

 

فإذا ما نظرنا في خلْق الأرض في القرآن الكريم، وجدنا وصفًا علميًّا دقيقًا لظواهر الأرض، والآلية التي تعمل بها الأرض من جرَّاء حركة ما فيها من قِطَعٍ متجاورات، وتلك حقيقة قرآنية لم يعرفها علماء الجيولوجيا إلا في مطلع السبعينيات من القرن العشرين، ويذكر القرآن الحقائق التي تذهل العلماء عن مد الأرض نتيجة تقطيعها إلى قطع، وإنقاص تلك القطع من أطرافها؛ حتى يتعادل المد مع الإنقاص، وعن اتساع قيعان البحار من منتصفاتها، وكونها حاليًّا مسجرة بالنار؛ أي: بالحِمَم، ويتيه العلم الكوني القرآني على العلماء والعلم، حينما يشير إلى ظلمات البحار، وتراكُب أمواجها، والحاجز الذي يفصل بين البحرين، وقرار الأرض بالرواسي، وجعل الأودية بقدرها، وإنزال الماء بقدر، وتخزينه في الأرض.

 

حقًّا إنه علم قرآني يجب أن نسأل عنه من يدرسون تاريخ العلوم، هل كان علم البشر منذ 1400 سنة على درجة يسمح بمعرفة الحقائق السابقة؟ فإذا كان الجواب بالنفي، فمن أدرى نبي الإسلام محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهو النبي الأُمي الذي لا يقرأ ولا يكتب - بتلك الحقائق؟ حقًّا إنه الوحي والرسالة والنبوة.

 

فإذا ما نظرنا إلى خلق الإنسان، نجد القرآن قد سبق العلم الحديث في إقراره بأطوار الخلق من نطفة وعلقة ومضغة، وعظام وكسوة العظام لحمًا، ثم إنشائه خلقًا آخر، ومن روائع الإعجاز العلمي للقرآن وصْف مرحلة الشيخوخة، وإقراره بالتنكيس في الخلق مع تقدُّم العمر، كما أن إشارة القرآن إلى تقدير خلق الإنسان في النطفة، والتي لم يستكشفه الإنسان إلا في سنة 2000م، لدليل أكيد على الإعجاز العلمي للقرآن، فعندما درس العلماء الخريطة الوراثية المعروفة بالجينوم البشري، تبيَّن أن صفات الإنسان مقدرة فى نواة الخلية الجسدية، وهذا هو بالضبط ما أشار إليه القرآن فى قوله تعالى: ﴿ قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ [عبس: 17 - 19].

 

بل إن القرآن يشير إلى أن قاعدة خلق الإنسان هي ﴿ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ﴾ [النبأ: 8]، ونسأل علماء الحياة هل كل شيء في الإنسان خلق أزواجًا؟

 

إن القرآن سبق العلماء الذين حصلوا على جوائز نوبل في اكتشاف الزوجية في عالم الأشياء الجامدة من المكونات دون الذرية، حينما أشار إلى قاعدة عموم الزوجية بقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49]، وأحدث جوائز علوم الحياة - نوبل - عن الموت الخلوي المبرمج ما هي إلا فَهْم لقوله: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2].

 

وفي القرآن لمحات رائعة عن خلق الدواب، وأصنافها، وأسرارها، فالنملة قالت، وإذا بأرقى أنواع البرامج الحاسوبية تصمم استرشادًا بسلوك النمل في جمع غذائه، والنحل في القرآن يوحى إليه، وقد أذهل العلماء ومنهم فان فرتش - الحاصل على جائزة نوبل في العلوم - أذهلته الطريقة التي يتخاطب بها النخل وكيفية معرفة سبله في جمع رحيق الأزهار، والقرآن يخبر أن دواب الأرض وطيور السماء أُمم مثل أُمم البشر، ويريح القرآن العقل البشري حينما يوضح حقائق الخلق وعظمة الخالق، ويبعد عن الناس التخبط والتيه، وهم يبحثون عن الخلق فكفاهم ظنًّا ووهمًا في نظريات باطلة كاذبة حول التطور العضوي، بل إن القرآن الكريم يحذر الناس من الفعل الشيطاني المتمثل في استغلال ثورة الهندسة الوراثية لتغيير خلق الله، والتي لن يكون من ورائها إلا الخسران المبين.

 

إنها دعوة للعقلاء، ولعلماء العالم قاطبةً، تعالوا نتدارس أكثر من ألف آية من القرآن الكريم، والتي تمثل قرابة سُدس ذلك الكتاب..، ألف آية تتحدث عن خلق السموات والأرض، والأحياء والإنسان، ومآل الكون والحياة، وما على العلماء إلا الجد لمعرفة البعد العلمي لذلك الكتاب الكريم، ولتشريعاته السامية التي تجعل العلم في خدمة الإنسان.

 

يا علماء العالم، تعالَوا إلى كلمة سواء: وهي هل علمكم الذي عرفتموه تتطابق حقائقه مع إشارات القرآن الكريم؟ فإذا كان الجواب بنعم، وهو كذلك، فهل تشهدون أن الله هو الخالق؟ وهل تشهدون لمحمد بالوحي والرسالة؟ والقرآن قد رفع قدركم وأعز شأنكم في قوله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، وأيضًا في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 27، 28].

 

فيا أيها المسلمون، تلمَّسوا العلم في كتابكم العزيز وحققوه في الأرض والسماء، فلا قائمة لكم إلا بالتمسك بالدستور العام المتمثل في كتاب الله وسنة نبيه، والأخذ بأسباب التقدم العلمي والتقني، وأعيدوا إلى الحياة وجْهها المشرق الذي تاه حينما تخلَّفتم عن ركْب الحياة؛ حتى يصبح العلم وسيلة لراحة العالم بعد أن غرق البشر في بحار المادة المظلمة، انهَضوا من غفوتكم، تسعَدْ بكم الأُمم، ويَعَمَّ الأرضَ السلامُ، والحمد لله رب العالمين.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/culture/0/68938/#ixzz6nW16oqzc

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق